دروس في الرسائل - ج ١

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في الرسائل - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: ياران
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٦٧

يوجب التوقّف فيها محذورا ، ولعلّ هذا المقدار مع الاتفاقات المستفيضة كاف في المطلب ، فتأمّل.

____________________________________

(وإن لم تكن الكثرة بحيث يوجب التوقّف فيها محذورا) أي : لم تكن الكثرة على حدّ يوجب الانسداد في أكثر الأحكام بحيث يكون الاحتياط فيها موجبا للعسر والحرج (ولعلّ هذا المقدار) من الانسداد(مع الاتفاقات المستفيضة) من العلماء والعقلاء ، والمحكي عن الفاضل السبزواري ، (كاف في المطلب) أي : حجّية قول اللغوي.

(فتأمّل) لعلّه اشارة إلى أن مفاد الإجماعات المستفيضة هو حجّية قول اللغوي من باب الظن الخاص ، ومفاد الانسداد هو الحجّية من باب الظن المطلق ، فلا تكون نتيجتهما حجّية قول اللغوي من باب الظن الخاص ؛ لأنّهما متغايران مفادا ، فكيف ينتجان كذلك ، مع أنّهما في أنفسهما لم يتمّا أصلا؟.

فالحاصل هو عدم حجّية قول اللغوي من باب الظن الخاص لعدم تماميّة الوجوه الأربعة المتقدّمة.

* * *

٣٢١

الإجماع المنقول بخبر الواحد

ومن جملة الظّنون الخارجة عن الأصل الإجماع المنقول بخبر الواحد عند كثير ممّن يقول باعتبار الخبر بالخصوص ، نظرا إلى أنّه من أفراده فتشمله أدلّته ، والمقصود من ذكره هنا مقدّما على بيان الحال في الأخبار هو التعرض للملازمة بين حجّية الخبر وحجّيته.

____________________________________

(ومن جملة الظّنون الخارجة عن الأصل الإجماع المنقول) وقبل الدخول في البحث تفصيلا لا بدّ من تحرير ما هو محلّ الكلام في المقام ، ويتّضح بعد بيان أمرين :

الأمر الأول : مناط حجّية الإجماع عند العامّة مخالف لما هو مناط الحجّية عند الخاصة ، لأنّ مناط الحجّية عند العامة هو نفس الاتفاق ، فللإجماع موضوعية عندهم ، وهو دليل مستقل في قبال سائر الأدلة ، هذا بخلاف ما هو المناط عند الخاصّة الإمامية ؛ لأنّ مناط الإجماع عندهم هو قول المعصوم عليه‌السلام ، ولمّا كان الإجماع كاشفا عنه كان حجّة ، فيكون من السنّة ، ولا يكون دليلا مستقلّا في مقابل سائر الأدلة ، ولهذا كان الأنسب تأخير هذا البحث عن بحث حجّية خبر الواحد لترتّبه على القول بحجّية خبر الواحد.

الأمر الثاني : هو أنّ الإجماع ينقسم إلى : المحصّل والمنقول ، ثمّ الأول إلى القطعي والظنّي ، والمحصّل ما حصّل بالتتبع ، ثم المتتبع بعد تحصيله لأقوال العلماء إما يحصل له العلم بقول المعصوم ، أو الظنّ به من اتفاقهم ، ثمّ أنّ المنقول قد يكون بالتواتر ، وقد يكون بخبر الواحد المحفوف بما يوجب القطع بصدقه ، وقد يكون بخبر الواحد المجرّد عن القرينة ، ومحلّ النزاع هو الأخير ، أي : الإجماع المنقول بخبر الواحد الظني.

وذهب جماعة ، بل أكثر الاصوليين ، إلى حجّية الإجماع المنقول بخبر الواحد(نظرا إلى أنّه من أفراده) ، أي : من أفراد خبر الواحد ، غاية الأمر أنّ نقل قول المعصوم في الخبر يكون بعنوان : قال الصادق عليه‌السلام كذا ، وفي الإجماع بعنوان : أجمع العلماء على كذا ، والمحكي في الموردين واحد.

قوله : (والمقصود من ذكره هنا مقدّما ... إلى آخره) ، دفع لما قد يرد في المقام من أنّ الإجماع المنقول بخبر الواحد يكون فردا من أفراد خبر الواحد ، فلا وجه لذكره مقدما على بحث الخبر وجعله بحثا مستقلا.

٣٢٢

فنقول : إنّ ظاهر أكثر القائلين باعتباره بالخصوص أنّ الدليل عليه هو الدليل على حجّية خبر العادل ، فهو عندهم كخبر صحيح عالي السند ، لأنّ مدّعي الإجماع يحكي مدلوله ويرويه عن الإمام عليه‌السلام بلا واسطة ، ويدخل الإجماع ما يدخل الخبر من الأقسام. ويلحقه ما يحلقه من الأحكام. والذي يقوى في النظر هو عدم الملازمة بين حجّية الخبر وحجّية الإجماع المنقول ، وتوضيح ذلك يحصل بتقديم أمرين :

____________________________________

وخلاصة الدفع : إنّ المقصود من ذكره مقدّما على بيان الحال في الأخبار هو البحث عن الملازمة بين حجّية الخبر وحجّية الإجماع ، مع أنّ الفرض هو عدم الدليل على حجّية الإجماع بالخصوص ، فلا يكون البحث عنه بحثا مستقلّا راجعا إلى اعتباره بالخصوص وعدمه ، بل إذا ثبتت الملازمة يترتب عليها اعتباره ، وإذا ثبت عدم الملازمة يترتب عليه عدم اعتباره بالخصوص.

(فنقول : إنّ ظاهر أكثر القائلين باعتباره بالخصوص أن الدليل عليه هو الدليل على حجّية خبر العادل ، فهو عندهم كخبر صحيح عالي السند ... إلى آخره).

إنّ الدليل على اعتبار الإجماع عند القائلين باعتباره هو نفس الدليل الدّال على حجّية خبر العادل ، فالإجماع عندهم يكون مثل خبر عالي السند ، والمراد بعالي السند هو الخبر من دون واسطة كخبر زرارة عن الإمام الصادق عليه‌السلام ، بلا واسطة.

(ويدخل الإجماع ما يدخل الخبر من الأقسام) من كونه صحيحا أو موثّقا أو حسنا أو ضعيفا ، وكونه آحادا ، أو مستفيضا ، أو متواترا ، وكونه مسندا أو مرسلا كما هو معلوم في علم الرجال.

(ويلحقه ما يلحقه من الاحكام ... الى آخره) كأحكام التعادل والتراجيح ، وتخصيص العام منه بخاص منه وغير ذلك.

وبالجملة ، إنّ المقصود الأصلي في بحث الإجماع المنقول هو البحث عن الملازمة بين حجّية الخبر وحجّية الإجماع ، فيقول المصنف : (والذي يقوى في النظر هو عدم الملازمة بين حجّية الخبر وحجّية الإجماع المنقول ، وتوضيح ذلك يحصل بتقديم أمرين).

وقد أثبت المصنّف رحمه‌الله عدم الملازمة بين الحجّتين في ضمن أمرين يكون كل واحد منهما ردّا للملازمة المتوهّمة بين حجّية خبر الواحد والإجماع المنقول.

٣٢٣

الأمر الأوّل : إنّ الأدلّة الخاصة التي أقاموها على حجّية خبر العادل لا تدلّ إلّا على حجّية الإخبار عن حسّ ؛ لأنّ العمدة من تلك الأدلّة هو الاتفاق الحاصل من عمل القدماء

____________________________________

وأمّا وجه الحاجة إلى الأمر الأول فلأجل توهّم الملازمة بينهما ، نظرا إلى كون كلّ منهما نقلا لقول المعصوم عليه‌السلام ، فيدل على حجّية الإجماع ما يدل على حجّية الخبر. فردّ المصنف رحمه‌الله هذا التوهّم في الأمر الأول بالفرق بين الخبر والإجماع المنقول ، وقال : إنّ الخبر يكون إخبارا عن حس ، والإجماع هو الإخبار عن حدس ، وأدلّة أخبار الآحاد إنّما تدل على حجّية ما يكون عن حس ، فلا تدل على حجّية ما يكون عن حدس ، فلا تشمل الإجماع المنقول.

وأمّا وجه الحاجة إلى الأمر الثاني ، فلأجل توهّم الملازمة بينهما ، بعد تسليم عدم دلالة أدلّة أخبار الآحاد على حجّية الإخبار عن حدس فقط ، وذلك إنّ التحدّس عن اللازم بالملزوم على وجهين : أحدهما : أن تكون الملازمة بينهما ضرورية ، أو عادية ، ثانيهما : أن تكون اتفاقية.

ثم استلزام اتفاق فتاوى العلماء ، أو جماعة منهم لقول الإمام عليه‌السلام قد يكون من القسم الأول ، كاتفاق فتاوى جميع علماء الأعصار ، وقد يكون من القسم الثاني ، كما إذا اتفق حصول العلم بقول الإمام عليه‌السلام من اتفاق جماعة.

وأدلة حجّية أخبار الآحاد إنّما لا تشمل اللّوازم الحدسية إذا كانت الملازمة اتفاقية ، وأمّا إذا كانت ضرورية أو عادية فتشملها بلا ريب وشك ، فيمكن أن تكون الملازمة بين الإجماع وقول المعصوم عليه‌السلام من هذا القبيل.

فردّ المصنّف رحمه‌الله هذا التوهّم في الأمر الثاني حيث قال فيه : إنّ الإجماع في الاصطلاح هو اتفاق علماء عصر من الأعصار على أمر ديني ، ولا ريب أنّ ملازمة اتفاق علماء عصر لموافقة قول المعصوم عليه‌السلام ـ مع قطع النظر عن موافقة السابقين واللّاحقين ـ ليست ضرورية ، ولا عادية ، فلا تشمله أدلة أخبار الآحاد.

هذا تمام الكلام في الأمرين ملخّصا قبل توضيحهما في كلام المصنف رحمه‌الله تفصيلا.

(الأمر الأول : إنّ الأدلة الخاصة ... إلى آخره) وهي ثلاثة :

الأول : الاتفاق الحاصل من عمل الأصحاب المسمّى بالإجماع العملي.

٣٢٤

وأصحاب الأئمّة عليهم‌السلام ، ومعلوم عدم شمولها إلّا للرواية المصطلحة ، وكذلك الأخبار الواردة في العمل بالروايات ، اللهمّ إلّا أن يدّعى أنّ المناط في وجوب العمل بالروايات هو كشفها عن الحكم الصادر عن المعصوم ، ولا يعتبر في ذلك حكاية ألفاظ الإمام عليه‌السلام ، ولذا يجوز النقل بالمعنى ، فإذا كان المناط كشف الروايات عن صدور معناها عن الإمام عليه‌السلام ـ ولو بلفظ آخر ، والمفروض أن حكاية الإجماع ـ أيضا ـ حكاية حكم صادر عن المعصوم عليه‌السلام ، بهذه العبارة التي هي معقد الإجماع ، أو بعبارة اخرى ـ وجب العمل به.

لكن هذا المناط لو ثبت دلّ على حجّية الشهرة ، بل فتوى الفقيه إذا كشف عن صدور الحكم بعبارة الفتوى أو بعبارة غيرها ، كما عمل بفتاوى علي بن بابويه قدس‌سره لتنزيل فتواه منزلة روايته ، بل على حجّية مطلق الظنّ بالحكم الصادر عن الإمام عليه‌السلام ، وسيجيء

____________________________________

والثاني : الأخبار الواردة في العمل بالروايات.

والثالث : الآيات.

ثم هذه الأدلة الخاصة الدّالة على حجّية أخبار الآحاد لا تشمل الإجماع المنقول بخبر الواحد ، لأنّها دلّت على حجّية الإخبار عن حسّ ، والإجماع المنقول ليس إخبارا عن حسّ ، بل هو الإخبار عن حدس ، إذ ناقل الإجماع يخبر عن قول الإمام عن حدس ، ولذا قال المصنّف رحمه‌الله : ب (عدم شمولها إلّا للرواية المصطلحة) وهي : عبارة عن حكاية قول المعصوم ، أو فعله ، أو تقريره عن حسّ من السمع والبصر.

قوله : (إلّا أن يدّعى أنّ المناط في وجوب العمل بالروايات ... إلى آخره) ذكر للتوهّم ، وتقريبه : إنّ المناط في وجوب العمل بالروايات هو كشفها ظنّا عن الحكم الصادر عن المعصوم عليه‌السلام ، ولا يعتبر في وجوب العمل بها حكاية ألفاظها ، ولذا يجوز نقلها بالمعنى ، فاذا كان المناط في وجوب العمل بها لكشفها عن صدور معناها عن المعصوم عليه‌السلام بأي لفظ كان لكان الإجماع المنقول حجّة مثلها ، لأن المفروض أنّ حكاية الإجماع ـ أيضا ـ حكاية للحكم الصادر عن المعصوم عليه‌السلام بعنوان الإجماع ، وقد دفع هذا التوهم بقوله :

(لكن هذا المناط لو ثبت دلّ على حجّية الشهرة) ، وحاصل الدفع : إنّ المناط المزبور لم يثبت عند العلماء ، إذ لو ثبت دلّ على حجّية الشهرة ؛ لأنّها ـ أيضا ـ كاشفة ظنّا عن حكم المعصوم عليه‌السلام ، بل فتوى الفقيه إذا لم يكن فتواه باجتهاداته ، بل كان بالرواية لفظا ومعنى ، أو

٣٢٥

توضيح الحال إن شاء الله.

وأمّا الآيات فالعمدة فيها من حيث وضوح الدلالة هي آية النبأ ، وهي إنّما تدلّ على وجوب قبول خبر العادل دون خبر الفاسق.

والظاهر منها ـ بقرينة التفصيل بين العادل حين الإخبار والفاسق ، وبقرينة تعليل اختصاص التبيّن بخبر الفاسق بقيام احتمال الوقوع في الندم احتمالا مساويا ، لأنّ الفاسق

____________________________________

على نحو النقل بالمعنى ، كما هو المتعارف عند الفقهاء قبل توسع علم الاصول ، بل حجّية مطلق الظن بالحكم الصادر عن المعصوم عليه‌السلام ، مع أنّه لم يقل أحد بحجّية هذه الامور.

فيرجع حاصل الدفع إلى قياس استثنائي ، فنقول : لو ثبت هذا المناط دلّ على حجّية الامور المتقدمة ، والتالي باطل فالمقدّم مثله.

(وأمّا الآيات فالعمدة فيها من حيث وضوح الدلالة هي آية النبأ) ، قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ)(١).

قوله : (والظاهر منها بقرينة التفصيل ... إلى آخره) دفع لما يقال : من أنّ النبأ هو الخبر ، وهو أعمّ من أن يكون المخبر به حسّيا أو حدسيا ، وحاصل الدفع : إنّ ما ذكر صحيح ، ولكن المراد بالمخبر به في الآية هو الحسّي ، لما أفاده المصنّف رحمه‌الله في المتن حيث ذكر القرينتين عليه ، ثم أن دلالة الآية على حجّية الخبر إذا كان عن حسّ تتضح بعد ذكر مقدمة ، وهي :

إن الخبر لا يحكم بحجّيته وقبوله الّا بعد نفي وسدّ احتمال عدم مطابقته للواقع ورجحان إصابته له ، لأنّ الخبر إذا كان حسيّا سواء كان من أخبر به عادلا أو فاسقا ، يكون احتمال عدم مطابقته للواقع أحد أمرين :

الأول : احتمال تعمّد الكذب من المخبر.

الثاني : احتمال الخطأ والغفلة والنسيان منه.

وكذلك يأتي نفس الاحتمالين في الخبر إذا كان عن حدس ، غاية الأمر احتمال الخطأ في الخبر الحسّي يكون في الحسّ ، وفي الحدسي يكون في الحدس ، فلإثبات حجّية

__________________

(١) الحجرات : ٦.

٣٢٦

لا رادع له عن الكذب ـ هو عدم الاعتناء باحتمال تعمّد كذبه لا وجوب البناء على اصابته

____________________________________

الخبر مطلقا لا بدّ من سدّ هذين الاحتمالين حتى يصحّ العمل على طبقه.

ثم أن الخبر إذا كان حسّيا والمخبر عادلا ، لا يقف أمام مطابقته للواقع أيّ احتمال من هذين الاحتمالين المتقدمين ، إذ يرتفع الاحتمال الأول ، وهو احتمال الخطأ في الحدس أو الغفلة والنسيان بالأصل العقلائي ، لأنّ العقلاء لا يعتنون بهذه الاحتمالات ، فتجري أصالة عدم الخطأ والغفلة والنسيان بحق المحتمل. وحينئذ يصح تمسّكه بالخبر.

كما يرتفع الاحتمال الثاني ، وهو احتمال الكذب بآية النبأ ، لأنّ مقتضى هذه الآية هو عدم الاعتناء باحتمال الكذب في خبر العادل ، لأنّ هذا الاحتمال مرجوح في نفسه في حقّ العادل لعدالته ، وقوته النفسيّة الرادعة عن الكذب ، بخلاف ما إذا كان المخبر فاسقا ، فإنّ احتمال الخطأ والغفلة والنسيان وإن كان منسدّا بالأصل العقلائي ، ولكن احتمال الكذب يبقى على حاله ، فلا يكون خبره حجّة ، فالمتحصّل ممّا ذكر هو حجّية خبر العادل دون خبر الفاسق ، إذا كان الخبر حسيّا. وأمّا إذا كان حدسيا فلا يكون حجّة مطلقا ، أي : سواء كان المخبر به عادلا أو فاسقا.

وأمّا عدم كونه حجّة ، فيما إذا كان من الفاسق ، فواضح لما تقدّم في الحسّي.

وأمّا عدم كونه حجّة فيما إذا كان من العادل ، فلأنّ احتمال الكذب ، وإن كان منسدّا في حقّ العادل ، ولكن احتمال الخطأ في الحدس يبقى على حاله إذ الأصل العقلائي يختصّ في احتمال الخطأ في الحسّ ، ولا يجري في احتمال الخطأ في الحدس لإجماع العقلاء في العمل بهذا الأصل في الحسيّات فقط.

إذا عرفت هذه المقدمة فيتضح لك أنّ ما يمكن إثبات حجّيته بآية النبأ هو الخبر عن حسّ ، إذا كان عن عادل ، وبذلك يعرف عدم إمكان اثبات حجّية الإجماع بآية النبأ لأنّه خبر عن حدس ، والآية لا تدل على أكثر من نفي وسدّ احتمال الكذب في خبر العادل الحسي ، والشاهد عليه :

أولا : إنّه تعالى فرّق في مقام الإخبار بين العادل والفاسق حيث أوجب التبيّن في خبر الفاسق دون العادل. ومعلوم أنهما يتفاوتان في مقام الإخبار في تعمّد الكذب فقط ، حيث يكون احتمال تعمّد الكذب مختصّا بخبر الفاسق ، وأمّا في سائر الجهات فهما متساويان ،

٣٢٧

وعدم خطئه في حدسه ، لأنّ الفسق والعدالة حين الإخبار لا يصلح مناطا لتصويب المخبر وتخطئته بالنسبة إلى حدسه ، وكذا احتمال الوقوع في الندم ، من جهة الخطأ في الحدس أمر مشترك بين العادل والفاسق ، فلا يصلح لتعليل الفرق به.

فعلمنا من ذلك أنّ المقصود من الآية إرادة نفي احتمال تعمّد الكذب عن العادل حين الإخبار دون الفاسق ، لأنّ هذا هو الذي يصلح لإناطته بالفسق والعدالة حين الإخبار ،

____________________________________

كما أشار إليه المصنّف رحمه‌الله ، بقوله : (لأنّ الفسق والعدالة حين الإخبار لا يصلح مناطا لتصويب المخبر وتخطئته بالنسبة إلى حدسه) ، بل هما إنّما يصلحان أن يكونا مناطين لتعمّد الكذب وعدمه.

فالفسق حين الإخبار مناط لتعمّد الكذب ، لا الخطأ والنسيان والغفلة. والعدالة حين الإخبار مناط لعدم تعمّد الكذب لا لعدم سائر الجهات ، بل هما متساويان بالنسبة إليها. فالآية تدل على عدم الاعتناء باحتمال الكذب في خبر العادل والأخذ به من دون التبيّن ، وكذلك تدل على الاعتناء باحتمال الكذب في خبر الفاسق ، وعدم الاخذ به من دون التبيّن. وأمّا بالنسبة إلى سائر الجهات فهي ساكتة عنها ، فهي لا تنفع في المقام ، لأنّها لا تدل على حجّية الخبر عن حدس ، كما تقدم ذكره في المقدمة.

وثانيا : قد علّل وجوب التبيّن في خبر الفاسق باحتمال الوقوع في الندم ، فلا بدّ أن يكون الوقوع في الندم من جهة احتمال تعمّد الكذب لا من سائر الجهات ، لأنّها مشتركة بين العادل والفاسق.

فمثلا احتمال الوقوع في الندم من جهة الخطأ في الحسّ ، أو في الحدس ، يكون مشتركا بينهما ، فلا يصح التعليل لأنّ التعليل إذا كان فارقا بينهما لا يصلح أن يكون بأمر مشترك بينهما ، بل التعليل كذلك مستهجن استهجان من يقول : أكرم زيد بن أحمد لأنّه إنسان ، مع أن زيد بن أرقم ـ أيضا ـ إنسان ، بل التعليل يجب أن يكون مختصّا بخبر الفاسق ، وهو أن يكون احتمال الوقوع في الندم من جهة تعمد الكذب.

فالمقصود بالآية هو نفي احتمال الكذب عمدا عن العادل حين الإخبار ، وعدم نفيه عن الفاسق حين الإخبار ، وهذا النفي يصلح أن يكون منوطا بالعدالة ، وعدم نفيه يصلح أن يكون منوطا بالفسق ، وملخّص الجميع : إنّ الآية أجنبية عن المقام أصلا ، فلا يصح التمسّك

٣٢٨

ومنه تبيّن عدم دلالة الآية على قبول الشهادة الحدسيّة ، إذا قلنا بدلالة الآية على اعتبار شهادة العدل.

فإن قلت : إنّ مجرّد دلالة الآية على ما ذكر لا يوجب قبول الخبر ، لبقاء احتمال خطأ العادل فيما أخبر ، وإن لم يتعمّد الكذب ، فيجب التبيّن في خبر العادل أيضا ، لاحتمال خطئه وسهوه ، وهو خلاف الآية المفصّلة بين العادل والفاسق ، غاية الأمر وجوبه في خبر الفاسق من جهتين ، وفي العادل من جهة واحدة.

قلت : إذا ثبت بالآية عدم جواز الاعتناء باحتمال تعمّد كذبه ، ينفى احتمال خطئه وغفلته واشتباهه بأصالة عدم الخطأ في الحسّ ، وهذا أصل ، عليه إطباق العقلاء والعلماء في جميع

____________________________________

بها لإثبات حجّية الإجماع المنقول.

(ومنه تبيّن عدم دلالة الآية على قبول الشهادة الحدسيّة ... إلى آخره) ، وتبيّن ممّا ذكر من أنّ الآية تدل على نفي احتمال الكذب فقط وعدم دلالة الآية على قبول الشهادة الحدسية ، كالشهادة على عدالة شخص مثلا.

(إذا قلنا بدلالة الآية على اعتبار شهادة العدل) ، إن قلنا : بأنّ الآية تدل على حجّية خبر العادل في الأحكام فقط ، فهو وان قلنا بدلالة الآية على حجّية خبر العادل في الأحكام والموضوعات ، فلا تشمل الشهادة الحدسية لأنّها تنفي احتمال الكذب لا سائر الجهات ، فلا تدل على نفي احتمال الخطأ في الحدس حتى تدل وتشمل الشهادة الحدسيّة.

(فإن قلت : إنّ مجرّد دلالة الآية على ما ذكر لا يوجب قبول الخبر ... إلى آخره) والإشكال يرجع إلى ما ذكر من الفرق المستفاد من الآية وهو وجوب التبيّن في خبر الفاسق دون العادل. فحاصل الإشكال عدم صحة هذا الفرق ، بل يجب التبيّن مطلقا ؛ لانّ وجوب التبيّن يدور مدار احتمال الخطأ في الخبر ، سواء كان ذلك الاحتمال من جهة الكذب أو من جهة أخرى ، واحتمال الخطأ موجود في خبر العادل ، فيجب التبيّن فيه كما يجب في خبر الفاسق ، غاية الأمر : وجوب التبيّن في خبر العادل يكون من جهة واحدة ، وهي : احتمال الخطأ في الحسّ أو الحدس ، وفي خبر الفاسق من جهتين ، وهما : احتمال الخطأ واحتمال تعمّد الكذب ، فيما أخبر به.

(قلت) : وحاصل الجواب أنّ الفرق المستفاد من الآية صحيح ومتين ، وذلك لما تقدّم

٣٢٩

الموارد.

نعم ، لو كان المخبر ممّن يكثر عليه الخطأ والاشتباه لم يعبأ بخبره ، لعدم جريان أصالة عدم الخطأ والاشتباه ، ولذا يعتبرون في الشاهد والراوي الضبط وإن كان ربّما يتوهّم الجاهل

____________________________________

من أنّه لا بدّ في حجّية كل خبر من انتفاء احتمال عدم مطابقته للواقع ، وهذا الاحتمال في خبر العادل يكون منتفيا بالأصل العقلائي والآية المذكورة ، إذ احتمال الخطأ في الحسّ أو الغفلة ينتفي بالأصل ، واحتمال الكذب ينتفي بالآية ، فيكون خبر العادل حجّة من دون التبيّن ، وهذا بخلاف خبر الفاسق ، فإنّ احتمال الخطأ في الحسّ ، وإن كان منتفيا بالأصل العقلائي إلّا أنّ احتمال الكذب يبقى على حاله ، فلهذا يجب التبيّن فيه فقط.

فالمتحصّل هو حجّية خبر العادل إذا كان عن حسّ ، وأمّا خبره الحدسي كنقل الإجماع فلا يكون حجّة لأنّ احتمال الكذب فيه وإن كان منتفيا بالآية ، وأمّا احتمال الخطأ في الحدس ، فلا دليل على نفيه ، لأنّ الأصل العقلائي يكون مختصّا فيما إذا كان احتمال الخطأ في الحسّ لا في الحدس.

(نعم ، لو كان المخبر ممّن يكثر عليه الخطأ والاشتباه لم يعبأ بخبره ... إلى آخره) ، إن أصالة عدم الخطأ تجري فيما إذا كان الخطأ مرجوحا في نفسه.

وأمّا إذا كان احتماله راجحا فلا تجري أصالة عدم الخطأ ، وقد أشار إليه المصنّف رحمه‌الله ، بقوله لو كان المخبر ممن يكثر عليه الخطأ والاشتباه لم يعبأ بخبر العادل ، وإن كان حسّيا ؛ لعدم جريان الأصل ، فيما إذا كان احتمال الخطأ راجحا ، كما هو المفروض في خبر عادل كثير الخطأ والنسيان ، فلا يكون حجّة.

(ولذا يعتبرون في الشاهد والراوي الضبط) فيكون هذا الاعتبار والاشتراط في الراوي والشاهد شاهدا ثالثا على أنّ مفاد آية النبأ هو نفي احتمال الكذب لهذا الكذب فقط ، إذ لو كان مفادها نفي جميع الاحتمالات لم يكن وجه لهذا الاشتراط ، بل كان خبر العادل حجّة ولو كان كثير الخطأ والنسيان ، لأنّ الآية تدل على عدم الاعتناء باحتمال الخطأ والنسيان كدلالتها على عدم الاعتناء باحتمال الكذب.

ومن هذا الاشتراط نكشف أنّ الآية لا تدل إلّا على نفي الكذب ، والأصل لا يجري إلّا فيما إذا كان احتمال الخطأ والنسيان ضعيفا ، فاحتمال الخطأ من جهة النسيان والاشتباه

٣٣٠

ثبوت ذلك من الإجماع.

إلّا أنّ المنصف يشهد بأنّ اعتبار هذا في جميع موارده ليس لدليل خارجي مخصّص لعموم آية النبأ ونحوها ممّا دلّ على وجوب قبول قول العادل ، بل لما ذكرنا من أنّ المراد بوجوب قبول قول العادل رفع التهمة عنه من جهة احتمال تعمّده الكذب ، لا تصويبه وعدم تخطئته أو غفلته.

____________________________________

يبقى على حاله في خبر العادل إذا كان كثير الخطأ والاشتباه ، فلا يكون خبره حجّة.

(وإن كان ربّما يتوهّم الجاهل ثبوت ذلك) ، أي : اعتبار الضبط في الراوي (من الإجماع).

وتقريب التوهّم : إن آية النبأ تقتضي نفي جميع الاحتمالات من خبر العادل ، غاية الأمر : ثبت اعتبار الضبط في الراوي بالدليل الخارجي وهو الإجماع ، فخصّصت الآية بالإجماع ، فخرج خبر العادل غير الضابط عنها حكما بالتخصيص ، فالحاصل هو أنّ المقتضي لحجّية خبر العادل مطلقا ـ وإن كان كثير الخطأ والنسيان ـ موجود الّا أنّ المانع ليس بمفقود ، وهو الإجماع القائم على اشتراط الضبط في الراوي ، وقد أشار إلى ردّ هذا التوهّم بقوله : (الّا أنّ المنصف يشهد بأنّ اعتبار هذا) ، أي : الضبط (في جميع موارده) أي : في كل مورد اعتبر فيه الضبط كالشهادة والرواية ، وغيرهما ليس من جهة المانع ، مع وجود المقتضي.

وبتعبير المصنّف رحمه‌الله : (ليس لدليل خارجي) ، بل لقصور المقتضي ؛ لأنّ المقتضي في حجّية الخبر مركّب من أمرين :

أحدهما : نفي احتمال الكذب.

وثانيهما : نفي احتمال الخطأ في الحسّ أو الحدس.

وأدلة حجّية خبر العادل من الآية وغيرها لا تدل الّا على نفي احتمال الكذب ، والأصل العقلائي لا يجري الّا فيما إذا كان احتمال الخطأ والنسيان ضعيفا ، فلا يجري في خبر من يكثر خطأه واشتباهه ، وإذا انتفى الجزء انتفى الكل ، فيرجع عدم الحجّية إلى قصور المقتضي لا إلى وجود المانع مع وجود المقتضي كما توهّمه الجاهل ، فالآية تدل على رفع التهمة في خبر العادل من جهة احتمال تعمده الكذب (لا تصويبه) حتى يكون مفادها نفي جميع الاحتمالات ، وحجّيته من جميع الجهات ، ثم يقال : إنّ الإجماع قد خصّصها ؛ حيث قام على اشتراط الضبط في الراوي.

٣٣١

ويؤيّد ما ذكرنا أنّه لم يستدل أحد من العلماء على حجّية فتوى الفقيه على العامّي بآية النبأ ، مع استدلالهم عليها بآيتي النفر والسؤال.

والظاهر أنّ ما ذكرنا ـ من عدم دلالة الآية وأمثالها من أدلّة قبول قول العادل على وجوب تصويبه في الاعتقاد ـ هو الوجه في ما ذهب اليه المعظم ، بل أطبقوا عليه ، كما في الرياض ، من عدم اعتبار الشهادة في المحسوسات إذا لم تستند إلى الحسّ ، وإن علّله في الرياض بما لا يخلو عن نظر ، من أنّ الشهادة من الشهود وهو الحضور ، فالحسّ مأخوذ في مفهومها.

____________________________________

(ويؤيّد ما ذكرنا أنّه لم يستدل أحد من العلماء على حجّية فتوى الفقيه على العامّي بآية النبأ) ، أي : إنّ عدم استدلال العلماء على حجّية فتوى الفقيه بآية النبأ يكون شاهدا رابعا على أنّ الآية لا تدل إلّا على نفي احتمال الكذب فقط في خبر العادل ، ولا تدل على نفي الخطأ في الحدس لتكون دليلا على حجّية الفتوى ؛ لأنّ الإفتاء خبر حدسي ، ولهذا لم يستدلّوا بها على حجّية الفتوى (مع استدلالهم عليها بآيتي النفر والسؤال).

واتّفاقهم على عدم اعتبار الشهادة في المحسوسات ما لم تكن مستندة إلى الحسّ يكون شاهدا خامسا على عدم دلالة الآية على نفي الخطأ في الحدس ، وتصويب المخبر فيه كما أشار اليه المصنّف رحمه‌الله بقوله : (والظاهر أنّ ما ذكرنا ـ من عدم دلالة الآية وأمثالها من أدلة قبول قول العادل على وجوب تصويبه في الاعتقاد ـ هو الوجه فيما ذهب اليه المعظم ... إلى آخره).

وملخّص ما أطبقوا عليه في باب الشهادة بالامور الحسّية هو أن الامور الحسّية لا بدّ أن تكون شهادتها عن حسّ لا حدس ، فلا تجوز الشهادة بالقتل لمن علم بالقرائن أنّ زيدا قتل عمرا ، ولم يره بعينه ، فلو دلّت الآية على حجّية خبر العادل مطلقا ـ حتى من جهة تصويبه في الاعتقاد وعدم خطئه في الحدس ـ لم يكن وجه لهذا الاشتراط ، أي : اشتراط الحس في الشهادة بالامور الحسّية فيكون الاشتراط المذكور كاشفا عن عدم دلالة الآية على نفي الخطأ في الحدس ، بل إنّما تدلّ على نفي احتمال الكذب فقط ، والخطأ في الحسّ ينفى بالأصل العقلائي ، والخطأ في الحدس يبقى على حاله ، فلذا لا تكون شهادة العادل في الامور الحسّية بالحدس صحيحة وحجّة : (وإن علّله في الرياض بما لا يخلو عن نظر).

٣٣٢

والحاصل أنّه لا ينبغي الإشكال في أنّ الإخبار عن حدس واجتهاد ونظر ليس حجّة إلّا على من وجب عليه تقليد المخبر في الأحكام الشرعيّة ، وأنّ الآية ليست عامّة لكل خبر ، ودعوى خرج ما خرج.

فإن قلت : فعلى هذا إذا أخبر الفاسق بخبر يعلم بعدم تعمّده للكذب فيه تقبل شهادته فيه ، لأنّ احتمال تعمّده للكذب منتف بالفرض ، واحتمال غفلته وخطئه منفيّ بالأصل المجمع

____________________________________

لا بدّ ـ أولا ـ من بيان التعليل المذكور في الرياض ، ثم بيان وجه النظر فيه.

أما بيان التعليل فهو : إنّ الإخبار عن موضوع من الموضوعات المسمّى في لسان الأدلّة بالشهادة يجب أن يكون عن حسّ ، والّا لم يكن حجّة ؛ إذ الشهادة تكون بمعنى الحضور ، فالحسّ مأخوذ في مفهوم الشهادة ، فإذا كانت عن حسّ كانت حجّة لتحقّقها ، وإلّا فلا لعدم تحقّقها ، فعدم الحجّية ـ فيما إذا لم تكن عن حسّ ـ يكون بانتفاء الموضوع ، بمعنى أنّه لا يصدق عليها مفهوم الشهادة حتى تكون حجّة.

وأما وجه النظر ، فهو : إنّ الحضور بمعنى الاحساس لم يكن معتبرا في صدق الشهادة ، وذلك لكثرة اطلاقها واستعمالها في غير الحسّيات ، كالشهادة على التوحيد والنبوّة وغيرهما ، فالوجه في عدم اعتبار الشهادة ما تقدم قبل تعليل الرياض ، لا ما ذكره في الرياض.

(والحاصل أنّه لا ينبغي الإشكال في أنّ الإخبار عن حدس واجتهاد ... إلى آخره) ، لا ينبغي الإشكال في عدم حجّية الإخبار عن حدس مطلقا ، كفتوى المجتهد والشهادة الحدسية ونقل الإجماع ؛ لأنّ أدلّة حجّية خبر العادل تدل على نفي احتمال الكذب لا على نفي الخطأ في الحدس (إلّا على من وجب عليه تقليد المخبر في الأحكام الشرعية) ، فتكون فتوى الفقيه على المقلّد حجّة بأدلة وجوب التقليد على العوام (وأنّ الآية ليست عامّة لكل خبر ، ودعوى خرج ما خرج) ، ولا يصح أن يقال : إنّ الآية عامة ، قد دلّت على حجّية خبر العادل مطلقا ، سواء في الحسّيات أو الحدسيات ، ثم يدّعى بأن الأخبار الحدسية خرجت عنها بدليل خارجي.

(فإن قلت : فعلى هذا إذا أخبر الفاسق بخبر يعلم بعدم تعمّده للكذب فيه تقبل شهادته فيه ... إلى آخره) ، وحاصل الإشكال ، أنّه إذا كانت دلالة الآية على حجّية خبر العادل من

٣٣٣

عليه ، مع أنّ شهادته مردودة إجماعا.

قلت : ليس المراد ممّا ذكرنا عدم قابليّة العدالة والفسق لإناطة الحكم بهما وجودا وعدما ، تعبّدا ، كما في الشهادة والفتوى ونحوهما.

بل المراد أنّ الآية المذكورة لا تدلّ إلّا على مانعيّة الفسق من حيث قيام احتمال تعمّد الكذب معه ، فيكون مفهومها عدم المانع في العادل من هذه الجهة ، فلا يدلّ على وجوب قبول خبر العادل إذا لم يمكن نفي خطئه بأصالة عدم الخطأ المختصّة بالأخبار الحسّية ، فالآية لا تدلّ ـ أيضا ـ على اشتراط العدالة ومانعيّة الفسق في صورة العلم بعدم تعمّد الكذب ، بل لا بدّ له من دليل آخر ، فتأمّل.

____________________________________

جهة عدم احتمال الكذب فيه ، لزم أن يكون مناط الحجّية في الخبر هو انتفاء احتمال الكذب فقط ، لا كون المخبر عادلا ، فعلى هذا تقبل شهادة الفاسق لو علمنا بعدم كذبه فيها ، لأنّ احتمال الكذب منتف بالفرض ، واحتمال الغفلة والخطأ منتف بالأصل (مع أنّ شهادته مردودة اجماعا) فنعلم من عدم قبول شهادته مطلقا أنّ مناط الحجّية ليس هو انتفاء احتمال الكذب في خبر العادل ، واحتماله في خبر الفاسق ، بل المناط هو نفس العدالة والفسق ، يعني : العدالة هي مناط الحجّية ، والفسق مناط عدم الحجّية ، فالحكم بالحجّية يدور مدار العدالة ، وهي موجودة في الإجماع المنقول ، فيكون حجّة لوجود المناط فيه.

(قلت : ليس المراد ممّا ذكرنا ... إلى آخره) ، أي : ليس المراد ممّا ذكرنا من كون العدالة طريقا إلى انتفاء احتمال الكذب والفسق طريقا إلى احتمال الكذب ، فلذا تدل الآية على حجّية الأول دون الثاني ، إنّ العدالة ليست قابلة لأن تكون مناطا للحكم بالحجّية ، وإنّ الفسق ليس قابلا لأن يكون مناطا للحكم بعدم الحجّية ، بل يمكن أن يكون الحكم منوطا بهما ، فيكونان مناطين للحكم على نحو الصفتية والموضوعية ، كما في الشهادة والفتوى وغيرهما من الموارد التي قام الدليل التعبّدي على كون المناط هو وصف العدالة ، فلا يقبل خبر الفاسق وإن علم صدقه من الخارج.

فالحاصل أنّ مناط الحكم يمكن أن يكون انتفاء احتمال الكذب وعدمه ، ويمكن أن يكون نفس وصفي العدالة والفسق إلّا أنّ الآية تدل على الحكم بالحجّية من الجهة الاولى ، وساكتة عن الحكم من سائر الجهات ومنها اشتراط العدالة ومانعيّة الفسق.

٣٣٤

الأمر الثاني : إنّ الإجماع في مصطلح الخاصّة ، بل العامّة الذين هم الأصل له وهو الأصل لهم ، هو اتفاق جميع العلماء في عصر ، كما ينادي بذلك تعريفات كثير من الفريقين.

قال في التهذيب : «الإجماع هو اتفاق أهل الحلّ والعقد من أمّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقال صاحب غاية البادي في شرح المبادي ، الذي هو أحد علمائنا المعاصرين للعلّامة قدس‌سره : «الإجماع في اصطلاح فقهاء أهل البيت عليهم‌السلام ، هو اتفاق أمّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، على وجه يشتمل

____________________________________

(بل لا بدّ له) ، أي : لاشتراط العدالة ، ومانعيّة الفسق تعبّدا(من دليل آخر) ، كما هو موجود في باب الشهادة والفتوى.

(فتأمّل) لعلّه إشارة إلى عدم المنافاة بين أن يكون مناط الحكم في الآية هو كون العدالة طريقا إلى انتفاء احتمال الكذب ، والفسق طريقا إلى احتمال الكذب ، وبين أن يكون مناط الحكم بدليل خارجي آخر وصفهما كما في باب الشهادة والفتوى.

هذا تمام الكلام في رد الملازمة بين حجّية خبر الواحد وحجّية الإجماع المنقول في الأمر الأول اجمالا وتفصيلا ، فيقع الكلام في نفي الملازمة بينهما في الأمر الثاني تفصيلا.

(الأمر الثاني) ، والمصنّف رحمه‌الله قد أثبت عدم الملازمة بين حجّية الخبر وحجّية الإجماع المنقول بتقديم أمرين ، وقد مرّ الكلام في الأمر الأول ، ثم النتيجة الحاصلة من الأمر الأول هي حجّية الأخبار الحسّية دون الحدسية ، وقد انتهى الكلام إلى الأمر الثاني.

ونتيجة البحث منه هو أنّ ناقل الإجماع ينقل قول المعصوم عليه‌السلام عن حدس لا عن حسّ ، فيكون الأمر الثاني بمنزلة الصغرى بالنسبة إلى الأمر الأول الذي يكون بمنزلة الكبرى ، وقد ثبتت الكبرى الكليّة في الأمر الأول ، وهي : كل الأخبار الحسّية حجّة.

ثم البحث في الأمر الثاني عن أنّ الإجماع هل هو إخبار عن حسّ حتى يدخل في صغرى تلك الكبرى المذكورة أم لا؟ وإنّما هو إخبار عن حدس ، فلا يدخل فيها ، ولا يكون حجّة ، والمصنّف رحمه‌الله يريد أن يثبت عدم دخول الإجماع المنقول في تلك الكبرى ، بعد بحث طويل ، وقد بدأ في بيان تعريف الإجماع في الاصطلاح ، ثم تبيين مناط حجّية الإجماع عند الخاصة.

ولتوضيحه نقول : إنّ الإجماع في اللغة : هو العزم على شيء ، أو هو مطلق الاتفاق ، وفي

٣٣٥

على قول المعصوم» ، انتهى.

وقال في المعالم : «الإجماع في الاصطلاح اتّفاق خاصّ ، وهو اتّفاق من يعتبر قوله من الامّة» ، انتهى.

وكذا غيرها من العبارات المصرّحة بذلك في تعريف الإجماع وغيره من المقامات. كما تراهم يعتذرون كثيرا عن وجود المخالف بانقراض عصره ، ثم إنّه لمّا كان وجه حجّية الإجماع عند الإماميّة اشتماله على قول الإمام عليه‌السلام ، كانت الحجّية دائرة مدار وجوده عليه‌السلام ، في كلّ

____________________________________

الاصطلاح : هو الاتفاق الخاص ، أي : اتفاق من يعتبر قوله من أمّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله كما قال المصنّف رحمه‌الله :

(إنّ الإجماع في مصطلح الخاصّة ، بل العامة الذين هم الأصل له) ، أي : للإجماع ، لأنهم اخترعوه وجعلوه في قبال الكتاب والسنة والعقل ، ثم استدلوا على حجّيته بقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : (لا تجتمع امّتي على الخطأ) (١) ، (وهو الأصل لهم) ، أي : إنّ الإجماع أصل لهما ، بمعنى يكون الإجماع أساس دينهم ، ومبنى مذهبهم ، لأنّ عمدة أدلتهم على خلافة أبي بكر هو إجماع الامة ، وعلى كلّ ؛ الإجماع في الاصطلاح : هو اتفاق جميع العلماء في عصر. ويذكر المصنّف رحمه‌الله تعاريف العلماء كلّها شبيهة بالتعريف المتقدم.

(وكذا غيرها من العبارات المصرّحة بذلك) ، أي : بأنّ الإجماع هو اتفاق علماء عصر ، ثم أنّ هذه العبارات بعضها وقع في مقام تعريف الإجماع ، وبعضها وقع في غيره من المقامات ، في أبواب الفقه والاصول ، في مقام الاستدلال بالإجماع.

(كما تراهم يعتذرون كثيرا عن وجود المخالف بانقراض عصره).

وشاهدهم على كون الإجماع هو اتفاق العلماء في عصر واحد اعتذارهم عمّن يخالف الإجماع بانقراض عصر المخالف ، فلا يضرّ بالإجماع ومن هذا الاعتذار نكشف أمرين : أحدهما : هو أنّ الإجماع اتفاق الكل ؛ لأنّ وجود المخالف يكون مضرّا بالإجماع إذا كان اتفاق الكل ، وإلّا فلا يضر ، وثانيهما : هو الاتفاق في عصر واحد لا جميع الأعصار ، وإلّا فلا معنى للاعتذار بانقراض العصر.

__________________

(١) عدّة الاصول (الطوسي) : ٢٤٤. الاحتجاج ٢ : ٤٨٧ ، وفيه : (لا تجتمع امّتي على ضلالة).

٣٣٦

جماعة هو أحدهم.

ولذا قال السيد المرتضى : «إذا كان علّة كون الإجماع حجّة كون الإمام فيهم ، فكلّ جماعة كثرت أو قلّت ، كان قول الإمام في أقوالها ، فإجماعها حجّة ، وإنّ خلاف الواحد والاثنين ، إذا كان الإمام أحدهما قطعا أو تجويزا ، يقتضي عدم الاعتداد بقول الباقين وإن كثر ، وإنّ الإجماع بعد الخلاف كالمبتدإ في الحجّية» ، انتهى.

وقال المحقّق في المعتبر ، بعد إناطة حجّية الإجماع بدخول قول الإمام عليه‌السلام : «إنّه لو خلا المائة من فقهائنا من قوله لم يكن قولهم حجّة ، ولو حصل في اثنين كان قولهما حجّة» ، انتهى.

وقال العلّامة رحمه‌الله بعد قوله : ـ إنّ الإجماع عندنا حجّة لاشتماله على قول المعصوم ـ : «وكلّ جماعة قلّت أو كثرت كان قول الإمام عليه‌السلام في جملة أقوالها فاجماعها حجّة لأجله لا لأجل الإجماع» ، انتهى.

هذا ، ولكن لا يلزم من كونه حجّة تسميته إجماعا في الاصطلاح ، كما أنّه ليس كل خبر جماعة يفيد العلم متواترا في الاصطلاح ، وأمّا ما اشتهر بينهم من أنّه لا يقدح خروج معلوم

____________________________________

(ثم إنّه لمّا كان وجه حجّية الإجماع عند الإمامية اشتماله على قول الإمام ... إلى آخره). وأمّا مناط حجّية الإجماع عند الإمامية فهو أن يكون مشتملا على قول الإمام عليه‌السلام ، ومتضمنا له بخلاف ما هو المناط عند العامّة ؛ لأنّ المناط عندهم هو نفس الاتفاق من باب الموضوعية ، فحجّية الإجماع عند الإمامية دائرة مدار وجود الإمام عليه‌السلام في المجمعين ، فكلّ جماعة ـ قلّت أو كثرت ـ كان قول الإمام عليه‌السلام في أقوالهم كان إجماعهم حجّة لأجل قول الإمام عليه‌السلام ، لا لأجل الإجماع.

(ولكن لا يلزم من كونه حجّة تسميته إجماعا في الاصطلاح) ؛ لأنّه إذا كان قول الجماعة من جهة اشتماله على قول الإمام عليه‌السلام حجّة ، لا يلزم أن يطلق عليه الإجماع الاصطلاحي ، ولا يجب تسميته إجماعا في الاصطلاح. نعم ، يطلق عليه الإجماع مجازا من باب المشابهة.

(كما أنّه ليس كل خبر جماعة يفيد العلم) ، لأجل القرائن أو من باب الصدفة والاتّفاق خبرا (متواترا في الاصطلاح) ؛ لأنّ المتواتر في الاصطلاح هو خبر جماعة يفيد العلم بنفسه ، لا بواسطة القرينة أو الصدفة.

٣٣٧

النسب ، واحدا أو أكثر.

فالمراد أنّه لا يقدح في حجّية اتفاق الباقي ، لا في تسميته إجماعا ، كما علم من فرض المحقق قدس‌سره الإمام عليه‌السلام في اثنين.

نعم ، ظاهر كلمات جماعة يوهم تسميته إجماعا في الاصطلاح حيث تراهم يدّعون الإجماع في مسألة ، ثمّ يعتذرون عن وجود المخالف بأنّه معلوم النسب. لكنّ التأمّل الصادق يشهد بأنّ الغرض الاعتذار عن قدح المخالف في الحجّية ، لا في التسمية.

____________________________________

قوله : (وأمّا ما اشتهر بينهم من أنّه لا يقدح خروج معلوم النسب واحدا أو أكثر ... إلى آخره) ، دفع لما يتوهّم من أنّ ما ذكر من عدم إطلاق الإجماع الاصطلاحي على قول جماعة غير صحيح ، بل الظاهر ممّا اشتهر بين العلماء الإمامية من عدم قدح خروج معلوم النسب في الإجماع ، هو عدم القدح في إطلاق الإجماع على اتّفاق الباقين.

فدفع المصنّف رحمه‌الله هذا التوهّم بقوله : (فالمراد أنّه لا يقدح في حجّية اتفاق) الباقين ، وليس المراد أنّه لا يقدح في تسميته إجماعا.

والشاهد عليه هو فرض المحقّق قدس‌سره الإمام في الاثنين ، فيكون قول الاثنين حجّة ، ومخالفة الباقين لا تقدح في حجّية قولهما ، مع أنّ مخالفتهم تقدح في تسميته إجماعا اصطلاحيا قطعا ؛ لأنّ اتفاق الاثنين لا يسمّى اجماعا اصطلاحيا بالقطع واليقين.

فظهر ممّا ذكرنا أن المراد من عدم قدح خروج بعض هو عدم القدح في الحجّية لا في التسمية.

(نعم ، ظاهر كلمات جماعة يوهم تسميته إجماعا في الاصطلاح حيث تراهم يدّعون الإجماع في مسألة ، ثم يعتذرون عن وجود المخالف بأنّه معلوم النسب) فظاهر اعتذارهم بأنّ المخالف يكون معلوم النسب فلا يضرّ بالإجماع هو : أنّه لا يضرّ في التسمية ، كما لا يضرّ في الحجّية.

(لكن التأمّل الصادق يشهد بأنّ الغرض الاعتذار عن قدح المخالف في الحجّية ، لا في التسمية) ، إذ بالتأمل يظهر أنّ مناط الحجّية ـ وهو وجود الإمام في المجمعين ـ لا يرتفع بوجود المخالف ، ولكن مناط التسمية ـ وهو اتفاق الكل ـ يرتفع وينتفي بوجود المخالف ، فتنتفي التسمية بانتفاء المناط ، فلا يسمّى الإجماع إجماعا اصطلاحيا.

٣٣٨

نعم ، يمكن أن يقال : إنّهم قد تسامحوا في إطلاق الإجماع على اتفاق الجماعة التي علم دخول الإمام عليه‌السلام فيها ، لوجود مناط الحجّية فيه ، وكون وجود المخالف غير مؤثّر شيئا ، وقد شاع هذا التسامح بحيث كاد أن ينقلب اصطلاح الخاصّة عمّا وافق اصطلاح العامّة إلى ما يعمّ اتفاق طائفة من الإماميّة ، كما يعرف من أدنى تتبع لموارد الاستدلال ، بل اطلاق لفظ الإجماع بقول مطلق على إجماع الإمامية فقط ، مع أنّهم بعض الامّة لا كلّهم ، ليس إلّا لأجل المسامحة ، من جهة أنّ وجود المخالف كعدمه من حيث مناط الحجّية.

وعلى أيّ تقدير ، فظاهر إطلاقهم إرادة دخول قول الإمام عليه‌السلام ، في أقوال المجمعين بحيث تكون دلالته عليه بالتضمّن ، فيكون الإخبار عن الإجماع إخبارا عن قول الإمام عليه‌السلام ، وهذا هو الذي يدلّ عليه كلام المفيد والمرتضى ، وابن زهرة والمحقّق والعلّامة والشهيدين ، ومن تأخّر عنهم.

____________________________________

(نعم ، يمكن أن يقال : إنّهم قد تسامحوا في إطلاق الإجماع على اتفاق الجماعة ... إلى آخره) ، ويمكن أن يقال : إنّ العلماء الإمامية قد تسامحوا في إطلاق الإجماع حيث أطلقوه كثيرا على اتفاق الجماعة لوجود مناط الحجّية فيه.

ثم شاع هذا الإطلاق حتى صار مجازا مشهورا ، أو حقيقة ثانوية في اتفاق العلماء الإمامية ، فقد انقلب اصطلاح الخاصة عن الاصطلاح الذي كان موافقا للعامة إلى اصطلاح آخر وهو اتفاق جماعة أحدهم الإمام عليه‌السلام.

والحاصل أنّ الإجماع صار اصطلاحا ثانيا بحيث يتبادر من إطلاقه من دون إضافته إلى الإمامية اتفاق العلماء الإمامية ، فصار اصطلاحا جديدا بهذا المعنى.

(وعلى أي تقدير) سواء كان إطلاق الإجماع على اتفاق جماعة فيهم الإمام عليه‌السلام من باب التسامح ، أو من باب انقلاب الاصطلاح (فظاهر اطلاقهم إرادة دخول قول الإمام عليه‌السلام في أقوال المجمعين بحيث تكون دلالته) ، أي : الإجماع (عليه) أي : على قول الإمام عليه‌السلام (بالتضمّن) ، بحيث يكون نقل الاتّفاق دالا على الإجماع بالمطابقة ، وعلى دخول الإمام عليه‌السلام فيهم بالتضمّن ، ويسمى هذا الإجماع في اصطلاح القدماء ، كصاحب المعالم ومن كان قبله بالإجماع التضمّني.

فالحاصل ممّا تقدّم هو أنّ الإجماع عند الإمامية هو عبارة عن اتّفاق جماعة أحدهم

٣٣٩

وأمّا اتّفاق من عدا الإمام عليه‌السلام ـ بحيث يكشف عن صدور الحكم عن الامام عليه‌السلام بقاعدة اللطف كما عن الشيخ رحمه‌الله ، أو التقرير كما عن بعض المتأخّرين ، أو بحكم العادة القاضية باستحالة توافقهم على الخطأ مع كمال بذل الوسع في فهم الحكم الصادر عن الإمام عليه‌السلام ـ فهذا ليس إجماعا اصطلاحيّا ، إلّا أن ينضمّ قول الإمام عليه‌السلام ـ المكشوف عنه باتّفاق هؤلاء

____________________________________

الإمام عليه‌السلام ، فإطلاق الإجماع على اتّفاق من عدا الإمام عليه‌السلام ـ وإن كان هذا الاتفاق كاشفا عن الحكم الصادر عن الإمام عليه‌السلام بقاعدة اللطف أو غيرها ـ ليس اصطلاحا ، كما أشار اليه المصنّف رحمه‌الله بقوله :

(وأمّا اتفاق من عدا الإمام عليه‌السلام بحيث يكشف عن صدور الحكم عن الإمام عليه‌السلام بقاعدة اللطف ... إلى آخره).

وتقريب قاعدة اللطف ، هو : أن يكون الله تعالى أو الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله أو الإمام عليه‌السلام مقرّبا إلى الإطاعة ، ومبعّدا عن المعصية.

وعلى هذا ؛ إذا اتفق العلماء في حكم لكان ما اتفقوا عليه موافقا لقول الإمام عليه‌السلام ، ونحكم بهذه الموافقة بقاعدة اللطف ، إذ لو كان الإمام مخالفا لهم ؛ لوجب عليه ـ من باب اللطف ـ إظهار الحق ، ولو بإلقاء الخلاف بينهم.

(أو التقرير كما عن بعض المتأخّرين) ، وخلاصة التقرير : إن العلماء إذا اتفقوا في حكم يحصل لنا العلم بأنّ الإمام عليه‌السلام قد قرّر ، وأمضى الحكم المذكور.

غاية الأمر تقرير الإمام مشروط بعدم المنع عنه ، (أو بحكم العادة القاضية باستحالة توافقهم على الخطأ) ، أي : إذا اتفق العلماء في حكم ـ مع كمال بذل الوسع في تحصيل الحكم ـ حصل لنا العلم بأنّ الحكم المذكور موافق لحكم الإمام عليه‌السلام لاستحالة إجماعهم على الخطأ عادة.

(فهذا ليس إجماعا اصطلاحيا) ، أي : إنّ إطلاق الإجماع على اتفاق من عدا الإمام عليه‌السلام ليس إجماعا اصطلاحيا بكلا معنييه ، لا بمعنى اتفاق الكل ، ولا بمعنى اتفاق جماعة مشتمل على قول الإمام عليه‌السلام ، كما هو الاصطلاح عند الخاصة ، سواء كان طريق معرفة قول الإمام عليه‌السلام ؛ هو دخوله في المجمعين ، كما هو المعروف عند المتقدمين ، أو قاعدة اللطف ، أو التقرير ، كما هو المعروف عند الشيخ ومن تبعه ، حيث لا يقولون بدخول الإمام عليه‌السلام في

٣٤٠