الرسائل الجديدة والفرائد الحديثة

الشيخ علي المشكيني

الرسائل الجديدة والفرائد الحديثة

المؤلف:

الشيخ علي المشكيني


الموضوع : أصول الفقه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٣٥

والشرطية على الوصفية.

هذا بعض الكلام فى تعارض النوعين المختلفين من الظهور ، واما الصنفان المختلفان من نوع واحد فالمجاز الراجح الشائع مقدم على غيره ولهذا يحمل الاسد فى اسد يرمى على الرجل الشجاع دون الرجل الابخر ويحمل الامر المصروف عن الوجوب على الاستحباب دون الاباحة واما تقديم بعض افراد التخصيص على بعض فقد يكون بقوة عموم احد العامين على الآخر اما لنفسه كتقديم الجمع المحلى باللام على المفرد المعرف ونحو ذلك واما بملاحظة المقام فان العام المسوق لبيان الضابط اقوى من غيره ونحو ذلك وقد يكون لقرب احد التخصيصين وبعد الآخر كما يقال ان تخصيص الاقل افرادا مقدم على غيره فان العرف يقدم عموم يجوز اكل كل رمان على عموم النهى عن اكل كل حامض لانه اقل فردا فيكون اشبه بالنص وكما اذا كان التخصيص فى احدهما تخصيصا لكثير من الافراد بخلاف الآخر.

بقى فى المقام شيء وهو ان ما ذكرنا من حكم التعارض من ان النص يحكم على الظاهر والاظهر على الظاهر لا اشكال فى تحصيله فى المتعارضين واما اذا كان التعارض بين ازيد من دليلين فقد يصعب تحصيل ذلك اذ يختلف حال التعارض من بين اثنين منها بملاحظة احدهما مع الثالث مثلا قد يكون النسبة بين الاثنين العموم والخصوص من وجه وينقلب بعد تلك الملاحظة الى العموم المطلق او بالعكس او الى التباين وقد وقع التوهم فى بعض المقامات فنقول توضيحا لذلك (١) ان النسبة

__________________

ـ وورد لا تكرم الفساق الجهال (شرح)

١ ـ ملخص ما ذكره الى آخر المسألة هو ارجاع جميع اقسام التعارض بين ازيد من دليلين الى قسمين ، احدهما ما كان تعارض الادلة بنسبة واحدة اما بالعموم والخصوص المطلق بان كان احدهما عاما والآخران خاصان بالنسبة اليه وحكم هذا القسم حكم المتعارضين ؛ والثانى ما كانت النسبة فيه بين المتعارضات مختلفة وحكمه

٥٠١

بين المتعارضات المذكورة ان كانت نسبة واحدة فحكمها حكم المتعارضين فان كانت النسبة العموم من وجه وجب الرجوع الى المرجحات مثل قوله يجب اكرام العلماء ويحرم اكرام الفساق ويستحب اكرام الشعراء فيتعارض الكل فى مادة الاجتماع وان كانت النسبة عموما مطلقا فان لم يلزم محذور من تخصيص العام بهما خصص بهما مثل المثال الآتي وان لزم محذور مثل قوله يجب اكرام العلماء ويحرم اكرام فساق العلماء ويكره اكرام عدول العلماء فان اللازم من تخصيص العام بهما بقائه بلا مورد فحكم ذلك كالمتباينين لان مجموع الخاصين مباين للعام.

وقد توهم بعض من عاصرناه فلاحظ العام بعد تخصيصه ببعض الافراد باجماع ونحوه مع الخاص المطلق الآخر فاذا ورد اكرم العلماء ودل من الخارج دليل على عدم وجوب اكرام فساق العلماء وورد ايضا لا تكرم النحويين كانت النسبة على هذا بينه وبين العام بعد اخراج الفساق عموما من وجه ولا اظن يلتزم بذلك فيما اذا كان الخاصان دليلين لفظيين اذ لا وجه لسبق ملاحظة العام مع احدهما على ملاحظته مع الآخر وانما يتوهم ذلك فى العام المخصص بالاجماع او العقل لزعم ان المخصص المذكور يكون كالمتصل فكان العام استعمل فيما عدا ذلك الفرد المخرج والتعارض انما يلاحظ بين ما استعمل فيه لفظ كل من الدليلين لا بين ما وضع اللفظ له وان علم عدم استعماله فكان المراد بالعلماء فى المثال المذكور عدولهم والنسبة بينه وبين النحويين عموم من وجه.

ويندفع بان التنافي فى المتعارضين انما يكون بين ظاهرى الدليلين وظهور الظاهر اما ان يستند الى وضعه واما ان يستند الى قرينة المراد وكيف كان فلا بد من احرازه حين التعارض وقبل علاجه اذ العلاج راجع الى دفع المانع لا الى احراز المقتضى والعام المذكور بعد ملاحظة تخصيصه بذلك الدليل العقلى ان لوحظ بالنسبة الى

__________________

ـ انه مع رجحان احدها يقدم الراجح ثم تلاحظ النسبة بينه وبين الباقى ولم يتعرض بصورة عدم رجحان شيء منهما (م ق)

٥٠٢

وضعه للعموم مع قطع النظر عن تخصيصه بذلك الدليل فالدليل المذكور والمخصص اللفظى سواء فى المانعية عن ظهوره فى العموم فيرفع اليد عن الموضوع له بهما وان لوحظ بالنسبة الى المراد منه بعد التخصيص بذلك الدليل فلا ظهور له فى ارادة العموم باستثناء ما خرج بذلك الدليل الا بعد اثبات كونه تمام المراد وهو غير معلوم الا بعد نفى احتمال مخصص آخر ولو باصالة عدمه وإلّا فهو مجمل مردد بين تمام الباقى وبعضه لان الدليل المذكور قرينة صارفة عن الغموم لا معينة لتمام الباقى واصالة عدم المخصص الآخر فى المقام غير جارية مع وجود المخصص اللفظى فلا ظهور له فى تمام الباقى حتى يكون النسبة بينه وبين المخصص اللفظى عموما من وجه.

وبعبارة اوضح تعارض العلماء بعد اخراج فساقهم مع النحويين ان كان قبل علاج دليل النحويين ورفع مانعيته فلا ظهور له حتى يلاحظ النسبة بين ظاهرين لان ظهوره يتوقف على علاجه ورفع تخصيصه بلا تكرم النحويين وان كان بعد علاجه ودفعه فلا دافع له بل هو كالدليل الخارجى المذكور رافع عن مقتضى وضع العموم ، نعم لو كان المخصص متصلا بالعام من قبيل الصفة والشرط وبدل البعض كما فى اكرم العلماء العدول او ان كانوا عدولا او عدولهم صحت ملاحظة النسبة بين هذا التركيب الظاهر فى تمام الباقى وبين المخصص اللفظى المذكور وان قلنا بكون العام المخصص المتصل مجازا إلّا انه يصير حينئذ من قبيل اسد يرمى فلو ورد مخصص منفصل آخر كان مانعا لهذا الظهور.

وهذا بخلاف العام المخصص بالمنفصل فانه لا يحكم بمجرد وجدان مخصص منفصل بظهوره فى تمام الباقى الا بعد احراز عدم مخصص آخر فالعام المخصص بالمنفصل لا ظهور له فى المراد منه بل هو قبل احراز جميع المخصصات مجمل مردد بين تمام الباقى وبعضه وبعده يتعين ارادة الباقى بعد جميع ما ورد عليه من التخصيص واما المخصص بالمتصل فلما كان ظهوره مستندا الى وضع الكلام

٥٠٣

التركيبى على القول بكونه حقيقة او بوضع لفظ القرينة بناء على كون لفظ العام مجاز اصح اتصاف الكلام بالظهور لاحتمال ارادة خلاف ما وضع له التركيب او لفظ القرينة ، والظاهر ان التخصيص بالاستثناء من قبيل المتصل لان مجموع الكلام ظاهر فى تمام الباقى ولذا يفيد الحصر فاذا قال لا تكرم العلماء الا العدول ثم قال اكرم النحويين فالنسبة عموم من وجه لان اخراج غير العادل من النحويين مخالف لظاهر الكلام الاول (١).

ومن هنا يصح ان يقال ان النسبة بين قوله ليس فى العارية ضمان الا الدينار والدرهم وبين ما دل على ضمان الذهب والفضة عموم من وجه (٢) كما قواه غير واحد من متأخرى المتأخرين فيرجح الاول لان دلالته بالعموم ودلالة الثانى بالاطلاق او يرجع الى عمومات نفى الضمان خلافا لما ذكره بعضهم من ان تخصيص العموم بالدرهم او الدينار لا ينافى تخصيصه ايضا بمطلق الذهب والفضة وذكره صاحب المسالك واطال الكلام فى توضيح ذلك فقال ما لفظه ان هنا نصوصا على ثلاثة اضرب احدها عام فى عدم الضمان من غير تقييد كصحيحة الحلبى عن الصادق عليه‌السلام ليس على مستعير عارية ضمان وصاحب العارية والوديعة مؤتمن وقريب منها صحيحة محمد بن مسلم عن الباقر عليه‌السلام وثانيها بحكمها إلّا انه استثنى مطلق الذهب والفضة ، وثالثها بحكمها إلّا انه استثنى الدنانير والدراهم و (ح) فلا بد من الجمع فاخراج الدراهم والدنانير لازم لخروجهما على الوجهين الاخيرين فاذا خرجا من العموم بقى العموم

__________________

١ ـ فان النسبة بين العام غير العادل وبين النحوى عموم من وجه ومورد الاجتماع النحوى غير العادل ، وحاصل الكلام ان اخراج غير العادل النحوى من الكلام الاول مخالف لظاهره فلو كانت النسبة بين عموم العلماء ودليل النحويين عموما من وجه كما هو اللازم لكون الاستثناء من المخصصات المنفصلة لم يكن اخراج افراد الخاص مخالفا لظاهر العام لكون الخاص قرينة عرفية للمراد من العام (ق)

٢ ـ كما سيجىء بيانه بعد نقل كلام صاحب المسالك (ق)

٥٠٤

فيما عداهما بحاله وقد عارضه التخصيص بمطلق الجنسين فلا بد من الجمع بينهما بحمل العام على الخاص فان قيل (١) لما كان الدراهم والدنانير اخص من الذهب والفضة وجب تخصيصهما بهما عملا بالقاعدة فلا يبقى المعارضة بين العام الاول والخاص الآخر قلنا لا شك ان كلا منهما مخصص لذلك العام لان كلا منهما مستثنى وليس هنا إلّا ان احد المخصصين اعم من الآخر مطلقا وذلك غير مانع فيخصص العام الاول بكل منهما او يقيد مطلقه لا ان احدهما يخصص بالآخر لعدم المنافاة بين اخراج الذهب والفضة فى لفظ والدراهم والدنانير فى لفظ حتى يوجب الجمع بينهما بالتخصيص او التقييد وايضا فان العمل بالخبرين الاخصين لا يمكن لان احدهما لم يخصص الا الدنانير وابقى الباقى على حكم عدم الضمان صريحا والآخر لم يستثن الا الدراهم وابقى الباقى على حكم عدم الضمان كذلك فدلالتهما قاصرة وارادة الحصر من كل منهما غير مقصود وانما المستثنى فيهما من جملة الافراد المستثناة انتهى.

اقول الذى يقتضيه النظران النسبة بين روايتى الدرهم والدينار بعد جعلهما كرواية واحدة وبين ما دل على استثناء الذهب والفضة من قبيل العموم من وجه لان التعارض بين العقد السلبى (٢) من الاولى والعقد الايجابى

__________________

١ ـ حاصله ان ما ذكرت انما يرد لو عمل بكل من خبرى الدرهم والدينار مستقلا بخلاف ما لو عملنا بهما بعد تنزيلهما منزلة خبر واحد استثنى فيه الدرهم والدينار اذ لا قصور فى الدلالة ، وقوله قلنا : حاصله منع عدم القصور لان استثناء كل من الدرهم والدينار وقع فى خبر مستقل مباين للآخر وظاهر كل منهما افادة الحصر وغاية ما يستفاد منهما بعد تنزيلهما بمنزلة واحد عدم ارادة الحصر فى ظاهر كل منهما فيرجع محصلهما بعد عدم ارادة ما يفيدان بظاهرهما من الحصر الى كون الدرهم والدينار من جملة الافراد المستثناة لا انحصار الاستثناء فيهما (ق)

٢ ـ التعارض بين روايتى الدرهم والدينار بعد تنزيلهما منزلة رواية واحدة

٥٠٥

فى الثانية إلّا ان الاول عام والثانى مطلق والتقييد اولى من التخصيص وبعبارة اخرى يدور الامر بين رفع اليد عن ظاهر الحصر فى الدرهم والدينار ورفع اليد من اطلاق الذهب والفضة وتقييدهما اولى إلّا ان يقال ان الحصر فى كل من روايتى الدرهم والدينار موهون من حيث اختصاصهما باحدهما فيجب اخراج الآخر عن عمومه فان ذلك يوجب الوهن فى الحصر وان لم يكن الامر كذلك فى مطلق العام ويؤيد ذلك ان تقييد الذهب والفضة بالنقدين مع غلبة استعارة المصوغ بعيد جدا ومما ذكرنا يظهر النظر فيما ذكره صاحب المسالك (١) فى تحرير المسألة.

وان كانت النسبة بين المتعارضات مختلفة فان كان فيها ما يقدم (٢) على بعض آخر منها اما لاجل الدلالة كما فى النص والظاهر او الظاهر والاظهر واما

__________________

ـ ورواية الذهب والفضة انما هو بين المستثنى منه فى الاولى والمستثنى فى الثانية ، حيث ان الاول اقتضى عدم ضمان الحلى المصوغة والثانية ضمانها فلا تعارض بين العقد الايجابى فى الاولى والسلبى فى الثانية ومن هنا تظهر مادة الاجتماع ومادتى الافتراق بين الروايتين لان مادة الاجتماع هى الحلى المصوغة ومادة الافتراق من جانب المستثنى منه فى الاولى هو الثوب ونحوه وجانب المستثنى فى الثانية هو الدرهم والدينار (م ق)

١ ـ لان جميع ما ذكره يبتنى على كون الاستثناء من المخصصات المنفصلة وإلّا فلا وقع لشيء منهما اذ على فرض الاتصال يعمل بما ذكره المصنف (م ق)

٢ ـ حاصل الكلام انه اذا تعارضت الادلة بنسب مختلفة فلا بد ان تلاحظ المرجحات الدلالية لانه جمع عرفى مقدم على مرجحات السند ثم تلاحظ النسبة لانه قد تنقلب النسبة ويحدث الترجيح بحسب الدلالة من جهة اخرى وان لم يحدث الرجحان او لم يكن من اول الامر بينهما رجحان بحسب الدلالة فان وجد فيها ما كان تعارضهما بالعموم من وجه فان قلنا فيه بالاجمال يعمل به وان قلنا فيه بالرجوع الى المرجحات السندية فهو كالمتباينين ثم تلاحظ مرجحات السند ولا بد ان يلاحظ هذا الترتيب فى المتعارضات بنسب مختلفة ، وقوله واما لمرجح آخر : مثل كون احد العامين اقل افرادا من الآخر (م ق)

٥٠٦

لاجل مرجح آخر قدم ما حقه التقديم ثم لوحظ النسبة مع باقى المعارضات فقد ينقلب النسبة وقد يحدث الترجيح كما اذا ورد اكرم العلماء ولا تكرم فساقهم ويستحب اكرام العدول فانه اذا خص العلماء بعدولهم يصير اخص مطلقا من العدول فيخصص العدول بغير علمائهم والسر فى ذلك واضح اذ لو لا الترتيب فى العلاج لزم الغاء النص (١) او طرح الظاهر المنافى له رأسا وكلاهما باطلان وقد لا تنقلب النسبة (٢) فيحدث الترجيح فى المتعارضات بنسبة واحدة كما لو ورد اكرم العلماء ولا تكرم الفساق ويستحب اكرام الشعراء فاذا فرضنا ان الفساق (٣) اكثر فردا من العلماء خص بغير

__________________

١ ـ لان قولنا اكرم العلماء دليل عارضه دليلان احدهما خاص وهو قولنا لا تكرم فساقهم والآخر على وجه العموم من وجه وهو قولنا يستحب اكرام العدول (فحينئذ) يلاحظ الترتيب بمعنى تخصيص العلماء اولا بفساقهم ثم تخصيص العدول بالعلماء لصيرورته اخص منه ولو لا ملاحظة الترتيب بان يخصص العلماء اولا بالعدول بان تخرج مادة الاجتماع التى هو العالم العادل من عموم العلماء ويدخل تحت عموم العدول (فحينئذ) اما ان يخصص العلماء بفساقهم ايضا فيلزم طرح دليل العلماء لبقائه بلا مورد (ح) واما ان لا يخصص به فيلزم الغاء دليل فساقهم الذى هو نص بالنسبة الى دليل العلماء وكل من اللازمين باطل ثم لا يخفى ان هذا يلزم اذا قدم العام الآخر غير المنافى للنص على المنافى له وإلّا فلا يلزم ما ذكر (ق م ط)

٢ ـ يعنى مع عدم انقلاب النسبة فى بعض الاحيان يحدث الترجيح ايضا بينهما بصيرورة البعض مثلا قليل الافراد ونحوه إلّا ان هذه فى المتعارضات بنسبة واحدة (م ط)

٣ ـ مادة الاجتماع بين الاول والثانى اعنى العالم الفاسق غير الشاعر داخلة تحت الاول فيجب اكرامه ومادة الاجتماع بين الثانى والثالث اعنى الفاسق الشاعر غير العالم داخلة تحت الثانى فيحرم اكرامه ومادة الاجتماع بين الاول والثالث اعنى العالم الشاعر غير الفاسق داخلة تحت الثالث فيستحب اكرامه واما مادة اجتماع الجميع فداخلة تحت الثالث ايضا كما ذكره المصنف ره (ق)

٥٠٧

العلماء فيخرج العالم الفاسق عن الحرمة ويبقى الفرد الشاعر من العلماء الفاسق منه مرددا بين الوجوب والاستحباب ، ثم اذا فرض ان الفساق بعد اخراج العلماء اقل فردا من الشعراء خص الشعراء به فالفاسق الشاعر غير مستحب الاكرام فاذا فرض صيرورة الشعراء بعد التخصيص بالفساق اقل موردا من العلماء خص دليل العلماء بدليله فيحكم بان مادة الاجتماع بين الكل اعنى العالم الشاعر الفاسق مستحب الاكرام وقس على ما ذكرنا صورة وجود المرجح من غير جهة الدلالة لبعضها على بعض والغرض من اطالة الكلام فى ذلك التنبيه على وجوب التامل فى علاج الدلالة عند التعارض لا ناقد عثرنا فى كتب الاستدلال على بعض الزلات والله مقيل العثرات وحيث فرغنا عن بعض الكلام فى المرجحات من حيث الدلالة التى هى مقدمة على غيرها.

فلنشرع فى مرجحات الرواية من الجهات الأخر فنقول ومن الله التوفيق للاهتداء قد عرفت ان الترجيح اما من حيث الصدور بمعنى جعل صدور احد الخبرين اقرب من صدور غيره بحيث لو دار الامر بين الحكم بصدوره وصدور غيره لحكمنا بصدوره ومورد هذا المرجح قد يكون فى السند كاعدلية الراوى وقد يكون فى المتن ككونه افصح واما ان يكون من حيث جهة الصدور فان صدور الرواية قد يكون لجهة بيان الحكم الواقعى وقد يكون لبيان خلافه لتقية او غيرها من مصالح اظهار خلاف الواقع فيكون احدهما بحسب المرجح اقرب الى الصدور لاجل بيان الواقع واما ان يكون من حيث المضمون بان يكون مضمون احدهما اقرب فى النظر الى الواقع واما تقسيم الاصوليين المرجحات الى السندية والمتنية (١) فهو

__________________

ـ وقال الفاضل الهمدانى فى شرح العبارة : كانه اراد بهذا التنبيه على انه لو كان بعض المتعارضات حقه التقديم على بعض من حيث الدلالة قدم ما حقه التقديم من غير فرق بين ما لو كانت المعارضة بينها بنسبه واحدة او بنسب مختلفة ره

١ ـ حاصله ان ما ذكروه من تقسيم المرجحات انما هو باعتبار مورد المرجح

٥٠٨

باعتبار مورد المرجح لا باعتبار مورد الرجحان ولذا يذكرون فى المرجحات المتنية مثل الفصيح والافصح والنقل باللفظ والمعنى ونحن نذكر إن شاء الله نبذا من القسمين لان استيفاء الجميع تطويل لا حاجة اليه بعد معرفة ان المناط كون احدهما اقرب من حيث الصدور عن الامام (ع) لبيان الحكم الواقعى.

اما الترجيح بالسند فبأمور منها كون احد الراويين عدلا والآخر غير عدل مع كونه مقبول الرواية من حيث كونه متحرزا عن الكذب ومنها كونه اعدل وتعرف الاعدلية اما بالنص عليها واما بذكر فضائل فيه لم يذكر فى الآخر ومنها كونه اصدق مع عدالة كليهما ويدخل فى ذلك كونه اضبط وفى حكم الترجيح بهذه الامور ان يكون طريق ثبوت مناط القبول فى احدهما اوضح من الآخر واقرب الى الواقع من جهة تعدد المزكى او رجحان احد المزكيين على الآخر ويلحق بذلك التباس اسم المزكى (١) بغيره من المجروحين وضعف ما يميز المشترك به ومنها علو الاسناد لانه كلما قلت الواسطة كان احتمال الكذب اقل وقد يعارض فى بعض الموارد بندرة ذلك واستبعاد الاسناد لتباعد ازمنة الرواة فيكون مظنة الارسال ، والحوالة على نظر المجتهد ومنها ان يرسل احد الراويين فيحذف الواسطة ويسند الآخر روايته فان المحذوف يحتمل ان يكون توثيق المرسل له معارضا بجرح جارح وهذا الاحتمال منفى فى الآخر وهذا اذا كان المرسل ممن تقبل مراسيله وإلّا فلا يعارض المسند رأسا وظاهر الشيخ فى العدة تكافؤ المرسل المقبول والمسند ولم يعلم وجهه ومنها ان يكون الراوى لاحد الروايتين متعددا وراوى

__________________

ـ ومعروضه والمحل الذى يوجد فيه وما ذكره المصنف ره باعتبار مورد الرجحان اعنى ما يتصف بصفة الرجحان ، وهما متغايران فان الفصاحة والأفصحية موردهما المتن ومورد الرجحان الحاصل بهما الصدور وكذا النقل بالفظ والمعنى والمراد بالقسمتين السندية والمتنية (م ق)

١ ـ بصيغة الفاعل والمفعول (ق)

٥٠٩

الاخرى واحدا او يكون رواة إحداهما اكثر فان المتعدد يرجح على الواحد والاكثر على الاقل كما هو واضح وحكى عن بعض العامة عدم الترجيح قياسا على الشهادة والفتوى ولازم هذا القول عدم الترجيح بسائر المرجحات ايضا وهو ضعيف ومنها ان يكون طريق تحمل احد الراويين اعلى من طريق تحمل الآخر كان يكون احدهما بقراءته على الشيخ والآخر بقراءة الشيخ عليه وهكذا غيرهما من انحاء التحمل.

هذه نبذة من المرجحات السندية التى توجب القوة من حيث الصدور وعرفت ان معنى القوة كون احدهما اقرب الى الواقع من حيث اشتماله على مزية غير موجودة فى الآخر بحيث لو فرضنا العلم بكذب احدهما ومخالفته للواقع كان احتمال مطابقة ذى المزية للواقع ارجح واقوى من مطابقة الآخر.

واما ما يرجع الى المتن فهى امور منها الفصاحة فيقدم الفصيح على غيره لان الركيك ابعد من كلام المعصوم عليه‌السلام إلّا ان يكون منقولا بالمعنى ؛ ومنها الأفصحيّة ذكره جماعة خلافا للآخرين وفيه تامل لعدم كون الفصيح بعيدا عن كلام المعصوم الامام ولا الا فصح اقرب اليه فى مقام بيان الاحكام الشرعية ومنها اضطراب المتن كما فى بعض روايات عمار ومرجع الترجيح بهذه الى كون متن احد الخبرين اقرب صدورا من متن الآخر.

واما الترجيح من حيث وجه الصدور فبان يكون احد الخبرين مقرونا بشيء يحتمل من اجله ان يكون الخبر صادرا على وجه المصلحة المقتضية لبيان خلاف حكم الله الواقعى من تقية او نحوها من المصالح وهى وان كانت غير محصورة فى الواقع إلّا ان الذى بايدينا امارة التقية وهى مطابقة ظاهر الخبر لمذهب اهل الخلاف فيحتمل صدور الخبر تقية عنهم احتمالا غير موجود فى الخبر الآخر قال فى العدة اذا كان رواة الخبرين متساوين فى العدد عمل بابعدهما من قول العامة وترك العمل بما يوافقه انتهى.

٥١٠

اقول توضيح المرام فى هذا المقام ان ترجيح احد الخبرين بمخالفة العامة يمكن ان يكون بوجهين (١) احدهما كون الرشد فى خلافهم كما صرح به فى غير واحد من الاخبار المتقدمة ورواية على بن اسباط قال قلت للرضا عليه‌السلام يحدث الامر لا اجد بدا من معرفته وليس فى البلد الذى انا فيه من استفتيه من مواليك فقال ائت فقيه البلد واستفته فى امرك فاذا افتاك بشيء فخذ بخلافه فان الحق فيه واصرح من ذلك كله خبر ابى إسحاق الأرّجاني قال قال ابو عبد الله عليه‌السلام أتدري لم امرتم بالاخذ بخلاف ما يقوله العامة فقلت لا ادرى فقال ان عليا صلوات الله عليه لم يكن يدين الله بشيء الا خالف عليه العامة ارادة لابطال امره وكانوا يسألونه صلوات الله عليه عن الشيء الذى لا يعلمونه فاذا افتاهم بشيء جعلوا له ضدا من عندهم ليلبسوا على الناس ، ثانيهما الحكم بصدور الموافق تقية ويدل عليه قوله (ع) فى رواية ما سمعته منى يشبه قول الناس ففيه التقية وما سمعته منى لا يشبه قول الناس فلا تقية فيه بناء على ان المحكى عنه عليه‌السلام مع عدالة الحاكى كالمسموع منه وان الرواية مسوقة لحكم المتعارضين وان القضية غالبية لكذب الدائمة لكنه يشكل الوجه الاول بان التعليل المذكور فى الاخبار بظاهره غير مستقيم لان خلافهم ليس حكما واحدا (٢) حتى يكون هو الحق وكون الحق

__________________

١ ـ فعلى الوجه الاول تكون من المرجحات المضمونية وعلى الثانى من مرجحات وجه الصدور ويفرق الوجهان بجريان الاول فيما لم يكن هناك خبر اصلا وكان احد الاحتمالين او الاحتمالات فى مسئلة مخالفا لهم واختصاص الثانى بمورد تعارض الخبرين (شروح)

٢ ـ حاصله ان التعليل المذكور انما يتم لو كان الاحتمال فى المسألة منحصرا فى اثنين احدهما موافق للعامة والآخر مخالف لهم اذ يصح (ح) ان يقال ان الرشد فيما خالفهم واما لو كانت المسألة ذات احتمالات احدها موافق للعامة فلا يستقيم التعليل لان الحق (ح) فى احد الوجوه المخالفة لهم وهذا لا يكفى فى الكشف عن حقية

٥١١

والرشد فيه بمعنى وجوده فى محتملاته لا ينفع فى الكشف عن الحق نعم ينفع فى الابعدية عن الباطل لو علم او احتمل غلبة الباطل على احكامهم وكون الحق فيها نادرا ولكنه خلاف الوجدان ، والوجه الثانى بان دلالة الخبر المذكور عليه لا يخلو عن خفاء لاحتمال ان يكون المراد من شباهة احد الخبرين بقول الناس كونه متفرعا على قواعدهم الباطلة مثل تجويز الخطاء على المعصومين من الانبياء والائمة (ع) عمدا او سهوا والجبر والتفويض ونحو ذلك وقد اطلق الشباهة على هذا المعنى فى بعض اخبار العرض على الكتاب والسنة حيث قال فان اشبههما فهو حق وان لم يشبههما فهو باطل وهذا الحمل اولى من حمل القضية على الغلبة لا الدوام بعد تسليم الغلبة ، ويمكن دفع الاشكال فى الوجه الاول عن التعليل فى الاخبار بوروده على الغالب من انحصار الفتوى فى المسألة فى الوجهين لان الغالب ان الوجوه فى المسألة اذا كثرت كانت العامة مختلفين ومع اتفاقهم (١) لا يكون فى المسألة وجوه متعددة ويمكن ايضا الالتزام بغلبة الباطل فى اقوالهم على ما صرح به فى رواية الأرجاني المتقدمة واصرح منها ما حكى عن ابى حنيفة من قوله خالفت جعفرا فى كل ما يقول إلّا انى لا ادرى انه يغمض عينيه فى الركوع او السجود او يفتحهما و (ح) فيكون خلافهم ابعد من الباطل ويمكن توجيه الوجه الثانى بعدم انحصار دليله فى الرواية المذكورة بل الوجه فيه هو ما تقرر فى باب التراجيح واستفيد من النصوص والفتاوى من حصول الترجيح بكل مزية فى احد الخبرين يوجب كونه اقل او ابعد احتمالا لمخالفة الواقع من الآخر ومعلوم ان الخبر المخالف

__________________

ـ احد الوجوه تعيينا ؛ نعم المخالفة انما تنفع فى ابعدية الوجوه المخالفة لهم عن الباطل ان علمت غلبة الباطل على احكامهم (ق)

١ ـ يعنى ان الغالب هو كون المسألة ذات وجهين عند الشيعة احدهما مخالف للعامة والآخر موافق مع وحدة القول فيهم (فحينئذ) يكون ما خالفهم اقرب الى الواقع واما فيما كانت ذات وجوه عند الفريقين فلا تتحقق الموافقة والمخالفة (م ق)

٥١٢

لا يحتمل فيه التقية كما يحتمل فى الموافق على ما عن المحقق قدس‌سره فمراد المشهور من حمل الخبر الموافق على التقية ليس كون الموافقة امارة على صدور الخبر تقية بل المراد ان الخبرين لما اشتركا فى جميع الجهات المحتملة لخلاف الواقع عدا احتمال الصدور تقية المختص بالخبر الموافق تعين العمل بالمخالف وانحصر محمل الخبر الموافق المطروح فى التقية.

فتلخص مما ذكرنا ان الترجيح بالمخالفة من احد وجهين على ما يظهر من الاخبار احدهما كونه ابعد من الباطل واقرب الى الواقع فيكون مخالفة الجمهور نظير موافقة المشهور من المرجحات المضمونية على ما يظهر من اكثر اخبار هذا الباب والثانى من جهة كون المخالف ذا مزية لعدم احتمال التقية ويدل عليه ما دل على الترجيح بشهرة الرواية معللا بانه لا ريب فيه بالتقريب المتقدم سابقا ولعل الثمرة بين هذين الوجهين يظهر لك فى ما ياتى إن شاء الله (١).

بقى فى هذا المقام امور الاول ان الخبر الصادر تقية يحتمل ان يراد به ظاهره فيكون من الكذب المجوز لمصلحة ويحتمل ان يراد منه تأويل مختف على المخاطب فيكون من قبيل التورية وهذا اليق بالامام عليه‌السلام بل هو اللائق اذا قلنا بحرمة الكذب مع التمكن من التورية ، الثانى ان بعض المحدثين كصاحب الحدائق وان لم يشترط فى التقية موافقة الخبر لمذهب العامة لاخبار تخيلها دالة على مدعاه سليمة عما هو صريح فى خلاف ما ادعاه إلّا ان الحمل على التقية فى مقام الترجيح لا يكون إلّا مع موافقة احدهما اذ لا يعقل حمل احدهما بالخصوص على التقية وان كانا مخالفين لهم فمراد المحدث المذكور ليس الحمل على التقية مع عدم الموافقة فى مقام الترجيح كما اورده عليه بعض الاساطين فى جملة المطاعن على ما ذهب اليه من عدم اشتراط الموافقة فى الحمل على التقية بل المحدث المذكور لما اثبت فى المقدمة الاولى من مقدمات الحدائق خلو الاخبار

__________________

١ ـ عند بيان القسم الثانى من المرجحات الخارجية (ق)

٥١٣

عن الاخبار المكذوبة لتنقيحها وتصحيحها فى الازمنة المتاخرة بعد ان كانت مغشوشة مدسوسة صح للقائل ان يقول فما بال هذه الاخبار المتعارضة التى لا تكاد تجتمع فبين فى المقدمة الثانية دفع هذا السؤال بان معظم الاختلاف من جهة اختلاف كلمات الائمة عليهم‌السلام مع المخاطبين وان الاختلاف انما هو منهم عليهم‌السلام واستشهد على ذلك باخبار زعمها دالة على ان التقية كما يحصل ببيان ما يوافق العامة كذلك يحصل بمجرد القاء الخلاف بين الشيعة كيلا يعرفوا فيؤخذ برقابهم وهذا الكلام ضعيف لان الغالب اندفاع الخوف باظهار الموافقة مع الاعداء واما الاندفاع بمجرد رؤية الشيعة مختلفين مع اتفاقهم على مخالفتهم فهو وان امكن حصوله احيانا لكنه نادر جدا فلا يصار اليه فى جل الاخبار المختلفة مضافا الى مخالفته لظاهر قوله (ع) فى الرواية المتقدمة ما سمعت منى يشبه قول الناس ففيه التقية وما سمعت منى لا يشبه قول الناس فلا تقية فيه.

فالذى يقتضيه النظر على تقدير القطع بصدور جميع الاخبار التى بايدينا على ما توهمه بعض الاخباريين او الظن بصدور جميعها الا قليلا فى غاية القلة كما يقتضيه الانصاف ممن اطلع على كيفية تنقيح الاخبار وضبطها فى الكتب هو ان يقال ان عمدة الاختلاف (١) انما هى كثرة ارادة خلاف الظواهر فى الاخبار اما بقرائن متصلة اختفت علينا من جهة تقطيع الاخبار او نقلها بالمعنى او منفصلة مختفية من جهة كونها حالية معلومة للمخاطبين او مقالية اختفت بالانطماس واما بغير القرينة

__________________

١ ـ مراد البحرانى ره ان الامام (ع) اراد حكمين او احكاما مختلفة بعضها او كلها مخالف للواقع حفظا لدماء اصحابه ومراد الشيخ ره انه (ع) انما اراد حكما واحدا واقعيا من جميع المتعارضات إلّا ان الخبر الظاهر فى غير المراد مأول وعلة صدور غير الظاهر اما كونه ظاهرا اولا ثم عرض خلافه من جهة تقطيع الاخبار او اختفاء القرينة ونحوها (شرح)

٥١٤

لمصلحة يراها الامام عليه‌السلام من تقية على ما اخترناه من ان التقية على وجه التورية او غير التقية من المصالح الأخر والى ما ذكرنا ينظر ما فعله الشيخ فى الاستبصار من اظهار امكان الجمع بين متعارضات الاخبار باخراج احد المتعارضين او كليهما عن ظاهره الى معنى بعيد.

وربما يظهر من الاخبار محامل وتأويلات ابعد بمراتب مما ذكره الشيخ تشهد بان ما ذكره الشيخ من المحامل غير بعيد عن مراد الامام عليه‌السلام وان بعدت عن ظاهر الكلام إلّا ان يظهر فيه قرينة عليها فمنها ما روى عن بعضهم صلوات الله عليهم لما سأله بعض اهل العراق وقال كم آية تقرأ فى صلاة الزوال فقال (ع) ثمانون ولم يعد السائل فقال عليه‌السلام هذا يظن انه من اهل الادراك فقيل له عليه‌السلام ما اردت بذلك وما هذه الآيات فقال اردت منها ما يقرأ فى نافلة الزوال فان الحمد والتوحيد لا يزيد على عشرة آيات (١) ونافلة الزوال ثمان ركعات ، ومنها ما روى من ان الوتر واجب فلما فرغ السائل واستفسر قال عليه‌السلام انما عنيت وجوبها على النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومنها تفسير قولهم عليهم‌السلام لا يعيد الصلاة فقيه بخصوص الشك بين الثلث والاربع ومثله تفسير وقت الفريضة فى قولهم عليهم‌السلام لا تطوع فى وقت الفريضة بزمان قول المؤذن قد قامت الصلاة الى غير ذلك مما يطلع عليه المتتبع ويؤيد ما ذكرنا من ان عمدة تنافى الاخبار ليس لاجل التقية ما ورد مستفيضا من عدم جواز رد الخبر وان كان مما ينكر ظاهره حتى اذا قال للنهار انه ليل ولليل انه نهار معللا ذلك بانه يمكن ان يكون له محمل لم يتفطن السامع له فينكره فيكفر من حيث لا يشعر فلو كان عمدة التنافى من جهة صدور الاخبار المنافية بظاهرها لما فى ايدينا من الادلة تقية لم يكن فى انكار كونها من الامام عليه‌السلام مفسدة فضلا عن كفر الراد.

__________________

١ ـ باسقاط البسملة من السورتين وإلّا فهما اثنتا عشر آية ولعل سبب الاسقاط كون المخاطب من العامة (م ق)

٥١٥

الثالث ان التقية قد تكون من فتوى العامة وهو الظاهر من اطلاق موافقة العامة فى الاخبار واخرى من حيث اخبارهم التى رووها وهو المصرح به فى بعض الاخبار لكن الظاهر ان ذلك محمول على الغالب من كون الخبر مستندا للفتوى وثالثة من حيث عملهم ويشير اليه قوله عليه‌السلام فى المقبولة المتقدمة ما هم اليه اميل قضاتهم وحكامهم ورابعة بكونه اشبه بقواعدهم واصول دينهم وفروعه كما يدل عليه الخبر المتقدم وعرفت سابقا قوة احتمال ارادة التفرع على قواعدهم الفاسدة ويخرج الخبر حينئذ عن الحجية ولو مع عدم المعارض كما يدل عليه عموم الموصول.

الرابع ان ظاهر الاخبار كون المرجح موافقة جميع الموجودين فى زمان الصدور او معظمهم على وجه يصدق الاستغراق العرفى فلو وافق بعضهم بلا مخالفة الباقين فالترجيح به مستند الى الكلية المستفادة من الاخبار من الترجيح بكل مزية وربما يستفاد من قول السائل فى المقبولة قلت يا سيدى هما معا موافقان للعامة ان المراد بما وافق العامة او خالفهم فى المرجح السابق يعم ما وافق البعض او خالفه ويرده ان ظهور الفقرة الاولى فى اعتبار الكل اقوى من ظهور هذه الفقرة فى كفاية موافقة البعض فيحمل على ارادة صورة عدم وجود هذا المرجح فى شيء منهما وتساويهما من هذه الجهة لا صورة وجود هذا المرجح فى كليهما وتكافؤهما من هذه الجهة.

وكيف كان فلو كان كل واحد موافقا لبعضهم مخالفا لآخرين منهم وجب الرجوع الى ما يرجح فى النظر ملاحظة التقية منه وربما يستفاد ذلك من اشهرية فتوى احد البعضين فى زمان الصدور ويعلم ذلك بمراجعة اهل النقل والتاريخ فقد حكى عن تواريخهم ان عامة اهل الكوفة كان عملهم على فتوى ابى حنيفة وسفيان الثورى ورجل آخر واهل مكة على فتاوى ابى ابن جريح واهل المدينة على فتاوى مالك واهل البصرة على فتاوى عمان وسوادة واهل الشام على فتاوى

٥١٦

الاوزاعى والوليد واهل مصر على فتاوى الليث بن سعيد واهل خراسان على فتاوى عبد الله بن المبارك الزهرى وكان فيهم اهل الفتاوى من غير هؤلاء كسعيد بن المسيب وعكرمة وربيعة الراى ومحمد بن شهاب الزهرى الى ان استقر رأيهم بحصر المذاهب فى الاربعة سنة خمس وستين وثلاثمائة كما حكى وقد يستفاد ذلك من الامارات الخاصة مثل قول الصادق عليه‌السلام حين حكى له فتوى ابن ابى ليلى فى بعض مسائل الوصية اما قول ابن ابى ليلى فلا استطيع رده وقد يستفاد من ملاحظة اخبارهم المروية فى كتبهم ولذا انيط الحكم فى بعض الروايات بموافقة اخبارهم.

الخامس قد عرفت ان الرجحان بحسب الدلالة لا يزاحمه الرجحان بحسب الصدور وكذا لا يزاحمه هذا الرجحان اى الرجحان من حيث جهة الصدور فاذا كان الخبر الاقوى دلالة موافقا للعامة قدم على الاضعف المخالف لما عرفت من ان الترجيح بقوة الدلالة من الجمع المقبول الذى هو مقدم على الطرح اما لو زاحم الترجيح بالصدور الترجيح من حيث جهة الصدور بان كان الارجح صدورا موافقا للعامة فالظاهر تقديمه على غيره وان كان مخالفا للعامة بناء على تعليل الترجيح بمخالفة العامة باحتمال التقية فى الموافق لان هذا الترجيح ملحوظ فى الخبرين بعد فرض صدورهما قطعا كما فى المتواترين او تعبدا كما فى الخبرين بعد عدم امكان التعبد بصدور احدهما وترك التعبد بصدور الآخر وفيما نحن فيه يمكن ذلك والترجيح بمقتضى ادلة الترجيح من حيث الصدور.

فان قلت ان الاصل فى الخبرين الصدور فاذا تعبدنا بصدورهما اقتضى ذلك الحكم بصدور الموافق تقية كما يقتضى ذلك الحكم بارادة خلاف الظاهر فى اضعفهما دلالة فيكون هذا المرجح نظير الترجيح بحسب الدلالة مقدما على الترجيح بحسب الصدور قلت لا معنى (١) للتعبد بصدورهما مع وجوب حمل احدهما

__________________

١ ـ محصله عدم معقولية التعبد بهما على ان يحمل احدهما على التقية بخلاف

٥١٧

المعين على التقية لانه القاء لاحدهما فى الحقيقة ولذا لو تعين حمل خبر غير معارض على التقية على تقدير الصدور لم يشمله ادلة التعبد بخبر العادل ، نعم لو علم بصدور الخبرين لم يكن بد من حمل الموافق على التقية والغائه واما اذا لم يعلم بصدورهما كما فى ما نحن فيه من المتعارضين فيجب الرجوع الى المرجحات الصدورية فان امكن ترجيح احدهما وتعينه من حيث التعبد بالصدور دون الآخر تعين وان قصرت اليد عن هذا الترجيح كان عدم احتمال التقية فى احدهما مرجحا فمورد هذا المرجح تساوى الخبرين من حيث الصدور اما علما كما فى المتواترين او تعبدا كما فى المتكافئين من الآحاد واما ما وجب فيه التعبد بصدور احدهما المعين دون الآخر فلا وجه لاعمال هذا المرجح فيه لان جهة الصدور متفرع على اصل الصدور والفرق بين هذا الترجيح والترجيح فى الدلالة المتقدم على الترجيح بالسند ان التعبد بصدور الخبرين على ان يعمل بظاهر احدهما وبتأويل الآخر بقرينة ذلك الظاهر ممكن غير موجب لطرح دليل او اصل بخلاف التعبد بصدورهما ثم حمل احدهما على التقية الذى هو فى معنى الغائه وترك التعبد به هذا كله على تقدير توجيه الترجيح بالمخالفة باحتمال التقية اما لو قلنا بان الوجه فى ذلك كون المخالف اقرب الى الحق وابعد من الباطل كما يدل عليه جملة من الاخبار فهى من المرجحات المضمونية وسيجيء حالها مع غيرها.

المقام الثالث (١) فى المرجحات الخارجية وقد اشرنا الى انها على

__________________

ـ التعبد بهما على ان يعمل بظاهر احدهما وتاويل الآخر لقرينة فالقياس فى غير محله (الطوسى)

١ ـ قد قسم فى المقام الرابع المرجحات الى داخلية وخارجية ثم تعرض لبيان الداخلية وهذا المقام لبيان الخارجية لكنه بعد ذكر مرجحات الدلالة قال فلنشرع فى مرجحات السند من الجهات ثم بين مرجح الصدور ومرجح الجهة فكان المناسب عليه ان يقول واما الترجيح من حيث المضمون لكن الذى يسهل الخطب ان المرجحات

٥١٨

قسمين الاول ما يكون غير معتبر بنفسه والثانى ما يعتبر بنفسه بحيث لو لم يكن هناك دليل كان هو المرجع فمن الاول شهرة احد الخبرين اما من حيث رواته بان اشتهر روايته بين الرواة بناء على كشفها عن شهرة العمل او اشتهار الفتوى به ولو مع العلم بعدم استناد المفتين اليه ومنه كون الراوى له افقه من راوى الآخر فى جميع الطبقات او فى بعضها بناء على ان الظاهر عمل الافقه به ومنه مخالفة احد الخبرين للعامة بناء على ظاهر الاخبار المستفيضة الواردة فى وجه الترجيح بها ومنها كل امارة مستقلة غير معتبرة وافقت مضمون احد الخبرين اذا كان عدم اعتبارها لعدم الدليل لا لوجود الدليل على العدم كالقياس.

ثم الدليل على الترجيح بهذا النحو من المرجح ما يستفاد من الاخبار من الترجيح بكل ما يوجب اقربية احدهما الى الواقع وان كان خارجا عن الخبرين بل يرجع هذا النوع الى المرجح الداخلى فان احد الخبرين اذا طابق امارة ظنية فلازمه الظن بوجود خلل فى الآخر اما من حيث الصدور او من حيث جهة الصدور فيدخل الراجح فيما لا ريب فيه والمرجوح فيما فيه الريب وقد عرفت ان المزية الداخلية قد تكون موجبة لانتفاء احتمال فى ذيها موجود فى الآخر كقلة الوسائط ومخالفة العامة بناء على الوجه السابق (١) وقد يوجب بعد الاحتمال الموجود فى ذيها بالنسبة الى الاحتمال الموجود فى الآخر كالاعدلية والاوثقية والمرجح الخارجى من هذا القبيل غاية الامر عدم

__________________

ـ الخارجية لا تكون الا مضمونية فالبحث بكلا العنوانين لا بأس به ؛ وقوله بناء على كشفها : اذ لولاه لكانت من المرجحات الداخلية ، وقوله او اشتهار الفتوى : معطوف على قوله اما من حيث ، وقوله على ظاهر الاخبار : يعنى بناء على الوجه الاول المذكور سابقا واما على الثانى فمن المرجحات الداخلية (شرح ق)

١ ـ اى الوجه الثانى من قسمى الجهة ، وقوله كالاعدلية لان احتمال الكذب فى كل من خبرى العدل والاعدل موجود إلّا انه فى الثانى ابعد من الاول ، وقوله موجبة لظن خلل : اى اما فى صدوره او جهة صدوره (م ق)

٥١٩

العلم تفصيلا بالاحتمال القريب فى احدهما البعيد فى الآخر بل ذو المزية داخل فى الاوثق المنصوص عليه فى الاخبار ومن هنا يمكن ان يستدل على المطلب بالاجماع المدعى فى كلام جماعة على وجوب العمل باقوى الدليلين بناء على عدم شمولها للمقام من حيث ان الظاهر من الاقوى اقواهما فى نفسه ومن حيث هو لا مجرد كون مضمونه اقرب الى الواقع لموافقة امارة خارجية فيقال فى تقريب الاستدلال ان الامارة موجبة لظن خلل فى المرجوح مفقود فى الراجح فيكون الراجح اقوى من حيث نفسه.

فان قلت ان المتيقن من النص ومعا قد الاجماع اعتبار المزية الداخلية القائمة بنفس الدليل واما الحاصلة من الامارة الخارجية التى دل الدليل على عدم العبرة بها من حث دخولها فى ما لا يعلم فلا اعتبار بكشفها عن الخلل فى المرجوح ولا فرق بينه وبين القياس فى عدم العبرة بها فى مقام الترجيح كمقام الحجية هذا مع انه لا معنى لكشف الامارة عن الخلل فى المرجوح لان الخلل فى الدليل من حيث انه دليل قصور فى طريقيته والمفروض تساويهما فى جميع ما له مدخل فى الطريقية ومجرد الظن بمخالفة خبر للواقع لا يوجب خللا فى ذلك لان الطريقية ليست منوطة بمطابقة الواقع.

قلت اما النص فلا ريب فى عموم التعليل فى قوله لان المجمع عليه لا ريب فيه وقوله دع ما يريبك الى ما لا يريبك لما نحن فيه بل قوله فان الرشد فيما خالفهم وكذا التعليل فى رواية الأرّجاني لم امرتم بالاخذ بخلاف ما عليه العامة وارد في المرجح الخارجى لان مخالفة العامة نظير موافقة المشهور.

واما معقد الاجماعات فالظاهر ان المراد منه الاقرب الى الواقع والارجح مدلولا ولو بقرينة ما يظهر من العلماء قديما وحديثا من اناطة الترجيح بمجرد الاقربية الى الواقع كاستدلالهم على الترجيحات بمجرد الاقربية مثل ما سيجيء من كلماتهم فى الترجيح بالقياس ومثل الاستدلال على الترجيح بموافقة الاصل بان الظن

٥٢٠