دروس في الرسائل - ج ١

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في الرسائل - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: ياران
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٦٧

العبادات ـ أيضا ـ كثيرة ، مثل قوله : (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ)(١) وآيات التيمّم والوضوء والغسل ، وهذه العمومات وإن ورد فيها أخبار في الجملة الّا أنه ليس كل فرع ممّا يتمسّك فيه بالآية ورد فيه خبر سليم عن المكافئ ، فلاحظ وتتبّع.

الثاني : إنه إذا اختلفت القراءة في الكتاب على وجهين مختلفين في المؤدّى ، كما في قوله تعالى : (حَتَّى يَطْهُرْنَ) حيث قرئ بالتشديد ـ من التطهّر الظاهر في الاغتسال ـ وبالتخفيف ـ من الطهارة الظاهرة في النقاء عن الحيض ـ فلا يخلو : إمّا أن نقول بتواتر القراءات كلّها ، كما هو المشهور ، خصوصا في ما كان الاختلاف في المادة ، وإمّا أن لا نقول ،

____________________________________

المعنى والمفهوم.

قوله (وهذه العمومات) اشارة إلى الجواب عن الوجه الأول ، يعني : ليس كل فرع يحتاج فيه إلى التمسّك بالآية ممّا ورد فيه خبر سليم عن المعارض.

وحاصل الجميع أن البحث عن حجّية ظواهر القرآن لم يكن خاليا عن الفائدة والثمرة حتى يقال : إنه لغو وعبث لا يصدر عن عاقل ، بل فيه فوائد كثيرة.

(الثاني : إنّه إذا اختلفت القراءة في الكتاب على وجهين مختلفين في المؤدّى) فلا بدّ من البحث عن جهات حتى يتضح ما هو محل النزاع والكلام منها ، فنذكرها إجمالا قبل بيانها تفصيلا :

الجهة الاولى هي : محل الكلام في كيفية اختلاف القراءات.

الجهة الثانية هي : البحث عن تواترها ، وعدم تواترها.

والجهة الثالثة هي : البحث بعد فرض عدم تواترها عن أن جواز القراءة على طبق كل قراءة هل يلازم جواز الاستدلال بها أم لا؟

والجهة الرابعة : يقع الكلام في حكم تعارض قراءتين.

وأمّا تفصيل الكلام في الجهات فنقول : إنّ محل النزاع في الجهة الاولى يكون فيما إذا كان الاختلاف في القراءة موجبا للاختلاف في المؤدّى ، وذلك لأن الاختلاف في القراءة يتصوّر على أقسام :

__________________

(١) التوبة : ٢٨.

٢٨١

كما هو مذهب جماعة.

____________________________________

الأول : هو الاختلاف من حيث الصورة فقط دون المادة والمؤدّى مثل : مالك يوم الدين ، وملك يوم الدين ، والفرق بينهما بالعموم والخصوص ، إذ المالك أعمّ من الملك كما في تفسير مجمع البيان.

الثاني : هو الاختلاف من حيث المادة دون الصورة ، كقوله تعالى : (كَيْفَ نُنْشِزُها) حيث قرئ بالزاء والراء ، كما في مجمع البيان في ذيل آية ٢٥٩ من سورة البقرة.

والثالث : الاختلاف في الصورة والمؤدّى دون المادة ، كقوله تعالى : (فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ)(١) قرئ بالتشديد والتخفيف ، فعلى الأول يحرم المقاربة قبل الغسل ، وعلى الثاني يحرم المقاربة قبل النقاء ، وسيأتي تفصيل البحث في الجهة الرابعة.

والحاصل أن محل النزاع مختصّ فيما إذا كان الاختلاف في القراءة موجبا للاختلاف في المؤدّى ، سواء كان موجبا للاختلاف في المادة والصورة أم لا؟ كما هو المستفاد من المصنّف رحمه‌الله حيث قال : (على وجهين مختلفين في المؤدّى).

وأمّا محل النزاع في الجهة الثانية ، فهو أن المراد من تواتر القراءات من القرّاء السبعة ، وهم نافع ، وأبو عمرو الكسائي ، وحمزة ، وابن عامر ، وابن كثير ، وعاصم ، أو العشرة بزيادة أبي جعفر ، وأبي يعقوب ، وابن خلف ، هل هو تواترها عنهم ، أو عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ وجهان :

وظاهر الأكثر وصريح البعض هو الثاني ؛ لأن المدار في ثبوت القرآنيّة هو ثبوتها عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والّا فلا تثبت قرآنيّة كل قراءة ، بل تكون كلّها باجتهادات القرّاء ، وإعمالهم القواعد العربية ، والوجوه الاستحسانية وعلى كل فالمشهور هو تواتر القراءات.

وذهب جماعة إلى عدم التواتر فلا بدّ من البحث على فرض عدم التواتر كما هو مقتضى الجهة الثالثة فنقول : لا شك في جواز القراءة على طبق كل قراءة لأمر الأئمّة عليهم‌السلام بقراءة القرآن ، كما يقرأ الناس كما في بعض الروايات وهذا لا نزاع فيه.

وإنّما النزاع والخلاف في جواز الاستدلال على كل قراءة من القراءات ، بمعنى : إن جواز

__________________

(١) البقرة : ٢٢٢.

٢٨٢

فعلى الأول : فهما بمنزلة آيتين تعارضتا ، لا بدّ من الجمع بينهما بحمل الظاهر على النصّ أو على الأظهر ، ومع التكافؤ لا بدّ من الحكم بالتوقّف والرجوع إلى غيرهما.

____________________________________

القراءة على طبق كل قراءة هل يلازم جواز الاستدلال بها أم لا؟ فإن قلنا بالجواز كان حكم القراءات على فرض عدم التواتر كحكمها على فرض التواتر ، فتكون القراءتان المختلفتان بمنزلة آيتين متعارضتين.

فيقع الكلام في الجهة الرابعة ، أي : بيان حكم تعارض القراءتين في الآية المتقدمة حيث قرئ يطهرن بالتشديد والتخفيف ، فلا بدّ من الجمع بينهما بحمل الظاهر على النصّ ، أو على الأظهر.

وتقريب التعارض بينهما يحتاج إلى بيان ما يدل عليه ـ منطوقا ومفهوما ـ كل من القراءتين ، فمقتضى القراءة بالتشديد منطوقا هو حرمة المقاربة إلى تحصيل الطهارة ، أي : الاغتسال ، ومقتضى مفهومها هو جواز المقاربة بعد الاغتسال وعدم الجواز قبله ، ثم مقتضى القراءة بالتخفيف منطوقا هو حرمة المقاربة إلى النقاء ، يعني : يحرم قبل انقطاع دم الحيض ، فيكون مفهومها هو جواز المقاربة بعد انقطاع الدم وإن لم تغسل ، فيقع التعارض في المقاربة بعد النقاء ، وقبل الغسل ، حيث يكون مقتضى القراءة بالتشديد بحسب المنطوق الحرمة.

ومقتضى التخفيف بحسب المفهوم هو الجواز ، فنقدم القراءة بالتشديد لكون دلالتها بالمنطوق تكون أقوى من دلالة القراءة بالتخفيف ، فنفرض دلالتها بالنصّ أو بالأظهر ، ودلالة القراءة بالتخفيف نفرضها ظاهرا ، فنجمع بينهما بحمل الظاهر على النصّ أو على الأظهر.

(ومع التكافؤ لا بدّ من الحكم بالتوقّف والرجوع إلى غيرهما).

يعني : مع تساوي القراءتين بأن تكونا ظاهرتين ، أو نصّين ، فلا بدّ من الحكم بالتوقّف والرجوع إلى غيرهما من عموم (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ) أي : مزرعة (لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ)(١) كما يأتي تفصيله ، أو إلى استصحاب الحرمة حال الحيض ، فيحكم على

__________________

(١) البقرة : ٢٢٣.

٢٨٣

وعلى الثاني : فإن ثبت جواز الاستدلال بكلّ قراءة ، كما ثبت بالإجماع جواز القراءة بكل قراءة ، كان الحكم كما تقدم ، والّا فلا بدّ من التوقّف في محلّ التعارض والرجوع إلى القواعد ، مع عدم المرجّح أو مطلقا ، بناء على عدم ثبوت الترجيح هنا ، كما هو الظاهر. فيحكم باستصحاب الحرمة قبل الاغتسال ، إذ لم يثبت تواتر التخفيف ، أو بالجواز بناء على عموم قوله تعالى : (فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ)(١) ، من حيث الزمان ، خرجت منه أيام الحيض على الوجهين في كون المقام من استصحاب حكم المخصّص أو العمل بالعموم الزماني.

____________________________________

الأول بالجواز ، وعلى الثاني بالحرمة.

فاتضح إلى هنا حكم القراءتين المتعارضتين على القول بالتواتر ، أو عدم التواتر ولكن يجوز الاستدلال على كل قراءة كنفس جواز القراءة.

فبقي حكم ما لم يثبت التواتر ، ولا جواز الاستدلال ، وقد أشار إليه بقوله :

(والّا فلا بدّ من التوقّف) يعني : لو لم نقل بالتواتر ولا بجواز الاستدلال فيجب التوقّف في محلّ التعارض والرجوع إلى القواعد من عموم كما سيأتي عن قريب.

أو استصحاب الحرمة (مع عدم المرجّح) دلالة ، (أو مطلقا) يعني : سواء كان هناك مرجّح من حيث الدلالة ، أو السند أم لا ، فلا يجوز الترجيح.

وأمّا عدم الترجيح من حيث الدلالة فلأنّه يكون مختصّا في تعارض الدليلين والمقام ليس كذلك ، بل يكون من قبيل تعارض ما هو الدليل وما هو ليس بالدليل ، والدليل ما هو قرآن في الواقع ، وهو أحدهما فقط دون الآخر.

وأمّا عدم الترجيح بالمرجّحات السندية ، فلأنّها مختصّة بتعارض الخبرين ، لكونهما ظني الصدور ، والقرآن يكون قطعي الصدور ، فلا تجري فيه المرجّحات السندية.

فلا بدّ من الالتزام بأحد أمرين ؛ إمّا نلتزم بالحرمة بمقتضى استصحاب حكم المخصّص ، والمخصّص هو قوله : (فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ)(٢) وحكمه هو حرمة المقاربة ، فيشك المكلّف بعد النقاء وقبل الغسل في بقاء الحرمة فيجري استصحاب الحرمة ويحكم بالحرمة.

__________________

(١) البقرة : ٢٢٣.

(٢) البقرة : ٢٢٢.

٢٨٤

الثالث : إنّ وقوع التحريف في القرآن ، على القول به ، لا يمنع من التمسّك بالظواهر ، لعدم العلم الإجمالي باختلال الظواهر بذلك ، مع أنه لو علم لكان من قبيل الشبهة غير المحصورة

____________________________________

أو نلتزم بالجواز من جهة العمل بالعموم الزماني ، هو قوله تعالى : (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) بناء على أن يكون أنّى بمعنى الزمان لا أن يكون بمعنى المكان حتى لا يرتبط بالمقام ، فأنّى شئتم يفيد العموم من حيث الزمان ، وقد خرج منه زمان الحيض فنتمسك به على الجواز بعد حصول النقاء من الحيض.

(الثالث : إن وقوع التحريف في القرآن ، على القول به ، لا يمنع من التمسّك بالظواهر).

وقبل البحث لا بدّ من تحرير محل النزاع لأنّ لفظ التحريف يطلق على عدّة معاني ، فيكون على أقسام :

قسم منه : قد وقع في القرآن باتفاق المسلمين كتحريف القرآن من حيث حمله على غير حقيقته كما نرى كثيرا من أهل المذاهب الباطلة قد حرّفوا القرآن بتأويلهم آياته على طبق أهوائهم ، وكنقص أو زيادة في الحروف أو الحركات.

وقسم منه : لم يقع باتفاق المسلمين كتحريف بالزيادة مثل أن يقال : بأن بعض القرآن الموجود ليس من الكلام المنزل من الله تعالى على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وقسم منه : قد وقع فيه الخلاف مثل التحريف بالنقيصة بمعنى أن القرآن الموجود بين أيدينا لا يشتمل على جميع القرآن ، بل قد ضاع بعضه على المسلمين ، ولكن المعروف بين المسلمين هو عدم وقوع التحريف في القرآن.

وقد صرّح بذلك كثير من الأعلام كالصدوق رحمه‌الله حيث عدّ القول بعدم التحريف من معتقدات الإمامية ، ومنهم الشيخ الطوسي قدس‌سره ، والسيّد المرتضى قدس‌سره ، وغيرهم ، نعم ، ذهب جماعة من المحدّثين من الشيعة ، وعدّة من علماء أهل السنّة إلى وقوع التحريف ، وقول المصنّف حيث قال على القول به يشعر بأنّه لا يقول بالتحريف.

ويقول على القول بالتحريف لا يمنع من التمسك بالظواهر وذلك لوجوه :

الوجه الأول : (لعدم العلم الإجمالي باختلال الظواهر بذلك) أي : باحتمال وقوعه لاحتمال أن يكون الساقط آيات مستقلة ، فلا تكون مخلّة بظهور سائر الآيات.

والوجه الثاني : لو سلّمنا العلم الإجمالي باختلال بعض الظواهر بالتحريف فإنّه لا

٢٨٥

مع أنّه لو كان من قبيل الشبهة المحصورة أمكن القول بعدم قدحه ، لاحتمال كون الظاهر المصروف عن ظاهره من الظواهر غير المتعلّقة بالأحكام الشرعية العمليّة التي امرنا بالرجوع فيها إلى ظاهر الكتاب ، فافهم.

الرابع : قد يتوهّم : «إنّ وجوب العمل بظواهر الكتاب بالإجماع مستلزم لعدم جواز العمل بظاهره ، لأنّ من تلك الظواهر ظاهر الآيات الناهية عن العمل بالظن مطلقا حتى ظواهر الكتاب».

____________________________________

يضر بالتمسك بها لأن أطراف العلم الإجمالي تكون غير محصورة ، ولا يجب الاحتياط في الشبهة غير المحصورة.

والوجه الثالث : (مع أنّه لو كان من قبيل الشبهة المحصورة أمكن القول بعدم قدحه). يعني : لو سلّمنا بأن أطراف العلم الإجمالي تكون من قبيل الشبهة المحصورة لم يكن مضر بحجّية الظواهر ـ أيضا ـ لاحتمال كون الظاهر المصروف عن ظاهره (من الظواهر غير المتعلّقة بالأحكام الشرعية).

فتجري أصالة عدم التحريف في الظواهر المتعلّقة بالأحكام الفرعية من دون معارض لأن سائر أطراف العلم الإجمالي كالظواهر غير المتعلّقة بالأحكام تكون خارجة عن محل الابتلاء ، فلا يجري فيها الأصل لأن العلم الإجمالي في الشبهة المحصورة إنّما يكون منجّزا للتكليف موجبا للاحتياط إذا كان جميع أطرافه موردا للابتلاء.

قوله : (فافهم) لعلّه اشارة إلى أن القطع بوقوع التحريف في القرآن لا يضر بحجّية ظواهره لأن التحريف لو وقع لكان ناشئا عن الدّاعي ، والدّاعي إنّما هو بالنسبة إلى الآيات الراجعة إلى الخلافة ، فلو وقع لوقع في هذه الآيات.

وأمّا الآيات المتعلّقة بالأحكام ، فلا داعي لتحريفها أصلا لأن ثبوتها لا يضر برئاسة من يدّعيها.

(الرابع : قد يتوهّم : إن وجوب العمل بظواهر الكتاب بالإجماع مستلزم لعدم جواز العمل بظاهره).

وقد نسب هذا التوهّم إلى المحقّق القمي رحمه‌الله ، ويتضح تقريب هذا التوهّم بعد ذكر مقدمة قصيرة ، وهي : إن استحالة اجتماع النقيضين بديهية ، وكل ما يكون مستلزما لاجتماع

٢٨٦

وفيه : إنّ فرض وجود الدليل على حجّية الظواهر موجب لعدم ظهور الآيات الناهية في حرمة العمل بالظواهر ، مع أنّ ظواهر الآيات الناهية لو نهضت للمنع عن ظواهر الكتاب لمنعت عن حجّية أنفسها ، الّا أن يقال : إنّها لا تشمل أنفسها ، فتأمّل.

____________________________________

النقيضين يكون محالا وباطلا بالضرورة.

إذا عرفت ذلك نقول : إن اثبات حجّية ظواهر الكتاب بالإجماع مستلزم لعدم حجّيتها ، إذ منها الآيات الناهية المستفاد منها عدم حجّية مطلق الظن حتى ظواهر الكتاب فيلزم اجتماع النقيضين ، فلا يمكن إثبات حجّية ظواهر الكتاب بالإجماع للزوم اجتماع النقيضين أي : حجّية الظواهر نظرا بالاجماع ، وعدمها نظرا بالآيات الناهية ، وان شئت تقول كما ذكر المصنّف رحمه‌الله : إن مقتضى الإجماع وهو وجوب العمل بظواهر الكتاب يكون عدم جواز العمل بظاهره ، لأن من تلك الظواهر ظاهر الآيات الناهية عن العمل بالظن مطلقا حتى ظواهر الكتاب ، فيلزم التناقض ، لأن نفي الجواز الأعمّ يستلزم نفي الوجوب الأخص ، فلا يمكن الحكم بوجوب العمل بظواهر الكتاب بالإجماع.

(وفيه : إنّ فرض وجود الدليل على حجّية الظواهر موجب لعدم ظهور الآيات الناهية في حرمة العمل بالظواهر).

وقد أجاب المصنّف رحمه‌الله عن هذا التوهّم بجوابين :

خلاصة الجواب الأول : إن بعد فرض الدليل على حجّية الظواهر لا بدّ من الالتزام بأحد أمرين دفعا للمحذور المذكور :

الأمر الأول : هو الالتزام بتخصيص الآيات الناهية بإخراج ظواهر الكتاب عنها ، فتختصّ بسائر الظنون ، فلا يبقى لها ظهور في حرمة العمل بظواهر الكتاب أو مطلق الظواهر.

الأمر الثاني : هو الالتزام بخروج الآيات الناهية عن مورد الإجماع بحيث يحصل من الإجماع القطع بحجّية ما عداها.

وعلى كلا التقديرين لا يلزم اجتماع النقيضين ، ولكن ما يظهر من المصنّف رحمه‌الله هو الأمر الأول.

وقد أشار المصنّف رحمه‌الله إلى الجواب الثاني بقوله :

(مع أن ظواهر الآيات الناهية لو نهضت للمنع عن ظواهر الكتاب لمنعت عن حجّية

٢٨٧

وبإزاء هذا التوهّم توهّم : «إنّ خروج ظواهر الكتاب عن الآيات الناهية ليس من باب التخصيص ، بل من باب التخصّص ؛ لأنّ وجود القاطع على حجّيتها يخرجها عن غير العلم إلى العلم» وفيه ما لا يخفى.

____________________________________

أنفسها).

هذا الجواب يرجع إلى قياس استثنائي ، يعني : إن الآيات الناهية لو منعت عن ظواهر الكتاب لمنعت عن حجّية أنفسها ، والتالي باطل ، فالمقدم مثله.

والملازمة واضحة لأنّها من الظواهر ، وأمّا بطلان التالي فلأنّ ما يلزم من وجوده عدمه يكون محالا وباطلا ، فلو منعت الآيات الناهية عن أنفسها للزم من حجّيتها عدم حجّيتها ، فيكون الاستدلال بها ساقطا وباطلا لأنّه مستلزم للمحال (الّا أن يقال : إنّها لا تشمل أنفسها) للزوم المغايرة بين الدليل والمدلول واللفظ والمعنى ، فيكون المتبادر من الآيات الناهية غيرها ، فلا يلزم المحذور المتقدم.

قوله : (فتأمّل) لعلّه اشارة إلى أن الآيات الناهية وإن كانت لا تشمل أنفسها بحسب الدلالة اللفظية ، ولا ينافي هذا أن تشمل أنفسها من حيث المناط بأن يقال : إنّها تمنع عن ظواهر الكتاب لكونها ظنية ، وهذا المناط موجود فيها أيضا ، فتشمل أنفسها بحسب المناط ، فيعود المحذور المذكور.

(وبإزاء هذا التوهّم توهّم : «إن خروج ظواهر الكتاب عن الآيات الناهية ليس من باب التخصيص ، بل من باب التخصّص).

وحاصل هذا التوهّم هو أن خروج ظواهر الكتاب عن الآيات الناهية يكون من باب التخصّص ، لأن الظواهر بعد القطع بحجّيتها تخرج من غير العلم إلى العلم ، فلا تشملها الآيات الناهية من الأول لكونها علما ولو تعبّدا ، والآيات الناهية دلت على حرمة العمل بالظن.

(وفيه ما لا يخفى) لأن القطع بحجّية شيء لا يوجب كونه علما ، فالقطع الحاصل من الإجماع بحجّية الظواهر لا يجعلها علما حتى يكون خروجها عن الآيات الناهية الدالة على حرمة العمل بالظن تخصّصا ، بل تبقى الظواهر على حالها فيكون خروجها عنها تخصيصا لا تخصّصا.

٢٨٨

التفصيل الثاني

وأمّا التفصيل الآخر ، فهو الذي يظهر من صاحب القوانين قدس‌سره ، في آخر مسألة حجّية الكتاب وفي أول مسألة الاجتهاد والتقليد ، وهو الفرق بين من قصد إفهامه بالكلام ، فالظواهر حجّة بالنسبة إليه من باب الظن الخاص ، سواء كان مخاطبا ، كما في الخطابات الشفاهية ، أم لا ، كما في الناظر في الكتب المصنفة ، لرجوع كل من ينظر إليها ، وبين من لم يقصد إفهامه بالخطاب ، كأمثالنا بالنسبة إلى أخبار الأئمّة الصادرة عنهم في مقام الجواب عن سؤال السائلين ، وبالنسبة إلى الكتاب العزيز ، بناء على عدم كون خطاباته موجّهة إلينا وعدم كونه من باب تأليف المصنّفين ، فالظهور اللفظي ليس حجّة حينئذ لنا ، الّا من باب الظن المطلق الثابت حجّيته عند انسداد باب العلم.

____________________________________

الكلام في التفصيل المنسوب إلى صاحب القوانين :

حيث فصّل بين من قصد إفهامه ، فيكون ظاهر الكلام حجّة بالنسبة إليه ، وبين من لم يقصد إفهامه فلا يكون الظاهر حجّة له الّا من باب الظن المطلق الثابت اعتباره بدليل الانسداد ، وقد أشار إليه المصنّف بقوله : (وأمّا التفصيل الآخر ، فهو الذي يظهر من صاحب القوانين).

وملخّص هذا التفصيل قبل بيانه تفصيلا هو أن الظواهر مطلقا حجّة من باب الظن الخاص بالنسبة إلى من قصد إفهامه سواء كان مخاطبا بالكلام كما في الخطابات الشفاهية ، أو لم يكن مخاطبا كالناظرين في الكتب العلمية حيث يكون المقصود بالإفهام بها كل من ينظر إليها ، وأمّا من لم يكن مقصودا بالإفهام فلم تكن الظواهر حجّة الّا من باب الظن المطلق الثابت اعتباره عند انسداد باب العلم.

(كأمثالنا بالنسبة إلى أخبار الأئمّة الصادرة عنهم في مقام الجواب عن سؤال السائلين ، وبالنسبة إلى الكتاب العزيز ، بناء على عدم كون خطاباته موجّهة إلينا).

إذ نحن لم نكن مقصودين بالإفهام بالنسبة إلى الأخبار لأنّها قد صدرت عن الأئمّة عليهم‌السلام في مقام الجواب عن أسئلة السائلين فهم مقصودون بالإفهام منها لا غير.

وكذلك لم نكن مقصودين بالإفهام بالنسبة إلى الكتاب بناء على عدم كون خطاباته

٢٨٩

ويمكن توجيه هذا التفصيل : بأنّ الظهور اللفظي ليس حجّة إلّا من باب الظن النوعي ، وهو كون اللفظ بنفسه لو خلّي وطبعه مفيدا للظن بالمراد.

فإذا كان مقصود المتكلّم من الكلام إفهام من يقصد إفهامه ، فيجب عليه إلقاء الكلام على وجه لا يقع المخاطب معه في خلاف المراد ، بحيث لو فرض وقوعه في خلاف المقصود كان ؛ إمّا لغفلة منه في الالتفات إلى ما أكتنف به الكلام الملقى إليه ، وإمّا لغفلة من المتكلّم في إلقاء الكلام على وجه يفي بالمراد.

____________________________________

موجّهة إلينا ، بل كانت موجّهة إلى الموجودين في زمان هذه الخطابات.

وكذلك لم يكن الكتاب من قبيل تأليف المصنفين حتى يكون المقصود بالإفهام به كل من ينظر إليه ، فظواهر الأخبار والكتاب ليست حجّة لنا إلّا من باب الظن المطلق ، فدعوى صاحب القوانين باختصاص حجّية الظواهر للمقصودين بالإفهام دون غيرهم تنحل إلى دعويين :

أمّا الدعوى الاولى : فهي عدم حجّية الظواهر بالنسبة إلى من لم يقصد إفهامه.

وأمّا الثانية : فهي كون ظواهر الكتاب والسنّة من الظواهر التي لم يقصد بها إفهام غير المخاطبين بها.

والوجه للدعوى الثانية ـ بالنسبة إلى الكتاب ـ هو عدم توجّه خطاباته إلينا ، وعدم كونه من قبيل الكتب العلمية حيث يكون المقصود بالإفهام بها كل من يرجع إليها.

وبالنسبة إلى الروايات فهو أن أكثرها تكون أجوبة عن مسائل السائلين ، فتكون موجّهة إلى الرواة دون غيرهم.

وأمّا الوجه للدعوى الاولى فقد ذكره المصنّف رحمه‌الله حيث قال :

(ويمكن توجيه هذا التفصيل) وبيان هذا التفصيل تفصيلا مع التوجيه يتوقّف على مقدمة مشتملة على امور :

منها : إن الظهور اللفظي ليس حجّة إلّا من باب الظن النوعي ، وهو حصول الظن بكون الظاهر مرادا للمتكلّم لنوع الناس ، ومتعارف الناس ، وإن لم يحصل الظن الفعلي للبعض.

وبتعبير أوضح : إن الظن النوعي في مقابل الظن الشخصي هو أن يكون اللفظ مفيدا للظن بالمراد لنوع الإنسان ، فيكون مناط حجّية الظهور هو كون اللفظ مفيدا للظن النوعي

٢٩٠

ومعلوم أنّ احتمال الغفلة من المتكلّم أو السامع احتمال مرجوح في نفسه ، مع انعقاد الإجماع من العقلاء والعلماء على عدم الاعتناء باحتمال الغفلة في جميع امور العقلاء ، أقوالهم وأفعالهم ، وأمّا إذا لم يكن مقصودا بالإفهام فوقوعه في خلاف المقصود لا ينحصر سببه في الغفلة. فإنّا إذا لم نجد في آية أو رواية ما يكون صارفا عن ظاهرها واحتملنا أن يكون

____________________________________

بالمراد ، وهذا المناط مختصّ بمن قصد إفهامه من الكلام.

ومنها : إن وظيفة المتكلّم في مقام الإفهام ، هو أن يلقي كلامه على نحو لا يقع المخاطب المقصود بالإفهام على خلاف مراده ، فلا بدّ أن يكون كلامه بحيث يفي بإفادة مراده.

ثم إلقاء الكلام على هذا النحو يجب بالنسبة إلى من قصد إفهامه ، وأمّا غيره فلا يجب إلقاء الكلام بحيث يفي بمراده ، بل ربّما يكون الكلام بالنسبة إلى الغير على نحو لا يفهم منه مراده ، إذ قد يكون مراده من الكلام من الإسرار بينه وبين من قصد إفهامه.

ومنها : إن وقوع غير المتكلّم مطلقا على خلاف مراده لا يتجاوز عن امور :

الأول : غفلة المتكلّم عن نصب القرينة على إرادة خلاف الظاهر من كلامه.

الثاني : غفلة المخاطب عن التوجّه ، والالتفات إلى القرينة.

الثالث : هو عدم وصول القرينة إلى المخاطب.

والعقلاء لا يعتنون بالاحتمالين الأوليين ؛ لأن الغفلة تكون على خلاف طبع كل إنسان في مقام الفعل ، إذ الإنسان يفعل عن التفات ، فاحتمال غفلة المتكلّم عن نصب القرينة ، واحتمال غفلة المخاطب عن القرينة منسدّان ومنفيان بأصل عقلائي ، وهو أصالة عدم غفلة كل منهما عن القرينة.

والاحتمال الثالث يكون منفيا بالنسبة إلى من قصد إفهامه فقط ؛ لأن المفروض بمقتضى الأمر الثاني هو إلقاء الكلام من المتكلم على نحو لا يقع من قصد إفهامه على خلاف مراده ، فينسدّ هذا الاحتمال لمن قصد إفهامه ، ولكن يبقى باب هذا الاحتمال الثالث مفتوحا على من لم يكن مقصودا بالإفهام ، فيقع على خلاف مراد المتكلّم من هذا الباب.

إذا عرفت هذه الامور ـ من باب المقدمة ـ فنقول : إن حجّية الظواهر مختصّة بمن قصد إفهامه ، وذلك لأن ظاهر الكلام لا يكون حجّة الّا إذا صار احتمال إرادة خلاف الظاهر

٢٩١

المخاطب قد فهم المراد بقرينة قد خفيت علينا ، فلا يكون هذا الاحتمال لأجل غفلة من المتكلّم أو منّا ، إذ لا يجب على المتكلّم إلّا نصب القرينة لمن يقصد إفهامه ، مع أن عدم تحقّق

____________________________________

مرجوحا ، وضعيفا في نفسه ، وحصل الظن على كون الظاهر مرادا للمتكلم ، وهذا الملاك يكون مختصّا بمن قصد إفهامه ؛ لانتفاء جميع الاحتمالات بالنسبة إليه كما ذكرنا مشروحا.

وبالجملة ، إن وقوع غير من قصد إفهامه على خلاف المراد لم يكن احتماله منحصرا في غفلة المتكلّم عن نصب القرينة ، وغفلة المخاطب عن التوجّه إليها حتى يرفع بأصالة عدم الغفلة ، بل من الممكن أن تكون بين المتكلم ومن قصد إفهامه قرينة حالية ، أو مقالية على إرادة خلاف الظاهر ، واختفت هذه القرينة على من لم يقصد إفهامه ، ومع هذا الاحتمال لا يحصل له الظن بالمراد حتى يكون ظاهر الكلام حجّة له.

هذا تمام الكلام في توضيح كلام صاحب القوانين ، وبيان الدليل على الدعوى الاولى ، ولكن كلتا الدعويين مردودة.

أمّا ردّ الدعوى الثانية فعلى فرض صحة التفصيل المذكور نقول : إن المقصود بالإفهام بالكتاب والأخبار لا يكون المشافهين فقط.

أمّا الكتاب فلكونه مشتملا على التكاليف العامة لجميع المكلّفين ، فيكون المقصود بالإفهام به جميع المكلّفين ، من دون اختصاص بالمشافهين ؛ لأنّهم ليسوا وحدهم المقصودين بالإفهام بخطابات الكتاب.

وأمّا الأخبار فيكون المقصود بالإفهام بها جميع المكلّفين ـ أيضا ـ لأنها تتضمن تكاليف عامة لجميع المكلّفين ، وفي قليل منها يكون المقصود بالإفهام السائلين كما لو سألوا أسئلة خاصة بهم ، هذا أولا.

وثانيا : يمكن أن يقال : إن الأخبار المودعة في الكتب المعتبرة تكون من قبيل الكتب العلمية التي يكون المقصود بالإفهام بها هو جميع من ينظر إليها ، وذلك لأنّ الرواة كانوا يتعلّمون الأحكام لا لعمل أنفسهم فقط ، بل للنقل إلى سائر الناس وبث أحكام الدين للمسلمين ، فلو كانت هناك قرينة في البين لكانوا ينقلونها إلى من يأخذ منهم الرواية ، وكانوا يثبتون القرائن في كتبهم التي ضبطوا فيها الروايات.

وأما ردّ الدعوى الاولى ، فلعدم الفرق في حجّية الظواهر بين من قصد إفهامه ومن لم

٢٩٢

الغفلة من المتكلّم في محلّ الكلام مفروض لكونه معصوما ، وليس اختفاء القرينة علينا مسبّبا عن غفلتنا عنها ، بل لدواعي الاختفاء الخارجة عن مدخليّة المتكلّم ، ومن القي إليه الكلام.

فليس هنا شيء يوجب بنفسه الظن بالمراد ، حتى لو فرضنا الفحص ، فاحتمال وجود القرينة حين الخطاب واختفائه علينا ليس هنا ما يوجب مرجوحيّته ، حتى لو تفحصنا عنها ولم نجدها ، إذ لا تحكم العادة ـ ولو ظنّا ـ بأنّها لو كانت لظفرنا بها ، إذ كثير من الامور قد اختفت علينا.

بل لا يبعد دعوى العلم بأن ما اختفى علينا من الأخبار والقرائن أكثر ممّا ظفرنا بها ، مع أنّا لو سلّمنا حصول الظن بانتفاء القرائن المتصلة ، لكن القرائن الحالية وما اعتمد عليه المتكلّم من الامور العقلية أو النقلية الكلية أو الجزئية المعلومة عند المخاطب ، الصارفة لظاهر الكلام ، ليست ممّا يحصل الظن بانتفائها بعد البحث والفحص. ولو فرض حصول الظن من الخارج بإرادة الظاهر من الكلام لم يكن ذلك ظنا مستندا إلى الكلام ، كما نبّهنا عليه في أول المبحث.

____________________________________

يقصد إفهامه ، وأمّا ما ذكره من عدم انحصار وقوع غير من قصد إفهامه على خلاف الظاهر بغفلة المتكلّم أو المخاطب صحيح الّا أن منشأ الظهور لا يختصّ بأصالة عدم الغفلة ، بل هو أصالة الظهور ، أو أصالة عدم القرينة الجارية في حقّ من لم يقصد إفهامه أيضا.

والجواب مذكور في الكتاب على نحو التفصيل مع الأمثلة العرفية ، فلا يحتاج إلى البيان أكثر ممّا هو في الكتاب.

(وليس اختفاء القرينة علينا مسبّبا عن غفلتنا ، بل لدواعي الاختفاء).

أي : إن اختفاء القرائن لم يكن من جهة الشارع وغفلته ، بل عدم تحقّق الغفلة منه مفروغ عنه الكلام لكونه معصوما ، ولا من جهة غفلة المجتهدين ، بل للدواعي الخارجة عنهما كتقطيع الأخبار ، أو نقلها بالمعنى أو غيرهما ممّا يكون موجبا لزوال القرائن ، أو كانت القرينة حالية.

(وما اعتمد عليه المتكلّم من الامور العقلية أو النقلية ، الكلّية أو الجزئية).

فلا بدّ من ذكر أربعة أمثلة :

٢٩٣

وبالجملة ، فظواهر الألفاظ حجّة ، بمعنى عدم الاعتناء باحتمال إرادة خلافها ، إذا كان منشأ ذلك الاحتمال غفلة المتكلّم في كيفية الإفادة أو المخاطب في كيفية الاستفادة ؛ لأن احتمال الغفلة ممّا هو مرجوح في نفسه ومتّفق على عدم الاعتناء به في جميع الامور ، دون ما إذا كان الاحتمال مسبّبا عن اختفاء امور لم تجر العادة القطعية أو الظنية بأنها لو كانت لوصلت إلينا.

ومن هنا ظهر أن ما ذكرنا سابقا ، من اتفاق العقلاء والعلماء على العمل بظواهر الكلام في الدعاوى والأقارير والشهادات والوصايا والمكاتبات ، لا ينفع في ردّ هذا التفصيل ، إلّا أن يثبت كون أصالة عدم القرينة حجّة من باب التعبّد ، ودون إثباتها خرط القتاد.

____________________________________

مثال القرينة العقلية الكلية : كوقوع الأمر بعد الحظر ، حيث يكون قرينة على رفع الحظر والمنع فقط ، فيكون ظاهرا بالإباحة.

والجزئية : كما لو قال المولى : أكرم علماء البلد ، وكان بعضهم عدوّا له ، فالعقل يحكم بعدم وجوب إكرام العدو.

ومثال القرينة النقلية الكلية : كقول الشارع ـ بعد بيانه أحكاما للشكوك المتعارفة ـ : لا شك لكثير الشك ، فهذا القول منه يكون قرينة على عدم جريان أحكام الشكوك المتعارفة في شك كثير الشك.

والنقلية الجزئية : كقول المولى : أكرم العلماء ، ثم قال : لا تكرم زيدا.

(ومن هنا ظهر أنّ ما ذكرنا سابقا ، من اتفاق العقلاء والعلماء على العمل بظواهر الكلام في الدعاوى والأقارير).

ولم يسبق من المصنّف رحمه‌الله ذكر بالنسبة إلى ظواهر الكلام في الدعاوى والأقارير وغيرهما. وعلى كلّ ، حجّية الظواهر في هذه الموارد لا ترد التفصيل ؛ لأن المقصود بالإفهام في هذه الموارد كل من يسمعها.

وعلى فرض عدم كون الجميع مقصودين بالإفهام تكون حجّية الظواهر في هذه الموارد لأجل كون احتمال إرادة خلاف الظواهر فيها ضعيفا لا يعتنى به.

(إلّا أن يثبت كون أصالة عدم القرينة حجّة من باب التعبّد).

هذا استثناء من أصل المطلب يعني : إذا كان مناط حجّية الظواهر هو الظن بالمراد ، كما هو مبنى هذا التفصيل لكانت مختصّة بمن قصد إفهامه ؛ لانحصار هذا المناط فيه ، إلّا أن

٢٩٤

ودعوى : «أن الغالب اتصال القرائن ، فاحتمال اعتماد المتكلّم على القرينة المنفصلة مرجوح لندرته» مردودة : بأن من المشاهد المحسوس تطرق التقييد والتخصيص إلى أكثر العمومات والإطلاقات مع عدم وجوده في الكلام ، وليس إلّا لكون الاعتماد في ذلك كلّه على القرائن المنفصلة ، سواء كانت منفصلة عند الاعتماد كالقرائن العقلية والنقلية الخارجية أم كانت مقالية متصلة ، لكن عرض لها الانفصال بعد ذلك ، لعروض التقطيع للأخبار أو حصول التفاوت من جهة النقل بالمعنى أو غير ذلك.

____________________________________

يكون المناط هو أصالة عدم القرينة تعبّدا ، أي : وإن لم يحصل منها الظن بالمراد فتكون الظواهر حجّة حتى لمن لم يقصد إفهامه ، لجريان هذا المناط في حقّ الجميع ، ولا يختصّ بمن قصد إفهامه.

فلا فرق ـ حينئذ ـ بين من قصد إفهامه وغيره ، ولكن إثبات هذا المناط أصعب من خرط القتاد ؛ لأن المسلّم من المناط هو الظن النوعي بالمراد.

(ودعوى أن الغالب اتصال القرائن).

وملخّص هذا الإشكال : إنّا سلّمنا أن مناط حجّية الظواهر هو الظن بالمراد ، ولكن الظن بالمراد لا يختصّ بمن قصد إفهامه ، بل يحصل الظن لمن لم يقصد بالإفهام أيضا.

وذلك لأن الغالب اتصال القرائن بالكلام ، واعتماد المتكلّم على القرينة المنفصلة نادر جدا ، فإذا لم يكن الكلام مقرونا بالقرينة الدالة على إرادة خلاف الظاهر يحصل منه الظن بالمراد ، فيكون ظاهره حجّة مطلقا.

ولكن هذه الدعوى مردودة لكثرة اعتماد المتكلّم على القرائن المنفصلة ، فلا يحصل الظن بالمراد لمن لم يكن مقصودا بالإفهام.

واحتمل بعض في هذا التفصيل المنع من حيث الصغرى ، فقال : لا ينعقد ظهور الكلام بالنسبة إلى من لم يقصد إفهامه ، ثم نسب هذا الاحتمال إلى الشيخ رحمه‌الله.

ويمكن استفادة هذا الاحتمال من قوله : (لكن عرض لها الانفصال بعد ذلك ؛ لعروض التقطيع للأخبار) ، فنقول : أمّا المنع من حيث الكبرى ، وهي منع حجّية الظواهر لمن لم يقصد إفهامه فقد تقدّم تفصيلا.

وأمّا تقريب المنع من حيث الصغرى ، فهو أن الأخبار المرويّة عن الأئمة عليهم‌السلام لم تصل

٢٩٥

فجميع ذلك ممّا لا يحصل الظن بأنها لو كانت لو صلت إلينا ، مع إمكان أن يقال : إنّه لو حصل الظن لم يكن على اعتباره دليل خاص ، نعم ، الظن الحاصل في مقابل احتمال الغفلة الحاصلة للمخاطب أو المتكلّم ممّا أطبق عليه العقلاء في جميع أقوالهم وأفعالهم. هذا غاية ما يمكن من التوجيه لهذا التفصيل.

ولكن الانصاف أنه لا فرق في العمل بالظهور اللفظي وأصالة عدم الصارف عن الظاهر بين من قصد إفهامه ومن لم يقصد ، فإن جميع ما دلّ من إجماع العلماء وأهل اللسان على حجّية الظاهر بالنسبة إلى من قصد إفهامه جار في من لم يقصد ، لأن أهل اللسان إذا نظروا إلى كلام صادر من متكلّم إلى مخاطب يحكمون بإرادة ظاهره منه إذا لم يجدوا قرينة صارفة بعد الفحص في مظانّ وجودها ، ولا يفرّقون في استخراج مرادات المتكلمين بين كونهم مقصودين بالخطاب وعدمه.

فإذا وقع المكتوب الموجّه من شخص إلى شخص بيد ثالث ، فلا يتأمّل في استخراج مرادات المتكلّم من الخطاب المتوجّه إلى المكتوب إليه ، فإذا فرضنا اشتراك هذا الثالث مع المكتوب إليه فيما أراد المولى منهم ، فلا يجوز له الاعتذار في ترك الامتثال بعدم الاطّلاع على مراد المولى ، وهذا واضح لمن راجع الأمثلة العرفية. هذا حال أهل اللسان في الكلمات الواردة إليهم.

وأمّا العلماء فلا خلاف بينهم في الرجوع إلى أصالة الحقيقة في الألفاظ المجرّدة عن

____________________________________

إلينا كما صدرت عنهم عليهم‌السلام ، بل وصلت إلينا مقطّعة ، فنحتمل وجود قرينة على خلاف ما نفهمه من الكلام ، وقد اختفت علينا بسبب التقطيع ، فلا ينعقد للكلام ظهور مع هذا الاحتمال ، هذا ملخّص وجه المنع من حيث الصغرى.

والجواب عنه نقول : إن هذا المنع يكون تامّا وصحيحا فيما إذا كان المقطّع غير عارف باسلوب الكلام العربي ، أو غير ورع في الدين ، إذ يحتمل ـ حينئذ ـ كون التقطيع موجبا لانفصال القرينة عن ذيها لعدم معرفة المقطّع أو لتسامحه في التقطيع ، ولكن كلا الاحتمالين منتف في المقام لكون المقطّع من المجتهدين البارعين في العلم والتقوى.

(ولكن الانصاف أنّه لا فرق في العمل بالظهور اللفظي وأصالة عدم الصارف) وقد تقدّم ردّ هذا التفصيل إجمالا.

٢٩٦

القرائن الموجّهة من متكلّم إلى مخاطب ، سواء كان ذلك في الأحكام الجزئية ، كالوصايا الصادرة عن الموصي المعيّن إلى شخص معيّن ، ثم مسّت الحاجة إلى العمل بها مع فقد الموصى إليه ، فإن العلماء لا يتأمّلون في الافتاء بوجوب العمل بظاهر ذلك الكلام الموجّه إلى الموصى إليه المقصود ، وكذا في الأقارير.

أم كان في الأحكام الكلّية ، كالأخبار الصادرة عن الأئمّة عليهم‌السلام ، مع كون المقصود منها تفهيم مخاطبهم لا غير ، فإنه لم يتأمّل أحد من العلماء في استفادة الأحكام من ظواهرها ، معتذرا بعدم الدليل على حجّية أصالة عدم القرينة بالنسبة إلى غير المخاطب ومن قصد إفهامه.

ودعوى : «كون ذلك منهم للبناء على كون الأخبار الصادرة عنهم عليهم‌السلام من قبيل تأليف المصنّفين» واضحة الفساد مع أنها لو صحّت لجرت في الكتاب العزيز ، فإنّه أولى بأن يكون من هذا القبيل فترتفع ثمرة التفصيل المذكور ، لأنّ المفصّل معترف بأن ظاهر الكلام الذي هو من قبيل تأليف المؤلفين حجّة بالخصوص ، لا لدخوله في مطلق الظن ، وإنّما كلامه في اعتبار ظهور الكلام الموجّه إلى مخاطب خاص بالنسبة إلى غيره.

والحاصل أن القطع حاصل لكل متتبّع في طريقة فقهاء المسلمين بأنهم يعملون بظواهر

____________________________________

والمصنّف رحمه‌الله يردّ هذا التفصيل حيث يقول : إن المناط في حجّية الظهور اللفظي هو أصالة عدم القرينة الصارفة عن الظاهر ، فلا يفرّق بين من قصد إفهامه وغيره لوجود المناط لهما ، ثم يأتي بأمثلة عرفية لا تحتاج إلى توضيح.

(ودعوى كون ذلك منهم للبناء على كون الأخبار الصادرة عنهم عليهم‌السلام من قبيل تأليف المصنّفين).

يعني : إن الظواهر حجّة لمن قصد إفهامه لا غير ، الّا أن عمل العلماء بظواهر الأخبار ليس لحجّية ظواهرها مطلقا ولو لم يكن مقصودا بالإفهام بها ، بل كان لاعتقادهم بأن الكل مقصودون بالإفهام من أجل كون الأخبار من قبيل تأليف المصنّفين ، وهذه الدعوى واضحة الفساد لأنّا نقطع بأنّهم يعملون بالظواهر لاتفاقهم على حجّية الظواهر مطلقا لا لاعتقادهم بكونهم مقصودين بالإفهام ، هذا أولا.

وثانيا : (مع أنّها لو صحّت لجرت في الكتاب العزيز) ، أي : لو كانت الأخبار من قبيل

٢٩٧

الأخبار من دون ابتناء ذلك على حجّية الظن المطلق الثابتة بدليل الانسداد ، بل يعمل بها من يدّعي الانفتاح وينكر العمل بأخبار الآحاد ، مدّعيا كون معظم الفقه معلوما بالإجماع والأخبار المتواترة.

ويدل على ذلك ـ أيضا ـ سيرة أصحاب الأئمّة عليهم‌السلام فإنهم كانوا يعملون بظواهر الأخبار الواردة إليهم من الأئمّة الماضين عليهم‌السلام ، كما كانوا يعملون بظواهر الأقوال التي سمعوها من أئمتهم عليهم‌السلام ، لا يفرقون بينهما إلّا بالفحص وعدمه ، كما سيأتي.

والحاصل أن الفرق في حجّية أصالة الحقيقة وعدم القرينة بين المخاطب وغيره ، مخالف للسيرة القطعية من العلماء وأصحاب الأئمّة عليهم‌السلام.

هذا كلّه ، مع أن التوجيه المذكور لذلك التفصيل لابتنائه على الفرق بين أصالة عدم الغفلة والخطأ في فهم المراد ، وبين مطلق أصالة عدم القرينة ، يوجب عدم كون ظواهر الكتاب من الظنون المخصوصة ، وإن قلنا بشمول الخطاب للغائبين ، لعدم جريان أصالة عدم الغفلة في حقّهم مطلقا.

____________________________________

تأليف المصنفين ، لكان الكتاب ـ أيضا ـ كذلك ، فترتفع ثمرة التفصيل ، ونفي الثمرة يكون من باب السالبة بانتفاء الموضوع إذا كان الكل مقصودين بالإفهام بالنسبة إلى الأخبار والكتاب ، فلم يبق تفصيل أصلا في محل الكلام إذا لم يكن غير المقصود بالإفهام في البين حتى يصح التفصيل ، ولا بأس بانتفاء الثمرة وعدم وجود غير المقصود بالإفهام في المقام.

(ويدل على ذلك ـ أيضا ـ سيرة أصحاب الأئمّة عليهم‌السلام فإنّهم كانوا يعملون بظواهر الأخبار الواردة إليهم).

ويدل على حجّية الظواهر ـ أيضا ـ مضافا إلى الإجماع العملي من العقلاء سيرة أصحاب الأئمّة فإنّهم كانوا يعملون بظواهر الأخبار الواردة إليهم من الرواة ، مع أنّهم لم يكونوا مقصودين بالإفهام بهذه الروايات.

فعملهم بها يكشف عن سيرتهم على العمل بمطلق الظواهر كما يعملون بظواهر الأقوال التي يسمعونها من أئمتهم عليهم‌السلام ، فإنهم لا يفرّقون بينهما الّا بالفحص عن الوارد وعدمه في المسموع.

(هذا كلّه ، مع أن التوجيه المذكور لذلك التفصيل لابتنائه على الفرق).

٢٩٨

فما ذكره ـ من ابتناء كون ظواهر الكتاب ظنونا مخصوصة على شمول الخطاب للغائبين ـ غير سديد ، لأن الظن المخصوص إن كان هو الحاصل من المشافهة الناشئ عن ظن عدم الغفلة والخطأ ، فلا يجري في حقّ الغائبين ، وإن قلنا بشمول الخطاب لهم ، وإن كان هو الحاصل من أصالة عدم القرينة فهو جار في الغائبين وإن لم يشملهم الخطاب.

وممّا يمكن أن يستدل به أيضا ـ زيادة على ما مرّ من اشتراك أدلة حجّية الظواهر من إجماعي العلماء وأهل اللسان ـ ما ورد في الأخبار المتواترة معنى من الأمر بالرجوع إلى

____________________________________

هذا الكلام من المصنّف رحمه‌الله ردّ لمبنى التفصيل بالنسبة إلى الكتاب ، حيث قال صاحب القوانين : نحن لم نكن مقصودين بالإفهام بالنسبة إلى الكتاب بناء على عدم كون خطاباته موجّهة إلينا ، وعدم شمولها لنا ، فيكون مفهومه : إنّا مقصودون بالإفهام بخطابات الكتاب لو كانت موجّهة إلينا ، وشاملة لنا ، فيردّ المصنّف رحمه‌الله هذا الكلام بأنّه فاسد وذلك لأن المناط في حجّية الظواهر لمن قصد إفهامه هو أصالة عدم الغفلة ، وهذا المناط مفقود لنا ، وإن كانت الخطابات شاملة لنا ، لأن أصالة عدم الغفلة لا تعقل بالنسبة إلى من تأخّر عن الخطاب بأكثر من ألف سنة.

فالمتحصّل أن ظواهر الكتاب ليست حجّة لنا سواء كانت الخطابات شاملة

للغائبين عن زمن الخطاب ، أم لا.

نعم ، لو كان المناط هو أصالة عدم القرينة كما هو الحق لكانت ظواهر الكتاب حجّة للغائبين ، وغير المقصودين بالإفهام سواء كانت الخطابات شاملة لهم أم لا ، فما ذكره صاحب القوانين من أن الخطابات لو كانت موجّهة إلينا لكانت الظواهر حجّة لنا لا يتمّ ولا يرجع إلى محصّل صحيح أصلا.

(وممّا يمكن أن يستدل به أيضا ـ زيادة على ما مرّ من اشتراك أدلة حجّية الظواهر من إجماعي العلماء وأهل اللسان ـ ما ورد في الأخبار المتواترة معنى).

أي : ويمكن الاستدلال على حجّية ظواهر الكتاب مطلقا بما ورد متواترا ، وقد أمرنا بالرجوع إلى الكتاب ، وعرض الأخبار المتعارضة عليه ، فالمستفاد منه حجّية ظواهر الكتاب للكل ، إذ لا معنى لوجوب الرجوع إليه وعرض الأخبار عليه لو لم تكن ظواهره حجّة.

٢٩٩

الكتاب وعرض الأخبار عليه ، فإنّ هذه الظواهر المتواترة حجّة للمشافهين بها ، فيشترك غير المشافهين ، فيتمّ المطلوب ، كما لا يخفى.

وممّا ذكرنا تعرف النظر فيما ذكره المحقّق القمي رحمه‌الله ، بعد ما ذكر من عدم حجّية ظواهر

____________________________________

فإن قلت : إن التمسّك بهذا المتواتر مصادرة ، وذلك لأن المتواتر وإن كان قطعيا سندا إلّا أنّه ظاهر دلالة ، وهو محل للنزاع فجعله دليلا يكون مصادرة.

قلت : نحن لا نتمسّك به ، بل يتمسّك به من سمعه شفاها ، وكان مقصودا بالإفهام به ، ولكن يثبت وجوب الرجوع إلى الكتاب لنا من باب قاعدة الاشتراك في التكليف ، فيتمّ المطلوب بعد إعمال هذه القاعدة.

وهذا ـ كما يظهر من المصنّف رحمه‌الله وذكره المصطفى الاعتمادي ـ اعتراف وتثبيت للتفصيل المذكور ، مع أن المصنّف رحمه‌الله كان في مقام ردّ هذا التفصيل.

فالأولى تبديل قول المصنّف رحمه‌الله : فإن هذه الظواهر المتواترة ، بالنصوص المتواترة ، حتى لا نحتاج إلى قاعدة الاشتراك في التكليف في حجّية ظواهر الكتاب لنا ، ولعلّ تعبير المصنّف رحمه‌الله من الأول كان كذلك ، أي : فإنّ هذه النصوص المتواترة ، والشاهد عليه أولا كونه في مقام ردّ التفصيل ، وكلامه فإن هذه الظواهر المتواترة حجّة للمشافهين بها ، فيشترك غير المشافهين ، فيتمّ المطلوب. اعتراف بالتفصيل.

وثانيا : قول المصنّف رحمه‌الله : حيث يردّ قول صاحب القوانين ، الراجع إلى رواية الثقلين ، بأن حجّية ظاهرها بالنسبة إلينا مصادرة.

قال المصنّف رحمه‌الله ردّا للمصادرة المذكورة :

(إن العمدة في حجّية ظواهر الكتاب غير خبر الثقلين من الأخبار المتواترة الآمرة باستنباط الأحكام من ظواهر الكتاب ، وهذه الأخبار تفيد القطع ... إلى قوله : وليست ظاهرة في ذلك حتى يكون التمسّك بظاهرها لغير المشافهين بها مصادرة).

ومعلوم أن الظواهر لا تفيد القطع ومفهوم قوله : وليست ظاهرة ، بل نصوص ، لئلّا يلزم من الاستدلال بها مصادرة ، فالصحيح هو النصوص مكان الظواهر ، وعليه يكون الاستدلال بهذه الروايات المتواترة سندا ، والقطعية دلالة ردّا للتفصيل من دون اعتراف به.

(وممّا ذكرنا تعرف النظر فيما ذكره المحقّق القمي).

٣٠٠