الرسائل الجديدة والفرائد الحديثة

الشيخ علي المشكيني

الرسائل الجديدة والفرائد الحديثة

المؤلف:

الشيخ علي المشكيني


الموضوع : أصول الفقه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٣٥

آثاره عليه اذ لو كان المراد به ذلك لم يكن اذن خير لجميع الناس اذ لو اخبره احد بزنا احد او شربه او قذفه او ارتداده فقتله النبى او جلده لم يكن لسماعه ذلك الخبر خيرا للمخبر عنه بل كان محض الشر له خصوصا مع عدم صدور الفعل منه فى الواقع ، نعم يكون خيرا للمخبر من حيث متابعة قوله وان كان منافقا موذيا للنبى (ص) على ما يقتضيه الخطاب فى لكم فثبوت الخير لكل من المخبر والمخبر عنه لا يكون إلّا اذ صدق المخبر بمعنى اظهار القبول عنه وعدم تكذيبه وطرح قوله رأسا مع العمل فى نفسه بما يقتضيه الاحتياط التام بالنسبة الى المخبر عنه فان كان المخبر به مما يتعلق بسوء حاله لا يؤذيه فى الظاهر لكن يكون على حذر منه فى الباطن كما كان هو مقتضى المصلحة فى حكاية إسماعيل المتقدمة.

ويؤيد هذا المعنى ما عن تفسير العياشى عن الصادق (ع) من انه يصدق المؤمنين لانه كان رءوفا رحيما بالمؤمنين فان تعليل التصديق بالرأفة والرحمة على كافة المؤمنين ينافى ارادة قبول قول احدهم على الآخر بحيث يرتب عليه آثاره وان انكر المخبر عنه وقوعه اذ مع الانكار لا بد من تكذيب احدهما وهو مناف لكونه اذن خير ورءوفا رحيما لجميع المؤمنين فتعين ارادة التصديق بالمعنى الذى ذكرنا.

ويؤيده ايضا ما عن القمى ره فى سبب نزول الآية انه نم منافق على النبى (ص) فاخبره الله ذلك فاحضره النبى وسأله فحلف انه لم يكن شيء مما ينم عليه فقبل منه النبى فاخذ هذا الرجل بعد ذلك يطعن على النبى (ص) ويقول انه يقبل كل ما يسمع ، اخبره الله انى انم عليه وانقل اخباره فقبل فاخبرته انى لم افعل فقبل فرده الله تعالى بقوله لنبيه (ص) (قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ) ، ومن المعلوم ان تصديقه (ص) للمنافق لم يكن بترتيب آثار الصدق عليه مطلقا ، وهذا التفسير صريح فى ان المراد من المؤمنين المقرون بالايمان من غير اعتقاد فيكون الايمان لهم على حسب ايمانهم ويشهد بتغاير معنى الايمان

__________________

ـ من الباء الى اللام فى قوله يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ، فان الايمان بالشىء ظاهره الاذعان بتحققه والايمان للمؤمنين ظاهره اظهار الايمان لاجل مراعاتهم (ش)

١٠١

فى الموضعين مضافا الى تكرار لفظه تعديته فى الاول بالباء وفى الثانى باللام فافهم

واما توجيه الرواية (١) فيحتاج الى بيان معنى التصديق فنقول ان المسلم اذا اخبر بشيء فلتصديقه معنيان احدهما ما يقتضيه ادلة حمل فعل المسلم على الصحيح والاحسن ، فان الاخبار من حيث انه فعل من افعال المكلفين صحيحه ما كان مباحا وفاسده ما كان نقيضه كالكذب والغيبة ونحوهما ، فحمل الاخبار على الصدق حمل على احسنه ، والثانى هو حمل اخباره من حيث انه لفظ دال على معنى يحتمل مطابقته للواقع وعدمها على كونه مطابقا للواقع بترتيب آثار الواقع عليه ، والمعنى الثانى هو الذى يراد من العمل بخبر العادل ، واما المعنى الاول فهو الذى يقتضيه ادلة حمل فعل المسلم على الصحيح والاحسن وهو ظاهر الاخبار الواردة فى ان من حق المؤمن على المؤمن ان يصدقه ولا يتهمه ، خصوصا مثل قوله (ع) يا أبا محمد كذب سمعك وبصرك عن اخيك فان شهد عندك خمسون قسامة (٢) انه قال قولا وقال لم اقله فصدقه وكذبهم الخبر ، فان تكذيب القسامة مع كونهم ايضا مؤمنين لا يراد منه الا عدم ترتيب آثار الواقع على كلامهم لا ما يقابل تصديق المشهود عليه فانه ترجيح بلا مرجح بل ترجيح المرجوح ، نعم خرج من ذلك موضع وجوب قبول شهادة المؤمن على المؤمن ، وان انكر المشهود عليه وانت اذا تاملت هذه الرواية ولاحظتها مع الرواية المتقدمة فى حكاية إسماعيل لم يكن لك بدّ من حمل التصديق على ما ذكرنا (٣) وان ابيت الا عن ظهور خبر إسماعيل فى وجوب التصديق بمعنى ترتيب آثار الواقع فنقول ان الاستعانة بها على دلالة الآية خروج عن الاستدلال بالكتاب الى السنة والمقصود هو الاول غاية الامر كون هذه الرواية فى عداد الروايات الآتية إن شاء الله.

__________________

١ ـ اى رواية الكافى التى قرب بها الاستدلال بالآية (ق)

٢ ـ القسامة بالفتح الايمان تقسم على اولياء القتيل فى دعوى الدم مع عدم البينة إلّا ان المراد بها هنا البينة (ق)

٣ ـ اى الحمل على الحسن الجائز لكن الصواب حمله على التصديق بلحاظ بعض الآثار المعلوم بقرينة المقام اعنى عدم استيمان من اخبر بشربه الخمر (شرح)

١٠٢

ثم ان هذه الآيات الخمس على تقدير تسليم دلالة كل واحد منها على حجية الخبر انما تدل بعد تقييد المطلق منها (١) الشامل لخبر العادل وغيره بمنطوق آية النبإ على حجية خبر العادل الواقعى او من اخبر عدل واقعى بعدالته ، بل يمكن انصراف المفهوم بحكم الغلبة الى صورة افادة خبر العادل الظن الاطمينانى بالصدق كما هو الغالب مع القطع بالعدالة ، فيصير حاصل مدلول الآيات اعتبار خبر العادل الواقعى بشرط افادته الظن الاطمينانى والوثوق ، بل هذا ايضا منصرف (٢) ساير الآيات وان لم يكن انصرافا موجبا لظهور عدم ارادة غيره حتى لا تعارض المنطوق.

واما السنة فطوائف من الاخبار منها ما ورد فى الخبرين المتعارضين من الاخذ بالاعدل والاصدق او المشهور والتخيير عند التساوى مثل مقبولة عمر بن حنظلة حيث يقول ؛ الحكم ما حكم به اعدلهما وافقههما واصدقهما فى الحديث وموردها وان كان فى الحاكمين إلّا ان ملاحظة جميع الرواية تشهد بان المراد بيان المرجح للروايتين اللتين استند اليهما الحاكمان ، ومثل رواية غوالى اللئالى المروية عن العلامة المرفوعة الى زرارة قال يأتى عنكم الخبر ان والحديثان المتعارضان فبأيهما آخذ قال خذ بما اشتهر بين اصحابك ودع الشاذ النادر ، قلت فانهما معا مشهور ان قال خذ باعدلهما عندك واوثقهما فى نفسك ، ومثل رواية ابن ابى الجهم عن الرضا «ع» قلت يجيئنا الرجلان و

__________________

١ ـ ملخص المراد ان المستفاد من مجموع الآيات حجية قول من عدا الفاسق مطلقا ، ولكن اطلاقه ينصرف بمقتضى الغلبة الى صورة افادة الخبر الظن الاطمينانى (الهمدانى)

٢ ـ يعنى الخبر المفيد للاطمينان والوثوق لا خبر العادل المفيد للاطمينان ، وحاصله انه لو كان منصرف الآيات مطلق الخبر المفيد للاطمينان عدلا ام غيره على نحو يوجب ظهورها فيه لوقع التعارض بينها وبين منطوق آية النبإ فان ظاهرها عدم حجية قول الفاسق مطلقا افاد الاطمينان ام لا ، لكنه لا ظهور لها فيه كذلك ، بل ظهورا لا ينافى تقييده بالعادل المفيد للاطمينان فلا تعارض منطوق آية النبإ (شرح)

١٠٣

كلاهما ثقة بحديثين مختلفين فلا نعلم ايهما الحق قال اذا لم تعلم فموسع عليك بايهما اخذت ، ورواية الحارث بن المغيرة عن الصادق «ع» قال اذا سمعت من اصحابك الحديث وكلهم ثقة فموسع عليك حتى ترى القائم (ع) وغيرها من الاخبار.

والظاهر ان دلالتها (١) على اعتبار الخبر الغير المقطوع الصدور واضحة إلّا انه لا اطلاق لها لان السؤال عن الخبرين الذين فرض السائل كلا منهما حجة يتعين العمل بها لو لا المعارض كما يشهد به السؤال بلفظ اى الدالة على السؤال عن التعيين مع العلم بالمبهم فهو كما اذا سئل عن تعارض الشهود او أئمة الصلاة فاجاب ببيان المرجح فانه لا يدل إلّا على ان المفروض تعارض من كان منهم مفروض القبول لو لا المعارض ، نعم رواية ابن المغيرة تدل على اعتبار خبر كل ثقة وبعد ملاحظة ذكر الأوثقية والأعدلية فى المقبولة والمرفوعة يصير الحاصل من المجموع اعتبار خبر الثقة بل العادل ، لكن ، الانصاف ان ظاهر مساق الرواية ان الغرض من العدالة حصول الوثاقة فيكون العبرة بها

ومنها ما دل على ارجاع آحاد الرواة الى آحاد اصحابهم بحيث يظهر منه عدم الفرق بين الفتوى والرواية مثل ارجاعه الى زرارة بقوله (ع) اذا اردت حديثا فعليك بهذا الجالس مشيرا الى زرارة ؛ وقوله (ع) فى رواية اخرى واما ما رواه زرارة عن ابى عبد الله عليه‌السلام فلا يجوز رده ، وقوله عليه‌السلام لابن ابى يعفور بعد السؤال عمن يرجع اليه اذا احتاج او سئل عن مسئلة فما يمنعك عن الثقفى يعنى محمد بن مسلم فانه سمع من ابى احاديث وكان عنده وجيها ، وقوله عليه‌السلام فيما عن الكشى لسلمة بن ابى حبيبة ائت ابان بن تغلب فانه قد سمع منى حديثا كثيرا فما روى لك عنى فاروه عنى ، وقوله عليه‌السلام لشعيب العقرقوفي بعد السؤال عمن يرجع اليه عليك بالاسدى يعنى أبا بصير ، وقوله (ع) لعلى بن المسيب بعد السؤال عمن ياخذ عنه معالم الدين عليك بزكريا بن آدم المامون

__________________

١ ـ لان الترجيح والتخيير فرع اعتبار كل من المتعارضين فى انفسهما لو لا التعارض بينهما ، واما دلالتها على اعتبارهما غير قطعيين فلعدم امكان الترجيح فى القطعيين (م ق)

١٠٤

على الدين والدنيا وقوله (ع) لما قال له عبد العزيز بن المهدى له ربما احتاج ولست القاك فى كل وقت افيونس بن عبد الرحمن ثقة آخذ عنه معالم دينى قال نعم ، وظاهر هذه الرواية ان قبول قول الثقة كان امرا مفروغا عنه عند الراوى فسئل عن وثاقة يونس ليترتب عليه اخذ المعالم منه

ويؤيده فى اناطة وجوب القبول بالوثاقة ما ورد فى العمرى (١) او ابنه اللذين هما من النواب والسفراء ففى الكافى فى باب النهى عن التسمية عن الحميرى عن احمد بن إسحاق قال سألت أبا الحسن وقلت له من اعامل وعمن آخذ وقول من اقبل فقال له (ع) العمرى ثقة فما ادى اليك عنى فعنى يؤدى وما قال لك عنى فعنى يقول فاسمع له واطع فانه الثقة المامون واخبرنا احمد بن إسحاق انه سئل أبا محمد عن مثل ذلك فقال له العمرى وابنه ثقتان فما اديا اليك عنى فعنى يؤديان وما قالا لك فعنى يقولان فاسمع لهما واطعهما فانهما الثقتان المأمونان الخبر ، وهذه الطائفة ايضا مشتركة مع الطائفة الاولى فى الدلالة على اعتبار الخبر الثقة المامون

ومنها ما دل على وجوب الرجوع الى الروات والثقات والعلماء على وجه يظهر منه عدم الفرق بين فتواهم بالنسبة الى اهل الاستفتاء وروايتهم بالنسبة الى اهل العمل بالرواية مثل قول الحجة عجل الله فرجه لاسحاق بن يعقوب على ما فى كتاب الغيبة للشيخ واكمال الدين للصدوق والاحتجاج للطبرسى ، واما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الى رواة حديثنا فانهم حجتى عليكم وانا حجة الله عليهم ، فانه لو سلم ان ظاهر الصدر الاختصاص بالرجوع فى حكم الوقائع الى الرواة اعنى الاستفتاء منهم إلّا ان التعليل (٢) بانهم حجته (ع) يدل على وجوب قبول خبرهم ومثل الرواية المحكية عن العدة من قوله (ع) اذا نزلت بكم حادثة لا تجدون حكمها فيما روى عنا

__________________

١ ـ العمرى بفتح العين (ق)

٢ ـ لان عموم العلة يقتضى كونهم حجة مطلقا سواء أكان ذلك فى الفتوى او القضاء او الرواية (م ق)

١٠٥

فانظروا الى ما رووه عن على عليه‌السلام دل على الاخذ بروايات الشيعة وروايات العامة مع عدم وجود المعارض من رواية الخاصة

ومثل ما فى الاحتجاج عن تفسير العسكرى (ع) فى قوله ومنهم اميون لا يعلمون الكتاب الآية ، من انه قال رجل للصادق (ع) فاذا كان هؤلاء القوم من اليهود والنصارى لا يعرفون الكتاب إلّا بما يسمعونه من علمائهم لا سبيل لهم الى غيره فكيف ذمهم بتقليدهم والقبول من علمائهم وهل عوام اليهود إلّا كعوامنا يقلدون علماءهم فان لم يجز لاولئك القبول من علمائهم لم يجز لهولاء القبول من علمائهم فقال (ع) بين عوامنا وعلمائنا وبين عوام اليهود وعلمائهم فرق من جهة وتسوية من جهة ، اما من حيث استووا فان الله تعالى ذم عوامنا بتقليدهم علماءهم كما ذم عوامهم بتقليدهم علماءهم ؛ واما من حيث افترقوا فلا ، قال بين لى يا بن رسول الله قال ان عوام اليهود قد عرفوا علمائهم بالكذب الصريح وباكل الحرام والرشاء وبتغيير الاحكام عن وجهها بالشفاعات والنسابات والمصانعات (١) وعرفوهم بالتعصب الشديد الذى يفارقون به اديانهم وانهم اذا تعصبوا ازالوا حقوق من

__________________

١ ـ المصانعة الرشوة ، ومن تعصبوا له مفعول اول لا عطوا اى اعطوا من تعصبوا له ما لا يستحقه ، وفاعل لا يستحقه هو الضمير المستتر العائد الى الموصول لتقدمه رتبة وان تاخر لفظا واضطروا بمعارف يعنى قد عرفت قلوبهم بالضرورة ان من فعل فعلهم فهو فاسق ، والتكالب الوثوب تقول يتكالبون اى يسرعون ويتواثبون ، والحطام ما تكسر من اليبس ، والترفرف من رفرف الطائر اذا حرك جناحه حول الشىء يريد ان يقع عليه ، فللعوام ان يقلدوه : دلت هذه الفقرة على اعتبار خبر الواحد لان ملاحظة مجموع الرواية تشهد بكون المراد بالتقليد فيها معناه اللغوى دون الاصطلاحى فهو باطلاقه يشمل الاخذ بقول الغير تعبدا مطلقا سواء فى الفتوى ام فى الرواية ، وقوله لتلك اى لتلك الفسقة ، وقوم نصاب النصب المعاداة ومنه الناصب وهو الذى يتظاهر بعداوة اهل البيت (ع) او مواليهم لاجل متابعتهم لهم ، وليتوجهوا الوجه الجاه والقدر والمنزلة (م ق)

١٠٦

تعصبوا عليه واعطوا ما لا يستحقه من تعصبوا له من اموال غيرهم وظلموهم من اجلهم وعلموهم يتعارفون المحرمات واضطروا بمعارف قلوبهم الى ان من فعل ما يفعلونه فهو فاسق لا يجوز ان يصدق على الله تعالى ولا على الوسائط بين الخلق وبين الله تعالى فلذلك ذمهم لما قلدوا من عرفوا ومن علموا انه لا يجوز قبول خبره ولا تصديقه ولا العمل بما يؤديه اليهم عمن لم يشاهدوه لاجلهم ووجب عليهم النظر بانفسهم فى امر رسول الله (ص) اذ كانت دلائله اوضح من ان يخفى واشهر من ان لا تظهر لهم وكذلك عوام امتنا اذا عرفوا من فقهائهم الفسق الظاهر والعصبية الشديدة والتكالب على حطام الدنيا وحرامها واهلاك من يتعصبون عليه وان كان لاصلاح امره مستحقا والترفرف بالبر والاحسان على من تعصبوا له وان كان للاذلال والاهانة مستحقا فمن قلد من عوامنا مثل هؤلاء الفقهاء فهم مثل اليهود الذين ذمهم الله تعالى بالتقليد لفسقة فقهائهم فاما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه حافظا لدينه مخالفا على هواه مطيعا لامر مولاه فللعوام ان يقلدوه ، وذلك لا يكون إلّا بعض فقهاء الشيعة لا جميعهم فاما من ركب من القبائح والفواحش مراكب فسقة فقهاء العامة فلا تقبلوا منهم عنا شيئا ولا كرامة وانما كثر التخليط فيما يتحمل عنا اهل البيت عليه‌السلام لتلك لان الفسقة يتحملون عنا فيحرفونه باسره لجهلهم ويضعون الاشياء على غير وجوهها لقلة معرفتهم وآخرون يتعمدون الكذب علينا ليجروا من عرض الدنيا ما هو زادهم الى نار جهنم ومنهم قوم نصاب لا يقدرون على القدح فينا فيتعلمون بعض علومنا الصحيحة ليتوجهوا عند شيعتنا وينتقضوا بنا عند اعدائنا ثم يضعون اليه اضعافه واضعاف اضعافه من الاكاذيب علينا التى نحن براء منها فيقبله المستسلمون من شيعتنا على انه من علومنا فضلوا واضلوا اولئك اضر على ضعفاء شيعتنا من جيش يزيد لعنهم الله على الحسين بن على انتهى.

دل هذا الخبر الشريف اللائح منه آثار الصدق على جواز قبول قول من عرف بالتحرز عن الكذب وان كان ظاهره اعتبار العدالة بل ما فوقها لكن المستفاد من مجموعه ان المناط فى التصديق هو التحرز من الكذب فافهم ومثل ما عن ابى

١٠٧

الحسن (ع) فيما كتبه جوابا عن السؤال عمن يعتمد عليه فى الدين قال اعتمدا فى دينكما على كل مسن فى حبنا كثير القدم فى امرنا وقوله (ع) فى رواية اخرى لا تاخذن معالم دينك من غير شيعتنا فانك ان تعديتهم اخذت دينك من الخائنين الذين خانوا الله ورسوله وخانوا اماناتهم انهم ائتمنوا على كتاب الله فحرفوه وبدلوه الحديث وظاهرها وان كان الفتوى إلّا ان الانصاف (١) شمولها للرواية بعد التامل كما تقدم فى سابقتها.

ومثل ما فى كتاب الغيبة بسنده الصحيح الى ابى عبد الله الكوفى خادم الشيخ ابى القاسم الحسين بن روح حيث سأله اصحابه عن كتب الشلمغانى (٢) فقال الشيخ اقول فيها ما قاله العسكرى (ع) فى كتب بنى فضال حيث قالوا له ما نصنع بكتبهم وبيوتنا منها ملاء قال خذوا ما رووا وذروا ما رأوا ، فانه دل بمورده على جواز الاخذ بكتب بنى فضال وبعدم الفصل على كتب غيرهم من الثقات ورواياتهم ، ولهذا ان الشيخ الجليل المذكور الذى لا يظن به القول فى الدين بغير السماع من الامام (ع) قال اقول فى كتب الشلمغانى ما قاله العسكرى (ع) فى كتب بنى فضال مع ان هذا الكلام بظاهره قياس باطل ومثل ما ورد مستفيضا فى المحاسن وغيره حديث واحد فى حلال وحرام تأخذه من صادق خير لك من الدنيا وما فيها من ذهب وفضة وفى بعضها ياخذ صادق عن صادق ومثل ما فى الوسائل عن الكشى من انه ورد توقيع على القاسم بن العلى وفيه انه لا عذر لاحد من موالينا فى التشكيك فيما يرويه عنا ثقاتنا قد علموا انا نفاوضهم سرنا ونحمله اليهم ومثل مرفوعة

__________________

١ ـ لفهم المناط وعموم التعليل بالخيانة الشامل للرواية ايضا (ق)

٢ ـ هو محمد بن على الشلمغانى له كتب وروايات وكان مستقيم الطريقة متقدما فى اصحابنا فحمله الحسد لابى القاسم بن روح رض على ترك المذهب والدخول فى المذاهب الردية حتى خرجت فيه توقيعات ، فاخذه السلطان فقتله وصلبه وله فى الكتب التى عملها حال الاستقامة كتاب التكليف رواه المفيد (ق)

١٠٨

الكنانى عن الصادق (ع) فى تفسير قوله (ع) (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) قال هؤلاء قوم من شيعتنا ضعفاء وليس عندهم ما يتحملون به الينا فيستمعون حديثنا ويقتبسون من علمنا فيرحل قوم فوقهم وينفقون اموالهم ويتعبون ابدانهم حتى يدخلوا علينا ويسمعوا حديثنا فينقلوا اليهم فيعيه اولئك ويضيعه هؤلاء فاولئك الذين يجعل الله لهم مخرجا ويرزقهم من حيث لا يحتسبون دل على جواز العمل بالخبر وان نقله من يضيعه ولا يعمل به.

ومنها الاخبار الكثيرة التى يظهر من مجموعها جواز العمل بخبر الواحد وان كان فى دلالة كل واحد على ذلك نظر مثل النبوى المستفيض بل المتواتر انه من حفظ على امتى اربعين حديثا بعثه الله فقيها عالما يوم القيمة قال شيخنا البهائى قده قال فى اول أربعينه ان دلالة هذا الخبر على حجية خبر الواحد لا يقصر عن دلالة آية النفر ومثل الاخبار الكثيرة الواردة فى الترغيب فى الرواية والحث عليها وابلاغ ما فى كتب الشيعة ومثل ما ورد فى شأن الكتب التى دفنوها لشدة التقية فقال (ع) حدثوا بها فانها حق ومثل ما ورد فى مذاكرة الحديث والامر بكتابه مثل قوله للراوى اكتب وبث علمك فى بنى عمك فانه ياتى زمان هرج لا يأنسون إلّا بكتبهم ، ما ورد فى ترخيص ، النقل بالمعنى وما ورد مستفيضا بل متواترا من قولهم (ع) اعرفوا منازل الرجال منا بقدر روايتهم عنا وما ورد من قولهم (ع) لكل رجل منا من يكذب عليه وقوله «ع» ستكثر بعدى القالة وان من كذب على فليتبوأ مقعده من النار وقول ابى عبد الله (ع) انا اهل بيت صديقون لا نخلو من كذاب يكذب علينا وقوله (ع) ان الناس اولعوا بالكذب علينا كان الله افترض عليهم ولا يريد منهم غيره وقوله (ع) لكل منا من يكذب عليه فان بناء المسلمين لو كان على الاقتصار على المتواترات لم يكثر القالة والكذابة والاحتفاف بالقرينة القطعية فى غاية القلة.

الى غير ذلك من الاخبار التى يستفاد من مجموعها رضاء الائمة (ع) بالعمل بالخبر وان

١٠٩

لم يفد القطع وقد ادعى فى الوسائل تواتر الاخبار بالعمل بخبر الثقة إلّا ان القدر المتيقن منها هو خبر الثقة الذى يضعف فيه احتمال الكذب على وجه لا يعتنى به العقلاء وتقبحون التوقف فيه لاجل ذلك الاحتمال كما دل عليه الفاظ الثقة والمامون والصادق وغيرها الواردة فى الاخبار المتقدمة وهى ايضا منصرف اطلاق غيرها ؛ واما العدالة فاكثر الاخبار المتقدمة خالية عنها ، بل فى كثير منها التصريح بخلافه مثل رواية العدة الآمرة بالاخذ بما رووه عن على عليه‌السلام والواردة فى كتب بنى فضال ومرفوعة الكنانى وتاليها نعم فى غير واحد منها حصر المعتمد فى اخذ معالم الدين فى الشيعة ، لكنه محمول على غير الثقة او على اخذ الفتوى جميعا بينها وبين ما هو اكثر منها وفى رواية بنى فضال شهادة (١) على هذا الجمع ، مع ان تعليل النهى فى ذيل الرواية بانهم مما خانوا الله ورسوله يدل على انتفاء النهى عند انتفاء الخيانة المكشوف عنه بالوثاقة فان الغير الامامى الثقة مثل ابن فضال وابن بكيم ليسوا خائنين فى نقل الرواية وسيأتى توضيحه عند ذكر الاجماع (إن شاء الله؟؟؟).

واما الاجماع فتقريره من وجوه احدها الاجماع على حجية خبر الواحد فى مقابل السيد واتباعه وطريق تحصيله احد وجهين على سبيل منع الخلو احدهما تتبع اقوال العلماء من زماننا الى زمان الشيخين فيحصل من ذلك القطع بالاتفاق الكاشف عن رضا المعصوم «ع» بالحكم او عن وجود نص معتبر فى المسألة ولا يعتنى بخلاف السيد واتباعه لعدم اعتبار اتفاق الكل فى الاجماع على طريق المتاخرين المبنى على الحدس والثانى تتبع الاجماعات المنقولة فى ذلك فمنها ما حكى عن الشيخ (قده) فى العدة فى هذا المقام حيث قال واما ما اخترته من المذهب فهو ان الخبر الواحد اذا كان واردا من طريق اصحابنا القائلين بالامامة وكان ذلك مرويا عن النبى (ص) أو عن أحد الأئمة ع وكان ممن لا يطعن فى روايته ويكون سديدا فى نقله ولم يكن هناك

__________________

١ ـ من حيث امره (ع) بالاخذ برواياتهم وترك آرائهم وقوله مع ان التعليل انتهى فى سابق رواية عبد الله الكوفى خادم الشيخ ابى القاسم بن روح رض (ق)

١١٠

قرينة تدل على صحة ما تضمنه الخبر لانه اذا كان هتاك قرينة تدل على صحة ذلك كان الاعتبار بالقرينة وكان ذلك موجبا للعلم كما تقدمت القرائن جاز العمل به والذى يدل على ذلك اجماع الفرقة المحقة فانى وجدتها مجمعة على العمل بهذه الاخبار التى رووها فى تصانيفهم ودونوها فى اصولهم لا يتناكرون ذلك ولا يتدافعون حتى ان واحدا منهم اذا افتى بشيء لا يعرفونه سألوه من اين قلت هذا فاذا احالهم على كتاب معروف او اصل مشهور وكان راويه ثقة لا ينكر حديثه سكتوا وسلموا الامر وقبلوا قوله هذه عادتهم وسجيتهم من عهد النبى (ص) ومن بعده من الائمة عليهم‌السلام الى زمان جعفر بن محمد (ع) الذى انتشر عنه العلم وكثرت الرواية من جهته

فان قيل كيف تدعون الاجماع الفرقة المحقة على العمل بخبر الواحد ، والمعلوم من حالها انها لا ترى العمل بخبر الواحد كما ان من المعلوم انها لا ترى العمل بالقياس فان جاز ادعاء احدهما جاز ادعاء الآخر ، قيل المعلوم من حالها الذى لا ينكر انهم لا يرون العمل بخبر الواحد الذى يرويه مخالفوهم فى الاعتقاد ويختصون بطريقه فاما ما كان رواته منهم وطريقه اصحابهم فقد بينا ان المعلوم خلاف ذلك وبينا الفرق بين ذلك وبين القياس وانه لو كان معلوما حظر العمل بالخبر الواحد لجرى مجرى العمل بحظر القياس وقد علم خلاف ذلك على ان الذين اشير اليهم فى السؤال اقوالهم متميزة بين اقوال الطائفة المحقة وقد علمنا انهم لم يكونوا أئمة معصومين

ثم قال بعد ذلك فان قيل كيف تعملون بهذه الاخبار ونحن نعلم ان رواتها كما رووها رووا ايضا اخبار الجبر والتفويض وغير ذلك من الغلو والتناسخ وغير ذلك من المناكير فكيف يجوز الاعتماد على ما يرويه وامثال هؤلاء قلنا لهم ليس كل الثقات نقل حديث الجبر والتشبيه ، ولو صح انه نقل لم يدل على انه كان معتقدا لما تضمنه الخبر ولا يمتنع ان يكون انما رواه ليعلم انه لم يشد عنه شيء من الروايات لا لانه معتقد ذلك ونحن لم نعتمد على مجرد نقلهم ، فان قيل كيف تعولون على هذه الروايات واكثر رواتها المجبرة والمشبهة و

١١١

المقلدة والغلات والواقفية والفتحية وغير هؤلاء من فرق الشيعة المخالفة للاعتقاد الصحيح ومن شرط خبر الواحد ان يكون راويه عدلا عند من اوجب العمل به وان عولتم على عملهم دون روايتهم فقد وجدناهم عملوا بما طريقه هؤلاء الذين ذكرناهم وذلك يدل على جواز العمل باخبار الكفار والفساق قيل لهم لسنا نقول ان جميع اخبار الآحاد يجوز العمل بها بل لها شرائط نذكرها فيما بعد اهمها كفاية الوثاقة فى العمل بالخبر

ثم قال فان قيل ما انكرتم ان يكون الذين اشرتم اليهم لم يعملوا بهذه الاخبار لمجردها بل انما عملوا بها لقرائن اقترنت بها دلتهم على صحتها ولاجلها عملوا بها ولو تجردت لما عملوا بها واذا جاز ذلك لم يمكن الاعتماد على عملهم بها (قيل لهم القرائن التى تقترن بالخبر وتدل على صحته اشياء مخصوصة نذكرها فيما بعد من الكتاب والسنة والاجماع والتواتر ونحن نعلم ليس في جميع المسائل التى استعملوا فيها اخبار الآحاد ذلك لانها اكثر من ان تحصى موجودة فى كتبهم وتصانيفهم وفتاويهم لانه ليس فى جميعها يمكن الاستدلال بالقرآن لعدم ذكر ذلك فى صريحه وفحواه او دليله ومعناه ولا بالسنة المتواتر لعدم ذكر ذلك فى اكثر الاحكام بل وجودها فى مسائل معدودة ولا باجماع لوجود الاختلاف فى ذلك فعلم ان دعوى القرائن فى جميع ذلك دعوى محالة

ثم اخذ فى الاستدلال ثانيا على جواز العمل بهذه الاخبار بانا وجدنا اصحابنا مختلفين فى المسائل الكثيرة فى جميع ابواب الفقه ، وكل منهم يستدل ببعض هذه الاخبار ولم يعهد من احد منهم تفسيق صاحبه وقطع المودة عنه فدل ذلك على جوازه عندهم ثم استدل ثالثا على ذلك بان الطائفة وضعت الكتب لتمييز الرجال الناقلين لهذه الاخبار وبيان احوالهم من حيث العدالة والفسق والموافقة فى المذاهب والمخالفة وبيان من يعتمد على حديثه ومن لا يعتمد واستثنوا الرجل من جملة ما رووه فى التصانيف ، وهذه عادتهم من قديم الوقت الى حديثه فلو لا جواز العمل برواية من سلم عن الطعن لم يكن فائدة لذلك كله

١١٢

انتهى المقصود من كلامه زاد الله فى علو مقامه وقد اتى فى الاستدلال على هذا المطلب بما لا مزيد عليه فشكر الله سعيه

ثم انه لا يبعد وقوع التدافع بين دعوى الشيخ ره الاجماع على جواز العمل ودعوى السيد ره الاجماع على عدم جوازه مع كونهما معاصرين خبيرين بمذهب الاصحاب فكم من مسئلة فرعية وقع الاختلاف بينهما فى دعوى الاجماع فيها ويمكن الجمع بينهما بان مراد السيد من العلم الذى ادعاه فى صدق الاخبار هو مجرد الاطمينان فان المحكى عنه فى تعريف العلم انه ما اقتضى سكون النفس وهو الذى ادعى بعض الاخباريين ان مرادنا بالعلم بصدور الاخبار هو هذا المعنى لا اليقين الذى لا يقبل الاحتمال رأسا فمراد الشيخ من تجرد هذه الاخبار عن القرائن تجردها عن القرائن الاربع التى ذكرها اولا وهى موافقة الكتاب او السنة او الاجماع او دليل العقل ومراد السيد من القرائن التى ادعى احتفاف اكثر الاخبار بها هى الامور الخارجية الموجبة للوثوق بالراوى او بالرواية بمعنى سكون النفس بهما وركونها اليهما وحينئذ فيحمل انكار الامامية للعمل بخبر الواحد على انكارهم للعمل به تعبدا او لمجرد حصول رجحان بصدقه على ما يقوله المخالفون

والانصاف انه لم يتضح من كلام الشيخ دعوى الاجماع على ازيد من الخبر الموجب لسكون النفس ولو بمجرد وثاقة الراوى وكونه سديدا فى نقله لم يطعن فى روايته ولعل هذا الوجه احسن وجوه الجمع بين كلامى الشيخ والسيد خصوصا مع ملاحظة تصريح السيد قده فى كلامه بان اكثر الاخبار متواترة او محفوفة بالقرائن وتصريح الشيخ قده فى كلامه المتقدم بانكار ذلك وممن نقل الاجماع على حجية اخبار الآحاد السيد الجليل رضى الدين ابن طاوس ره والعلامة فى النهاية والمحدث المجلسى فى بعض رسائله

ثم ان دعوى الاجماع صريحا على العمل باخبار الآحاد وان لم نطلع عليها صريحة

١١٣

فى كلام غير الشيخ وابن طاوس والعلامة والمجلسى رضى الله عنه إلّا ان هذه الدعوى منهم مقرونة بقرائن تدل على صحتها وصدقها وهى دعوى عدة من الاصحاب الاتفاق على العمل بخبر الواحد واذا ضممت الى ذلك كله ذهاب معظم الاصحاب بل كلهم عدا السيد واتباعه من زمان الصدوق الى زماننا هذا الى حجية الخبر الغير العلمى حتى ان الصدوق تابع فى التصحيح والرد لشيخه ابن الوليد وان ما صححه فهو صحيح وان ما رده فهو مردود كما صرح به فى صلاة الغدير وفى الخبر الذى رواه فى العيون عن كتاب الرحمة ثم ضممت الى ذلك ظهور عبارة اهل الرجال فى تراجم كثيرة من الرواة فى كون العمل بالخبر الغير العلمى مسلما عندهم مثل قولهم فلان لا يعتمد على ما ينفرد به وفلان مسكون فى روايته وفلان صحيح الحديث والطعن فى بعض بانه يعتمد الضعفاء والمراسيل وغير ذلك وضممت الى ذلك ما يظهر من بعض أسئلة الروايات السابقة من ان العمل بالخبر الغير العلمى كان مفروغا عنه عند الرواة تعلم علما يقينا صدق ما ادعاه الشيخ من اجماع الطائفة

والانصاف انه لم يحصل فى مسئلة يدعى فيها الاجماع من الاجماعات المنقولة والشهرة العظيمة والامارات الكثيرة الدالة على العمل ما حصل فى هذه المسألة فالشاك فى تحقق الاجماع فى هذه المسألة لا اراه يحصل له الاجماع فى مسئلة من المسائل الفقهية. اللهم الا فى ضروريات المذهب ، لكن الانصاف ان المتيقن من هذا كله الخبر المفيد للاطمينان لا مطلق الظن ولعله مراد السيد من العلم كما اشرنا اليه آنفا بل قيل ان مراد السيد من خبر الواحد الشاذ النادر الذى لم يعمل به احد او ندر من يعمل به

الثانى من وجوه تقرير الاجماع استقرار سيرة المسلمين طرا على استفادة الاحكام الشرعية من اخبار الثقات المتوسطة بينهم وبين الامام (ع) او المجتهد أترى ان المقلدين يتوقفون فى العمل بما يخبرهم الثقة عن المجتهد او الزوجة تتوقف فيما يحكيه زوجها من المجتهد فى مسائل حيضها وما يتعلق بها الى ان يعلموا من المجتهد تجويز العمل بالخبر الغير العلمى وهذا مما لا شك فيه ودعوى حصول القطع لهم فى

١١٤

جميع الموارد بعيدة عن الانصاف نعم المتيقن من ذلك صورة حصول الاطمينان بحيث لا يعتنى باحتمال الخلاف

الثالث استقرار طريقة العقلاء طرا على الرجوع بخبر الثقة فى امورهم العادية ومنها الاوامر الجارية (١) من الموالى الى العبيد فنقول ان الشارع ان اكتفى بذلك منهم فى الاحكام الشرعية فهو وإلّا وجب عليه ردعهم وتنبيههم على بطلان سلوك هذا الطريق فى الاحكام الشرعية كما ردع فى مواضع خاصة وحيث لم يردع علم منه رضاه بذلك لان اللازم فى باب الاطاعة والمعصية الاخذ بما يعد طاعة فى العرف وترك ما يعد معصية كذلك ، فان قلت يكفى فى ردعهم الآيات المتكاثرة والاخبار المتظافرة بل المتواترة على حرمة العمل بما عدا العلم ، قلت قد عرفت انحصار دليل حرمة العمل بما عدا العلم فى امرين وان الآيات والاخبار راجعة الى احدهما

الاول ان العمل بالظن والتعبد به من دون توقيف من الشارع تشريع محرم بالادلة الاربعة والثانى ان فيه طرحا لادلة الاصول العملية واللفظية التى اعتبرها الشارع عند عدم العلم بخلافها وشيء من هذين الوجهين لا يوجب ردعهم عن العمل لكون حرمة العمل بالظن من اجلهما مركوزا فى ذهن العقلاء لان حرمة التشريع ثابت عندهم والاصول العملية واللفظية معتبرة عندهم مع عدم الدليل على الخلاف ومع ذلك نجد بنائهم على العمل بالخبر الموجب للاطمينان والسر فى ذلك عدم جريان الوجهين المذكورين بعد استقرار سيرة العقلاء على العمل بالخبر لانتفاء تحقق التشريع مع بنائهم على سلوكه فى مقام الاطاعة والمعصية فان الملتزم بفعل ما اخبر الثقة بوجوبه وترك ما اخبر بحرمته لا يعد مشرعا (٢) بل لا يشكون فى كونه مطيعا ولذا يعولون عليه فى

__________________

١ ـ حاصله ان امر المولى اذا وصل الى عبد بخبر ثقة وترك امتثاله معتذرا بعدم علمه به ذمه العقلاء ، ولم يسمع اعتذاره بذلك وهذه الطريقة جارية بين جميع اهل الاديان وغيرهم من ذوى الالباب (م ق)

٢ ـ لان التشريع هو ادخال ما ليس من الدين فيه ، او ما شك فى كونه من الذين

١١٥

او امرهم العرفية من الموالى الى العبيد مع ان قبح التشريع عند العقلاء لا يختص بالاحكام الشرعية

واما الاصول المقابلة للخبر فلا دليل على جريانها فى مقابل خبر الثقة لان الاصول التى مدركها حكم العقل لا الاخبار لقصورها عن افادة اعتبارها كالبراءة والاحتياط والتخيير لا اشكال فى عدم جريانها فى مقابل خبر الثقة بعد الاعتراف ببناء العقلاء على العمل به فى احكامهم العرفية لان نسبة العقل (١) فى حكمه بالعمل بالاصول المذكورة الى الاحكام الشرعية والعرفية سواء واما الاستصحاب فان اخذ من العقل فلا اشكال فى انه لا يفيد الظن فى المقام وان اخذ من الاخبار فغاية الامر (٢) حصول الوثوق بصدورها دون اليقين واما الاصول اللفظية كالاطلاق والعموم فليس بناء اهل اللسان على اعتبارها حتى فى مقام وجود الخبر الموثوق به فى مقابلها فتامل

الرابع من وجوه تقرير الاجماع ما ذكره العلامة فى النهاية من اجماع الصحابة على العمل بخبر الواحد من غير نكير وقد ذكر فى النهاية مواضع كثيرة عمل فيها الصحابة بخبر الواحد اذ لو كان عملهم منكرا لم يترك الامام بل ولا اتباعه النكير على العاملين اظهارا للحق وان لم يظنوا الارتداع اذ ليست هذه المسألة باعظم من مسئلة الخلافة التى انكرها عليهم من انكر لاظهار الحق ودفعا لتوهم دلالة السكوت على الرضا

__________________

ـ فيه ، ولا ريب ان كيفية امتثال الاحكام موكولة الى العرف ومع بناء العقلاء على الاعتماد فى امتثالها بخبر الثقة بمعنى اقتناعهم فى امتثالها بثبوتها به لا يتحقق التشريع لحصول الامتثال بطريق معتبر (م ق)

١ ـ فكما انه لا سبيل الى حكم العقل بمقتضى الاصول فى الاحكام العرفية فى مقابل خبر الثقة كذلك فى الاحكام الشرعية (م ق).

٢ ـ يعنى ان العمل بالاستصحاب (ح) فى مقابل خبر الثقة ترجح بلا مرجح لفرض كون مرجعه الى العمل بالخبر الموثوق الصدور (م ق)

١١٦

الرابع دليل العقل وهو من وجوه بعضها يختص باثبات حجية خبر الواحد وبعضها يثبت حجية الظن مطلقا او فى الجملة فيدخل فيه الخبر اما الاول فهو ما اعتمدته سابقا من انه لا شك للمتتبع فى احوال الرواة المذكورة فى تراجمهم فى كون اكثر الاخبار بل جلها الا ما شذ وندر صادرة عن الائمة عليهم‌السلام ، وهذا يظهر بعد التأمل فى كيفية ورودها الينا وكيفية اهتمام ارباب الكتب (١) من المشايخ الثلاثة ومن تقدمهم فى تنقيح ما او دعوه فى كتبهم وعدم الاكتفاء باخذ الرواية من كتاب وايداعها فى تصانيفهم حذرا من كون ذلك الكتاب مدسوسا فيه من بعض الكذابين.

__________________

١ ـ فقد حكى عن احمد بن محمد بن عيسى انه قال جئت الى الحسن بن على الوشاء وسألته ان يخرج الى كتابا لعلاء بن رزين وكتابا لابن عثمان الاحمر فاخرجهما فقلت احب ان اسمعهما فقال لى رحمك الله ما اعجلك اذهب فاكتبهما واسمع من بعد فقلت له لا آمن الحدثان فقال لو علمت ان الحديث يكون له هذا الطلب لاستكثرت منه فانى قد ادركت فى هذا المسجد مائة شيخ كل يقول حدثنى جعفر بن محمد عليهما‌السلام وعن حمدويه عن ايوب بن نوح انه دفع اليه دفترا فيه احاديث محمد بن سنان فقال ان شئتم ان تكتبوا ذلك فافعلوا فانى كتبت عن محمد بن سنان ولكن لا اروى لكم عنه شيئا فانه قال قبل موته كل ما حدثتكم به فليس بسماع ولا برواية وانما وجدته فانظر كيف احتاطوا فى الرواية عمن لم يسمع من الثقات وانما وجد فى الكتب وكفاك شاهدا ان على بن الحسن بن فضال لم يرو كتب ابيه الحسن عنه مع مقابلتها عليه وانما يرويها عن اخويه احمد ومحمد عن ابيه واعتذر عن ذلك بانه يوم مقابلته الحديث مع ابيه كان صغير السن ليس له كثير معرفة بالروايات فقرأها على أخويه ثانيا ، والحاصل ان الظاهر انحصار مدارهم على ابداع ما سمعوه من صاحب الكتاب او ممن سمعه منه فلم يكونوا يودعون الا ما سمعوا ولو بوسائط من صاحب الكتاب ولو كان معلوم الانتساب مع اطمينانهم بالوسائط وشدة وثوقهم بهم حتى انهم ربما كانوا يتبعونهم فى تصحيح الحديث وردّه كما

١١٧

والداعى الى شدة الاهتمام مضافا الى كون تلك الروايات اساس الدين وبها قوام شريعة سيد المرسلين ولذا قال الامام عليه‌السلام فى شأن جماعة من الرواة لو لا هؤلاء لاندرست آثار النبوة وان الناس لا يرضون بنقل ما لا يوثق به فى كتبهم المؤلفة فى التواريخ التى لا يترتب على وقوع الكذب فيها اثر دينى بل ولا دنيوى فكيف فى كتبهم المؤلفة لرجوع من ياتى اليها فى امور الدين على ما اخبرهم الامام عليه‌السلام بانه ياتى على الناس زمان هرج لا يانسون الا بكتبهم وعلى ما ذكره الكلينى فى ديباجة الكافى من كون كتابه مرجعا لجميع من ياتى بعد ذلك ما تنبهوا له ونبههم عليه الائمة عليهم‌السلام من ان الكذابة كانوا يدسون الاخبار المكذوبة فى كتب اصحاب الائمة كما يظهر من الروايات الكثيرة منها انه عرض يونس بن عبد الرحمن على سيدنا ابى الحسن الرضا (ع) كتب جماعة من اصحاب الباقر والصادق «ع» فانكر منها احاديث كثيرة ان يكون من احاديث ابى عبد الله عليه‌السلام وقال ان أبا الخطاب كذب على ابى عبد الله وكذلك اصحاب ابى

__________________

ـ اتفق للصدوق بالنسبة الى شيخه ابن الوليد قدس‌سرهما ، وربما كانوا لا يثقون بمن يوجد فيه قدح بعبد التدخلية فى الصدق ولذا حكى عن جماعة منهم التحرز عن الرواية عمن يروى عن الضعفاء ويعتمد المراسيل وان كان ثقة فى نفسه كما اتفق بالنسبة الى البرقى بل يتحرزون عن الرواية عمن يعمل بالقياس مع ان عمله لا دخل له بروايته كما اتفق بالنسبة الى الاسكافى حيث ذكر فى ترجمته انه كان يرى القياس فيترك رواياته لاجل ذلك وكانوا يتوقفون فى روايات من كان على الحق فعدل عنه وان كانت كتبه ورواياته حال الاستقامة حتى اذن لهم الامام (ع) او نائبه كما سألوا العسكرى (ع) عن كتب بنى فضال وقالوا ان بيوتنا منها مليء فاذن (ع) لهم وسألوا الشيخ أبا لقاسم بن روح عن كتب ابن ابى عذافر التى صنفها قبل الارتداد عن مذاهب الشيعة حتى اذن لهم الشيخ فى العمل بها ، والحاصل ان الامارات الكاشفة عن اهتمام اصحابنا فى تنقيح الاخبار فى الازمنة المتأخرة عن زمان الرضا (ع) اكثر من ان تحصى للمتتبع (منه)

١١٨

الخطاب يدسون الاحاديث الى يومنا هذا فى كتب اصحاب ابى عبد الله.

وظهر مما ذكرنا ان ما علم اجمالا من الاخبار الكثيرة من وجود الكذا بين ووضع الحديث فهو انما كان قبل زمان مقابلة الحديث وتدوين علمى الحديث والرجال بين اصحاب الائمة مع ان العلم بوجود الاخبار المكذوبة انما ينافى دعوى القطع بصدور الكل التى ينسب الى بعض الاخباريين او دعوى الظن بصدور جميعها ولا ينافى ذلك ما نحن بصدده من دعوى العلم الاجمالى بصدور اكثرها او كثير منها ، بل هذه دعوى بديهية. فإذا ثبت العلم الإجمالي بوجود الأخبار الصادرة فيجب بحكم العقل العمل بكل خبر مظنون الصدور لأن تحصيل الواقع الذي يجب العمل به إذا لم يكن على وجه العلم تعين المصير إلى الظن في تعيينه توصلا إلى العمل بالأخبار الصادرة.

والجواب عنه ان وجوب العمل بالاخبار الصادرة انما هو لاجل وجوب امتثال احكام الله الواقعية المدلول عليها بتلك الاخبار فالعمل بالخبر الصادر عن الامام (ع) انما يجب من حيث كشفه عن حكم الله الواقعى فحينئذ نقول ان العلم الاجمالى ليس مختصا بهذه الاخبار بل نعلم اجمالا بصدور احكام كثيرة عن الائمة لوجود تكاليف كثيرة وحينئذ فاللازم او لا الاحتياط ومع تعذره او تعسره او قيام الدليل على عدم وجوبه يرجع الى ما افاد الظن بصدور الحكم الشرعى التكليفى عن الحجة (ع) سواء كان المفيد للظن خبرا او شهرة او غيرهما فهذا الدليل لا يفيد حجية خصوص الخبر وانما يفيد حجية كل ما ظن منه بصدور الحكم عن الحجة وان لم يكن خبرا.

فان قلت المعلوم صدور كثير من هذه الاخبار التى بايدينا ، واما صدور الاحكام المخالفة للاصول غير مضمون هذه الاخبار فهو غير معلوم لنا ولا مظنون ، قلت العلم الاجمالى وان كان حاصلا فى خصوص هذه الروايات التى بايدينا إلّا ان العلم الاجمالى حاصل ايضا فى مجموع ما بايدينا من الاخبار ومن الامارات الأخر المجردة عن الخبر التى بايدينا المفيدة للظن بصدور الحكم عن الامام (ع) وليست هذه الامارات خارجة عن اطراف العلم الاجمالى الحاصل فى المجموع بحيث يكون العلم الاجمالى فى المجموع مستندا الى بعضها وهى الاخبار

١١٩

الحاصل ولذا لو فرضنا عزل طائفة من هذه الاخبار وضممنا الى الباقى مجموع الامارات الأخر كان العلم الاجمالى بحاله فهنا علم اجمالى فى الاخبار وعلم اجمالى حاصل بملاحظة مجموع الاخبار وساير الامارات المجردة عن الخبر فالواجب مراعات العلم الاجمالى الثانى وعدم الاقتصار على مراعات الاول.

نظير ذلك ما اذا علمنا اجمالا بوجود شياة محرمة فى قطيع غنم بحيث يكون نسبته الى كل بعض منها كنسبته الى البعض الآخر وعلمنا ايضا بوجود شياة محرمة فى خصوص طائفة خاصة من تلك الغنم بحيث لو لم يكن من الغنم الا هذه علم اجمالا بوجود الحرام فيها ايضا والكاشف عن ثبوت العلم الاجمالى فى المجموع ما اشرنا اليه سابقا من انه لو عزلنا من هذا الطائفة الخاصة التى علم بوجود الحرام فيها قطعة توجب انتفاء العلم الاجمالى فيها وضممنا اليها مكانها باقى الغنم حصل العلم الاجمالى بوجود الحرام فيها ايضا وحينئذ فلا بد من ان نجرى حكم العلم الاجمالى فى تمام الغنم اما بالاحتياط او بالعمل بالمظنة لو بطل وجوب الاحتياط وما نحن فيه من هذا القبيل ، ودعوى ان سائر الامارات المجردة لا مدخل لها فى العلم الاجمالى وان هنا علما اجماليا واحدا بثبوت الواقع بين الاخبار خلاف الانصاف.

واما الثانى اعنى الادلة التى اقاموها على حجية الظن من غير خصوصية للخبر يقتضيها نفس الدليل وان اقتضاها امر آخر وهو كون الخبر مطلقا او خصوص قسم منه متيقن الثبوت من ذلك الدليل اذا فرض انه لا يثبت إلّا الظن فى الجملة ولا يثبته كلية فمنها ان فى مخالفة المجتهد لما ظنه من الحكم الوجوبى او التحريمى مظنة للضرر ودفع الضرر المظنون لازم اما الصغرى فلان الظن بالوجوب ظن باستحقاق العقاب على الترك كما ان الظن بالحرمة ظن باستحقاق العقاب على الفعل او لان الظن بالوجوب ظن بوجود المفسدة فى الترك كما ان الظن بالحرمة ظن بالمفسدة فى الفعل بناء على قول العدلية بتبعية الاحكام للمصالح والمفاسد.

١٢٠