دروس في الرسائل - ج ١

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في الرسائل - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: ياران
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٦٧

تفصيلا بحرمة وطئها ، مع أن القائل بجواز الارتكاب لم يظهر من كلامه إخراج هذه الصور.

____________________________________

ارتكب المشتبهين دفعة واحدة ، كما إذا جعلهما لقمة واحدة ، فيعلم تفصيلا بحرمة هذه اللقمة ، من جهة أكل ما هو النجس ، وهذا العلم التفصيلي قد تولّد من العلم الإجمالي بنجاسة أحد نصفي اللقمة ، فمن حكم بجواز ارتكاب كلا المشتبهين لا بدّ له أن يقول بعدم اعتبار العلم التفصيلي بالحرمة ، لأجل كونه متولّدا من العلم الإجمالي.

نعم ، من يرتكب أطراف الشبهة تدريجا كأن يرتكب أحدهما بعد الآخر بيوم مثلا لا يعلم تفصيلا بالحرمة حين الارتكاب ، ولكن بعد الارتكاب يعلم تفصيلا بارتكاب ما هو محرم ، وهذا يجوز عند من يشترط في الحرمة علم المكلّف تفصيلا بالحرمة حين الارتكاب ، ثم يتصوّر الارتكاب الدفعي أو التدريجي فيما ذكره المصنف رحمه‌الله من مثال اشتراء جارية بالمشتبهين بالميتة ، فتارة : يشتريها بالمشتبهين بالميتة دفعة ، واخرى : يشتريها تدريجا ، بمعنى أنه يشتري نصفها بأحدهما ثم يشتري نصفها الآخر بالآخر ، وعلى التقديرين يعلم المشتري تفصيلا بحرمة وطئها لبطلان البيع في تمام الجارية ، أو في نصفها الواقع في مقابل الميتة ، وأمّا الحرمة على تقدير بطلان البيع في تمام الجارية فظاهرة ، وأمّا على تقدير بطلان البيع في مقابل الميتة فقط تكون الحرمة لعدم التبعّض في البضع ، إذ البضع لا يتبعّض.

فالحاصل أن المشتري يعلم تفصيلا بحرمة وطئها ، ومع ذلك أفتى بعض الفقهاء بجواز ارتكاب كلا المشتبهين ، وهذه الفتوى على إطلاقها تشمل ما إذا علم تفصيلا بالحرمة حين الارتكاب ، فيعلم منها عدم اعتبار العلم التفصيلي المتولّد عن العلم الإجمالي.

بقي مثال ما يؤدّي إلى العلم بالنجاسة تفصيلا ، مثل : من يعلم اجمالا بنجاسة أحد الإنائين ثم يريقهما على ما يصحّ السجود عليه ، فلو صلّى وسجد فيه يعلم تفصيلا ببطلان هذه الصلاة ، فمن يحكم بصحة هذه الصلاة من باب الفرض لا بدّ أن يقول بعدم اعتبار العلم التفصيلي المتولّد عن الإجمالي.

(مع أن القائل بجواز الارتكاب لم يظهر من كلامه إخراج هذه الصور) أي : صورة العلم تفصيلا بالحرمة حين الارتكاب فيكون قوله : مع أن القائل ... إلى آخره ، دفعا لما يتوهّم من أن القائل بجواز الارتكاب إنّما يجوزه إذا لم يؤدّ إلى مخالفة العلم التفصيلي بالحرمة حين

١٢١

ومنها : حكم بعض بصحة ائتمام أحد واجدي المنيّ في الثوب المشترك بينهما بالآخر ، مع أن المأموم يعلم تفصيلا ببطلان صلاته من جهة حدثه أو حدث إمامه.

ومنها : حكم الحاكم بتنصيف العين التي تداعاها رجلان بحيث يعلم صدق أحدهما وكذب الآخر ، فإن لازم ذلك جواز شراء ثالث للنصفين من كل منهما ، مع أنّه يعلم تفصيلا عدم انتقال تمام المال اليه من مالكه الواقعي.

ومنها : حكمهم بأنه لو كان لأحد درهم ولآخر درهمان ، فتلف أحد الدراهم من عند الودعي ، أن لصاحب الاثنين واحدا ونصفا وللآخر نصفا ، فإنه قد يتفق افضاء ذلك إلى مخالفة تفصيلية ، كما لو أخذ الدرهم المشترك بينهما ثالث ، فإنه يعلم تفصيلا بعدم انتقاله من

____________________________________

الارتكاب.

وحاصل دفع هذا التوهّم على ما يظهر من المصنف رحمه‌الله أن القائل بالجواز لم يخرج هذه الصورة بل اطلاق كلامه شامل لها ، فيظهر من كلامه عدم اعتبار هذا العلم التفصيلي المتولّد عن العلم الإجمالي.

(ومنها : حكم بعض بصحة ائتمام أحد واجدي المنيّ في الثوب المشترك بينهما بالآخر).

يعني : حكم بعض بصحة صلاة من وجد منيّا في الثوب المشترك إذا اقتدى على من يكون شريكا في ذلك الثوب ، مع أنّه يعلم تفصيلا ببطلان صلاته ؛ إمّا من جهة جنابة نفسه أو جنابة إمامه ، فلازم الحكم بصحة الصلاة عدم اعتبار هذا العلم التفصيلي المتولّد من العلم الإجمالي.

(ومنها : حكم الحاكم بتنصيف العين ... إلى آخره).

يعتبر في الحكم بتنصيف العين تعارض البيّنات أو التحالف ، فلو كان لأحدهما بيّنة دون الآخر تكون العين لصاحب البينة ، وكذا لو حلف أحدهما تكون العين له ، فحكم الحاكم بالتنصيف إنّما هو بعد تعارض البيّنات أو بعد التحالف ، ثم بعد حكم الحاكم به يجوز لثالث اشتراء النصفين من المتخاصمين مع أنه يعلم تفصيلا بعدم انتقال تمام المال إليه من مالكه الواقعي ، فليس جواز الاشتراء إلّا لأجل عدم اعتبار هذا العلم التفصيلي لكونه متولّدا عن العلم الإجمالي.

(ومنها : حكمهم بأنّه إذا كان لأحد درهم ولآخر درهمان ، فتلف أحد الدراهم ... إلى

١٢٢

مالكه الواقعي إليه.

ومنها : ما لو أقرّ بعين لشخص ثم أقرّ بها لآخر ، فإنه يغرم للثاني قيمة العين بعد دفعها إلى الأول ، فإنه قد يؤدّي ذلك إلى اجتماع العين والقيمة عند واحد وبيعهما بثمن واحد ، فيعلم عدم انتقال تمام الثمن إليه ، لكون بعض مثمنه مال المقرّ في الواقع.

____________________________________

آخره).

وتوضيح ما حكموا به : أنه لو أودع شخصان دراهم عند أمين ، وكان لأحدهما درهم وللآخر درهمان ، فسرق من المجموع درهم واحد وبقي درهمان ، فيجب على الودعي بمقتضى حكمهم أن يدفع لصاحب الدرهمين درهما ونصف الدرهم ولصاحب الدرهم الواحد نصف الدرهم ، وذلك لأن أحد الدرهمين يكون لصاحب الدرهمين بلا شك والآخر يحتمل أن يكون له ويحتمل أن يكون لصاحب الدرهم الواحد فينصّف بينهما ، جمعا بين الحقّين.

وقد يؤدّي هذا الحكم إلى مخالفة العلم التفصيلي ، كما لو أخذ الدرهم المشترك بينهما ثالث ، فإنّه يعلم تفصيلا بعدم انتقال تمام الدرهم من مالكه الواقعي ، ومع ذلك يجوز له الاشتراء فجواز الاشتراء يكشف عن عدم اعتبار هذا العلم المتولّد من العلم الإجمالي.

(ومنها : ما لو أقرّ بعين لشخص ثم أقرّ بها لآخر ... إلى آخره).

فإنّ المقرّ يغرم للثاني قيمة العين بعد دفع نفس العين للأول ، وهذا الحكم مبني على نفوذ الإقرار بعد الإقرار ، والّا لا يجب دفع القيمة.

والحاصل أنه لو أقرّ شخص بالعين لزيد أوّلا ثم أقرّ بها لعمرو ، فيجب عليه أنّ يدفع العين لزيد بمقتضى إقرار العقلاء على أنفسهم جائز ونافذ. ثم يدفع قيمتها لعمرو بعنوان الغرامة لأنّه قد أتلف العين بإقراره الأول.

ثم قد يؤدّي هذا الحكم إلى اجتماع العين والقيمة عند واحد كما إذا اشترى ثالث العين من زيد والقيمة من عمرو ، ثم يبيعهما بثمن واحد ، فيعلم تفصيلا بعدم انتقال تمام الثمن اليه لكون بعض مثمنه وهو العين أو القيمة مال للمقرّ في الواقع ، ومع ذلك يجوز له بيعهما فيعلم منه عدم اعتبار العلم التفصيلي المتولّد من العلم الإجمالي.

١٢٣

ومنها : الحكم بانفساخ العقد المتنازع في تعيين ثمنه أو مثمنه على وجه يقضى فيه بالتحالف ، كما لو اختلفا في كون المبيع بالثمن المعين عبدا أو جارية ، فإنّ ردّ الثمن إلى المشتري بعد التحالف مخالف للعلم التفصيلي بصيرورته ملك البائع ثمنا للعبد أو الجارية. وكذا لو اختلفا في كون ثمن الجارية المعيّنة عشرة دنانير أو مائة درهم ، فإن الحكم بردّ الجارية مخالف للعلم التفصيلي بدخولها في ملك المشتري.

ومنها : حكم بعضهم ـ بأنه لو قال أحدهما : بعتك الجارية بمائة ، وقال الآخر : وهبتني إيّاها ـ بأنهما يتحالفان وتردّ الجارية إلى صاحبها ، مع أنّا نعلم تفصيلا بانتقالها من ملك صاحبها إلى الآخر. إلى غير ذلك من الموارد التي يقف عليها المتتبّع.

فلا بدّ في هذه الموارد من التزام أحد امور على سبيل منع الخلوّ :

____________________________________

(ومنها : الحكم بانفساخ العقد المتنازع في تعيين ثمنه أو مثمنه على وجه يقضى فيه بالتحالف).

يعني بأن لا يكون لأحدهما بيّنة دون الآخر ، أو كانت متعارضة وأقدم كل منهما على الحلف من دون نكول عنه ، فإن ردّ الثمن في مورد الاختلاف في مقابل المثمن إلى المشتري مخالف لعلمه التفصيلي بأنه قد خرج عن ملكه ؛ إمّا ثمنا للعبد أو للجارية ، ومع ذلك يجوز له أخذ الثمن والتصرف فيه ، فيكون هذا الجواز كاشفا عن عدم اعتبار العلم التفصيلي المتولّد من العلم الإجمالي ، وكذا في جانب الاختلاف في الثمن يكون ردّ الجارية إلى البائع مخالفا لعلمه التفصيلي بأنّها قد خرجت عن ملكه ؛ إمّا في مقابل عشرة دنانير أو مقابل مائة درهم.

(ومنها : حكم بعضهم ـ بأنه لو قال أحدهما : بعتك الجارية بمائة ، وقال الآخر : وهبتني إيّاها ـ).

يعني : اختلف شخصان في كون التمليك بعوض أو مجانا ، فردّ الجارية إلى صاحبها بعد التحالف مخالف لعلمه بأنّها قد خرجت عن ملكه ؛ إمّا هبة أو بيعا ، فجواز التصرف فيها يكشف عن عدم اعتبار هذا العلم لكونه متولّدا عن الإجمالي.

(فلا بدّ في هذه الموارد من التزام أحد أمور على سبيل منع الخلوّ) بأن لا تخلو هذه الموارد عن أحد هذه الامور الآتية في كلام المصنّف رحمه‌الله ، فلا مانع من جمع بعضها مع

١٢٤

أحدها : كون العلم التفصيلي في كل من أطراف الشبهة موضوعا للحكم ، بأن يقال : الواجب الاجتناب عمّا علم كونه بالخصوص بولا ، فالمشتبهان طاهران في الواقع ، وكذا المانع للصلاة الحدث المعلوم صدوره تفصيلا من مكلّف خاص ، فالمأموم والإمام متطهران في الواقع.

ثانيها : إن الحكم الظاهري في حقّ كل أحد نافذ واقعا في حقّ الآخر ، بأن يقال : إن من كانت صلاته بحسب الظاهر صحيحة عند نفسه ، فللآخر أن يرتّب عليها آثار الصحة الواقعية فيجوز له الائتمام ، وكذا من حلّ له أخذ الدار ممّن وصل إليه نصفه إذا لم يعلم كذبه

____________________________________

الآخر في مورد واحد ، كما هو مقتضى قضية مانعة الخلوّ.

وقبل بيان هذه الامور اجمالا وتفصيلا نقول : إن الغرض المقصود من ذكر هذه الامور هو دفع الإشكال عمّن أفتى بما يستلزم جواز المخالفة للعلم التفصيلي في الموارد المتقدمة مع أن مخالفة العلم التفصيلي الطريقي غير معقول ، إذ حجّية القطع الطريقي ذاتية كما تقدّم ، فيدور الأمر بين عدم صحة الحكم والفتوى في الموارد المذكورة ، وبين توجيه الموارد المذكورة بإبداء احتمال لا ينافي صحة حكمهم بما ذكر في هذه الموارد ، فنذكر الامور اجمالا قبل بيانها تفصيلا حتى يتضح تطبيقها في الموارد المذكورة فنقول :

أحدها : إن العلم في هذه الموارد قد اخذ في موضوع الحكم الشرعي.

ثانيها : نلتزم بنفوذ الحكم الظاهري في حقّ كل واحد عن الحكم الواقعي في حقّ الآخر.

ثالثها : هو الالتزام بتقييد الحكم بالجواز أو الصحة في كل مورد بما لم يؤدّ إلى مخالفة العلم التفصيلي ، وتفصيل هذه الامور أن :

الأمر الأول ـ كما تقدم إجمالا ـ : هو كون العلم التفصيلي قد أخذ موضوعا للحكم الشرعي ، وهو في الشبهة المحصورة لم يكن معلوما بالعلم التفصيلي ، فلا يجب الاجتناب عن المشتبه بالميتة أو المشتبه بالنجس ، لأن المكلّف لا يعلم تفصيلا فيجوز له ارتكاب كلا المشتبهين دفعة أو تدريجا ، فالمشتبهان بالبول طاهران في الواقع والمشتبهان بالميتة حلالان في الواقع ، ثم يجوز بيعهما وجعلهما دفعة أو تدريجا ثمنا للجارية.

وهكذا يجري هذا الجواب في المورد الثالث ـ أيضا ـ كما جرى في المورد الثاني من

١٢٥

في الدعوى بأن استند إلى بيّنة أو إقرار أو اعتقاد من القرائن ، فإنه يملك هذا النصف في الواقع ، وكذلك إذا اشترى النصف الآخر فيثبت ملكه للنصفين في الواقع.

وكذا الأخذ ممّن وصل إليه نصف الدرهم في مسألة الصلح وفي مسألتي التحالف.

____________________________________

الموارد المذكورة ، فنقول : إنه قد اخذ في موضوع الحكم بوجوب الغسل العلم التفصيلي بالجنابة ، فلا يجب على واجدي المني في الثوب المشترك ، لأنّهما لا يعلمان تفصيلا بالجنابة فهما متطهران في الواقع ، فيجوز اقتداء كل واحد منهما بالآخر. هذا تمام الكلام في الأمر الأول.

وأما الأمر الثاني : وهو نفوذ الحكم الظاهري في كل واحد عن الحكم الواقعي في حقّ الآخر ، بمعنى أنه إذا كان الإمام متطهرا ظاهرا ولو باستصحاب عدم الجنابة كان هذا الحكم الظاهري في حقّه بمنزلة الحكم الواقعي بالنسبة إلى المأموم ، فكما يجوز للمأموم الاقتداء فيما إذا كان الإمام متطهرا واقعا كذلك يجوز له الاقتداء إذا كان متطهرا ظاهرا.

وكذلك إذا كان أحد مالكا لشيء ولو في الظاهر بحكم الحاكم كان هذا الحكم الظاهري والملكية الظاهرية بالنسبة إلى المشتري بمنزلة الحكم الواقعي والملكية الواقعية ، فيجوز له الاشتراء كما يجوز لو كان مالكا واقعا ، فهذا الجواب يعني الأمر الثاني من الامور الثلاثة يجري في كثير من الموارد المذكورة.

وكذا يجري هذا الجواب في المورد الثالث وهو تنصيف العين ، فبعد حكم الحاكم يملك كل واحد من المتخاصمين نصف الدار ظاهرا إذا كانت العين دارا ، فيجوز لثالث أن يرتّب آثار الملكية الواقعية على كل واحد من النصفين ، فيشتري كل واحد منهما عن كل واحد منهما اذا لم يعلم كذب من يشتري حقّه في الدعوى بأن تكون مستندة إلى (بيّنة أو إقرار أو اعتقاد) ، ويقين (من القرائن) كاليد مثلا.

وكذا يجوز للمشتري اشتراء نصف الدرهم من كل واحد منهما في مسألة الوديعة ، لأن كل منهما يملك نصف درهم ظاهرا بحكم الحاكم ، فلثالث أن ينزّل ملكهما بمنزلة الملكية الواقعية ، ثم إذا اشترى منهما ينتقل إليه تمام الدرهم.

وكذا مسألة الإقرار ، فبالإقرار الأول يكون زيد مالكا للعين ، وبالإقرار الثاني يصبح عمرو مالكا للقيمة ظاهرا ، فلثالث أن يراهما مالكين لهما واقعا ، فإذا اشترى كل واحد من

١٢٦

الثالث : أن يلتزم بتقييد الأحكام المذكورة بما إذا لم يفض إلى العلم التفصيلي بالمخالفة والمنع ممّا يستلزم المخالفة المعلومة تفصيلا ، كمسألة اختلاف الامة على قولين ، وحمل أخذ المبيع في مسألتي التحالف على كونه تقاصّا شرعيا قهريا عمّا يدعيه من الثمن أو انفساخ البيع بالتحالف من أصله أو من حينه ، وكون أخذ نصف الدرهم مصالحة قهرية.

____________________________________

النصفين منهما يملكهما فيجوز له أن يبيعهما بثمن واحد.

وكذا مسألتي الاختلاف في الثمن أو المثمن ، ومسألة الاختلاف في كون التمليك هبة أو بعوض ، فبعد التحالف في الجميع يكون كل واحد مالكا لما رجع إليه ظاهرا أو واقعا على احتمال في بعض ، فيجوز لكل واحد بيع ما رجع إليه لكونه مالكا له.

الأمر الثالث : أن يلتزم بتقييد الأحكام المذكورة بما إذا لم يؤدّ إلى العلم التفصيلي بالمخالفة ، والمنع ممّا يستلزم المخالفة المعلومة تفصيلا ، ففي مسألة اختلاف الامة على قولين لا يجوز الرجوع إلى أصل يكون مخالفا للقولين ، بل يجب الاحتياط إن كان ممكنا ، أو التوقف إن لم يكن ممكنا ، فيكون المراد من طرح القولين والرجوع إلى الأصل هو الأصل الموافق لأحدهما.

ثم إن المصنّف رحمه‌الله يشير إلى جواب آخر غير ما تقدم من الجواب بالأمر الثاني فيقول : (وحمل أخذ المبيع في مسألتي التحالف على كونه تقاصّا شرعيا قهريا عمّا يدعيه من الثمن).

يعني : عمّا يدعيه البائع من الثمن في اختلاف الثمن ، كان أولى أن يقول المصنف رحمه‌الله : أو عمّا يدعيه من المثمن يعني : حمل أخذ الثمن على كونه تقاصّا شرعيا عمّا يدّعيه المشتري من المثمن.

(أو انفساخ البيع بالتحالف من أصله) أي : من الأول ، (أو من حينه) أي : حين التحالف ، فيرجع كل إلى مالكه الأول.

وتظهر الثمرة بين انفساخ البيع من الأول وبينه من حين التحالف في النماء الحاصل بعد البيع ، فالنماء للمالك الأول على الأول وللثاني على الثاني ، وأخذ نصف الدرهم مصالحة قهرية ، بمعنى أن الدرهم وإن كان في الواقع ملكا لأحدهما الّا أن الشرع جعل نصفه للآخر من باب الصلح ورفع النزاع ، وكذا أخذ نصف الدار في حكم الحاكم بتنصيف العين يكون من باب المصالحة القهرية.

١٢٧

وعليك بالتأمّل في دفع الإشكال عن كل مورد بأحد الامور المذكورة ، فإنّ اعتبار العلم التفصيلي بالحكم الواقعي وحرمة مخالفته ممّا لا يقبل التخصيص بإجماع أو نحوه.

إذا عرفت هذا فلنعد إلى حكم مخالفة العلم الإجمالي ، فنقول :

مخالفة الحكم المعلوم بالإجمال يتصوّر على وجهين.

____________________________________

(وعليك بالتأمّل في دفع الإشكال عن كل مورد بأحد الامور المذكورة) وإلّا يلزم عدم اعتبار العلم التفصيلي مع أن (اعتبار العلم التفصيلي بالحكم الواقعي وحرمة مخالفته ممّا لا يقبل التخصيص بإجماع ونحوه).

وذلك لأن حجّية العلم والقطع كطريقيّته ذاتية ، فيكون حجّة مطلقا بحكم من العقل ، فلا يمكن أن يقال : إن القطع الطريقي حجّة الّا في المسألة الفلانية. هذا تمام الكلام في الأجوبة عن الموارد المذكورة.

فنقول : (مخالفة الحكم المعلوم بالإجمال يتصوّر على وجهين ... إلى آخره).

يعني : المخالفة الالتزامية ، والمخالفة العملية ، وقبل البحث في القسم الأول لا بدّ من تحرير محل النزاع فنقول : إن المخالفة يمكن أن تكون من حيث الالتزام فقط ، ويمكن أن تكون من حيث العمل فقط ، أو تكون من حيث الالتزام والعمل معا ، ومن هنا يظهر أن النسبة بين المخالفة الالتزامية العملية هي عموم من وجه ، ومادة الاجتماع هي ما إذا ارتكب جميع أطراف الشبهة المحصورة التحريمية مع الالتزام بالإباحة ، والافتراق من جانب المخالفة العملية هو ارتكاب جميع الأطراف مع الالتزام بالحرمة ، والافتراق من جانب المخالفة الالتزامية هو الالتزام بإباحة ما تردّد أمره بين الوجوب والحرمة في زمان لا يسع أكثر من الفعل الموافق لاحتمال الوجوب أو الترك الموافق لاحتمال الحرمة.

ومحل النزاع في المخالفة الالتزامية هو مادة الافتراق من جانب المخالفة الالتزامية وهي لا تتحقّق الّا فيما إذا كان كل من الوجوب والحرمة توصّليا ، أو أحدهما لا على التعيين تعبّديا ، وأمّا إذا كانا تعبّديين أو كان أحدهما المعيّن تعبّديا لزمت المخالفة العملية أيضا ، فيما إذا أتى بهما أو بما هو تعبّدي من دون قصد القربة.

نعم ، فيما إذا كان أحدهما المعيّن تعبّديا والآخر توصّليا فاختار المكلّف جانب التوصّلي فأتى به من دون قصد القربة إن كان واجبا أو تركه كذلك إن كان حراما ، لا تلزم

١٢٨

أحدهما : مخالفته من حيث الالتزام ، كالالتزام بإباحة وطء المرأة المردّدة بين من حرم وطؤها بالحلف ، ومن وجب وطؤها به مع اتحاد زماني الوجوب والحرمة ، وكالالتزام بإباحة موضوع كلّي مردّد أمره بين الوجوب والتحريم مع عدم كون أحدهما المعيّن تعبّديا يعتبر فيه قصد الامتثال ، فإن المخالفة في المثالين ليست من حيث العمل ، لأنه لا يخلو من الفعل الموافق للوجوب أو الترك الموافق للحرمة ، فلا قطع بالمخالفة الّا من حيث الالتزام بإباحة الفعل.

الثاني : مخالفته من حيث العمل ، كترك الأمرين الذين يعلم بوجوب أحدهما ، وارتكاب فعلين يعلم بحرمة أحدهما ، فإن المخالفة هنا من حيث العمل.

____________________________________

المخالفة العملية القطعية ، فيكون هذا القسم بهذا الاعتبار داخلا في محل البحث.

ثم يقع الكلام في جواز المخالفة الالتزامية تارة في الشبهة الموضوعية ، واخرى في الشبهة الحكمية.

وقد أشار المصنّف إلى مثال الاولى بقوله : (كالالتزام بإباحة وطء المرأة ... إلى آخره).

وإلى مثال الثانية بقوله : (كالالتزام بإباحة موضوع كلّي مردّد أمره بين الوجوب والتحريم ... إلى آخره).

ثم مثاله للشبهة الموضوعية صحيح واقعا ، إذ يمكن فرض لزوم المخالفة الالتزامية فقط في هذا المثال ، وذلك بأن نفرض الحلف على الوطء حتى يكون واجبا أو على الترك حتى يكون محرّما في زمان خاصّ لا يتّسع زائدا على الفعل أو الترك ، فلا يمكن للمكلّف الجمع بينهما في ذلك الزمان ، فلا يخلو من الفعل الموافق لاحتمال الوجوب أو الترك الموافق لاحتمال الحرمة ، فالمخالفة تنحصر في الالتزام دون العمل ، وهذا بخلاف مثاله للشبهة الحكمية.

فلا بدّ أن نلتزم بكون المثال فيما لا يتجاوز عن الفرض ، ولا يوجد في الشرع مثال ومورد تنحصر المخالفة فيه بالالتزام فقط. إذ ليس في الشرع فعل مردّد بين كونه واجبا أو حراما في زمان خاص. ثم يرتفع حكمه بعد ذلك الزمان حتى يقال : إن المكلّف لا يخلو في ذلك الزمان من الفعل الموافق للوجوب أو الترك الموافق للحرمة ، فتنحصر المخالفة بالالتزام فقط ، كما هو محل الكلام.

١٢٩

وبعد ذلك فنقول : أمّا المخالفة غير العملية ، فالظاهر جوازها في الشبهة الموضوعية والحكمية معا ، سواء كان الاشتباه والترديد بين حكمين لموضوع واحد كالمثالين المتقدمين. أو بين حكمين لموضوعين ، كطهارة البدن وبقاء الحدث لمن توضّأ غفلة بمائع مردّد بين الماء والبول.

____________________________________

فالمثال في قوله : كالالتزام بإباحة موضوع كلّي كدفن الكافر المردّد بين الوجوب والحرمة لأجل ورود الأمر فيه المردّد بين الإيجاب والتهديد ، مثال فرضي لا واقعي ، إذ لا تنحصر المخالفة فيه بالالتزام ، بل يمكن للمكلّف أن يدفن كافرا ثم ترك دفن كافر آخر حتى تتحقّق المخالفة العملية أيضا.

فنقول : (أمّا المخالفة غير العملية فالظاهر جوازها في الشبهة الموضوعية والحكمية معا).

وذلك لأن كل شيء لا يحتاج في وجوده وثبوته إلى أزيد من أمرين : الأول : وجود المقتضي ، والثاني : عدم المانع ، وكلاهما في المقام موجود ، وأمّا المقتضي فهو أدلة البراءة ، نحو قوله عليه‌السلام : (كل شيء مطلق حتى يرد أمر أو نهي) (١).

وأمّا عدم المانع فلما يأتي من أن العلم الإجمالي لا يصلح أن يكون مانعا. وهذا الوجه مشترك بين الشبهة الموضوعية والحكمية ، بخلاف ما يأتي من المصنّف رحمه‌الله حيث قال : فإن الأصل ... إلى آخره ، فإنّه يكون مختصّا بالشبهة الموضوعية.

(أو بين حكمين لموضوعين ، كطهارة البدن وبقاء الحدث لمن توضّأ غفلة بمائع مردّد بين الماء والبول).

وتقييد التوضّؤ بالغفلة ليتمكّن المكلّف من قصد القربة في الوضوء ، إذ المكلّف مع التفاته بكون المائع مردّدا بين الماء والبول لا يتأتّى منه قصد القربة ، لأنه يعلم ـ حينئذ ـ بالمنع عن التوضّؤ شرعا ، فكيف يقصد التقرّب بما هو الممنوع شرعا؟ فيكون الوضوء باطلا.

وتقريب الحكمين للموضوعين هو أن هنا أحكاما متضادة لموضوعين :

أحدها : النجاسة المضادة للطهارة عنها.

__________________

(١) غوالي اللآلئ ٣ : ٤٦٢ / ١. الوسائل ٦ : ٢٨٩ ، ابواب القنوت ، ب ١٩ ، ح ٣.

١٣٠

أمّا في الشبهة الموضوعية ، فلأنّ الأصل فيها إنّما يخرج مجراه عن موضوع التكليفين ، فيقال : الأصل عدم تعلّق الحلف بوطء هذه وعدم تعلّق الحلف بترك وطئها ، فتخرج المرأة بذلك عن موضوع حكمي التحريم والوجوب ، فيحكم بالإباحة لأجل الخروج من موضوع الوجوب والحرمة ، لا لأجل طرحهما.

____________________________________

ثانيها : الحدث المضاد للطهارة عنه.

وموضوع الأوليين هو البدن ، وموضوع الأخيرين هو النفس. ثم المكلّف لا يعلم بأن المائع كان ماء حتى يكون متطهرا بالطهارة المعنوية المضادة للحدث ، وكذلك متطهرا بالطهارة الظاهرية المضادة للنجاسة ، أو كان بولا حتى يكون متّصفا بضدّ ما ذكر من الطهارتين.

فالمكلّف يعلم بعد التوضّؤ بالمائع المذكور بعروض أحد الأمرين : إمّا الطهارة المعنوية والظاهرية على تقدير كون المائع ماء ، أو الخباثة المعنوية والظاهرية على تقدير كون المائع بولا ، فالالتزام بطهارة البدن بالاستصحاب مخالف لبقاء الحدث وبالعكس ، فيلزم من استصحاب الطهارة واستصحاب الحدث مخالفة التزامية كما سيجيء.

(أمّا في الشبهة الموضوعية ، فلأن الأصل فيها إنّما يخرج مجراه عن موضوع التكليفين ... إلى آخره).

وذلك أن الحكم تابع لموضوعه نفيا وثبوتا ، فإذا ثبت الموضوع ثبت الحكم ، وإذا انتفى انتفى الحكم ، وإن كان انتفاء الموضوع بالأصل كما فيما نحن فيه حيث يجري أصل عدم تعلّق الحلف بوطء هذه المرأة ، فتخرج عن موضوع الوجوب ، ثم يجري عدم تعلّق الحلف على ترك وطئها ، فتخرج عن موضوع الحرمة ، فينتفي كل من الحكم بالوجوب والحرمة لأجل انتفاء موضوعهما.

ثم ينتفي الحكم بوجوب الالتزام بانتفاء موضوعه وهو الوجوب والحرمة ، فيحكم بالإباحة ، لا ويلزم منها طرح الوجوب والحرمة لأن الالتزام بالإباحة قد وقع في موضوع غير الموضوع الذي تعلّق به الوجوب أو الحرمة ، ومن هنا يظهر أن عدم المخالفة من حيث الالتزام سالبة بانتفاء الموضوع. أي : لا التزام حتى يلزم من تركه مخالفته ، ثم أصالة إباحة وطء المرأة المردّدة بين من وجب وطؤها بالحلف وبين من حرم وطؤها به لا تنافي ما دل

١٣١

وكذا الكلام في الحكم بطهارة البدن وبقاء الحدث في الوضوء بالمائع المردّد.

وأمّا الشبهة الحكمية ، فلأن الاصول الجارية فيها وإن لم يخرج مجراها عن موضوع الحكم

____________________________________

على وجوب الوفاء بالحلف ، وذلك لخروج المرأة عن موضوع وجوب الوفاء بالحلف بما ذكر من الأصلين ، فيكون هذان الأصلان حاكمين على الأدلة الدالة على وجوب الوفاء بالحلف الّا أن يقال بعدم جريان الأصل في مورد العلم الإجمالي ، وكونه كالتفصيلي في كونه مانعا عن جريان الأصل.

(وكذا الكلام في الحكم بطهارة البدن وبقاء الحدث في الوضوء بالمائع المردد).

فلا بدّ أولا من تقريب المخالفة الالتزامية ، ثم نفيها ثانيا بالأصل.

فنقول : إن الرجوع إلى استصحاب طهارة البدن ، واستصحاب بقاء الحدث مستلزم للمخالفة الالتزامية فقط. وذلك لأن طهارة البدن ملازمة لطهارة النفس ، وارتفاع الحدث ثم بقاء الحدث ملازم لنجاسة البدن ، فالالتزام بطهارة البدن مخالف للالتزام ببقاء الحدث ، إذ لازم الالتزام بالطهارة هو الالتزام بلازمه وهو ارتفاع الحدث.

وهكذا الالتزام ببقاء الحدث مخالف للالتزام بطهارة البدن ، إذ لازمه هو الالتزام بارتفاع الطهارة وثبوت النجاسة.

فالحاصل أن الالتزام بطهارة البدن بمقتضى الاستصحاب وكذا بقاء الحدث مستلزم للمخالفة الالتزامية بالنسبة إلى الالتزام بلازمهما ، وأمّا نفيها بالأصل فنقول : إن أصل عدم النجاسة أو بقاء طهارة البدن بالاستصحاب يخرج مجراه ومحلّه عن موضوع ما دل على تنجّس ما لاقى نجسا فنشك في كون البدن هل ممّا لاقى نجسا حتى يحكم بتنجّسه أم ليس كذلك؟ ، فمقتضى استصحاب طهارته أنه ليس ممّا لاقى نجسا ، فيخرج عن موضوع ذلك الدليل ، وهكذا استصحاب بقاء الحدث يخرج مجراه عن موضوع ما دلّ على حصول الطهارة المعنوية بالتوضّؤ ، إذ لازم بقاء الحدث هو عدم كون هذه النفس نفسا متوضّئة.

وبالجملة ، لازم الأصل في الشبهة الموضوعية هو نفي وجوب الالتزام بنفي الموضوع ، وعدم تحقّق المخالفة الالتزامية لا جوازها بعد تحقّقها كما هو ظاهر المصنّف رحمه‌الله.

(وأمّا الشبهة الحكمية ... إلى آخره).

١٣٢

الواقعي ، بل كانت منافية لنفس الحكم ، كأصالة الإباحة مع العلم بالوجوب أو الحرمة ، فإن الاصول في هذه منافية لنفس الحكم الواقعي المعلوم اجمالا ، لا مخرجة عن موضوعه ، الّا أن الحكم الواقعي المعلوم اجمالا لا يترتّب عليه أثر الّا وجوب الإطاعة وحرمة المعصية ، والمفروض أنه لا يلزم من إعمال الاصول مخالفة عملية له لتتحقّق المعصية ، ووجوب الالتزام بالحكم الواقعي مع قطع النظر عن العمل غير ثابت ، لأن الالتزام بالأحكام الفرعية إنّما يجب مقدمة للعمل ، وليست كالاصول الاعتقادية يطلب فيها الالتزام

____________________________________

يعني : جواز المخالفة الالتزامية في الشبهة الحكمية كالالتزام بإباحة دفن الكافر المردّد أمره بين الوجوب والحرمة لا يمكن من طريق نفي الحكم بنفي الموضوع بالأصل ، لأن الاصول الجارية فيها لا تخرج مجراها عن موضوع الحكم الواقعي حتى تكون حاكمة على دليل الدال عليه ، بل الاصول الجارية تكون منافية لما دلّ على ثبوت الحكم الواقعي.

ومع ذلك يجوز إعمال هذه الاصول في الشبهة الحكمية ، إذ لا مانع من إعمالها لأن المانع ؛ إمّا هو المخالفة من حيث العمل أو من حيث الالتزام والاولى لا تلزم ، وذلك لأن المفروض أن الحكم الواقعي يكون توصّليا ، فلا يترتّب عليه الّا وجوب الإطاعة ، وحرمة المعصية والمخالفة.

ثم الإطاعة تتحقّق بمجرد الفعل أو الترك والمكلّف لا يخلو من الفعل الموافق للوجوب أو الترك الموافق للحرمة ، وهذا المقدار يكون كافيا في تحقّق الإطاعة بمعنى الموافقة العملية الاحتمالية ، إذ الموافقة القطعية لا يمكن تحقّقها في دوران الأمر بين الوجوب والحرمة ، فيكون طريق الإطاعة منحصرا في الموافقة العملية الاحتمالية وهي تتحقّق على كل تقدير يعني : سواء اجريت الاصول أم لا.

والثابتة ، أي : المخالفة الالتزامية لا تكون مانعة عن إعمال الاصول لأنّها مانعة على تقدير وجوب الموافقة الالتزامية وحرمة المخالفة الالتزامية ، ولم يثبت في الشرع وجوب الالتزام بالحكم الواقعي حتى تكون مخالفته محرمة.

فالحاصل أنه لا مانع من إعمال الاصول الّا لزوم المخالفة من حيث العمل وهو منتف في المقام.

قوله : (إنّما يجب مقدمة للعمل) يمكن أن يكون دفعا لتوهّم وجوب الالتزام تخييرا في

١٣٣

والاعتقاد من حيث الذات. ولو فرض ثبوت الدليل ـ عقلا أو نقلا ـ على وجوب الالتزام بحكم الله الواقعي لم ينفع ، لأن الاصول تحكم في مجاريها بانتفاء الحكم الواقعي ، فهي كالاصول في الشبهة الموضوعية مخرجة لمجاريها عن موضوع ذلك الحكم ، أعني : وجوب الأخذ بحكم الله.

____________________________________

المقام.

وتقريبه : إن وجود الحكم الواقعي يقتضي الالتزام به تعيينا عند علمنا تفصيلا به ، وتخييرا عند علمنا اجمالا به ، والجواب أنه لم يدل أيّ دليل في الشرع على وجوب الالتزام بالوجوب النفسي لا في الواجبات التوصّلية ولا التعبّدية ، لا في مورد العلم التفصيلي ولا الإجمالي.

نعم ، يجب الالتزام في الواجب التعبّدي مقدمة للعمل ، لأن حصول الامتثال في التعبّدي موقوف على قصد الامتثال والقربة ، وقصد الوجه على قول ، ومعلوم أن هذه الامور موقوفة على الالتزام بالحكم.

نعم ، المطلوب في الاعتقاديات كالتوحيد ، والنبوة ، وغيرها هو الالتزام ذاتا لا مقدمة ، إذ المطلوب بالذات في أصول الدين هو الاعتقاد والالتزام بالجنان وفي الفروع هو العمل بالأركان.

فالحاصل أن الالتزام بالحكم في المقام ليس واجبا لا ذاتا ، ولا مقدمة لأن محل الكلام هو التوصّل الذي يمكن حصوله من دون التزام أصلا.

(ولو فرض ثبوت الدليل ـ عقلا أو نقلا ـ على وجوب الالتزام بحكم الله الواقعي لم ينفع).

يعني : لو سلّمنا بوجوب الالتزام في الأحكام الواقعية وجوبا نفسيا لا ينفع في مورد العلم الإجمالي ، وإن كان نافعا في مورد العلم التفصيلي ، وذلك لأن الاصول تحكم في مجاريها بانتفاء الحكم الواقعي كالشبهة الموضوعية ، بل الشبهة الحكمية تنقلب إلى الشبهة الموضوعية من حيث الشك في موضوع وجوب الالتزام ، ولا نعلم أنه يجب الالتزام بوجوب هذا الفعل أو بحرمته فيكون المشتبه حكما جزئيا كما هو المناط في كون الشبهة موضوعية ، وإن بقيت الشبهة على حالها من حيث الشك فيها بالوجوب أو الحرمة

١٣٤

هذا ولكن التحقيق : أنه لو ثبت هذا التكليف ـ أعني : وجوب الأخذ بحكم الله والالتزام مع قطع النظر عن العمل ـ لم تجر الاصول لكونها موجبة للمخالفة العملية للخطاب التفصيلي ، أعني : وجوب الالتزام بحكم الله وهو غير جائز حتى في الشبهة الموضوعية ـ كما سيجيء ـ فيخرج عن المخالفة غير العملية.

فالحقّ ـ مع فرض عدم قيام الدليل على وجوب الالتزام بما جاء به الشارع ، على ما جاء

____________________________________

فتكون من هذه الجهة حكمية.

والحاصل يجري الأصل ، فيقال : إن الأصل هو عدم كون دفن الكافر ممّا يجب الالتزام بوجوبه أو بحرمته ، فيخرج دفن الكافر بالأصل عن موضوع وجوب الالتزام ، فلا يجب الالتزام.

فالملخص أنه ولو قلنا بوجوب الالتزام لا يجب الالتزام في المقام.

(هذا ولكن التحقيق : أنه لو ثبت هذا التكليف ـ أعني وجوب الأخذ بحكم الله والالتزام مع قطع النظر عن العمل ـ لم تجر الاصول لكونها موجبة للمخالفة العملية للخطاب التفصيلي ، أعني : وجوب الالتزام ... إلى آخره).

وحاصل التحقيق : إنّه لو ثبت التكليف بوجوب الالتزام في الأحكام الواقعية لم تجر ، الاصول كما أفاد المصنّف رحمه‌الله لوجود المانع وهي المخالفة العملية.

ثم لزوم المخالفة العملية يحتاج إلى بيان ، وذلك لأن الأفعال تنقسم إلى قسمين : منها جوارحية ، ومنها جوانحية ، ثم مخالفة كل منهما بحسبها ، فمخالفة الأفعال الجوارحية الواجبة تكون بتركها خارجا ، ومخالفة الأفعال الجوانحية تكون بتركها التزاما ، فترك الالتزام بالنسبة إلى الوجوب والحرمة مخالفة عملية.

ولذا قال المصنّف رحمه‌الله : إن الاصول موجبة للمخالفة العملية للخطاب التفصيلي ، أعني : وجوب الالتزام بحكم الله تعالى ، والمخالفة العملية مانعة عن جريان الاصول لكونها محرّمة شرعا ، وقبيحة عقلا ، ثم المراد من الالتزام في محل الكلام هو الالتزام في مقابل العمل ، بمعنى تحصيل الاعتقاد بالوجوب أو الحرمة ثم البناء عليه لتطبيق العمل عليه ، والّا فوجوب الالتزام بما جاء به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على ما هو عليه في الواقع لا خلاف فيه لأنه يرجع إلى تصديق النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

١٣٥

به ـ أن طرح الحكم الواقعي ولو كان معلوما تفصيلا ليس محرّما الّا من حيث كونها معصية دلّ العقل على قبحها واستحقاق العقاب بها.

فإذا فرض العلم تفصيلا بوجوب الشيء فلم يلتزم به المكلّف الّا أنه فعله لا لداعي الوجوب ، لم يكن عليه شيء ، نعم ، لو أخذ في ذلك الفعل نيّة القربة فالإتيان به لا للوجوب مخالفة عملية ومعصية لترك المأمور به ، ولذا قيّدنا الوجوب والتحريم في صدر المسألة بغير ما علم كون أحدهما المعيّن تعبّديا ، فإذا كان هذا حال العلم التفصيلي ، فإذا علم اجمالا بحكم مردّد بين الحكمين ، وفرضنا اجراء الأصل في نفي الحكمين الذين علم بكون أحدهما حكم الشارع ، والمفروض ـ أيضا ـ عدم مخالفتهما في العمل ، فلا معصية ولا قبح ، بل وكذلك لو

____________________________________

(فالحقّ ـ مع فرض عدم قيام الدليل على وجوب الالتزام بما جاء به الشارع ، على ما جاء به ـ أن طرح الحكم الواقعي ولو كان معلوما تفصيلا ليس محرّما الّا من حيث كونها معصية).

وملخص ما أفاده المصنّف رحمه‌الله هو عدم حرمة المخالفة الالتزامية ، وإنّما المحرّم هو المعصية والمخالفة العملية التي حكم العقل بقبحها واستحقاق العقاب عليها.

ثم يقول المصنّف رحمه‌الله : (فإذا فرض العلم تفصيلا بوجوب الشيء).

مثل : دفن المسلم مثلا ، ثم أتى المكلّف به من دون التزامه بوجوبه سقط الأمر عنه ، ولم يكن عليه شيء من المعصية لأنّه لم يأت بما هو محرّم ، فإذا لم تكن المخالفة الالتزامية محرّمة في العلم التفصيلي لم تكن محرّمة في صورة العلم الإجمالي بطريق أولى ، فلا فرق بينهما من جهة جواز المخالفة الالتزامية ، وإنّما الفرق بينهما من حيث جريان الأصل في الثاني دون الأول.

ثم يتوهّم من كلامه رحمه‌الله حيث قال : (إلّا أنه فعله لا لداعي الوجوب).

إن مراده من الالتزام في المقام هو الإتيان بالواجب بداعي الوجوب ، وليس ما يتوهّم من كلامه بمقصود يقينا ، كيف وقصد الوجه ليس بمعتبر في العبادات فضلا عن التوصّليات؟! فمراده هو نفي الإتيان بالفعل من دون البناء على وجوبه شرعا ، ثم المراد من الالتزام هو الإتيان من حيث كون الفعل واجبا لينطبق العمل عليه ، وهذا بخلاف قصد الوجه حيث يجعل الوجوب غاية للفعل.

١٣٦

فرضنا عدم جريان الأصل ، لما عرفت من ثبوت ذلك في العلم التفصيلي.

فملخّص الكلام : أن المخالفة من حيث الالتزام ليست مخالفة ، ومخالفة الأحكام الفرعية إنّما هي في العمل ، ولا عبرة بالالتزام وعدمه.

ويمكن أن يقرّر دليل الجواز ـ أي : جواز المخالفة فيه ـ بوجه أخصر : وهو أنه لو وجب الالتزام ، فإن كان بأحدهما المعيّن واقعا فهو تكليف من غير بيان ولا يلزمه أحد ، وإن كان بأحدهما على وجه التخيير فهذا لا يمكن أن يثبت بذلك الخطاب الواقعي المجمل ، فلا بدّ له من خطاب آخر ، وهو مع أنه لا دليل عليه غير معقول ، لأن الغرض من هذا الخطاب

____________________________________

(وكذلك لو فرضنا عدم جريان الأصل).

والحاصل أن المحرّم في الشرع هو المخالفة من حيث العمل لا المخالفة من حيث الالتزام ، فلا يحرم عدم الالتزام ولو فرضنا عدم جريان الأصل في باب دوران الأمر بين المحذورين وقلنا باختصاص أدلة البراءة بموارد الشك البدوي ، لأن عدم جريان الأصل لا يكون موجبا لحرمة المخالفة الالتزامية.

(لما عرفت من ثبوت ذلك).

أي : عدم حرمة المخالفة الالتزامية ، وعدم تحقّق المعصية في مورد العلم التفصيلي مع أن الأصل لا يجري في مورد العلم التفصيلي بالاتّفاق.

(ويمكن أن يقرّر دليل الجواز ـ أي : جواز المخالفة فيه ـ بوجه أخصر).

والمستفاد من كلامه السابق إلى هنا هو عدم الدليل على وجوب الالتزام ، وكذا عدم الدليل على عدم وجوبه.

ثم من هنا يبدأ رحمه‌الله بإقامة الدليل على عدم وجوب الالتزام ثم يثبت جواز المخالفة من حيث الالتزام بالدليل.

وبيان الدليل : أنه لو كان الالتزام واجبا في مورد العلم الإجمالي لكان واجبا ؛ إمّا بالتخيير أو بالتعيين ، والتالي بكلا قسميه باطل ، فالمقدّم مثله ، ولا بدّ في القياس الاستثنائي من اثبات الملازمة أولا ، وبطلان التالي ثانيا حتى ينتج رفع التالي رفع المقدم فنقول : إن الملازمة واضحة لأن الواجب في الشرع ؛ إمّا تخييري أو تعييني. فلو كان الالتزام واجبا لكان بأحد القسمين.

١٣٧

المفروض كونه توصّليا حصول مضمونه ، أعني : ايقاع الفعل أو الترك تخييرا ، وهو حاصل من دون الخطاب التخييري ، فيكون الخطاب طلبا للحاصل ، وهو محال ، الّا أن يقال : إنّ المدّعي للخطاب التخييري إنّما يدعي ثبوته بأن يقصد منه التعبّد بأحد الحكمين ، لا مجرد حصول مضمون أحد الخطابين الذي هو حاصل ، فينحصر دفعه حينئذ بعدم الدليل ، فافهم هذا.

____________________________________

ثم بطلان القسم الثاني من التالي وهو الوجوب التعييني واضح لا يحتاج اثباته إلى تكلّف ، إذ يكون معناه هو وجوب الالتزام بخصوص الحكم الواقعي المعيّن عند الله المجهول عند المكلّف ، فيلزم تكليف المكلّف بما لا يعلمه ، وهذا تكليف بلا بيان والتكليف كذلك قبيح عقلا ولم يقل به أحد شرعا.

وبقي بطلان القسم الأول من التالي وهو كون وجوب الالتزام وجوبا تخييريا فنقول : إن كل حكم يحتاج ثبوته في الشرع إلى دليل دالّ عليه ، ولم يكن في الشرع دليل دالّ على التخيير وذلك لأن الدليل لو كان لكان ؛ إمّا الخطاب المجمل ، أو غيره.

ولا يمكن اثبات التخيير بنفس ذلك الخطاب المجمل ، كالأمر بدفن الكافر المردّد بين الإيجاب فيكون الدفن واجبا وبين التهديد ، فيكون محرّما لأن المستفاد من هذا الدليل هو الوجوب أو الحرمة فقط ، فلا دليل يدلّ على التخيير أصلا ، فضلا عن الالتزام.

والخلاصة أن نفس الخطاب لا يمكن أن يكون دليلا ، فلو كان فلا بدّ أن يكون خطابا آخر ، ثم الخطاب الآخر ؛ إمّا خطاب توصّلي أو تعبّدي ، والأول مردود بوجهين :

الوجه الأول : هو عدم الدليل على وجود هذا الخطاب في الشرع.

والوجه الثاني : أنه غير معقول لأنه مستلزم لطلب ما هو حاصل وهو محال ، وذلك لأن المكلّف قبل هذا الخطاب لا يخلو تكوينا من الفعل أو الترك ، والمطلوب من هذا الخطاب ـ أيضا ـ هو تخيير المكلّف بين الفعل والترك ، فليس هذا الّا طلبا للحاصل ، فإذا انتفى التخيير بهذا البيان ينتفي وجوب الالتزام لأجل انتفاء موضوعه.

الثاني ، أي : الخطاب التعبّدي مردود لأجل عدم الدليل عليه ، ولا يرد عليه الإشكال المتقدم حتى يكون مردودا بالوجهين المذكورين في الخطاب التوصّلي فينحصر دفعه بعدم الدليل على ثبوته ، فتحصّل من الجميع بطلان التالي بكلا شقّيه ، فالنتيجة تكون عدم

١٣٨

وأمّا دليل وجوب الالتزام بما جاء به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فلا يثبت الّا الالتزام بالحكم الواقعي على ما هو عليه ، لا الالتزام بأحدهما تخييرا عند الشك ، فافهم.

هذا ، ولكن الظاهر من جماعة من الأصحاب ، في مسألة الإجماع المركّب ، إطلاق القول بالمنع عن الرجوع إلى حكم علم عدم كونه حكم الإمام في الواقع. وعليه بنوا عدم جواز

____________________________________

وجوب الالتزام.

قوله : (وأمّا دليل وجوب الالتزام بما جاء به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله) دفع لما يتوهّم من عدم صحة ما تقدم من المصنّف من عدم الدليل على وجوب الالتزام ، بل الدليل على وجوب الالتزام بما جاء به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله موجود ، فيكون مقتضى هذا الدليل المستفاد من الأخبار هو وجوب الالتزام تعيينا في مورد العلم التفصيلي بما جاء به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتخييرا في مورد العلم الإجمالي إذ الالتزام بما جاء به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يكون من لوازم الإيمان.

ويدفع المصنف رحمه‌الله هذا التوهّم بقوله : (فلا يثبت الّا الالتزام بالحكم الواقعي على ما هو عليه).

وحاصل ما أفاده المصنّف رحمه‌الله دفعا لهذا التوهّم أنّ الالتزام بما جاء به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الذي يرجع إلى تصديقه ، وهو من لوازم الإيمان هو الالتزام بالحكم الواقعي على ما هو عليه لا الالتزام بالحكم في مقام العمل ، كما هو محل الكلام ، فما ثبت بالدليل خارج عن محل الكلام ، وما هو محل الكلام لا يثبت بذلك الدليل.

(فافهم) يمكن أن يكون اشارة إلى توهّم ودفعه ، وتقريب التوهّم هو أن وجوب الالتزام إذا ثبت بمقتضى وجوب الالتزام بما جاء به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ولو بما ذكر من الالتزام بالواقع على ما هو عليه لا يجوز الالتزام بالإباحة في دوران الأمر بين الوجوب والحرمة ، لأنّ الالتزام بها يكون منافيا للالتزام بالحكم الواقعي المردّد بين الوجوب والحرمة.

وحاصل دفع هذا التوهّم أن الإباحة حكم ظاهري فلا منافاة بين الالتزام بها ظاهرا ، وبين الالتزام بالحكم الواقعي على ما هو عليه ، لعدم المنافاة بين الحكم الواقعي والظاهري ، كما سيجيء في بحث الأمارات في الجمع بينهما.

(ولكن الظاهر من جماعة من الأصحاب ، في مسألة الإجماع المركّب ، إطلاق القول بالمنع عن الرجوع إلى حكم علم عدم كونه حكم الإمام عليه‌السلام في الواقع).

١٣٩

الفصل فيما علم كون الفصل فيه طرحا لقول الإمام عليه‌السلام.

____________________________________

قال المصنّف رحمه‌الله بعد ما حكم بجواز المخالفة الالتزامية : يظهر من جماعة عدم جواز المخالفة الالتزامية كالعملية حيث قالوا في مسألة الإجماع المركّب بالمنع من الرجوع إلى حكم مخالف لما عند الامام عليه‌السلام ، فمقتضى إطلاق كلامهم هو المنع عن المخالفة عملية كانت أو التزامية.

(وعليه بنوا عدم جواز الفصل فيما علم كون الفصل فيه طرحا لقول الإمام عليه‌السلام).

يعني : بنوا عدم القول بالفصل على المنع من الرجوع إلى الحكم المخالف للواقع إذا كان القول بالفصل موجبا لطرح قول الإمام عليه‌السلام ، كخرق الإجماع المركّب المستلزم لطرح قول الإمام عليه‌السلام.

فلا بدّ لنا من بيان الفرق بين الإجماع المركّب ، وبين القول بعدم الفصل لأنّهما قد ينطبقان في مورد واحد ، كالعيوب الموجبة لجواز فسخ النكاح ، كالجنون والجذام والبرص والرتق والفتق والخصي والعنين ، فإذا ذهب بعض الفقهاء إلى جواز الفسخ بكل واحد منها ، وذهب بعضهم إلى عدم جواز فسخ النكاح بشيء منها ، فإنّه يحصل من هذين القولين الإجماع على عدم الفرق بينها في الحكم وعدم التفصيل بينها من حيث الحكم ، فالقول بجواز الفسخ ببعضها دون بعض خرق للإجماع المركّب وقول بالفصل.

فنقول : إن النسبة بينهما عموم من وجه ، وذلك باعتبار اختلاف المناط والملاك فيهما ، فإن الملاك في الإجماع المركّب هو الاختلاف على قولين. والملاك في القول بعدم الفصل هو تعدد الموضوع.

ثم عدم التفرقة في الحكم في المثال المذكور واجد لكلا الملاكين ، فيكون مادة الاجتماع بينهما لصدقهما معا ، ثم مادة الافتراق من جانب الإجماع المركّب كردّ المشتري الجارية البكر بعد وطئها لأجل عيب فيها كالعمى والبكم مثلا ، فإذا ذهب بعض الفقهاء بعدم جواز الردّ مطلقا ، وبعضهم به مع الأرش لثبت منهم الإجماع على عدم جوازه مجانا ، فالقول به خرق للإجماع المركّب ، وطرح لقول الإمام عليه‌السلام ، ولا يصدق على هذا المثال القول بعدم الفصل لانتفاء ملاكه ، وهو تعدّد الموضوع. ومادة الافتراق من جانب القول بعدم الفصل ، مثل : ما إذا اتفق الفقهاء على وحدة الحكم في الشك بين الاثنين والثلاث ،

١٤٠