الرسائل الجديدة والفرائد الحديثة

الشيخ علي المشكيني

الرسائل الجديدة والفرائد الحديثة

المؤلف:

الشيخ علي المشكيني


الموضوع : أصول الفقه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٣٥

المكلف ، ومن ان اجرائها فى موردها اعنى صورة الشك فى بقاء الحكم الشرعى السابق كنجاسة الماء المتغير بعد زوال تغيره مختص بالمجتهد وليس وظيفة للمقلد فهى مما يحتاج اليه المجتهد فقط ولا ينفع للمقلد وهذا من خواص المسائل الاصولية فانها لما مهدت لاستنباط الاحكام من الادلة فاختص التكلم فيها بالمستنبط ولا حظّ للمقلد فيها.

هذا كله فى الاستصحاب الجارى فى الشبهة الحكمية المثبت للحكم الظاهرى الكلى واما الجارى فى الشبهة الموضوعية كعدالة زيد ونجاسة ثوبه وفسق عمرو وطهارة بدنه فلا اشكال فى كونه حكما فرعيا سواء كان التكلم فيه من باب الظن ام كان من باب كونها قاعدة تعبدية مستفادة من الاخبار لان التكلم فيه على الاول نظير التكلم فى اعتبار سائر الامارات (١) كيد المسلمين وسوقهم والبينة والغلبة ونحوها من الشبهات الخارجية وعلى الثانى من باب اصالة الطهارة وعدم الاعتناء بالشك بعد الفراغ ونحو ذلك.

الثانى ان المستفاد من تعريفنا السابق الظاهر فى استناد الحكم بالبقاء الى مجرد الوجود السابق ان الاستصحاب يتقوم بامرين (٢) احدهما وجود الشيء فى زمان

__________________

١ ـ يعنى بناء على حجيته من باب الظن يكون من قبيل امارات الموضوع كالامثلة المذكورة وبناء على كونه مستفادا من الاخبار يكون نظير الاصول الموضوعية المذكورة (شرح)

٢ ـ هذان الامران يرجعان الى اعتبار امور فى جريان الاستصحاب ، احدها حصول اليقين بالوجود السابق حين عروض الشك سواء كان حاصلا من حين الوجود ام لا فلا فرق بين ما لو علم فى الامس بوجود شيء وشك اليوم فى بقائه وبينما لو علم اليوم بوجوده فى الامس وشك فى زمان اليقين فى بقائه ، فيخرج ما لو علم بوجود شيء فى زمان ثم شك فى وجوده فى ذلك الزمان بان شك فى كون يقينه السابق جهلا مركبا او مطابقا للواقع وهو المسمى بالشك السارى وان زعم بعض عموم اخبار الاستصحاب له ، ثانيها ان يكون الشك لاحقا لليقين بمعنى تقدم المتيقن على المشكوك لا تقدم نفس ـ اليقين على الشك فانه غير معتبر فى الاستصحاب وهذا القيد احتراز عن الاستصحاب القهقرى كان يعلم بكون لفظ موضوعا لمعنى فى زماننا فيستصحب وضعه لذاك المعنى الى زمان الائمة (ع) ، ثالثها فعلية الشك فلا يكفى الشك الشأنى والتقديرى وسيجىء توضيحه (م ق)

٣٤١

سواء علم به فى زمان وجوده ام لا ، نعم لا بد من احراز ذلك حين ارادة الحكم بالبقاء بالعلم او الظن المعتبر واما مجرد الاعتقاد بوجود شيء فى زمان مع زوال ذلك الاعتقاد فى زمان آخر فلا يتحقق معه الاستصحاب الاصطلاحى وان توهم بعضهم جريان لا تنقض اليقين فيه كما سننبه عليه ، والثانى الشك فى وجوده فى زمان لاحق عليه فلو شك فى زمان سابق عليه فلا استصحاب وقد يطلق عليه الاستصحاب القهقرى مجازا.

ثم المعتبر هو الشك الفعلى الموجود حال الالتفات اليه اما لو لم يلتفت اليه فلا استصحاب وان فرض شك فيه على فرض الالتفات فالمتيقن للحدث (١) اذا التفت الى حاله فى اللاحق فشك جرى الاستصحاب فى حقه فلو غفل عن ذلك وصلى بطلت صلاته لسبق الامر بالطهارة ولا يجرى فى حقه حكم الشك فى الصحة بعد الفراغ عن العمل لان مجراه الشك الحادث بعد الفراغ لا الموجود من قبل.

ولو غفل عن حاله بعد اليقين بالحدث وصلى ثم التفت وشك فى كونه محدثا حال الصلاة او متطهرا جرى فى حقه قاعدة الشك بعد الفراغ لحدوث الشك بعد العمل وعدم وجوده قبله حتى يوجب الامر بالطهارة والنهى عن الدخول

__________________

١ ـ فانه بعد ما شرطنا فى الاستصحاب فعلية الشك يلزم بطلان الصلاة فى الفرض الاول لحصول الفعلية فيه بالالتفات فصار بمقتضى الاستصحاب محكوما بالحدث وان غفل عن حدثه وصلى ، ولاجل ذلك لم تنفعه قاعدة الفراغ اذ هى لا تجرى فى الشك الحادث قبل العمل ، وصحتها فى الفرض الثانى لعدم حصول الفعلية قبل العمل بل بعده وهو لا يجدى (ح) لتقدم قاعدة الفراغ عليه (شرح)

٣٤٢

فيه بدونها ، نعم هذا الشك اللاحق يوجب الاعادة بحكم استصحاب عدم الطهارة لو لا حكومة قاعدة الشك بعد الفراغ عليه فافهم (١).

الثالث فى تقسيم الاستصحاب الى اقسام ليعرف ان الخلاف فى مسئلة الاستصحاب فى كلها او فى بعضها فنقول ان له تقسيما باعتبار المستصحب وآخر باعتبار الدليل الدال عليه وثالثا باعتبار الشك المأخوذ فيه اما بالاعتبار الاول فمن وجوه.

الوجه الاول من حيث ان المستصحب قد يكون امرا وجوديا كوجوب شيء او طهارته او رطوبة ثوب او نحو ذلك وقد يكون عدميا وهو على قسمين احدهما عدم اشتغال الذمة بتكليف شرعى ويسمى عند بعضهم بالبراءة الاصلية واصالة النفى والثانى غيره كعدم نقل اللفظ عن معناه وعدم القرينة وعدم موت زيد ورطوبة الثوب وحدوث موجب الوضوء او الغسل ونحو ذلك.

ولا خلاف فى كون الوجودى محل النزاع واما العدمى فقد مال الاستاد قده الى عدم الخلاف فيه واستشهد على ذلك بعد نقل الاجماع المذكور باستقرار سيرة العلماء على التمسك بالاصول العدمية مثل اصالة عدم القرينة والنقل والاشتراك وغير ذلك وكاستصحاب عدم النسخ فان المصرح به فى كلام غير واحد عدم الخلاف فيه بل كونه من ضروريات الدين.

والتحقيق ان اعتبار الاستصحاب بمعنى التعويل فى تحقق شيء فى الزمان الثانى على تحققه فى الزمان السابق عليه مختلف فيه من غير فرق بين الوجودى والعدمى ، نعم قد يتحقق فى بعض الموارد (٢) قاعدة اخرى توجب الاخذ بمقتضى

__________________

١ ـ لعله اشارة الى ان حكومتها عليه على تقدير ان يكون من الامارات واما على تقدير كونها من الاصول فاللازم القول بحكومة الاستصحاب عليها كما فى سائر الاصول إلّا ان ورود دليل اعتبارها فى مورده اقتضى تقدمها عليه (م الطوسى)

٢ ـ حاصله ان المدعى فى المقام وهو حجية الاستصحابات العدمية غير ثابت

٣٤٣

الحالة السابقة كقاعدة قبح التكليف من غير بيان او ظهور الدليل الدال على الحكم فى استمراره او عمومه او اطلاقه او غير ذلك ، وهذا لا ربط له باعتبار الاستصحاب واما سيرة العلماء فقد استقرت فى باب الالفاظ على التمسك بالاصول الوجودية والعدمية كلتيهما ، ثم انا لم نجد فى اصحابنا من فرق بين الوجودى والعدمى نعم حكى شارح الشرح هذا التفصيل عن الحنفية.

الوجه الثانى ان المستصحب قد يكون حكما شرعيا كالطهارة المستصحبة بعد خروج المذى والنجاسة المستصحبة بعد زوال تغير المتغير بنفسه وقد يكون غيره كاستصحاب الكريه والرطوبة والوضع الاول عند الشك فى حدوث النقل او فى تاريخه والظاهر بل صريح جماعة وقوع الخلاف فى كلا القسمين نعم نسب الى بعض التفصيل بينهما بانكار الاول والاعتراف بالثانى ونسب الى آخر العكس حكاهما الفاضل القمى فى القوانين.

ثم ان المحصل من القول بالتفصيل بين القسمين المذكورين فى هذا التقسيم ثلاثة الاول اعتبار الاستصحاب فى الحكم الشرعى مطلقا جزئيا كان كنجاسة الثوب او كليا كنجاسة الماء المتغير بعد زوال التغير وهو الظاهر مما حكاه المحقق الخوانسارى ، الثانى اعتباره فى ما عدا الحكم الشرعى الكلى وان كان حكما جزئيا وهو الذى حكاه فى الرسالة الاستصحابية عن الاخباريين ، الثالث اعتباره فى الحكم الجزئى دون الكلى ودون الامور الخارجية وهو الذى ربما

__________________

ـ من عمل العلماء بل غاية ما يستفاد من جهة عملهم حكمهم بثبوت الاعدام عند الشك فى ثبوتها واما كون ذلك من جهة استصحاب العدم او لاجل قواعد أخر موافقة المؤدى له كقاعدة البراءة فى نفى التكليف وظهور الدليل فى الدوام فى عدم النسخ فلا دلالة لعملهم على تعيين احد هذين الامرين ، واما باب الالفاظ فقد استقرت سيرتهم على العمل فيه بالاصول مطلقا وجودية كانت كالعموم والاطلاق او عدمية كعدم النقل وعدم القرينة ونحوها ولا ربط له بباب الاستصحاب (شرح)

٣٤٤

يستظهر مما حكاه السيد شارح الوافية عن المحقق الخوانسارى فى حاشية له على قول الشهيد فى تحريم استعمال الماء النجس والمشتبه.

الوجه الثالث من حيث ان المستصحب قد يكون حكما تكليفيا وقد يكون وضعيا شرعيا كالاسباب والشروط والموانع وقد وقع الخلاف من هذه الجهة ففصل صاحب الوافية بين التكليفى وغيره بالانكار فى الاول دون الثانى وانما لم ندرج هذا التقسيم فى التقسيم الثانى مع انه تقسيم لاحد قسميه لان ظاهر كلام المفصل المذكور وان كان هو التفصيل بين الحكم التكليفى والوضعى إلّا ان آخر كلامه ظاهر فى اجراء الاستصحاب فى نفس الاسباب والشروط والموانع دون السببية والشرطية والمانعية.

ثم انه لا بأس بصرف الكلام الى بيان ان الحكم الوضعى (١) حكم مستقل مجعول كما اشتهر فى السنة جماعة اولا وانما مرجعه الى الحكم التكليفى فنقول ان المشهور كما فى شرح الزبدة بل الذى استقر عليه رأى المحققين كما فى شرح الوافية للسيد صدر الدين ان الخطاب الوضعى مرجعه الى الخطاب الشرعى وان كون الشيء سببا لواجب هو الحكم بوجوب ذلك الواجب عند حصول ذلك الشيء فمعنى قولنا اتلاف الصبى سبب لضمانه انه يجب عليه غرامة المثل والقيمة اذ اجتمع فيه

__________________

١ ـ المراد بالحكم الوضعى ما اخترعه الشارع ولم يكن من قبيل الاقتضاء والتخيير ، واما الثمرة فى كونه مجعولا او منتزعا عن التكليف فهو انه يتفرع على الاول عدم اشتراط ثبوته بشرائط التكليف من البلوغ والعقل والعلم والقدرة فيثبت الضمان فى حق الصبى والمجنون فعلا بالاتلاف وان لم يكن هناك مكلف بالاداء فعلا ، وكحصول الجنابة بالدخول ، وهذا بخلاف الثانى فان اللازم عليه ثبوت حكم تكليفى لا محالة اما لوليهما او لهما بعد الكمال ، ويتفرع عليه ثبوت حكم تكليفى لا محالة اما لوليهما بالفعل ايضا جريان الاصول فانه على الاول يمكن اثباته ونفيه بالاستصحاب وعلى الثانى يكون مجراه الاحكام الطلبية التى انتزعت الوضعية عنها دون نفسها (م ق)

٣٤٥

شرائط التكليف من البلوغ والعقل واليسار وغيرها.

فاذا خاطب الشارع البالغ العاقل الموسر بقوله اغرم ما اتلفته فى حال صغرك انتزع من هذا الخطاب معنى يعبر عنه بسببية الاتلاف للضمان ويقال انه ضامن بمعنى انه يجب عليه الغرامة عند اجتماع شرائط التكليف ولم يدع احد ارجاع الحكم الوضعى الى التكليف الفعلى المنجز حال استناد الحكم الوضعى الى الشخص حتى يدفع ذلك بما ذكره بعض من غفل عن مراد النافين من انه قد يتحقق الحكم الوضعى فى مورد غير قابل للحكم التكليفى كالصبى والنائم وشبههما.

وكذا الكلام فى غير السبب فان شرطية الطهارة للصلاة ليست مجعولة بجعل مغاير لانشاء وجوب الصلاة الواقعة حال الطهارة وكذا مانعية النجاسة ليست إلّا منتزعة من المنع عن الصلاة فى النجس وكذا الجزئية منتزعة من الامر بالمركب.

هذا كله فى السببية والشرطية والمانعية والجزئية واما الصحة والفساد فهما فى العبادات موافقة الفعل المأتى به للفعل المأمور به ومخالفته له ، ومن المعلوم ان هاتين الموافقة والمخالفة ليستا بجعل جاعل (١) ، واما فى المعاملات فهما ترتب الاثر عليها وعدمه فمرجع ذلك الى سببية هذه المعاملة لاثرها وعدم سببية تلك له فان لوحظت المعاملة سببا لحكم تكليفى كالبيع لاباحة التصرفات والنكاح لاباحة الاستمتاعات فالكلام فيها يعرف مما سبق فى السببية واخواتها (٢)

وان لوحظت سببا لامر آخر كسببية البيع للملكية والنكاح للزوجية والعتق للحرية وسببية الغسل للطهارة فهذه الامور بنفسها ليست احكاما شرعية ، نعم الحكم بثبوتها شرعى وحقائقها اما امور اعتبارية منتزعة من الاحكام التكليفية كما يقال

__________________

١ ـ بل هما حكمان وضعيان منتزعان من مطابقة المأتى به للمأمور به ولا مطابقته (شرح)

٢ ـ فسببية البيع منتزعة عن حكم الشارع عند وقوعه باباحة تصرفات الطرفين فيها فيمن انتقل اليهما ، وسببية النكاح عن حلية الاستمتاع ، وقوله وهذه الامور اى المسببات المذكورة

٣٤٦

الملكية كون الشيء بحيث يجوز الانتفاع به وبعوضه والطهارة كون الشيء بحيث يجوز استعماله فى الاكل والشرب والصلاة نقيض النجاسة واما امور واقعية كشف عنها الشارع فاسبابها على الاول فى الحقيقة اسباب للتكاليف فيصير سببية تلك الاسباب فى العادة كمسبباتها امورا انتزاعية ، وعلى الثانى يكون اسبابها كنفس المسببات امورا واقعية مكشوفا عنها ببيان الشارع وعلى التقديرين فلا جعل فى سببية هذه الاسباب.

ومما ذكرنا تعرف الحال فى غير المعاملات من اسباب هذه الامور كسببية الغليان فى العصير للنجاسة وكالملاقاة لها والسبى للرقبة والتنكيل للحرية والرضاع لانفساخ الزوجية وغير ذلك فافهم وتامل فى المقام فانه من مزال الاقدام.

واما بالاعتبار الثانى فمن وجوه أيضا احدها من حيث ان الدليل المثبت للمستصحب اما ان يكون هو الاجماع واما ان يكون غيره وقد فصل بين هذين الغزالى فانكر الاستصحاب فى الاول ، الثانى من حيث انه قد يثبت بالدليل الشرعى وقد يثبت بالدليل العقلى وسيجيء التفصيل بينهما فى تنبيهات الباب ، الثالث من حيث ان دليل المستصحب (٢) اما ان يدل على استمرار الحكم الى حصول رافع او غاية

__________________

ـ وقوله وحقائقها امور اعتبارية فينتزع (ح) من حكم الشارع باباحة التصرفات بمجرد العقد حكمان وضعيان السببية للعقد والملكية وهكذا فى سائر الامثلة ، وهذا هو المراد بقوله نعم الحكم بثبوتها شرعى اذ ليس المراد ثبوت نفس الامر الاعتبارى بل الحكم التكليفى المنتزع عنه الوضعى (م ق)

٢ ـ يعنى دلالة الدليل على كون الحكم المفاد مما له استعداد البقاء ما لم يرفعه رافع او ما لم تجئ غايته المعينة فلا يكون الشك فى بقائه الا شكا في الرافع او فى الغاية ، ويقابله الشك فى المقتضى كما فى القسم الثانى من هذا التقسيم ، والمراد بالرافع ما كان له تأثير فى رفع الحكم الثابت بحيث لولاه كان مستمرا كالحدث الرافع للطهارة وبالغاية ما كان كاشفا عن انتهاء استعداد الحكم السابق وانقضائه بحيث لولاه لم يكن ثابتا كالليل الذى جعل غاية للصوم (م ق)

٣٤٧

فيشك فى رافعه وقد يكون قضية مهملة ساكتة عن حكم الزمان الثانى وفصل بينهما المحقق فى المعارج والمحقق الخوانسارى فانكرا الحجية فى الثانى.

واما باعتبار الشك فى البقاء فمن وجوه ايضا احدها من جهة ان الشك قد ينشأ من اشتباه الامر الخارجى مثل الشك فى حدوث البول وكون الحادث بولا او وذيا ويسمى بالشبهة فى الموضوع كان حكما شرعيا جزئيا كالطهارة فى المثالين ام موضوعا كالرطوبة والكرية ونقل اللفظ عن معنا الاصلى وشبه ذلك وقد ينشأ من اشتباه الحكم الشرعى الصادر من الشارع كالشك فى بقاء نجاسة المتغير بعد زوال تغيره وطهارة المكلف بعد حدوث المذى منه ونحو ذلك والظاهر دخول القسمين فى محل النزاع.

الثانى من حيث ان الشك بالمعنى الاعم الذى هو المأخوذ فى تعريف الاستصحاب قد يكون مع تساوى الطرفين وقد يكون مع رجحان البقاء او الارتفاع ولا اشكال فى دخول الاولين فى محل النزاع.

واما الثالث فالتحقيق ايضا عموم الخلاف له سواء كان اعتبار الاستصحاب من باب التعبد والطريق الظاهرى ام كان من باب افادة نوعه الظن لو خلى وطبعه وان عرض لبعض افراده ما يسقطه عن افادته.

الثالث من حيث ان الشك (١) فى بقاء المستصحب قد يكون من جهة المقتضى والمراد به الشك من حيث استعداده وقابليته فى ذاته للبقاء كالشك فى بقاء الليل

__________________

١ ـ لا يخفى ان الشك فى الغاية فى هذا التقسيم داخل فى الشك فى المقتضى وفى الوجه الثالث من اقسام الشك باعتبار الدليل داخل فى الرافع لان مبنى التقسيم هناك على دلالة الدليل على استمرار الحكم وعدمها مع قطع النظر عن كون الشك فى بقائه من قبيل الشك فى الرافع او المقتضى وهنا على كون الشك من احد القبيلين مع قطع النظر عن دلالة الدليل على الاستمرار وعدمها وحيث ان المصنف اختار القول التاسع كان الاستصحاب فى الغاية جاريا عنده (شرح)

٣٤٨

والنهار وخيار الغبن بعد الزمان الاول قد يكون من جهة طرو الرافع مع القطع باستعداده للبقاء وهذا على اقسام لان الشك اما فى وجود الرافع كالشك فى حدوث البول واما ان يكون فى رافعية الموجود اما لعدم تعين المستصحب (١) وتردده بين ما يكون الموجود رافعا وبين ما لا يكون كفعل الظهر المشكوك كونه رافعا لشغل الذمة بالصلاة المكلف بها قبل العصر يوم الجمعة من جهة تردده بين الظهر والجمعة واما للجهل بصفة الموجود من كونه رافعا كالمذى او مصداقا لرافع معلوم المفهوم كالرطوبة المرددة بين البول والوذى او مجهول المفهوم والظاهر ان جميع الصور حتى الشك فى وجود الرافع محل للخلاف.

هذه جملة ما حضرنى من كلمات الاصحاب والمتحصل منها فى بادئ النظر احد عشر قولا ، الاول القول بالحجية مطلقا ، الثانى عدمها مطلقا ، الثالث التفصيل بين العدمى والوجودى ، الرابع التفصيل بين الامور الخارجية وبين الحكم الشرعى مطلقا فلا يعتبر فى الاول ، الخامس التفصيل بين الحكم الشرعى الكلى وغيره فلا يعتبر فى الاول الا فى عدم النسخ ، السادس التفصيل بين الحكم الجزئى وغيره فلا يعتبر فى غير الاول ، السابع التفصيل بين الاحكام الوضعية يعنى نفس الاسباب والشروط والموانع والاحكام التكليفية التابعة لها وبين غيرها من الاحكام الشرعية فيجرى فى الاول دون الثانى ، الثامن التفصيل بين ما ثبت بالاجماع وغيره فلا يعتبر فى الاول ، التاسع التفصيل بين كون المستصحب مما ثبت بدليله او من الخارج استمراره

__________________

١ ـ فان الواقع مردد بين كون الوجوب متعلقا بالظهر والجمعة فاذا اتى باحدى الصلاتين كان المشكوك مرددا بين مقطوع البقاء ومقطوع الارتفاع وكان الشك فى رافعية الموجود هن هذه الجهة ، وقوله للجهل بصفة الموجود : فيكون الشبهة (ح) حكمية وفى الشك فى كونه مصداقا شبهة مصداقية ، وقوله مجهول المفهوم. يعنى لم يعلم معنى البول مثلا وانه معنى خاص لم يشمل المذى او معنى عام يشمله وهذه ايضا شبهة حكمية (شرح)

٣٤٩

فشك فى الغاية الرافعة له وبين غيره فيعتبر فى الاول دون الثانى كما هو ظاهر المعارج ، العاشر هذا التفصيل مع اختصاص الشك بوجود الغاية كما هو الظاهر من المحقق السبزوارى ، الحادى عشر زيادة الشك فى مصداق الغاية من جهة الاشتباه المصداقى دون المفهومى كما هو ظاهر ما سيجيء من المحقق الخوانسارى.

ثم انه لو بنى على ملاحظة ظواهر كلمات من تعرض لهذه المسألة فى الاصول والفروع لزادت الاقوال على العدد المذكور بكثير بل يحصل لعالم واحد قولان او ازيد فى المسألة إلّا ان صرف الوقت فى هذا مما لا ينبغى.

والاقوى هو القول التاسع وهو الذى اختاره المحقق قال والذى نختاره ان ننظر فى دليل ذلك الحكم فان كان يقتضيه مطلقا وجب الحكم باستمرار الحكم كعقد النكاح فانه يوجب حل الوطى مطلقا فاذا وقع الخلاف فى الألفاظ التى يقع بها الطلاق فالمستدل على ان الطلاق لا يقع بها لو قال حل الوطى ثابت قبل النطق بهذه الالفاظ فكذا بعده كان صحيحا لان المقتضى للتحليل وهو العقد اقتضاه مطلقا ولا يعلم ان الالفاظ المذكورة رافعة لذلك الاقتضاء فيثبت الحكم عملا بالمقتضى فان كان الخصم يعنى بالاستصحاب ما اشرنا اليه فليس هذا عملا بغير دليل وان كان يعنى امرا آخر وراء هذا فنحن مضربون عنه انتهى ويظهر من صاحب المعالم اختياره.

لنا على ذلك وجوه ، الاول ظاهر كلمات جماعة فى الاتفاق عليه.

الثانى حكم الشارع بالبقاء انا تتبعنا موارد الشك (١) فى بقاء الحكم السابق المشكوك من جهة

__________________

١ ـ كالحكم بالطهارة عند الشك فى الحدث وبالعكس وبطهارة الثوب عند الشك فى طرو النجاسة وبالعكس ؛ وبناء الشاهد على ما شهد به متى لم يعلم رافعه ، والحكم ببقاء الزوجية ما لم يعلم مزيلها ، وببقاء الملك ما لم يعلم الناقل ، وقوله كالحكم بنجاسته الخارج يعنى ان مقتضى الاستصحاب طهارة الخارج بعد الاستنجاء وقبل الاستبراء لكونه

٣٥٠

الرافع فلم نجد من اول الفقه الى آخره موردا الا حكم الشارع فيه بالبقاء الا مع امارة توجب الظن بالخلاف كالحكم بنجاسة الخارج قبل الاستبراء فان الحكم بها ليس لعدم اعتبار الحالة السابقة وإلّا لوجب الحكم بالطهارة لقاعدة الطهارة بل لغلبة بقاء جزء من البول او المنى فى المخرج فرجح هذا الظاهر على الاصل كما فى غسالة الحمام عند بعض والبناء على الصحة المستند الى ظهور فعل المسلم ، والانصاف ان هذا الاستقراء يكاد يفيد القطع وهو اولى من الاستقراء الذى ذكره غير واحد كالمحقق البهبهانى وصاحب الرياض انه المستند فى حجية شهادة العدلين على الاطلاق.

الثالث الاخبار المستفيضة منها صحيحة زرارة ولا يضرها الاضمار (١) قال قلت له الرجل ينام وهو على وضوء أيوجب الخفقة والخفقتان عليه الوضوء

__________________

ـ طاهرا قبل الخروج ولو لم يعتبر الاستصحاب لكانت قاعدة الطهارة محكمة ايضا إلّا ان الظاهر المؤيد بالغلبة يثبت بقاء المنى او البول فى المخرج وملاقاته لهما ، وقوله والبناء على الصحة اى المتقدم على الاستصحابات النافية فى مواردها (شرح)

١ ـ اذا الاضمار من مثله بمنزلة الاظهار بداهة انه اجل من ان يستفتى من غير الامام (ع) مع هذا الاهتمام ، وقوله أيوجب الخفقة : سؤال عن حكم الخفقة وهى حالة النعاس اى النوم الخفيف الذى هو نوم العين فقط فالشبهة حكمية فاجاب الامام (ع) بعدم نقض هذه الحالة للوضوء بل الناقض النوم التام الحاصل بنوم القلب او الاذن فيلزم انضمام نوم احدهما الى نوم العين ليتحقق الناقض ؛ ثم سئل عن حكم الشك فى تحقق هذا الناقض وعدمه من جهة قيام امارة ظنية على تحققه حيث انه حرك فى جنبه شيء وهو لا يعلم فالشبهة (ح) موضوعية ، وقوله لا : يعنى انه لا يجب الوضوء (ح) ، وقوله (ع) وإلّا فانه على يقين معناه وان لم يستيقن النوم فلا يجب الوضوء فحذف جزاء الشرط المدلول عليه بكلمة لا السابقة لقيام العلة مقامه وحذف فعل الشرط لنيابة كلمة لا عنه (شرح)

٣٥١

قال يا زرارة قد تنام العين ولا ينام القلب والاذن فاذا نامت العين والاذن فقد وجب الوضوء ، قلت فان حرك فى جنبه شىء وهو لا يعلم قال لا حتى يستيقن انه قد نام حتى يجيء من ذلك امر بين وإلّا فانه على يقين من وضوء ولا ينقض اليقين ابدا بالشك ولكن تنقضه بيقين آخر.

وتقرير الاستدلال ان جواب الشرط فى قوله عليه‌السلام وإلّا فانه على يقين محذوف قامت العلة مقامه لدلالتها عليه واقامة العلة مقام الجزاء لا تحصى كثرة فى القرآن وغيره مثل قوله وان تجهر بالقول فانه يعلم السر واخفى وان تكفروا فان الله غنى عنكم ومن كفر فان ربى غنى كريم ومن كفر فان الله غنى عن العالمين وان يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين وان يسرق فقد سرق اخ له من قبل وان يكذبوك فقد كذبت الى غير ذلك

فمعنى الرواية ان لم يستيقن انه قد نام فلا يجب عليه الوضوء لانه على يقين من وضوئه فى السابق وبعد اهمال تقييد اليقين بالوضوء وجعل العلة نفس اليقين يكون قوله عليه‌السلام ولا تنقض اليقين بمنزلة كبرى كلية للصغرى المزبورة.

هذا ولكن مبنى الاستدلال على كون اللام فى اليقين للجنس اذ لو كان للعهد لكانت الكبرى المنضمة الى الصغرى ولا ينقض اليقين بالوضوء بالشك فيفيد قاعدة كلية فى باب الوضوء وانه لا ينقض إلّا باليقين بالحدث واللام وان كان ظاهرا فى الجنس إلّا ان سبق يقين الوضوء ربما يوهن الظاهر المذكور بحيث لو فرض ارادة خصوص يقين الوضوء لم يكن بعيدا عن اللفظ لكن الانصاف ان الكلام مع ذلك لا يخلو عن ظاهر خصوصا بضميمة اخبار الآخر الآتية المتضمنة لعدم نقض اليقين بالشك والمهم فى هذا الاستدلال اثبات ارادة الجنس من اليقين.

ومنها صحيحة اخرى لزرارة مضمرة ايضا قال قلت له اصاب ثوبى دم رعاف او غيره او شيء من المنى فعلمت اثره الى ان اصيب له الماء فاصبت فحضرت الصلاة ونسيت ان بثوبى شيئا وصليت ثم انى ذكرت بعد ذاك قال عليه‌السلام تعيد

٣٥٢

الصلاة وتغسله ، قلت فان لم اكن رأيت موضعه وعلمت انه اصابه فطلبته ولم اقدر عليه فلما صليت وجدته ، قال عليه‌السلام تغسله وتعيد ، قلت فان ظننت انه اصابه ولم اتيقن ذلك فنظرت ولم أر شيئا فصليت فيه فرأيت فيه قال تغسله ولا تعيد الصلاة ؛ قلت لم ذلك قال لانك كنت على يقين من طهارتك فشككت وليس ينبغى لك ان تنقض اليقين بالشك ابدا قلت فانى قد علمت انه قد اصابه ولم ادر اين هو فاغسله قال تغسل من ثوبك الناحية التى ترى انه قد اصابها حتى تكون على يقين من طهارتك ، قلت فهل على ان شككت انه اصابه شيء ان انظر فيه قال لا ولكنك انما تريد ان تذهب بالشك الذى وقع فى نفسك قلت ان رايته فى ثوبى وانا فى الصلاة قال تنقض الصلاة وتعيد اذا شككت فى موضع منه ثم رايته وان لم تشك ثم رايته رطبا قطعت الصلاة وغسلته ثم بنيت على الصلاة لانك لا تدرى لعله شيء اوقع عليك فليس ينبغى لك ان تنقض اليقين بالشك الحديث ، والتقريب كما تقدم فى الصحيحة الاولى وارادة الجنس من اليقين لعله اظهر هنا (١).

واما فقه الحديث فبيانه ان مورد الاستدلال (٢) يحتمل وجهين احدهما ان يكون مورد السؤال فيه ان يرى بعد الصلاة نجاسة يعلم انها هى التى خفيت عليه قبل الصلاة وحينئذ فالمراد اليقين بالطهارة قبل ظن الاصابة والشك حين ارادة الدخول فى الصلاة ، لكن عدم نقض ذلك اليقين (٣) بذلك الشك انما يصلح علة

__________________

١ ـ وجه الاظهرية صراحة القضية فى كونها علة فى هذه الصحيحة دون سابقتها واحتمال ارادة الجنس فى مقام التعليل اقوى من العهد (الهمدانى)

٢ ـ وهو قوله (ع) لانك كنت على يقين من طهارتك : ثم ان بيان مورد الاستدلال وكون الاعادة نقضا لاثر الطهارة اليقينية السابقة وعدمه لا دخل له فى الاستدلال بها على اعتبار الاستصحاب لان الاستدلال بها انما هو باعتبار عموم الكبرى المستفادة منها (ق)

٣ ـ حاصله ان وجوب الاعادة لليقين بوقوع الصلاة فى النجاسة بعدها والقطع بفقد شرطها لا يكون نقضا لليقين بالطهارة بالشك فيها بل باليقين بارتفاعها حال الصلاة

٣٥٣

لمشروعية الدخول فى العبادة المشروطة بالطهارة مع الشك فبها وان الامتناع عن الدخول فيها نقض لآثار تلك الطهارة المتيقنة لا لعدم وجوب الاعادة على من تيقن انه صلى فى النجاسة كما جزم به السيد الشارح للوافية اذ الاعادة ليست نقضا لاثر الطهارة المتيقنة بالشك بل هو نقض باليقين بناء على ان من آثار حصول اليقين بنجاسة الثوب حين الصلاة ولو بعدها وجوب اعادتها.

وربما يتخيل حسن التعليل لعدم الاعادة بملاحظة اقتضاء امتثال الامر الظاهرى للاجزاء فيكون الصحيحة من حيث تعليلها دليلا على تلك القاعدة (١) وكاشفة عنها وفيه ان ظاهر قوله (٢) فليس ينبغى يعنى ليس ينبغى لك الاعادة لكونه نقضا كما ان قوله عليه‌السلام فى الصحيحة الاولى لا ينقض اليقين بالشك ابدا عدم ايجاب اعادة الوضوء فافهم فانه لا يخلو عن دقة.

والثانى ان يكون مورد السؤال رؤية النجاسة بعد الصلاة مع احتمال وقوعها

__________________

ـ ، واقتضاء الامر الظاهرى للاجزاء لو قلنا به لا يوجب حسن التعليل بذلك بل بان الامر الظاهرى مقتض للاجزاء كما ربما يتخيل بداهة ان عدم الاجزاء ولزوم الاعادة لا يوجب ان يكون نقضا لليقين بالشك بل باليقين فلا مجال اصلا للدعوى المذكورة (الطوسى)

١ ـ ما توهمه المتخيل من كشف الصحيحة عن القاعدة مدفوع بان الاجزاء فى المقام ليس لاجل كون المكلف ممتثلا للامر الظاهرى من حيث هو بل لان الشرط الواقعى للصلاة فى الطهارة الخبثية فى حق غير الناسى هو كون المصلى متطهرا فى ظاهر تكليفه حال الصلاة ، فمن صلى فى ثوب نجس جرى فيه استصحاب الطهارة او قاعدتها كان ممتثلا للامر الواقعى المتعلق بالصلاة قطعا فلا تدل الصحيحة على الاجزاء فى مورد التنازع (الهمدانى)

٢ ـ يعنى ان ظاهرها كون قاعدة الاستصحاب بنفسها من دون توسط شيء آخر علة لعدم وجوب الاعادة لا بواسطة قاعدة الاجزاء كما ان ظاهر قوله فى الصحيحة الاولى وإلّا فانه على يقين : عدم اعادة الوضوء لوجود استصحاب الطهارة لا بشيء آخر (م ق)

٣٥٤

بعدها فالمراد انه ليس ينبغى ان تنقض يقين الطهارة بمجرد احتمال وجود النجاسة حال الصلاة وهذا الوجه سالم مما يرد على الاول إلّا انه خلاف ظاهر السؤال ، نعم مورد قوله عليه‌السلام اخيرا فليس ينبغى لك الخ هو الشك فى وقوعه اول الصلاة او حين الرؤية ويكون المراد من قطع الصلاة الاشتغال عنها بغسل الثوب مع عدم تخلل المنافى لا ابطالها ثم البناء عليها الذى هو خلاف الاجماع ، لكن تفريع (١) عدم نقض اليقين على احتمال تأخر الوقوع يأبى عن حمل اللام على الجنس فافهم.

ومنها صحيحة ثالثة لزرارة واذا لم يدر فى ثلث هو او فى اربع وقد احرز الثلث قام فاضاف اليها اخرى ولا شيء عليه ولا ينقض اليقين بالشك ولا يدخل الشك فى اليقين ولا يخلط احدهما بالآخر ولكنه ينقض الشك باليقين ويتم على اليقين فيبنى عليه ولا يعتد بالشك فى حال من الحالات وقد تمسك بها فى الوافية وقرره الشارح وتبعه جماعة ممن تأخر عنه.

وفيه تامل لانه ان كان المراد بقوله عليه‌السلام قام فاضاف اليها اخرى القيام للركعة الرابعة من دون تسليم فى الركعة المرددة بين الثالثة والرابعة حتى يكون حاصل الجواب هو البناء على الاقل فهو مخالف للمذهب وموافق لقول العامة ومخالف لظاهر الفقرة الاولى وهو قوله يركع ركعتين بفاتحة الكتاب فان ظاهره بقرينة تعيين الفاتحة ارادة ركعتين منفصلتين اعنى صلاة الاحتياط.

فتعين ان يكون المراد به (٢) القيام بعد التسليم فى الركعة المرددة الى

__________________

١ ـ لان التفريع ظاهر فى العهد وكون اللام اشارة الى القضية المتفرع عليها وقوله فافهم لعله اشارة الى ان سوق هذه الكلية فى موارد كثيرة يوجب ظهورها فى العموم (ق ـ شرح)

٢ ـ بان يريد البناء على الاكثر واضافة ركعة الاحتياط بعد التسليم ويريد باليقين ما يوجب اليقين ببراءة الذمة من العمل وبالشك ما يوجب الشك فيها من قبيل ذكر المسبب وارادة السبب (م ق)

٣٥٥

ركعة مستقلة كما هو مذهب الامامية فالمراد باليقين هو اليقين بالبراءة فيكون المراد وجوب الاحتياط وتحصيل اليقين بالبراءة بالبناء على الاكثر وفعل صلاة مستقلة قابلة لتدارك ما يحتمل نقصه وقد اريد من اليقين والاحتياط فى غير واحد من الاخبار هذا النحو من العمل.

منها قوله عليه‌السلام فى الموثقة الآتية اذا شككت فابن على اليقين فهذه الاخبار الآمرة بالبناء على اليقين وعدم نقضه يراد منها البناء على ما هو المتيقن من العدد والتسليم عليه مع جبره بصلاة الاحتياط ولهذا ذكر فى غير واحد من الاخبار ما يدل على ان العمل محرز للواقع مثل قوله عليه‌السلام ألا اعلمك شيئا اذا صنعته ثم ذكرت انك نقصت او اتممت لم يكن عليك شيء وقد تصدى جماعة تبعا للسيد المرتضى لبيان ان هذا العمل هو الاخذ باليقين والاحتياط دون ما يقوله العامة من البناء على الاقل ، ومبالغة الامام عليه‌السلام فى هذه الصحيحة بتكرار عدم الاعتناء بالشك وتسمية ذلك فى غيرها بالبناء على اليقين والاحتياط يشعر بكونه فى مقابل العامة الزاعمين بكون مقتضى البناء على اليقين هو البناء على الاقل وضم الركعة المشكوكة.

واما احتمال كون المراد (١) من عدم نقض اليقين بالشك عدم جواز البناء على وقوع المشكوك بمجرد الشك كما هو مقتضى الاستصحاب فيكون مفاده عدم جواز الاقتصار على الركعة المرددة بين الثالثة والرابعة وقوله لا يدخل الشك فى اليقين يراد به ان الركعة المشكوك فيها المبنى على عدم وقوعها لا يضمها الى اليقين يعنى القدر المتيقن من الصلاة بل يأتى بها مستقلة على ما هو مذهب الخاصة

__________________

١ ـ حاصله الجمع بين الاستصحاب والعمل بالاحتياط بان يريد البناء على الاقل واضافة ركعة اخرى بعد التسليم للاحتياط وبعدم جواز نقض اليقين بالشك وجوب البناء على ما تيقنه من الركعات وعدم جواز البناء على وقوع الركعة المشكوك فيها بمجرد الشك فيها (م ق)

٣٥٦

، ففيه من المخالفة لظاهر الفقرات الست او السبع ما لا يخفى على المتامل فان مقتضى التدبر فى الخبر احد معنيين اما الحمل على التقية وقد عرفت مخالفته للاصول والظواهر واما حمله على وجوب تحصيل اليقين بعدد الركعات على الوجه الاحوط وهذا الوجه وان كان بعيدا فى نفسه لكنه منحصر بعد عدم امكان الحمل على ما يطابق الاستصحاب ولا اقل من مساواته لما ذكره هذا القائل فيسقط الاستدلال بالصحيحة خصوصا على مثل هذه القاعدة.

ومما ذكرنا ظهر عدم صحة الاستدلال بموثقة عمار عن ابى الحسن عليه‌السلام قال اذ شككت فابن على اليقين قلت هذا اصل قال نعم فان جعل البناء على الاقل اصلا ينافى ما جعله الشارع اصلا فى غير واحد من الاخبار مثل قوله عليه‌السلام اجمع لك السهو كله فى كلمتين متى شككت فابن على الاكثر وقوله عليه‌السلام فيما تقدم ألا اعلمك شيئا الى آخر ما تقدم فالوجه فيه اما الحمل على التقية واما ما ذكره بعض الاصحاب فى معنى الرواية بارادة البناء على الاكثر ثم الاحتياط بفعل ما ينفع لاجل الصلاة على تقدير الحاجة ولا يضربها على تقدير الاستغناء.

نعم يمكن ان يقال بعدم الدليل على اختصاص الموثقة بشكوك الصلاة فضلا عن الشك فى ركعاتها فهو اصل كلى خرج منه الشك فى عدد الركعات وهو غير قادح لكن يرد عليه عدم الدلالة على ارادة اليقين السابق على الشك ولا المتيقن السابق على المشكوك اللاحق فهو اضعف دلالة من الرواية الآتية الصريحة فى اليقين السابق لاحتمالها لارادة ايجاب العمل بالاحتياط فافهم.

ومنها ما عن الخصال بسنده عن محمد بن مسلم عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال قال امير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه من كان على يقين فشك فليمض على يقينه فان الشك لا ينقض اليقين وفى رواية اخرى عنه عليه‌السلام من كان على يقين فاصابه شك فليمض على يقينه فان اليقين لا يدفع بالشك وعدها المجلسى فى البحار فى سلك الاخبار التى يستفاد منها القواعد الكلية.

٣٥٧

اقول لا يخفى ان الشك واليقين لا يجتمعان (١) حتى ينقض احدهما الآخر بل لا بد من اختلافهما اما فى زمان نفس الوصفين كان يقطع يوم الجمعة بعدالة زيد فى زمان ثم يشك يوم السبت فى عدالته فى ذلك الزمان واما فى زمان متعلقهما وان اتحد زمانهما كان يقطع يوم السبت بعدالة زيد يوم الجمعة ويشك فى زمان هذا القطع بعدالته فى يوم السبت وهذا هو الاستصحاب وليس منوطا بتعدد زمان الشك واليقين كما عرفت فى المثال فضلا عن تأخر الاول عن الثانى وحيث ان صريح الرواية اختلاف زمان الوصفين وظاهرها اتحاد زمان متعلقهما تعين حملها على القاعدة الاولى.

وحاصلها عدم العبرة بطرو الشك فى شيء بعد اليقين بذلك الشيء ويؤيده ان النقض حينئذ محمول على حقيقته لانه رفع اليد عن نفس الآثار التى رتبها سابقا على المتيقن بخلاف الاستصحاب فان المراد بنقض اليقين فيه رفع اليد عن ترتيب الآثار فى غير زمان اليقين وهذا ليس نقضا لليقين السابق إلّا اذا اخذ متعلقه مجردا عن التقييد بالزمان الاول ، وبالجملة فمن تامل فى الرواية واغمض عن ذكر بعض لها فى ادلة الاستصحاب ربما استظهر ما ذكرناه فى معنى الرواية.

__________________

١ ـ حاصله ان مقتضى النهى عن نقض اليقين بالشك امكان اجتماعهما حتى يصدق نقضه به وهما لا يجتمعان فلا بد اما من اعتبار اختلافهما بحسب الزمان ، اتحدا بحسب المتعلق بان تعلق اليقين بحدوث شيء فى زمان ثم تعلق الشك بحدوثه فى ذلك الزمان بان حصل الشك فى الزمان الثانى فى صحة الاعتقاد فى الزمان الاول كما فرضه فى المثال الاول واما من اعتبار اختلافهما بحسب المتعلق وان اتحد زمانهما كما فرضه فى المثال الثانى وهو مورد قاعدة الاستصحاب والاول مورد قاعدة الشك السارى ، ومقتضى التعبير بلفظ كان والعطف بالفاء فى الرواية هو اختلاف زمان اليقين والشك ؛ وظاهر اعتبار اختلاف زمانهما هو اعتبار اتحاد متعلقهما فيكون مورد الرواية من قبيل الاول ولا تكون دليلا للاستصحاب (م ق)

٣٥٨

ثم لو سلم ان هذه القاعدة باطلاقها (١) مخالفة للاجماع امكن تقييدها بعدم نقض اليقين السابق بالنسبة الى الاعمال التى رتبها حال اليقين به كالاقتداء بذلك الشخص فى مثال العدالة او العمل بفتواه او شهادته او تقييد الحكم بصورة عدم التذكر لمستند القطع السابق واخراج صورة تذكره والتفطن لفساده وعدم قابليته لافادة القطع.

اللهم إلّا ان يقال بعد ظهور كون الزمان الماضى فى الرواية ظرفا لليقين ان الظاهر تجريد متعلق اليقين عن التقييد بالزمان فان قول القائل كنت متيقنا امس بعدالة زيد ظاهر فى ارادة اصل العدالة لا العدالة المتقيدة بالزمان الماضى وان كان ظرفه فى الواقع ظرف اليقين لكن لم يلاحظه على وجه التقييد فيكون الشك فيما بعد هذا الزمان متعلقا بنفس ذلك المتيقن مجردا عن ذلك التقييد ظاهرا فى تحقق اصل العدالة فى زمان الشك فينطبق على الاستصحاب فافهم (٢)

فالانصاف ان الرواية سيما بملاحظة قوله عليه‌السلام فان الشك لا ينقض اليقين بملاحظة ما سبق فى الصحاح من قوله لا ينقض اليقين بالشك حيث ان ظاهره مساوقته لها ظاهرة فى الاستصحاب ويبعد حملها على بيان القاعدة التى ذكرنا هذا ، لكن سند الرواية ضعيف بالقاسم بن يحيى لتضعيف العلامة له فى الخلاصة وان ضعف ذلك بعض باستناده الى تضعيف ابن الغضائري المعروف عدم قدحه فتامل

ومنها مكاتبة على بن محمد القاسانى قال كتبت اليه وانا بالمدينة عن اليوم الذى يشك فيه من رمضان هل يصام ام لا فكتب عليه‌السلام اليقين لا يدخله الشك صم للرؤية وافطر للرؤية فان تفريع تحديد كل من الصوم والافطار على رؤية هلالى

__________________

١ ـ اطلاق القاعدة هو الحكم بصحة الآثار المترتبة حين اليقين وصحة ترتيب الآثار بعد الشك سواء تذكر بمستند قطعه السابق وانه باطل ام لم يتذكر له (شرح)

٢ ـ لعله اشارة الى انه على فرض تهامية التقريب يكون قابل الانطباق على الاستصحاب مع قابليته للقاعدة ايضا فيكون مجملا مرددا فلا يكون دليلا للاستصحاب (شرح)

٣٥٩

رمضان وشوال لا يستقيم إلّا بارادة عدم جعل اليقين السابق مدخولا بالشك اى مزاحما به ، والانصاف ان هذه الرواية اظهر ما فى هذا الباب من اخبار الاستصحاب إلّا ان سندها غير سليم ، هذه جملة ما وقفت عليه من الاخبار المستدل بها للاستصحاب وقد عرفت عدم ظهور الصحيح منها وعدم صحة الظاهر منها فلعل الاستدلال بالمجموع باعتبار التجابر والتعاضد.

وربما يؤيد ذلك بالاخبار الواردة فى الموارد الخاصة مثل رواية عبد الله بن سنان الواردة فيمن يعير ثوبه الذمى وهو يعلم انه يشرب الخمر ويأكل لحم الخنزير قال فهل على ان اغسله فقال لا لانك اعرته اياه وهو طاهر ولم تستيقن انه نجسه وفيها دلالة واضحة على ان وجه البناء على الطهارة وعدم وجوب غسله هو سبق طهارته وعدم العلم بارتفاعها ولو كان المستند قاعدة الطهارة لم يكن معنى لتعليل الحكم بسبق الطهارة اذ الحكم فى القاعدة مستند الى نفس عدم العلم بالطهارة والنجاسة نعم الرواية مختصة باستصحاب الطهارة دون غيرها ولا يبعد عدم القول بالفصل بينها وبين غيرها مما يشك فى ارتفاعها بالرافع.

ومثل قوله عليه‌السلام فى موثقة عمار كل شيء طاهر حتى تعلم انه قذر بناء على انه مسوق (١) لبيان استمرار طهارة كل شيء الى ان يعلم حدوث قذارته لا ثبوتها له ظاهرا الى ان يعلم عدمها فالغاية التى هى العلم بالقذارة على الاول غاية للطهارة رافعة لاستمرارها وعلى الثانى غاية للحكم بثبوتها فكل شيء يستمر الحكم بطهارته الى كذا فاذا خصلت الغاية انقطع الحكم والاصل فى ذلك

__________________

١ ـ حاصله ان المراد بالشيء إن كان الشيء المفروض الطهارة المفروغ عن طهارته كان المراد من قوله طاهر هو الحكم باستمرار تلك الطهارة والغاية (ح) رافعة للاستمرار فيكون دليلا على الاستصحاب وإن كان المراد هو الشيء المشكوك فى طهارته كان المراد من قوله طاهر هو انشاء ثبوت الطهارة الظاهرية له والغاية رافعة لهذا الحكم بالحدوث فيكون دليلا على القاعدة (شرح)

٣٦٠