الرسائل الجديدة والفرائد الحديثة

الشيخ علي المشكيني

الرسائل الجديدة والفرائد الحديثة

المؤلف:

الشيخ علي المشكيني


الموضوع : أصول الفقه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٣٥

عليكم من خبرين مختلفين فاعرضوهما على كتاب الله الى ان قال وما لم يكن فى الكتاب فاعرضوهما على سنن رسول الله (ص) الى ان قال وما لم تجدوا فى شىء من هذه فردوا الينا علمه فنحن اولى بذلك الخبر ، والحاصل ان القرائن الدالة على ان المراد بمخالفة الكتاب ليس مجرد مخالفة عمومه او اطلاقه كثيرة تظهر لمن له ادنى تتبع ومن هنا يظهر ضعف التأمل فى تخصيص الكتاب بخبر الواحد لتلك الاخبار بل منعه لاجلها كما عن الشيخ فى العدة.

وثانيا انا نتكلم فى الاحكام التى لم يرد فيها عموم من القرآن والسنة ككثير من احكام المعاملات بل العبادات التى لم ترد فيها الا آيات مجملة (١) او مطلقة من الكتاب اذ لو سلمنا ان تخصيص العموم يعد مخالفة اما تقييد المطلق فلا يعد فى العرف مخالفة بناء على المختار من عدم كون المطلق مجازا عند التقييد.

فان قلت : فعلى اى شىء تحمل تلك الاخبار الكثيرة الآمرة بطرح مخالف الكتاب فان حملها على طرح ما يباين الكتاب كلية حمل على فرد نادر بل معدوم فلا ينبغى لاجله هذا الاهتمام الذى عرفته فى الاخبار ، قلت : هذه الاخبار على قسمين منها ما يدل على عدم صدور الخبر المخالف للكتاب والسنة عنهم (ع) وان المخالف لهما باطل وانه ليس بحديثهم ـ ومنها ما يدل على عدم جواز (٢) تصديق الخبر المحكى عنهم (ع) اذا خالف الكتاب والسنة ، اما الطائفة الاولى فالاقرب حملها على الاخبار الواردة فى اصول الدين مثل مسائل الغلو والجبر والتفويض التى ورد فيها الآيات والاخبار النبوية ، وهذه الاخبار غير موجودة فى كتبنا الجوامع لانها اخذت من الاصول بعد تهذيبها من تلك الاخبار ـ واما الثانية فيمكن حملها على ما ذكر فى الاولى ، ويمكن حملها على صورة تعارض الخبرين كما يشهد به مورد بعضها ، و

__________________

١ ـ مثل قوله تعالى (أَقِيمُوا الصَّلاةَ) وقوله (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ) وقوله (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ) ، والترديد مبنى على كونها فى مقام البيان ام لا (م ق)

٢ ـ يعنى عدم جواز العمل به كما فى رواية ابن ابى يعفور فالذى جاءكم به اولى (ق)

٨١

يمكن حملها على خبر غير الثقة لما سيجيء من الادلة على اعتبار خبر الثقة هذا كله فى الطائفة الدالة على طرح الاخبار المخالفة للكتاب والسنة.

واما الطائفة الآمرة بطرح ما لا يوافق الكتاب او لم يوجد عليه شاهد من الكتاب والسنة فالجواب عنها بعد ما عرفت من القطع (١) بصدور الاخبار الغير الموافقة لما يوجد فى الكتاب منهم (ع) كما دل عليه روايتا الاحتجاج والعيون المتقدمتان المعتضدتان بغيرهما من الاخبار انها محمولة على ما تقدم فى الطائفة الآمرة بطرح الاخبار المخالفة للكتاب والسنة ، وان ما دل منها على بطلان ما لم يوافق وكونه زخرفا محمول على الاخبار الواردة فى اصول الدين ، مع احتمال كون ذلك من اخبارهم الموافقة للكتاب والسنة على الباطن الذى يعلمونه منهما ولهذا كانوا يستشهدون كثيرا بآيات لا نفهم دلالتها وما دل على عدم جواز تصديق الخبر الذى لا يوجد عليه شاهد من كتاب الله على خبر غير الثقة او صورة التعارض كما هو ظاهر غير واحد من الاخبار العلاجية ، ثم ان الاخبار المذكورة على فرض تسليم دلالتها وان كانت كثيرة إلّا انها لا تقاوم الادلة الآتية فانها موجبة للقطع بحجية خبر الثقة فلا بد من مخالفة الظاهر فى هذه الاخبار.

واما الجواب عن الاجماع الذى ادعاه السيد والطبرسى فبأنه لم يتحقق لنا هذا الاجماع والاعتماد على نفله تعويل على خبر الواحد مع معارضته بما سيجيء من دعوى الشيخ المعتضدة بدعوى جماعة اخرى الاجماع على حجية خبر الواحد فى الجملة وتحقق الشهرة على خلافها بين القدماء والمتأخرين واما نسبة

__________________

١ ـ حاصله انه قد تقدم حصول القطع بصدور الاخبار غير الموافقة ولا شك فى عدم جواز طرح هذه الاخبار ولا الاخبار الدالة على طرح ما لا يوافق للقطع بصدور كل منهما فيدور الامر حينئذ بين تخصيص ما دل من الاخبار على طرح ما لا يوافق الكتاب وبين حملها على احد الوجوه المذكورة فحيث قد عرفت عدم جواز التخصيص فيها تعين حملها على احد الوجوه المذكورة (م ق)

٨٢

بعض العامة كالحاجبى والعضدى عدم الحجية الى الرافضة فمستندة الى ما رأوا من السيد من دعوى الاجماع بل ضرورة المذهب على كون خبر الواحد كالقياس عند الشيعة.

واما المجوزون فقد استدلوا على حجيته بالادلة الاربعةاما الكتاب فقد ذكروا منه آيات ادعوا دلالتها منها قوله تعالى فى سورة الحجرات («يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ) الآية ، والمحكى فى وجه الاستدلال بها وجهان : احدهما انه سبحانه علق وجوب التثبت على مجيء الفاسق فينتفى عند انتفائه عملا بمفهوم الشرط ، الثانى انه تعالى امر بالتثبت عند اخبار الفاسق فينتفى عند انتفائه عملا بمفهوم الوصف وعلى كلا الوجهين فالظاهر ان الامر بالتبين هنا مسوق لبيان الوجوب الشرطى وان التبين شرط للعمل بخبر الفاسق دون العادل فالعمل بخبر العادل غير مشروط بالتبين فيتم المطلوب.

والدليل على كون الامر بالتبين للوجوب الشرطى لا النفسى مضافا الى انه المتبادر (١) عرفا فى امثال المقام والى ان الاجماع قائم على عدم ثبوت الوجوب النفسى للتبين فى خبر الفاسق ، وانما اوجبه من اوجبه عند ارادة العمل به لا مطلقا هو ان التعليل فى الآية بقوله تعالى (أَنْ تُصِيبُوا) الخ لا يصلح ان يكون تعليلا للوجوب النفسى ، لان حاصله يرجع الى انه لئلا تصيبوا قوما بجهالة بمقتضى العمل بخبر الفاسق فتندموا على فعلكم بعد تبين الخلاف ومن المعلوم ان هذا لا يصلح إلّا علة لحرمة العمل بدون التبين فهذا هو المعلول ومفهومه جواز العمل بخبر العادل من دون تبين.

وكيف كان فقد اورد على الآية ايرادات كثيرة ربما تبلغ الى نيف و

__________________

١ ـ لان المتبادر من مادة التبين كمادة التجسس والتفحص ونحوهما كون اعتبارها لاجل ملاحظة حال الغير لا ملاحظة حال نفسها من حيث هى فاعتباره فى الآية انما هو للاستكشاف به عن خبر الفاسق من حيث صدقه وكذبه (ق)

٨٣

عشرين ، (١) إلّا ان كثيرا منها قابلة للدفع فلنذكر او لا ما لا يمكن الذب عنه ثم نتبعه بذكر بعض ما اورد من الايرادات القابلة للدفع اما ما لا يمكن الذب عنه فايراد ان ، احدهما ان الاستدلال ان كان راجعا الى اعتبار مفهوم الوصف اعنى الفسق ـ ففيه ان المحقق فى محله عدم اعتبار المفهوم فى الوصف خصوصا فى الوصف الغير المعتمد على موصوف محقق كما فيما نحن فيه فانه اشبه بمفهوم اللقب ، ولعل هذا مراد من اجاب عن الآية كالسيدين وامين الاسلام والمحقق والعلامة وغيرهم بان هذا الاستدلال مبنى على دليل الخطاب ولا نقول به.

وان كان باعتبار مفهوم الشرط كما يظهر من المعالم والمحكى عن جماعة ففيه ان مفهوم الشرط (٢) عدم مجيء الفاسق بالبناء وعدم التبين هنا لاجل عدم ما يتبين ، فالجملة الشرطية هنا مسوقة لبيان تحقق الموضوع كما فى قول القائل ان رزقت ولدا فاختنه وان ركب زيد فخذ ركابه وان قدم من السفر فاستقبله وان تزوجت فلا تضيع حق زوجتك واذا قرأت الدرس فاحفظه قال سبحانه (وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها) الى غير ذلك مما لا يحصى.

مما ذكرنا ظهر فساد ما يقال ان عدم مجيء الفاسق يشمل ما لو جاء العادل بنبإ فلا يجب تبينه فيثبت المطلوب وجه الفساد ان الحكم اذا ثبت لخبر الفاسق بشرط مجيء الفاسق به كان المفهوم بحسب الدلالة العرفية والعقلية انتفاء الحكم المذكور فى المنطوق عن الموضوع المذكور فيه عند انتفاء الشرط المذكور فيه ففرض مجيء العادل ببناء عند عدم الشرط وهو مجيء الفاسق بالنباء لا يوجب انتفاء

__________________

١ ـ النيف كسيد هو الزيادة وكلما زاد على العقد فنيف الى ان يبلغ العقد الثانى (م ـ ق)

٢ ـ حاصله انه يشترط فى اخذ المفهوم ابقاء الشرط والجزاء على ما هما عليه من الموضوع والمحمول والقيود الا فى مجرد النفى والاثبات فمفهوم الآية ان لم يجئكم فاسق بخبر فلا يجب التبين ، ولا ربط لذلك بحجية خبر العادل بوجه (ق)

٨٤

التبين عن خبر العادل الذى جاء به لانه لم يكن مثبتا فى المنطوق حتى ينتفى فى المفهوم فالمفهوم فى الآية (١) وأمثالها سالبة بانتفاء الموضوع

الثانى ما اورده فى محكى العدة والذريعة والغنية ومجمع البيان والمعارج وغيرها من انا لو سلمنا دلالة المفهوم على قبول خبر العادل الغير المفيد للعلم لكن نقول ان مقتضى عموم التعليل وجوب التبين فى كل خبر لا يؤمن الوقوع فى الندم من العمل به وان كان المخبر عادلا فيعارض المفهوم والترجيح مع ظهور التعليل

لا يقال ان النسبة بينهما وان كان عموما من وجه (١) فيتعارضان فى مادة الاجتماع وهى خبر العادل الغير المفيد للعلم لكن يجب تقديم عموم المفهوم وادخال مادة الاجتماع فيه اذ لو خرج عنه وانحصر مورده فى خبر العادل المفيد للعلم كان لغوا لأنّ خبر الفاسق المفيد للعلم ايضا واجب العمل ، بل الخبر المفيد للعلم خارج عن المنطوق والمفهوم معا فيكون المفهوم اخص مطلقا من عموم التعليل

لانا نقول ما ذكره اخيرا من ان المفهوم اخص مطلقا من عموم التعليل مسلم الا انا ندعى التعارض (٢) بين ظهور عموم التعليل فى عدم جواز العمل بخبر العادل الغير العلمى وظهور الجملة الشرطية او الوصفية فى ثبوت المفهوم فطرح المفهوم والحكم بخلو الجملة الشرطية عن المفهوم اولى من ارتكاب التخصيص فى التعليل واليه اشار فى محكى العدة بقوله لا يمتنع ترك دليل الخطاب لدليل ، والتعليل دليل وليس فى ذلك منافاة لما هو الحق وعليه الاكثر من جواز تخصيص العام بمفهوم المخالفة

__________________

١ ـ لان العلة تقتضى عدم حجية خبر الواحد الظنى مطلقا سواء أكان المخبر فاسقا ام عادلا والمفهوم يقتضى حجية خبر العادل مطلقا سواء افاد العلم ام لا فيتعارضان فى خبر العادل الظنى (ق)

٢ ـ اشارة الى ان المفاهيم من الادلة اللبية فلا تتطرق اليها التصرف الا تبعا لمناطيقها لان منشأها الاستلزامات المحققة بين المناطيق والمفاهيم فلا يعقل ابقاء المنطوق بظاهره وارتكاب التصرف فى مفهومه لاستلزامه تفكيك الملزوم عن لازمه (الهمدانى)

٨٥

لاختصاص ذلك او لا بالمخصص المنفصل ولو سلم جريانه فى الكلام الواحد منعناه فى العلة والمعلول فان الظاهر عند العرف ان المعلول يتبع العلة فى العموم والخصوص فالعلة تارة تخصص مورد المعلول وان كان عاما بحسب اللفظ كما فى قول القائل لا تاكل الرمان لانه حامض فتخصصه بالافراد الحامضة فيكون عدم التقييد فى الرمان لغلبة الحموضة فيه ، وقد يوجب عموم المعلول وان كان بحسب الدلالة اللفظية خاصا كما فى قول القائل لا تشرب الادوية التى يصفها لك النسوان او اذا وصفت لك امرأة دواء فلا تشربه لانك لا تأمن ضرره فيدل على ان الحكم عام فى كل دواء لا يامن ضرره من اى واصف كان ويكون تخصيص النسوان بالذكر من بين الجهال لنكتة خاصة (١) او عامة لاحظها المتكلم وما نحن فيه من هذا القبيل فلعل النكتة فيه التنبيه على فسق الوليد كما نبه عليه فى المعارج (٢).

ثم ان المحكى عن بعض (٣) منع دلالة التعليل على عدم جواز الاقدام على ما هو مخالف للواقع بان المراد بالجهالة السفاهة وفعل ما لا يجوز فعله لا مقابل العلم بدليل

__________________

١ ـ كضعف عقولهن (ق)

٢ ـ قيل نزلت فى وليد بن عقبة حيث بعثه النبى (ص) الى بنى المصطلق متوليا لامر الصدقات فلما ابصروه ركبوا مستقبلين فظنهم مقاتلين له فعاد الى النبى (ص) واخبره بانهم قد ارتدوا وارادوا قتله فاجمع النبى (ص) على غزوهم فنزلت (ق)

٣ ـ ذكره فى دفع معارضة عموم المفهوم وعموم العلة على تقدير كون المراد بالتبين التبين العلمى ، ووجه الدفع على ما ذكره واضح لان العمل بخبر الفاسق من دون تبين من افعال السفهاء عند العقلاء ، بخلاف العمل بخبر العادل وان لم يفد العلم ، وحاصل ما اورده عليه ان اخذ الجهالة بمعنى السفاهة مضافا الى مخالفته لظاهرها ينافيه الامر بالتبين عن خبر الفاسق مطلقا وان افاد الوثوق لعدم كون العمل بالخبر المفيد للوثوق سفها وإن كان المخبر فاسقا كما ان العمل بخبر الوليد فى مورد الآية لم يكن كذلك لان جماعة من العقلاء لا يقدمون على ما لا وثوق له (م ق)

٨٦

قوله تعالى (فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ) ولو كان المراد الغلط فى الاعتقاد لما جاز الاعتماد على الشهادة والفتوى ، وفيه مضافا الى كونه خلاف ظاهر لفظ الجهالة ان الاقدام على مقتضى قول الوليد لم يكن سفاهة قطعا ، اذ العاقل بل جماعة من العقلاء لا يقدمون على الامور من دون وثوق بخبر المخبر بها فالآية تدل على المنع عن العمل بغير العلم لعلة هى كونه فى معرض المخالفة للواقع ، واما جواز الاعتماد على الفتوى والشهادة فلا يجوز القياس به لما تقدم فى توجيه كلام ابن قبة من ان الاقدام على ما فيه مخالفة الواقع احيانا قد يحسن لاجل الاضطرار اليه وعدم وجود الاقرب الى الواقع منه كما فى الفتوى وقد يكون لاجل مصلحة تزيد على مصلحة ادراك الواقع فراجع ، فالاولى لمن يريد التفصى عن هذا الايراد التشبث بما يقال من ان المراد بالتبين تحصيل الاطمينان وبالجهالة الشك او الظن الابتدائى الزائل بعد الدقة والتأمل فتأمل ، وفيها ارشاد الى عدم جواز مقايسة الفاسق بغيره وان حصل منه الاطمينان لان الاطمينان الحاصل من الفاسق يزول بالالتفات الى فسقه وعدم مبالاته بالمعصية وان كان متحرزا عن الكذب ، ومنه يظهر الجواب عمار بما يقال من ان العاقل لا يقبل الخبر من دون اطمينان بمضمونه عادلا كان المخبر او فاسقا فلا وجه للامر بتحصيل الاطمينان فى الفاسق

واما ما اورد على الآية بما هو قابل للذب عنه فكثير منها معارضة مفهوم الآية بالآيات الناهية عن العمل بغير العلم والنسبة عموم من وجه (١) فالمرجع الى اصالة عدم الحجية ، وفيه ان المراد بالنباء فى المنطوق ما لا يعلم صدقه ولا كذبه فالمفهوم اخص مطلقا من تلك الآيات فيتعين تخصيصها بناء على ما تقرر من ان ظهور الجملة الشرطية فى المفهوم اقوى من ظهور العام فى العموم واما منع ذلك فيما تقدم من التعارض بين عموم التعليل وظهور المفهوم فلما عرفت من منع ظهور الجملة الشرطية المعللة

__________________

١ ـ لان العمومات عامة لخبر العادل والفاسق وغيرهما وخاصة بالخبر الظنى ، والمفهوم عام لخبر العادل مطلقا سواء افاد العلم ام الظن وخاص بخبر العادل فيتعارضان فى مادة الاجتماع وهو خبر العادل المفيد للظن (ق)

٨٧

بالتعليل الجارى فى صورتى وجود الشرط وانتفائه فى افادة الانتفاء عند الانتفاء فراجع.

ومنها ان مفهوم الآية لو دل على حجية خبر العادل لدل على حجية الاجماع الذى اخبر به السيد المرتضى واتباعه من عدم حجية خبر العادل لانهم عدول اخبروا بحكم الامام (ع) بعدم حجية الخبر وفساد هذا الايراد اوضح من ان يبين ، اذ بعد الغض عما ذكرنا سابقا من عدم شمول آية النبإ للاجماع المنقول انه يدور الامر بين دخوله وخروج ما عداه وبين العكس ، ولا ريب ان العكس متعين لا لمجرد قبح انتهاء التخصيص الى الواحد بل لان المقصود من الكلام ينحصر فى بيان عدم حجية خبر العادل ولا ريب ان التعبير عن هذا المقصود بما يدل على عموم حجية خبر العادل قبيح فى الغاية وفضيح الى النهاية كما يعلم من قول القائل صدق زيدا فى جميع ما يخبرك فاخبرك زيد بالف من الاخبار ثم اخبر بكذب جميعها فاراد القائل من قوله صدق الخ خصوص هذا الخبر.

ومنها ان الآية لا تشتمل الاخبار مع الواسطة لانصراف النبإ الى الخبر بلا واسطة فلا يعم الروايات المأثورة عن الائمة (ع) لاشتمالها على وسائط وضعف هذا الايراد على ظاهره واضح لان كل واسطة من الوسائط انما يخبر خبرا بلا واسطة فان الشيخ قده اذا قال حدثنى المفيد قال حدثنى الصدوق قال حدثنى ابى قال حدثنى الصفار قال كتبت الى العسكرى (ع) بكذا فان هناك اخبار متعددة بتعدد الوسائط فخبر الشيخ قوله حدثنى المفيد الخ وهذا خبر بلا واسطة يجب تصديقه فاذا حكم بصدقه ثبت شرعا ان المفيد حدث الشيخ بقوله حدثنى الصدوق فهذا الاخبار اعنى قول المفيد الثابت بخبر الشيخ حدثنى الصدوق ايضا خبر عادل وهو المفيد فنحكم بصدقه وان الصدوق حدثه فيكون كما لو سمعنا من الصدوق اخباره بقوله حدثنى ابى والصدوق عادل فيصدق فى خبره فيكون كما لو سمعنا اباه يحدث بقوله حدثنى الصفار فنصدقه لانه عادل فيثبت خبر الصفار انه كتب اليه العسكرى (ع) واذا كان الصفار عادلا

٨٨

وجب تصديقه والحكم بان العسكرى (ع) كتب اليه ذلك القول كما لو شاهدنا الامام (ع) يكتبه اليه فيكون المكتوب حجة فيثبت بخبر كل لاحق اخبار سابقه ولهذا يعتبر العدالة فى جميع الطبقات لان كل واسطة يخبر بخبر مستقل

هذا ولكن قد يشكل الامر (١) بان ما يحكيه الشيخ عن المفيد اذا صار خبرا للمفيد بحكم وجوب التصديق فكيف يصير موضوعا لوجوب التصديق الذى لم يثبت موضوع المخبر الا به ، ولكن يضعف هذا الاشكال ، اولا بانتقاضه بورود مثله فى نظيره الثابت بالاجماع كالاقرار بالاقرار (٢) واخبار العادل بعدالة مخبر فان الآية تشتمل الاخبار بالعدالة بغير اشكال ، ثانيا بان عدم قابلية اللفظ العام لان يدخل فيه الموضوع الذى لا يتحقق ولا يوجد إلّا بعد ثبوت حكم هذا العام لفرد آخر لا يوجب التوقف فى الحكم اذا علم المناط الملحوظ فى الحكم العام وان المتكلم لم يلاحظ موضوعا دون آخر لان هذا الخروج مستند الى قصور العبارة وعدم قابليتها لشموله لا للفرق بينه وبين غيره فى نظر المتكلم حتى يتأمل فى شمول حكم العام له فهو مثل ما لو اخبر زيد بعض عبيد المولى بانه قال لا تعمل باخبار زيد فانه لا يجوز له العمل به ولو اتكالا على دليل عام يدل على الجواز لان عدم شموله له ليس إلّا لقصور اللفظ وعدم قابليته للشمول لا للتفاوت بينه وبين غيره من اخبار زيد فى نظر المولى. بل لا قصور فى العبارة (٣) بعد ما

__________________

١ ـ توضيح الاشكال انه اذا ثبت حكم على عام فإن كانت افراد هذا العام افرادا واقعية فلا اشكال فى شمول حكم العام لجميع هذه الافراد وإن كانت مترتبة فى الوجود بان يتولد من الحكم ببعض الافراد فرد آخر فلا يمكن تعلق الحكم به اذ الحكم مسبوق بوجود موضوعه والفرض تاخر وجود هذا الفرد عن تعلق الحكم ببعض الافراد فلا يعقل تعلقه بالفرد المذكور وإلّا لزم تقدم الحكم على موضوعه وهو فاسد (م ق).

٢ ـ كما لو قال المقر اقررت باقرارى بقتل زيد ، او قال عادل بان زيدا عادل فان شمول قاعدة اقرار العقلاء على انفسهم نافذ للاقرار الاول يثبت وجود الاقرار الثانى ، ثم يثبت ذلك الحكم له ايضا وكذلك شمول وجوب التصديق للعادل الاول يثبت عدلا آخر ليشمله حكم العام ثانيا (ش).

٣ ـ لكون ما دل على حجية خبر العادل قضية طبيعية غير ملحوظ فيها خصوصيات المصاديق فهو نظير قول القائل اذا تكلمت بكلام يوجع صدرى او رأسى ، او قال فى

٨٩

فهم منها ان هذا المحمول وصف لازم بطبيعة الموضوع ولا ينفك من مصاديقها فهو مثل ما لو أخبر زيد بعض عبيد المولى بانه قال لا تعمل باخبار زيد فانه لا يجوز له العمل به ولو اتكالا على دليل عام يدل على الجواز لان عدم شموله له ليس إلّا لقصور اللفظ وعدم قابليته للشمول لا للتفاوت بينه وبين غيره من اخبار زيد في نظر المولى.

ومنها ان العمل بالمفهوم فى الاحكام الشرعية غير ممكن لوجوب التفحص عن المعارض لخبر العدل فى الاحكام الشرعية فيجب تنزيل الآية على الاخبار فى الموضوعات الخارجية فانها هى التى لا يجب التفحص فيها عن المعارض ويجعل المراد من القبول فيها هو القبول فى الجملة فلا ينافى اعتبار انضمام عدل آخر اليه فلا يقال ان قبول خبر الواحد فى الموضوعات الخارجية مطلقا يستلزم قبوله فى الاحكام بالاجماع المركب والاولوية ، وفيه ان وجوب التفحص (١) عن المعارض غير وجوب التبين فى الخبر فان الاول يؤكد حجية خبر العادل ولا ينافيها لان مرجع التفحص عن المعارض الى الفحص عما اوجب الشارع العمل به كما اوجب العمل بهذا والتبين المنافى للحجية هو التوقف عن العمل والتماس دليل

__________________

اثناء الصلاة الكلام مبطل للصلاة الى غير ذلك من القضايا الطبيعية التى تتحقق بنفسها مصداق للطبيعة التى تضمنت حكمها (الهمدانى).

١ ـ توضيحه ان حاصل ما ذكره المورد ان الآية لو دلت بمفهومها على حجية خبر العدل لدلت على وجوب قبوله من دون فحص عن معارضه لانه معنى حجيته ووجوب قبوله من دون تبين وهو خلاف الاجماع فى الاحكام الشرعية فلا بد من تنزيلها على الموضوعات ، وحاصل ما اعترض به المصنف ان وجوب الفحص عن المعارض امر ووجوب التبين من حيث الصدق والكذب امر آخر والآية بمفهومها ينفى الثانى دون الاول لان وجوب الفحص يؤكد الحجية ولا ينافيها كما تخيله المورد (م ق)

٩٠

آخر فيكون ذلك الدليل هو المتبع ولو كان اصلا من الاصول فاذا يئس عن المعارض عمل بهذا الخبر واذا وجده اخذ بالارجح منهما واذا يئس عن التبين توقف عن العمل ورجع الى ما يقتضيه الاصول العملية فخبر العادل وان اشترك مع خبر الفاسق فى عدم جواز العمل بمجرد المجيء إلّا انه بعد الياس عن وجود المنافى يعمل بالاول دون الثانى ومع وجدان المنافى يؤخذ به فى الثانى ويؤخذ بالارجح فى الاول فتتبع الادلة فى الثانى لتحصيل المقتضى الشرعى للحكم الذى تضمنه خبر الفاسق وفى الاول لطلب المانع عما اقتضاه الدليل الموجود.

ومنها ان مفهوم الآية غير معمول به فى الموضوعات الخارجية التى منها مورد الآية وهو اخبار الوليد بارتداد طائفة ، ومن المعلوم انه لا يكفى فيها خبر العادل بل لا اقل من اعتبار العدلين فلا بد من طرح المفهوم لعدم جواز اخراج المورد ، وفيه ان غاية الامر لزوم تقييد المفهوم بالنسبة الى الموضوعات بما اذا تعدد المخبر العادل فكل واحد من خبرى العدلين فى البينة لا يجب التبين فيه ، هذه جملة مما اوردوه على ظاهر الآية وقد عرفت ان الوارد منها ايراد ان والعمدة الايراد الاول الذى اورده جماعة من القدماء والمتاخرين.

ثم انه كما استدل بمفهوم الآية على حجية خبر العادل كذلك قد يستدل بمنطوقها على حجية خبر غير العادل اذا حصل الظن بصدقه بناء على ان المراد بالتبين ما يعم تحصيل الظن فاذا حصل من الخارج ظن بصدق خبر الفاسق كفى فى العمل به ومن التبين الظنى تحصيل شهرة العلماء على العمل بالخبر او على مضمونه او على روايته ومن هنا تمسك بعض بمنطوق الآية على حجية الخبر الضعيف المنجبر بالشهرة وفى حكم الشهرة امارة اخرى غير معتبرة ولو عمم التبين للتبين الاجمالى وهو تحصيل الظن بصدق مخبره دخل خبر الفاسق المتحرز عن الكذب فيدخل الموثق وشبهه بل الحسن ايضا ، وعلى ما ذكر فثبت من آية النبأ منطوقا ومفهوما حجية الاقسام الاربعة للخبر الصحيح والحسن والموثق والضعيف المحفوف بالقرينة

٩١

الظنية.

ولكن فيه من الاشكال ما لا يخفى لان التبين ظاهر فى العلمى كيف ولو كان المراد مجرد الظن لكان الامر به فى خبر الفاسق لغوا اذ العاقل لا يعمل بخبر الا بعد رجحان صدقه على كذبه إلّا ان يدفع اللغوية بما ذكرنا سابقا من ان المقصود التنبيه والارشاد على ان الفاسق لا ينبغى ان يعتمد عليه وانه لا يؤمن من كذبه وان كان المظنون ، صدقه وكيف كان فمادة التبين ولفظ الجهالة وظاهر التعليل كلها آبية من ارادة مجرد الظن نعم يمكن دعوى صدقه على الاطمينان الخارج عن التحير والتزلزل بحيث لا يعد فى العرف العمل به تعريضا للوقوع فى الندم (فحينئذ) لا يبعد انجبار خبر الفاسق به.

لكن لو قلنا بظهور المنطوق فى ذلك كان دالا على حجية الظن الاطمينانى المذكور وان لم يكن معه خبر فاسق نظرا الى ان الظاهر من الآية ان خبر الفاسق وجوده كعدمه وانه لا بد من تبين الامر من الخارج والعمل على ما يقتضيه التبين الخارجى نعم ربما يكون نفس الخبر من الامارات التى يحصل من مجموعها التبين فالمقصود الحذر عن الوقوع فى مخالفة الواقع فكلما حصل الأمن منه جاز العمل فلا فرق حينئذ بين خبر الفاسق المعتضد بالشهرة اذا حصل الاطمينان بصدقه وبين الشهرة المجردة اذا حصل الاطمينان بصدق مضمونها ، والحاصل ان الآية تدل على ان العمل يعتبر فيه التبين من دون مدخلية لوجود خبر الفاسق وعدمه سواء قلنا بان المراد منه العلم او الاطمينان او مطلق الظن حتى ان من قال بان خبر الفاسق يكفى فيه مجرد الظن بمضمونه بحسن او توثيق او غيرهما من صفات الراوى فلازمه القول بدلالة الآية على حجية مطلق الظن بالحكم الشرعى وان لم يكن معه خبر اصلا فافهم واغتنم واستقم هذا ، ولكن لا يخفى ان حمل التبين على تحصيل مطلق الظن او الاطمينان يوجب خروج مورد المنطوق وهو الاخبار بالارتداد.

٩٢

ومن جملة الآيات قوله تعالى فى سورة البراءة فلو لا نفر من كل فرفة الآية دلت على وجوب الحذر عند انذار المنذر بن من دون اعتبار افادة خبرهم العلم لتواتر او قرينة فيثبت وجوب العمل بخبر الواحد اما وجوب الحذر فمن وجهين احدهما ان لفظة لعل بعد انسلاخها عن معنى الترجى ظاهرة فى كون مدخولها محبوبا للمتكلم واذا تحقق حسن الحذر ثبت وجوبه لان رجحان العمل بخبر الواحد مستلزم لوجوبه بالاجماع المركب لان كل من اجازه فقد اوجبه.

الثانى ان ظاهر الآية وجوب الانذار لوقوعه غاية للنفر الواجب بمقتضى كلمة لو لا فاذا وجب الانذار افاد وجوب الحذر لوجهين احدهما وقوعه غاية للواجب فان الغاية المترتبة على فعل الواجب مما لا يرضى الامر بانتفائه سواء كان من الافعال المتعلقة للتكليف ام لا كما فى قولك تب لعلك تفلح واسلم لعلك تدخل الجنة وقوله تعالى (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى) الثانى انه اذ اوجب الانذار ثبت وجوب القبول وإلّا لغى الانذار ونظير ذلك ما تمسك به فى ذلك على وجوب قبول قول المرأة وتصديقها فى العدة من قوله تعالى و (لا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَ) فاستدل بتحريم الكتمان ووجوب الاظهار عليهن على قبول قولهن بالنسبة الى ما فى الارحام.

فان قلت المراد بالنفر النفر الى الجهاد كما يظهر من صدر الآية وهو قوله تعالى (وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً) ومن المعلوم ان النفر الى الجهاد ليس للتفقه والانذار ، نعم ربما يترتبان عليه بناء على ما قيل من ان المراد حصول البصيرة فى الدين من مشاهدة (١) آيات الله وظهور اوليائه على اعدائه وساير ما يتفق فى حرب المسلمين مع الكفار من (١) آيات عظمة الله وحكمته فيخبروا بذلك عند رجوعهم الى الفرقة المتخلفة الباقية فى المدينة فالتفقه والانذار من قبيل الفائدة (١) لا الغاية حتى

__________________

١ ـ الفائدة ما تترتب على الشيء من دون ان يكون داعيا وباعثا للفاعل اليه ولذا تستعمل فى غير الافعال ايضا والغاية هو الغرض الداعى اليه فيختصّ بالافعال (ق)

٩٣

يجب بوجوب ذيها.

قلت (١) او لا انه ليس فى صدر الآية دلالة على ان المراد النفر الى الجهاد وذكر الآية فى آيات الجهاد لا يدل على ذلك ، وثانيا (٢) انه قد فسر الآية بان المراد نهى المؤمنين عن نفر جميعهم الى الجهاد كما يظهر من قوله وما كان المؤمنون لينفروا كافة وامر بعضهم بان يتخلفوا عند النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا يخلوه وحده فيتعلموا مسائل حلالهم وحرامهم حتى ينذروا قومهم النافرين اذا رجعوا اليهم ، والحاصل ان ظهور الآية فى وجوب التفقه والانذار مما لا ينكر فلا محيص عن حمل الآية عليه وان لزم مخالفة الظاهر (٣) فى سياق الآية او بعض الفاظها.

ومما يدل على ظهور الآية فى وجوب التفقه والانذار استشهاد الامام بها على وجوبه فى اخبار كثيرة ، منها ما عن الفضل بن شاذان فى علله عن الرضا (ع) فى حديث قال انما امروا بالحج لعلة الوفادة الى الله وطلب الزيادة والخروج عن كل ما اقترف العبد الى ان قال ولاجل ما فيه من التفقه ونقل اخبار الائمة (ع) الى كل صفح وناحية كما قال الله عزوجل (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ) الآية

ومنها ما ذكره فى ديباجة المعالم من رواية على بن حمزة قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول تفقهوا فى الدين فانه من لم يتفقه منكم فى الدين فهو اعرابى (٤) فان

__________________

١ ـ لاحتمال كون المراد به بيان كون التفقه وتحصيل الاحكام الشرعية واجبا كفائيا لا عينيا (م ـ ق)

٢ ـ فعليه يرجع الضمير فى قوله تعالى : (لِيَتَفَقَّهُوا)(وَلِيُنْذِرُوا) الى المتخلفين لا النافرين (م ـ ق)

٣ ـ فعلى الجواب الاول يلزم مخالفة الظاهر فى السياق وعلى الثانى يلزم التفكيك فى الضمائر (م ـ ق)

٤ ـ بفتح الهمزة نسبة الى الاعراب وهم سكان البادية خاصة ويقال لكان الامصار عرب وليس الاعراب جما للعرب بل هو مما لا واحد له (مج)

٩٤

الله عزوجل يقول (لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا) انتهى.

ومنها ما رواه فى الكافى فى باب ما يجب على الناس عند مضى الامام (ع) عن صحيحة يعقوب بن شعيب قال قلت لابى عبد الله (ع) اذا حدث على الامام حدث كيف يصنع الناس قال اين قول الله عزوجل (فَلَوْ لا نَفَرَ) انتهى قال هم فى عذر ما داموا فى الطلب وهؤلاء الذين ينتظرونهم فى عذر حتى يرجع اليهم اصحابهم.

ومنها صحيحة عبد الأعلى قال سألت أبا عبد الله (ع) عن قول العامة ان رسول الله (ص) قال من مات وليس له امام مات ميتة الجاهلية قال حق والله قلت فان اماما هلك ورجل بخراسان لا يعلم من وصيه لم يسعه ذلك قال لا يسعه (١) ان الامام اذا مات وقعت حجة وصيه على من هو معه فى البلد وحق النفر على من ليس بحضرته اذا بلغهم ان الله عزوجل يقول (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ) انتهى ومنها صحيحة محمد بن مسلم عن ابى عبد الله (ع) وفيها قلت افيسع الناس اذا مات العالم ان لا يعرفوا الذى بعده فقال اما اهل هذه البلدة فلا يعنى اهل المدينة واما غيرها من البلدان بيقدر مسيرهم ان الله عزوجل يقول (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ) ، ومنها صحيحة البزنطى المروية فى قرب الاسناد عن ابى الحسن الرضا (ع).

ومنها رواية عبد المؤمن الانصارى الواردة فى جواب من سئل عن قوله (ص) اختلاف امتى رحمة قال اذا كان اختلافهم رحمة فاتفاقهم عذاب ليس هذا يراد ، انما يراد الاختلاف فى طلب العلم على ما قال الله عزوجل (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ) الحديث منقول بالمعنى ولا يحضرنى الفاظه وجميع هذا هو السر في استدلال اصحابنا بالآية الشريفة على وجوب تحصيل العلم وكونه كفائيا ، هذا غاية ما قيل او يقال فى توجيه الاستدلال بالآية الشريفة.

__________________

١ ـ اى لا يسعه اهمال معرفة الامام (ع) بل يجب النفر وتحصيل المعرفة بذلك (م ـ ق)

٩٥

لكن الانصاف عدم جواز الاستدلال بها لوجهين ، اما الاول فلانه لا يستفاد (١) من الكلام الا مطلوبية الحذر عقيب الانذار بما يتفقهون فى الجملة لكن ليس فيها اطلاق وجوب الحذر بل يمكن ان يتوقف وجوبه على حصول العلم فالمعنى لعله يحصل لهم العلم فيحذروا فالآية مسوقة لبيان مطلوبية الانذار بما يتفقهون ومطلوبية العمل من المنذرين بما انذروا ، وهذا لا ينافى اعتبار العلم فى العمل ولهذا صح ذلك فيما يطلب فيه العلم فليس فى هذه الآية تخصيص للادلة الناهية عن العمل بما لم يعلم ولذا استشهد الامام فيما سمعت من الاخبار المتقدمة على وجوب النفر فى معرفة الامام عليه‌السلام وانذار النافرين للمتخلفين مع ان الامامة لا يثبت إلّا بالعلم.

واما الثانى فلانه (٢) لو سلمنا دلالة الآية على وجوب الحذر مطلقا عند انذار المنذر ولو لم يفد العلم لكنه لا يدل على وجوب العمل بالخبر من حيث انه خبر لان الانذار هو الا بلاغ مع التخويف فانشاء التخويف مأخوذ فيه ، والحذر هو التخوف الحاصل عقيب هذا التخويف الداعى الى العمل بمقتضاه فعلا ، ومن المعلوم ان التخويف لا يجب إلّا على الوعاظ فى مقام الايعاد على الامور التى يعلم المخاطبون بحكمها من الوجوب والحرمة كما يوعد على شرب الخمر وفعل الزنا وترك الصلاة

__________________

١ ـ حاصله منع انسياق الآية لبيان وجوب الحذر مطلقا لان المنساق منها مطلوبية وجوبه عقيب الانذار فى الجملة ساكتة عن بيان كون وجوبه مطلقا او مقيدا بحصول العلم فلا تدل على مطلوبيته مطلقا كما هو المدعى (م ق)

٢ ـ قد اورد على الآية بانها اجنبية عما نحن بصدده من حجية الخبر والرواية ، فان وظيفة الراوى ليس إلّا مجرد حكاية ما تحمله من الرواية لا الانذار كما ان قضية حجيته ووجوب قبوله على المنقول اليه ليس إلّا تصديقه فيما حكاه لا التحذر ولو انذر بل يدور ذلك وجودا وعدما مدار نظره وفهمه ، نعم يجب التحذر عند انذاره على من يجب عليه تقليده ، فالآية انما يناسب مقام حجية الفتوى ووجوب التقليد لا مقام حجية الخبر (ط)

٩٦

او على المرشدين فى مقام ارشاد الجهال فالتخوف لا يجب إلّا على المتعظ والمسترشد ومن المعلوم ان تصديق الحاكى فيما يحكيه من لفظ الخبر الذى هو محل الكلام خارج عن الامرين

توضيح ذلك ان المنذر اما ان ينذر ويخوف على وجه الافتاء ونقل ما هو مدلول الخبر باجتهاده واما ان ينذر ويخوف بلفظ الخبر حاكيا له عن الحجة ، فالاول كان يقول يا ايها الناس اتقوا الله فى شرب العصير فان شربه يوجب المؤاخذة ، والثانى كان يقول قال الامام «ع» من شرب العصير فكانما شرب الخمر ، اما الانذار على الوجه الاول فلا يجب الحذر عقيبه الا على المقلدين لهذا المفتى

واما الثانى فله جهتان ، إحداهما جهة تخويف وايعاد ، والثانية جهة حكاية قول الامام «ع» ومن المعلوم ان الجهة الاولى ترجع الى الاجتهاد فى معنى الحكاية فهى ليست حجة الا على من هو مقلد له اذ هو الذى يجب عليه التخوف عند تخويفه ، واما الجهة الثانية فهى التى تنفع المجتهد الآخر الذى يسمع منه هذه الحكاية ، لكن وظيفته مجرد تصديقه فى صدور هذا الكلام عن الامام «ع» واما ان مدلوله متضمن لما يوجب التحريم الموجب للخوف أو الكراهة فهو مما ليس فهم المنذر حجة فيه بالنسبة الى هذا المجتهد فالآية الدالة على وجوب التخوف عند تخويف المنذرين مختصة بمن يجب عليه اتباع المنذرين فى مضمون الحكاية وهو المقلد ، للاجماع على انه لا يجب على المجتهد التخوف عند انذار غيره ، انما الكلام فى انه هل يجب عليه تصديق غيره فى الالفاظ والاصوات التى يحكيها عن المعصوم (ع) ام لا والآية لا تدل على وجوب ذلك على من لا يجب عليه التخوف عند التخويف

فالحق ان الاستدلال بالآية على وجوب الاجتهاد كفاية ووجوب التقليد على العوام اولى من الاستدلال بها على وجوب العمل بالخبر ، وذكر شيخنا البهائى قده فى اول أربعينه ان الاستدلال بالنبوى المشهور من حفظ على امتى اربعين حديثا بعثه الله يوم القيمة فقيها عالما على حجية الخبر لا يقصر عن الاستدلال عليها

٩٧

بهذه الآية وكان فيه اشارة الى ضعف الاستدلال بها لان الاستدلال بالحديث المذكور ضعيف جدا كما سيجيء انشر عند ذكر الاخبار هذا ، ولكن ظاهر الرواية المتقدمة عن علل الفضل يدفع هذا الايراد لكنها من الآحاد فلا ينفع فى صرف الآية من ظاهرها فى مسئلة حجية الآحاد مع امكان منع دلالتها على المدعى لان الغالب تعدد من يخرج الى الحج من كل صقع بحيث يكون الغالب حصول القطع من حكايتهم لحكم الله الواقعى عن الامام عليه‌السلام و (ح) فيجب الحذر عقيب انذارهم فاطلاق الرواية منزل على الغالب.

ومن جملة الآيات التى استدل بها جماعة تبعا للشيخ فى العدة على حجية الخبر قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) الآية والتقريب فيه نظير ما بيناه فى آية النفر من ان حرمة الكتمان تستلزم وجوب القبول عند الاظهار ، ويرد عليها ما ذكرنا من الايراد الاول فى آية النفر من سكوتها وعدم التعرض فيها لوجوب القبول وان لم يحصل العلم عقيب الاظهار او اختصاص وجوب القبول المستفاد منها بالامر الذى يحرم كتمانه ويجب اظهاره فان من امر غيره باظهار الحق للناس ليس مقصوده الا عمل الناس بالحق ولا يريد بمثل هذا الخطاب تاسيس حجية قول المظهر تعبدا ووجوب العمل بقوله وان لم يطابق الحق.

ويشهد لما ذكرنا ان مورد الآية كتمان اليهود لعلامات النبى (ص) بعد ما بين الله لهم ذلك فى التورية ، ومعلوم ان آيات النبوة لا يكتفى فيها بالظن نعم لو وجب الاظهار على من لا يفيد قوله العلم غالبا امكن جعل ذلك دليلا على ان المقصود العمل بقوله وان لم يفد العلم لئلا يكون القاء هذا الكلام كاللغو ، ومن هنا يمكن الاستدلال بما تقدم من آية تحريم كتمان ما فى الارحام على النساء على وجوب تصديقهن وبآية وجوب اقامة الشهادة على وجوب قبولها بعد الاقامة مع امكان كون وجوب الاظهار لاجل رجاء وضوح تعدد الحق من المظهرين.

٩٨

ومن جملة الآيات التى استدل بها بعض المعاصرين قوله تعالى (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ،) بناء على ان وجوب السؤال يستلزم وجوب قبول الجواب وإلّا لغا وجوب السؤال واذا وجب قبول الجواب وجب قبول كل ما يصح ان يسأل عنه ويقع جوابا له لان خصوصية المسبوقية بالسؤال لا دخل فيه قطعا فاذا سئل الراوى الذى هو من اهل العلم عما سمعه عن الامام (ع) فى خصوص الواقعة فاجاب بانى سمعته يقول كذا وجب القبول بحكم الآية ، فيجب قبول قوله ابتداء انى سمعت الامام (ع) يقول كذا لان حجية قوله هو الذى اوجب السؤال عنه لا ان وجوب السؤال اوجب قبول قوله كما لا يخفى.

ويرد عليه ان الاستدلال ان كان بظاهر الآية فظاهرها بمقتضى السياق ارادة علماء اهل الكتاب كما عن ابن عباس ومجاهد والحسن وقتادة فان المذكور فى سورة النحل (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ) ، وفى سورة الانبياء (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) وان كان مع قطع النظر عن سياقها ، ففيه اولا انه ورد فى الاخبار المستفيضة ان اهل الذكر هم الائمة (ع) وقد عقد فى اصول الكافى بابا لذلك وقد ارسله فى المجمع عن على (ع) ، ورد بعض مشايخنا هذه الاخبار بضعف السند بناء على اشتراك بعض الروات فى بعضها وضعف بعضها فى الباقى ، وفيه نظر لان روايتين منها صحيحتان وهما روايتا محمد بن مسلم والوشاء فلاحظ ورواية ابى بكر الخضرمى حسنة او موثقة نعم ثلاث روايات أخر منها لا يخلو من ضعف ولا يقدح قطعا.

وثانيا ان الظاهر من وجوب السؤال عند عدم العلم وجوب تحصيل العلم لا وجوب السؤال للعمل بالجواب تعبدا كما يقال فى العرف سل ان كنت جاهلا ، ويؤيده ان الآية واردة فى اصول الدين وعلامات النبى (ص) التى لا يؤخذ فيها بالتعبد اجماعا ، وثالثا لو سلم حمله على ارادة وجوب السؤال للتعبد بالجواب لا لحصول العلم منه ، قلنا ان المراد من اهل العلم ليس مطلق من علم ولو

٩٩

بسماع رواية من الامام (ع) وإلّا لدل على حجية قول كل عالم بشيء ولو من طريق السمع والبصر ، مع انه يصح سلب هذا العنوان من مطلق من احس شيئا بسمعه او بصره ، والمتبادر من وجوب سؤال اهل العلم بناء على ارادة التعبد بجوابهم هو سؤالهم عما هم عالمون به ويعدون من اهل العلم فى مثله فينحصر مدلول الآية فى التقليد ولذا تمسك به جماعة على وجوب التقليد على العامى.

ومن جملة الآيات قوله تعالى فى سورة البراءة (وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ) مدح الله عزوجل رسوله بتصديقه للمؤمنين بل قرنه (١) بالتصديق بالله جل ذكره فاذا كان التصديق حسنا يكون واجبا ويزيد فى تقريب الاستدلال وضوحا ما رواه فى فروع الكافى فى الحسن بابن هاشم (٢) انه كان لاسماعيل بن ابى عبد الله (ع) دنانير واراد رجل من قريش ان يخرج بها الى اليمن فقال له ابو عبد الله (ع) يا بنى اما بلغك انه يشرب الخمر قال سمعت الناس يقولون فقال يا بنى ان الله عزوجل يقول (يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ) يقول يصدق الله ويصدق للمؤمنين فاذا شهد عندك المسلمون فصدقهم.

ويرد عليه (٣) ان المراد من التصديق فى الآية ليس جعل مخبر به واقعا وترتيب جميع

__________________

١ ـ لانه يشهد بكون المراد بتصديق المؤمنين تصديقا حقيقيا كتصديقه تعالى فالمراد بالتصديق اما التصديق الجزمى او لتصديق الظاهرى اعنى ترتيب آثار الواقع على ما اخبروا به بالغاء احتمال الخلاف (م ق)

٢ ـ يعنى كون الخبر حسنا وغير صحيح بواسطة ابراهيم بن هاشم فانه وإن كان من العلماء ومن شيوخ الكلينى قده إلّا انه لم يوثق على طريقة توثيق سائر الرواة فلم يطلق على خبره عنوان الصحيح (ش)

٣ ـ حاصله انه مع تسليم ظهور الآية فى التصديق الظاهرى بمعنى تنزيل المخبر به منزلة الواقع لكن نقول ان هنا صوارف عن هذا الظهور وهى تعين كون المراد به هو التصديق الصورى منها كونه اذن خير لجميع الناس ومنها ما نقله من الاخبار ومنها العدول

١٠٠