دروس في الرسائل - ج ١

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في الرسائل - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: ياران
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٦٧

الاعتماد فيها على خبر الواحد في زمان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والأئمة عليهم‌السلام والصحابة ، ولا ممّا يندر اختصاص معرفته ببعض دون بعض ، مع أنّ هذا لا يمنع من التعويل على نقل العارف به ، لما ذكر.

ويدلّ عليه مع ذلك ما دلّ على حجّيّة خبر الثقة العدل بقول مطلق ، وما اقتضى

____________________________________

خبر الواحد فيها حجّة.

وحاصل الدفع أنّها ليست من الامور المتجدّدة التي حدثت بعد زمن المعصومين عليهم‌السلام ، ولم تكن معهودة في زمانهم حتى يتوهّم عدم إحراز رضاهم بالعمل بخبر الواحد في هذه الامور ، بل كانت موجودة من لدن آدم عليه‌السلام إلى يومنا هذا ، فقد عمل العقلاء فيها بخبر الواحد في زمن المعصومين عليهم‌السلام ولم يمنعوهم عن العمل به فيها ، فيكون خبر الواحد حجّة فيها.

وقوله : (ولا ممّا يندر اختصاص معرفته ببعض دون بعض) دفع لما يتوهّم من أنّ ما ذكر من الفتوى وحالات الرواة والشهرة وغيرها تكون من الامور التي لا يطّلع عليها إلّا النادر ، ولا يكون خبر الواحد في مثلها حجّة ؛ لعدم حصول الوثوق بالمخبر لاحتمال عدم اطّلاعه عليها ، وحاصل الدفع : أنّ الامور المذكورة ليست ممّا يندر الاطّلاع عليه ، بل امور يعرفها الأكثر ، هذا أولا.

وثانيا : (مع أنّ هذا) ، أي : ندرة الاطّلاع عليه (لا يمنع من التعويل على نقل العارف به) بحيث يجوز الاعتماد على أخبار العارف بهذه الامور ، فيكون نقله حجّة (لما ذكر) من اعتماد السلف والخلف على أخبار الآحاد.

هذا تمام الكلام في الوجه الأول من الوجوه الثلاث التي استدلّ بها المحقّق التستري على إثبات حجّية السبب.

والوجه الثاني على حجّية نقل السبب ما أشار إليه بقوله :

(ويدلّ عليه مع ذلك ما دلّ على حجّية خبر الثقة العدل بقول مطلق) ويدلّ على اعتبار نقل السبب مضافا إلى السيرة المذكورة ما دلّ على اعتبار خبر العدل بقول مطلق ، أي : سواء كان رواية اصطلاحية أو غيرها ، وبعبارة اخرى : أدلّة حجّية خبر العدل بإطلاقها تشمل خبر العدل في الامور المذكورة ، فيكون نقل الإجماع من العادل حجّة.

٤٠١

كفاية الظّن فيما لا غنى عن معرفته ولا طريق إليه غيره غالبا ، إذ من المعلوم شدّة الحاجة إلى معرفة أقوال علماء الفريقين وآراء سائر أرباب العلوم لمقاصد شتّى لا محيص عنها ، كمعرفة المجمع عليه والمشهور والشاذّ من الأخبار والأقوال ، والموافق للعامّة أو أكثرهم ، والمخالف لهم ، والثقة والأوثق والأورع والأفقه ، وكمعرفة اللغات وشواهدها المنثورة والمنظومة ، وقواعد العربيّة التي عليها يبتنى استنباط المطالب الشرعيّة ، وفهم معاني الأقارير والوصايا وسائر العقود والإيقاعات المشتبهة ، وغير ذلك ممّا لا يخفى على المتأمّل.

ولا طريق إلى ما اشتبه من جميع ذلك غالبا سوى النقل غير الموجب للعلم ، والرجوع إلى الكتب المصحّحة ظاهرا ، وسائر الأمارات الظنّية. فيلزم جواز العمل بها والتعويل عليها فيما ذكر ، فيكون خبر الواحد الثّقة حجّة معتمدا عليها فيما نحن فيه ، ولا سيّما إذا كان الناقل

____________________________________

ثمّ الوجه الثالث على حجّية نقل السبب ما أشار إليه بقوله : (وما اقتضى كفاية الظّن فيما لا غنى عن معرفته) ومن المعلوم عدم الغنى عن معرفة الإجماع ، فيلزم حجّية نقل الإجماع من العادل بدليل الانسداد المعروف بينهم.

ثمّ أشار إلى توضيح الانسداد بقوله : (إذ من المعلوم شدّة الحاجة إلى معرفة أقوال علماء الفريقين) ، أي : العامة والخاصة (وآراء سائر أرباب العلوم) كالنحوي والمنطقي واللغوي والرجال ، ممّا له علاقة قريبة أو بعيدة باستنباط الأحكام الشرعية (كمعرفة المجمع عليه والمشهور) لأنّهما ممّا يؤخذ بهما سواء كانا في الأقوال أو الأخبار.

(والشاذّ من الأخبار) لا يؤخذ به ، كما لا يؤخذ بالشاذّ من الأقوال (والموافق للعامّة أو أكثرهم ، والمخالف لهم) ؛ لأنّ الفقيه يحتاج إلى معرفة ما هو الموافق للعامّة حتى يترك ، ومعرفة ما هو المخالف لهم حتى يأخذ به.

(والثقة والأوثق والأورع والأفقه) ، كما أنّ الفقيه يحتاج إلى معرفة هؤلاء الرواة حتى يميّز ما هو الراجح سندا عمّا هو المرجوح عند تعارض الخبرين.

إلى أن قال في تكميل تقريب هذا الوجه : (ولا طريق إلى ما اشتبه من جميع ذلك غالبا سوى النقل غير الموجب للعلم ، والرجوع إلى الكتب المصحّحة ظاهرا ، وسائر الأمارات الظنّية ، فيلزم جواز العمل بها) أي : بالأمارات الظنّية.

إلى أن قال : (فيكون خبر الواحد الثّقة حجّة معتمدا عليها) في جميع الموارد المذكورة ،

٤٠٢

من الأفاضل الأعلام والأجلّاء الكرام ، كما هو الغالب ، بل هو أولى بالقبول والاعتماد من أخبار الآحاد في نفس الأحكام ، ولذا بني على المسامحة فيه من وجوه شتّى بما لم يتسامح فيها ، كما لا يخفى.

الثالثة : حصول استكشاف الحجّة المعتبرة من ذلك السبب ، ووجهه أنّ السبب

____________________________________

ومنها ما نحن فيه وهو نقل الإجماع.

(بل هو أولى بالقبول والاعتماد من أخبار الآحاد في نفس الأحكام) ، أي : إنّ نقل الإجماع أولى بالقبول من نقل الأخبار ؛ لأنّ ناقل الإجماع يكون دائما من الفقهاء بخلاف ناقل الروايات ، حيث قد لا يكون من العلماء ، فضلا عن كونه فقيها متقيا ، إلّا أن يقال بعدم الدليل على اعتبار الأولوية المذكورة.

(ولذا بني على المسامحة فيه) ، أي : لكون ناقل الإجماع من الفقهاء الأعلام بني على المسامحة في نقل السبب ، أي : الإجماع (من وجوه شتّى بما لم يتسامح فيها) ، أي : في الأخبار ، تسامحوا في ناقل الإجماع ، حيث لم يشترطوا فيه الضبط ، مع أنّهم اعتبروا في الراوي الضبط بأن لا يكون كثير الخطأ والنسيان ، وغيره ممّا اعتبروه في الراوي دون ناقل الإجماع.

وعلى أي حال يرد على الاستدلال بالانسداد على حجّية نقل السبب بأنّه ينافي المدّعى ؛ لأنّه تكون حجّية خبر الواحد في باب نقل الإجماع من باب الظّن الخاص ، لا من الظن المطلق ، فدليل الانسداد لا يرتبط بالمقام أصلا.

(الثالثة : حصول استكشاف الحجّة المعتبرة من ذلك السبب) ثم المراد من المنقول الكاشف عن الحجّة المعتبرة هو أعمّ من أن يكون تمام السبب أو جزئه كما يظهر من كلامه الآتي.

ثم إنّه قد تقدم أنّ هذه المقدمة الثالثة تكون بمنزلة النتيجة للمقدمة الاولى التي تكون بمنزلة الصغرى ، والثانية التي بمنزلة الكبرى.

وذلك أنّ مقتضى المقدمة الاولى هو دلالة لفظ الإجماع على السبب ، ومقتضى الثانية هو حجّية نقل ذلك السبب ، ثم مقتضى هذه المقدمة الثالثة هو حصول استكشاف قول الإمام عليه‌السلام ، أو وجود الدليل المعتبر للمنقول إليه من ذلك السبب ، فتكون بمنزلة

٤٠٣

المنقول بعد حجّيته كالمحصّل فيما يستكشف منه والاعتماد عليه وقبوله وإن كان من الأدلّة الظنّية باعتبار ظنيّة أصله ، ولذا كانت النتيجة في الشكل الأوّل تابعة في الضروريّة والنظريّة والعلميّة والظنّية وغيرها لأخسّ مقدمتيه مع بداهة إنتاجه.

فينبغي ـ حينئذ ـ أن يراعى حال الناقل حين نقله ، من جهة ضبطه وتورّعه في النقل وبضاعته في العلم ، ومبلغ نظره ، ووقوفه على الكتب والأقوال ، واستقصائه لما تشتّت منها ، ووصوله إلى وقائعها ، فإنّ أحوال العلماء مختلف فيها اختلافا فاحشا.

____________________________________

النتيجة لهما.

(ووجهه أنّ السبب المنقول بعد حجّيته كالمحصّل) ، بمعنى : إنّ المنقول إليه كأنّه بنفسه تتبع الأقوال ثم حصّلها به ، فكما يمكن استكشاف قول الإمام عليه‌السلام ، أو الدليل المعتبر بالإجماع المحصّل للمتتبع والمحصّل للأقوال كذلك يمكن استكشافهما للمنقول إليه بالإجماع المنقول.

(وإن كان من الأدلّة الظنّية باعتبار ظنّية أصله) أي : وإن كان ما يستكشف من ذلك السبب من قول المعصوم عليه‌السلام ، أو الدليل المعتبر ظنّيا ، وذلك باعتبار ظنّية أصله ، وهو نقل السبب فإذا كان السبب منقولا بخبر الواحد كان ظنّيا ، فيكون المنكشف ـ أيضا ـ ظنّيا.

(ولذا كانت النتيجة في الشكل الأوّل) تابعة لأخسّ مقدمتيه ، وتطبيق هذا في المقام هو أنّ المقدمة الثانية ـ وهي حجّية نقل السبب ـ وإن كانت قطعية إلّا أنّ المقدمة الاولى وهي نقل ما دلّ اللفظ على كونه سببا ظنّية ، فالنتيجة هي استكشاف قول الإمام عليه‌السلام أو الدليل المعتبر ظنّية. فالحاصل ممّا ذكر : إنّ قول الإمام عليه‌السلام ، أو الدليل المعتبر يكون من الأدلّة الظنّية.

(فينبغي حينئذ) ، أي : حين تمهيد المقدمات المذكورة (أن يراعى حال الناقل حين نقله ، من جهة ضبطه وتورّعه في النقل ... إلى آخره) ، ويجب على المنقول إليه أن يلاحظ حال الناقل حين نقله من جهة كونه ضابطا أو غير ضابط ، ومن حيث كونه ناسيا أو غيره ، ومن جهة كونه محتاطا في النقل ، من حيث تورّعه ، أو غير محتاط ، ومن حيث بضاعته العلمية ، واطّلاعه على الكتب والأقوال واستقصائه لها.

٤٠٤

وكذلك حال الكتب المنقول فيها الإجماع ، فربّ كتاب لغير متتبع موضوع على مزيد التتبع والتدقيق ، وربّ كتاب لمتتبع موضوع على المسامحة وقلّة التحقيق ، ومثله الحال في آحاد المسائل ، فانّها تختلف ـ أيضا ـ في ذلك ، وكذا حال لفظه بحسب وضوح دلالته على السبب وخفائها وحال ما يدلّ عليه من جهة متعلّقه وزمان نقله لاختلاف الحكم بذلك ، كما هو ظاهر.

ويراعى ـ أيضا ـ وقوع دعوى الإجماع في مقام ذكر الأقوال أو الاحتجاج ، فإنّ بينهما تفاوتا من بعض الجهات ، وربّما كان الأولى بالاعتماد بناء على اعتبار السبب ، كما لا يخفى ، فإذا وقع التباس فيما يقتضيه ويتناوله كلام الناقل بعد ملاحظة ما ذكر ، أخذ بما هو المتيقّن أو الظاهر.

ثمّ ليلحظ ـ مع ذلك ـ ما يمكن معرفته من الأقوال على وجه العلم واليقين ، إذ لا

____________________________________

(ووصوله إلى وقائعها) ، أي : موارد الأقوال ومحلاتها ؛ لأنّ أحوال الناقلين تختلف بالامور المذكورة وغيرها ، كاللفظ الدال على الاتفاق ، والمسألة التي ادّعي فيها الإجماع ، والكتاب الذي نقل فيه الإجماع ، أو الزمان الذي نقل الناقل فيه الإجماع.

(لاختلاف الحكم بذلك) ، أي : بالزمان ، إذ الحكم وهو حصول استكشاف قول الإمام عليه‌السلام يختلف بالزمان ؛ لأنّ الإجماع المنقول في زمن قوة بضاعته العلمية ونشاطه في التحقيق وتتبع الأقوال أقوى دلالة على السبب من غيره ، كما لا يخفى على أحد.

(ويراعى ـ أيضا ـ وقوع دعوى الإجماع في مقام ذكر الأقوال أو الاحتجاج) كما يجب على المنقول إليه أن يراعي ويلاحظ المقام الذي ادّعي الإجماع فيه ، هل هو مقام ذكر الأقوال أم هو مقام الاستدلال بالإجماع؟ فإنّ دعوى الإجماع في مقام ذكر الأقوال أولى بالاعتماد ؛ لأنّه ظاهر في اتّفاق الكلّ (بناء على اعتبار السبب) للمنقول إليه.

وأمّا بناء على حصول الانكشاف للناقل بحسب ادّعائه ، فلا فرق بين دعوى الإجماع بين المقامين ، ولهذا قيّد أولوية الأولى بقوله : بناء على اعتبار السبب ، ثم يأخذ المنقول إليه بما يقتضي النقل بعد ملاحظة الامور المذكورة فيما إذا كان واضحا.

(فإذا وقع التباس فيما يقتضيه) فيأخذ بما هو المتيقّن ، أو الظاهر(ثم ليلحظ ـ مع ذلك ـ ما يمكن معرفته من الأقوال) ، أي : يجب للمنقول إليه ملاحظة سائر الأقوال ،

٤٠٥

وجه لاعتبار المظنون المنقول على سبيل الاجمال دون المعلوم على التفصيل ، مع أنّه لو كان المنقول معلوما لما اكتفي به في الاستكشاف عن ملاحظة سائر الأقوال التي لها دخل فيه ، فكيف إذا لم يكن كذلك؟!

ويلحظ ـ أيضا ـ سائر ما له تعلّق في الاستكشاف بحسب ما يعتمد من تلك الأسباب ، كما هو مقتضى الاجتهاد ، سواء كان من الامور المعلومة أو المظنونة ، ومن الأقوال المتقدّمة على النقل أو المتأخّرة أو المقارنة ، وربّما يستغني المتتبع ـ بما ذكر ـ عن الرجوع إلى كلام ناقل الإجماع لاستظهاره عدم مزيّة عليه في التتبّع والنظر ، وربّما كان الأمر بالعكس ، وأنّه إن تفرّد بشيء كان نادرا لا يعتدّ به ، فعليه أن يستفرغ وسعه ويتبع نظره وتتبّعه ، سواء

____________________________________

فيما إذا كان المنقول جزء السبب ، وأمّا فيما إذا كان المنقول تمام السبب ، فلعلّ ملاحظة سائر الأقوال والأمارات يكون لأجل أن يصير المتتبع مستغنيا عن المنقول بما علم وحصل بالتتبع ، إذ لا معنى ولا وجه لاعتبار المظنون المنقول على سبيل الإجمال دون المعلوم على سبيل التفصيل ، فعليه أن يأخذ بما هو المعلوم بالتفصيل بالتتبع ، وأن يترك ما هو المنقول على سبيل الإجمال ، وإن كان معلوما كما هو واضح.

(ويلحظ ـ أيضا ـ سائر ما له تعلق في الاستكشاف) وكذلك يجب على المنقول إليه أن يلاحظ كل ما له علاقة في استكشاف قول الإمام عليه‌السلام من شهرة أو رواية أو آية ، كما تكون هذه الملاحظة مقتضى الاجتهاد.

(وربّما يستغني المتتبع ـ بما ذكر ـ عن الرجوع إلى كلام ناقل الإجماع لاستظهاره عدم مزيّة عليه) بأن يستغني المتتبع بعد ملاحظة كل ما له علاقة بالمسألة عن الرجوع إلى الناقل ، إذ ربّما يحصل بالتتبع السبب التام لاستكشاف قول الإمام عليه‌السلام فيأخذ بالسبب المحصّل ، فلا حاجة له إلى السبب المنقول فإنّه يظهر للمنقول إليه بعد التتبع الكامل أنّه لم يبق قول وصل إليه الناقل ، إلّا أنّه ـ أيضا ـ وصل إليه ، فلا مزيّة للناقل عليه حتى يأخذ بما نقل إليه.

(وربّما كان الأمر بالعكس) ، بأن يظهر له أنّ الناقل وصل إلى أقوال لم يصل إليها فيثبت مزيّة الناقل عليه ، هذا هو العكس للاحتمال الأول ، لا ما ذكره الاعتمادي دام عزّه الشريف حيث قال : يظهر له أنّه وصل إلى أقوال لم يصل إليها الناقل ، إذ يكون هذا الاحتمال نفس

٤٠٦

تأخّر عن الناقل أم عاصره ، وسواء أدّى فكره إلى الموافقة له أو المخالفة كما هو الشأن في معرفة سائر الأدلّة ، وغيرها ممّا تعلّق بالمسألة ، فليس الإجماع إلّا كأحدها.

فالمقتضي للرجوع إلى النقل هو مظنّة وصول الناقل إلى ما لم يصل هو إليه من جهة السبب أو احتمال ذلك ، فيعتمد عليه في هذا خاصّة بحسب ما استظهر من حاله ونقله وزمانه ويصلح كلامه مؤيّدا فيما عداه ، مع الموافقة لكشفه عن توافق النسخ وتقويته للنظر.

____________________________________

الاحتمال الأول لا عكسه ، إلّا أن يكون المراد من الاحتمال الأول هو تساوي المنقول إليه مع الناقل ، ومن هذا الاحتمال مزيّة المنقول إليه عليه. فالاحتمال الثاني وإن كان غير الاحتمال الأول ولكن لا يكون عكسه كما لا يخفى.

فعلى هذا يكون فاعل (إن تفرد بشيء) هو المنقول إليه لا الناقل ، كما هو في شرح الاعتمادي وحاشيته رحمه‌الله ، فالمعنى ـ حينئذ ـ : إنّ للناقل مزيّة على المنقول إليه لأنّه قد وصل إلى أقوال لم يصل إليها المنقول إليه ، وإنّ تفرد المنقول إليه ببعض الأشياء النادرة لا يعتنى به ، فعليه أن لا يكتفي به ، بل (يستفرغ وسعه ... إلى آخره).

(وغيرها) أي : غير الأدلّة كالتعادل والتراجيح والتخصيص والتقييد ، ممّا له علاقة بالمسألة.

وقوله : (فالمقتضي للرجوع إلى النقل) دفع لما يتوهّم من أنّ المنقول إليه قد يستغني عن المنقول ، بل يعمل بما هو المحصّل ، فلا فائدة ـ حينئذ ـ لرجوعه إلى نقل الإجماع.

وحاصل الدفع : هو أنّ المقتضي للرجوع إلى النقل هو مظنّة وصول الناقل إلى ما لم يصل هو أي : المجتهد المنقول إليه (من جهة السبب) وهو الأقوال.

(ويصلح كلامه مؤيّدا فيما عداه) ، أي : ويصلح أن يكون كلام الناقل مؤيّدا للمنقول إليه في غير ما لم يصل إليه المنقول إليه.

وبعبارة اخرى : إنّ كلام الناقل حجّة للمنقول إليه ، بالنسبة إلى الأقوال التي وصل

إليها الناقل دونه ، ومؤيّد بالنسبة إلى ما وصل إليه المنقول إليه ـ أيضا ـ (مع الموافقة) ، وبيّن وجه التأييد بقوله : (لكشفه) ، أي : نقل الناقل (عن توافق النسخ) الموجودة عنده وعند المنقول إليه (وتقويته للنظر) ، أي : تقوية النقل لنظر المنقول إليه.

٤٠٧

فإذا لوحظ جميع ما ذكر وعرف الموافق والمخالف ـ إن وجد ـ ، فليفرض المظنون منه كالمعلوم ، لثبوت حجّيّته بالدليل العلميّ ولو بوسائط ، ثم لينظر ، فإن حصل من ذلك استكشاف معتبر كان حجّة ظنّيّة ، حيث كان متوقفا على النقل غير الموجب للعلم بالسبب ، أو كان المنكشف غير الدليل القاطع ، وإلّا فلا ، وإذا تعدّد ناقل الإجماع أو النقل ، فإن توافق الجميع لوحظ كلّ ما علم على ما فصّل وأخذ بالحاصل ، وإن تخالف لوحظ جميع ما ذكر وأخذ

____________________________________

(لثبوت حجّيته بالدليل العلمي ولو بوسائط) يعني لثبوت حجّية الظن بالدليل العلمي ، ولو بوسائط متعدّدة بأن يقال : إنّ نقل السبب يكون من مصاديق خبر الثقة ، فيكون حجّة ؛ لأنّ خبر الثقة حجّة بما دلّ بظاهره على حجّية خبر الثقة ، كآية النبأ مثلا ، والظاهر حجّة بإجماع من العلماء والعقلاء ، فنقل السبب حجّة بهذا الإجماع ، وهو دليل قطعي غاية الأمر يدل على حجّية خبر الثقة بالوسائط.

(فإن حصل من ذلك استكشاف معتبر كان حجّة ظنّية) ، أي : حصل للمنقول إليه من مجموع ما هو المنقول من الناقل ، والمحصّل بالتتبع استكشاف ما هو معتبر من قول الإمام عليه‌السلام ، أو الدليل المعتبر ، كان الاستكشاف حجّة ظنّية (حيث كان متوقفا على النقل غير الموجب للعلم بالسبب).

وملخّص ذلك : إنّ الاستكشاف المذكور مسبّب عن نقل السبب ، وهو مظنون ، فالمسبّب ـ أيضا ـ مظنون لتبعية النتيجة لما هو الأخسّ من المقدمات.

(أو كان المنكشف غير الدليل القاطع) بأن كان الاستكشاف حجّة ظنّية من جهة كون المنكشف ظنّيا ، وذلك ؛ لأنّ الاستكشاف هو نسبة بين الكاشف ـ وهو السبب ـ وبين المنكشف ، وهو قول الإمام عليه‌السلام أو الدليل المعتبر.

وأمّا من جهة ظنّية كلا الطرفين بأن يحصل من السبب المظنون الظنّ بالدليل الظنّي المعتبر ، وعلى جميع التقادير الثلاث يكون الاستكشاف ظنّيا(وإلّا فلا) ، وأمّا إذا لم يحصل من ذلك المجموع استكشاف فلا يكون نقل السبب حجّة.

(وإذا تعدّد ناقل الإجماع أو النقل) فإذا كان ناقل الإجماع متعدّدا ، وهو واضح ، أو كان نقله متعدّدا بأن ينقل واحد الإجماع في كتب متعدّدة ، والغرض هو تعدّد الإجماع سواء كان الناقل واحدا أو متعدّدا.

٤٠٨

فيما اختلف فيه النقل بالأرجح ، بحسب حال الناقل وزمانه ، ووجود المعاضد وعدمه وقلّته وكثرته. ثمّ ليعمل بما هو المحصّل ويحكم على تقدير حجّيّته بأنّه دليل ظنّي واحد ، وإن توافق النقل وتعدّد الناقل.

وليس ما ذكرناه مختصّا بنقل الإجماع المتضمّن لنقل الأقوال إجمالا ، بل يجري في نقلها تفصيلا أيضا ، وكذلك في نقل سائر الأشياء التي تبتنى عليها معرفة الأحكام ، والحكم فيما إذا وجد المنقول موافقا لما وجد أو مخالفا مشترك بين الجميع ، كما هو ظاهر.

____________________________________

(فإن توافق الجميع لوحظ ... إلى آخره) ، أي : يلاحظ كل ما تقدم من حالات الناقل واللفظ الدال على الاتفاق ، والكتاب الذي نقل فيه الإجماع والمسألة التي ادّعى فيها الإجماع ، وغيرها من الزمان والمقام ، وكل ما له علاقة بالمسألة ، ثمّ يؤخذ بالحاصل.

(وإن تخالف) ، أي : الإجماع المتعدّد بعضه مع بعض (لوحظ جميع ما ذكر واخذ فيما اختلف فيه النقل بالأرجح) فيؤخذ في مورد الاختلاف بعد ملاحظة جميع ما تقدم ذكره بما هو الأرجح ، بحسب حال الناقل من حيث كونه ضابطا ومتورّعا وماهرا في الفقه والاصول ، وغيرها ممّا يمكن أن يكون مرجّحا.

(ويحكم على تقدير حجّيته) ، أي : المتعدّد بأن حصل منه استكشاف ما هو معتبر من قول الإمام عليه‌السلام ، أو الدليل الظنّي المعتبر بأنّه دليل ظنّي واحد لكون الاستكشاف فيه واحدا عن الحجّة المعتبرة الواحدة (وإن توافق النقل وتعدد الناقل) فيحكم على الإجماع المتوافق بكونه دليلا ظنّيا واحدا وإن كان الناقل متعددا(وليس ما ذكرناه مختصا بنقل الإجماع ... إلى آخره) وليس ما ذكرنا من الاعتماد على نقل السبب بعد الحكم بحجّيته مختصا بنقل الإجماع ؛ وهو نقل الأقوال إجمالا(بل يجري في نقلها تفصيلا أيضا ، وكذلك نقل سائر الأشياء التي تبتنى عليها معرفة الأحكام) كنقل الرواية وعدم الخلاف والشهرة وغيرها.

(والحكم فيما إذا وجد المنقول موافقا لما وجد أو مخالفا مشترك بين الجميع) لأنّ الترجيح بما هو الموافق أو بغيره من المرجّحات المذكورة مشترك بين الجميع ، فإذا كان المحصّل موافقا للمنقول لكان أخذا بالمجموع ، لا فرق في ذلك بين أن يكون المنقول إجماعا أو شهرة أو نقل الأقوال تفصيلا ، وإن كان المنقول مخالفا للمحصّل ، فيأخذ ما هو الأرجح في

٤٠٩

وقد اتضح ـ بما بيّناه ـ وجه ما جرت عليه طريقة معظم الأصحاب من عدم الاستدلال بالإجماع المنقول على وجه الاعتماد والاستقلال غالبا ، وردّه بعدم الثبوت أو بوجدان الخلاف ونحوهما ، فإنّه المتّجه على ما قلنا ، ولا سيما فيما شاع فيه النزاع والجدال ، إذ عرفت فيه الأقوال ، أو كان من الفروع النادرة التي لا تستقيم فيه دعوى الإجماع ، لقلّة المتعرّض لها إلّا على بعض الوجوه التي لا يعتدّ بها ، أو كان الناقل ممّن لا يعتدّ بنقله ؛ لمعاصرته أو قصور باعه أو غيرهما ممّا يأتي بيانه ، فالاحتياج إليه مختصّ بقليل من المسائل بالنسبة إلى قليل من

____________________________________

نظره ، فلا فرق أيضا بين الإجماع وغيره.

(وقد اتضح ـ بما بيّناه ـ وجه ما جرت عليه طريقة معظم الأصحاب من عدم الاستدلال بالإجماع المنقول على وجه الاعتماد ... إلى آخره) ويتضح بما ذكرنا من أنّ نقل الإجماع بنفسه لا يجوز الاعتماد عليه ، بل لا بدّ للمنقول إليه من ملاحظة كل ما له علاقة بالمسألة وجه ما جرت عليه طريقة معظم الأصحاب من عدم اعتنائهم بالإجماعات المنقولة ، فلا يستدلّون بها على وجه الاستقلال ، بل ربما يطعنون عليها فيردّونها.

نعم ، قد يذكرونها تأييدا للمطلب (وردّه بعدم الثبوت أو بوجدان الخلاف ونحوهما) فقد جرت طريقة الأصحاب على ردّ الإجماع ، فكثير منهم يردّونه تارة بعدم الثبوت واخرى بوجدان الخلاف ، وثالثة بقيام الدليل على خلافه.

وهكذا فإنّ هذا الردّ منهم للإجماع المنقول هو (المتّجه على ما قلنا) من عدم جواز الاكتفاء بالإجماع المنقول فقط ، بل يجب على المنقول إليه ملاحظة سائر ما له تعلّق بالمسألة من الأقوال والأمارات ، فالمتّجه هو ردّ الإجماع (ولا سيّما فيما شاع فيه النزاع والجدال) ، إذ لا يقبل الإجماع قطعا فيما هو محل للنزاع والجدال ، وكذلك لا يقبل إذا كان مورده من الفروع النادرة.

(إلّا على بعض الوجوه التي لا يعتدّ بها) بأن يكون الإجماع مبنيّا على الحدس به من العمل على الأصل المتّفق عليه بينهم ، وغيره من الإجماعات التي تكون مستندة إلى اجتهاد الناقلين بها ، وكذا يتّجه ردّ الإجماع فيما إذا(كان الناقل ممّن لا يعتدّ بنقله) لكونه معاصرا للمنقول إليه (أو قصور باعه) ، أي : اطّلاعه (أو غيرهما) ككونه ممن يكون مبناه على المسامحة من جهة عدم تورعه في نقل الإجماع (فالاحتياج إليه مختصّ بقليل

٤١٠

العلماء ونادر من النقلة الأفاضل» انتهى كلامه رفع مقامه.

لكنّك خبير بأنّ هذه الفائدة للإجماع المنقول كالمعدومة ؛ لأنّ القدر الثابت من الاتفاق بإخبار الناقل المستند إلى حسّه ليس ممّا يستلزم عادة موافقة الإمام عليه‌السلام ، وإن كان هذا الاتفاق ـ لو ثبت لنا ـ أمكن أن يحصل العلم بصدور مضمونه ، لكن ليس علّة تامّة لذلك ، بل هو نظير إخبار عدد معيّن في كونه قد يوجب العلم بصدق خبرهم وقد لا يوجب ، وليس أيضا ممّا يستلزم عادة وجود الدليل المعتبر حتى بالنسبة إلينا ، لأنّ استناد كلّ بعض منهم إلى ما لا نراه دليلا ليس أمرا مخالفا للعادة.

أ لا ترى أنّه ليس من البعيد أن يكون القدماء القائلون بنجاسة البئر بعضهم قد استند إلى دلالة الأخبار الظاهرة في ذلك مع عدم الظفر بما يعارضها ، وبعضهم قد ظفر بالمعارض ولم يعمل به ، لقصور سنده أو لكونه من الآحاد عنده أو لقصور دلالته أو لمعارضته

____________________________________

من المسائل) فالحاجة إلى الإجماع المنقول بكون مختصّا في المسائل القليلة التي لم تكن من الفروع النادرة ، أو ممّا شاع فيه النزاع والجدال ، أو غيرهما بالنسبة إلى قليل من العلماء ، وهم الذين لم يتحقّق لهم ـ بالتتبّع ـ السبب التام الكاشف عن الدليل المعتبر(ونادر من النقلة الأفاضل).

فتختصّ مقبولية الإجماع المنقول بالناقل الماهر البصير المتتبّع ، ولا يجوز الاعتماد على إجماع كل ناقل.(انتهى) كلام المحقّق التستري قدس‌سره.

ثمّ يقول المصنّف رحمه‌الله : (لكنك خبير بأنّ هذه الفائدة للإجماع المنقول كالمعدومة) ، لأنّ الفائدة مختصّة فيما إذا نقل اتّفاق الكل الملازم عادة لموافقة قول الإمام عليه‌السلام ، إلّا أنّه يكون متعذرا في زمان الغيبة ، إذ اطّلاع الناقل على فتاوى جميع العلماء مع تفرقهم وتشتتهم في جميع أقطار الأرض متعسر إن لم يكن متعذرا.

(لأنّ القدر الثابت من الاتفاق) وهو اتّفاق المعروفين ، أو اتّفاق أصحاب الكتب وإن كان ممكنا ولكن لا يكون مفيدا ؛ لأنّه (ليس ممّا يستلزم عادة موافقة قول الإمام عليه‌السلام) فما هو المستلزم عادة موافقة قول الإمام عليه‌السلام لا يمكن تحصيله ، وما هو الممكن تحصيله لا يكون ممّا يستلزم عادة موافقة قول الإمام عليه‌السلام ، (وليس أيضا ممّا يستلزم عادة وجود الدليل المعتبر) فلا يكون نقل الإجماع حجّة ، وقد مرّ تفصيله.

٤١١

لأخبار النجاسة وترجيحها عليه بضرب من الترجيح ، فإذا ترجّح في نظر المجتهد المتأخّر أخبار الطهارة فلا يضرّه اتفاق القدماء على النجاسة ، المستند إلى الامور المختلفة المذكورة؟.

وبالجملة فالإنصاف ـ بعد التأمّل وترك المسامحة بإبراز المظنون بصورة القطع ، كما هو متعارف محصّلي عصرنا ـ أنّ اتّفاق من يمكن تحصيل فتاواهم على أمر ، كما لا يستلزم عادة موافقة الإمام عليه‌السلام كذلك لا يستلزم وجود دليل معتبر عند الكلّ من جهة أو من جهات شتّى.

فلم يبق في المقام إلّا أن يحصّل المجتهد أمارات أخر من أقوال باقي العلماء وغيرها ليضيفها إلى ذلك ، فيحصّل من مجموع المحصّل له والمنقول إليه ـ الذي فرض بحكم المحصّل من حيث وجوب العمل به تعبدا ـ القطع في مرحلة الظاهر باللّازم ، وهو قول الإمام أو وجود دليل معتبر ـ الذي هو أيضا ـ يرجع إلى حكم الإمام بهذا الحكم الظاهريّ المضمون

____________________________________

(فالإنصاف ـ بعد التأمّل وترك المسامحة بإبراز المظنون بصورة القطع ... إلى آخره) يقول المصنّف رحمه‌الله : إنّ المتعارف بين المعاصرين الناقلين للإجماع هو تسامحهم في النقل ؛ لأنهم يتسامحون فيبرزون ما هو المظنون بصورة المقطوع ، فينقلون ما يوجب الظن بصدور الحكم عن المعصوم ، أو وجود الدليل المعتبر بعنوان ما يوجب القطع ، فيقولون : هذا الاتفاق يوجب القطع بوجود الدليل المعتبر مع أنّه لا يوجب إلّا الظن.

فمقتضى التأمّل وترك هذه المسامحة هو (أنّ اتّفاق من يمكن تحصيل فتاواهم على أمر ، كما لا يستلزم عادة موافقة الإمام عليه‌السلام كذلك لا يستلزم وجود دليل معتبر عند الكلّ) إذ يمكن أن يكون استناد الناقل إلى ما لم يكن صحيحا وتامّا عند المجتهد الآخر(من جهة أو من جهات شتّى) كما تقدّم مفصلا في الإجماعات المبنيّة على الاجتهادات التي لم تكن صحيحة وتامة من جهة ، أو من جهات (فلم يبق في المقام إلّا أن يحصّل المجتهد) المنقول إليه ما إذا ضمّ إلى المنقول يحصل له القطع من المجموع بقول الإمام عليه‌السلام ، أو بوجود دليل معتبر(ـ الذي هو أيضا ـ يرجع إلى حكم الإمام عليه‌السلام بهذا الحكم الظاهريّ المضمون لذلك الدليل) ، أي : إذا كان الإجماع المنقول ـ مع ضمّ ما حصّله المنقول إليه ـ مستلزما لوجود ما دلّ من خبر معتبر على لزوم طهارة المسجد ، لكان مضمونه حكما ظاهريا للإمام عليه‌السلام ؛ لأنّه

٤١٢

لذلك الدليل لكنّه ـ أيضا ـ مبنيّ على كون مجموع المنقول من الأقوال والمحصّل من الأمارات ملزوما عاديا لقول الإمام عليه‌السلام ، أو وجود الدليل المعتبر ، وإلّا فلا معنى لتنزيل المنقول منزلة المحصّل بأدّلة حجّيّة خبر واحد ، كما عرفت سابقا ، ومن ذلك ظهر أنّ ما ذكره هذا البعض ليس تفصيلا في مسألة حجّيّة الإجماع المنقول ، ولا قولا بحجّيته في الجملة من حيث إنّه إجماع منقول ، وإنّما يرجع محصّله إلى أنّ الحاكي للإجماع يصدق فيما يخبره عن

____________________________________

حكم بالتعبّد به.

(لكنّه ـ أيضا ـ مبنيّ على كون مجموع المنقول من الأقوال والمحصّل من الأمارات ملزوما عاديا لقول الإمام عليه‌السلام ... إلى آخره) بمعنى : إنّ فرض المنقول وتنزيله بمنزلة المحصّل يكون مبنيا على كون المجموع ملزوما عادة لقول الإمام عليه‌السلام ، أو وجود دليل معتبر كما أن اعتبار الإجماع المنقول من دون تنزيله بمنزلة المحصّل ، مبنيّ على كونه ملزوما عادة لقول الإمام عليه‌السلام.

(وإلّا فلا معنى لتنزيل المنقول منزلة المحصّل) ، وإن لم يكن المجموع ملزوما لقول الإمام عليه‌السلام أو لدليل معتبر ، فلا معنى لتنزيل المنقول بمنزلة المحصّل (بأدلة حجّية خبر واحد) ، لأنّ مقتضى الحجية هو ترتّب الأثر ، ولا يترتب الأثر على الإجماع المنقول إلّا إذا كان ملزوما لقول الإمام عليه‌السلام.

(ومن ذلك ظهر أنّ ما ذكره هذا البعض ليس تفصيلا ... إلى آخره) فظهر ممّا تقدم حيث قلنا : إن القدر الثابت من الاتفاق ممّا لا يستلزم عادة بنفسه موافقة الإمام عليه‌السلام أو وجود الدليل المعتبر ، إنّ ما ذكره التستري رحمه‌الله ليس تفصيلا في حجّية الإجماع المنقول ، إذ ليس مراد المحقّق التستري هو حجّية الإجماع الملازم لقول الإمام عليه‌السلام ، أو وجود الدليل المعتبر ، وعدم حجّية ما ليس كذلك ، إذ قد علمت أنّ القدر الثابت من الاتفاق لم يكن ملازما لأحدهما أصلا.

(ولا قولا بحجّيته في الجملة ... إلى آخره) ، أي : لا يكون مراد المحقّق التستري حجّية الإجماع المنقول في الجملة ، أي : جزء السبب التام حتى يكون جزء الحجّة ، بل مراده أنّ القدر الثابت منه بما هو خبر عادل حسّي ، يكون جزء السبب والحجّة.

(وإنّما يرجع محصّله) يعني : يرجع محصّل كلام المحقّق التستري (إلى أنّ الحاكي

٤١٣

حسّ ، فإنّ فرض كون ما يخبره عن حسّه ملازما بنفسه أو بضميمة أمارات أخر لصدور الحكم الواقعيّ ، أو مدلول الدليل المعتبر عند الكلّ ، كانت حكايته حجّة ؛ لعموم أدلّة حجّية الخبر في المحسوسات ، وإلّا فلا ، وهذا يقول به كلّ من يقول بحجّيّة الخبر الواحد في الجملة. وقد اعترف بجريانه في نقل الشهرة وفتاوى آحاد العلماء.

ومن جميع ما ذكرنا يظهر الكلام في المتواتر المنقول ، وإنّ نقل التواتر في خبر لا

____________________________________

للإجماع يصدق فيما يخبره عن حسّ) فإنّ الحاكي يقبل نقله ويصدق أخباره فقط في المقدار الذي يكون عن حسّ ، فإن فرض ما يخبره عن حسّ ملازما لصدور الحكم عن الإمام بنفسه أو بضميمة أمارات كانت حكايته حجّة ، (وإلّا فلا) بأن لم يكن ما يخبره عن حسّ ملازما لصدور الحكم عن الإمام عليه‌السلام أو لوجود دليل معتبر ، فلا تكون حكايته حجّة.

(وهذا يقول به كل من يقول بحجّية الخبر الواحد في الجملة) إنّ وجوب تصديق المخبر العادل فيما يخبره عن حسّ إذا كان بنفسه ، أو بانضمام سائر الأمارات ، ملازما للحكم الواقعيّ أو الظاهري ، يقول به كل من يقول بحجّية الخبر في الجملة ، أي : ولو في المحسوسات فقط ، فلا يرتبط بحجّية الإجماع المنقول بما هو هو ، بل يكون راجعا إلى الخبر عن حسّ ، فإذا كان الإجماع المنقول كذلك يكون حجّة من باب أنّه خبر عن حسّ ، لا من حيث إنّه إجماع منقول (وقد اعترف بجريانه في نقل الشهرة وفتاوى آحاد العلماء) ، أي : وقد اعترف التستري رحمه‌الله بجريان وجوب تصديق المخبر العادل فيما يخبره عن حسّ في نقل الشهرة ونقل فتاوى العلماء.

(ومن جميع ما ذكرنا يظهر الكلام في المتواتر المنقول) ، ولا بدّ من بيان أمرين :

أحدهما : لما ذا بحث عن المتواتر بعد الفراغ عن بحث الإجماع المنقول؟

وثانيهما : هو كيفية ظهور عدم حجّية الخبر المتواتر بنقل التواتر فيه.

أمّا الأمر الأول فنقول : إنّ بحث المصنّف رحمه‌الله عن نقل التواتر بعد الفراغ عن نقل الإجماع يكون لمناسبة بينهما ، وهي كون كل واحد منهما نقل أقوال وأخبار جماعة توجب العلم بالحكم الصادر عن الإمام عليه‌السلام للناقل ، غاية الأمر أنّ ناقل الإجماع ينقل أقوالهم بعنوان الاتفاق في الفتوى ، وناقل المتواتر ينقل أخبارهم بعنوان الاتفاق في الرواية.

وأمّا الأمر الثاني فنقول : إنّه قد علم ممّا ذكر في نقل الإجماع إنّه لا يكون حجّة ؛ لأنّ ما

٤١٤

يثبت حجّيته ولو قلنا بحجّية خبر الواحد ؛ لأنّ التواتر صفة في الخبر تحصل بإخبار جماعة تفيد العلم للسامع ، ويختلف عدده باختلاف خصوصيّات المقامات ، وليس كلّ تواتر ثبت لشخص ممّا يستلزم في نفس الأمر عادة تحقّق المخبر به ، فإذا أخبر بالتواتر فقد أخبر بإخبار

____________________________________

يمكن تحصيلة عن حسّ من أقوال العلماء ، ثمّ ينقله بعنوان الإجماع يكون ممّا لا يستلزم قول الإمام عليه‌السلام ، أو وجود دليل معتبر ، وما يستلزم قول الإمام لا يمكن تحصيله عن حسّ ليكون حجّة ، فلا ملازمة بين حجّية خبر الواحد وحجّية الإجماع المنقول ، ثم لا يكون الإجماع حجّة لا من باب نقل السبب ، ولا من باب نقل المسبب ، ومن هنا يظهر الكلام في نقل المتواتر ، كقول الناقل : قد ورد في الخبر المتواتر : (إذا كان الماء قدر كر لم ينجّسه شيء) (١) ، حيث لا يكون نقل التواتر حجّة ؛ لأنّ ناقل المتواتر كناقل الإجماع قد حصل له العلم من إخبار جماعة.

ومن المعلوم أنّه لا ملازمة عادة بين إخبار جماعة وبين صدور الحكم عن الإمام عليه‌السلام ، كما كان الأمر كذلك في نقل الإجماع.

فالملخّص من الجميع : إنّه كما لا ملازمة بين حجّية خبر العادل وحجّية نقل الإجماع ، كذلك لا ملازمة بين حجّيته وحجّية نقل التواتر.

فالحاصل هو عدم حجّية الخبر بنقل التواتر كما أشار إليه المصنف بقوله : (وإنّ نقل التواتر في خبر لا يثبت حجّيته) فإنّ نقل التواتر لا يوجب حجّية الخبر المتواتر لما تقدم من عدم الملازمة بين إخبار الجماعة وبين صدور الحكم عن الإمام عليه‌السلام. ويذكر السر في ذلك بقوله : (لأنّ التواتر صفة في الخبر تحصل بإخبار جماعة تفيد العلم للسامع ، ويختلف عدده باختلاف خصوصيّات المقامات).

وما ذكره المصنّف رحمه‌الله من كون (التواتر صفة في الخبر تحصل ... الخ) يتضح بعد تقديم مقدمة ، وهي :

إنّه لا بدّ من البحث في منشأ هذه الصفة في الخبر ، هل هو إخبار جماعة تفيد العلم للسامع سواء كانت مفيدة له أو للآخرين أم لا؟ كما يظهر من المصنّف رحمه‌الله ، فالمتواتر هو

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢ / ١. الاستبصار ١ : ٦ / ١ ، ٢ ، ٣.

٤١٥

جماعة أفاد له العلم بالواقع. وقبول هذا الخبر لا يجدي شيئا ، لأنّ المفروض أنّ تحقّق مضمون المتواتر ليس من لوازم إخبار الجماعة الثابت بخبر العادل.

نعم ، لو أخبر بإخبار جماعة يستلزم عادة تحقّق المخبر به ـ بأن يكون حصول العلم بالمخبر به لازم الحصول لإخبار الجماعة ، كأن أخبر ـ مثلا ـ بإخبار ألف عادل أو أزيد بموت زيد وحضور جنازته ـ كان اللّازم من قبول خبره الحكم بتحقّق الملزوم ، وهو إخبار الجماعة ،

____________________________________

خبر ، أخبر به جماعة أوجب إخبارهم العلم للسامع. وهذا القسم من الخبر المتواتر ليس له حدّ محدود ، بل يختلف باختلاف الأشخاص وخصوصيّات المقامات كما ذكر المصنّف رحمه‌الله ، أو المنشأ في حصول هذه الصفة في خبر هو إخبار جماعة كثيرة بحيث يمتنع عادة خطؤهم وتواطؤهم على الكذب ، وهذا القسم من المتواتر يفيد القطع بصدق المخبرين ، من جهة نفس كثرتهم من دون ضم شيء آخر.

إذا عرفت هذه المقدّمة يتضح لك أنّ ما ذكره المصنّف رحمه‌الله يكون مبنيا على كون المنشأ لهذه الصفة هو نفس إخبار جماعة تفيد العلم للسامع من دون اشتراط الكثرة فيهم ، ولكن ذهب الأكثر إلى الثاني حيث اشترطوا في تحقّق التواتر كثرة المخبرين بحيث يمتنع خطؤهم في الكذب.

ثم أوردوا على ما ذكره المصنّف رحمه‌الله بما حاصله : إنّ المتواتر هو خبر جماعة يفيد بنفسه القطع بصدق الخبر ، فلا يختلف باختلاف الأشخاص والخصوصيّات المقامية ، فيخرج بقيد كونه مفيدا للعلم بنفسه ما يفيد العلم بالقرائن من إخبار الجماعة ، وباعتبار الكثرة ما يفيد العلم بملاحظة خصوصيات الخبر من جهة المخبر والسامع والمخبر به ، كما إذا كان المخبر معروفا بالصدق ، والسامع ممّن يقبل ويصدق خبر كل مؤمن من باب حمل فعل المسلم على الصحة وكلامه على الصدق ، والمخبر به ممّا يكثر وقوعه عادة في الخارج ، كقتل الناس بعضهم بعضا ، كما في يومنا هذا.

وكيف كان ، إنّ التواتر عند المصنّف رحمه‌الله صفة تحصل بإخبار جماعة تفيد العلم للسامع. (وقبول هذا الخبر لا يجدي شيئا ، لأنّ المفروض أنّ تحقّق مضمون المتواتر ليس من لوازم إخبار الجماعة الثابت بخبر العادل) ، أي : إنّ قبول هذا الخبر ، ما لم ينضم إليه ما يفيد العلم لا يجدي ولا يكون مفيدا ؛ لأنّه لم يكن ملزوما للحكم الصادر عن الإمام عليه‌السلام.

٤١٦

فيثبت اللازم وهو تحقّق موت زيد ، إلّا أنّ لازم من يعتمد على الإجماع المنقول ـ وإن كان إخبار الناقل مستندا إلى حدس غير مستند إلى المبادئ المحسوسة المستلزمة للمخبر به ـ هو القول بحجّية التواتر المنقول ، لكن ليعلم أنّ معنى قبول نقل التواتر ـ مثل الإخبار بتواتر موت زيد مثلا ـ يتصوّر على وجهين :

الأوّل : الحكم بثبوت الخبر المدّعى تواتره ، أعني موت زيد ، نظير حجّيّة الإجماع المنقول بالنسبة إلى المسألة المدّعى عليها الإجماع ، وهذا هو الذي ذكرنا أنّ الشرط في قبول خبر الواحد فيه كون ما أخبر به مستلزما عادة لوقوع متعلّقه.

الثاني : الحكم بثبوت تواتر الخبر المذكور ليترتّب على ذلك الخبر آثار المتواتر وأحكامه الشرعيّة ، كما إذا نذر أن يحفظ أو يكتب كلّ خبر متواتر.

ثمّ أحكام التواتر ، منها ما ثبت لما تواتر في الجملة ولو عند غير هذا الشخص ، ومنها ما ثبت لما تواتر بالنسبة إلى هذا الشخص.

____________________________________

(إلّا أنّ لازم من يعتمد على الإجماع المنقول ـ وإن كان إخبار الناقل مستندا إلى حدس ... إلى آخره) ، إنّ من يعتمد على الإجماع المنقول ويرى كونه حجّة مطلقا ـ وإن كان خبر الناقل به مستندا إلى حدس غير ضروري ، حيث لم يكن حينئذ ملزوما لقول الإمام عليه‌السلام ـ يرى ويقول بحجية المتواتر ـ أيضا ـ لأنّه خبر العادل ، وخبر العادل عنده حجّة مطلقا.

(لكن ليعلم أنّ معنى قبول نقل التواتر ـ مثل الإخبار بتواتر موت زيد مثلا ـ يتصور على وجهين :) ، إنّ الآثار المترتبة على الخبر المتواتر تكون على قسمين : قسم يترتب على المخبر به وثبوته خارجا ، وقسم يترتّب على عنوان التواتر.

ثمّ القسم الثاني ينقسم إلى قسمين : قسم يترتّب على التواتر في الجملة ، سواء كان التواتر عند الناقل أو المنقول إليه ، وقسم يترتّب على صفة تواتر الخبر عند المنقول إليه.

ثم يقول المصنّف رحمه‌الله : إنّ القسم الأوّل يكون نظير الإجماع المنقول ، ويشترط في قبوله وحجّيته أن يكون الخبر مستلزما عادة لوقوع متعلّقه ، فلا تترتّب آثار موت زيد على نقل التواتر إلّا بنقل ما يستلزم عادة وقوع موته كإخبار ألف شخص مثلا.

ثمّ القسم الأوّل من القسم الثاني ، وهو ما إذا كان الأثر مترتبا على وصف التواتر في الجملة ، كمن نذر حفظ أو كتابة كل خبر متواتر ولو عند الغير ، يترتب الأثر المذكور

٤١٧

ولا ينبغي الإشكال في أنّ مقتضى قبول نقل التواتر العمل به على الوجه الأوّل وأوّل وجهي الثاني ، كما لا ينبغي الإشكال في عدم ترتّب آثار تواتر المخبر به عند نفس هذا الشخص.

ومن هنا يعلم أنّ الحكم بوجوب القراءة في الصلاة إن كان منوطا بكون المقروء قرآنا واقعيّا قرأه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلا إشكال في جواز الاعتماد على إخبار الشهيد قدس‌سره بتواتر القراءات الثلاث ، أعني : قراءة أبي جعفر وأخويه [يعقوب وخلف] لكن بالشرط المتقدّم ، وهو كون ما أخبر به الشهيد من التواتر ملزوما عادة لتحقّق القرآنيّة.

____________________________________

بمجرد نقل الخبر المتواتر.

والقسم الثاني من هذا القسم هو ما إذا كان الأثر مترتبا على المتواتر عند المنقول إليه ، كما لو نذر حفظ كل خبر متواتر عنده ، فيترتّب الأثر إذا كان متواترا عند هذا الشخص المنقول إليه وإلّا فلا.

ثمّ يقول المصنّف رحمه‌الله : (لا ينبغي الإشكال في أنّ مقتضى قبول نقل التواتر العمل به على الوجه الأول) ، أي : فيما إذا كان الأثر مترتبا على المخبر به ، وهو موت زيد في المثال المذكور ؛ لثبوت الموت به تعبّدا على فرض القبول (وأوّل وجهي الثاني) ، أي : فيما إذا كان الأثر أثرا لوصف التواتر في الجملة.

(كما لا ينبغي الإشكال في عدم ترتب آثار تواتر المخبر به عند نفس هذا الشخص) ، وذلك لأنّ المفروض ترتب الأثر على صفة التواتر عند المنقول إليه ، فما لم يثبت التواتر عنده لا يترتب عليه الأثر ، ثم مجرد حجّية نقل التواتر لا يثبت التواتر عند هذا الشخص ، فلا يجب عليه حفظ هذا الخبر لو نذر حفظ كل خبر متواتر لعدم ثبوت تواتره لديه.

(ومن هنا) ، أي : وإنّ الآثار قد تترتّب على المخبر به ، وقد تترتّب على صفة التواتر في الجملة ، وقد تترتّب على صفة التواتر عند المنقول إليه ، والقسمان الأوّلان يثبتان على فرض حجّية نقل التواتر دون الأخير.

(يعلم أنّ الحكم بوجوب القراءة في الصلاة إن كان منوطا بكون المقروء قرآنا واقعيا قرأه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلا إشكال في جواز الاعتماد على اخبار الشهيد قدس‌سره بتواتر القراءات الثلاث ... الخ).

٤١٨

وكذا لا إشكال في الاعتماد من دون شرط ، إن كان الحكم منوطا بالقرآن المتواتر في الجملة ، فإنّه قد ثبت تواتر تلك القراءات عند الشهيد بإخباره. وإن كان الحكم معلّقا على القرآن المتواتر عند القارئ أو مجتهده ، فلا يجدي إخبار الشهيد بتواتر القراءات.

وإلى أحد الأوّلين نظر حكم المحقّق والشهيد الثانيين بجواز القراءة بتلك القراءات مستندا إلى أنّ الشهيد والعلّامة قدس‌سرهما ، قد ادّعيا تواترها وأنّ هذا لا يقصر عن نقل الإجماع ؛

____________________________________

وممّا ذكر في التواتر من أنّ الآثار قد تترتّب على المخبر به الواقعيّ يعلم جواز الاعتماد على إخبار الشهيد رحمه‌الله بتواتر القراءات الثلاث ـ علاوة على القراءات السبع ـ أعني : قراءة أبي جعفر وأخويه أبي يعقوب وابن خلف.

(لكن بالشرط المتقدم) ، أي : بشرط أن يكون التواتر الذي أخبر به الشهيد رحمه‌الله ملزوما عادة لتحقّق القرآنيّة ، فتترتّب عليها الآثار لثبوتها تعبّدا بما أخبر الشهيد بتواتره ، فإذا أخبر الشهيد رحمه‌الله بأنّه أخبر له ألف عادل بأن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قرأ ملك يوم الدين كان خبره حجّة ؛ للملازمة العادية بين إخبار الألف وقراءة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فيثبت تعبّدا كون ما قرأه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قرآنا واقعيا ، فيجوز قراءته في الصلاة.

(وكذا لا إشكال في الاعتماد من دون شرط ، إن كان الحكم منوطا بالقرآن المتواتر في الجملة) ، وكذا يجوز الاعتماد على نقل التواتر من دون حاجة إلى الشرط ، فيما إذا كان الحكم بوجوب القراءة في الصلاة منوطا بالقرآن المتواتر في الجملة ولو عند الغير ، فيجوز أن يقرأ في الصلاة بالقراءة التي ادّعى الشهيد رحمه‌الله تواترها.

(وإن كان الحكم معلّقا على القرآن المتواتر عند القارئ أو مجتهده ، فلا يجدي إخبار الشهيد رحمه‌الله) لو كان الحكم بوجوب القراءة في الصلاة مشروطا ومعلّقا على كون القرآن متواترا عند القارئ أو مجتهده فلا يثبت بإخبار الشهيد رحمه‌الله بتواتر تلك القراءات تواترها عند القارئ ، كما تقدّم تفصيله في نقل الخبر المتواتر.

(وإلى أحد الأولين نظر حكم المحقّق والشهيد الثانيين بجواز القراءة بتلك القراءات مستندا إلى أنّ الشهيد والعلّامة قدس‌سرهما ، قد ادّعيا تواترها) ، حكم المحقّق والشهيد الثانيين قدس‌سرهما بجواز القراءة في الصلاة بالقراءات التي ادّعى الشهيد والعلّامة قدس‌سرهما تواترها يكون مبنيا على أحد الوجهين الأوّلين ، وهما كون وجوب القراءة منوطا بالقرآن الواقعيّ ، أو التواتر في

٤١٩

وإلى الثالث نظر صاحب المدارك وشيخه المقدّس الأردبيلي قدس‌سرهما ، حيث اعترضا على المحقّق والشهيد بأنّ هذا رجوع عن اشتراط التواتر في القراءة. ولا يخلو نظرهما عن نظر ، فتدبّر ، والحمد لله وصلى‌الله‌عليه‌وآله ولعنة الله على أعدائهم أجمعين.

____________________________________

الجملة فيكون نظرهما قدس‌سرهما إلى أحد هذين الوجهين.

(وأنّ هذا لا يقصر عن نقل الإجماع) ، أي : إنّ نقل التواتر لا يقصر عن نقل الإجماع ، فكما أن نقل الإجماع حجّة ، فكذلك نقل التواتر ؛ لأنّ كلّا منهما نقل دليل علمي.

(وإلى الثالث نظر صاحب المدارك) ، والثالث : هو أن يكون الحكم بوجوب القراءة منوطا بالتواتر عند القارئ أو مجتهده ، وهو نظر صاحب المدارك والمقدّس الأردبيلي قدس‌سرهما (حيث اعترضا على المحقّق والشهيد بأنّ هذا) ، أي : الحكم بجواز القراءة بتلك القراءات لنقل تواترها(رجوع عن اشتراط التواتر في القراءة) ، عند القارئ أو مجتهده ، ثمّ يقول المصنّف رحمه‌الله : (لا يخلو نظرهما عن نظر) ، يعني : إنّ ما إفادة صاحب المدارك والأردبيلي قدس‌سرهما محل للنظر ، وذلك فإنّ وجوب القراءة منوط بالقرآن الواقعيّ ، فيثبت بنقل التواتر بالشرط المتقدم ؛ بأن يكون نقل التواتر مستلزما عادة للقرآن الواقعيّ.

(فتدبّر) ، لعلّه إشارة إلى أنّ الإخبار بالنسبة إلى القرآن الواقعيّ إخبار عن حدس ، فلا يكون حجّة كالإجماع المنقول ، وكون نقل التواتر بحيث يستلزم عادة القرآن الواقعيّ يكون بعيدا جدا.

هذا تمام الكلام

في الإجماع ، والحمد لله

وصلى الله على محمد وأهل بيته الطاهرين.

* * *

٤٢٠