دروس في الرسائل - ج ١

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في الرسائل - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: ياران
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٦٧

اعتبار صفة في الراوي ، أو غير ذلك من التفصيلات في الأخبار ، والمقصود هنا بيان إثبات حجّيته بالخصوص في الجملة في مقابل السلب الكليّ ، ولنذكر ـ أولا ـ ما يمكن أن يحتجّ به القائلون بالمنع ، ثم نعقّبه بذكر أدلّة الجواز ، فنقول :

____________________________________

هو عمل الأصحاب صحيحا كان أو غير صحيح ، أو عدالة الراوي أو وثاقته ، أو مجرد الظن بصدور الرواية ...؟

(أو غير ذلك من التفصيلات) ، كالتفصيل بين ما حصل منه الظن الاطمئناني وبين غيره.

(والمقصود هنا بيان إثبات حجّيته بالخصوص في الجملة) ؛ لأنّ المقصود في باب خبر الواحد هو إثبات حجّيته بالخصوص على نحو الموجبة الجزئية في مقابل سلب الحجّية مطلقا ، فليس المقصود التعرض للاختلافات ثمّ بيان أدلتها وأجوبتها.

(ولنذكر ـ أولا ـ ما يمكن أن يحتج به القائلون بالمنع ، ثم نعقّبه بذكر أدلّة الجواز)

ويتضح ما ذكره المصنّف رحمه‌الله من تقديمه قول النافي على قول المثبت ببيان ما يمكن أن يكون وجها للتقديم المذكور وهو أمران :

الأول : إنّ المنع يكون مطابقا لأصالة حرمة العمل بالظن.

الثاني : لقلّة مباحث المنع حيث لا تتجاوز عن الصفحات القليلة ، هذا بخلاف مباحث الجواز حيث تتجاوز عن مائة صفحة.

* * *

٤٤١

أدلّة المانعين

أمّا حجّة المانعين ، فالأدلّة الثلاثة :

أمّا الكتاب : فالآيات الناهية عن العمل بما وراء العلم والتعليل المذكور في آية النبأ على ما ذكره أمين الاسلام من أنّ فيها دلالة على عدم جواز العمل بخبر الواحد.

وأمّا السنّة : فهي أخبار كثيرة تدلّ على المنع من العمل بالخبر غير المعلوم الصدور إلّا إذا احتفّ بقرينة معتبرة من كتاب أو سنّة معلومة ، مثل ما رواه في البحار عن بصائر

____________________________________

(أمّا الكتاب : فالآيات الناهية عن العمل بما وراء العلم) ، كقوله تعالى : (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ)(١) ، وقوله تعالى : (إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً)(٢) ، وغيرهما من الآيات الدالة على ذمّ من يعتمد على الظن ، فإنّها تمنع عن العمل بخبر الواحد ؛ لأنّه من مصاديق غير العلم ، وممّا يوجب الظن ، فلا يغني من الحقّ شيئا.

(والتعليل المذكور في آية النبأ على ما ذكره أمين الاسلام من أنّ فيها دلالة على عدم جواز العمل بخبر الواحد).

قال الشيخ الطبرسي رحمه‌الله : إنّ في آية النبأ دلالة على عدم جواز العمل بخبر الواحد نظرا إلى وجود احتمال الندم في خبر العادل أيضا ، وذلك فإنّ صدر الآية ، وهو قوله تعالى : (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا)(٣) وإن كان دالا على وجوب التبيّن في خبر الفاسق فقط دون العادل إلّا أنّ التعليل ، وهو قوله تعالى : (أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ)(٤) يشمل خبر العادل أيضا ، فيدل على وجوب التبيّن والتوقف حتى في خبر العادل إذ فيه احتمال الوقوع في الندم من جهة الخطأ والنسيان والغفلة ، غاية الأمر احتمال الوقوع في الندم في خبر الفاسق يكون أقوى منه في خبر العادل.

(وأمّا السنّة : فهي أخبار كثيرة) تنقسم باعتبار اختلافها في المضامين إلى طوائف :

__________________

(١) الإسراء : ٣٦.

(٢) النجم : ٢٨.

(٣) الحجرات : ٦.

(٤) الحجرات : ٦.

٤٤٢

الدرجات ، عن محمّد بن عيسى ، قال : أقرأني داود بن فرقد الفارسيّ كتابه إلى أبي الحسن الثالث عليه‌السلام وجوابه عليه‌السلام بخطّه ، فكتب : نسألك عن العلم المنقول عن آبائك وأجدادك ، صلوات الله عليهم أجمعين ، قد اختلفوا علينا فيه ، فكيف العمل به على اختلافه؟ فكتب عليه‌السلام بخطّه : (ما علمتم أنّه قولنا فالزموه ، وما لم تعلموه فردّوه إلينا) (١). ومثله عن مستطرفات السرائر (٢).

والأخبار الدالّة على عدم جواز العمل بالخبر المأثور إلّا إذا وجد له شاهد من كتاب الله أو من السنّة المعلومة ، فتدلّ على المنع عن العمل بالخبر الواحد المجرّد عن القرينة ، مثل ما ورد في غير واحد من الأخبار أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : (ما جاءكم عنّي ممّا لا يوافق القرآن فلم أقله) (٣).

وقول أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام : (لا يصدّق علينا إلّا ما يوافق كتاب الله وسنّة نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٤).

وقوله عليه‌السلام : (إذا جاءكم حديث عنّا فوجدتم عليه شاهدا أو شاهدين من كتاب الله فخذوا به ، وإلّا فقفوا عنده ، ثمّ ردّوه إلينا حتى نبيّن لكم) (٥).

____________________________________

منها : ما يدلّ على لزوم أخذ ما علم أنّه من المعصومين عليهم‌السلام ، وردّ ما لم يعلم أنّه منهم إليهم كرواية داود بن فرقد.

ومنها : ما يدلّ على ردّ ما لم يوجد له شاهد ، أو شاهدان من كتاب الله تعالى ومن السنّة المعلومة ، كقول الإمام الصادق عليه‌السلام : (إذا جاءكم حديث عنّا ، فوجدتم عليه شاهدا أو شاهدين من كتاب الله تعالى فخذوا به ، وإلّا فقفوا عنده ، ثمّ ردّوه إلينا حتى نبيّن لكم).

ومنها : ما يدلّ على ردّ ما لم يكن موافقا لكتاب الله تعالى كقول الإمام عليه‌السلام : (وكلّ حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف).

__________________

(١) البحار ٢ : ٢٤١ / ٢٣. بصائر الدرجات : ٥٢٤ / ٢٦.

(٢) السرائر ٣ : ٥٨٤. الوسائل ٢٧ : ١٢٠ أبواب صفات القاضي ، ب ٩ ، ح ٣٦.

(٣) تفسير العياشي ١ : ٦٩ / ١ ، وفيه : (ما جاءكم عنّي لا يوافق القرآن فلم أقله).

(٤) تفسير العياشي ١ : ٢٠ / ٦ ، وفيه : (بما يوافق) مكان (ما يوافق).

(٥) الكافي ٢ : ٢٢٢ / ٤ ، وفيه : (حتى يستبين لكم) مكان (حتى نبيّن لكم).

٤٤٣

ورواية ابن أبي يعفور قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن اختلاف الحديث ، يرويه من نثق به ومن لا نثق به؟ قال : (إذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهدا من كتاب الله أو من قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله [فخذوا به] ، وإلّا فالذي جاءكم به اولى به) (١).

وقوله عليه‌السلام لمحمّد بن مسلم : (ما جاءك من رواية من برّ أو فاجر يوافق كتاب الله فخذ به ، وما جاءك من رواية برّ أو فاجر خالف كتاب الله فلا تأخذ به) (٢). وقوله عليه‌السلام : (ما جاءكم من حديث لا يصدّقه كتاب الله فهو باطل) (٣).

وقول أبي جعفر عليه‌السلام : (ما جاءكم عنّا فإن وجدتموه موافقا للقرآن فخذوا به ، وإن لم تجدوه موافقا فردّوه ، وإن اشتبه الأمر عندكم فقفوا عنده وردّوه إلينا حتّى نشرح من ذلك ما شرح لنا) (٤).

وقول الصادق عليه‌السلام : (كلّ شيء مردود إلى كتاب الله والسنّة ، وكلّ حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف) (٥).

وصحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (لا تقبلوا علينا حديثا إلّا ما وافق الكتاب والسنّة أو تجدون معه شاهدا من أحاديثنا المتقدّمة ، فانّ المغيرة بن سعيد ـ لعنه الله ـ دسّ في كتب أصحاب أبي أحاديث لم يحدّث بها أبي ، فاتّقوا الله ولا تقبلوا علينا ما خالف قول ربّنا وسنّة نبيّنا) (٦).

____________________________________

ومنها : ما يدلّ على ردّ ما خالف كتاب الله كقول الإمام عليه‌السلام : (ولا تقبلوا علينا ما خالف قول ربّنا ، وسنة نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله).

فهذه الروايات مع اختلاف مضامينها تدلّ على منع العمل بأخبار الآحاد لأنّها ؛ إمّا

__________________

(١) الكافي ١ : ٦٩ / ٢. المحاسن ١ : ٣٥٣ / ٤٤٧ ، الوسائل ٢٧ : ١١٠ ، أبواب صفات القاضي ، ب ٩ ، ح ١١.

(٢) تفسير العياشي ١ : ٢٠ / ٣ ، نقله باختلاف يسير.

(٣) تفسير العياشي ١ : ٢٠ / ٥ ، وفيه : (ما أتاكم) مكان (ما جاءكم).

(٤) أمالي الطوسي : ٢٣٢ / ٤١٠ ، وفيه : (عليكم) مكان (عندكم).

(٥) الكافي ١ : ٦٩ / ٣. الوسائل ٢٧ : ١١١ ، أبواب صفات القاضي ب ٩ ، ح ١٤ ، وفيهما : (إلى الكتاب والسنّة) مكان (كتاب الله والسنّة).

(٦) رجال الكشي ٢ : ٤٨٩ / ٤٠١ ، وفيه : (إلّا ما وافق القرآن والسنّة) مكان) ما وافق الكتاب والسنّة).

٤٤٤

والأخبار الواردة في طرح الأخبار المخالفة للكتاب والسنّة ـ ولو مع عدم المعارض ـ متواترة جدّا.

وجه الاستدلال بها : إنّ من الواضحات أنّ الأخبار الواردة عنهم صلوات الله عليهم ، في مخالفة ظواهر الكتاب والسنّة في غاية الكثرة ، والمراد من المخالفة للكتاب في تلك الأخبار الناهية عن الأخذ بمخالفة الكتاب والسنّة ليست هي المخالفة على وجه التباين الكلّيّ بحيث يتعذّر أو يتعسّر الجمع ، إذ لا يصدر من الكذّابين عليهم ما يباين الكتاب والسنّة كلّيّة ، إذ لا يصدّقهم أحد في ذلك ، فما كان يصدر عن الكذّابين من الكذب لم يكن إلّا نظير ما كان يرد من الأئمّة صلوات الله عليهم ، في مخالفة ظواهر الكتاب والسنّة.

____________________________________

تكون ممّا لم يعلم أنّه منهم عليهم‌السلام ، أو ممّا لا شاهد له من الكتاب والسنّة ، وإلّا لما احتجنا إلى التمسّك به ، بل أخذنا بهما ، أو ممّا خالف كتاب الله تعالى ، فيكون زخرفا. ثمّ الأخبار الواردة في طرح الأخبار المخالفة للكتاب والسنّة كثيرة ومتواترة.

قوله : (وجه الاستدلال بها ... إلى آخره) دفع لما يتوهّم من أنّ محلّ النزاع هو خبر الواحد ، أي : ما لم يعلم صدوره عن المعصوم عليه‌السلام ، فحينئذ ينحصر ما يدلّ على ردّ خبر الواحد بالخبر الأول ؛ لأنّه صريح في ردّ ما لم يعلم أنّه منهم عليهم‌السلام.

وأمّا الأخبار الدالة على طرح الأخبار المخالفة للكتاب والسنة فهي أجنبية عن المقام ؛ لأنّها لا تدلّ على طرح ما لم يعلم صدوره عن المعصوم عليه‌السلام من أخبار الآحاد ، بل تدل على طرح ما يخالف الكتاب ، فلا ربط لها بالمقام أصلا.

هذا غاية ما يقال في تقريب التوهّم ، وحاصل الدفع لهذا التوهم يتضح بعد بيان أمرين :

الأمر الأول : إنّ الأخبار المخالفة للكتاب والسنّة على وجه العموم المطلق ، أو العموم من وجه ، قد صدرت من المعصوم عليه‌السلام قطعا ، بل تكون في غاية الكثرة.

الأمر الثاني : إنّ المراد بالمخالفة للكتاب في الأخبار الناهية ليس ما يخالف الكتاب على نحو التباين الكلّي ؛ لأنّ المخالفة للكتاب على وجه التباين الكلّي كما لا تصدر عن المعصوم عليه‌السلام لم تجعل من الكذّابين والدسّاسين ، فإنّهم يعلمون بأنّ الخبر المخالف بالتباين الكلّي لا يقبل منهم لوضوح كذبه ، فلا يضعون إلّا نظير ما يصدر من المعصوم عليه‌السلام من المخالف على وجه العموم المطلق أو من وجه.

٤٤٥

فليس المقصود من عرض ما يرد من الحديث على الكتاب والسنّة إلّا عرض ما كان منها غير معلوم الصدور عنهم ، وإنّه إن وجد له قرينة وشاهد معتمد فهو ، وإلّا فليتوقّف فيه ، لعدم إفادته العلم بنفسه وعدم اعتضاده بقرينة معتبرة.

ثمّ إنّ عدم ذكر الإجماع ودليل العقل من جملة قرائن الخبر في هذه الروايات ، كما فعله

____________________________________

إذا عرفت هذين الأمرين يتضح لك أنّ الغرض من هذه الأخبار المعروفة بأخبار العرض على الكتاب هو تمييز الأخبار المجعولة الشبيهة بأخبار الأئمة عليهم‌السلام من بين الأخبار التي لم يعلم صدورها عنهم عليهم‌السلام.

فالمراد من طرح هذه الأخبار ليس من جهة أنّها مخالفة للكتاب ؛ لأنّ الأخبار المخالفة له في غاية الكثرة ، بل لكونها غير معلومة الصدور.

والشاهد على ذلك هو العناوين المذكورة فيها ، حيث حكم الإمام عليه‌السلام بردّ أو طرح ، أو عدم قبول ما يكون مخالفا للكتاب أو لا يكون موافقا ، وبلزوم أخذ ما يكون موافقا له ، أو يكون ممّا يعلم صدوره عن المعصوم عليه‌السلام ، فهذه العناوين تناسب عدم صدور ما خالف ، وصدور ما وافقه مثلا.

فبيّن الإمام عليه‌السلام للسائل ميزان تشخيص ما هو الصادر عنه ، وما هو لم يصدر عنه ، فيكون مجعولا جعله الكذّابون.

فهذه الأخبار لم تكن أجنبية عن المقام كما أشار إليه المصنّف رحمه‌الله بقوله : (فليس المقصود من عرض ما يرد من الحديث على الكتاب والسنّة إلّا عرض ما كان منها غير معلوم الصدور عنهم).

ثمّ إنّ المراد من الطرح هو طرح غير معلوم الصدور منها إذا لم يكن على صدقه ، وصدوره شاهد وقرينة من الكتاب ، لا طرح مطلق المخالف للكتاب وإن كان معلوم الصدور ، وإلّا يلزم انحصار الحجّة والدليل في الكتاب ، ويلزم عدم حجّية الخبر أصلا ، وذلك أنّ الخبر إن كان مخالفا للكتاب فلا يكون حجّة لدلالة هذه الأخبار على المنع ، وإن كان موافقا له كان العمل ـ حينئذ ـ بالكتاب حقيقة لا به ، فيكون المراد بهذه الأخبار ردّ الأخبار المكذوبة كما يظهر من تعليل العرض في بعض الأخبار بوجود الأخبار المكذوبة في أخبار الإمامية.

قوله (ثمّ إنّ عدم ذكر الإجماع ودليل العقل من جملة قرائن الخبر ... إلى آخره) ، دفع

٤٤٦

الشيخ في العدّة ؛ لأنّ مرجعهما إلى الكتاب والسنّة ، كما يظهر بالتأمّل ، ويشير إلى ما ذكرنا ، من أنّ المقصود من عرض الخبر على الكتاب والسنّة هو في غير معلوم الصدور ، تعليل العرض في بعض الأخبار بوجود الأخبار المكذوبة في أخبار الإماميّة.

وأمّا الإجماع فقد ادّعاه السيّد المرتضى قدس‌سره في مواضع من كلامه ، وجعله في بعضها بمنزلة القياس في كون ترك العمل به معروفا من مذهب الشيعة.

وقد اعترف بذلك الشيخ على ما يأتي في كلامه ، إلّا أنّه أوّل معقد الإجماع بإرادة الأخبار التي يرويها المخالفون.

وهو ظاهر المحكيّ عن الطبرسيّ في مجمع البيان ، قال : «لا يجوز العمل بالظنّ عند الإماميّة إلّا في شهادة العدلين وقيم المتلفات واروش الجنايات» انتهى.

____________________________________

للسؤال والإشكال وهو أنّ القرينة على صدق الخبر لم تكن منحصرة على موافقته للكتاب والسنّة ، بل موافقته للإجماع والعقل ـ أيضا ـ قرينة على الصدق والصدور.

فيكون المراد من الخبر المحفوف بالقرينة هو الخبر الموافق للكتاب أو السنّة أو الإجماع أو العقل ، كما ذكره الشيخ الطوسي قدس‌سره في كتاب العدّة ، فالاكتفاء بذكر الكتاب والسنّة غير صحيح.

وحاصل الدفع والجواب : إنّ ذكر الكتاب والسنّة يغني عن ذكرهما ؛ لأنّ مرجع الإجماع والعقل إلى الكتاب والسنّة ، وأمّا رجوع الإجماع إلى السنّة فواضح ؛ لأنّ المناط في حجّيته هو دخول قول الإمام عليه‌السلام في أقوال المجمعين ، وأمّا رجوع العقل إليهما فهو من جهة الملازمة بين حكمه وحكم الشرع ، كما هو المعروف بينهم ، حيث قيل : كلّ ما حكم به العقل حكم به الشرع ، فحينئذ إذا وافق الخبر الكتاب وافق العقل من باب الملازمة.

(وأمّا الإجماع فقد ادّعاه السيّد المرتضى قدس‌سره في مواضع من كلامه ... الخ) ، حيث قال على ما حكي عنه : «إنّ أصحابنا لا يعملون بخبر الواحد ـ إلى أن قال ـ : إنّ علماء الشيعة الإمامية يذهبون إلى أنّ أخبار الآحاد لا يجوز العمل بها في الشريعة ، ولا التعويل عليها ، وأنها ليست بحجّة» ، بل جعل العمل بخبر الواحد بمنزلة العمل بالقياس حيث يكون ترك العمل به معروفا من مذهب الإمامية.

(وهو ظاهر المحكي عن الطبرسي في مجمع البيان ، قال : لا يجوز العمل بالظنّ عند

٤٤٧

والجواب : أمّا عن الآيات فبأنّها ـ بعد تسليم دلالتها ـ عمومات مخصّصة بما سيجيء من الأدلّة.

____________________________________

الإمامية) والإجماع على عدم جواز العمل بخبر الواحد ظاهر عن الطبرسي في مجمع البيان حيث قال : لا يجوز العمل بالظنّ عند الإمامية ، فإنّ ظاهر هذا الكلام منه يشمل خبر الواحد.

(والجواب : أمّا عن الآيات فبأنها ـ بعد تسليم دلالتها ـ عمومات مخصّصة بما سيجيء من الأدلة) ، أي : ويمكن الجواب عن الآيات الناهية عن العمل بغير العلم بوجوه :

الوجه الأول : إنّها لا تدل على منع العمل بأخبار الآحاد في الفروع ، بل إنّها تدل على المنع عن العمل بغير العلم في اصول الدين ، ثم لو سلّمنا دلالتها على المنع مطلقا كانت أدلة حجّية الثقة متقدمة عليها ، أمّا بالحكومة أو بالتخصيص.

والوجه الثاني : هو تقديم أدلة حجّية خبر الثقة على الآيات من باب الحكومة ، وذلك لأنّ مفادها هو جعل خبر الثقة علما تعبّديا بتتميم الكشف والطريقيّة ، فيكون خبر الثقة خارجا عن الآيات الناهية عن العمل بغير العلم موضوعا ويكون تقديم أدلة الحجّية عليها من باب الحكومة.

الوجه الثالث : هو تخصيص الآيات بأدلّة حجّية خبر الثقة على فرض عدم اعتبار الشارع الأمارة علما تعبّديا ، وذلك فإنّ النسبة بينها وبين الآيات هي العموم المطلق ، إذ مفاد الآيات هو عدم حجّية غير العلم مطلقا ، أي : سواء كان خبر الثقة أو غيره ، وكان في اصول الدين ، أو في غيره.

ومفاد أدلّة الحجّية هو حجّية خبر الثقة في الفروع فتكون أدلّة الحجّية أخصّ منها ، وحينئذ يكون تقديمها عليها من باب التخصيص ، فيكون خبر الثقة خارجا عن الآيات حكما ، ويكون المراد منها غير خبر الثقة من سائر الظنون.

هذا تمام الكلام في الجواب عن الآيات الناهية ، ولكن هذا من المصنّف رحمه‌الله ينافي ما تقدّم منه في تأسيس الأصل من حرمة العمل بغير العلم بالأدلة الأربعة.

ومنها : الآيات ، حيث قال : إنّ الآيات تدل على حرمة العمل بالظنّ ، ثمّ يقول في المقام : أمّا الآيات فلا نسلّم دلالتها على المنع عن العمل بغير العلم.

٤٤٨

وأمّا [الجواب] عن الأخبار : فعن الرواية الأولى فبأنّها خبر واحد لا يجوز الاستدلال بها على المنع عن الخبر الواحد.

وأمّا أخبار العرض على الكتاب فهي وإن كانت متواترة بالمعنى إلّا أنّها بين

____________________________________

(وأمّا [الجواب] عن الأخبار) فهي طوائف على ما تقدّم.

أمّا الجواب عن الطائفة الاولى الدالّة على المدّعى صريحا فإنّها خبر الواحد أيضا ، ولا يجوز الاستدلال بها على المنع ؛ لأنّه مصادرة بالمطلوب ، هذا أولا.

وثانيا : إنّ الاستدلال بها على عدم حجّية خبر الواحد يستلزم عدم حجّية نفسها فيلزم من وجودها عدمها ، وما يلزم من وجوده عدمه يكون محالا ، فالاستدلال بها ممتنع ومحال.

وثالثا : إنّ الاستدلال بها مستلزم للدور الباطل ، وذلك أنّ الاستدلال بها على عدم حجّية خبر الواحد موقوف على حجّية نفسها وإلّا لم يكن التمسّك بها لإثبات عدم حجّية خبر الواحد ثم حجّية هذه الروايات موقوفة على حجّية مطلق خبر الواحد ، ومنه هذه الروايات ؛ فحجّيتها موقوفة على حجّية نفسها ، وهذا هو الدور.

(وأمّا أخبار العرض على الكتاب فهي وإن كانت متواترة بالمعنى) فلا يرد عليها ما ورد على الطائفة الاولى من المحاذير المتقدمة لكونها متواترة ، ثمّ ما ذكره المصنّف رحمه‌الله من كونها متواترة بالمعنى يتّضح بعد بيان أقسام التواتر وهي ثلاثة :

الأول : هو التواتر اللفظي ، وهو عبارة عن إخبار جماعة بلفظ واحد عن واقعة واحدة بحيث يوجب حصول العلم بتلك الواقعة.

والثاني : هو التواتر المعنوي ، وهو عبارة عن إخبار جماعة بألفاظ مختلفة مع اشتمال كلّ منها على معنى مشترك بينها.

والثالث : هو التواتر الإجمالي ، وهو العلم إجمالا بصدور جملة من الأخبار مع اختلافها عموما وخصوصا.

إذا عرفت هذه الأقسام الثلاثة تعرف أنّ هذه الاخبار وإن لم تكن متواترة بالمعنى الأول لاختلافها لفظا ومعنى ، ولكنها تكون متواترة بالمعنى الثالث قطعا ، إن لم تكن بالمعنى الثاني ، فلا يرد عليها ما تقدّم في الطائفة الاولى.

٤٤٩

طائفتين : إحداهما : ما دلّ على طرح الخبر الذي يخالف الكتاب ، والثانية : ما دلّ على طرح الخبر الذي لا يوافق الكتاب.

أمّا الطائفة الاولى فلا تدلّ على المنع عن الخبر الذي لا يوجد مضمونه في الكتاب والسنّة.

فإن قلت : ما من واقعة إلّا ويمكن استفادة حكمها من عمومات الكتاب المقتصر في تخصيصها على السنّة القطعيّة ، مثل قوله تعالى : (خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً)(١) ، وقوله تعالى : (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ ...) إلى آخره) (٢) ، و (فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ

____________________________________

(إلّا أنّها بين طائفتين : إحداهما : ما دلّ على طرح الخبر الذي يخالف الكتاب ، والثانية : ما دلّ على طرح الخبر الذي لا يوافق الكتاب).

(وأمّا الطائفة الاولى فلا تدلّ على المنع عن الخبر الذي لا يوجد مضمونه في الكتاب والسنّة) ، لعدم صدق المخالف على ما لا يوجد مضمونه في الكتاب ، فيكون الدليل ـ حينئذ ـ أخصّ من المدّعى ، إذ المدّعى هو عدم حجّية مطلق خبر الواحد المجرد عن القرينة سواء كان ممّا خالف الكتاب والسنّة ، أو ممّا لا يوجد مضمونه فيهما أصلا ، وهذه الطائفة إنّما تدلّ على طرح المخالف فقط ، دون غيره.

(فإن قلت : ما من واقعة إلّا ويمكن استفادة حكمها من عمومات الكتاب ... إلى آخره) والغرض من قوله : (إن قلت) هو ردّ كون الدليل أخصّ من المدّعى ، غاية الأمر يكون ردّه بردّ مبنى ذلك ، فيتضح هذا الإشكال بعد إثبات فساد مبنى لزوم أخصيّة الدليل عن المدّعى ، وذلك أنّ كون الدليل أخصّ من المدّعى يكون مبنيّا على امكان وجود الخبر الذي لا يكون مضمونه في الكتاب.

ومفاد(إن قلت) : هو عدم وجود هذا القسم من الخبر حتى يلزم كون الدليل أخصّ من المدّعى ؛ لأنّ كل خبر إمّا موافق للكتاب ، أو مخالف له ، ويؤيّده قوله تعالى : (وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ)(٣).

__________________

(١) البقرة : ٢٩.

(٢) البقرة : ١٧٣.

(٣) الأنعام : ٥٩.

٤٥٠

حَلالاً طَيِّباً)(١) ، و (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)(٢) ونحو ذلك ، فالأخبار المخصّصة لها كلّها ، وكثير من عمومات السنّة القطعيّة ، مخالفة للكتاب والسنّة.

قلت : أوّلا : إنّه لا يعدّ مخالفة ظاهر العموم ـ خصوصا مثل هذه العمومات ـ مخالفة

____________________________________

فالمستفاد من هذه الآية والآيات المذكورة في المتن هو أنّ حكم كلّ شيء موجود في الكتاب ، ومستفاد من عموماته ، فلا يعقل أن لا يكون مضمون خبر فيه ، فحينئذ كلّ خبر إذا وافق الكتاب يؤخذ به ، وإذا خالفه يطرح إلّا أن يكون مقطوع الصدور ، فيخصّص به عموم الكتاب.

فالحاصل أن كل خبر لم يكن موافقا له يكون مشمولا للطائفة الاولى التي دلّت على طرح ما خالف الكتاب ، فلا يكون الدليل أخصّ من المدّعى.

قوله : (كلّها) يوهم أن يكون تأكيدا للضمير في قوله : (لها) الراجع إلى عمومات الكتاب ، فالمعنى ـ حينئذ ـ ، فالأخبار(المخصّصة لها) ، أي : عمومات الكتاب (كلّها) ، أي : كل عمومات الكتاب ، فلم يبق من عمومات الكتاب عامّ واحد إلّا وقد خصّص بالأخبار ، وهذا المعنى لم يكن صحيحا ، بل الصحيح هو أن تكون (كلّها) تأكيدا للأخبار المخصّصة ، فالمعنى ـ حينئذ ـ ، فالأخبار المخصّصة كلها مخالفة للكتاب.

وقبل الجواب عن الإشكال نقول : إنّ الإشكال المزبور ينحل إلى صغرى وهي : إنّه لا يوجد حكم إلّا وقد ورد فيه عموم من الكتاب ، وكبرى وهي : كلّ خبر لم يوافق مضمونه الكتاب مخالف له ، فيجب طرحه بأخبار العرض.

(قلت : أولا : إنّه لا يعدّ مخالفة ظاهر العموم ـ خصوصا مثل هذه العمومات ـ مخالفة) وقد أجاب المصنّف رحمه‌الله عن الإشكال المزبور بجوابين ثم جوابه الأول يرجع إلى منع الكبرى ، والثاني ، وهو ما أشار إليه : (وثانيا ... إلى آخره) إلى منع الصغرى ، فحينئذ كان الاولى تقديم الجواب الثاني على الأول.

وحاصل الجواب الأول ، الذي يرجع إلى منع الكبرى : هو أنّ الخاص لا يعدّ مخالفا للعام عرفا ، لإمكان الجمع بينهما بحمل العام على الخاص ، فالمخالفة بالعموم والخصوص لا

__________________

(١) الأنفال : ٦٩.

(٢) البقرة : ١٨٥.

٤٥١

وإلّا لعدّت الأخبار الصادرة يقينا عن الأئمّة عليهم‌السلام ، المخالفة لعمومات الكتاب والسنّة مخالفة للكتاب والسنّة. غاية الأمر ثبوت الأخذ بها مع مخالفتها بكتاب الله وسنّة نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فتخرج عن عموم أخبار العرض ، مع أنّ الناظر في أخبار العرض على الكتاب والسنّة يقطع بأنّها تأبى عن التخصيص.

وكيف يرتكب التخصيص في قوله عليه‌السلام : (كلّ حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف) (١) ،

____________________________________

تعدّ مخالفة خصوصا مثل هذه العمومات التي صارت موهونة بورود كثرة التخصيص فيها.

قوله : (وإلّا لعدّت الأخبار الصادرة يقينا عن الأئمة عليهم‌السلام ... إلى آخره) إشارة إلى وجه عدم كون الخاصّ مخالفا للعامّ ، ويمكن ارجاع هذا الوجه إلى قياس استثنائي ، فيقال : إنّه لو عدّ الخاص مخالفا للعام لكانت الأخبار الصادرة عن الأئمّة يقينا مخالفة للكتاب ، والتالي باطل ، فالمقدم مثله.

أمّا بطلان التالي ، بعد كون الملازمة واضحة ، فلأجل لزوم أحد المحذورين لا يمكن الالتزام بهما ، وذلك فإنّ الأمر يدور بين حفظ عموم الأخبار الناهية ، وطرح هذه الأخبار المخالفة للكتاب الصادرة عنهم عليهم‌السلام يقينا ، أو رفع اليد عن عموم أخبار العرض الناهية ، والالتزام بتخصيصها والقول بأنّ الخبر المخالف الذي يكون ممّا يعلم بصدوره قد خرج عن الأخبار الناهية بالتخصيص ، ولا يمكن الالتزام بهما ، أي : حفظ العموم أو تخصيصه ، وأمّا عدم صحة حفظ العموم ، فلأنّه مستلزم لطرح الأخبار الصادرة يقينا عن الأئمّة عليهم‌السلام ، وانحصار الحجّة في الكتاب ، وتعطيل أكثر الأحكام المستفادة من هذه الأخبار وهذا ممّا لم يقله أحد.

وأمّا عدم صحة الالتزام بالتخصيص ، فلأنّ عمومات الأخبار الناهية آبية عنه كما أشار إليه المصنّف رحمه‌الله بقوله ، مع أنّ الناظر في أخبار العرض يقطع بأنّها تأبى عن التخصيص ، وبالجملة أنّ التالي باطل ، فثبت أنّ الخاص لا يعدّ مخالفا للعامّ أصلا.

ثمّ أشار إلى وجه كون أخبار العرض آبية عن التخصيص بقوله : (وكيف يرتكب

__________________

(١) الكافي ١ : ٦٩ / ٣. الوسائل ٢٧ : ١١١ ، أبواب صفات القاضي ، ب ٩ ، ح ١٤. بحار الأنوار ٢ : ٢٤٢ / ٣٧.

٤٥٢

وقوله : (ما أتاكم من حديث لا يوافق كتاب الله فهو باطل) (١) ، وقوله عليه‌السلام : (ولا تقبلوا علينا خلاف القرآن فإنّا إن حدّثنا حدّثنا بموافقة القرآن وموافقة السنّة) (٢) ، وقد صحّ عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال : (ما خالف كتاب الله فليس من حديثي) (٣) أو (لم أقله) (٤) مع أنّ أكثر عمومات الكتاب قد خصّص بقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله.

____________________________________

التخصيص في قوله عليه‌السلام : (كل حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف) ، أي : باطل ، فلا يمكن أن يقال : إنّ بعض ما لا يوافق الكتاب ليس زخرفا وباطلا ، ولا يمكن الالتزام بالتخصيص في قوله عليه‌السلام : (ما خالف قول ربّنا لم أقله) أو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : (ما خالف كتاب الله فليس من حديثي) ، أو (لم أقله).

فالاولى أن يقال : إنّ هذه الأخبار لا تشمل ما يكون مخالفا على نحو الخاصّ والعامّ سواء كان ممّا يعلم بصدوره ، أو لم يعلم بصدوره ، فيكون المراد من المخالف هو المخالف بالتباين الكلّي.

ودعوى عدم صدور المخالف بالتباين عن الوضّاعين ؛ لأنّهم لم يضعوا ما يخالف الكتاب بالتباين لعلمهم بان ذلك لا يقبل منهم غير مسموعة ، إذ الوضّاعون ما كانوا ينقلون عن الأئمّة عليهم‌السلام حتى لا يقبل منهم الخبر المخالف للكتاب بالتباين ، بل كانوا يدسّون تلك المجعولات في كتب الثقات من أصحاب الأئمة عليهم‌السلام ، كما يؤيّده ما روي عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه لعن المغيرة ؛ لأنّه دسّ في كتب أصحاب أبيه عليه‌السلام أحاديث كثيرة.

(مع أنّ أكثر عمومات الكتاب قد خصّص بقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله) وتخصيص عمومات الكتاب بقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يكون دليلا على عدم كون الخاص مخالفا للعام ، وإلّا لما جاز التخصيص ، بل يجب طرح الخاص ، فيكون المراد من المخالف للكتاب هو المخالف على

__________________

(١) تفسير العياشي ١ : ٢٠ / ٥. بحار الأنوار ٢ : ٢٤٢ / ٣٨ ، باختلاف يسير فيهما.

(٢) رجال الكشي ٢ : ٤٩٠ / ٤٠١.

(٣) قرب الإسناد : ٩٢ / ٣٠٥ ، بحار الأنوار ٢ : ٢٢٧ / ٥.

(٤) إشارة إلى حديث آخر ، وهو (ما جاءكم عنّي لا يوافق القرآن فلم أقله) ذكره العياشي في تفسيره ١ : ١٩ / ١ ، أو هو : (ما جاءكم يخالف القرآن فلم أقله) في بحار الأنوار ٢ : ٢٤٢ / ٣٩ ، وكذلك في نفس الصفحة في البحار ح ٤٠ وهو : (... وإن لم يوافق كتاب الله فلم أقله).

٤٥٣

وممّا يدلّ على أنّ المخالفة لتلك العمومات لا تعدّ مخالفة ، ما دلّ من الأخبار على بيان حكم ما لا يوجد حكمه في الكتاب والسنّة النبويّة ، إذ بناء على تلك العمومات لا توجد واقعة لا يوجد حكمها فيهما.

فمن تلك الأخبار : ما عن البصائر والاحتجاج وغيرهما مرسلة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : (ما وجدتم في كتاب الله فالعمل به لازم ، ولا عذر لكم في تركه ، وما لم يكن في كتاب الله تعالى وكانت فيه سنّة منّي فلا عذر لكم في ترك سنّتي ، وما لم يكن في سنّة منّي ، فما قال أصحابي فقولوا به ، فإنّما مثل أصحابي فيكم كمثل النجوم ، بأيّها اخذ اهتدي ، وبأيّ أقاويل أصحابي أخذتم اهتديتم ، واختلاف أصحابي رحمة لكم ، قيل : يا رسول الله ومن أصحابك؟ قال : أهل بيتي) (١) الخبر ، فإنّه صريح في أنّه قد يرد من الأئمّة عليهم‌السلام ما لا يوجد في الكتاب والسنّة.

____________________________________

وجه التباين لا العموم والخصوص.

(وممّا يدلّ على أنّ المخالفة لتلك العمومات لا تعدّ مخالفة ، ما دلّ من الأخبار على بيان حكم ما لا يوجد حكمه في الكتاب ... إلى آخره).

وهذا الكلام من المصنّف رحمه‌الله يناسب أن يكون تتمّة ومؤيّدا للجواب الأول المذكور ، وكذلك ينسجم أن يكون مقدمة وموافقا للجواب الثاني ، فلا يكون جوابا مستقلا.

أمّا كونه مرتبطا ومؤيّدا للجواب الأول ، فيتضح بعد بيان ما هو المراد من المخالفة التي دلّت أخبار العرض على النهي عن الأخذ ، فنقول : إنّ المراد منها هو عدم الموافقة للكتاب الشامل لما يكون مخالفا له ، وما لا يوجد مضمونه فيه ، فكل خبر لا يوافق الكتاب يعدّ مخالفا ، فيجب طرحه بمقتضى أخبار العرض ، فيكون مراد من استدل بأخبار العرض على وجوب طرح المخالف هو هذا المعنى ، حيث جعل الملاك الموافقة.

ثم يقول المصنّف رحمه‌الله في الجواب الأول : ما يكون مخالفا على نحو العموم والخصوص لا يعدّ مخالفا ، فلا تشمله أخبار العرض ، وكذلك ما لا يوجد مضمونه في الكتاب لا يعدّ مخالفا ، والشاهد هو صدور الأخبار لبيان حكم ما لا يوجد حكمه في عمومات الكتاب ،

__________________

(١) بصائر الدرجات : ١١ / ٢. الاحتجاج ٢ : ٢٥٩ / ٢٣٠. بحار الأنوار ٢ : ٢٢٠ / ١.

٤٥٤

ومنها : ما ورد في تعارض الروايتين من ردّ ما لا يوجد في الكتاب والسنّة إلى الأئمّة عليهم‌السلام ، مثل ما رواه في العيون عن أبي الوليد عن سعد بن محمّد بن عبد الله المسمعيّ ، عن الميثمي. وفيها : (ما ورد عليكم من خبرين مختلفين فاعرضوهما على كتاب الله ـ إلى أن قال ـ : وما لم يكن في الكتاب فاعرضوه على سنن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ إلى أن قال ـ : وما لم تجدوه في شيء من هذه فردّوا إلينا علمه ، فنحن أولى بذلك) (١) الخبر.

والحاصل أنّ القرائن الدالّة على أنّ المراد بمخالفة الكتاب ليس مجرّد مخالفة عمومه أو إطلاقه ، كثيرة تظهر لمن له أدنى تتّبع.

____________________________________

فلو كان ما لا يوجد حكمه في القرآن مخالفا له كان الواجب تركه ، وعدم الأخذ به كما تقتضي أخبار العرض مع أنّ المستفاد من عدّة الأخبار بيان كيفية الأخذ به كما هي مذكورة في المتن ، هذا تمام الكلام في كون هذا الكلام مرتبطا في الجواب الأول.

وأمّا كونه مرتبطا بالجواب الثاني الآتي ، فهو أنّ هذا الكلام منه ردّ لأصل الإشكال أيضا ، وهو أنّه ما من واقعة إلّا ويمكن استفادة حكمها من عمومات الكتاب ، ويكون هذا الكلام منه ردّا لهذا الإشكال بأنّ عدّة من الأخبار قد وردت في بيان ما لا يوجد حكمه في الكتاب.

فحينئذ لو كان حكم كلّ شيء مستفاد من الكتاب لكان صدور هذه الأخبار لغوا ، إذ لا يبقى مجال لها كما لا يخفى ، فصدور هذه الأخبار شاهد على ردّ وجود حكم كل واقعة في الكتاب ؛ لأنّ المستفاد منها هو وجود واقعة لا يوجد حكمها في عمومات الكتاب ، فيكون كلام المصنّف رحمه‌الله باعتبار ذكر هذه الأخبار ردّا للصغرى كالجواب الثاني.

ثم إنّ ما بيّناه في توجيه كلام المصنّف رحمه‌الله يكون أنسب وأقرب بالواقع ممّا ذكره المصطفى الاعتمادي ، والله تعالى هو العالم بالحقائق.

(واختلاف أصحابي رحمة ... إلى آخره) قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : اختلاف أهل بيتي ـ حيث يصدر منهم عليهم‌السلام الأخبار المتعارضة ـ رحمة لكم ، فإنّ المخالفين إذا وجدوا فيكم الاختلاف لا

__________________

(١) عيون الأخبار ٢ : ٢١ / ٤٥ ، وفيه : حدّثنا أبي ومحمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضى الله عنه ، قالا : حدّثنا سعد بن عبد الله ، قال : حدّثني محمّد بن عبد الله المسمعي ، قال : حدّثني أحمد بن الحسن الميثمي ، أنّه سأل الرضا عليه‌السلام ... إلى آخر الحديث.

٤٥٥

ومن هنا يظهر ضعف التأمّل في تخصيص الكتاب بخبر الواحد لتلك الأخبار ، بل منعه لأجلها ، كما عن الشيخ في العدّة ، أو لما ذكره المحقّق من أنّ الدليل على وجوب العمل بخبر الواحد ، الإجماع على استعماله فيما لا يوجد فيه دلالة ، ومع الدلالة القرآنية يسقط وجوب العمل به.

وثانيا : إنّا نتكلّم في الأحكام التي لم يرد فيها عموم من القرآن والسنّة ، ككثير من أحكام

____________________________________

يأخذهم البغي عليكم ، وقد يقال : إنّ المراد بالاختلاف هو الذهاب والإياب عند الأئمة عليهم‌السلام لأخذ العلم منهم عليهم‌السلام.

(ومن هنا يظهر ضعف التأمل في تخصيص الكتاب بخبر الواحد لتلك الأخبار) ومن كون الخاص غير مخالف للعام يظهر ضعف التأمل والإشكال في تخصيص الكتاب بخبر الواحد لأجل ما دلّ على وجوب طرح المخالف.

(بل منعه) ، أي : التخصيص لأجل الأخبار الدالة على طرح المخالف.

وذلك لأن الأخبار المذكورة لا تدلّ على طرح الخاص من أخبار الآحاد ، إذ الخاص لا يعدّ مخالفا على ما تقدم في الجواب فيبقى الخاص على حجّيته ، ويجوز حينئذ تخصيص عموم الكتاب به من دون تأمّل وإشكال.

(أو لما ذكره المحقّق رحمه‌الله من أنّ الدليل على وجوب العمل بخبر الواحد ، الإجماع ... إلى آخره).

أي : منع تخصيص عموم الكتاب بخبر الواحد لأجل ما دلّ على طرح المخالف ، كما عن الشيخ رحمه‌الله في العدّة.

أو المنع المذكور يكون لما ذكره المحقّق من أنّ الدليل على حجّية خبر الواحد هو الإجماع ، فيؤخذ بالقدر المتيقّن ، وهو وجوب العمل فيما لا يوجد فيه دليل ، ومع الدلالة القرآنية يسقط وجوب العمل بخبر الواحد ، فلا يجوز العمل به فضلا عن تخصيص عموم الكتاب به.

وفيه : ـ مضافا إلى ما تقدّم من أنّ أخبار العرض لا تشمل الخاص ـ أنّ ما دلّ على حجّية خبر الواحد لم ينحصر بالإجماع حتى يؤخذ بالقدر المتيقّن ، بل الأدلة الأربعة تدلّ على حجّيته ، كما ستأتي في كلام المصنّف رحمه‌الله.

٤٥٦

المعاملات ، بل العبادات التي لم ترد فيها إلّا الآيات مجملة أو مطلقة من الكتاب. إذ لو سلّمنا أنّ تخصيص العموم يعدّ مخالفة ، أمّا تقييد المطلق فلا يعدّ في العرف مخالفة ، بل هو مفسّر خصوصا على المختار من عدم كون المطلق مجازا عند التقييد.

____________________________________

قوله : (وثانيا) عطف على قوله : أولا ، وقد تقدّم أنّ هذا الجواب يرجع إلى منع الصغرى بعد منع الكبرى بالجواب الأول ، فكان الاولى أن يقال في تحريره : وثانيا : نمنع من تكفّل الكتاب والسنّة حكم جميع الوقائع ، ولو بعنوان العموم والإطلاق ، غاية الأمر تكفّلهما لحكم كثير من الوقائع ، فلا يمكن الاستدلال بهما في جميع الوقائع من العبادات والمعاملات ، وذلك أمّا لعدم تعرضهما لحكم المسألة بنحو من الأنحاء في بعض الموارد ، وأمّا لإجمالهما.

فالملخّص أنّ هناك أحكاما لا تستفاد من عمومات الكتاب ، فما ذكر من أنّ كل واقعة يوجد حكمها في عمومات الكتاب مردودة ، وهذا هو الاولى كما في بحر الفوائد ممّا ذكره بعض الشارحين ، حيث قال في شرح قول المصنّف (وثانيا) : ولو سلّمنا أنّ أخبار العرض تشمل مطلق ما يخالف الكتاب ، وإن كان على نحو العموم والخصوص ، إلّا (إنّا نتكلم في الأحكام التي لم يرد فيها عموم) إذ لازم هذا التفسير هو تسليم الإشكال كبرى ، وردّه من حيث الصغرى فقط ، وهذا بخلاف ما ذكرناه حيث يكون ردّا للإشكال صغرى كبرى.

نعم ، يذكر تسليم الإشكال من حيث الكبرى بقوله : (إذ لو سلّمنا) وكيف كان ، فقوله : (إلّا آيات مجملة) إشارة إلى القول بكون أسامي العبادات والمعاملات أسامي للصحيح منهما (أو مطلقة) ، إشارة إلى القول بكونها أسامي للأعمّ.

(إذ لو سلّمنا أنّ تخصيص العموم يعدّ مخالفة ، أمّا تقييد المطلق فلا يعدّ في العرف مخالفة) ، أي : على فرض كون الخاص مخالفا للعام ، ولكن المقيد لا يكون مخالفا للمطلق عند العرف ، بل يكون مفسرا له.

فقوله تعالى : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ)(١) مطلق ، والخبر الدال على اشتراط القبلة في الصلاة يكون مفسرا للإطلاق ، فلا يصدق عليه أنّه مخالف للكتاب حتى يطرح لأجل الأخبار

__________________

(١) يونس : ٨٧.

٤٥٧

فإن قلت : فعلى أيّ شيء تحمل تلك الأخبار الكثيرة الآمرة بطرح مخالف الكتاب ، فانّ حملها على طرح ما يباين الكتاب كليّة حمل على فرد نادر ، بل معدوم ، فلا ينبغي لأجله هذا الاهتمام الذي عرفته في الأخبار؟.

قلت : هذه الأخبار على قسمين :

منها : ما يدلّ على عدم صدور الخبر المخالف للكتاب والسنّة عنهم عليهم‌السلام ، وأنّ المخالف لهما باطل ، وأنّه ليس بحديثهم.

ومنها : ما يدلّ على عدم جواز تصديق الخبر المحكيّ عنهم عليهم‌السلام ، إذا خالف الكتاب والسنّة.

أمّا الطائفة الاولى ، فالأقرب حملها على الأخبار الواردة في اصول الدين مثل : مسائل الغلوّ والجبر والتفويض التي وردت فيها الآيات والأخبار النبويّة. وهذه الأخبار غير موجودة في كتبنا الجوامع ؛ لأنّها اخذت عن الاصول بعد تهذيبها من تلك الأخبار.

____________________________________

الآمرة بطرح ما هو مخالف للكتاب ، فاعتباره يكون كافيا في ردّ السلب الكلّي.

(فإن قلت : فعلى أيّ شيء تحمل تلك الأخبار الكثيرة الآمرة بطرح مخالف الكتاب) هذا الإشكال يكون راجعا إلى الجواب الأول ، حيث قال المصنّف رحمه‌الله : إنّ أخبار العرض الآمرة بطرح مخالف الكتاب لا تشمل ما يخالفه على نحو العموم والخصوص ، أو الإطلاق والتقييد ؛ لأنّ الخاص لا يعدّ مخالفا للعام كما أنّ المقيّد لا يعدّ مخالفا للمطلق ، فيأتي الإشكال المذكور.

فيقال : إنّه إذا لم تشمل أخبار العرض ما يخالف الكتاب على نحو العموم والخصوص فعلى أي شيء تحمل تلك الأخبار الدالّة على طرح مخالف الكتاب ، ولا يصح حملها على طرح ما يباين الكتاب ؛ لأنّه فرد نادر ، بل معدوم ، ولا ينبغي للأئمة لأجل فرد نادر هذا الاهتمام؟!.

(قلت : هذه الأخبار على قسمين) ، الأول : ما يدلّ على عدم صدور الخبر المخالف عن الأئمة عليهم‌السلام. الثاني : ما يدلّ على عدم تصديق الخبر المخالف.

ثمّ القسم الأول ، يحمل على الأخبار المباينة للكتاب والسنّة الواردة في اصول الدين (مثل مسائل الغلوّ) في شأن علي عليه‌السلام بأنه يكون رازقا وخالقا ومميتا(والجبر والتفويض)

٤٥٨

وأمّا الثانية ، فيمكن حملها على ما ذكر في الاولى ، ويمكن حملها على صورة تعارض الخبرين كما يشهد به مورد بعضها ، ويمكن حملها على خبر غير الثّقة ، لما سيجيء من الأدلّة على اعتبار خبر الثّقة.

هذا كلّه في الطائفة الدالّة على طرح الأخبار المخالفة للكتاب والسنّة.

أمّا الطائفة الآمرة بطرح ما لا يوافق الكتاب أو لم يوجد عليه شاهد من الكتاب والسنّة ، فالجواب عنها ـ بعد ما عرفت من القطع بصدور الأخبار غير الموافقة لما يوجد في الكتاب منهم عليهم‌السلام ، كما دلّ عليه روايتا الاحتجاج (١) والعيون (٢) المتقدمتان المعتضدتان

____________________________________

والتجسيم وغيرها ، ممّا علم بالضرورة عدمه من الدين ، فتكون هذه المسائل من المسائل التي ورد في نفيها الآيات ، فتكون الأخبار الدالّة على إثباتها مخالفة للكتاب فيجب طرحها ، ثم إنّ المراد من الجوامع في كلام المصنّف رحمه‌الله هو الكتب الأربعة ، والمراد من الاصول هو الاصول المعروفة بالأربعمائة.

ثمّ القسم الثاني ، وهو ما يدل على عدم تصديق ما يخالف الكتاب يمكن أن يحمل على ما حمل به القسم الأول ، ويمكن أن يحمل على مورد تعارض الخبرين ؛ فإنّ بعض ما دل على طرح ما يخالف الكتاب ورد في باب التعارض ، ويمكن أن يحمل على خبر غير الثقة ، وعلى جميع التقادير لا يصح الاستدلال بأخبار العرض على عدم حجّية أخبار الآحاد على نحو السلب الكلّي ، كما هو المدّعى.

هذا تمام الكلام في الجواب عن الاستدلال بأخبار العرض الدالة على طرح الأخبار المخالفة للكتاب والسنّة.

(وأمّا الطائفة الآمرة بطرح ما لا يوافق الكتاب أو لم يوجد عليه شاهد من الكتاب) فيمكن الجواب عنها :

أولا : بنفس الجواب عن الأخبار الدالة على طرح المخالف للكتاب ، وذلك ؛ لأنّ معنى ما لا يوافق الكتاب هو ما يخالف الكتاب عند العرف ، فيجري فيها ما جرى فيها من الجواب والحمل.

__________________

(١) الاحتجاج ٢ : ٢٥٩ / ٢٣٠.

(٢) عيون الأخبار ٢ : ٢١ / ٤٥.

٤٥٩

بغيرهما من الأخبار ـ أنها محمولة على ما تقدّم في الطائفة الآمرة بطرح الأخبار المخالفة للكتاب والسنّة ، وإنّ ما دلّ منها على بطلان ما لم يوافق وكونه زخرفا محمول على الأخبار الواردة في اصول الدين ، مع احتمال كون ذلك من أخبارهم الموافقة للكتاب والسنّة على الباطن الذي يعلمونه منها ، ولهذا كانوا يستشهدون كثيرا بآيات لا نفهم دلالتها ؛ وما دلّ على عدم جواز تصديق الخبر الذي لا يوجد عليه شاهد من كتاب الله على خبر غير الثقة أو صورة التعارض ، كما هو ظاهر غير واحد من الأخبار العلاجيّة.

ثمّ إنّ الأخبار المذكورة على فرض تسليم دلالتها ـ وإن كانت كثيرة ـ إلّا أنّها لا تقاوم الأدلّة الآتية ، فانّها موجبة للقطع بحجّيّة خبر الثقة ، فلا بدّ من مخالفة الظاهر في هذه الأخبار.

____________________________________

وثانيا : (فالجواب عنها بعد ما عرفت من القطع بصدور الأخبار غير الموافقة لما يوجد في الكتاب منهم عليهم‌السلام) إنّها محمولة على ما حملت به الأخبار المتقدمة من دلالتها على طرح ما ورد في اصول الدين ، أو في باب التعارض أو خبر غير الثقة ، ثم الفرق بين هذا الجواب والجواب الأول ؛ أنّ الحمل على الأول هو بعد إرجاعها إلى الاولى في كون المراد منهما هو طرح المخالف للكتاب ، وعلى الثاني إبقائها على حالها ، غاية الأمر تحمل على ما حملت الاولى عليه.

ثمّ هذه الأخبار تكون على قسمين : قسم يدلّ على بطلان ما لا يوافق الكتاب ، وكونه زخرفا ، وقسم يدل على عدم جواز تصديق ما لا يوجد عليه شاهد من الكتاب.

فالقسم الأول يحمل على ردّ الأخبار الواردة في اصول الدين (مع احتمال كون ذلك من أخبارهم الموافقة لكتاب والسنّة على الباطن الذي يعلمونه منها) ، أي : يحتمل أن يكون الخبر الذي لا يوافق الكتاب في نظرنا موافقا له في الواقع وعلم الله ، والأئمة عليهم‌السلام يعلمون بتلك الموافقة ، ومع ذلك نحن في الظاهر مأمورون بحملها على البطلان.

(ولهذا كانوا يستشهدون كثيرا بآيات لا نفهم دلالتها) ، أي : لأجل كون بعض الأخبار موافقا للكتاب في الواقع لا في الظاهر كان الأئمة عليهم‌السلام يستشهدون على قولهم بآيات القرآن ، ونحن لا نفهم دلالتها على ما استشهدوا بها عليه. هذا ملخّص الكلام في القسم الأول.

ثمّ القسم الثاني ، وهو ما يدل على عدم جواز تصديق ما لا يوجد عليه شاهد من

٤٦٠