دروس في الرسائل - ج ١

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في الرسائل - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: ياران
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٦٧

ـ إلى أقوالهم ، فيسمّى المجموع إجماعا ؛ بناء على ما تقدم من المسامحة في تسمية اتّفاق جماعة مشتمل على قول الإمام عليه‌السلام إجماعا ، وإن خرج عنه الكثير أو الأكثر. فالدليل ـ في الحقيقة ـ هو اتفاق من عدا الإمام عليه‌السلام ، والمدلول الحكم الصادر عنه عليه‌السلام ، نظير كلام الإمام عليه‌السلام ومعناه.

____________________________________

المجمعين ، أو الحدس لاستحالة توافقهم على الخطأ ، فنكشف موافقة قول الإمام عليه‌السلام من باب الحدس ، كما يقول به المتأخّرون ، لا أنّه عليه‌السلام يدخل فيهم ، كما يقول به القدماء.

ثم الإجماع الدخولي التضمّني لا ينافي الاصطلاح الأول في الإجماع ، وهو اتفاق الكل أحدهم الإمام عليه‌السلام. غاية الأمر : قد يتسامح في إطلاقه ، فيطلق على اتفاق جماعة وإن قلّت ؛ بشرط دخول الإمام فيهم ، فالقدماء ـ القائلون بالاجماع الدخولي ـ يطلقون الإجماع على معناه الاصطلاحي ، ولو من باب التسامح.

وأمّا من يطلق الإجماع على من عدا الإمام عليه‌السلام ، كالشيخ ومن تبعه والمتأخرون ، فليس هذا الإجماع اصطلاحيا ، بل لا يكون إجماعا أصلا ، فيكون دليلا خامسا في قبال الأدلة الأربعة ، كاشفا عن قول الإمام عليه‌السلام.

(إلّا أن ينضمّ قول الإمام عليه‌السلام ـ المكشوف عنه باتفاق هؤلاء ـ إلى أقوالهم ، فيسمّى المجموع) المركّب من الكاشف والمنكشف (إجماعا) فكما أنّ الإجماع يطلق على الدخولي ـ الذي هو اتفاق جماعة أحدهم الإمام عليه‌السلام بالتسامح والمجاز ـ فكذلك إطلاق الإجماع على من عدا الإمام يكون بالتسامح ، فيطلق الإجماع على اتفاق من عدا الإمام عليه‌السلام ، بعد انضمام قول الإمام إلى أقوالهم ، وبذلك يتحقّق الإجماع بمعناه المصطلح عند الخاصة.

(فالدليل) عند اللّطفي والتقريري والحدسي (في الحقيقة : هو اتفاق من عدا الإمام عليه‌السلام ، والمدلول الحكم الصادر عنه عليه‌السلام ، نظير كلام الإمام عليه‌السلام ومعناه) ، إنّما قال : نظير كلام الإمام ومعناه ، لأنّ المعنى في الكلام يكون من التصوّرات ، والمصطلح فيها عندهم هو : التعبير عن اللفظ بالدال وعن المعنى بالمدلول ، وما نحن فيه هو استكشاف قول الإمام عليه‌السلام بالاجماع وهو من التصديقات ، والمصطلح فيها هو التعبير عن الكاشف بالدليل ، وعن المنكشف بالمدلول ، فيكون المقام نظير الكلام ومعناه ، لا نفسه فلذا أتى المصنف بكلمة نظير ، وقال : نظير كلام الإمام ومعناه.

٣٤١

فالنكتة في التعبير عن الدليل بالاجماع ـ مع توقّفه على ملاحظة انضمام مذهب الإمام عليه‌السلام ، الذي هو المدلول إلى الكاشف عنه ، وتسمية المجموع دليلا ـ هو التحفّظ على ما جرت سيرة أهل الفن من إرجاع كل دليل إلى أحد الأدلة المعروفة بين الفريقين ، أعني : الكتاب والسنّة ، والإجماع والعقل.

ففي إطلاق الإجماع على هذا مسامحة في مسامحة ، وحاصل المسامحتين : إطلاق الإجماع على اتّفاق طائفة يستحيل بحكم العادة خطأهم وعدم وصولهم إلى حكم الإمام عليه‌السلام.

____________________________________

قوله : (فالنكتة في التعبير عن الدليل بالإجماع ... إلى آخره) ، دفع لما يقال : من أنّه لما ذا لم يجعل اتفاق من عدا الإمام دليلا مستقلا خامسا حتى تصبح الأدلة خمسة : الأول الكتاب ، والثاني السنّة ، والثالث العقل ، والرابع الإجماع ، والخامس الكاشف. فلم تكن الحاجة إلى تكلّف ضمّ قول الإمام عليه‌السلام إلى أقوالهم وتسمية المجموع اجماعا باصطلاح الخاصة.

فأجاب المصنّف رحمه‌الله بقوله : النكتة في ذلك التكلّف هو التحفّظ على الأدلة الأربعة بإرجاع كل دليل إلى أحد الأدلة الأربعة ، كإرجاع الاستصحاب إلى السنّة عند بعض ، وإلى العقل عند آخر.

فقد جرت سيرة أهل الفن على الإرجاع ، ولذا أرجعوا هذا الدليل ، أي : اتفاق من عدا الإمام عليه‌السلام إلى الإجماع باصطلاح الخاصة بتكلّف ضمّ قوله عليه‌السلام إلى أقوالهم ، فيكون إطلاق الإجماع على اتفاق من عدا الإمام عليه‌السلام مسامحة في مسامحة ، كما أشار إليه المصنّف رحمه‌الله بقوله :

(ففي إطلاق الإجماع على هذا) ، أي : اتفاق من عدا الإمام عليه‌السلام (مسامحة في مسامحة) ، وبيان المسامحتين يحتاج إلى بيان مناط الحقيقة ، فنقول : إنّ ملاك الحقيقة هو اتفاق الكل ، أحدهم الإمام عليه‌السلام ، فإذا انتفى هذا الملاك تنتفي الحقيقة ، ويكون الإطلاق من باب المسامحة والمجاز.

ومن هذا البيان يتضح وجه المسامحتين في المقام ، وذلك أن إطلاق الإجماع على اتفاق جماعة أحدهم الإمام عليه‌السلام مسامحة لانتفاء الملاك ، ثم إطلاقه على اتفاق جماعة لم يكن أحدهم هو الإمام عليه‌السلام مسامحة ثانية مشتملة على المسامحة الاولى ، وهو عدم إطلاق

٣٤٢

والاطّلاع على تعريفات الفريقين ، واستدلالات الخاصّة ، وأكثر العامّة على حجّية الإجماع ، يوجب القطع بخروج هذا الإطلاق عن المصطلح وبنائه على المسامحة ؛ لتنزيل وجود من خرج عن هذا الاتفاق منزلة عدمه ، كما عرفت من السيّد والفاضلين قدس‌سره : من أنّ كلّ جماعة قلّت أو كثرت علم دخول قول الإمام عليه‌السلام فيهم ، فإجماعهم حجّة.

ويكفيك في هذا ما سيجيء من المحقّق الثاني في تعليق الشرائع من : «دعوى الإجماع على أنّ خروج الواحد من علماء العصر قادح في انعقاد الإجماع» مضافا إلى ما عرفت من إطباق الفريقين على تعريف الإجماع باتّفاق الكلّ.

ثم إنّ المسامحة من الجهة الاولى والثانية في إطلاق لفظ الإجماع على هذا من دون

____________________________________

الإجماع على اتفاق الكل ، فشاركت الثانية من جهة عدم إطلاق الإجماع على اتفاق الكل ، وتفارق الاولى من جهة عدم دخول الإمام عليه‌السلام في الجماعة.

وما ذكرنا في وجه المسامحتين لعلّه أقرب إلى الذهن ممّا ذكر في بعض الشروح. هذا على فرض أن يكون المشار إليه في قوله : (على هذا) هو اتفاق من عدا الإمام عليه‌السلام ، وأمّا لو كان المشار إليه هو اتفاق من عدا الإمام ، بعد ضمّ قوله عليه‌السلام إلى أقوالهم ، فيكون المعنى في إطلاق الإجماع على هذا ، أي : على اتفاق من عدا الإمام عليه‌السلام بعد ضمّ قوله عليه‌السلام إلى أقوالهم مسامحة في مسامحة ، فيكون منشأ المسامحة الاولى هو إطلاق الإجماع على غير اتفاق الكل ، ولو بفرض خروج الإمام عليه‌السلام عنهم ، ويكون منشأ المسامحة الثانية هو ضمّ قول الإمام عليه‌السلام إلى أقوالهم ، لينطبق هذا الإجماع على ما هو المصطلح عند الخاصة.

والملخّص : هو أن إطلاق الإجماع على اتفاق الكل حقيقة ، ثم إطلاقه على اتفاق جماعة أحدهم الإمام عليه‌السلام مسامحة ، ثم إطلاقه على من عداه بعد ضمّ قوله عليه‌السلام إلى أقوالهم مسامحة في مسامحة.

(ويكفيك في هذا) ، أي : في إطلاق الإجماع على اتفاق جماعة مسامحة (ما سيجيء من المحقّق) ، حيث قال في تعليق الشرائع : إنّ خروج الواحد من علماء العصر قادح في انعقاد الإجماع المصطلح بين الفريقين بالإجماع وإن لم يكن قادحا في حجّية الباقي لوجود مناط الحجّية فيه.

وقوله : (ثم إنّ المسامحة من الجهة الاولى والثانية ... إلى آخره) ، دفع لما يمكن أن يقال :

٣٤٣

قرينة لا ضير فيها ، لأنّ العبرة في الاستدلال بحصول العلم من الدليل للمستدل.

نعم ، لو كان نقل الإجماع المصطلح حجّة عند الكلّ كان إخفاء القرينة في الكلام ـ الذي هو المرجع للغير ـ تدليسا ، أمّا لو لم يكن نقل الإجماع حجّة ، أو كان نقل مطلق الدليل القطعيّ حجّة ، لم يلزم تدليس أصلا.

ويظهر من ذلك ما في كلام صاحب المعالم رحمه‌الله ، حيث إنّه بعد أن ذكر أنّ حجّية الإجماع إنّما هي لاشتماله على قول المعصوم ، واستنهض بكلام المحقّق الذي تقدّم واستجوده ، قال :

____________________________________

من أنّ الإجماع حقيقة في اتفاق الكل ، وإطلاقه على اتفاق جماعة أحدهم الإمام عليه‌السلام مجاز ومسامحة ، كما هو مقتضى المسامحة من الجهة الاولى ، وكذلك إطلاقه على من عدا الإمام عليه‌السلام ، كما هو مقتضى المسامحة من الجهة الثانية ، فيجب على مدّعي الإجماع نصب القرينة لو أراد من الإجماع غير اتفاق الكل ، مع أنّه لم ينصب قرينة أصلا.

فأجاب المصنّف رحمه‌الله عن هذا الإشكال بقوله : ثم إنّ المسامحة في إطلاق الإجماع كذلك (لا ضير فيها) ، أي : في هذه المسامحة ؛ وذلك أنّ الضرر المانع عن إطلاق الإجماع على هذا المعنى المسامحي من دون قرينة هو لزوم التدليس بالنسبة إلى المخاطب ، والتدليس منتف في المقام (لأنّ العبرة في الاستدلال بحصول العلم من الدليل للمستدل) ، لا للمخاطب ، لأنّ الإجماع حجّة للمستدل لا للمخاطب ، إذ ناقل الإجماع لا ينقله ليتمسّك به الغير ، بل يذكره مستدلا به.

فإذا قطع شخص بقول الإمام عليه‌السلام ، جاز له الاستدلال ، سواء كان منشأ قطعه اتفاق الكل ، أو اتفاق جماعة أحدهم الإمام عليه‌السلام ، أو اتفاق من عدا الإمام الكاشف عن قوله عليه‌السلام ؛ لطفا أو تقريرا أو حدسا.

والحاصل أنّه يجوز لمدّعي الإجماع الاستدلال به من دون نصب قرينة ولا يلزم التدليس لعدم كونه حجّة للمخاطب مطلقا.

(نعم ، لو كان نقل الإجماع المصطلح حجّة عند الكل ، كان إخفاء القرينة في الكلام ـ الذي هو المرجع للغير ـ تدليسا) ، فلا يجوز للناقل أن ينقله من دون نصب قرينة ، لو أراد من الإجماع غير اتفاق الكل.

(ويظهر من ذلك ما في كلام صاحب المعالم) ويظهر ممّا ذكرنا ـ من جواز إطلاق

٣٤٤

«والعجب من غفلة جمع من الأصحاب عن هذا الأصل وتساهلهم في دعوى الإجماع عند احتجاجهم به للمسائل الفقهيّة ، حتّى جعلوه عبارة عن اتّفاق جماعة من الأصحاب ، فعدلوا به عن معناه الذي جرى عليه الاصطلاح من دون نصب قرينة جليّة ولا دليل لهم على الحجّية يعتدّ به» انتهى.

وقد عرفت أنّ مساهلتهم وتسامحهم في محلّه ، بعد ما كان مناط حجّية الإجماع الاصطلاحيّ موجودا في اتّفاق جماعة من الأصحاب وعدم تعبيرهم عن هذا الاتفاق بغير لفظ الإجماع ، لما عرفت من التحفّظ على عناوين الأدلّة المعروفة بين الفريقين.

إذا عرفت ما ذكرنا فنقول : إنّ الحاكي للاتّفاق قد ينقل الإجماع بقول مطلق ، أو مضافا إلى المسلمين ، أو الشيعة ، أو أهل الحقّ ، أو غير ذلك ، ممّا يمكن أن يراد به دخول الإمام عليه‌السلام في المجمعين.

____________________________________

الإجماع على المعنى المسامحي من دون لزوم التدليس ـ الإشكال في كلام صاحب المعالم ، حيث يظهر من كلامه عدم صحة إطلاق الإجماع على اتفاق جماعة ، وعدم حجّية هذا القسم من الإجماع ، بل الإجماع هو اتفاق الكل.

فإطلاقه على اتفاق جماعة ـ من دون نصب قرينة جليّة ـ يكون ناشئا عن غفلة جمع من الأصحاب ، ولا دليل لهم على الحجّية يعتدّ به ، إذ لا يحصل العلم بدخول الإمام عليه‌السلام فيهم ، ولا يكشف به قول الإمام عليه‌السلام ؛ لأنّه ليس من الممتنع أن يكونوا خاطئين في دليلهم.

هذا ملخص ما أفاده صاحب المعالم مع توضيح منّا ، ولكن قد عرفت أنّ مسامحتهم في إطلاق الإجماع على غير اتفاق الكل صحيحة وفي محلها ، فما ذكره صاحب المعالم من عدم الصحة مردود.

(إذا عرفت ما ذكرنا) من تقديم الأمرين ، الذي كان حاصل الأمر الأول هو حجّية الأخبار الحسّية دون الحدسيّة ، وحاصل الأمر الثاني هو أنّ الإجماع ؛ هو اتفاق جميع العلماء في عصر واحد ، وقد يطلق مسامحة على اتفاق جماعة أحدهم الإمام عليه‌السلام ، أو على اتفاق من عدا الإمام الكاشف عن قوله عليه‌السلام ، فلا بدّ أن نرى أنّ نقل ناقل الإجماع من أي قسم من هذه الأقسام؟.

(فنقول : إنّ الحاكي للاتّفاق قد ينقل الإجماع بقول مطلق) ، فيقول : هذا واجب إجماعا ،

٣٤٥

وقد ينقله مضافا إلى من عدا الإمام عليه‌السلام كقول : أجمع علماؤنا أو أصحابنا أو فقهاؤنا أو فقهاء أهل البيت عليهم‌السلام ، فإنّ ظاهر ذلك من عدا الإمام عليه‌السلام ، وإن كانت إرادة العموم محتملة بمقتضى المعنى اللغويّ ، لكنّه مرجوح ، فإن أضاف الإجماع إلى من عدا الإمام عليه‌السلام فلا إشكال في عدم حجّية نقله ، لأنّه لم ينقل حجّة ، وإن فرض حصول العلم للناقل بصدور الحكم عن الإمام عليه‌السلام من جهة هذا الاتّفاق.

إلّا أنّه إنّما نقل سبب العلم ولم ينقل المعلوم ـ وهو قول الإمام عليه‌السلام ـ حتى يدخل في نقل الحجّة وحكاية السنّة بخبر الواحد.

نعم ، لو فرض أنّ السبب المنقول ممّا يستلزم عادة موافقة قول الإمام عليه‌السلام ، أو وجود دليل ظنّي معتبر حتّى بالنسبة إلينا أمكن إثبات ذلك السبب المحسوس بخبر العادل ، والانتقال منه إلى لازمه ، لكن سيجيء بيان الإشكال في تحقّق ذلك.

____________________________________

أو الحكم الفلاني كذا للإجماع.

(أو مضافا إلى المسلمين) حيث يقول : هذا الحكم كذا بإجماع المسلمين ، أو غير هذا التعبير من التعبيرات التي يمكن أن يكون الإمام داخلا في المجمعين.

(وقد ينقله مضافا إلى من عدا الإمام عليه‌السلام) كقوله : أجمع على هذا الحكم فقهاء أهل البيت (فإن ظاهر ذلك) ، أي : هذا اللفظ هو (من عدا الإمام عليه‌السلام) (فإن أضاف الإجماع إلى من عدا الإمام عليه‌السلام فلا إشكال في عدم حجّية نقله) وذلك ؛ لعدم نقله ما هو الحجّة من الكتاب والسنة والإجماع والعقل وإن حصل للناقل العلم بصدور الحكم عن الإمام عليه‌السلام ، ولكن هذا العلم حجّة له ، لا لمن نقل إليه.

(نعم ، لو فرض أن السبب المنقول ممّا يستلزم عادة موافقة قول الإمام عليه‌السلام) ، أي : لو كان السبب المنقول مستلزما لموافقة قول الإمام ، أو وجود دليل معتبر عند الكل ، كما لو كان بلفظ : اتفق علماء جميع الأعصار في جميع الأمصار على الحكم (أمكن إثبات ذلك السبب المحسوس بخبر العادل) ؛ لأجل كونه مشمولا لأدلة حجّية خبر العادل ، ثم الانتقال من هذا السبب إلى لازمه ، وهو الحجّة الواقعية في فرض كون اللّازم قول الإمام ، أو الحجّة الظاهرية في فرض كون اللّازم دليلا معتبرا.

ولكن الإشكال في تحقّق هذا القسم من السبب ؛ إذ لم يتمكّن أحد من العلماء من

٣٤٦

وفي حكم الإجماع المضاف إلى من عدا الإمام عليه‌السلام ، الإجماع المطلق المذكور في مقابل الخلاف ، كما يقال : خرء الحيوان غير المأكول ـ غير الطير ـ نجس إجماعا ، وإنّما اختلفوا في خرء الطير ، أو يقال : إنّ محل الخلاف هو كذا ، وأمّا كذا فحكمه كذا إجماعا ، فإنّ معناه في مثل هذا كونه قولا واحدا.

وأضعف ممّا ذكر نقل عدم الخلاف وأنّه ظاهر الأصحاب ، أو قضيّة المذهب وشبه ذلك ، وإن أطلق الإجماع أو أضافه على وجه يظهر منه إرادة المعنى المصطلح المتقدم ولو مسامحة ؛ لتنزيل وجود المخالف منزلة العدم ؛ لعدم قدحه في الحجّية. فظاهر الحكاية كونها حكاية للسنّة ، أعني حكم الإمام عليه‌السلام ، لما عرفت من أنّ الإجماع الاصطلاحيّ متضمّن لقول

____________________________________

تحصيل أقوال العلماء كذلك.

(وفي حكم الإجماع المضاف إلى من عدا الإمام عليه‌السلام الإجماع المطلق المذكور في مقابل الخلاف)

إن الإجماع المطلق إذا ذكر في مقابل الخلاف يكون في حكم الإجماع المضاف إلى من عدا الإمام عليه‌السلام في عدم الحجّية.

فكما أنّ الإجماع المضاف إلى من عدا الإمام عليه‌السلام لم يكن حجّة ، كذلك الإجماع بقول مطلق ، إذا ذكر في مقابل الخلاف ، لم يكن حجّة ؛ لأنّ وقوعه في مقابل الخلاف قرينة على كون المراد منه مجرد نفي الخلاف لا نقل قول الإمام عليه‌السلام ، والأمثلة موجودة في المتن.

(وأضعف ممّا ذكر) ، أي : من إضافة الإجماع إلى من عدا الإمام عليه‌السلام ، أو نقل الإجماع في مقابل الخلاف ، هو : (نقل عدم الخلاف) ؛ إذ المراد منه : هو نفي الخلاف فقط لا نقل قول الإمام عليه‌السلام. هذا تمام الكلام في أقسام نقل الإجماع.

ثم يشير إلى حكمها من حيث الحجّية وعدمها بقوله :

(وإن أطلق الإجماع) وهو : القسم الأول.(أو أضافه على وجه) وهو : القسم الثاني (يظهر منه إرادة المعنى المصطلح المتقدم) ، وهو اتفاق العلماء في عصر ، أحدهم الإمام عليه‌السلام إلى أن قال المصنّف رحمه‌الله : (فظاهر الحكاية كونها حكاية للسنّة) ، أي : قول الإمام عليه‌السلام ، وذلك لما تقدم من أنّ الإجماع في اصطلاح الإمامية هو : اتفاق الكل ، أو الجماعة أحدهم الإمام عليه‌السلام ، دخولا فيهم ، أو ضمّ قوله إلى أقوالهم ، وعلى كل تقدير يدخل في الخبر والحديث ؛ لأنّ الحديث هو : نقل قول المعصوم عليه‌السلام بعنوان الخبر والرواية ، والإجماع ـ أيضا : ـ هو نقل قول

٣٤٧

الإمام عليه‌السلام فيدخل في الخبر والحديث.

إلّا أنّ مستند علم الحاكي بقول الإمام عليه‌السلام أحد امور :

أحدها : الحسّ ، كما إذا سمع الحكم من الإمام عليه‌السلام ، في جملة جماعة لا يعرف أعيانهم ، فيحصل له العلم بقول الإمام عليه‌السلام. وهذا في غاية القلّة ، بل نعلم جزما أنّه لم يتفق لأحد من هؤلاء الحاكين للإجماع ، كالشيخين والسيّدين وغيرهما.

ولذا صرّح الشيخ في العدّة ـ في مقام الردّ على السيّد ، حيث أنكر الإجماع من باب وجوب اللطف ـ بأنّه لو لا قاعدة اللطف لم يمكن التوصّل إلى معرفة موافقة الإمام

____________________________________

المعصوم بعنوان : اتفق العلماء على كذا.

إلّا أنّ الاتّفاق الكاشف عن قول الإمام عليه‌السلام لم يكن مشمولا لأدلة الأخبار ، إذ هذه الأدلة كما تقدّم ذكرها تفصيلا تدل على حجّية الأخبار الحسّية ، وناقل الإجماع ينقل قول الإمام عليه‌السلام عن حدس.

وبيان ذلك : إنّ مستند علم ناقل قول الإمام عليه‌السلام بعنوان الإجماع لا يخلو عن أحد امور ، كما أشار إليها المصنّف رحمه‌الله بقوله :

(أحدها : الحسّ) كما هو المعروف عند القدماء (كما إذا سمع الحكم من الإمام عليه‌السلام في جملة جماعة لا يعرف أعيانهم) كانوا جميعهم في عصر واحد ، أو طائفة منهم. وهذا الطريق وإن كان ممكنا إلّا أنّه في غاية الندرة والقلّة.

ثم يقول المصنّف رحمه‌الله : بل نعلم جزما أنّ هذا القسم من الإجماع لم يتفق لأحد من ناقليه ، بل نقل اتفاق جماعة ، أحدهم الإمام عليه‌السلام ، ظاهر بزمان حضور الإمام ، لأنّه عليه‌السلام ، كان في ذلك الزمان يجالس الناس ، فكان نقل اتفاق جماعة ، أحدهم الإمام عليه‌السلام ممكنا لناقل الإجماع. وأمّا في زمن غيبة الإمام عليه‌السلام عن الناس وعدم اجتماعه معهم ، فإنّ نقل اتفاق جماعة ، أحدهم الإمام عليه‌السلام بعيد.

(ولذا صرّح الشيخ رحمه‌الله في العدّة في مقام الردّ على السيد ، حيث أنكر الإجماع من باب وجوب اللطف) ، إذ لأجل عدم اتفاق سماع الحكم من الإمام لحاكي الإجماع.

(صرّح الشيخ) في كتاب العدة ، ردّا على السيد حيث أنكر الإجماع اللطفي وأثبته من باب الدخول (بأنّه لو لا قاعدة اللطف لم يمكن التوصّل إلى معرفة موافقة الإمام عليه‌السلام

٣٤٨

للمجمعين.

الثاني : قاعدة اللطف ، على ما ذكره الشيخ في العدّة ، وحكى القول به عن غيره من المتقدمين. ولا يخفى أنّ الاستناد إليه غير صحيح ، على ما ذكره في محلّه ، فإذا علم استناد الحاكي إليه فلا وجه للاعتماد على حكايته. والمفروض أنّ إجماعات الشيخ كلّها مستندة إلى هذه القاعدة ، لما عرفت من كلامه المتقدم عن العدّة ، وستعرف منها ومن غيرها من كتبه.

فدعوى مشاركته للسيّد قدس‌سره ـ في استكشاف قول الإمام عليه‌السلام ، من تتّبع أقوال الامّة واختصاصه بطريق آخر مبنيّ على وجوب قاعدة اللطف ـ غير ثابتة ، وإن ادّعاها بعض ،

____________________________________

للمجمعين) ، فيظهر من هذا الكلام انحصار طريق معرفة موافقة الإمام عليه‌السلام بقاعدة اللطف.

(الثاني : قاعدة اللطف ، على ما ذكره الشيخ قدس‌سره في العدّة) ، أي : الأمر الثاني ، إذ يمكن أن يكون مستند علم الحاكي لقول الإمام عليه‌السلام قاعدة اللطف ، كما يظهر من الشيخ قدس‌سره.

ثم يقول المصنّف رحمه‌الله : (لا يخفى أنّ الاستناد إليه غير صحيح ، على ما ذكره في محلّه) ، وذلك أنّه ليس الواجب على الإمام عليه‌السلام إلّا بيان الأحكام الشرعية بطرق متعارفة وقد بيّنها كذلك ، ثم طرأ الاختفاء لبعض الأحكام من الجهات الخارجة عن كون الإمام دخيلا فيها ، فكيف يجب عليه عليه‌السلام بيان الحق من باب اللطف الغير المتعارف ، ولو بإلقاء الخلاف بين المجمعين؟!

فلا يجب على الإمام عليه‌السلام بيان الأحكام بطريق غير متعارف وهو قاعدة اللطف ، ولذلك تكون هذه القاعدة باطلة لكونها طريقة غير متعارفة ، وبالنتيجة يحكم ببطلان كل إجماع يبتني عليها.

(والمفروض أنّ إجماعات الشيخ قدس‌سره كلّها مستندة إلى هذه القاعدة ، لما عرفت من كلامه المتقدم عن العدّة) حيث قال : لو لا قاعدة اللطف لم يمكن التوصّل إلى معرفة موافقة الإمام عليه‌السلام للمجمعين ، فتكون هذه الإجماعات باطلة ، كما أشار إلى بطلانها المصنّف رحمه‌الله بقوله : (فإذا علم استناد الحاكي إليه فلا وجه للاعتماد على حكايته).

قوله : (فدعوى مشاركته للسيّد قدس‌سره في استكشاف قول الإمام عليه‌السلام ، من تتبع أقوال الامّة واختصاصه بطريق آخر مبنيّ على وجوب قاعدة اللطف) دفع لما يمكن أن يقال : من أنّ إجماعات الشيخ قدس‌سره كلّها ليست مستندة إلى قاعدة اللطف حتى تكون باطلة ، بل بعضها

٣٤٩

فانّه قدس‌سره قال في العدّة ـ في حكم ما إذا اختلفت الإماميّة على قولين يكون أحد القولين قول الإمام عليه‌السلام ، على وجه لا يعرف بنفسه والباقون كلّهم على خلافه ـ : «إنّه متى اتفق ذلك ، فإن كان على القول الذي انفرد به الإمام عليه‌السلام ، دليل من كتاب أو سنّة مقطوع بها لم يجب عليه الظهور ولا الدلالة على ذلك ؛ لانّ الموجود من الدليل كاف في إزاحة التكليف ،

____________________________________

مبنيّ على الدخول الذي ذهب إليه السيّد وغيره من القدماء ، فيكون للشيخ قدس‌سره طريقان : طريق يختصّ به وهو قاعدة اللطف ، وطريق مشترك بينه وبين السيد ، وهو دخول الإمام في المجمعين ، فأجاب عن هذه الدعوى بقوله : (غير ثابتة).

ثم منشأ توهّم مشاركة الشيخ قدس‌سره مع السيّد أمران مستفادان من كلام الشيخ قدس‌سره في مواضع متعدّدة :

أحدهما : إنّه قد صرح في العدّة في بحث حجّية خبر الواحد بعدم قدح خروج معلوم النسب في حجّية الإجماع ، فيناسب كلامه هذا طريقة الدخول لا طريقة قاعدة اللطف.

وثانيهما : إنّه قد صرح في مواضع من بحث حجّية الإجماع بدخول قول المعصوم عليه‌السلام في المجمعين :

منها : قوله : فمتى اجتمعت الامّة على قول ، فلا بدّ من كونها حجّة لدخول الإمام عليه‌السلام في جملتها.

ومنها : قوله : فإنّ لاعتبارنا الإجماع فائدة معلومة ، وهي أن لا يتعيّن لنا قول الإمام عليه‌السلام في كثير من الأوقات ، فيحتاج حينئذ إلى اعتبار الإجماع ، ليعلم بإجماعهم أنّ قول المعصوم عليه‌السلام داخل فيهم ، وغيرهما من المواضع التي لا نحتاج إلى ذكرها تجنبا عن التطويل.

ومن هنا ادّعى مشاركته مع السيّد بعض وهو المحقّق القمي رحمه‌الله ، ولكن كلمات الشيخ رحمه‌الله الدالّة على انحصار طريقته في قاعدة اللطف تكون صريحة ، فنأخذ بها ونترك ، أو نلتزم بتأويل ما ليس كذلك ، فالنتيجة هي انحصار طريقته فيما ذكره المصنّف رحمه‌الله من قاعدة اللطف ، (لأنّ الموجود من الدليل كاف في إزاحة التكليف) ، أي : ما هو الموجود من الدليل المقطوع سندا من الكتاب أو السنّة بين الامة كاف في إتمام الحجّة ، وإزالة التكليف عن الإمام عليه‌السلام ؛ لأنّ تكليف الإمام عليه‌السلام هو إظهار الحق ، والمفروض وجوده بين الناس ، وإن لم

٣٥٠

ومتى لم يكن عليه دليل وجب عليه الظهور ، أو إظهار من يبيّن الحقّ في تلك المسألة ـ إلى أن قال ـ : وذكر المرتضى عليّ بن الحسين الموسويّ أخيرا أنّه يجوز أن يكون الحقّ عند الإمام عليه‌السلام ، والأقوال الأخر كلّها باطلة ، ولا يجب عليه الظهور ، لأنّا إذا كنّا نحن السبب في استتاره ، فكلّ ما يفوتنا من الانتفاع به وبما معه من الأحكام يكون قد فاتنا من قبل أنفسنا ، ولو أزلنا سبب الاستتار لظهر وانتفعنا به ، وأدّى إلينا الحقّ الذي كان عنده».

قال : «وهذا عندي غير صحيح ، لأنّه يؤدّي إلى أن لا يصحّ الاحتجاج بإجماع الطائفة أصلا ، لأنّا لا نعلم دخول الإمام عليه‌السلام ، فيها إلّا بالاعتبار الذي بيّناه ، ومتى جوّزنا انفراده بالقول وأنّه لا يجب ظهوره ، منع ذلك من الاحتجاج بالإجماع» ، انتهى كلامه.

ذكر في موضع آخر من العدّة : «إنّ هذه الطريقة ـ يعني طريقة السيّد المتقدمة ـ غير

____________________________________

يعلموا به ، فلا يجب عليه عليه‌السلام اظهاره.

(ومتى لم يكن عليه دليل وجب عليه الظهور ، أو إظهار من يبيّن الحقّ في تلك المسألة) فإذا لم يكن على الحق دليل وجب على الإمام عليه‌السلام الظهور بنفسه ليبيّن الحق ، أو إظهار من يبيّن الحق ، ولو كان ذلك بإلقاء الخلاف بين الامّة.

ثم ذكر قول السيّد المرتضى رحمه‌الله ، المنكر لقاعدة اللطف ، حيث قال : لا يجب بيان الحق من باب اللطف ، بل (يجوز أن يكون الحقّ) في الواقع مع الإمام عليه‌السلام (والأقوال الأخر كلّها باطلة).

ثم قال الشيخ رحمه‌الله ردا لما أفاده السيّد : (وهذا عندي غير صحيح) ، أي : عدم وجوب اللطف ـ الذي قال به السيّد ـ عندي غير صحيح (لأنّه يؤدّي إلى أن) لا يكون الإجماع حجّة ، ولا يكون الاستدلال بإجماع الطائفة صحيحا أصلا.

(لأنّا لا نعلم دخول الإمام عليه‌السلام فيها إلّا بالاعتبار الذي بيّناه) وهو أن لا يحصل لنا العلم بدخول الإمام عليه‌السلام في الطائفة الّا بالاعتبار الذي بيّناه ، وهو اللطف ، فالقطع بموافقة قوله عليه‌السلام لقولهم يحصل بقاعدة اللطف لا بكون الإمام عليه‌السلام داخلا فيهم بشخصه ، كما توهّمه السيّد ، وغيره من المتقدمين.

ثم قوله : (ومتى جوّزنا انفراده بالقول وأنّه لا يجب ظهوره ، منع ذلك من الاحتجاج بالإجماع) صريح في كون مبنى الإجماع عنده ، قاعدة اللطف.

٣٥١

مرضيّة عندي ، لأنّها تؤدي إلى أن لا يستدل بإجماع الطائفة أصلا ، لجواز أن يكون قول الإمام عليه‌السلام مخالفا لها ، ومع ذلك لا يجب عليه إظهار ما عنده» ، انتهى.

وأصرح من ذلك في انحصار طريق الإجماع ـ عند الشيخ ـ فيما ذكره من قاعدة اللطف ، ما حكي عن بعض أنّه حكاه عن كتاب التهذيب [التمهيد] للشيخ : «إنّ سيّدنا المرتضى قدس‌سره ، كان يذكر كثيرا أنّه لا يمتنع أن تكون هنا امور كثيرة غير واصلة إلينا علمها مودع عند الإمام عليه‌السلام وإن كتمها الناقلون ، ولا يلزم مع ذلك سقوط التكليف عن الخلق ـ إلى أن قال ـ : وقد اعترضنا على هذا في كتاب العدّة في اصول الفقه ، وقلنا : هذا الجواب صحيح لو لا ما نستدلّ في أكثر الأحكام على صحّته بإجماع الفرقة ، فمتى جوّزنا أن يكون قول

____________________________________

(وأصرح من ذلك في انحصار طريق الإجماع ـ عند الشيخ رحمه‌الله ـ فيما ذكره من قاعدة اللطف ، ما حكي عن بعض أنّه حكاه عن كتاب التهذيب [التمهيد] للشيخ قدس‌سره) وملخّص ما أفاده الشيخ قدس‌سره في التمهيد ، هو أنّه نقل قول السيد المرتضى قدس‌سره ، حيث أنكر وجوب اللطف ، بقوله :

(أنّه لا يمتنع أن تكون هنا امور كثيرة غير واصلة إلينا ـ إلى أن قال ـ : ولا يلزم مع ذلك) ، أي : من عدم وصول تلك الامور إلينا(سقوط التكليف عن الخلق).

وهذا الكلام من السيّد يكون صريحا في عدم وجوب اللطف لأنّ مقتضى قاعدة اللطف هو عدم جواز انفراد الإمام عليه‌السلام بالقول ؛ لئلّا يلزم كون جميع الامّة في خطأ وباطل ، بل يجب عليه عليه‌السلام الظهور ، أو إظهار الحق ولو بإلقاء الخلاف بينهم.

وصريح كلام السيّد قدس‌سره يكون في جواز انفراد الإمام عليه‌السلام بالقول ، ولا يجب عليه إظهار الحق لأنّه قد بيّن ما يحتاج إلى البيان ، ثم كتمه الناقلون للآثار والأخبار ، فيكون ما أفاده السيّد مستلزما لنفي وجوب اللطف.

ولهذا يعترض عليه الشيخ قدس‌سره بقوله : (وقد اعترضنا على هذا) ، أي : ما ذكره السيّد من عدم وجوب اللطف (وقلنا : هذا الجواب) عن وجوب اللطف (صحيح) ؛ لأنّ مقتضى القاعدة هو عدم وجوب اللطف كما في كلام السيد رحمه‌الله (لو لا ما نستدل في أكثر الأحكام على صحّته بإجماع الفرقة).

والشاهد من كلامه الذي يدل على انحصار طريق الإجماع عنده في قاعدة اللطف هو

٣٥٢

الإمام عليه‌السلام ، خلافا لقولهم ولا يجب ظهوره ، جاز لقائل أن يقول : ما أنكرتم أن يكون قول الإمام عليه‌السلام خارجا عن قول من تظاهر بالإمامة ، ومع هذا لا يجب عليه الظهور ، لأنّهم أتوا من قبل أنفسهم ، فلا يمكننا الاحتجاج باجماعهم أصلا» انتهى.

فانّ صريح هذا الكلام أنّ القادح في طريقة السيّد منحصر في استلزامها رفع التمسّك بالاجماع ، ولا قادح فيها سوى ذلك ، ولذا صرّح في كتاب الغيبة بأنّها قويّة تقتضيها الاصول. فلو كان لمعرفة الإجماع وجواز الاستدلال به طريق آخر غير قاعدة وجوب إظهار الحقّ عليه لم يبق ما يقدح في طريقة السيّد ، لاعتراف الشيخ بصحّتها ، لو لا كونها مانعة عن الاستدلال بالإجماع.

ثمّ إنّ الاستناد إلى هذا الوجه ظاهر من كلّ من اشترط في تحقّق الإجماع عدم مخالفة أحد من علماء العصر كفخر الدين والشهيد ، والمحقق الثاني ، قال في الإيضاح في مسألة ما يدخل في المبيع :

____________________________________

هذا الكلام ، لأنّ المستفاد من كلامه هذا هو صحة كلام السيّد في نفي وجوب اللطف لو لم يكن قادحا بالاستدلال بإجماع الفرقة الحقّة ، ولكنه لمّا كان قادحا للإجماع قلنا : بعدم صحة مقالة السيّد.

فيكون ردّ كلام السيّد والقدح فيه منحصرا في كونه مستلزما لرفع التمسّك بالإجماع ، فلو لم يكن طريق الشيخ قدس‌سره منحصرا في قاعدة اللطف (لم يبق ما يقدح في طريقة السيّد رحمه‌الله ، لاعتراف الشيخ قدس‌سره بصحّتها ، لو لا كونها مانعة عن الاستدلال بالإجماع).

(ثم إنّ الاستناد إلى هذا الوجه) ، أي : قاعدة اللطف (ظاهر من كلّ من اشترط في تحقّق الإجماع عدم مخالفة أحد من علماء العصر كفخر الدين والشهيد ... إلى آخره) لا يشترط عدم مخالفة أحد في الإجماع الدخولي ؛ لأنّ الملاك فيه دخول الإمام عليه‌السلام في المجمعين ، فيتحقّق باتّفاق جماعة قلّت أو كثرت إذا علم دخول الإمام عليه‌السلام فيهم ، فلا يضرّ بالإجماع مخالفة معلوم النسب.

وهكذا لا يشترط عدم المخالفة في الإجماع الحدسي لأنّه عبارة عن اتّفاق جماعة بحيث يستحيل خطأهم جميعا ، وعدم وصولهم إلى حكم الإمام عادة.

وأمّا الإجماع اللطفي ؛ فيشترط فيه عدم المخالفة ، إذ مع وجود المخالف ولو كان

٣٥٣

«إنّ من عادة المجتهد إذا تغيّر اجتهاده إلى التردّد أو الحكم بخلاف ما اختاره أوّلا ، لم يبطل ذكر الحكم الأوّل ، بل يذكر ما أدّى إليه اجتهاده ثانيا في موضع آخر ، لبيان عدم انعقاد إجماع أهل عصر الاجتهاد الأوّل على خلافه ، وعدم انعقاد إجماع أهل العصر الثاني على كلّ

____________________________________

معلوم النسب لا يجب اللطف ، لأنّ ملاك وجوب اللطف هو عدم وجود الحقّ بين الامّة ، فيجب على الإمام عليه‌السلام إظهاره ولو بإلقاء الخلاف بينهم.

ومع وجود المخالف يكون الحقّ موجودا ؛ أمّا في المجمعين أو مع المخالف فلا يجب اللطف ، إذ لا بدّ في الإجماع اللطفي من اتفاق جميع أهل العصر ، لينكشف من هذا الاتفاق موافقة الإمام عليه‌السلام لهم ، وإلّا يجب عليه عليه‌السلام إظهار الحقّ ، ولو بإلقاء الخلاف بينهم.

فكل من يشترط في الإجماع اتّفاق جميع العلماء في عصر يكون إجماعه مبنيّا على قاعدة اللطف ، ولا يعتني بهذا القسم من الإجماع.

(قال في الإيضاح في مسألة ما يدخل في المبيع :) ، كأبواب البيت وثياب العبد ، ومجاري المياه في المزارع (إنّ من عادة المجتهد إذا تغيّر اجتهاده إلى التردّد أو الحكم بخلاف ما اختاره أوّلا ، لم يبطل ذكر الحكم الأوّل ، بل يذكر ما أدّى إليه اجتهاده ثانيا في موضع آخر).

وتترتب على ذكر الاجتهادين فوائد ، لا بدّ من بيانها إجمالا ، قبل بيانها تفصيلا ، فنقول : إنّ الفائدة الاولى : هي عدم انعقاد إجماع أهل عصر اجتهاده الأول على خلافه.

والثانية : هي عدم انعقاد إجماع أهل عصر اجتهاده الثاني على طبق اجتهاده الأول ، ولا على طبق اجتهاده الثاني.

والثالثة : هي عدم حصول مبطل لاجتهاده الأول باجتهاده الثاني.

وأمّا بيانها تفصيلا فيحتاج إلى فروض ثلاث :

الأول : هو فرض مجتهد قد أدرك عصرين.

والثاني : نفرض أنّ العلماء في العصر السابق ذهبوا إلى وجوب صلاة الجمعة وهذا المجتهد ذهب إلى حرمتها.

والثالث : إنّ العلماء في العصر اللّاحق ذهبوا إلى حرمة الجمعة ، وتغيّر اجتهاد هذا الشخص من الحرمة إلى الوجوب ، فيكون مخالفا لمعاصريه في كلا العصرين.

فإذا عرفت هذه الفروض ، نقول : إنّه يترتب على ذكر اجتهاده الأول ـ وهو فتواه بحرمة

٣٥٤

واحد منهما ، وأنّه لم يحصل في الاجتهاد الثاني مبطل للأوّل ، بل معارض لدليله مساو له» انتهى.

وقد أكثر في الإيضاح من عدم الاعتبار بالخلاف لانقراض عصر المخالف ، وظاهره الانطباق على هذه الطريقة ، كما لا يخفى.

____________________________________

الجمعة ـ فائدة عدم انعقاد الإجماع على خلاف اجتهاده الأول ، أي : على خلاف الحرمة ؛ لأنّ فتواه بالحرمة في العصر السابق يكون مانعا عن الإجماع على الخلاف ، فعليه أن يذكر اجتهاده الأول ليكون دليلا على عدم انعقاد الإجماع ، من أهل العصر الأول ، على خلاف اجتهاده الأول. ثم يذكر اجتهاده الثاني في موضع آخر ليكون دليلا على عدم انعقاد الإجماع في العصر الثاني على طبق اجتهاده الأول ، وهو الحرمة ، ولا على طبق اجتهاده الثاني ، وهو وجوب الجمعة.

وأمّا عدم انعقاد الإجماع على طبق اجتهاده الأول ، وهو حرمة الجمعة ، فلأجل كون ذهاب معاصريه في السابق إلى الوجوب ، وهو مخالف للحرمة ، ثم عدم انعقاد الإجماع على طبق اجتهاده الثاني وهو الوجوب ، فلأجل ذهاب معاصريه في العصر اللّاحق إلى حرمة الجمعة ، وهو مخالف للوجوب ، فيترتّب على ذكر اجتهاديه ، أي : الأول والثاني ، عدم انعقاد الإجماع على طبق كلا الاجتهادين.

ثم لو لم يذكر اجتهاده الأول لتوهّم انعقاد الإجماع من أهل العصر السابق على وجوب الجمعة ، ويترتّب على ذكر اجتهاده الأول ـ أيضا ـ فائدة عدم حصول مبطل في الأول ، بل دليل اجتهاده الثاني كان معارضا لدليل اجتهاده الأول ، وكان دليل اجتهاده الثاني أرجح من دليل اجتهاده الأول ، فيكون وجها لعدوله من الأول إلى الثاني و (مساو له) ، أي : دليل اجتهاده الثاني كان مساويا لدليل الأول في كون كلاهما ظنيا ، فيكون وجها لتغيّر اجتهاده الأول إلى التردّد.

فما يظهر من كلام الفخر في الإيضاح هو : إنّ مخالفة واحد يكون مضرا في انعقاد الإجماع ، فيكون ما ذكره ظاهرا في كون الإجماع مبنيّا على قاعدة اللطف (وقد أكثر في الإيضاح من عدم الاعتبار بالخلاف لانقراض عصر المخالف) والمستفاد من ظاهر هذا الكلام ؛ إن خلاف الواحد يكون مانعا من تحقّق الإجماع ، فينطبق هذا الإجماع على

٣٥٥

وقال في الذكرى : «ظاهر العلماء المنع عن العمل بقول الميت ، محتجّين بأنّه لا قول للميّت ؛ ولهذا ينعقد الإجماع على خلافه ميّتا».

واستدل المحقّق الثاني في حاشية الشرائع : «على أنّه لا قول للميّت بالإجماع ، على أنّ خلاف الفقيه الواحد لسائر أهل عصره يمنع من انعقاد الإجماع اعتدادا بقوله واعتبارا بخلافه ، فإذا مات وانحصر أهل العصر في المخالفين له انعقد ، وصار قوله غير منظور إليه ولا يعتدّ به» انتهى.

وحكي عن بعض أنّه حكى عن المحقّق الداماد أنّه قدس‌سره ، قال في بعض كلام له ، في تفسير النعمة الباطنة : «إنّ من فوائد الإمام ـ عجّل الله فرجه ـ أن يكون مستندا لحجّية إجماع أهل الحلّ والعقد من العلماء على حكم من الأحكام ، إجماعا بسيطا في أحكامهم الإجماعيّة

____________________________________

الإجماع اللطفي.

ثم يذكر المصنّف قول الشهيد حيث (قال في الذكرى : ظاهر العلماء المنع عن العمل بقول الميت ، محتجّين بأنّه لا قول للميت ؛ ولهذا ينعقد الإجماع على خلافه ميّتا) ، ووجه عدم جواز العمل بقول الميت ؛ إنّه لا قول له أصلا ، والشاهد على ذلك أنّه لا ينعقد الإجماع على خلافه ما دام حيا ، فإذا مات ينعقد الإجماع على خلافه.

مثلا : إذا ذهب علماء عصر إلى وجوب الجمعة ، وأفتى واحد منهم على حرمتها ، فما دام حيّا لم ينعقد الإجماع على وجوب الجمعة ، وإذا مات يصير الوجوب إجماعيا فيكون هذا أقوى شاهد على عدم اعتبار قول الميت ، واستدل المحقّق بعين ما ذكرناه ، فلا حاجة لذكره.

وما يناسب المقام هو أنّ ظاهر كلام الشهيد والمحقّق في أنّ وجود مخالف واحد موجب لعدم انعقاد الإجماع ، هو كون هذا الإجماع منهما مبنيّا على طريقة اللطف.

(وحكي عن بعض أنّه حكى عن المحقّق الداماد أنّه قدس‌سره قال في بعض كلام له ، في تفسير النعمة الباطنة : إن من فوائد الامام ـ عجل الله فرجه ـ أن يكون مستندا لحجّية إجماع أهل الحلّ والعقد ... إلى آخره).

قال المحقّق الداماد : هذا الكلام في جواب الإشكال على وجود إمام العصر والزمان ـ عجّل الله فرجه الشريف ـ وبيان الإشكال : إنّ العقيدة بوجود الإمام عليه‌السلام وأنّه غائب عنّا

٣٥٦

وحجّية إجماعهم المركّب في أحكامهم الخلافيّة فإنّه ـ عجّل الله فرجه ـ لا ينفرد بقول ، بل من الرحمة الواجبة في الحكمة الإلهية أن يكون في المجتهدين المختلفين ـ في المسألة المختلف فيها ـ من علماء العصر من يوافق رأيه رأي إمام عصره وصاحب أمره ويطابق قوله قوله ، وإن لم يكن ممّن نعلمه بعينه ونعرفه بشخصه» انتهى.

وكأنّه لأجل مراعاة هذه الطريقة التجأ الشهيد في الذكرى إلى توجيه الإجماعات التي ادّعاها جماعة في المسائل الخلافيّة مع وجود المخالف فيها بإرادة غير المعنى الاصطلاحي من

____________________________________

ثم يظهر بإذن الله ويملأ الأرض عدلا بعد أن ملئت ظلما وجورا غير خال من الإشكال ، بل وجوده كذلك يكون عبثا وبلا فائدة ؛ لأنّ الله تعالى قادر على أن يخلق الإمام عليه‌السلام متى شاء وأراد أن يملأ الأرض قسطا وعدلا من دون حاجة إلى وجوده قبل ذلك.

فأجاب المحقّق الداماد عن هذا الإشكال بما حاصله : إنّ وجوده لا يخلو عن فائدة ، بل يترتب عليه فوائد ظاهرية وباطنية.

وأمّا الظاهرية فواضحة لا تحتاج إلى البيان لأنّا ننتفع من وجوده بجميع المزايا ، منها : أخذ الأحكام منه عليه‌السلام ، وأن يكون مستندا لحجّية الإجماع ، بأن يكون الإمام عليه‌السلام مدركا لإجماعهم إجماعا بسيطا كالإجماع على تنجّس الماء القليل بالملاقاة. وهكذا يكون مدركا لإجماعهم المركّب الحاصل في أحكامهم الخلافية ، كاختلافهم في ردّ المشتري الأمة الباكرة بعد الوطء ، حينما وجد فيها عيبا ، فقيل بعدم جواز الردّ مطلقا ، وقيل بجوازه مع الأرش. فيحصل من هذين القولين الإجماع على عدم جواز ردّها مجانا ، إلى أن قال :

(فإنّه ـ عجّل الله فرجه ـ لا ينفرد بقول) والشاهد في المقام هو هذا الكلام ؛ لأنّ عدم انفراد الإمام عليه‌السلام بالقول مبنيّ على طريقة اللطف ، إذ يجب عليه عليه‌السلام إظهار الحق. فالمستفاد من كلامه هذا ، أنه يكون قائلا بالإجماع اللطفي.

(وكأنّه لأجل مراعاة هذه الطريقة التجأ الشهيد في الذكرى إلى توجيه الإجماعات ... إلى آخره) وتوجيه الشهيد الإجماعات المدّعاة في المسائل الخلافية بأنّ المراد منها غير المعنى الاصطلاحي ، لعلّه يكون لرعاية طريقة اللطف ؛ لأنّ الإجماع الدخولي أو الحدسي لم يكن مشروطا بعدم الخلاف.

فلمّا كان الإجماع عنده مبنيّا على قاعدة اللطف ، وجّه هذه الإجماعات بأنّ المراد منها ؛

٣٥٧

الوجوه التي حكاها عنه في المعالم ، ولو جامع الإجماع وجود الخلاف ولو من معلوم النسب لم يكن داع إلى التوجيهات المذكورة مع بعدها أو أكثرها.

الثالث من طرق انكشاف قول الإمام عليه‌السلام لمدّعي الإجماع : الحدس ، وهذا على وجهين :

أحدهما : أن يحصل له ذلك من طريق لو علمنا به ما خطّأناه في استكشافه ، وهذا على وجهين :

أحدهما : أن يحصل له الحدس الضروري من مبادئ محسوسة ، بحيث يكون الخطأ فيه من قبيل الخطأ في الحسّ ، فيكون بحيث لو حصلت لنا تلك الأخبار لحصل لنا العلم كما حصل له.

____________________________________

إمّا الشهرة ، وإمّا تأويل قول المخالف على وجه يمكن الجمع بينه وبين قول المجمعين ، أو القول بعدم ظفر ناقل الإجماع بوجود المخالف ، أو انقراض عصر المخالف.

(ولو جامع الإجماع وجود) المخالف (لم يكن) للشهيد(داع إلى التوجيهات المذكورة مع بعدها) ، أي : التوجيهات المذكورة ، فإنّ إرادة الشهرة من الإجماع بعيدة ، وكذا التأويل بالجمع بين قول المخالف والمجمعين بعيد جدا ، وهكذا الباقي.

(الثالث من طرق انكشاف قول الإمام عليه‌السلام لمدّعي الإجماع : الحدس ، وهذا على وجهين : أحدهما : أن يحصل له الحدس الضروري ... إلى آخره).

والمراد من الحدس الضروري أن يتحدّس ناقل الإجماع بقول الإمام عليه‌السلام من مبادئ محسوسة ، بحيث لو حصلت لغيره لتحدّس منها بقول الإمام عليه‌السلام ، ويحصل له العلم بمقالة المعصوم عليه‌السلام ، كما حصل لناقل الإجماع.

وذلك بأن يحدس الناقل من تتبع فتاوى العلماء في جميع الأمصار ، فيحصل له العلم بقول المعصوم عليه‌السلام ، من وجدان توافق فتاوى جميع أهل الفتوى في مسألة من المسائل مع شدّة اختلافهم في أكثر المسائل.

ثمّ هذا الاطّلاع الحسّي لتلك الفتاوى يكون سببا لحصول العلم بمقالة الإمام عليه‌السلام لكلّ أحد ، ولا يعتنى باحتمال الخطأ في هذا الحدس ، كما لا يعتنى باحتمال الخطأ في الحسّ ، فيكون بمنزلة الحسّ ، ونقل قول الإمام عليه‌السلام من ناقل الإجماع يكون بمنزلة النقل الحسّي ، فتشمله أدلة الأخبار وليس الكلام فيه ، وإنّما الكلام في تحقّق هذا القسم من الحدس ،

٣٥٨

ثانيهما : أن يحصل الحدس له من إخبار جماعة اتّفق له العلم بعدم اجتماعهم على الخطأ ، لكن ليس إخبارهم ملزوما عادة للمطابقة لقول الإمام عليه‌السلام ، بحيث لو حصل لنا علمنا بالمطابقة أيضا.

الثاني : أن يحصل ذلك من مقدّمات نظريّة واجتهادات كثيرة الخطأ ، بل علمنا بخطإ بعضها في موارد كثيرة من نقلة الإجماع ، علمنا ذلك منهم بتصريحاتهم في موارد ، واستظهرنا ذلك منهم في موارد أخر ، وسيجيء جملة منها.

إذا عرفت أنّ مستند خبر المخبر بالإجماع المتضمّن للإخبار من الإمام عليه‌السلام ، لا يخلو من الامور الثلاثة المتقدّمة ـ وهي : السماع عن الإمام مع عدم معرفته بعينه ، واستكشاف

____________________________________

كما يأتي في كلام المصنّف قدس‌سره.

(ثانيهما : أن يحصل الحدس له من إخبار جماعة) كعشرين أو ثلاثين ، اتفق لناقل الإجماع العلم بعدم خطئهم ، ولكن لا ملازمة بين إخبارهم وبين قول الإمام عليه‌السلام ، حتى يحصل العلم بقول الإمام عليه‌السلام من إخبارهم لكل أحد حصلت له هذه الأخبار.

(الثاني : أن يحصل ذلك من مقدّمات نظرية واجتهادات كثيرة الخطأ) هذا القسم الثاني في مقابل القسم الأول ، المنقسم إلى القسمين ، وهو أن يكون الحدس بقول الإمام عليه‌السلام فيه من مبادئ حدسية ، كما كان في القسم الأول من مبادئ محسوسة ، بأن يكون نفس الاتفاق ـ أيضا ـ حدسيا ، كأن يحدس ناقل الإجماع من اتّفاق معروفين من الفقهاء اتّفاق غير معروفين منهم ، كنقل الإجماع في وجوب الفور في قضاء الفوائت ، فيدّعي ناقل الإجماع بأنّ وجوب الفور إجماعي ؛ لأنّ القمّيين كلّهم يقولون بالفور. وذكر الشيخان الأخبار الدالّة على الفور في كتبهما ، فهما ـ أيضا ـ قائلان به ، فيكون الحكم بوجوب الفور إجماعيا. وهذا الإجماع يكون حدسيا ؛ لأنّ ذكر الأخبار الدالّة على الفور والمضايقة لا يكون دليلا على عمل من ذكرها بها ، حتى يكون قوله موافقا للآخرين ليتحقّق الإجماع في المسألة.

(إذا عرفت أنّ مستند خبر المخبر بالإجماع المتضمّن للإخبار من الإمام عليه‌السلام ، لا يخلو من الامور الثلاثة المتقدمة) قد تحصّل ممّا ذكر أنّ طرق استكشاف قول الإمام عليه‌السلام ، لمدّعي الإجماع ثلاثة :

الأول : دخول الإمام عليه‌السلام في المجمعين ، فقد سمع الناقل الحكم من قول الإمام عليه‌السلام ،

٣٥٩

قوله من قاعدة اللطف ، وحصول العلم من الحدس ـ وظهر لك أنّ الأول هنا غير متحقّق عادة لأحد من علمائنا المدّعين للإجماع ، وأنّ الثاني ليس طريقا للعلم فلا تسمع دعوى من استند إليه ، فلم يبق ممّا يصلح أن يكون المستند في الإجماعات المتداولة على ألسنة ناقليها إلّا الحدس.

وعرفت أنّ الحدس قد يستند إلى مبادئ محسوسة ملزومة عادة لمطابقة قول الإمام عليه‌السلام ، نظير العلم الحاصل من الحواسّ الظاهرة ، ونظير الحدس الحاصل لمن أخبر بالعدالة والشجاعة لمشاهدته آثارهما المحسوسة الموجبة للانتقال إليهما بحكم العادة ، أو إلى مبادئ محسوسة موجبة لعلم المدّعي بمطابقة قول الإمام عليه‌السلام ، من دون ملازمة عادية ، وقد يستند إلى اجتهادات وأنظار.

وحيث لا دليل على قبول خبر العادل المستند إلى القسم الأخير من الحدس ، بل ولا المستند إلى الوجه الثاني ، ولم يكن هناك ما يعلم به كون الإخبار مستندا إلى القسم الأوّل من الحدس وجب التوقّف في العمل بنقل الإجماع ، كسائر الأخبار المعلوم استنادها إلى الحدس المردّد بين الوجوه المذكورة.

____________________________________

ولكن لا يعلمه بعينه.

والثاني : قاعدة اللطف.

والثالث : هو الحدس.

ثمّ الحدس على أقسام قد تقدّم ذكرها ، فإذا كان الإجماع مبتنيا على القسم الأول وهو الدخول ، يكون حجّة من دون شك ، ولكن هذا الطريق غير متحقّق في زمان غيبة الإمام عليه‌السلام. والطريق الثاني يكون باطلا كما تقدم إجمالا. فلا يبقى إلّا الطريق الثالث ، وهو على ثلاثة أقسام ، فإذا كان الإجماع مبنيا على القسم الأول منها فيكون حجّة ، وإذا كان مبنيا على القسمين الأخيرين لم يكن حجّة.

فإذن يكون الطريق الثالث مردّدا بين ما هو الصحيح وغير الصحيح ، ولا يعتنى بالإجماع المبتني على ما هو المشكوك صحة ، بل مقتضى القاعدة في مورد الشك هو عدم الحجّية ، فلا بدّ من التوقف عند الشك كما أشار إليه المصنّف رحمه‌الله بقوله :

(وجب التوقّف في العمل بنقل الإجماع) ثم النسبة بين الإجماع الحدسي المبني على

٣٦٠