دروس في الرسائل - ج ١

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في الرسائل - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: ياران
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٦٧

وقوله عليه‌السلام لمن أطال الجلوس في بيت الخلاء لاستماع الغناء ، اعتذارا بأنه لم يكن شيئا أتاه برجله : أما سمعت قول الله عزوجل : (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً)(١) (٢) وقوله عليه‌السلام ، في تحليل العبد للمطلقة ثلاثا : (إنّه زوج ، قال الله عزوجل : (حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ)(٣) (٤) وفي عدم تحليلها بالعقد المنقطع إنه تعالى قال : (فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما)(٥) (٦) وتقريره عليه‌السلام ، التمسّك بقوله تعالى : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ)(٧) وأنه نسخ بقوله تعالى : (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ)(٨) (٩).

____________________________________

ومنها : قوله عليه‌السلام : (لابنه اسماعيل : إنّ الله عزوجل يقول) في مدح النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ) فإذا شهد عندك المؤمنون بانّ فلانا يكون كذا وكذا كما لو شهدوا بأنّه شارب الخمر ، (فصدّقهم) ، فيكون المستفاد من هذا الخبر حجّية ظاهر القرآن لكلّ واحد من المسلمين.

ومنها : قوله عليه‌السلام : لمن أطال الجلوس في بيت الخلاء لاستماع الغناء ، اعتذارا بأنه لم يكن شيئا أتاه برجله : أما سمعت قول الله تعالى (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً) فبيان الإمام مورد استفادة الحكم من القرآن يدل على حجّية ظاهره للجميع ، ولا يختصّ للمعصوم عليه‌السلام.

ومنها : قوله عليه‌السلام : في تحليل العبد للمطلّقة ثلاثا : إنّه زوج ، قال الله عزوجل : (حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ) يعني : يصح أن يكون العبد محلّلا للمطلّقة ثلاثا ، ثم بيّن مورد استفادة هذا الحكم من القرآن حيث قال تعالى : (حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ) أي : غير المطلّق ، ويكون

__________________

(١) الإسراء : ٣٦.

(٢) الفقيه ١ : ٤٥ / ٦.

(٣) البقرة : ٢٣٠.

(٤) الفقيه ٥ : ٤٢٥ / ٣.

(٥) البقرة : ٢٣٠.

(٦) تفسير العياشي ١ : ١٣٧ / ٣٧٢.

(٧) المائدة : ٥.

(٨) البقرة : ٢٢١.

(٩) الكافي ٥ : ٣٥٧ / ٦.

٢٦١

وقوله عليه‌السلام في رواية عبد الأعلى ، في حكم من عثر فوقع ظفره ، فجعل على إصبعه مرارة : (إنّ هذا وشبهه يعرف من كتاب الله : (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)(١) ثم قال : امسح عليه) (٢) فأحال عليه‌السلام معرفة حكم المسح على إصبعه المغطّى بالمرارة إلى الكتاب ، موميا إلى أنّ هذا لا يحتاج إلى السؤال ، لوجوده في ظاهر القرآن.

____________________________________

العبد زوجا ، ثم قال عليه‌السلام في مقام عدم تحقّق التحليل بالعقد الانقطاعي : (إنه تعالى قال : (فَإِنْ طَلَّقَها)) أي : فإن طلقها المحلّل (فَلا جُناحَ عَلَيْهِما) أي : الزوج المطلّق ثلاثا والزوجة المطلّقة أن يتزوّجا ، والطلاق إنّما هو في العقد الدائم دون المنقطع ، فالمستفاد من الآية عدم تحقّق التحليل بالعقد المنقطع.

والمحصّل من هذه الروايات حجّية ظواهر القرآن ، إذ لو لم تكن حجّة لم يكن وجه لبيان الإمام عليه‌السلام مورد استفادة الأحكام من هذه الآيات للسائلين ، بل كان له بيان مجرد الحكم بعنوان الفتوى. هذا تمام الكلام فيما دل بحسب قول الإمام عليه‌السلام على حجّية ظواهر القرآن.

وأمّا ما دلّ على حجّية القرآن بحسب تقرير الإمام عليه‌السلام ، فهو ما نقل من أنّ الحسن بن الجهم قال في محضر الإمام الرضا عليه‌السلام : بأنّ آية (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ)(٣) الآية ، وإن كانت تدل على جواز نكاح الكتابية الّا أنّها قد نسخت بقوله تعالى : (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ)(٤).

ولم يردّ قوله الإمام ، فعدم ردّه وسكوته عليه‌السلام يكون تقريرا لما تمسّك به ابن الجهم من دلالة الآية على جواز نكاح الكتابية ، وحكمه بنسخها بآية اخرى ، فالمستفاد من هذا التقرير هو حجّية ظاهر القرآن.

(وقوله عليه‌السلام في رواية عبد الأعلى ، في حكم من عثر فوقع ظفره ، فجعل على إصبعه مرارة : إنّ هذا وشبهه يعرف من كتاب الله تعالى : (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) ثم قال :

__________________

(١) الحج : ٧٨.

(٢) الوسائل ١ : ٤٦٤ ، أبواب الوضوء ، ب ٣٩ ، ح ٥.

(٣) سورة المائدة : ٥.

(٤) سورة البقرة : ٢٢١.

٢٦٢

ولا يخفى أن استفادة الحكم المذكور من ظاهر الآية الشريفة ممّا لا يظهر إلّا للمتأمّل المدقّق ، نظرا إلى أن الآية الشريفة إنّما تدلّ على نفي وجوب الحرج ، أعني : المسح على نفس الإصبع ، فيدور الأمر في بادي النظر بين سقوط المسح رأسا وبين بقائه ، مع سقوط قيد مباشرة الماسح للممسوح ، فهو بظاهره لا يدل على ما حكم به الإمام عليه‌السلام ، لكن يعلم عند التأمّل أن الموجب للحرج هو اعتبار المباشرة في المسح ، فهو الساقط دون أصل المسح ، فيصير نفي الحرج دليلا على سقوط اعتبار المباشرة في المسح ، فيمسح على الإصبع المغطّى.

فإذا أحال الامام عليه‌السلام استفادة مثل هذا الحكم إلى الكتاب ، فكيف يحتاج نفي وجوب الغسل أو الوضوء ـ عند الحرج الشديد المستفاد من ظاهر الآية المذكورة ، أو غير ذلك من الأحكام التي يعرفها كلّ عارف باللسان من ظاهر القرآن ـ إلى ورود التفسير بذلك من أهل البيت :؟!

ومن ذلك ما ورد من : (إنّ المصلّي أربعا في السفر إن قرئت عليه آية القصر وجب عليه الإعادة ، والّا فلا) وفي بعض الروايات : (إن قرئت عليه وفسّرت له) (١).

____________________________________

امسح عليه) يعني : كل حكم يكون حرجيا يعرف نفيه من كتاب الله من آية نفي الحرج في الدين وقول الإمام عليه‌السلام : هذا وشبهه يعرف من كتاب الله ، اشارة إلى حجّية ظاهر القرآن.

فالمنفي بالحرج المستفاد من الكتاب في المقام هو وجوب المسح على البشرة لأنّ فيه حرجا ، لا أصل المسح لعدم الحرج فيه ، فيجب المسح على المرارة ، فالحكم المنفي أي : عدم وجوب المسح على البشرة مستفاد من آية نفي الحرج ، والحكم المثبت وهو وجوب المسح على الإصبع المغطّى بالمرارة مستفاد من قوله عليه‌السلام : امسح عليه.

ثم النتيجة بعد التأمّل هي وجوب المسح على المرارة لأنّ مقتضى التأمّل هو نفي اعتبار مباشرة الماسح للممسوح في المسح فيبقى أصل المسح لعدم كونه حرجيا على كونه واجبا.

(ومن ذلك) أي : من الأخبار الدالّة على حجّية ظواهر القرآن (ما ورد من أنّ المصلي أربعا في السفر إن قرئت عليه آية القصر وجب عليه الإعادة) فالمستفاد من هذا الخبر هو

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٧٨ / ١٢٦٦. الوسائل ٨ : ٥٠٦ ، أبواب صلاة المسافر ، ب ١٧ ، ح ٢.

٢٦٣

والظاهر ـ ولو بحكم أصالة الإطلاق في باقي الروايات ـ أنّ المراد من تفسيرها له

____________________________________

وجوب القصر بمجرد قراءة آية القصر للمسافر ، فيجب عليه إعادة ما أتى به تماما في السفر ، فلازم هذا الحكم هو حجّية ظاهر القرآن ، وإلّا لا معنى لوجوب القصر بمجرد استماع آية القصر.

(وفي بعض الروايات : إن قرئت عليه وفسّرت له).

فيكون هذا الخبر دليلا على ما يقول به الأخباريون : من عدم جواز العمل بالظاهر من دون تفسير.

ثم من باب قاعدة حمل المطلق على المقيّد تحمل الأخبار الدالّة على جواز العمل بظواهر القرآن على هذا الخبر المقيّد بالتفسير ، فنتيجة الحمل كذلك هي عدم جواز العمل بالظواهر الّا بعد ورود التفسير ، هذا ملخّص التوهّم من جانب الأخباريين.

وقد أجاب المصنّف رحمه‌الله عن هذا التوهّم بقوله : (والظاهر ـ ولو بحكم أصالة الإطلاق).

وحاصل كلام المصنّف رحمه‌الله أنّ قاعدة حمل المطلق على المقيّد لا تجري في المقام ، وذلك لأنّ المقيّد يكون على قسمين : قسم منه يكون معينا ومنافيا للإطلاق ، فيجب حمل المطلق عليه ، وقسم ليس كذلك ، بل يكون المقيّد مردّدا بين المعنيين ، أحدهما يكون منافيا للإطلاق ، والآخر لا ينافي الإطلاق.

فمقتضى القاعدة هو رفع الاجمال عن المقيّد بحمله على معنى لا ينافي الإطلاق بأصالة الإطلاق ، فلا تجري قاعدة حمل المطلق على المقيّد في هذا القسم ، بل الأمر هو بالعكس ، أي : حمل المقيّد على معنى لا ينافي المطلق ، والمقام يكون من هذا القسم.

ومثال ذلك : قول المولى لعبده : جئني بالماء مطلقا ، ثم قال : جئني بالماء الفرات ، المردّد بين ما هو الغالب في العراق وهو نهر الفرات المعروف ، وكان المولى ساكنا بالكوفة مثلا ، وبين الماء الفرات المقابل للماء المالح طعما ، فيحمل المقيّد على معنى لا ينافي الإطلاق ، أي : الفرات الغالب المعروف في العراق.

وكذا في المقام يكون المقيّد وهو قوله : إن قرئت عليه وفسّرت له ، مردّدا بين المعنيين ، أحدهما لا ينافي الإطلاق وهو : فسّرت ، إن اريد بها خلاف الظاهر ، والآخر ينافي الإطلاق وهو : فسّرت ، وإن اريد بها ظاهرها ، فنتمسّك بالإطلاق ، ونرفع الإجمال عن المقيّد بحمله

٢٦٤

بيان أنّ المراد من قوله تعالى : (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا)(١) بيان الترخيص في أصل تشريع القصر وكونه مبنيا على التخفيف ، فلا ينافي تعيّن القصر على المسافر وعدم صحة الإتمام منه ، ومثل هذه المخالفة للظاهر تحتاج إلى التفسير بلا شبهة.

وقد ذكر زرارة ومحمد بن مسلم للإمام عليه‌السلام : إن الله تعالى قال : (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ) ولم يقل : افعلوا؟ فأجاب عليه‌السلام : (بأنّه من قبيل قوله تعالى : (فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ

____________________________________

على ما لا ينافي الإطلاق ، فنقول :

إن المراد به تفسير ما يحتاج إلى التفسير وهو خلاف الظاهر ، فيجوز العمل بظواهر القرآن بمقتضى الإطلاق ، فبأصالة الإطلاق في باقي الروايات نرفع الإجمال عن هذا الخبر المقيّد بالتفسير ، فلا بدّ من إثبات إرادة خلاف الظاهر من آية القصر حتى تحتاج إلى التفسير وهي قوله تعالى : (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ) ، (بيان الترخيص في أصل تشريع القصر).

ولتوضيح المراد من الآية نقول : إنّ هنا مقامان :

الأول : مقام الجعل وتشريع الحكم وهو في المقام جعل وجوب الصوم في السفر للمسافر كجعل وجوب السعي بين الصفا والمروة لمن حجّ البيت.

والثاني : مقام المجعول بعد تحقّق الجعل ، وهو نفس الوجوب ، وظاهر لا جناح لكم أن تقصّروا في الآية المستفاد منه الجواز والترخيص ، أنّه راجع إلى المجعول أي : المجعول هو الترخيص ، فينافي أن يكون المجعول هو الوجوب ولكن اريد من الآية ما هو خلاف ظاهرها وهو كون الترخيص المستفاد من (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ) راجعا إلى أصل الجعل يعني : لا جناح ، ولا بأس بأن يجعل الشارع وجوب الصوم في السفر للمسافر تخفيفا وتسهيلا له ، فلا ينافي ترخيص الجعل وجوب المجعول ، وهو التكليف الوجوبي ، فالمراد من الآية في المقام هو عدم الجناح والترخيص في أصل الجعل والتشريع ، وهو خلاف ظاهرها ، فلذا قال الإمام عليه‌السلام : (إن قرئت عليه وفسّرت له) إذ إرادة خلاف الظاهر منها يحتاج إلى التفسير ، فلا ينافي إطلاق ما دلّ على جواز العمل بظواهر القرآن من دون حاجة إلى التفسير ، فلا

__________________

(١) النساء : ١٠١.

٢٦٥

أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما)(١)) (٢).

وهذا أيضا يدل على تقرير الإمام عليه‌السلام لهما في التعرض لاستفادة الأحكام من الكتاب والدخل والتصرف في ظواهره.

ومن ذلك استشهاد الإمام عليه‌السلام بآيات كثيرة ، مثل : الاستشهاد لحلّية بعض النساء بقوله تعالى : (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ)(٣) ، وفي عدم جواز طلاق العبد بقوله تعالى : (عَبْداً

____________________________________

تدلّ هذه الرواية على عدم جواز العمل بظاهر القرآن من دون تفسير.

والنكتة في التعبير بلا جناح الراجع إلى بيان الترخيص في أصل الجعل والتشريع ، هو أنّ الناس كانوا يتوهّمون أنّ تشريع القصر في السفر أمر بعيد فيه جناح وبأس ، فصرّح الشارع بنفي الجناح دفعا لهذا التوهّم منهم ، كما عبّر بنفس هذا التعبير بالنسبة إلى السعي بين الصفا والمروة حيث قال تعالى : (فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما) أي : بالصفا والمروة ، فالمراد هو وجوب السعي بينهما وعبّر بنفي الجناح لأنّ الناس كانوا يتوهّمون أنّ تشريع السعي بين الصفا والمروة بعيد لأنّه من عمل المشركين ، فصرّح الشرع بشرعيّته في مقابل توهّمهم ، فنفي الجناح راجع إلى الجعل والتشريع فلا ينافي أن يكون المجعول هو الوجوب ، غاية الأمر يكون رجوع الترخيص الظاهر في المجعول إلى الجعل ، والتشريع على خلاف الظاهر ، فيحتاج إلى بيان.

وتفسير هذا مضافا إلى جواب الإمام عمّا ذكر زرارة ، ومحمد بن مسلم ، الذي يدل على تقرير الإمام لهما لاستنباط الحكم من الكتاب والاستشكال في ظاهره ، فيكون دليلا على حجّية ظاهر القرآن. هذا تمام الكلام فيما دلّ على حجّية ظواهر القرآن بحسب قول الإمام عليه‌السلام وتقريره.

وبقي الكلام فيما دلّ على حجّية ظواهر القرآن بحسب فعل الإمام عليه‌السلام ، وقد أشار إليه المصنّف رحمه‌الله بقوله : (ومن ذلك استشهاد الإمام عليه‌السلام بآيات كثيرة ، مثل : الاستشهاد لحلّية بعض النساء بقوله تعالى : (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ) ، وفي عدم جواز طلاق العبد بقوله

__________________

(١) البقرة : ١٥٨.

(٢) الفقيه ١ : ٢٧٨ / ١٢٦٦.

(٣) النساء : ٢٤.

٢٦٦

مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ)(١).

ومن ذلك الاستشهاد لحلّية بعض الحيوانات بقوله تعالى : (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً)(٢) الآية ، إلى غير ذلك ممّا لا يحصى.

الثاني من وجهي المنع : إنّا نعلم بطروّ التقييد والتخصيص والتجوّز في أكثر ظواهر الكتاب ، وذلك ممّا يسقطها عن الظهور ، وفيه :

أولا : النقض بظواهر السنّة ، فإنّا نقطع بطروّ مخالفة الظاهر في أكثرها.

____________________________________

تعالى : (عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ)).

والمستفاد من فعل الإمام حيث استشهد بهذه الآيات هو حجّية ظواهر القرآن إذ لو لم يكن القرآن صادرا للإفهام ، ولم يكن التمسّك به جائزا لم يكن وجه لتمسّك الإمام عليه‌السلام بظاهر الآيات ، بل كان له بيان الحكم من دون الاستشهاد بالقرآن ، وهذا تمام الكلام في الوجه الأول الذي استدل به الأخباريون على عدم جواز العمل بظواهر الكتاب فيقع الكلام في الوجه الثاني.

وقد أشار إليه المصنّف رحمه‌الله بقوله : (الثاني من وجهي المنع : إنّا نعلم بطروّ التقييد والتخصيص والتجوّز في أكثر ظواهر الكتاب ، وذلك ممّا يسقطها عن الظهور).

وحاصل هذا الوجه يتضح بعد ذكر مقدّمة ، وهي : إنّ الآيات المتشابهات ليست بحجّة قطعا كما في الخبر المتقدّم المرويّ عن الإمام الصادق عليه‌السلام ، قال عليه‌السلام في حديث طويل : (إنّما هلك الناس في المتشابه) (٣).

ثم المتشابه يكون على قسمين ، ومنه ما هو المتشابه بالذات وهو كون اللفظ مجملا حقيقة ، ومنه ما هو المتشابه بالعرض الحاصل بالعلم الإجمالي بطروّ التخصيص للعموم ، والتقييد للإطلاق فيسقط ظهور العام في العموم ، والمطلق في الإطلاق ، فيكون كل واحد منهما متشابها بالعرض ، فيسقط عن الحجّية كالمتشابه بالذات ، فلا يجوز العمل به.

إذا عرفت هذه المقدّمة فنقول : إنّ المقام يكون من المتشابه بالعرض عند الأخباريين ،

__________________

(١) النحل : ٧٥.

(٢) الأنعام : ١٤٥.

(٣) الوسائل ٢٧ : ٢٠١ ، أبواب صفات القاضي ، ب ١٣ ، ح ٦٢.

٢٦٧

وثانيا : إنّ هذا لا يوجب السقوط ، وإنّما يوجب الفحص عمّا يوجب مخالفة الظاهر.

فإن قلت : العلم الإجمالي بوجود مخالفات الظواهر لا يرتفع أثره ، وهو وجوب التوقّف بالفحص ، ولذا لو تردّد اللفظ بين معنيين أو علم إجمالا بمخالفة أحد الظاهرين لظاهر الآخر

____________________________________

فقولهم : إنّ ظواهر الكتاب ليست بحجّة هذه القضية سالبة بانتفاء الموضوع ، يعني : لا يبقى له ظهور بعد العلم الإجمالي المذكور حتى يكون حجّة فيصبح متشابها ، وهو لا يكون حجّة قطعا ، ثم قد أجاب المصنّف رحمه‌الله عن هذا الوجه بجوابين :

الأول : هو النقض بظواهر السنّة للعلم الإجمالي بطروّ التخصيص ، والتقييد والتجوّز ، وغيرها في السنّة كالكتاب ، فلو كان هذا العلم الإجمالي مانعا عن الظهور في الكتاب لكان كذلك في الأخبار أيضا ، والتالي باطل باعتراف الأخباريين لأنّهم يحكمون بحجّيتها ، فكذلك نحن نحكم بحجّية الآيات ، إذ حكم الأمثال فيما يجوز وما لا يجوز واحد.

(وثانيا : إنّ هذا لا يوجب السقوط) هذا هو الجواب الثاني الحلّي.

وحاصل هذا الجواب هو أنّ العلم الإجمالي المذكور لا يوجب سقوط الظواهر عن الحجّية ، بل لازم العلم الاجمالي هو التوقّف في العمل بالظواهر قبل الفحص عن المخصّص والمقيّد وقرينة المجاز ، وأمّا بعده فلا يجب التوقّف ، بل إن وجد المخالف فهو ، والّا فيعمل بالظواهر.

(فإن قلت : العلم الإجمالي بوجود مخالفات الظواهر لا يرتفع أثره ، وهو وجوب التوقّف بالفحص).

يعني : إنّ العلم الإجمالي إذا كان سببا للإجمال الموجب للتوقّف لا يرتفع الإجمال الموجب للتوقّف بالفحص ، كما لا يرتفع الإجمال الذاتي ، كالإجمال في اللفظ المشترك بين المعنيين بالفحص.

بل الإجمال بالعرض الحاصل بسبب العلم الإجمالي بإرادة خلاف أحد الظاهرين المتعارضين في مادة الاجتماع ، كما إذا قال المولى لعبده : أكرم العلماء ، ثم ورد منه أيضا : لا تكرم الشعراء ، فيتعارض ظاهرهما في العالم الشاعر ، وهو مادة الاجتماع ، فيعلم العبد إجمالا أنّ أحد الظاهرين مخصّص للآخر قطعا ، فاريد من أحدهما ما هو خلاف الظاهر ، فوجب عليه التوقّف ما دام العلم الإجمالي باقيا.

٢٦٨

ـ كما في العامّين من وجه وشبههما ـ وجب التوقّف فيه ولو بعد الفحص.

قلت : هذه شبهة ربّما تورد على من استدل على وجوب الفحص عن المخصّص في العمومات بثبوت العلم الإجمالي بوجود المخصّصات ، فإنّ العلم الإجمالي ؛ إمّا أن يبقى أثره ولو بعد العلم التفصيلي بوجود عدّة مخصّصات ، وإمّا أن لا يبقى ، فإن بقي فلا يرتفع بالفحص ، والّا فلا مقتضي للفحص.

____________________________________

(وشبههما) من موارد تعارض الظاهرين كقول الشارع مثلا : اغتسل للجمعة ، الظاهر في الوجوب ، ثم قال ثانيا : ينبغي لك غسل الجمعة ، الظاهر في الاستحباب فنعلم إجمالا أنّ أحد الظاهرين لم يكن مرادا ، فوجب علينا التوقّف ما دام العلم الإجمالي باقيا ولو بعد الفحص ؛ لأنّ وجوب التوقّف المسبّب عن العلم الإجمالي لا يرتفع ما دام العلم الإجمالي باقيا لامتناع ارتفاع المعلول مع بقاء العلّة.

(قلت : هذه شبهة ربّما تورد على من استدل على وجوب الفحص عن المخصّص في العمومات بثبوت العلم الإجمالي بوجود المخصّصات).

يقول المصنّف رحمه‌الله : هذه الشبهة قد اوردت على من استدل على وجوب الفحص عن المخصّص من جهة العلم الإجمالي بوجود المخصّصات ، فيرد عليه هذا الإشكال.

فيقال : إنّ العلم بوجود المخصّصات لا يرتفع بالفحص ، فلا يصحّ القول بوجوب التوقّف قبل الفحص لا بعده ، بل يجب التوقّف مطلقا ـ أي : قبل الفحص ، وبعده ـ لأنّ العلم باق على كل حال ـ أي : قبل الفحص ، وبعده ـ فيجب أن يبقى أثره ـ أيضا ـ وهو وجوب التوقّف (ولو بعد العلم التفصيلي بوجود عدّة مخصّصات) بأن يكون مقدار المعلوم بالإجمال مثلا مائة وحصل بالفحص خمسون.

وإن قلنا : بأنه لا يبقى أثر العلم الإجمالي ، وهو وجوب التوقّف بعد الفحص ، لكان معناه عدم مقتضي للفحص من الأول ، فالأمر يدور بين عدم وجوب الفحص والتوقّف أصلا وبين وجوبهما ما دام العلم الإجمالي باقيا ولو بعد الفحص لأنّ الموجب لوجوب التوقّف هو العلم الإجمالي ، فلا يرتفع الّا بارتفاع العلم الإجمالي بانحلاله إلى العلم التفصيلي ، فالقول بوجوب التوقّف قبل الفحص ، وعدمه بعده باطل جدا. هذا غاية ما يمكن في تقريب الشبهة.

٢٦٩

وتندفع هذه الشبهة : بأنّ المعلوم إجمالا هو وجود مخالفات كثيرة في الواقع فيما بأيدينا ، بحيث تظهر تفصيلا بعد الفحص ، وأمّا وجود مخالفات في الواقع زائدا على ذلك فغير معلوم ، فحينئذ لا يجوز العمل قبل الفحص ، لاحتمال وجود مخصّص يظهر بعد الفحص ، ولا يمكن نفيه بالأصل لأجل العلم الإجمالي. وأما بعد الفحص فاحتمال وجود المخصّص في الواقع ينفى بالأصل السالم عن العلم الإجمالي.

والحاصل : أنّ المنصف لا يجد فرقا بين ظاهر الكتاب والسنّة ، لا قبل الفحص ولا بعده ، ثم إنّك قد عرفت أنّ العمدة في منع الأخباريين من العمل بظواهر الكتاب هي الأخبار المانعة عن تفسير القرآن الّا أنه يظهر من كلام السيد الصدر شارح الوافية ، في آخر كلامه ، أنّ المنع عن العمل بظواهر الكتاب هو مقتضى الأصل ، والعمل بظواهر الأخبار خرج بالدليل ، حيث قال ـ بعد إثبات أنّ في القرآن محكمات وظواهر وأنّه ممّا لا يصحّ انكاره ، وينبغي النزاع في جواز العمل بالظواهر وأن الحقّ مع الأخباريين ـ ما خلاصته :

____________________________________

(وتندفع هذه الشبهة) وحاصل اندفاع الشبهة أن يقال :

إنّ العلم الإجمالي موجب للتوقّف والفحص قطعا ، وأنّ وجوب التوقّف باق ببقاء العلم الإجمالي حتما ، الّا أن العلم الإجمالي لا يبقى بعد الفحص حتى يجب التوقّف ، فالقول بوجوب التوقّف قبل الفحص وعدمه بعد الفحص صحيح جدا ، ولا إشكال فيه أصلا.

وذلك لأنّ المراد من وجود مخالفات في الواقع أي : في الأخبار التي وصلت إلينا ، الموجودة في الكتب الصحاح عندنا ، فيمكن تحصيل هذه المخصّصات ، والمقيّدات بالفحص ، فلا يبقى لنا علم إجمالي بوجود مخالفات في الأخبار.

نعم ، نشك في وجود مخصّصات ، ومقيّدات في الواقع زائدا على ما وجدنا ، فنجري الأصل ونحكم بعدمها بالأصل السالم عن العلم الإجمالي ، فالحاصل : أنّه لا يجوز العمل بالعمومات والظواهر قبل الفحص لاحتمال وجود المخصّصات والمخالفات بين الأخبار ، ولا مانع من العمل بها بعد الفحص.

(الّا أنّه يظهر من كلام السيد الصدر شارح الوافية في آخر كلامه ، أن المنع عن العمل بظواهر الكتاب هو مقتضى الأصل ، والعمل بظواهر الأخبار خرج بالدليل).

والمستفاد من كلام شارح الوافية كما يأتي تفصيله عن قريب هو المنع عن العمل

٢٧٠

«إنّ التوضيح يظهر بعد مقدّمتين :

الاولى : إنّ بقاء التكليف ممّا لا شك فيه ، ولزوم العمل بمقتضاه موقوف على الإفهام ، وهو يكون في الأكثر بالقول ، ودلالته في الأكثر تكون ظنية ، إذ مدار الإفهام على إلقاء الحقائق مجردة عن القرينة وعلى ما يفهمون ، وإن كان احتمال التجوّز وخفاء القرينة باقيا.

الثانية : إنّ المتشابه كما يكون في أصل اللغة كذلك يكون بحسب الاصطلاح ، مثل أن يقول أحد : أنا استعمل العمومات ، وكثيرا ما اريد الخصوص من غير قرينة وربّما اخاطب أحدا واريد غيره ، ونحو ذلك.

____________________________________

بظواهر الكتاب حيث قال : إنّ المنع عن العمل بالظن هو مقتضى الأصل الّا ما أخرجه الدليل.

ثم حكم بخروج ظواهر الأخبار بالدليل عن هذا الأصل ، والدليل هو إجماع الأصحاب على العمل بها ، وإنّما النزاع في ظواهر القرآن ، والحقّ فيه مع الأخباريين ، ثم ذكر مقدّمتين :

المقدّمة الاولى : (إنّ بقاء التكليف ممّا لا شك فيه) يعني : بقاء التكليف بالواجبات والمحرمات يكون من ضروريات الدين ثم لاقتحام وإدراج بقاء التكليف في هذه المقدمة نكتة ، وهي : إنّ نتيجة بقاء التكليف هي وجوب العمل بظواهر الكتاب والسنّة ، إذ مع عدم بقاء التكليف لا معنى لوجوب العمل بها.

ثم قال : (ولزوم العمل بمقتضاه) أي : التكليف (موقوف على الإفهام ، وهو يكون في الأكثر بالقول ، ودلالته في الأكثر تكون ظنيّة ، إذ مدار الإفهام على إلقاء الحقائق مجرّدة عن القرينة) كما هو طريق العرف ، وأهل اللسان المتعارف بين الناس في مقام الإفهام ، حيث يذكرون الألفاظ ، ويريدون معانيها الظاهرية من دون نصب قرينة ، وإن كان احتمال التجوّز وإخفاء القرينة على إرادة خلاف الظاهر باقيا. هذه هي المقدمة الاولى مع توضيح منّا ، فعلم منها أن دلالة الألفاظ تكون ظنية.

(الثانية :) وهي مضطربة من حيث بيان المطالب المختلفة. المطلب الأول الذي يظهر من أول المقدمة هو : إنّ القرآن متشابه بالذات ، ولكن على نحو المتشابه الاصطلاحي.

ثم يذكر توضيح المتشابه في الاصطلاح مع المثال ، فهذا المطلب يكون دليلا على منع الصغرى ، يعني : لا ظهور للقرآن أصلا ، لأنّه لم يصدر للإفهام كما هو مقتضى هذا الأمر

٢٧١

فحينئذ لا يجوز لنا القطع بمراده ولا يحصل لنا الظن به ، والقرآن من هذا القبيل ، لأنه نزل على اصطلاح خاص ، لا أقول على وضع جديد ، بل أعمّ من أن يكون ذلك أو تكون فيه مجازات لا يعرفها العرب ، ومع ذلك قد وجدت فيه كلمات لا يعلم المراد منها ، كالمقطعات.

ثم قال : قال سبحانه : (مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ)(١) الآية ، ذمّ على اتباع المتشابه ، ولم يبين لهم المتشابهات ما هي ، وكم هي ، بل لم يبين لهم المراد من هذا اللفظ ، وجعل البيان موكولا إلى خلفائه ، والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله نهى الناس عن التفسير بالآراء ، وجعلوا الأصل عدم العمل بالظن إلّا ما أخرجه الدليل.

إذا تمهدت المقدّمتان ، فنقول : مقتضى الاولى العمل بالظواهر ، ومقتضى الثانية عدم

____________________________________

الأول.

ثم يذكر المطلب الثاني وهو : إن القرآن يكون متشابها بالعرض ، وذلك حيث قال تعالى : (مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ)(٢) ، لم يبيّن المراد من المتشابهات لا كمّا ولا كيفا ، فأصبح المتشابه متشابها مفهوما ، فقد صار القرآن متشابها بالعرض ، فيكون هذا المطلب ـ أيضا ـ دليلا على منع الصغرى ، أي : لا ظهور للقرآن لكونه متشابها ، ولو بالعرض.

ثم يبيّن المطلب الثالث فيقول : والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله نهى الناس عن التفسير بالآراء ؛ فيكون هذا دليلا على عدم جواز العمل بالقرآن ؛ لأنّه تفسير بالرأي.

المطلب الرابع وهو قوله : وجعلوا الأصل عدم العمل بالظنّ الّا ما أخرجه الدليل ، فيكون مقتضى هذا المطلب هو منع الكبرى ـ أي : عدم جواز العمل بالظنّ الحاصل من ظاهر القرآن ـ.

فالمستفاد من هذا الكلام هو أنّ للقرآن ظواهر ، ولكن جعلوا الأصل عدم العمل بالظنّ الّا ما أخرجه الدليل ؛ وهو ظواهر الأخبار ، وقد قام إجماع الأصحاب على حجّيتها. هذا تمام الكلام في المقدّمتين اللّتين ذكرهما السيد.

ثم قال : (مقتضى الاولى العمل بالظواهر) ، إذ قد تقدّم أن المتعارف بين الناس في مقام

__________________

(١) آل عمران : ٧.

(٢) آل عمران : ٧.

٢٧٢

العمل ؛ لأنّ ما صار متشابها لا يحصل الظنّ بالمراد منه ، وما بقي ظهوره مندرج في الأصل المذكور ، فنطالب بدليل جواز العمل ؛ لأنّ الأصل الثابت عند الخاصة هو عدم جواز العمل بالظنّ إلّا ما أخرجه الدليل.

لا يقال : إنّ الظاهر من المحكم ووجوب العمل بالمحكم إجماعي.

لأنّا نمنع الصغرى ، إذ المعلوم عندنا مساواة المحكم للنصّ. وأما شموله للظاهر فلا ـ إلى أن قال ـ :

لا يقال : إنّ ما ذكرتم لو تمّ لدلّ على عدم جواز العمل بظواهر الأخبار أيضا ، لما فيها من الناسخ والمنسوخ ، والمحكم والمتشابه ، والعام والمخصّص ، والمطلق والمقيّد.

لأنّا نقول : إنّا لو خلّينا وأنفسنا لعملنا بظواهر الكتاب والسنّة مع عدم نصب القرينة

____________________________________

التفهيم والإفهام هو ذكر اللفظ وإرادة ظاهره من دون نصب قرينة.

وتقدم ـ أيضا ـ إنّ طريق الشارع مطابق لطريق أهل اللسان ، والأصل في الكلام كونه صادرا للإفهام.

(ومقتضى الثانية عدم العمل) إذ تقدّم ما يقتضي منع العمل بالقرآن من الأدلة الأربعة ، وكان بعضها راجعا إلى منع الصغرى ، وبعضها إلى منع الكبرى ، وقد لخّصها بقوله : (لأنّ ما صار متشابها لا يحصل الظنّ بالمراد منه) ، فلا ظهور له.

(وما بقي ظهوره مندرج في الأصل المذكور) أي : أصالة حرمة العمل بالظنّ إلّا ما أخرجه الدليل ، ولا دليل لنا على حجّية ظواهر الكتاب.

(لا يقال) : إنّ النهي عن اتّباع المتشابه لا يوجب حرمة العمل بالظواهر ؛ لأنّ الظواهر من أقسام المحكمات ، ووجوب العمل بالمحكمات إجماعي (لأنّا نمنع الصغرى) يعني : لا نسلّم كون الظاهر داخلا في المحكم ، إذ المعلوم عندنا مساواة المحكم للنصّ ، فيكون النصّ واجب العمل ، وأمّا الظاهر فيحتمل كونه من المحكم ومن المتشابه فيحرم العمل به بما تقدم من الأدلة.

(لا يقال : إنّ ما ذكرتم لو تمّ لدلّ على عدم جواز العمل بظواهر الأخبار) لأنّ أصالة حرمة العمل بالظنّ تدلّ على حرمة العمل بظواهر الأخبار كما تدلّ على حرمة العمل بظواهر القرآن.

٢٧٣

على خلافها ، ولكن منعنا من ذلك في القرآن للمنع من اتّباع المتشابه وعدم بيان حقيقته ، ومنعنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن تفسير القرآن ، ولا ريب في أنّ غير النصّ محتاج إلى التفسير ، وأيضا ذمّ الله تعالى من اتّباع الظنّ ، وكذا الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وأوصياؤه عليهم‌السلام ، ولم يستثنوا ظواهر القرآن ـ إلى أن قال ـ : وأمّا الأخبار : فقد سبق أنّ أصحاب الأئمة عليهم‌السلام كانوا عاملين بأخبار الآحاد من غير فحص عن مخصّص أو معارض ناسخ أو مقيّد ، ولو لا هذا لكنّا في العمل بظواهر الأخبار ـ أيضا ـ من المتوقّفين» انتهى.

أقول : وفيه مواقع للنظر ، سيّما في جعل العمل بظواهر الأخبار من جهة قيام الإجماع العملي ، ولو لاه لتوقّف في العمل بها أيضا ، إذ لا يخفى أن عمل أصحاب الأئمّة عليهم‌السلام بظواهر الأخبار لم يكن لدليل خاص شرعي وصل إليهم من أئمّتهم ، وإنّما كان أمرا مركوزا في أذهانهم بالنسبة إلى مطلق الكلام الصادر من المتكلّم لأجل الإفادة والاستفادة ، سواء كان من الشارع أم غيره. وهذا المعنى جار في القرآن ـ أيضا ـ على تقدير كونه ملقى للإفادة والاستفادة على ما هو الأصل في خطاب كل متكلّم.

____________________________________

(لأنّا نقول : إنّا لو خلّينا وأنفسنا لعملنا) بمقتضى المقدمة الاولى بظواهر الكتاب والسنّة معا ، ولكن منعنا عن العمل بظواهر الكتاب للأدلة المذكورة.

وأمّا الأخبار فقد خرجت عن الأصل المذكور بسبب عمل أصحاب الأئمّة بها ، فإجماع الأصحاب كاشف عن وصول الدليل إليهم من الإمام عليه‌السلام.

(ولو لا هذا) الإجماع (لكنّا في العمل بظواهر الأخبار ـ أيضا ـ من المتوقّفين) كظواهر الكتاب بمقتضى الأصل المذكور.

(وفيه : مواقع للنظر) يعني : فيما أفاده شارح الوافية مواقع للنظر والإشكال ، الإشكالات فيه أكثر ممّا ذكره المصنّف رحمه‌الله فنذكر جملة منها :

الأول : ما يقوله المصنّف رحمه‌الله اعتراضا على جعل شارح الوافية مستند جواز العمل بظواهر السنّة عمل أصحاب الأئمّة بظواهر السنّة حيث قال : لو لا هذا الإجماع العملي لما عملنا بظواهر السنّة ، فجعل الفارق بين ظواهرها وبين ظواهر الكتاب عمل الأصحاب بها دونها.

ثم هذا الفرق يكون صحيحا فيما إذا كان عملهم بظواهر السنّة لدليل خاص وصل إليهم

٢٧٤

نعم ، الأصل الأوّلي هي حرمة العمل بالظنّ ، على ما عرفت مفصّلا. لكن الخارج منه ليس خصوص ظواهر الأخبار حتى يبقى الباقي ، بل الخارج منه هو مطلق الظهور الناشئ عن كلام كل متكلّم القي إلى غيره للإفهام ، ثم إنّ ما ذكره ـ من عدم العلم بكون الظواهر من المحكمات واحتمال كونها من المتشابهات ـ ممنوع.

أولا : بأنّ المتشابه لا يصدق على الظواهر ، لا لغة ولا عرفا ، بل يصح سلبه عنه. فالنهي الوارد عن اتباع المتشابه لا يمنع ، كما اعترف به في المقدّمة الاولى ، من أنّ مقتضى القاعدة

____________________________________

من أئمّتهم ، مع أن الأمر ليس كذلك ، إذ عملهم بظواهر السنّة كان من جهة ما هو المركوز في أنفسهم من العمل بظواهر كل كلام صادر من متكلّم إلى مخاطب ، وهذا الملاك لم يكن وجوده مختصّا بظواهر السنّة ، بل يجري في ظواهر الكتاب أيضا ، ولهذا كان أصحاب الأئمّة عاملين بظواهر الكتاب أيضا.

والإشكال الثاني : قد أشار إليه المصنّف رحمه‌الله بقوله :

(لكن الخارج منه ليس خصوص ظواهر الأخبار) يعني : مقتضى الأصل وإن كان حرمة العمل بالظن ، ولكن ما خرج عنه ليس خصوص ظواهر الأخبار كما زعم شارح الوافية ، (بل الخارج منه مطلق الظهور الناشئ عن كلام كل متكلّم القي إلى غيره للإفهام) بسبب اتفاق أهل اللسان على اعتبار الظواهر.

والإشكال الثالث ما ذكره المصنّف رحمه‌الله حيث قال : (إنّ ما ذكره ـ من عدم العلم بكون الظواهر من المحكمات واحتمال كونها من المتشابهات ـ ممنوع).

(أولا : بأن المتشابه لا يصدق على الظواهر ، لا لغة ولا عرفا) لأن المتشابه في اللغة هو غير المضبوط ، وفي العرف هو غير المتضح ، فيكون المحكم هو المضبوط والمتضح ، فيكون الظاهر من المحكم ؛ لأنّه متضح ومضبوط ، والمتشابه عند الاصوليين هو القدر المشترك بين المجمل والظاهر ؛ وهو الطرف المرجوح من الظاهر ، والمحكم عندهم هو القدر المشترك بين الظاهر والنصّ ؛ وهو الطرف الراجح من الظاهر ، وعلى جميع التقادير لا يصدق المتشابه على الظواهر ، فكيف يقول شارح الوافية بعدم العلم بكون الظواهر من المحكمات؟!.

(فالنهي الوارد عن اتباع المتشابه لا يمنع) عن العمل بالظواهر ؛ لأن الظواهر ليست من

٢٧٥

وجوب العمل بالظواهر.

وثانيا : بأنّ احتمال كونها من المتشابه لا ينفع في الخروج عن الأصل الذي اعترف به ، ودعوى اعتبار العلم بكونها من المحكم هدم لما اعترف به من أصالة حجّية الظواهر ، لأنّ مقتضى ذلك الأصل جواز العمل إلّا أن يعلم كونه ممّا نهى الشارع عنه.

وبالجملة : فالحق ما اعترف به قدس‌سره ، من أنّا لو خلّينا وأنفسنا لعملنا بظواهر الكتاب ، ولا بدّ للمانع من إثبات المنع.

ثم إنّك قد عرفت ممّا ذكرنا أن خلاف الأخباريين في ظواهر الكتاب ليس في الوجه الذي ذكرنا من اعتبار الظواهر اللفظية في الكلمات الصادرة لإفادة المطلب واستفادته ، وإنّما

____________________________________

المتشابه ، والمنهي عنه هو المتشابه.

(وثانيا : بأن احتمال كونها من المتشابه لا ينفع في الخروج عن الأصل الذي اعترف به). والمراد من الأصل هو الأصل الثانوي المستفاد من المقدمة الاولى لشارح الوافية ، ومقتضى هذا الأصل هو حجّية الظواهر.

فالحاصل ، إنّا لو سلّمنا احتمال كون الظواهر داخلة في المتشابه لا ينفع ذلك في إثبات حرمة العمل بالظنّ الحاصل من الظاهر ؛ لأن المرجّح في مورد الشك هو الأصل فنرجّح ونتمسك بأصالة حجّية الظواهر ، كما إذا احتملنا خمريّة شيء نتمسّك بأصالة الإباحة لا بأدلة حرمة الخمر ؛ لعدم إحراز الموضوع وهو الخمر.

(ودعوى اعتبار العلم بكونها من المحكم هدم لما اعترف به).

يعني : لو اعتبر شارح الوافية في حجّية الظواهر حصول العلم بكونها داخلة في المحكم لكان هذا هدما لما اعترف به في المقدمة الاولى من أصالة حجّية الظواهر ، إذ مقتضى هذا الأصل هو العكس ، أي : الحجّية وجواز العمل بها إلّا أن يعلم كونها من المتشابه الذي نهى الشارع عن اتباعه ، فعدم جواز العمل يكون مشروطا بالعلم بكونها من المتشابهات لا أن حجّيتها وجواز العمل بها مشروط بالعلم بكونها من المحكمات.

وبالجملة ، فمقتضى الأصل الثانوي المستفاد من المقدمة الاولى هو حجّية الظواهر ، فلا وجه للمنع ؛ لأن مجرد احتمال كون الظاهر من المتشابه لا يقتضي رفع اليد عنه ، مع كون مقتضى المقدمة الاولى هو جواز العمل بالظواهر.

٢٧٦

يكون خلافهم في أن خطابات الكتاب لم يقصد بها استفادة المراد من أنفسها ، بل بضميمة تفسير أهل الذكر ، أو أنها ليست بظواهر بعد احتمال كون محكمها من المتشابه ، كما عرفت من كلام السيد المتقدّم.

____________________________________

والإشكال الرابع : أن ما ذكره من دعوى مساواة المحكم للنصّ يكون ممّا لا دليل عليه ؛ لأن المحكم كما يشمل النصّ يشمل الظاهر ـ أيضا ـ كما بيّن في محلّه ، فلا وجه للتردّد في شمول المحكم للظاهر.

فملخّص الكلام أن ما ذكره شارح الوافية مع كونه مضطربا لا يرجع إلى محصّل صحيح.

* * *

٢٧٧

تنبيهات

وينبغي التنبيه على امور :

الأول : إنه ربّما يتوهّم بعض : «أن الخلاف في اعتبار ظواهر الكتاب قليل الجدوى ، إذ ليست آية متعلّقة بالفروع أو الاصول إلّا ورد في بيانها أو في الحكم الموافق لها خبر أو أخبار كثيرة ، بل انعقد الإجماع على أكثرها.

مع أن جلّ آيات الاصول والفروع ، بل كلّها ، ممّا تعلّق الحكم فيها بامور مجملة لا يمكن

____________________________________

(وينبغي التنبيه على امور : الأول : إنه ربّما يتوهّم بعض «أن الخلاف في اعتبار ظواهر الكتاب قليل الجدوى) والمتوهّم هو الفاضل النراقي.

والوجه في كون الخلاف في اعتبار ظواهر الكتاب قليل الفائدة يتّضح بعد ذكر مقدمة قصيرة ، وهي : إنّه لا بدّ في كل بحث ونزاع من ثمرة وفائدة ، وإلّا يكون النزاع لغوا وعبثا ، فلا يصدر عن عاقل فضلا عن العلماء الكاملين في العقل والعلم معا.

ولبيان التوهّم المذكور نقول : إن البحث عن حجّية الكتاب لا ثمرة فيه ، وذلك لوجهين :

الوجه الأول : عدم الحاجة إلى العمل بظواهر الكتاب ، إذ الآيات المتعلّقة بالقصص وأحوال الامم السابقين تكون خارجة عن محل النزاع ؛ لأن النزاع إنّما هو في الآيات المتعلّقة بالفروع ، وهذه الآيات ؛ إمّا فسّرت بالأخبار أو ثبتت الأحكام المستفادة منها بالأخبار والإجماع ، وعلى كلا التقديرين تكفينا الأخبار والإجماع من دون حاجة إلى التمسّك بالآيات لاستنباط الأحكام الفرعية منها.

وبالجملة ، لا حاجة لنا إلى الآيات المتعلّقة بالأحكام سواء كانت ظواهرها حجّة ، أو لم تكن كذلك ، فيكون الحاصل من البحث عن حجّية ظواهر القرآن لغوا ، ولا أثر لاعتبارها أو عدم اعتبارها ، إذ وجودها وعدمها سيّان بالنسبة إلى الأحكام ، هذا هو الوجه الأول.

وقد أشار المصنّف رحمه‌الله إلى الوجه الثاني بقوله : (مع أن جلّ آيات الاصول والفروع ، بل كلّها ، ممّا تعلّق الحكم فيها بامور مجملة).

وحاصل هذا الوجه أن الآيات المتعلّقة بالأحكام مجملة من حيث متعلّقات الأحكام ؛ لأنّ الأحكام قد تعلّقت بامور مجملة كالصلاة والصوم وغيرهما من المخترعات الشرعية ،

٢٧٨

العمل بها إلّا بعد أخذ تفصيلها من الأخبار» انتهى.

أقول : ولعلّه قصر نظره على الآيات الواردة في العبادات ، فإنّ أغلبها من قبيل ما ذكره ، والّا فالإطلاقات الواردة في المعاملات ممّا يتمسّك بها في الفروع غير المنصوصة أو المنصوصة بالنصوص المتكافئة كثيرة جدا ، مثل : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)(١) و (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ)(٢) و (تِجارَةً عَنْ تَراضٍ)(٣) و (فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ)(٤) و (لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ

____________________________________

(ولا يمكن العمل بها إلّا بعد أخذ تفصيلها من الأخبار) كما يقول به الأخباريون.

وعلى هذا فلا ظهور للآيات ، بل هنّ مجملات فينتفي موضوع البحث عن حجّية ظواهر الكتاب.

(أقول : ولعلّه قصر نظره إلى الآيات الواردة في العبادات ، فإنّ أغلبها من قبيل ما ذكره).

وقد قدّم المصنّف رحمه‌الله جواب الوجه الثاني عن جواب الوجه الأول.

وحاصل الجواب أن ما ذكر الفاضل النراقي من عدم الثمرة بعد إجمال الآيات صحيح بالنسبة إلى الآيات الواردة في العبادات ، فإنّها مجملة متعلّقة بامور مجملة قد ورد في تفسيرها أو في الحكم الموافق لها أخبار أو إجماع فلا ثمرة في حجّية ظواهرها ، فعدم جواز التمسّك بها واضح سيّما على القول بكون ألفاظ العبادات أسامي للصحيح ، غاية الأمر هذا يكون مبنيا على قصر النظر ، والتوجّه إلى الآيات الواردة في العبادات كما قال المصنّف رحمه‌الله : (لعله قصر نظره).

(والّا) أي : وإن لم يقصر التوجّه إلى الآيات الواردة في العبادات ، بل ينظر إلى جميع الآيات الواردة في الأحكام ، سواء كانت متعلّقة بالعبادات أو المعاملات كما هو الحقّ ، فلا يكون البحث عن حجّية الظواهر لغوا وبلا فائدة أو ثمرة لأن (الإطلاقات الواردة في المعاملات) كثيرة جدا فيتمسّك بها(في الفروع غير المنصوصة أو المنصوصة بالنصوص المتكافئة) فتظهر ثمرة حجّيتها في هذه الموارد لأن الانتفاع بالقرآن في باب التراجيح

__________________

(١) المائدة : ١.

(٢) البقرة : ٢٧٥.

(٣) النساء : ٢٩.

(٤) البقرة : ٢٨٣.

٢٧٩

أَمْوالَكُمْ)(١) و (لا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ)(٢) و (أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ)(٣) و (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا)(٤) و (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ)(٥) و (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ)(٦) و (عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ)(٧) و (ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ)(٨) وغير ذلك ممّا لا يحصى ، بل وفي

____________________________________

يكون من أعظم الفوائد ، فكيف يقال بأن الخلاف في اعتبار ظواهر القرآن قليل الجدوى!

ثم التمسّك بالكتاب في مورد التعارض ؛ إمّا لكونه مرجّحا ، ومعاضدا لأحد المتعارضين ، أو لكونه مرجعا عند تساقطهما.

(فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ) هذه الآية قد دلّت على جواز الرهن ، واشتراط القبض فيه (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ) هذه الآية قد دلّت على أن السفيه محجور عن التصرف ، وقوله تعالى : (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) دلّ على اعتبار خبر العادل ، كما يأتي في بحث حجّية خبر الواحد.

(فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ) الآية (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ) الآية يدلّان على حجّية فتوى المفتي ، فيجب التقليد عنه.

قوله تعالى : (عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ) يدلّ على عدم صحّة طلاق العبد.

وقوله تعالى : (ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ) يدلّ على عدم ضمان الودعي ، بل في العبادات ـ أيضا ـ تكون آيات كثيرة لها ظواهر ، وليس في مواردها خبر ولا إجماع ، فتظهر ثمرة حجّية ظواهرها في هذه الموارد ، كآية الوضوء والغسل تدل على وجوبهما ، وليس في الوضوء والغسل إجمال أصلا ، لأنّهما عند العرف من أوضح الواضحات من حيث

__________________

(١) النساء : ٥.

(٢) الإسراء : ٣٤.

(٣) النساء : ٢٤.

(٤) الحجرات : ٦.

(٥) التوبة : ١٢٢.

(٦) الأنبياء : ٧.

(٧) النحل : ٧٥.

(٨) التوبة : ٩١.

٢٨٠