الرسائل الجديدة والفرائد الحديثة

الشيخ علي المشكيني

الرسائل الجديدة والفرائد الحديثة

المؤلف:

الشيخ علي المشكيني


الموضوع : أصول الفقه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٣٥

عنكم مشهورين قد رواهما الثقات عنكم قال ينظر ما وافق حكمه حكم الكتاب والسنة وخالف العامة فيؤخذ به ويترك ما خالف الكتاب والسنة ووافق العامة قلت جعلت فداك أرأيت ان كان الفقيهان عرفا حكمه من الكتاب والسنة فوجدنا احد الخبرين موافقا للعامة والاخرى مخالفا باى الخبرين يؤخذ قال ما خالف العامة ففيه الرشاد فقلت جعلت فداك فان وافقهم الخبران جميعا قال ينظر الى ما هم اميل اليه حكامهم وقضاتهم فيترك ويؤخذ بالآخر قلت فان وافق حكامهم الخبرين جميعا قال اذا كان ذلك فارجه حتى تلقى امامك فان الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام فى الهلكات.

وهذه الرواية الشريفة وان لم تخل عن الاشكال (١) بل الاشكالات من حيث ظهور صدرها فى التحكيم لاجل فصل الخصومة وقطع المنازعة فلا يناسبها التعدد ولا غفلة كل من الحكمين عن المعارض الواضح لمدرك حكمه ولا اجتهاد المترافعين وتحريهما فى ترجيح مستند احد الحكمين على الآخر ولا جواز الحكم من احدهما بعد حكم الآخر مع بعد فرض وقوعهما دفعة مع ان الظاهر حينئذ تساقطهما والحاجة الى حكم ثالث.

ظاهرة بل صريحة فى وجوب الترجيح بهذه المرجحات بين المتعارضين فان تلك الاشكالات لا تدفع هذا الظهور بل الصراحة ، نعم يرد عليه بعض الاشكالات

__________________

١ ـ ما ذكره يرجع الى وجوه ثلاثة احدها ان مورد الرواية هو التحكيم لاجل فصل الخصومة فلا يناسبها أو لا تعدد الحكمين وثانيا غفلة كل من المعارض الواضح لمستند حكمه وثالثا اجتهاد الحكمين فى ترجيح مستند احدهما عن الآخر ورابعا جواز حكم احدهما بعد حكم الآخر مع بعد فرض وقوع حكمهما دفعة ، وثانيها اشتمال الرواية على تقديم الترجيح بصفات الراوى على الترجيح بالشهرة وهو مخالف للسيرة المستمرة قديما وحديثا فيما بينهم ، وثالثها ان ظاهر الرواية هو الترجيح بمجموع الصفات لا بكل واحدة منها وهو خلاف ما اطبقت عليه كلمة الاصحاب (م ق)

٤٨١

فى ترتب المرجحات فان ظاهر الرواية تقديم الترجيح من حيث صفات الراوى على الترجيح بالشهرة والشذوذ مع ان عمل العلماء قديما وحديثا على العكس على ما يدل عليه المرفوعة الآتية فان العلماء لا ينظرون عند تعارض المشهور والشاذ الى صفات الراوى اصلا ؛ اللهم إلّا ان يمنع ذلك (١) فان الراوى اذا فرض كونه افقه واصدق واورع لم يبعد ترجيح روايته وان انفرد بها على الروية المشهورة بين الرواة لكشف اختياره اياها مع فقهه وورعه عن اطلاعه على قدح فى الرواية المشهورة مثل صدورها عن تقية او تاويل لم يطلع عليه غيره لكمال فقاهته وتنبهه لدقائق الامور وجهات الصدور نعم مجرد اصدقية الراوى واورعيته لا يوجب ذلك ما لم ينضم اليه الأفقهية هذا ولكن الرواية مطلقة فتشمل الخبر المشهور روايته بين الاصحاب حتى بين من هو افقه من هذا المتفرد برواية الشاذ وان كان هو افقه من صاحبه المرضى بحكومته مع ان افقهية الحاكم باحدى الروايتين لا يستلزم افقهية جميع رواتها فقد يكون من عداه مفضولا بالنسبة الى روات الاخرى إلّا ان ينزل الرواية على غير هاتين الصورتين وبالجملة فهذا الاشكال ايضا لا يقدح فى ظهور الرواية بل صراحتها فى وجوب الترجيح بصفات الراوي وبالشهرة من حيث الرواية وبموافقة الكتاب ومخالفة العامة.

نعم المذكور فى الرواية الترجيح باجتماع صفات الراوى من العدالة والفقاهة والصداقة والورع لكن الظاهر ارادة بيان جواز الترجيح بكل منها ولذا لم يسأل الراوى عن صورة وجود بعض الصفات دون بعض او تعارض الصفات بعضها مع بعض بل ذكر فى السؤال انها معا عدلان مرضيان لا يفضل احدهما على صاحبه فقد فهم ان الترجيح بمطلق التفاضل وكذا يوجه الجمع بين موافقة الكتاب والسنة ومخالفة العامة مع كفاية واحدة منها اجماعا.

الثانى ما رواه ابن ابى جمهور الاحسائى فى غوالى اللئالى عن العلامة

__________________

١ ـ اي اطلاق القول بكون عمل العلماء على تقديم المشهور (ق)

٤٨٢

مرفوعا الى زرارة قال سألت أبا جعفر عليه‌السلام فقلت جعلت فداك يأتى عنكم الخبران والحديثان المتعارضان فبأيهما آخذ فقال عليه‌السلام يا زرارة خذ بما اشتهر بين اصحابك ودع الشاذ النادر فقلت يا سيدى انهما معا مشهور ان مأثوران عنكم فقال خذ بما يقول اعدلهما عندك واوثقهما فى نفسك فقلت انهما معا عدلان مرضيان موثقان فقال انظر ما وافق منهما العامة فاتركه وخذ بما خالف فان الحق فيما خالفهم قلت ربما كانا موافقين لهم او مخالفين فكيف اصنع قال اذن فخذ بما فيه الحائطة لدينك واترك الآخر قلت فانهما معا موافقان للاحتياط (١) او مخالفان له فكيف اصنع فقال اذن فتخير احدهما وتأخذ به ودع الآخر.

الثالث ما رواه الصدوق باسناده عن ابى الحسن الرضا عليه‌السلام فى حديث طويل قال فيه فما ورد عليكم من حديثين مختلفين فاعرضوهما على كتاب الله فما كان فى كتاب الله موجودا حلالا او حراما فاتبعوا ما وافق الكتاب وما لم يكن فى الكتاب فاعرضوهما على سنن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فما كان فى السنة موجودا منهيا عنه نهى حرام او مامورا به عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم امر الزام فاتبعوا ما وافق نهى النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وامره وما كان فى السنة نهى اعافة او كراهة (٢) ثم كان الخبر خلافه فذلك رخصة فى ما عافه

__________________

١ ـ لعل المراد بموافقتهما له هو الموافقة فى الجملة ولو من جهة كما اذا دل احدهما على وجوب الظهر والآخر على وجوب الجمعة فانهما موافقان للاحتياط ومخالفان له وإلّا فالموافقة من جميع الجهات غير ممكنة نعم مخالفتهما له ممكنة كما اذا دل خبر على استحباب فعل وآخر على كراهته ووجد قول بالوجوب او الحرمة (م ق)

٢ ـ لعل المراد بنهى الاعافة ما وقع فيه الزجر عن ارتكاب المنهى عنه ببيان بعض خواصه ، وبنهى الكراهة ما ورد فيه النهى مطلقا من دون تعرض لخواصه وآثاره وفى القاموس عاف الطعام كرهه وكيف كان فالمراد بهما هو النهى غير الالزامى ، وقوله يسعك الاخذ بهما اى الموافق والمخالف (م ق)

٤٨٣

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم او كرهه ولم يحرمه وذلك الذى يسمع الاخذ بهما جميعا او بايهما شئت وسعك الاختيار من باب التسليم والاتباع والرد الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما لم تجدوه فى شيء من هذه الوجوه فرد والينا علمه فنحن اولى بذلك ولا تقولوا فيه بآرائكم وعليكم بالكف والتثبت والوقوف وانتم طالبون باحثون حتى يأتيكم البيان من عندنا.

الرابع ما عن رسالة القطب الراوندى بسنده الصحيح عن الصادق (ع) اذا ورد عليكم حديثان مختلفان فاعرضوهما على كتاب الله فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فذروه وان لم تجدوهما فى كتاب الله فاعرضوهما على اخبار العامة فما وافق اخبارهم فذروه وما خالف اخبارهم فخذوه ، الخامس ما بسنده ايضا عن الحسين السري قال قال ابو عبد الله (ع) اذا ورد عليكم حديثان مختلفان فخذوا بما خالف القوم ، السادس ما بسنده ايضا عن الحسن بن الجهم فى حديث قلت له يعنى العبد الصالح عليه‌السلام (١) يروى عن ابى عبد الله عليه‌السلام شيئا ويروى عنه ايضا خلاف ذلك فبأيهما نأخذ قال خذ بما خالف القوم وما وافق القوم فاجتنبه.

السابع ما بسنده ايضا عن محمد بن عبد الله قال قلت للرضا عليه‌السلام كيف نصنع بالخبرين المختلفين قال اذا ورد عليكم خبران مختلفان فانظروا ما خالف منهما العامة فخذوه وانظروا ما يوافق اخبارهم فذروه ، الثامن ما عن الاحتجاج بسنده عن سماعة بن مهران قال قلت لابى عبد الله عليه‌السلام يرد علينا حديثان واحد يامرنا بالاخذ به والآخر ينهانا قال لا تعمل بواحد منهما حتى تلقى صاحبك فتسأل قلت لا بد ان نعمل بواحد منهما قال خذ بما خالف العامة ، التاسع ما عن الكافى بسنده عن المعلى بن خنيس قال قلت لابى عبد الله عليه‌السلام اذا جاء حديث عن اولكم وحديث من آخركم بايهما نأخذ قال خذوا به (٢) حتى يبلغكم عن الحى فان بلغكم

__________________

١ ـ اى الكاظم (ع) وقد يعبر عنه بالحبر والعالم وابى الحسن وابى ابراهيم (ق)

٢ ـ اي بالحديث الآخر لاقربيته مضافا الى دلالة الحديث العاشر والحادي عشر

٤٨٤

عن الحى فخذوا بقوله قال ثم قال ابو عبد الله عليه‌السلام انا والله لا ندخلكم إلّا فيما يسعكم ، العاشر ما عنه بسنده الى الحسين بن المختار عن بعض اصحابنا عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال أرأيتك لو حدثتك بحديث العام ثم جئتنى من قابل فحدثتك بخلافه بايهما كنت تأخذ قال كنت آخذ بالاخير فقال لى رحمك الله تعالى الحادى عشر ما بسنده الصحيح ظاهرا عن ابى عمرو الكنانى عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال يا أبا عمرو أرأيت لو حدثتك بحديث او افتيتك بفتيا ثم جئت بعد ذلك تسألنى عنه فاخبرتك بخلاف ما كنت اخبرتك او افتيتك بخلاف ذلك بايهما كنت تاخذ قلت باحدثهما وادع الآخر قال قد اصبت يا أبا عمرو ابى الله إلّا ان يعبد سرا (١) اما والله لئن فعلتم ذلك انه لخير الى ولكم ابى الله لنا فى دينه الا التقية الثانى عشر ما عنه بسنده الموثق عن محمد بن مسلم قال قلت لابى عبد الله عليه‌السلام ما بال اقوام يروون عن فلان عن فلان عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يتهمون بالكذب فيجيء منكم خلافه قال ان الحديث ينسخ كما ينسخ القرآن (٢) الثالث عشر ما بسنده الحسن عن ابى حيون مولى الرضا عليه‌السلام ان فى اخبارنا محكما كمحكم القرآن ومتشابها كمتشابه القرآن فردوا متشابهها الى محكمها ولا تتبعوا متشابهها دون محكمها فتضلوا ، الرابع عشر ما عن معانى الاخبار بسنده عن داود بن فرقد قال سمعت

__________________

ـ عليه والمراد بالحى هو امام العصر (ع) وحاصله انه اذا بلغ حديث من اول الائمة الماضين وآخر من آخرهم يجب الاخذ بما جاء من آخرهم حتى يجىء من صاحب العصر ما يخالفه فيجب الاخذ به وترك الماخوذ (ق)

١ ـ الظاهر ان المراد تنظير الافتاء بالحق سرا لاجل الخوف بحسن العبادة سرا كما يدل عليه آخر كلامه فيكون ما افتى به اولا واردا فى مقام التقية وما افتى به اخيرا لبيان الواقع (ق)

٢ ـ دل على وجوب الاخذ بالاحدث (ق)

٤٨٥

أبا عبد الله عليه‌السلام يقول انتم افقه الناس اذا عرفتم معانى كلامنا (١) ان الكلمة لتنصرف على وجوه فلو شاء انسان لصرف كلامه كيف شاء ولا يكذب : وفى هاتين الروايتين الاخيرتين دلالة على وجوب الترجيح بحسب قوة الدلالة ، هذا ما وقفنا عليه من الاخبار الدالة على التراجيح.

اذا عرفت ما تلوناه عليك فلا يخفى عليك ان ظواهرها متعارضة فلا بد من التكلم فى علاج ذلك والكلام فى ذلك يقع فى مواضع.

الاول فى علاج تعارض مقبولة ابن حنظلة ومرفوعة زرارة حيث ان الاولى صريحة فى تقديم الترجيح بصفات الراوى على الترجيح بالشهرة والثانية بالعكس وهى وان كانت ضعيفة السند (٢) إلّا انها موافقة لسيرة العلماء فى باب الترجيح فان طريقتهم مستمرة على تقديم المشهور على الشاذ ، والمقبولة وان كانت مشهورة بين العلماء حتى سميت مقبولة إلّا ان عملهم على طبق المرفوعة وان كانت شاذة من حيث الرواية حيث لم يوجد مروية فى شيء من جوامع الاخبار المعروفة

__________________

١ ـ حاصل المراد ان الكلام قابل لان يراد به معانى مختلفة بعضها من ظاهره وبعضها من تأويله على اختلاف الموارد فلو شاء انسان صرف كلامه كيف شاء لجواز ارادة الحقيقة او المعانى المجازية ولا يكذب. وانتم افقه الناس : يعنى اذا ورد عليكم خبران متنافيان فى بادئ النظر فلا ينبغى ان تبادروا الى طرح احدهما بل لا بد ان يتامل فى دلالتهما والقرائن الخارجية ، فربما يظهر ان التنافى بادئ النظر ويرتفع بعد التامل وفيه حث على الجمع مهما امكن عرفا (ق)

٢ ـ حاصله ان لكل من المرفوعة والمقبولة جهة قوة وضعف اما الاولى فانها وان ضعفت سندا إلّا ان ضعفها منجبر بموافقتها سيرة العلماء ، واما الثانية فانها وإن كانت موهونة باعراض الاصحاب عنها من حيث تقديم الترجيح بصفات الراوى على الترجيح بالشهرة إلّا ان وهنها منجبر بتلقى الاصحاب لها بالقبول فاذا لا ترجيح بشىء منهما على الآخر حتى يؤخذ به ويطرح الآخر (ق)

٤٨٦

ولم يحكها الا ابن ابى جمهور عن العلامة مرفوعا الى زرارة إلّا ان يقال ان المرفوعة تدل على تقديم المشهور رواية على غيره وهى هنا المقبولة ولا دليل على الترجيح بالشهرة العملية مع انا نمنع (١) ان عمل المشهور على تقديم الخبر المشهور رواية على غيره اذا كان الغير اصح منه من حيث صفات الراوى خصوصا صفة الافقهية.

ويمكن ان يقال ان السؤال لما كان عن الحكمين كان الترجيح فيهما من حيث الصفات فقال عليه‌السلام ما حكم به اعدلهما الخ مع ان السائل ذكر (٢) انهما اختلفا فى حديثكم ومن هنا اتفق الفقهاء على عدم الترجيح بين الحكام الا بالفقاهة والورع فالمقبولة نظير رواية داود بن الحصين الواردة فى اختلاف الحكمين من دون تعرض الراوى لكون منشأ اختلافهما الاختلاف فى الروايات حيث قال عليه‌السلام ينظر الى افقههما واعلمهما واورعهما فينفذ حكمه و (ح) فيكون الصفات من مرجحات الحكمين

نعم لما فرض الراوى تساويهما ارجعه الامام عليه‌السلام الى ملاحظة الترجيح فى مستنديهما وامره بالاجتهاد والعمل فى الواقعة على طبق الراجح من الخبرين مع الغاء حكومة الحكمين فاول المرجحات الخبرية هى الشهرة بين الاصحاب فينطبق على المرفوعة نعم قد يورد على هذا الوجه ان اللازم على قواعد الفقهاء الرجوع مع تساوى الحاكمين الى اختيار المدعى ويمكن التفصى عنه بمنع جريان هذا الحكم فى قاضى التحكيم وكيف كان فهذا التوجيه غير بعيد.

الثانى ان الحديث الثامن وهى رواية الاحتجاج عن سماعة يدل على وجوب التوقف

__________________

١ ـ وبذلك تخرج المقبولة من المخالفة لعمل الاصحاب (ق)

٢ ـ يعنى ان جواب الامام عن السؤال عن اختلاف الحكمين مع ان السائل ذكر انهما اختلفا فى حديثكم بالرجوع الى الصفات التى هى من المرجحات بين الحكام يرشد الى اعراض الامام (ع) عن الجواب عن حيثية اختلافهما فى مستند حكمهما (م ق)

٤٨٧

اولا ثم مع عدم امكانه يرجع الى الترجيح بموافقة العامة ومخالفتهم واخبار التوقف على ما عرفت وستعرف محمولة على صورة التمكن من العلم (١) فتدل الرواية على ان الترجيح بمخالفة العامة بل غيرها من المرجحات انما يرجع اليها بعد العجز عن تحصيل العلم فى الواقعة بالرجوع الى الامام عليه‌السلام كما ذهب اليه بعض وهذا خلاف ظاهر الاخبار الآمرة بالرجوع الى المرجحات ابتداء بقول مطلق بل بعضها صريح فى ذلك حتى مع التمكن من العلم كالمقبولة الآمرة بالرجوع الى المرجحات ثم بالارجاع حتى يلقى الامام فيكون وجوب الرجوع الى الامام بعد فقد المرجحات والظاهر لزوم طرحها لمعارضتها بالمقبولة الراجحة عليها فيبقى اطلاقات الترجيح سليمة.

الثالث ان مقتضى القاعدة تقييد اطلاق ما اقتصر فيها على بعض المرجحات بالمقبولة إلّا انه قد يستبعد ذلك لورود تلك المطلقات فى مقام الحاجة فلا بد من جعل المقبولة كاشفة عن قرينة متصلة فهم منها الامام عليه‌السلام ان مراد الراوى تساوى الروايتين من ساير الجهات كما يحمل اطلاق اخبار التخيير على ذلك.

الرابع ان الحديث الثانى عشر الدال على نسخ الحديث بالحديث على تقدير شموله للروايات الامامية بناء على القول بكشفهم عليهم‌السلام عن الناسخ الذى اودعه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عندهم هل هو مقدم على باقى الترجيحات او مؤخر وجهان من ان النسخ من جهات التصرف فى الظاهر لانه من تخصيص الازمان ولذا ذكروه فى تعارض الاحوال وقد مر وسيجيء تقديم الجمع بهذا النحو على الترجيحات الأخر ومن ان النسخ على فرض ثبوته فى غاية القلة فلا يعتنى به فى مقام الجمع ولا يحكم به العرف فلا بد من الرجوع الى المرجحات الأخر كما اذا امتنع الجمع وسيجيء بعض الكلام فى ذلك.

الخامس ان الروايتين الاخيرتين ظاهرتان فى وجوب الجمع بين الاقوال

__________________

١ ـ فتوافق مع رواية الاحتجاج فى كون الجميع ناظرا الى صورة التمكن (شرح)

٤٨٨

الصادرة عن الائمة صلوات الله عليهم برد المتشابه الى المحكم والمراد بالمتشابه بقرينة قوله ولا تتبعوا متشابهها فتضلوا هو الظاهر الذى اريد منه خلافه اذ المتشابه اما المجمل واما المؤول ولا معنى للنهى عن اتباع المجمل فالمراد ارجاع الظاهر الى النص او الى الاظهر وهذا المعنى لما كان مركوزا فى اذهان اهل اللسان ولم يحتج الى البيان فى الكلام المعلوم الصدور عنهم فلا يبعد ارادة ما يقع من ذلك فى الكلمات المحكية عنهم باسناد الثقات التى تنزل منزلة المعلوم الصدور فالمراد انه لا يجوز المبادرة الى طرح الخبر المنافى لخبر آخر ولو كان الآخر ارجح منه اذا امكن رد المتشابه منهما الى المحكم وان الفقيه من تأمل فى اطراف الكلمات المحكية عنهم ولم يبادر الى طرحها لمعارضتها بما هو ارجح منها والغرض من الروايتين الحث على الاجتهاد واستفراغ الوسع فى معانى الروايات وعدم المبادرة الى طرح الخبر بمجرد مرجح لغيره عليه.

المقام الثالث فى عدم جواز الاقتصار على المرجحات المنصوصة فنقول اعلم ان حاصل ما يستفاد من مجموع الاخبار بعد الفراغ عن تقديم الجمع المقبول على الطرح وبعد ما ذكرنا من ان الترجيح بالاعدلية واخواتها انما هو بين الحكمين مع قطع النظر عن ملاحظة مستند هما هو ان الترجيح اولا بالشهرة والشذوذ ثم بالاعدلية والاوثقية ثم بمخالفة العامة ثم بمخالفة ميل الحكام واما الترجيح (١) بموافقة الكتاب والسنة فهو من باب اعتضاد احد الخبرين بدليل قطعى الصدور ولا اشكال فى وجوب الاخذ به وكذا الترجيح بموافقة الاصل ثم انك قد عرفت ان الاصل بعد ورود التكليف الشرعى بالعمل باحد المتعارضين هو العمل بما يحتمل ان يكون مرجحا فى نظر الشارع لان جواز العمل بالمرجوح مشكوك (ح) إلّا ان اطلاقات التخيير حاكمة على هذا الاصل.

__________________

١ ـ يعنى اطلاق المرجح على هذا القسم مسامحى وإن كان مرجحا لان المرجح اصطلاحا ما كان غير مستقل كما سيجىء (شرح)

٤٨٩

فلا بد للمتعدى من المرجحات الخاصة المنصوصة من احد امرين (١) اما ان يستنبط من النصوص ولو بمعونة الفتاوى وجوب العمل بكل مزية يوجب اقربية ذيها الى الواقع واما ان يستظهر من اطلاقات التخيير الاختصاص بصورة التكافؤ من جميع الوجوه والحق ان تدقيق النظر فى اخبار الترجيح يقتضى التزام الاول كما ان التامل الصادق فى اخبار التخيير يقتضى التزام الثانى ولذا ذهب جمهور المجتهدين الى عدم الاقتصار على المرجحات الخاصة بل ادعى بعضهم ظهور الاجماع وعدم ظهور الخلاف على وجوب العمل بالراجح من الدليلين بعد ان حكى الاجماع عليه عن جماعة.

وكيف كان فما يمكن استفادة هذا المطلب منه فقرات من الروايات منها الترجيح بالاصدقية فى المقبولة وبالاوثقية فى المرفوعة فان اعتبار هاتين الصفتين ليس إلّا لترجيح الاقرب الى مطابقة الواقع فى نظر الناظر فى المتعارضين من حيث انه اقرب من غير مدخلية خصوصية سبب وليستا كالاعدلية والافقهية يحتملان لاعتبار الاقربية الحاصلة من السبب الخاص وحينئذ فنقول اذا كان احد الراويين اضبط من الآخر او اعرف بنقل الحديث بالمعنى او شبه ذلك فيكون اصدق واوثق من الراوى الآخر ونتعدى من صفات الراوى المرجحة الى صفات الرواية الموجبة لا قريبة صدورها لان اصدقية الراوى واوثقيته لم يعتبر فى الراوى الا من حيث حصول صفة الصدق والوثاقة فى الرواية فاذا كان احد الخبرين منقولا باللفظ والآخر منقولا بالمعنى كان الاول اقرب الى الصدق واولى بالوثوق ومنها تعليله عليه‌السلام الاخذ بالمشهور بقوله فان المجمع عليه لا ريب فيه توضيح ذلك ان معنى كون الرواية مشهورة كونها معروفة عند الكل كما يدل عليه فرض السائل كليهما مشهورين والمراد بالشاذ ما لا يعرفه إلّا القليل ولا ريب ان المشهور بهذا المعنى ليس قطعيا من جميع الجهات حتى يصير مما لا ريب

__________________

١ ـ هذا على سبيل منع الخلو لا الجمع بداهة عدم التنافى بين الامرين (الطوسى)

٤٩٠

فيه وإلّا لم يمكن فرضهما مشهورين ولا الرجوع الى صفات الراوى قبل ملاحظة الشهرة ولا الحكم بالرجوع مع شهرتهما الى المرجحات الأخر فالمراد بنفى الريب نفيه بالاضافة الى الشاذ ومعناه ان الريب المحتمل فى الشاذ غير محتمل فيه فيصير حاصل التعليل ترجيح المشهور على الشاذ بان فى الشاذ احتمالا لا يوجد فى والمشهور مقتضى التعدى عن مورد النص فى العلة وجوب الترجيح بكل ما يوجب كون احد الخبرين اقل احتمالا لمخالفة الواقع.

ومنها تعليلهم عليهم‌السلام لتقديم الخبر المخالف للعامة بان الحق والرشد فى خلافهم واما ما وافقهم فيه التقية فان هذه كلها قضايا غالبية لا دائمية فيدل بحكم التعليل على وجوب ترجيح كل ما كان معه امارة الحق والرشد وترك ما فيه مظنة خلاف الحق والصواب ومنها قوله عليه‌السلام دع ما يريبك الى ما لا يريبك دل على انه اذا دار الامر بين امرين فى احدهما ريب ليس فى الآخر ذلك الريب يجب الاخذ به وليس المراد نفى مطلق الريب كما لا يخفى و (ح) فاذا فرض احد المتعارضين منقولا بلفظه والآخر منقولا بالمعنى وجب الاخذ بالاول لان احتمال الخطاء فى النقل بالمعنى منفى فيه وكذا اذا كان احدهما اعلى سندا لقلة الوسائط الى غير ذلك من المرجحات النافية للاحتمال الغير المنفى فى طرف المرجوح.

المقام الرابع فى بيان المرجحات وهى على قسمين احدهما ما يكون داخليا وهى كل مزية غير مستقلة فى نفسه (١) بل متقومة بما فيه وثانيهما ما يكون خارجيا بان يكون امرا مستقلا بنفسه ولو لم يكن هناك خبر سواء كان معتبرا كالاصل والكتاب او غير معتبر فى نفسه كالشهرة ونحوها ثم المعتبر اما ان يكون مؤثرا فى اقربية

__________________

١ ـ بمعنى عدم استقلاله فى الدلالة على حكم كصفات الراوى وصفات السند والخارجى ما يكون مستقلا على تقدير اعتباره فى افادة حكم من الاحكام كالشهرة والكتاب والاصل والمرجحات الخارجية لا تكون الا مضمونية (ق شرح)

٤٩١

احد الخبرين الى الواقع كالكتاب والاصل بناء على افادته الظن او غير مؤثر ككون الحرمة اولى بالاخذ من الوجوب والاصل بناء على كونه من باب التعبد الظاهرى.

اما الداخلى فهو على اقسام لانه اما ان يكون راجعا الى الصدور فيفيد المرجح كون الخبر اقرب الى الصدور وابعد عن الكذب سواء كان راجعا الى سنده كصفات الراوى او الى متنه كالأفصحية وهذا لا يكون إلّا فى اخبار الآحاد واما ان يكون راجعا الى وجه الصدور ككون احدهما مخالفا للعامة او لعمل سلطان الجور او قاضى الجور بناء (١) على احتمال كون مثل هذا الخبر صادرا لاجل التقية واما ان يكون راجعا الى مضمونه كالمنقول باللفظ بالنسبة الى المنقول بالمعنى اذ يحتمل الاشتباه فى التعبير فيكون مضمون المنقول باللفظ اقرب الى الواقع وكمخالفة العامة بناء على ان الوجه فى الترجيح بها ما فى اكثر الروايات من ان خلافهم اقرب الى الحق وكالترجيح بشهرة الرواية ونحوها وهذه الانواع الثلاثة كلها متأخرة عن الترجيح باعتبار قوة الدلالة (٢) فان الاقوى دلالة مقدم على ما كان اصح سندا وموافقا للكتاب ومشهور الرواية بين الاصحاب لان صفات الرواية لا تزيده على المتواتر وموافقة الكتاب لا تجعله اعلى من الكتاب وقد تقرر فى محله تخصيص الكتاب والمتواتر باخبار الآحاد فكل ما يرجع التعارض الى تعارض الظاهر والاظهر فلا ينبغى الارتياب فى عدم ملاحظة المرجحات الأخر والسر فى ذلك ما اشرنا اليه سابقا من ان مصب الترجيح بها هو ما اذا لم يمكن

__________________

١ ـ احترز به عن كون مخالفة العامة من المرجحات المضمونية وقوله وكالترجيح بشهرة الرواية : فان الشهرة الروائية يقوى الرواية صدورا ومضمونا فلا غرو فى التمثيل بها للمرجح المضمونى والصدورى (ط ق)

٢ ـ اى متاخرة عن الجمع الدلالى وموارد النص والظاهر او الاظهر والظاهر كما سبق فى اول الكتاب (شرح)

٤٩٢

الجمع بوجه عرفى يجرى فى كلامين مقطوعى الصدور على غير جهة التقية.

وبتقرير آخر اذا امكن فرض صدور الكلامين على غير جهة التقية وصيرورتهما كالكلام الواحد على ما هو مقتضى دليل وجوب التعبد بصدور الخبرين فيدخل فى قوله عليه‌السلام انتم افقه الناس اذا عرفتم معانى كلامنا الى آخر الرواية المتقدمة وقوله عليه‌السلام ان فى كلامنا محكما ومتشابها فردوا متشابهها الى محكمها ولا يدخل ذلك فى مورد السؤال عن علاج المتعارضين بل موارد السؤال عن العلاج مختص بما اذا كان المتعارضان لو فرض صدورهما تحير السائل فيهما ولم يظهر المراد منهما إلّا ببيان آخر لاحدهما او لكليهما نعم قد يقع الكلام فى ترجيح بعض الظواهر على بعض وتعيين الاظهر وهذا خارج عما نحن فيه وما ذكرناه مما لا خلاف فيه كما استظهر بعض مشايخنا المعاصرين ويشهد له ما يظهر من مذاهبهم فى الاصول وطريقتهم فى الفروع ، نعم قد يظهر من عبارة الشيخ فى الاستبصار خلاف ذلك بل يظهر منه ان الترجيح بالمرجحات يلاحظ بين النص والظاهر فضلا من الظاهر والاظهر ، والتحقيق ان هذا خلاف ما يقتضيه الدليل لان الاصل فى الخبرين الصدق والحكم بصدورهما فيفرضان كالمتواترين ولا مانع عن فرض صدورهما (١) حتى يحصل التعارض ولهذا لا يطرح الخبر الواحد الخاص بمعارضة العام المتواتر وان شئت قلت ان مرجع التعارض بين النص والظاهر الى التعارض بين اصالة الحقيقة فى الظاهر ودليل حجية النص ومن المعلوم ارتفاع الاصل بالدليل وكذا الكلام فى الظاهر والاظهر فان دليل حجية الاظهر يجعله قرينة صارفة عن ارادة الظاهر ولا يمكن طرحه لاجل اصالة الظهور ولا طرح ظهوره لظهور الظاهر فتعين العمل به وتأويل الظاهر منهما وقد تقدم فى ابطال الجمع بين

__________________

١ ـ حاصله ان تعارض الخبرين انما هو بتمانع مدلولهما على وجه لا يمكن فرض صدورهما لاستلزامه التنافى ولذا احتيج الى الترجيح فى المتباينين وحيث لا تنافى بين العام والخاص عرفا على الوجه المذكور لا يكونان موردين للترجيح (ق)

٤٩٣

الدليلين ما يوضح ذلك.

نعم يبقى الاشكال فى الظاهرين اللذين يمكن التصرف فى كل واحد منهما بما يرفع منافاته لظاهر الآخر فيدور الامر بين الترجيح من حيث السند (١) وطرح المرجوح وبين الحكم بصدورهما وارادة خلاف الظاهر فى احدهما فعلى ما ذكرنا من ان دليل حجية المعارض لا يجوز طرحه لاجل اصالة الظهور فى صاحبه بل الامر بالعكس لان الاصل لا يزاحم الدليل يجب الحكم فى المقام بالاجمال لتكافؤ اصالتى الحقيقة فى كل منهما مع العلم اجمالا بارادة خلاف الظاهر من احدهما فيتساقط الظهور ان من الطرفين فيصير ان مجملين بالنسبة الى مورد التعارض نعم كلاهما دليل واحد على نفى الثالث فهما كظاهرى مقطوعى الصدور او ككلام واحد تصادم فيه ظاهران.

ويشكل بصدق التعارض بينهما عرفا ودخولهما فى الاخبار العلاجية اذ تخصيصها بخصوص المتعارضين اللذين لا يمكن الجمع بينهما الا باخراج كليهما عن ظاهريهما خلاف الظاهر وهذا هو المتعين ولذا استقرت طريقة العلماء على ملاحظة المرجحات السندية فى مثل ذلك إلّا ان اللازم من ذلك وجوب التخيير بينهما عند فقد المرجحات كما هو ظاهر آخر عبارتى العدة والاستبصار كما ان اللازم على الاول التوقف من اول الامر والرجوع الى الاصل ان لم يكن مخالفا لهما وإلّا فالتخيير من جهة العقل بناء على القول به فى دوران الامر بين احتمالين مخالفين للاصل كالوجوب والحرمة.

وقد اشرنا سابقا الى انه قد يفصل فى المسألة بين ما اذا كان لكل من المتعارضين مورد سليم عن التعارض كما فى العامين من وجه حيث ان الرجوع الى المرجحات السندية فيهما على الاطلاق يوجب طرح الخبر المرجوح فى مادة الافتراق ولا وجه له والاقتصار فى الترجيح بها فى خصوص مادة الاجتماع التى

__________________

١ ـ اى فى مورد التعارض خاصة كما سيجىء نفى الاستبعاد عنه (ش ق)

٤٩٤

هى محل المعارضة وطرح المرجوح بالنسبة اليها مع العمل به فى مادة الافتراق بعيد عن ظاهر الاخبار العلاجية وبين ما اذا لم يكن لهما مورد سليم مثل قوله اغتسل للجمعة الظاهر فى الوجوب وقوله ينبغى غسل الجمعة الظاهر فى الاستحباب فيطرح الخبر المرجوح رأسا لاجل بعض المرجحات.

لكن الاستبعاد المذكور فى الاخبار العلاجية انما هو من جهة ان بناء العرف فى العمل باخبارهم من حيث الظن بالصدور فلا يمكن التبعض فى صدور العامين من وجه من حيث مادتى الافتراق والاجتماع كما اشرنا سابقا الى ان الخبرين المتعارضين (١) من هذا القبيل واما اذا تعبدنا الشارع بصدور الخبر الجامع للشرائط فلا مانع من تعبده ببعض مضمون الخبر دون بعض وكيف كان فترك التفصيل اوجه منه وهو اوجه من اطلاق اهمال المرجحات واما ما ذكرنا فى وجهه من عدم جواز طرح دليل حجية احد الخبرين لاصالة ظهور الآخر فهو انما يحسن اذا كان ذلك الخبر بنفسه قرينة (٢) على خلاف الظاهر فى الآخر دون الظاهرين المحتاجين فى الجمع بينهما الى تاويلهما فان العمل بكليهما مع تعارض ظاهريهما يعد غير ممكن فلا بد من طرح احدهما معينا للترجيح او غير معين للتخيير ولا يقاس حالهما على حال معلومى الصدور فى الالتجاء الى الجمع بينها كما اشرنا الى دفع ذلك عند الكلام فى اولوية الجمع على الطرح والمسألة محل الاشكال.

وقد تلخص مما ذكرنا ان تقديم النص على الظاهر خارج عن مسئلة الترجيح بحسب الدلالة اذ الظاهر لا يعارض النص حتى يرجح النص عليه نعم النص الظنى

__________________

١ ـ يعنى بالعموم من وجه وقوله من هذا القبيل اى من قبيل التبعيض فى السند (ق)

٢ ـ وهذا يتم فيما كان ذلك الخبر نصا او اظهر بالنسبة الى الآخر فيكون مقدما واما الظاهران المتكافئان فيتوقف التأويل على وجود شاهد عليه غيرهما وهو مفقود (شرح مج)

٤٩٥

السند يعارض دليل سنده لدليل حجية الظهور لكنه حاكم على دليل اعتبار الظاهر فينحصر الترجيح بحسب الدلالة فى تعارض الظاهر والاظهر نظرا الى احتمال خلاف الظاهر فى كل منهما بملاحظة نفسه غابة الامر ترجيح الاظهر ولا فرق فى الظاهر والنص بين العام والخاص المطلقين اذا فرض عدم احتمال فى الخاص (١) يبقى معه ظهور العام لئلا يدخل فى تعارض الظاهرين او تعارض الظاهر والاظهر وبين ما يكون التوجيه فيه قريبا (٢) وبين ما يكون التوجيه فيه بعيدا مثل صيغة الوجوب مع دليل نفى البأس عن الترك لان العبرة بوجود احتمال فى احد الدليلين لا يحتمل ذلك فى الآخر وان كان ذلك الاحتمال بعيدا فى الغاية لان مقتضى الجمع بين العام والخاص بعينه موجود فيه وقد يظهر خلاف ما ذكرنا فى حكم النص والظاهر من بعض الاصحاب فى كتبهم الاستدلالية مثل حمل الخاص المطلق على التقية لموافقته لمذهب العامة او المنع من حمل الامر والنهى (٣) على الاستحباب والكراهة وسيجيء. زيادة توضيح ذلك إن شاء الله.

فلنرجع الى ما كنا فيه من بيان المرجحات فى الدلالة ومرجعها الى ترجيح الاظهر على الظاهر والاظهرية قد تكون بملاحظة خصوص المتعارضين من جهة

__________________

١ ـ مثل احتمال الامر فى قوله اعتق رقبة مؤمنة بعد قوله اعتق رقبة لبيان افضل الافراد لبقاء الامر بالمطلق (ح) على ظهوره فى الوجوب و (ح) إن كان هذا الاحتمال مساويا لاحتمال ارادة الاستحباب من المطلق كانا من قبيل الظاهرين وإن كان مرجوحا كانا من قبيل الظاهر والاظهر ، وان فرض عدم هذا الاحتمال فيه ولو لاجل دليل خارجى كانا من قبيل النص والظاهر (ق)

٢ ـ يعنى بينما ورد فيه خبران احتمل احدهما توجيها لا يحتمله الآخر سواء أكان التوجيه فيه قريبا ام بعيدا (ش)

٣ ـ اى الامر الواقع فى مقابل نفى البأس عن الترك والنهى الواقع فى مقابل نفى البأس عن الفعل (شرح)

٤٩٦

القرائن الشخصية وهذا لا يدخل تحت ضابطة وقد يكون بملاحظة نوع المتعارضين كان يكون احدهما ظاهرا فى العموم والآخر جملة شرطية ظاهرة فى المفهوم فيعارضان كتعارض مفهوم اذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شيء ومنطوق عموم خلق الله الماء طهورا فيقع الكلام فى ترجيح المفهوم على عموم العام وكتعارض التخصيص والنسخ فى بعض افراد العام والخاص (١) والتخصيص والتقييد وقد يكون باعتبار الصنف كترجيح احد العامين او المطلقين على الآخر لبعد التخصيص او التقييد فيه.

ولنشر الى جملة من هذه المرجحات النوعية لظاهر احد المتعارضين فى مسائل ، منها لا اشكال فى تقديم ظهور الحكم الملقى من الشارع فى مقام التشريع فى استمراره باستمرار الشريعة على ظهور العام فى العموم الافرادى ويعبر عن ذلك بان التخصيص اولى من النسخ من غير فرق بين ان يكون احتمال المنسوخية (٢) فى العام او فى الخاص والمعروف تعليل ذلك بشيوع التخصيص وندرة النسخ وقد وقع الخلاف فى بعض الصور وتمام ذلك فى بحث العام والخاص من مباحث الالفاظ وكيف كان فلا اشكال فى ان احتمال التخصيص مشروط بعدم ورود الخاص بعد حضور وقت العمل بالعام كما ان احتمال النسخ مشروط بورود الناسخ بعد الحضور فالخاص الوارد بعد حضور وقت العمل بالعام يتعين فيه النسخ واما ارتكاب (٣) كون الخاص كاشفا عن قرينة كانت مع العام واختفيت فهو

__________________

١ ـ بان ورد الخاص بعد العام وجهل تاريخهما فاحتمل ورود الخاص بعد حضور وقت العمل بالعام او قبله فيدور الامر بين كونه ناسخا ومخصصا ، وقوله والتخصيص والتقييد : مثل قوله صل ولا تغصب ، وقوله كترجيح احد العامين. مثل العام المعلل والوارد فى مقام الامتنان وكذا العام الذى كان اقل افرادا من الآخر (ق)

٢ ـ فانه مع ورود الخاص بعد العام مع الجهل بوروده بعد حضور وقت العمل بالعام او قبله يدور الامر بين كون الخاص منسوخا وكونه مخصصا (ق)

٣ ـ دفع لتوهم عدم تعين الخاص للنسخ فى الفرض المذكور (ق)

٤٩٧

خلاف الاصل والكلام فى علاج المتعارضين من دون التزام وجود شيء زائد عليهما ، نعم لو كان هناك دليل على امتناع النسخ وجب المصير الى التخصيص مع التزام اختفاء القرينة حين العمل او جواز ارادة خلاف الظاهر من المخاطبين واقعا مع مخاطبتهم بالظاهر الموجبة لعملهم بظهوره وبعبارة اخرى تكليفهم ظاهرا هو العمل بالعموم.

ومن هنا يقع الاشكال فى تخصيص العمومات المتقدمة فى كلام النبى او الوصى او بعض الائمة عليهم‌السلام بالمخصصات الواردة بعد ذلك بمدة عن باقى الائمة (ع) فانه لا بد ان يرتكب فيه النسخ او كشف الخاص عن قرينة مع العام مختفية او كون المخاطبين بالعام تكليفهم ظاهرا العمل بالعموم المراد به الخصوص واقعا اما النسخ فبعد توجيه وقوعه بعد النبى (ص) بارادة كشف ما بينه النبى (ص) للوصى (ع) عن غاية الحكم الاول وابتداء الحكم الثانى مدفوع بان غلبة هذا النحو من التخصيصات يابى عن حملها على ذلك مع ان الحمل على النسخ يوجب طرح ظهور كلا الخبرين فى كون مضمونها حكما مستمرا من اول الشريعة الى آخرها إلّا ان يفرض المتقدم ظاهرا فى الاستمرار والمتأخر غير ظاهر بالنسبة الى ما قبل صدوره (فحينئذ) يوجب طرح ظهور المتقدم لا المتأخر كما لا يخفى وهذا لا يحصل فى كثير من الموارد بل اكثرها.

واما اختفاء المخصصات فيبعده بل يحيله عادة عموم البلوى بها من حيث العلم والعمل مع امكان دعوى العلم بعدم علم اهل العصر المتقدم وعملهم بها بل المعلوم جهلهم بها فالاوجه هو الاحتمال الثالث فكما ان رفع مقتضى البراءة العقلية ببيان التكليف كان على التدريج كما يظهر من الاخبار والآثار مع اشتراك الكل فى الاحكام الواقعية فكذلك ورود التقييد والتخصيص للعمومات والمطلقات فيجوز ان يكون الحكم الظاهرى للسابقين الترخيص فى ترك بعض الواجبات وفعل بعض المحرمات الذى يقتضيه العمل بالعمومات وان كان المراد منها الخصوص

٤٩٨

الذى هو الحكم المشترك.

ودعوى الفرق (١) بين امضاء التكليف الفعلى وابقاء المكلف على ما كان عليه من الفعل والترك بمقتضى البراءة العقلية وبين انشاء الرخصة فى فعل الحرام وترك الواجب ممنوعة غاية الامر ان الاول من قبيل عدم البيان والثانى من قبيل بيان العدم ولا قبح فيه بعد فرض المصلحة مع ان بيان العدم (٢) قد يدعى وجوده فى الكل بمثل قوله عليه‌السلام فى خطبة الغدير فى حجة الوداع معاشر الناس ما من شيء يقربكم الى الجنة ويباعدكم عن النار الا وقد امرتكم به وما من شيء يباعدكم من الجنة ويقربكم الى النار الا وقد نهيتكم عنه بل يجوز ان يكون مضمون العموم والاطلاق هو الحكم الالزامى واختفاء القرينة المتضمنة لنفى الالزام فيكون التكليف (ح) لمصلحة فيه لا فى المكلف به.

فالحاصل ان المستفاد من التتبع فى الاخبار والظاهر من خلو العمومات والمطلقات عن القرينة ان النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جعل الوصى عليه‌السلام مبينا لجميع ما اطلقه واطلق فى الكتاب الكريم واودعه علم ذلك وغيره وكذلك الوصى بالنسبة الى من بعده من الاوصياء صلوات الله عليهم اجمعين فبينوا ما رأوا فيه المصلحة واخفوا ما رأوا المصلحة فى اخفائه.

ومنها تعارض الاطلاق والعموم فيتعارض تقييد المطلق وتخصيص العام

__________________

١ ـ حاصله ان تقرير المكلفين على مقتضى عقولهم وانشاء الحكم عموما مع ارادة الخصوص واقعا وان استلزم كل منهما تفويت الواقع إلّا انه لا قبح فى الاول فان التفويت ليس بمستند الى الشارع بخلاف الثانى فانه مستند اليه ، فانه اذا قال يحل لحم الطبر فاكلوا المحرم منه ايضا او قال لا يجب اكرام الفاسق فتركوا اكرام العالم منهم مثلا مع كونه واجبا كان الاستناد الى الشارع (م ق)

٢ ـ فانه بعد العلم بان كل حكم الهى قد بين والقى الى الناس ثم لم يوجد دليل على حكم شرعى كان ذلك دليلا على بيان الاباحة (شرح)

٤٩٩

ولا اشكال فى ترجيح التقييد على ما حققه سلطان العلماء من كونه حقيقة لان الحكم بالاطلاق من حيث عدم البيان والعام بيان فعدم البيان للتقييد جزء من مقتضى الاطلاق والبيان للتخصيص مانع عن اقتضاء العام للعموم فاذا دفعنا المانع عن العموم بالاصل والمفروض وجود المقتضى له ثبت بيان التقييد وارتفع المقتضى للاطلاق فالمطلق دليل تعليقى والعام دليل تنجيزى والعمل بالتعليقى موقوف على طرح التنجيزى لتوقف موضوعه على عدمه فلو كان طرح التنجيزى متوقفا على العمل بالتعليقى ومسببا عنه لزم الدور (١) بل هو يتوقف على حجة اخرى راجحة عليه واما على القول بكونه مجازا فالمعروف فى وجه تقديم التقييد كونه اغلب من التخصيص وفيه تأمل نعم اذا استفيد العموم الشمولى من دليل الحكمة كانت الافادة غير مستندة الى الوضع كمذهب السلطان فى العموم البدلى ومما ذكرناه يظهر حال التقييد مع ساير المجازات ومنها تعارض العموم مع غير الاطلاق (٢) من الظواهر والظاهر المعروف تقديم التخصيص لغلبة شيوعه وقد يتأمل فى بعضها مثل ظهور الصيغة فى الوجوب فان استعمالها فى الاستحباب شايع ايضا بل قيل بكونه مجازا مشهورا ولم يقل ذلك فى العام المخصص فتأمل ومنها تعارض ظهور بعض ذوات المفهوم من الجمل مع بعض والظاهر (٣) تقديم الجملة الغائية على الشرطية

__________________

١ ـ مر تقريب الدور فى وجه تقديم الاستصحاب السببى على المسببى فان هذه الموارد من باب واحد ، وقوله فيه تامل : قال ره فى الحاشية وجهه ان الكلام فى المقيد المنفصل ولا نسلم كونه اغلب نعم دلالة العام على العموم اقوى من دلالة المطلق ولو قلنا انها بالوضع اه وقوله يظهر حال التقييد : فانه مقدم على التخصيص وهو مقدم على المجازات والمقدم على المقدم مقدم (شرح)

٢ ـ كقوله اكرم العلماء مع قوله ينبغى اكرام زيد ، او ينبغى اكرام العلماء مع قوله اكرم العدول وهذا المثال هو الذى تامل فيه (شرح)

٣ ـ كما اذا ورد اكرم العلماء ان كانوا عدولا وورد لا تكرم فساق الناس الى ان يصيروا علماء ، ومثال الشرطية مع الوصفية كما اذا ورد اكرم العلماء ان كانوا عدولا

٥٠٠