دروس في الرسائل - ج ١

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في الرسائل - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: ياران
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٦٧

لمن يخطّئ العمل بأخبار الآحاد وبالجملة ، فكيف يمكن أن يقال : إنّ مثل هذا الإجماع إخبار عن قول الإمام فيدخل في الخبر الواحد ، مع أنّه في الحقيقة اعتماد على اجتهادات الحلّي ، مع وضوح فساد بعضها ، فإنّ كثيرا ممّن ذكر أخبار المضايقة قد ذكر أخبار المواسعة أيضا ، وأنّ المفتي إذا علم استناده إلى مدرك ، لا يصلح للركون إليه من جهة الدلالة أو المعارضة ، لا يؤثّر فتواه في الكشف عن قول الإمام؟!

وأوضح حالا في عدم جواز الاعتماد ما ادّعاه الحلّي من الإجماع على وجوب فطرة الزوجة ولو كانت ناشزة على الزوج ، وردّه المحقّق بأنّ أحدا من علماء الإسلام لم يذهب إلى ذلك.

فإنّ الظاهر أنّ الحلّي إنّما اعتمد في استكشاف أقوال العلماء على تدوينهم للروايات الدالّة بإطلاقها على وجوب فطرة الزوجة على الزوج ، متخيّلا أنّ الحكم معلّق على الزوجة من حيث هي زوجة ، ولم يتفطّن لكون الحكم من حيث العيلولة أو وجوب الانفاق ، فكيف يجوز الاعتماد في مثله على الإخبار بالاتفاق الكاشف عن قول الإمام عليه‌السلام ، ويقال : إنّها سنّة محكيّة؟!.

____________________________________

به كثيرين (خصوصا لمن يخطّئ العمل بأخبار الآحاد) كالحلّي والسيد المرتضى وغيرهما.

فالحاصل أنّه لا يصح أن يكون هذا الإجماع المستند إلى الحدسيات إخبارا عن قول الإمام عليه‌السلام ، حتى يدخل في خبر الواحد فتشمله أدلته.

(وأوضح حالا في عدم جواز الاعتماد ما ادّعاه الحلّي من الإجماع على وجوب فطرة الزوجة ولو كانت ناشزة على الزوج) إنّ إجماع الحلّي على وجوب فطرة الزوجة ـ مطيعة كانت أم ناشزة ـ على الزوج مبنيّ على أن يكون مناط وجوب فطرة الزوجة على الزوج الزوجيّة ، فإنّه تحدّس من تدوين العلماء الأخبار المطلقة الدالة على وجوب فطرة الزوجة على الزوج إجماعهم على هذا الحكم المزبور ، بتوهّم أنّهم أفتوا باطلاق هذه الأخبار وأنّ المناط عندهم هو الزوجيّة.

ولم يتفطّن بأنّ الحكم عندهم معلّق على أحد أمرين : أي الإعالة وإن لم تكن مطيعة ، أو وجوب الإنفاق وإن لم تكن عيالا له ، وإنّهم لم يأخذوا بالإطلاق ، بل قيّدوه بالإعالة أو وجوب الإنفاق ، فالمناط في وجوب الفطرة ليس الزوجية ـ كما تخيّل الحلّي ـ بل هو

٣٨١

وما أبعد ما بين ما استند إليه الحلّي في هذا المقام وبين ما ذكره المحقّق في بعض كلماته المحكيّة! حيث قال : «إنّ الاتّفاق على لفظ مطلق شامل لبعض أفراده الذي وقع فيه الكلام لا يقتضي الإجماع على ذلك الفرد ؛ لأنّ المذهب لا يصار إليه من إطلاق اللفظ ما لم يكن معلوما من القصد ، لأنّ الإجماع مأخوذ من قولهم : أجمع على كذا ، إذا عزم عليه ، فلا يدخل في الإجماع إلّا من علم منه القصد إليه ، كما أنّا لا نعلم مذهب عشرة من الفقهاء الذين لم ينقل مذهبهم لدلالة عموم القرآن وإن كانوا قائلين به» ، انتهى كلامه.

وهو في غاية المتانة ، لكنّك عرفت ما وقع من جماعة من المسامحة في إطلاق لفظ الإجماع ، وقد حكي في المعالم عن الشهيد : «إنّه أوّل كثيرا من الإجماعات ؛ لأجل مشاهدة المخالف في مواردها ، بإرادة الشهرة أو بعدم الظفر بالمخالف حين دعوى الإجماع ، أو بتأويل الخلاف على وجه لا ينافي الإجماع ، أو بإرادة الإجماع على الرواية وتدوينها في كتب الحديث» انتهى.

____________________________________

الإعالة ، فتجب فطرة من كان عيالا له ، سواء كان ولدا أو امّا أو أبا أو زوجة مطيعة أو ناشزة ما دامت في بيت زوجها أو غيرها من الأجانب ، أو هو وجوب الإنفاق فلا تجب فطرة الزوجة الناشزة على الزوج لعدم وجوب نفقتها عليه.

فالحاصل أنّه لا يجوز الاعتماد على مثل هذا الإجماع المستند إلى الحدس والاجتهاد(وما أبعد ما بين ما استند إليه الحلّي في هذا المقام وبين ما ذكره المحقّق ... إلى آخره) والأعجب من بعد المشرقين هو ما استند إليه الحلّي في المقام من نسبته الحكم ، بوجوب فطرة الزوجة على الزوج ، إلى اتفاق العلماء بمجرد تدوينهم الأخبار المطلقة الدالة على وجوب فطرة الزوجة على الزوج ، تخيّلا بأخذهم إطلاقها.

وما ذكره المحقّق من أنّ الاتفاق على لفظ مطلق لا يقتضي الإجماع على ذلك! وأنّ مجرّد ذكر المفتي لفظا مطلقا لا يدل على أخذه بالإطلاق ، ما لم يعلم أنّه قصد الإطلاق ، فإذا رأينا العلماء ذكروا الأخبار المطلقة الدالة على وجوب فطرة الزوجة على الزوج ، لا يصحّ لنا نسبة الحكم المستفاد من الإطلاق إليهم ، فنقول : إنهم أجمعوا على وجوب فطرة الزوجة وإن كانت ناشزة على الزوج ، ما لم نعلم قصد ذلك منهم.

فما ذكره المحقّق قدس‌سره يكون نقيضا لما تقدّم من الحلّي ، فإنّه حكم باتفاقهم على وجوب فطرة الزوجة الناشزة على الزوج ؛ لاتفاقهم على تدوين المطلق الدال بإطلاقه على الحكم

٣٨٢

وعن المحدّث المجلسي قدس‌سره ، في كتاب الصلاة من البحار ، بعد ذكر معنى الإجماع ووجه حجّيّته عند الأصحاب : «إنّهم لمّا رجعوا إلى الفقه كأنّهم نسوا ما ذكروه في الاصول ـ ثم أخذ في الطعن على إجماعاتهم ، إلى أن قال ـ : فيغلب على الظّن أنّ مصطلحهم في الفروع غير ما جروا عليه في الاصول» انتهى.

والتحقيق أنّه لا حاجة إلى ارتكاب التأويل في لفظ الإجماع بما ذكره الشهيد ، ولا إلى ما ذكره المحدّث المذكور قدس‌سرهما ، من تغاير مصطلحهم في الفروع والاصول ، بل الحقّ أنّ دعواهم للإجماع في الفروع مبنيّ على استكشاف الآراء ورأي الإمام عليه‌السلام ، إمّا من حسن الظنّ بجماعة من السلف ، أو من امور تستلزم باجتهادهم إفتاء العلماء بذلك وصدور الحكم عن

____________________________________

المزبور.

والمحقّق حكم بأنّ المذهب لا يكشف بإطلاق اللفظ ، فلا يصحّ لنا نسبة الاتفاق إليهم بالنسبة إلى الحكم المذكور إلّا إذا علمنا بأنّهم قصدوا ذلك من إطلاق اللفظ.

والملخّص : إنّه لا يجوز نسبة قول إلى فقيه إلّا بعد العلم بأنّه منه ، فلا يجوز بمجرّد وجود عموم أو إطلاق في القرآن الحكم بأنّ الفقهاء كلهم ذهبوا إلى ذلك العموم أو الإطلاق ، ما لم نعلم أقوالهم فيهما ، إذ لعلّهم وجدوا للعموم مخصّصا وللإطلاق مقيّدا.

ثم يقول المصنّف قدس‌سره : إنّ ما أفاده المحقّق يكون في غاية المتانة ، ولكن ما ذكره الحلّي ـ أيضا ـ يكون صحيحا لما عرفت من المسامحة في إطلاق لفظ الإجماع من جماعة كالمفيد والسيد والشيخ والحلّي ، حيث أطلقوه على اتفاق الكلّ من دون تتبع في أقوالهم ، بل بكشفها بالاجتهادات.

(والتحقيق أنّه لا حاجة إلى ارتكاب التأويل في لفظ الإجماع بما ذكره الشهيد ، ولا إلى ما ذكره المحدّث المذكور) ، إذ لا حاجة إلى تأويل الإجماع بأحد الوجوه التي ذكرها الشهيد ، ولا إلى ما ذكره صاحب البحار من تغاير اصطلاح العلماء في الاصول والفروع ، حيث يقولون في الاصول : إنّ الإجماع هو اتفاق الكل ، ثمّ ينسون في الفروع ، فيدّعون الإجماع فيها مع وجود المخالف.

(بل الحقّ أنّ دعواهم للإجماع في الفروع مبنيّ على استكشاف الآراء ورأي الإمام ، إمّا من حسن الظن بجماعة السلف ، أو من امور تستلزم باجتهادهم إفتاء العلماء بذلك).

٣٨٣

الإمام عليه‌السلام أيضا.

وليس في هذا مخالفة لظاهر لفظ الإجماع حتّى يحتاج إلى القرينة ، ولا تدليس ؛ لأنّ دعوى الإجماع ليس لأجل اعتماد الغير عليه وجعله دليلا يستريح إليه في المسألة.

نعم ، قد يوجب التدليس من جهة نسبة الفتوى إلى العلماء الظاهرة في وجدانها في كلماتهم ، لكنّه يندفع بأدنى تتّبع في الفقه ، ليظهر أنّ مبنى ذلك على استنباط المذهب ، لا على وجدانه مأثورا.

____________________________________

وملخّص ما ذكره المصنّف قدس‌سره : إنّ دعوى الإجماع من الفقهاء في الفروع ليست من جهة عدولهم عن الاصطلاح المذكور في الاصول ، بل إجماعهم فيها كان مبنيّا على الحدس لا على تتبع الأقوال.

فكانوا يتحدّسون من اتفاق جماعة لحسن ظنّهم بهم اتفاق الكل ، أو من امور تستلزم باجتهادهم إفتاء جميع العلماء بحكم معيّن ، كحدسهم من اتفاقهم على العمل بالأصل على اتفاقهم بالحكم الذي يقتضيه ذلك الأصل ، وقد تقدمت أمثلة الإجماعات المبتنية على الاصول.

(وليس في هذا مخالفة لظاهر لفظ الإجماع حتى يحتاج إلى القرينة) وليس في اطلاق الإجماع على اتفاق الكل المستكشف بالامور المذكورة مخالفة لظاهر لفظ الإجماع ليحتاج إلى القرينة.

(ولا تدليس ؛ لأنّ دعوى الإجماع ليس لأجل اعتماد الغير عليه) ، إذ الإجماع حجّة للناقل ، فيدّعي الإجماع ليستدل به ، وليس نقل الإجماع لأجل اعتماد المنقول إليه عليه حتى يلزم التدليس.

(نعم ، قد يوجب التدليس من جهة نسبة الفتوى إلى العلماء الظاهرة في وجدانها في كلماتهم ، لكنّه يندفع بأدنى تتبع في الفقه ... الخ).

لأنّ نقل الإجماع قد يكون موجبا للتدليس ، إذ حينما يقول ناقل الإجماع : أجمع العلماء على هذا الحكم ، يتوهّم من كلامه أنّه قد وجد فتاواهم بالتتبع مع أنّه ليس كذلك ، ولكنّ هذا التدليس يكون في بادئ النظر ، (يندفع بأدنى تتبع في الفقه) ، فينكشف (أنّ مبنى ذلك) الإجماع كان (على استنباط المذهب لا على وجدانه مأثورا).

٣٨٤

والحاصل أنّ المتتبّع في الإجماعات المنقولة يحصل له القطع من تراكم أمارات كثيرة باستناد دعوى الناقلين للإجماع ـ خصوصا إذا أرادوا به اتّفاق علماء جميع الأعصار ، كما هو الغالب في إجماعات المتأخّرين ـ إلى الحدس الحاصل من حسن الظّن بجماعة ممّن تقدّم على الناقل ، أو من الانتقال من الملزوم إلى لازمه ، مع ثبوت الملازمة باجتهاد الناقل واعتقاده.

وعلى هذا تنزّل الإجماعات المتخالفة من العلماء مع اتحاد العصر أو تقارب العصرين ، وعدم المبالاة كثيرا بإجماع الغير والخروج عنه للدليل ، وكذا دعوى الإجماع مع وجود المخالف ، فإنّ ما ذكرنا في مبنى الإجماع من أصحّ المحامل لهذه الامور المنافية لبناء دعوى الإجماع على تتبّع الفتاوى في خصوص المسألة.

____________________________________

ثم يقول المصنّف قدس‌سره : إنّ الإجماعات المنقولة مبنيّة على الحدس والاجتهاد الناشئ من حسن ظن الناقل بجماعة أو من الملزوم ، فيتحدّس الناقل من اتفاق الجماعة اتفاق الكل ، أو من اتفاقهم على العمل بالأصل على اتفاقهم بما هو لازم هذا الأصل مثلا ، فينتقل من الملزوم إلى لازمه مع ثبوت الملازمة باجتهاد الناقل ، كما تقدّم من الحلّي ، حيث انتقل من تدوين العلماء أخبار المضايقة إلى اتفاقهم على وجوب الفور والمضايقة في قضاء الفوائت ، فيحصل القطع لمن تتبع في الإجماعات المنقولة من تراكم أمارات كثيرة على كونها مستندة إلى الاجتهاد والحدس (وعلى هذا تنزّل الإجماعات المتخالفة من العلماء) فتنزّل الإجماعات المتخالفة على كون الإجماع مستندا إلى الحدس والاجتهاد ، فتكون مبنيّة على الحدس.

(فإنّ ما ذكرنا في مبنى الإجماع من أصحّ المحامل لهذه الامور المنافية لبناء دعوى الإجماع على تتبع الفتاوى في خصوص المسألة).

أي : ما ذكرنا من كون هذه الإجماعات مبنية على الحدس والاجتهاد من أصح المحامل لهذه الإجماعات المنافية لكونها مستندة إلى تتبع الفتاوى ، إذ لو كانت مستندة إلى تتبع الناقل لفتاوى الفقهاء لما وصلت الاختلافات بهذه الدرجة.

فنفس هذه الاختلافات في الإجماعات المنقولة يكون أقوى شاهد على كونها مبنيّة على اجتهاد وحدس ناقليها ، فتكون هذه الإجماعات مبنية على الاجتهاد والحدس.

٣٨٥

وذكر المحقّق السبزواري في الذخيرة ، بعد بيان تعسّر العلم بالإجماع : «إنّ مرادهم بالإجماعات المنقولة في كثير من المسائل ، بل في أكثرها ، لا يكون محمولا على معناه الظاهر ، بل إمّا يرجع إلى اجتهاد من الناقل مؤدّ بحسب القرائن والأمارات التى اعتبرها إلى أنّ المعصوم عليه‌السلام موافق في هذا الحكم ، أو مرادهم الشهرة أو اتفاق أصحاب الكتب المشهورة ، أو غير ذلك من المعاني المحتملة».

ثم قال بعد كلام له : «والذي ظهر لي من تتبّع كلام المتأخرين أنّهم كانوا ينظرون إلى كتب الفتاوى الموجودة عندهم في حال التأليف ، فإذا رأوا اتّفاقهم على حكم قالوا : إنّه إجماعي ، ثمّ إذا اطّلعوا على تصنيف آخر خالف مؤلّفه الحكم المذكور رجعوا عن الدعوى المذكورة ، ويرشد إلى هذا كثير من القرائن التي لا يناسب هذا المقام تفصيلها» انتهى.

وحاصل الكلام ـ من أوّل ما ذكرنا إلى هنا ـ أنّ الناقل للإجماع إن احتمل في حقّه تتبّع

____________________________________

ويؤيد ما ذكره المصنّف من كون هذه الإجماعات مبنية على الحدس ، ما أفاده المحقّق السبزواري ، حيث قال في الذخيرة ما خلاصته : إنّ مرادهم بالإجماعات المنقولة ، لا يكون معناها الظاهر في تتبع الأقوال فردا فردا ؛ لعدم تمكن الناقل من تحصيل الأقوال بالتتبع ، لتفرق العلماء وتشتتهم في أصقاع الأرض.

(بل إمّا يرجع إلى اجتهاد من الناقل) ، كانتقاله بالحدس والاجتهاد من اتفاقهم على العمل بالأصل إلى اتفاقهم على حكم يقتضيه ذلك الأصل مثلا ، أو يكون (مرادهم) من الإجماع (الشهرة ، أو اتفاق أصحاب الكتب المشهورة أو غير ذلك من المعاني المحتملة) ، كاتفاق المعروفين أو اتفاق أصحاب الكتب الأربعة في الروايات.

ثمّ يقول السبزواري : (والذي ظهر لي) أنّ الناقلين للإجماع يدّعونه حينما (ينظرون إلى كتب الفتاوى الموجودة عندهم في حال التأليف ، فإذا رأوا اتفاقهم على حكم قالوا : إنّه إجماعي). وإذا وجدوا المخالف (رجعوا عن الدعوى المذكورة ، ويرشد إلى هذا كثير من القرائن) منها : تعارض الإجماعين من شخص واحد ، ومنها : عدول المفتي عن الفتوى التي ادّعى فيها الإجماع.

فالحاصل أنّ المحقّق السبزواري قدس‌سره يكون موافقا للمصنّف قدس‌سره في الجملة ، أي : في كون مبنى بعض هذه الإجماعات هو الحدس.

٣٨٦

فتاوى من ادّعى اتفاقهم ـ حتى الإمام الذي هو داخل في المجمعين ـ فلا إشكال في حجّيّته وفي إلحاقه بالخبر الواحد ، إذ لا يشترط في حجّيته معرفة الإمام تفصيلا حين السماع منه ، لكن هذا الفرض ممّا يعلم بعدم وقوعه ، وأنّ المدّعي للإجماع لا يدّعيه على هذا الوجه.

وبعد هذا ، فإن احتمل في حقه تتبّع فتاوى جميع المجمعين ، والمفروض أنّ الظاهر من كلامه هو اتّفاق الكل المستلزم عادة لموافقة قول الإمام عليه‌السلام ، فالظاهر حجّيّة خبره للمنقول إليه ، سواء جعلنا المناط في حجيته تعلّق خبره بنفس الكاشف الذي هو من الامور المحسوسة المستلزمة ضرورة لأمر حدسي وهو قول الإمام ، أو جعلنا المناط تعلّق خبره بالمنكشف وهو قول الإمام ، لما عرفت من أنّ الخبر الحدسي المستند إلى إحساس ما هو ملزوم للمخبر به عادة ، كالخبر الحسّي في وجوب القبول. وقد تقدّم الوجهان في كلام السيّد الكاظمي فى شرح الوافية.

لكنّك قد عرفت سابقا القطع بانتفاء هذا الاحتمال ، خصوصا إذا أراد الناقل اتّفاق علماء جميع الأعصار.

نعم ، لو فرضنا قلّة العلماء في عصر بحيث يحاط بهم ، أمكن دعوى اتّفاقهم عن حسّ ، لكن هذا غير مستلزم عادة لموافقة قول الإمام عليه‌السلام.

نعم ، يكشف عن موافقته ، بناء على طريقة الشيخ المتقدّمة التي لم تثبت عندنا وعند الأكثر.

____________________________________

(وحاصل الكلام من أول ما ذكرنا إلى هنا) ، إنّ مستند علم ناقل الإجماع بقول الإمام عليه‌السلام ، لا يخلو عن أحد امور ثلاثة هي : الدخول أو الحدس أو اللطف ، فإن احتمل في حقّ الناقل الطريق الأول يكون نقله حجّة ؛ لأنّه داخل في نقل الخبر عن حسّ ، وإلّا فلا (لكن هذا الفرض ممّا يعلم بعدم وقوعه) ، لأحد أمرين :

الأوّل : إنّ الإمام عليه‌السلام في زمان الغيبة لا يعاشر الناس ، فلا يتكلم معهم حتى يسمع الحكم منه عليه‌السلام الناقل فيكون نقله داخلا في نقل الخبر عن حسّ.

والثاني : إنّه لا يحصل له تتبع أقوال جميع العلماء ، حتى يتحقق دخول الإمام عليه‌السلام فيهم (وبعد هذا فإن احتمل في حقّه تتبع فتاوى جميع المجمعين ... الخ) بأن كان مستند الإجماع هو الطريق الثاني أي : تتبع أقوال العلماء ، بحيث تلازم هذه الأقوال موافقة الإمام عليه‌السلام ، كان

٣٨٧

ثمّ إذا علم عدم استناد دعوى اتّفاق العلماء المتشتّتين في الأقطار ، الذي يكشف عادة عن موافقة الإمام عليه‌السلام ، إلّا إلى الحدس الناشئ عن أحد الامور المتقدمة التي مرجعها إلى حسن الظّن أو الملازمات الاجتهاديّة ، فلا عبرة بنقله ، لأنّ الاخبار بقول الإمام عليه‌السلام حدسيّ غير مستند إلى حسّ ملزوم له عادة ، ليكون نظير الإخبار بالعدالة المستندة إلى الآثار الحسّية ، والإخبار بالاتفاق ـ أيضا ـ حدسي.

نعم ، يبقى هنا شيء وهو أنّ هذا المقدار من النسبة المحتمل استناد الناقل فيها إلى الحسّ يكون خبره حجّة فيها ، لأنّ ظاهر الحكاية محمول على الوجدان إلّا إذا قام هناك صارف ، والمعلوم من الصارف هو عدم استناد الناقل إلى الوجدان والحسّ في نسبة الفتوى إلى جميع من ادّعى إجماعهم.

وأمّا استناد نسبة الفتوى إلى جميع أرباب الكتب المصنّفة في الفتاوى إلى الوجدان في كتبهم بعد التّتبع ، فأمر محتمل لا يمنعه عادة ولا عقل.

____________________________________

الإجماع حجّة من حيث السبب والمسبب.

وأمّا كون نقل الإجماع حجّة من حيث السبب فلكونه خبرا حسّيا ، وأمّا حجّيته من جهة المسبب فلكونه مستندا إلى أمر حسّي يلازمه ، فيكون كالخبر الحسّي في وجوب القبول.

ولكنّ هذا الاحتمال كسابقه يكون مقطوع العدم ، وذلك لعدم إمكان تتبع أقوال العلماء في جميع الأعصار ، فلا يتحقّق القطع بالسبب المستلزم عادة موافقة الإمام عليه‌السلام ، وما يمكن القطع به من تتبع أقوال علماء عصر إذا كانوا قليلين لا يستلزم عادة موافقة قول المعصوم عليه‌السلام فلا يجوز الاعتماد عليه.

ثمّ الطريق الثالث ، وهو اللطف ، باطل عند المصنّف قدس‌سره ، فينحصر مستند الإجماع في الحدس الناشئ عن حسّ الظن ، أو عن اتفاق المعروفين ، (أو الملازمات الاجتهادية) كالحدس باتفاقهم على الحكم من اتفاقهم على مسألة اصولية ، فلا يكون نقل الإجماع حجّة ، لأن الإخبار بقول الإمام عليه‌السلام غير مستند إلى السماع ، وغير مستند إلى حسّ ملزوم لقول الإمام عليه‌السلام عادة ، لأنّ المفروض أنّ الناقل لم يتتبع أقوال العلماء ، بل تحدّس بها ، فيكون كلّ من السبب والمسبب حدسيّا.

(نعم ، يبقى هنا شيء) نعم ، ذكر المصنّف كلاما هنا أراد به تصحيح تمسّكاته في الفقه

٣٨٨

وما تقدّم من المحقّق السبزواري من ابتناء دعوى الإجماع على ملاحظة الكتب الموجودة عنده حال التأليف ، فليس عليه شاهد ، بل الشاهد على خلافه ، وعلى تقديره فهو ظنّ لا يقدح في العمل بظاهر النسبة ، فإنّ نسبة الأمر الحسّي إلى شخص ، ظاهر في احساس الغير إيّاه من ذلك الشخص. وحينئذ فنقل الإجماع غالبا ـ إلّا ما شذّ ـ حجّة بالنسبة إلى صدور الفتوى عن جميع المعروفين من أهل الفتاوى.

ولا يقدح في ذلك أنّا نجد الخلاف في كثير من موارد دعوى الإجماع ، إذ من المحتمل إرادة الناقل ما عدا المخالف ، فتتبّع كتب من عداه ونسب الفتوى إليهم ، بل لعلّه اطّلع على رجوع

____________________________________

بالإجماعات المنقولة ، فقال يبقى هنا شيء ، وهو حجّية الإجماع في الجملة ، أي : بالنسبة إلى نقل الأقوال التي يمكن تحصيلها عن حسّ لناقل الإجماع ، وذلك إن لنقل الإجماع ظهورين :

أحدهما : هو نقل أقوال الكلّ.

وثانيهما : هو تحصيلها ووجدانها بالحسّ والتتبع ، ثم نرفع اليد عن الأول لكونه متعذرا أو متعسرا عادة للناقل ، ونأخذ بالثاني.

ونتيجة ذلك هي أنّ الناقل قد ينقل ما يتمكّن من تحصيله بالحسّ والتتبع من أقوال أصحاب الكتب الفقهية ، فيثبت هذا المقدار من أقوالهم للمنقول إليه ، لأنّ إخباره بهذا المقدار يكون عن حسّ ، فيكون تحصيل فتوى جميع أرباب الكتب الفقهية بالتتبع أمرا محتملا لا يمنعه عقل ولا عادة.

فعلى هذا ما تقدّم من المحقّق السبزواري من ابتناء دعوى الإجماع على ملاحظة الكتب الموجودة حال التأليف لا يخلو عن اشكال ، لأنّ لفظ الإجماع ظاهر في تتبع أقوال جميع أرباب الكتب لا أرباب الكتب الموجودة حال التأليف ، فيكون هذا الظهور شاهدا على خلاف ما ذكره السبزواري قدس‌سره.

وكيف كان ، فقد يثبت بنقل ناقل الإجماع مقدار من الأقوال والفتاوى للمنقول إليه ، فإذا تتبع المنقول إليه وحصّل مقدارا آخرا من الأقوال والأمارات بحيث إذا انضمّ ما حصل إلى ما نقل يصير المجموع ملازما لقول الإمام عليه‌السلام عادة لكان المجموع حجّة له.

(ولا يقدح في ذلك إنّا نجد الخلاف في كثير من موارد دعوى الإجماع ... الخ) ، أي : لا

٣٨٩

من نجده مخالفا ، فلا حاجة إلى حمل كلامه على من عدا المخالف.

وهذا المضمون المخبر به عن حسّ وإن لم يكن مستلزما بنفسه عادة لموافقة قول الإمام عليه‌السلام ، إلّا أنّه قد يستلزمه بانضمام أمارات أخر يحصّلها المتتبّع ، أو بانضمام أقوال المتأخّرين من دعوى الإجماع.

مثلا ، إذا ادّعى الشيخ قدس‌سره ، الإجماع على اعتبار طهارة مسجد الجبهة ، فلا أقلّ من احتمال أن تكون دعواه مستندة إلى وجدان الحكم في الكتب المعدّة للفتوى ، وإن كان بإيراد الروايات التي يفتي المؤلّف بمضمونها ، فيكون خبره المتضمّن لإفتاء جميع أهل الفتوى بهذا الحكم حجّة في المسألة ، فيكون كما لو وجدنا الفتاوى في كتبهم ، بل سمعناها منهم ، وفتواهم وإن لم تكن بنفسها مستلزمة ـ عادة ـ لموافقة الإمام عليه‌السلام إلّا أنّا إذا ضممنا إليها فتوى من تأخّر عن الشيخ من أهل الفتوى وضمّ إلى ذلك أمارات أخر ، فربّما حصل من المجموع القطع بالحكم ، لاستحالة تخلّف هذه جميعها عن قول الإمام عليه‌السلام. وبعض هذا المجموع ـ وهو اتّفاق أهل الفتاوى المأثورة عنهم ـ وإن لم يثبت لنا بالوجدان إلّا أنّ المخبر قد أخبر به عن حسّ فيكون حجّة كالمحسوس لنا.

وكما أنّ مجموع ما يستلزم عادة لصدور الحكم عن الإمام عليه‌السلام إذا أخبر به العادل عن حسّ قبل منه وعمل بمقتضاه ، فكذا إذا أخبر العادل ببعضه عن حسّ.

وتوضيحه ـ بالمثال الخارجيّ ـ أن نقول : إنّ خبر مائة عادل أو ألف مخبر بشيء مع شدّة احتياطهم في مقام الإخبار يستلزم عادة ثبوت المخبر به في الخارج ، فإذا أخبرنا عادل بأنّه قد أخبر ألف عادل بموت زيد وحضور دفنه ، فيكون خبره بإخبار الجماعة بموت زيد حجّة ، فيثبت به لازمه العادي وهو موت زيد ، وكذلك إذا أخبر العادل بإخبار بعض هؤلاء ، وحصّلنا إخبار الباقي بالسماع منهم.

____________________________________

يقدح في اعتبار وحجّية نقل الإجماع وإثبات فتوى جميع المعروفين به وجود الخلاف في مورد الإجماع ، وذلك لأحد أمرين :

الأول : إنّ الناقل ينقل أقوال ما عدا المخالف ، فتثبت أقوال ما عدا المخالف للمنقول إليه.

والثاني : إنّ الناقل لعلّه اطّلع على رجوع المخالف عن المخالفة إلى الموافقة مع الباقين.

٣٩٠

نعم ، لو كانت الفتاوى المنقولة إجماعا بلفظ الإجماع ، على تقدير ثبوتها لنا بالوجدان ، ممّا لا تكون بنفسها أو بضميمة أمارات أخر مستلزمة عادة للقطع بقول الإمام عليه‌السلام وإن كانت قد تفيده ، لم يكن معنى لحجّية خبر الواحد في نقلها تعبّدا ، لأنّ معنى التعبّد بخبر الواحد في شيء ترتيب لوازمه الثابتة له ولو بضميمة امور أخر.

____________________________________

والملخّص : إن فتاوى العلماء المنقولة بعنوان الإجماع إلينا وإن لم تكن بنفسها مستلزمة عادة لموافقة الإمام عليه‌السلام إلّا أنّا إذا ضممنا إليها فتاوى أخر ـ التي وجدناها ـ لحصل القطع لنا من المجموع بالحكم الصادر عن الإمام عليه‌السلام ، غاية الأمر : بعضه ثبت بإخبار ناقل الإجماع ، وبعضه ثبت بالوجدان ، فكما أنّ المجموع المستلزم عادة لصدور الحكم عن الإمام عليه‌السلام يثبت بإخبار العادل به عن حسّ كذلك بعضه.

ثم يذكر المصنّف قدس‌سره مثالا لتوضيح المقام ، فإذا كان إخبار ألف مخبر مستلزما لثبوت المخبر به لثبت المخبر به بإخبار ألف مخبر ، وكذلك يثبت بإخبار عادل عن قول ألف مخبر لأنّ إخبار العادل عن حسّ بإخبار ألف مخبر حجّة.

فلو فرضنا أنّ العادل أخبرنا بأنه قد أخبر له ألف عادل بموت زيد ، لكان خبره بإخبار الجماعة بموت زيد حجّة لنا لأنّه خبر عادل عن حسّ ، فيثبت به لازمه ، وهو موت زيد ، وكذا لو أخبرنا العادل بإخبار بعض هؤلاء ، مثلا قال : أخبرني خمسمائة عادل بموت زيد ، وحصّلنا إخبار الباقي بالسماع منهم لكان المجموع حجّة لنا فيثبت به المخبر به ، وهو موت زيد.

(نعم ، لو كانت الفتاوى المنقولة إجمالا بلفظ الإجماع على تقدير ثبوتها لنا بالوجدان ممّا لا يكون بنفسها ، أو بضميمة أمارات أخر مستلزمة عادة للقطع بقول الإمام عليه‌السلام وان كانت قد تفيده لم يكن معنى لحجّية خبر الواحد).

إنّ الفتاوى المنقولة لو لم تكن مستلزمة للعلم بقول الإمام عليه‌السلام ولو مع ضميمة أمارات أخر إليها لم يكن لنقلها أثر شرعا ، فلا يكون نقلها حجّة ، وذلك (لأنّ معنى التعبّد بخبر الواحد في شيء) مثل موت زيد مثلا(ترتيب لوازمه) ، أي : الشيء المخبر به ؛ وهو موت زيد ، ولوازمه شرعا هي وجوب الصلاة والدفن والكفن وتقسيم أمواله بين الورثة.

وهذه اللّوازم تترتّب إذا أخبر ألف عادل بموت زيد ، ولا تترتّب على إخبار عشرين ،

٣٩١

فلو أخبر العادل باخبار عشرين بموت زيد ، وفرضنا أنّ إخبارهم قد يوجب العلم وقد لا يوجب ، لم يكن خبره حجّة بالنسبة إلى موت زيد ، إذ لا يلزم من إخبار عشرين بموت زيد موته.

وبالجملة ، فمعنى حجّية خبر العادل وجوب ترتيب ما يدلّ عليه المخبر به مطابقة ، أو تضمّنا ، أو التزاما عقليّا أو عاديّا أو شرعيّا دون ما يقارنه أحيانا.

ثم إنّ ما ذكرنا لا يختصّ بنقل الإجماع ، بل يجري في نقل الاتفاق وشبهه ، ويجري في نقل الشهرة ونقل الفتاوى عن أربابها تفصيلا.

ثم إنّه لو لم يحصل من مجموع ما ثبت بنقل العادل وما حصّله المنقول إليه بالوجدان من الأمارات والأقوال القطع بصدور الحكم الواقعيّ عن الإمام عليه‌السلام ، لكن حصل منه القطع

____________________________________

وإن كان إخبارهم مفيدا للعلم أحيانا لبعض ، فلا يكون إخبارهم حجّة لعدم ترتّب لازم شرعي عليه.

(وبالجملة ، فمعنى حجّية خبر العادل وجوب ترتيب ما يدل عليه المخبر به مطابقة ، أو تضمّنا أو التزاما عقليا أو عاديا أو شرعيا).

وأمثلة ذلك : ما إذا أخبر عادل بكون مائع معيّن خمرا عنبيّا ، لكان دلالة المخبر به ـ أي : لفظه ـ على الخمر العنبي بالمطابقة ، وعلى الخمريّة بالتضمّن ، وعلى استحقاق العقاب بالشرب بالالتزام عقلا ، وعلى كونه مسكرا بالالتزام عادة ، وعلى كونه نجسا بالالتزام شرعا.

وحكم ما يدل عليه المخبر به في الجميع هو الحرمة ، فلا بدّ من تقدير حكم في كلام المصنّف رحمه‌الله قبل كلمة (ما) في قوله : (ما يدل) أي : وجوب ترتّب حكم ما يدل عليه المخبر به ... الخ (دون ما يقارنه أحيانا) كموت زيد المقارن بإخبار عشرين بموته بالمقارنة الاتفاقية من دون ملازمة بينهما عادة ، فلا معنى للتعبّد بإخبار العادل عن إخبار عشرين بموت زيد.

(ثم إنّ ما ذكرنا لا يختصّ بنقل الإجماع ، بل يجري في لفظ الاتفاق ... الخ) ، أي : إنّ ما ذكره المصنّف قدس‌سره من حجّية الإجماع من حيث السبب وإن كان ناقصا لا يختصّ بنقل الإجماع ، بل يجري في كل نقل كان مفاده نقل أقوال العلماء سواء كان بلفظ الإجماع أو بلفظ الاتفاق

٣٩٢

بوجود دليل ظنّي معتبر بحيث لو نقل إلينا لاعتقدناه تامّا من جهة الدلالة وفقد المعارض ، كان هذا المقدار ـ أيضا ـ كافيا في إثبات المسألة الفقهيّة.

بل قد تكون نفس الفتاوى التي نقلها الناقل للإجماع إجمالا مستلزمة لوجود دليل معتبر ، فيستقل الإجماع المنقول بالحجّية بعد إثبات حجّية خبر العادل في المحسوسات ، إلّا إذا منعنا ـ كما تقدّم سابقا ـ عن استلزام اتّفاق أرباب الفتاوى عادة لوجود دليل لو نقل إلينا لوجدناه تامّا ، وإن كان قد يحصل العلم بذلك من ذلك ، إلّا أنّ ذلك شيء قد يتفق ولا يوجب ثبوت الملازمة العادّية التي هي المناط في الانتقال من المخبر به إليه ، ألا ترى أنّ إخبار عشرة بشيء قد يوجب العلم به ، لكن لا ملازمة عادية بينهما ، بخلاف إخبار ألف عادل محتاط في الإخبار؟.

وبالجملة : يوجد في الخبر مرتبة تستلزم عادة تحقّق المخبر به ، لكن ما يوجب العلم أحيانا قد لا يوجبه ، وفي الحقيقة ليس هو نفسه الموجب في مقام حصول العلم وإلّا لم يتخلّف.

____________________________________

أو بلفظ الإطباق ، أو غيرهما.

ففي جميع الصور يأخذ المنقول إليه المقدار الذي يحتمل استناد الناقل فيه إلى الحسّ والتتبع ، وينضمّ إليه ما يحصّله ، فإذا أصبح المجموع مستلزما عادة لموافقة قول الإمام عليه‌السلام كان حجّة ، وإلّا فلا.

ثم المجموع لو لم يكن مستلزما لموافقة الإمام عليه‌السلام (لكن حصل منه) ، أي : المجموع (القطع بوجود دليل ظنّى معتبر) كان حجّة وكافيا في إثبات الحكم ، (بل قد تكون نفس الفتاوى التي نقلها الناقل للإجماع إجمالا مستلزمة لوجود دليل معتبر).

ويمكن فرض ذلك فيما إذا كان ناقل الإجماع من أعلم الفقهاء وكثير الاطّلاع بأقوال العلماء في جميع الأعصار(فيستقل الإجماع المنقول) من هذا الناقل (بالحجّية) ؛ لأن هذا الإجماع يكون كاشفا عن وجود دليل معتبر.

(إلّا إذا منعنا ـ كما تقدم سابقا ـ عن استلزام اتفاق أرباب الفتاوى عادة لوجود دليل) إنّ استناد الناقل إلى الحسّ في تحصيل اتفاق أصحاب الفتاوى المعروفة كما لا يلازم عادة موافقة قول الإمام والحكم الواقعي ـ كذلك ـ لا يلازم موافقة دليل ظنّي معتبر والحكم الظاهري ، فلا يكون نقل هذه الفتاوى حجّة.

٣٩٣

ثم إنّه قد نبّه على ما ذكرنا من فائدة نقل الإجماع بعض المحقّقين في كلام طويل له ، وما ذكرنا وإن كان محصّل كلامه على ما نظرنا فيه ، لكنّ الاولى نقل عبارته بعينها ، فلعلّ الناظر يحصّل منه غير ما حصّلنا ، فإنّا قد مررنا على العبارة مرورا ، ولا يبعد أن يكون قد اختفى علينا بعض ما له دخل في مطلبه ، قال قدس‌سره في كشف القناع ، وفي رسالته التي صنّفها في المواسعة والمضايقة ، ما هذا لفظه :

«وليعلم أنّ المحقّق في ذلك هو أن الإجماع ، الذي نقل بلفظه المستعمل في معناه المصطلح أو بسائر الألفاظ على كثرتها ، إذا لم يكن مبتنيا على دخول المعصوم بعينه أو ما في حكمه في المجمعين ، فهو إنّما يكون حجّة على غير الناقل ، باعتبار نقله السبب الكاشف عن قول المعصوم ، أو عن الدليل القاطع أو مطلق الدليل المعتدّ به وحصول الانكشاف للمنقول إليه والتمسّك به بعد البناء على قبوله ، لا اعتبار ما انكشف منه لناقله بحسب ادّعائه ،

____________________________________

(ثم إنّه قد نبّه على ما ذكرنا من فائدة نقل الإجماع) وهي كونه حجّة من حيث السبب الناقص ، ثم يمكن إكماله بالانضمام المذكور تفصيلا (بعض المحقّقين) وهو الشيخ أسد الله التستري (في كلام طويل له) حيث قال :

(وليعلم أنّ المحقّق في ذلك) ، أي : في نقل الإجماع (هو أنّ الإجماع ، الذي نقل بلفظه المستعمل في معناه المصطلح) وهو : اتفاق جميع علماء الأعصار(أو بسائر الألفاظ على كثرتها) مثل : أطبق العلماء ، أو اتفق الفقهاء ، وغيرهما.

(إذا لم يكن مبتنيا على دخول المعصوم بعينه) كنقل الإجماع في زماننا هذا حيث يكون الإمام عليه‌السلام غائبا فلا يكون الإمام عليه‌السلام داخلا في المجمعين (أو ما في حكمه) ، أي : دخول المعصوم عليه‌السلام بقوله في مقابل دخوله بشخصه.

فالحاصل أنّ الإجماع المنقول إذا لم يكن مبتنيا على دخول شخص المعصوم عليه‌السلام في المجمعين ، أو على دخول قوله عليه‌السلام في قولهم المنكشف بأحد الطرق (فهو إنّما يكون حجّة على غير الناقل باعتبار نقله السبب الكاشف عن قول المعصوم عليه‌السلام ... إلى آخره) إلى أن قال : (لا اعتبار ما انكشف منه لناقله بحسب ادعائه).

والمستفاد من كلامه أمران :

الأول : حجّية الإجماع لغير الناقل باعتبار السبب الكاشف.

٣٩٤

فهنا مقامان :

الأوّل : حجّيته بالاعتبار الأوّل ، وهي مبتنية من جهتي الثبوت والإثبات على مقدّمات :

الاولى : دلالة اللفظ على السبب ، وهذه لا بدّ من اعتبارها وهي متحقّقة ظاهرا في الألفاظ المتداولة بينهم ما لم يصرف عنها صارف. وقد يشتبه الحال إذا كان النقل بلفظ

____________________________________

والثاني : عدم حجّيته له باعتبار المسبب المنكشف.

(فهنا مقامان : الأول : حجّيته بالاعتبار الأول) ، أي : المقام الأول وهو حجّية الإجماع باعتبار السبب الكاشف ، ولم يتعرض المصنّف قدس‌سره للمقام الثاني لعدم كونه مرتبطا بالبحث في مقام اعتبار الإجماع من حيث السبب.

(وهي مبتنية من جهتي الثبوت والإثبات على مقدمات) المراد من جهة الثبوت هو ثبوت السبب الكاشف عادة عن قول المعصوم عليه‌السلام في الواقع ، بأن يكون لفظ الإجماع المنقول دالا على اتفاق جماعة يلازم قولهم قول الإمام عليه‌السلام عادة.

والمتكفّل لبيان هذه الجهة هي المقدمة الاولى ، والمراد من جهة الإثبات هو إثبات حجّية نقل السبب بالدليل ، والمتضمّن لبيان هذه الجهة هي المقدمة الثانية.

ثم بيان المقدمات الثلاث إجمالا قبل بيانها تفصيلا هو أنّ المقدمة الاولى تكون بمنزلة الصغرى ، بمعنى أن يبحث فيها عن دلالة الإجماع على السبب ، وهو اتفاق الكل.

والمقدمة الثانية تكون بمنزلة الكبرى ، أي : يبحث فيها عن إثبات حجّية نقل الإجماع والاتفاق.

والمقدمة الثالثة تكون بمنزلة النتيجة لهاتين المقدمتين ، حيث يبحث فيها عن استكشاف قول الإمام عليه‌السلام من ذلك السبب.

(الاولى : دلالة اللفظ على السبب) ، أي : لا بدّ من أن يدل اللفظ الذي ينقله الناقل على السبب ، أي : اتفاق العلماء بحيث يلازم موافقة قول الإمام عليه‌السلام (وهي متحقّقة ظاهرا في الألفاظ المتداولة بينهم) ؛ لأنّ الدلالة متحقّقة وثابتة في الألفاظ المتعارفة بينهم لنقل الإجماع ، مثل : أجمع العلماء ، وأطبق الفقهاء ، وغيرهما.

(ما لم يصرف عنها) ، أي : عن دلالة هذه الألفاظ على السبب (صارف) ، أي : ما لم تقم قرينة على كون الإجماع مبتنيا على العمل بالأصل ، أو على تدوين الرواية أو

٣٩٥

الإجماع في مقام الاستدلال ، لكن من المعلوم أنّ مبناه ومبنى غيره ليس على الكشف الذي يدّعيه جهّال الصوفيّة ، ولا على الوجه الأخير الذي إن وجد في الأحكام ففي غاية الندرة ، مع أنّه على تقدير بناء الناقل عليه وثبوته واقعا كاف في الحجّية ، فإذا انتفى الأمران تعيّن

____________________________________

غيرهما.

(وقد يشتبه الحال) في مستند نقل الإجماع ، فيحتمل أن يكون مستنده تتبع الأقوال ، فيكون مراد الناقل منه المعنى الظاهر ، ويحتمل أن يكون المستند هو سماع الحكم عن الإمام عليه‌السلام فيدّعي الإجماع حتى يقبل منه.

ويحتمل أن يكون المستند حصول العلم بالحكم الصادر عن الإمام له من طريق الرياضة والمكاشفة فينقل الحكم بعنوان الإجماع ، ويقول : هذا الحكم ثابت بالإجماع في مقام الاستدلال من دون إضافته إلى العلماء.

وكيف كان ، إذا كان نقل الإجماع من دون اضافته إلى العلماء صار مشتبها بين المعنى الظاهر وغيره ، ولكن إذا أضافه إلى العلماء ، وقال الناقل : أجمع العلماء على كذا ، كان الإجماع ظاهرا في نقل السبب ، فلا يكون مشتبها بين المعنى الظاهر وغيره (لكن من المعلوم أنّ مبناه ومبنى غيره ليس على الكشف ... الخ) ؛ لأنّ مبنى نقل ما يحصل به العلم من طريق المكاشفة أو من طريق التشرف بحضور الإمام عليه‌السلام ليس بلفظ الإجماع ، أو بغير لفظ الإجماع من سائر الألفاظ.

وبعبارة اخرى نقول : إنّ مبنى النقل بلفظ الإجماع ، أو بغيره من الألفاظ ليس على الكشف ، أي : لا ينقل ما يحصل به العلم من طريق المكاشفة بلفظ الإجماع.

(ولا على الوجه الأخير ... إلى آخره) هو أن يرى الفقيه الإمام عليه‌السلام في مثل هذا الزمان ويأخذ الحكم منه ثم يدّعي الإجماع في ذلك الحكم جمعا بين إظهار الحق وهو الحكم ، وبين كتمان السر وهو التشرّف بحضور الإمام عليه‌السلام.

وحيث جعل التستري هذا الوجه الثاني عشر ، وجها أخيرا ، ولم يذكر بعده وجها آخر عبّر به بالوجه الأخير ، فقال : ولا على الوجه الأخير ، ثمّ قال : إنّ الإجماع التشرّفي إن وجد في الأحكام ، فيكون نادرا جدا.

(مع أنّه على تقدير بناء الناقل عليه وثبوته واقعا كاف في الحجّية) وهو المطلوب في

٣٩٦

سائر الأسباب المقرّرة ، وأظهرها غالبا ـ عند الإطلاق ـ حصول الاطّلاع بطريق القطع ، أو الظنّ المعتدّ به على اتّفاق الكلّ في نفس الحكم.

ولذا صرّح جماعة منهم باتّحاد معنى الإجماع عند الفريقين وجعلوه مقابلا للشهرة ، وربّما بالغوا في أمرها بأنّها كادت تكون إجماعا ونحو ذلك ، وربما قالوا : إن كان هذا مذهب فلان فالمسألة إجماعيّة ، وإذا لوحظت القرائن الخارجيّة من جهة العبارة والمسألة

____________________________________

المقام (فإذا انتفى الأمران) وهما الكشف بالرياضة ، والتشرّف بحضور الإمام عليه‌السلام (تعيّن سائر الأسباب المقررة) لكشف قول الإمام عليه‌السلام كقاعدة اللطف ، أو التقرير ، أو الحدس بالحدس الضروري أو الاتّفاقي.

(وأظهرها غالبا ـ عند الإطلاق ـ حصول الاطّلاع بطريق القطع ، أو الظن المعتدّ به على اتفاق الكل) ، إنّ أظهر الأسباب المقررة المتقدمة عند عدم القرينة على تعيين إحداها ؛ هو حصول الاطّلاع للناقل بطريق القطع ، وهو تتبع الأقوال ، أو الظن المعتدّ به بإخبار العادل له باتفاق الكل ، وعلى التقديرين الأظهر هو اطّلاعه باتّفاق الكل في نفس الحكم لا اتّفاق البعض ، ولا اتّفاق الكل على العمل بالأصل مثلا.

(ولذا صرّح جماعة منهم باتّحاد معنى الإجماع عند الفريقين) ، لكون لفظ الإجماع ظاهرا في اتّفاق الكل ، أي : جميع العلماء على نفس الحكم ، صرّح جماعة من العلماء بأن معنى الإجماع واحد بين العامة والخاصة.(وجعلوه مقابلا للشهرة) ، فيكون الإجماع هو اتّفاق الكل بحيث لا يوجد فيه المخالف ، والشهرة ما يوجد فيه المخالف واحدا أو أكثر.

(وإذا لوحظت القرائن الخارجية من جهة العبارة) ، لأنّ العبارات تختلف من حيث الظهور ، فإنّ بعض العبارات تكون ظاهرة في اتّفاق العلماء في جميع الأعصار ، وبعضها في اتّفاقهم في عصر واحد ، وبعضها في اتّفاق أصحاب الكتب المعروفة.

(والمسألة) فإنّ بعض المسائل تكون من المسائل القديمة ، وتكون معنونة في كلام جميع العلماء ، وبعضها تكون من المسائل المستحدثة لم تكن معنونة عند القدماء ، فنقل الإجماع في الاولى ظاهر في اتّفاق الكل ، وفي الثانية في اتّفاق البعض.

٣٩٧

والنّقلة واختلفت الحال في ذلك ، فيؤخذ بما هو المتيقّن أو الظاهر. وكيف كان ، فحيث دلّ اللفظ ولو بمعونة القرائن على تحقّق الاتّفاق المعتبر كان معتبرا ، وإلّا فلا.

الثانية : حجّية نقل السبب المذكور وجواز التعويل عليه. وذلك لأنّه ليس إلّا كنقل فتاوى العلماء وأقوالهم وعباراتهم الدالّة عليها لمقلّديهم وغيرهم ، ورواية ما عدا قول المعصوم ونحوه من سائر ما تضمّنته الأخبار ، كالأسئلة التي تعرف منها أجوبته ، والأقوال والأفعال التي يعرف منها تقريره ، ونحوها ممّا تعلّق بها ، وما نقل عن سائر الرواة المذكورين في الأسانيد وغيرها ، وكنقل الشهرة واتّفاق سائر اولي الآراء والمذاهب ، وذوي الفتوى أو جماعة منهم وغير ذلك.

____________________________________

(والنّقلة) فإنّ الناقل قد يكون كثير الاطّلاع بأقوال العلماء ، بل يكون من مهرة الفن ونوابغ الزمن ، وقد لا يكون كذلك ، فنقل الإجماع من الأول يختلف ظهورا مع نقله عن الثاني.

فيختلف الحال ، أي : ظهور نقل الإجماع بهذه الامور(فيؤخذ بما هو المتيقّن) كاتّفاق المعروفين في عصر الناقل ، أو اتّفاق أصحاب الكتب الموجودة عنده (أو الظاهر) وهو اتّفاق الكل في عصر واحد.

(وكيف كان ، فحيث دلّ اللفظ ولو بمعونة القرائن على تحقّق الاتّفاق المعتبر كان معتبرا ، وإلّا فلا) ، أي : سواء قلنا : بأن لفظ الإجماع عند إطلاقه في مقام الاستدلال ظاهر في نقل السبب أم لا ، فإذا دلّ اللفظ بنفسه كقول الناقل : أجمع العلماء على كذا ، ولو بمعونة القرائن كذكر الإجماع في مقام نقل الأقوال لا الاستدلال على تحقّق الاتفاق المعتبر ، وهو اتّفاق العلماء بحيث يلازم موافقة قول الإمام عليه‌السلام ، أو وجود الدليل المعتبر كان معتبرا.

(الثانية : حجّية نقل السبب المذكور وجواز التعويل عليه) وهذه المقدمة الثانية مشتملة على الوجوه الثلاثة التي استدلّ المحقّق التستري بها على حجّية نقل السبب :

أولها : جريان السيرة القطعية من جميع الفرق من آدم عليه‌السلام إلى يومنا هذا ، على الاعتماد بأخبار الآحاد في أمثال المقام ممّا كان النقل فيه على سبيل التفصيل ، أو الإجمال.

وثانيها : ما دلّ من الكتاب والسنّة على حجّية خبر العادل مطلقا ، فيشمل نقل الإجماع الذي هو محلّ البحث.

٣٩٨

وقد جرت طريقة السلف والخلف من جميع الفرق على قبول أخبار الآحاد في كلّ ذلك ، ممّا كان النقل فيه على وجه الإجمال أو التفصيل وما تعلّق بالشرعيّات أو غيرها ، حتّى

____________________________________

وثالثها : دليل الانسداد المعروف بينهم ، الدالّ على حجّية مطلق الظن.

هذا ملخّص بيان الوجوه اجمالا ، وأمّا تفصيلها فيمكن أن يقع الكلام في الوجه الأول منها.

وقد أشار المحقّق التستري إلى كل واحد منها ، حيث قال في تقريب الوجه الأول ما حاصله : إنّ نقل الإجماع ليس إلّا كنقل فتوى المجتهد إلى مقلّديه ، فكما يعتبر نقل الثقة فتوى المجتهد إلى مقلّديه ، كذلك يعتبر نقله فتاوى العلماء بعنوان الإجماع إلى الآخرين بجامع كون كل واحد منهما نقل الثقة فتوى المجتهد إلى غيره.

ثمّ الوجه الثاني ما ملخّصه : إنّ نقل الثقة فيما نحن فيه ليس إلّا كنقله ما عدا قول المعصوم عليه‌السلام من الأسئلة المذكورة مع أجوبتها في الروايات ، وكذا نقل الأقوال والأفعال التي يعرف منهما تقريره عليه‌السلام ، فكما يعتبر نقله ما عدا قول المعصوم عليه‌السلام في باب الروايات ، كذلك يعتبر قوله ونقله الإجماع ـ في المقام ـ بجامع كون كلّ واحد منهما نقلا من الثقة.

ثمّ ملخّص الوجه الثالث : هو أنّ نقل الثقة للإجماع ليس إلّا كنقله تزكية الرواة أو جرحهم ، فكما أن نقل الجرح والتعديل يقبل من الثقة في علم الرجال ، كذلك نقل الإجماع منه يقبل بملاك كون النقل من الثقة في كلا الموردين.

ثم الوجه الرابع : وهو أنّ نقل الإجماع في المقام ليس إلّا كنقل الشهرة واتّفاق سائر اولي الآراء والمذاهب.

ثمّ يقول : (وقد جرت طريقة السلف والخلف من جميع الفرق على قبول أخبار الآحاد) في جميع الموارد المذكورة.

هذا تفصيل الوجوه التي قد اشتمل عليها الوجه الأول ، وتركنا ما يرد على البعض أو الكلّ من الإشكالات رعاية للاختصار ، ومن يريد تفصيل المناقشة في الوجوه المتقدمة فعليه بالمطوّلات.

وبالجملة ، إنّ أخبار الآحاد حجّة بمقتضى سيرة العقلاء على العمل بها سواء كانت متعلّقة بالشرعيات كنقل الإجماع ، أو فتاوى المجتهدين أو الروايات المشتملة على

٣٩٩

أنّهم كثيرا ما ينقلون شيئا ممّا ذكر ، معتمدين على نقل غيرهم من دون تصريح بالنقل عنه والاستناد إليه لحصول الوثوق به ، وإن لم يصل إلى مرتبة العلم ، فيلزم قبول خبر الواحد فيما نحن فيه أيضا ، لاشتراك الجميع في كونها نقل قول غير معلوم من غير معصوم وحصول الوثوق بالناقل ، كما هو المفروض.

وليس شيء من ذلك من الاصول حتّى يتوهّم عدم الاكتفاء فيه بخبر الواحد ـ مع أنّ هذا الوهم فاسد من أصله كما قرّر في محلّه ـ ولا من الامور المتجدّدة التي لم يعهد

____________________________________

الأسئلة (أو غيرها) أي : غير الشرعيّات كنقل قول اللغوي والادباء وغيرهما.

(فيلزم) بمقتضى السيرة المذكورة (قبول خبر الواحد فيما نحن فيه أيضا ؛ لاشتراك الجميع في كونها نقل قول غير معلوم من غير معصوم) وكذا لاشتراك الجميع (وحصول الوثوق بالناقل ، كما هو المفروض).

قوله : (وليس شيء من ذلك من الاصول) دفع لما يمكن أن يتوهّم من أنّ ما ذكره في ضمن الوجوه الأربعة من نقل فتاوى المجتهدين إلى مقلديهم إلى نقل الشهرة يكون من المسائل الاصولية ، وخبر الواحد لا يكون حجّة في المسائل الاصولية ، فأجاب عنه :

أولا : بقوله : (وليس شيء من ذلك) ، أي : ما ذكر من الامور(من الاصول) حتى يتوهّم عدم حجّية خبر الواحد فيها ، إذ الاصول هي القواعد الكلية الممهدة لاستنباط الأحكام الشرعية ، والمذكورات موضوعات جزئية ، هذا أولا.

وثانيا : إنّ توهّم عدم حجّية خبر الواحد في المسألة الاصولية (فاسد من أصله) ؛ لأنّ التوهّم المذكور يكون ناشئا من أحد أمرين :

أحدهما : أصالة حرمة العمل بالظنّ.

وثانيهما : استبعاد إثبات ما هو مبنى الفقه من المسألة الاصولية بخبر الواحد.

والجواب عن الأول : إنّ خبر الثقة قد خرج عن أصالة حرمة العمل بالظنّ بالدليل ، فيكون حجّة مطلقا سواء كان متعلقا بالأحكام أو غيرها.

والجواب عن الثاني : إنّه مجرّد استبعاد لا أثر له بعد قيام الدليل على اعتبار خبر الواحد مطلقا ، وقوله : (ولا من الامور المتجدّدة) دفع لما يتوهّم من أنّ الامور المذكورة تكون من الامور المتجدّدة التي لا تنتهي إلى زمان المعصوم عليه‌السلام حتى يستكشف تقريره ، فيكون

٤٠٠