الرسائل الجديدة والفرائد الحديثة

الشيخ علي المشكيني

الرسائل الجديدة والفرائد الحديثة

المؤلف:

الشيخ علي المشكيني


الموضوع : أصول الفقه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٣٥

مخالف للواقع قطعا واى فرق بين قوله عليه‌السلام اقرار العقلاء على انفسهم جائز وبين ادلة حل ما لم يعرف كونه حراما حتى ان الاول يعم الاقرارين المعلوم مخالفة احدهما للواقع ، والثانى لا يعم الشيئين المعلوم حرمة احدهما

وكذلك لو تداعيا عينا فى موضع يحكم بتنصيفهما بينهما مع العلم بانها ليست إلّا لاحدهما ، وذكروا ايضا فى باب الصلح انه لو كان لاحد الودعيين درهم وللآخر درهمان فتلف عند الودعى احد الدراهم فانه يقسم احد الدرهمين الباقيين بين المالكين مع العلم الاجمالى بان دفع احد النصفين دفع للمال الى غير صاحبه وكذا لو اختلف المتبايعان فى المبيع او الثمن (١) وحكم بالتحالف وانفساخ البيع فانه يلزم مخالفة العلم الاجمالى بل التفصيلى فى بعض الفروض كما لا يخفى

قلت اما الشبهة الغير المحصورة فسيجيء الكلام فيها واما الحاكم فوظيفته اخذ ما يستحقه المحكوم له على المحكوم عليه بالاسباب الظاهرية كالاقرار والحلف والبينة وغيرها فهو قائم مقام المستحق فى اخذ حقه ولا عبرة بعلمه الاجمالى ، نظير ذلك ما اذا اذن المفتى لكل واحد من واجدى المنى فى الثوب المشترك فى دخول المسجد فانه انما ياذن كلا منهما بملاحظة تكليفه فى نفسه فلا يقال انه يلزم من ذلك اذن الجنب فى دخول المسجد وهو حرام واما غير الحاكم ممن اتفق له اخذ المالين من المستحقين المقر لهما فى مسئلة الاقرار فلا نسلم جواز اخذه لهما بل ولا لشيء منهما إلّا اذا قلنا بان ما يأخذه منهما يعامل معه معاملة الملك الواقعى نظير ما يملكه ظاهرا بتقليد او اجتهاد يخالف لمذهب من يريد ترتيب الآثار

__________________

١ ـ بان اختلفا فى كون المبيع بدينار عبدا او جارية او اختلفا فى كون العبد بيع بدينار او عشرة دراهم ، فالحكم بالانفساخ ورد الدينار الى المشترى مخالفة للعلم التفصيلى ، ورد المبيعين الى البائع مخالفة للعلم الاجمالى وعلى عكس ذلك مثال الاختلاف فى الثمن (شرح)

٢٢١

بناء على ان العبرة فى ترتيب آثار الموضوعات الثابتة فى الشريعة كالملكية والزوجية وغيرهما بصحتها عند المتلبس بها كالمالك والزوجين ما لم يعلم تفصيلا من يريد ترتيب الاثر خلاف ذلك ولذلك قيل بجواز الاقتداء فى الظهرين بواجدى المنى فى صلاة واحدة بناء على ان المناط فى صحة الاقتداء الصحة عند المصلى ما لم يعلم تفصيلا فساده ، واما مسئلة الصلح فالحكم فيها تعبدى وكانه صلح قهرى بين المالكين او يحمل على حصول الشركة بالاختلاط وقد ذكر بعض الاصحاب ان مقتضى القاعدة الرجوع الى القرعة

وبالجملة فلا بد من التوجيه فى جميع ما توهم جواز المخالفة القطعية الراجعة الى طرح دليل شرعى لانها كما عرفت مما يمنع عنها العقل والنقل خصوصا اذا قصد من ارتكاب المشتبهين التوصل الى الحرام ؛ هذا مما لا تأمل فيه ومن يظهر منه جواز الارتكاب فالظاهر انه قصد غير هذه الصورة ومنه يظهر ان الزام القائل بالجواز بان تجويز ذلك يفضى الى امكان التوصل الى فعل جميع المحرمات على وجه مباح بان يجمع بين الحلال والحرام المعلومين تفصيلا كالخمر والخل على وجه يوجب الاشتباه فيرتكبهما محل النظر خصوصا على ما مثل به من الجمع بين الاجنبية والزوجة

هذا كله فيما اذا كان الحرام المشتبه عنوانا واحدا مرددا بين امرين واما اذا كان مرددا بين عنوانين كما مثلنا سابقا بالعلم الاجمالى بان احد المائعين اما خمرا والآخر مغصوب فالظاهر ان حكمه كذلك اذ لا فرق فى عدم جواز المخالفة للدليل الشرعى بين كون ذلك الدليل معلوما بالتفصيل وكونه معلوما بالاجمال فان من ارتكب الإناءين فى المثال يعلم بانه خالف دليل حرمة الخمر او دليل حرمة المغصوب ولذا لو كان اناء واحدا مرددا بين الخمر والمغصوب لم يجز ارتكابه مع انه لا يلزم منه الا مخالفة احد الدليلين لا بعينه وليس ذلك إلّا من جهة ان مخالفة الدليل الشرعى محرم عقلا وشرعا سواء تعين للمكلف او تردد بين دليلين

٢٢٢

اما المقام الثانى فالحق فيه وجوب الاجتناب عن كلا المشتبهين وفاقا للمشهور وفى ك انه مقطوع به فى كلام الاصحاب ونسبه المحقق البهبهانى فى فوائده الى الاصحاب وعن المحقق المقدس الكاظمى فى شرح الوافية دعوى الاجماع صريحا وذهب جماعة الى عدم وجوبه وحكى عن بعض القرعة لنا على ما ذكرنا انه اذا ثبت كون ادلة تحريم المحرمات شاملة للمعلوم اجمالا ولم يكن هنا مانع عقلى او شرعى من تنجز التكليف به لزم بحكم العقل التحرز عن ارتكاب ذلك المحرم بالاجتناب عن كلا المشتبهين

وبعبارة اخرى التكليف بذلك المعلوم اجمالا ان لم يكن ثابتا جازت المخالفة القطعية والمفروض فى هذا المقام التسالم على حرمتها وان كان ثابتا وجب الاحتياط فيه بحكم العقل اذ يحتمل ان يكون ما يرتكبه من المشتبهين هو الحرام الواقعى فيعاقب عليه لان المفروض لما كان ثبوت التكليف بذلك المحرم لم يقبح العقاب عليه اذا اتفق ارتكابه ولو لم يعلم حين الارتكاب واختبر ذلك من حال العبد اذا قال له المولى اجتنب وتحرز عن الخمر المردد بين هذين الإناءين فانك لا تكاد ترتاب فى وجوب الاحتياط ولا فرق بين هذا الخطاب وبين ادلة المحرمات الثابتة فى الشريعة الا العموم والخصوص.

فان قلت اصالة الحل فى كلا المشتبهين جارية فى نفسها ومعتبرة لو لا المعارض وغاية ما يلزم فى المقام تعارض الاصلين فيتخير فى العمل باحد المشتبهين ولا وجه لطرح كليهما.

قلت اصالة الحل غير جارية هنا بعد فرض كون المحرم الواقعى مكلفا بالاجتناب عنه منجزا على ما هو مقتضى الخطاب بالاجتناب عنه لان مقتضى العقل فى الاشتغال اليقينى بترك الحرام الواقعى هو الاحتياط والتحرز عن كلا المشتبهين حتى لا يقع فى محذور فعل الحرام وهو معنى المرسل المروى فى بعض كتب الفتاوى اترك ما لا بأس به حذرا عما به البأس فلا يبقى مجال للاذن فى فعل احدهما وسيجيء فى باب الاستصحاب

٢٢٣

ايضا ان الحكم فى تعارض كل اصلين اذا لم يكن احدهما حاكما على الآخر هو التساقط لا التخيير

فان قلت قوله كل شيء لك حلال حتى تعرف انه حرام او نحوه يستفاد منه حلية المشتبهات بالشبهة المجردة عن العلم الاجمالى جميعا وحلية الشبهات المقرونة بالعلم الاجمالى على البدل لان الرخصة فى كل شبهة مجردة لا ينافى الرخصة فى غيرها لاحتمال كون الجميع حلالا فى الواقع فالبناء على كون هذا المشتبه بالخمر خلا لا ينافى البناء على كون المشتبه الآخر خلا واما الرخصة فى شبهة مقرونة بالعلم الاجمالى والبناء على كونه خلا لما يستلزم وجوب البناء على كون المحرم هو المشتبه الآخر فلا يجوز الرخصة فيه جميعا نعم يجوز الرخصة فيه بمعنى جواز ارتكابه والبناء على ان المحرم غيره

قلت الظاهر من الاخبار المذكورة (١) البناء على حلية محتمل التحريم والرخصة فيه لا وجوب البناء على كونه هو الموضوع المحلل ولو سلم فظاهرها البناء على كونه كل مشتبه كذلك وليس الامر بالبناء على كون احد المشتبهين هو الخل امرا بالبناء على كون الآخر هو الخمر فليس فى الروايات من البدلية عين ولا اثر فتدبر.

احتج من جوز ارتكاب ما عدا مقدار الحرام ومنع عنه بما دل من الاخبار على جواز تناول الشبهة المحصورة فيجمع بينه على تقدير ظهوره فى جواز تناول الجميع وبين ما دل على تحريم العنوان الواقعى بان الشارع جعل بعض المحتملات بدلا عن الحرام الواقعى فيكفى تركه فى الامتثال الظاهرى كما لو اكتفى بفعل الصلاة الى

__________________

١ ـ لما كان السؤال مبنيا على امرين البناء على كون محتمل الحرمة هو الموضوع المحلل الواقعى ، وكون مقتضى البناء المذكور فى احد المشتبهين هو البناء على كون المشتبه الآخر هو الموضوع المحرم ، اشار الى منع كلا الامرين وان الظاهر من الاخبار هو اثبات حكم الحلية لا تنزيل الموضوع وعلى فرض ذلك لا يلازم تنزيل موضوع آخر يكون بدلا عن الموضوع الواقعى فلا يستفاد البدلية منها (شرح ق)

٢٢٤

بعض الجهات المشتبهة ورخص فى ترك الصلاة الى بعضها وهذه الاخبار كثيرة

منها موثقة سماعة قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل اصاب ما لا من عمال بنى امية وهو يتصدق منه ويصل قرابته ويحج ليغفر له ما اكتسب ويقول ان الحسنات يذهبن السيئات فقال عليه‌السلام ان الخطيئة لا تكفر الخطيئة وان الحسنة تحط الخطيئة ثم قال ان كان خلط الحرام حلالا فاختلطا جميعا فلم يعرف الحرام من الحلال فلا بأس فان ظاهره نفى البأس عن التصدق والصلة والحج من المال المختلط بالحرام وحصول الاجر فى ذلك وليس فيه دلالة (١) على جواز التصرف فى الجميع ولو فرض ظهوره فيه صرف عنه بما دل على وجوب الاجتناب عن الحرام الواقعى وهو مقتضى بنفسه لحرمة التصرف فى الكل فلا يجوز ورود الدليل على خلافها ومن جهة حكم العقل بلزوم الاحتياط لحرمة التصرف فى البعض المحتمل ايضا لكن عرفت انه يجوز الاذن فى ترك بعض المقدمات العلمية بجعل بعضها الآخر بدلا ظاهريا عن ذى المقدمة.

والجواب عن هذا الخبر ان ظاهره جواز التصرف فى الجميع لانه يتصدق ويصل ويحج بالبعض ويمسك الباقى فقد تصرف فى الجميع بصرف البعض وامساك البعض الآخر الباقى ، فلا بد اما من لزوم الاخذ به وتجويز المخالفة القطعية واما من صرفه عن ظاهره ، و (ح) فحمله على ارادة نفى البأس عن التصرف فى البعض وان حرم عليه امساك مقدار الحرام ليس باولى من حمل الحرام على حرام خاص يعذر فيه الجاهل كالربا بناء على ما ورد فى عدة اخبار من حلية الربوا الذى اخذ

__________________

١ ـ حاصله انها لا تدل على جواز التصرف فى الجميع بل فى الجملة فلا ظهور لها فى جواز المخالفة القطعية لان غايتها عدم وجوب الموافقة القطعية فيستند اليها فى عدم وجوب الموافقة القطعية وتثبت حرمة المخالفة القطعية بما دل على وجوب الاجتناب عن الحرام الواقعى فيثبت التخيير بين المشتبهين ومع تسليم ظهورها فى ارتكاب الجميع لا بد من صرفها الى ما ذكر لما دل على الواقع (م ق)

٢٢٥

جهلا ثم لم يعرف بعينه فى المال المخلوط

وبالجملة فالاخبار الواردة فى حلية ما لم يعلم حرمته على اصناف ، منها ما كان من قبيل قوله عليه‌السلام كل شيء لك حلال حتى تعرف انه حرام ، وهذا الصنف لا يجوز الاستدلال به لمن لا يرى جواز ارتكاب المشتبهين لان حمل تلك الاخبار على الواحد لا بعينه فى الشبهة المحصورة والآحاد المعينة فى الشبهة المجردة من العلم الاجمالى متعسر بل متعذر للزومه الاشتراك وهو خلاف الاصل فيجب حملها على صورة عدم التكليف (١) الفعلى بالحرام الواقعى.

ومنها ما دل على ارتكاب كلا المشتبهين فى خصوص الشبهة المحصورة مثل الخبر المتقدم ، وهذا ايضا لا يلتزم المستدل بمضمونه ولا يجوز حمله على غير الشبهة المحصورة لان مورده فيها فيجب حمله على اقرب المحتملين من ارتكاب البعض مع ابقاء مقدار الحرام ومن وروده فى مورد خاص كالربا ونحوه مما يمكن الالتزام بخروجه عن قاعدة الشبهة المحصورة ، ومن ذلك يعلم حال ما ورد فى الربوا من حل جميع المال المختلط به.

ومنها ما دل على جواز اخذ ما علم فيه الحرام اجمالا كاخبار جواز الاخذ من العامل والسارق والسلطان وسيجيء حمل جلها او كلها على كون الحكم بالحل مستندا الى كون الشيء ماخوذا من يد المسلم ومتفرعا على تصرفه المحمول على الصحة عند الشك فالخروج بهذه الاصناف من الاخبار عن القاعدة العقلية الناشية عما دل من الادلة القطعية على وجوب الاجتناب عن العناوين المحرمة الواقعية وهى وجوب دفع الضرر المقطوع به بين المشتبهين ووجوب اطاعة التكاليف المعلومة المتوقفة على الاجتناب عن كلا المشتبهين مشكل جدا.

خصوصا مع اعتضاد القاعدة بوجهين آخرين هما كالدليل على المطلب احدهما الاخبار الدالة على هذا المعنى منها قوله عليه‌السلام ما اجتمع الحلال

__________________

١ ـ كما فى الشبهة المجردة (ق)

٢٢٦

والحرام الاغلب الحرام الحلال والمرسل المتقدم اتركوا ما لا بأس به حذرا عما به البأس وضعفها ينجبر بالشهرة المحققة والاجماع المدعى فى كلام من تقدم ، ومنها رواية ضريس عن السمن والجبن فى ارض المشركين قال اما ما علمت انه قد خلطه الحرام فلا تأكل واما ما لم تعلم فكل فان الخلط يصدق مع الاشتباه ورواية ابن سنان كل شيء حلال حتى يجيئك شاهدان ان فيه الميتة فانه يصدق على مجموع قطعات اللحم ان فيه الميتة.

ومنها قوله (ص) فى حديث التثليث وقع فى المحرمات وهلك من حيث لا يعلم بناء على ان المراد بالهلاكة ما هو اثر للحرام فان كان الحرام لم يتنجز التكليف به فالهلاك المترتب عليه منقصة ذاتية وان كان مما يتنجز التكليف به كما فى ما نحن فيه كان المترتب عليه هو العقاب الاخروى ، وحيث ان دفع العقاب المحتمل واجب بحكم العقل وجب الاجتناب عن كل مشتبه بالشبهة المحصورة ولما كان دفع الضرر غير العقاب غير لازم اجماعا كان الاجتناب عن الشبهة المجردة غير واجب بل مستحبا ، وفائدة الاستدلال بهذه الاخبار معارضتها لما يفرض من الدليل على جواز ارتكاب احد المشتبهين مخيرا وجعل الآخر بدلا عن الحرام الواقعى فان مثل هذا الدليل لو فرض وجوده حاكم على الادلة الدالة على الاجتناب عن عنوان المحرم الواقعى لكنه معارض بها.

الثانى ما يستفاد من اخبار كثيرة من كون الاجتناب عن كل واحد من المشتبهين امرا مسلما مفروغا عنه بين الائمة عليهم‌السلام والشيعة بل العامة ايضا ، بل استدل صاحب الحدائق على اصل القاعدة باستقراء مواردها فى الشريعة ، لكن الانصاف عدم بلوغ ذلك حدا يمكن الاعتماد عليه مستقلا وان كان ما يستشم منها قولا وتقريرا من الروايات كثيرة ، منها ما ورد فى الماءين المشتبهين خصوصا مع فتوى الاصحاب بلا خلاف بينهم على وجوب الاجتناب عن استعمالهما مطلقا ، منها ما ورد فى الصلاة فى الثوبين المشتبهين.

٢٢٧

ومنها ما ورد فى وجوب غسل الثوب من الناحية التى يعلم باصابة بعضها للنجاسة معللا بقوله حتى يكون على يقين من طهارته فان وجوب تحصيل اليقين بالطهارة على ما يستفاد عن التعليل يدل على عدم جريان اصالة الطهارة بعد العلم الاجمالى بالنجاسة وهو الذى بنينا عليه وجوب الاحتياط فى الشبهة المحصورة وعدم جواز الرجوع فيها الى اصالة الحل فانه لو جرت اصالة الطهارة واصالة حل الصلاة فى بعض المشتبهين لم يكن للاحكام المذكورة وجه ولا للتعليل فى حكم الاخير لوجوب تحصيل اليقين بالطهارة بعد اليقين بالنجاسة.

ومنها ما دل على بيع الذبائح (١) المختلط ميتتها بمذكّاها ممن يستحل الميتة من اهل الكتاب بناء على حملها على ما لا يخالف عمومات حرمة بيع الميتة بان يقصد بيع المذكى خاصة او مع ما لا تحله الحياة من الميتة فتدبر.

وقد يستانس له بما ورد من وجوب القرعة فى قطيع الغنم المعلوم وجود الموطوء فى بعضها وهى الرواية المحكية فى جواب الامام الجواد عليه‌السلام لسؤال يحيى بن اكثم عن قطيع غنم نزى الراعى على واحدة منها ثم ارسلها فى الغنم حيث قال عليه‌السلام يقسم الغنم على نصفين ثم يقرع بينهما فكل ما وقع السهم عليه قسم غيره قسمين وهكذا حتى يبقى واحد ونجى الباقى وهو حجة القول بوجوب القرعة لكنها لا ينتهض لاثبات حكم مخالف للاصول ، نعم هى دالة على عدم جواز ارتكاب شيء منها قبل القرعة فان التكليف بالاجتناب عن الموطوءة الواقعية واجب بالاجتناب عن الكل حتى يتميز الحلال ولو بطريق شرعى هذا ، ولكن الانصاف ان الرواية ادل على مطلب الخصم بناء على حمل القرعة على الاستحباب اذ لا بد على قول المشهور من طرح الرواية او العمل بها فى خصوص موردها

__________________

١ ـ بتقريب انه لو لم يجب الاحتياط فى الشبهة المحصورة لجاز بيع الميتة المشتبهة بالمذكى ممن يستحل الميتة ايضا ، ولما كان حاجة فى جواز بيع الذبائح المختلط الى قصد بيع خصوص المذكى او مع ما لا تحله الحياة من الميتة (شرح)

٢٢٨

وينبغى التنبيه على امور الاول انه هل يشترط فى العنوان (١) المحرم الواقعى المردد بين المشتبهين ان يكون على كل تقدير متعلقا لحكم واحد ام لا مثلا اذا كان احد المشتبهين ثوبا والآخر مسجدا حيث ان المحرم فى احدهما اللبس وفى الآخر السجدة فليس هنا خطاب جامع للنجس الواقعى بل العلم بالتكليف مستفاد من مجموع قول الشارع لا تلبس النجس فى الصلاة ولا تسجد على النجس.

واولى من ذلك بالاشكال ما لو كان المحرم على كل تقدير عنوانا غيره على التقدير الآخر كما لو دار الامر بين كون احد المائعين نجسا وكون الآخر مال الغير لامكان تكلف ادراج الفرض الاول تحت خطاب الاجتناب عن النجس بخلاف الثانى ، واولى من ذلك ما لو تردد الامر بين كون هذه المرأة اجنبية او كون هذا المائع خمرا وتوهم ادراج ذلك كله فى وجوب الاجتناب عن الحرام مدفوع

__________________

١ ـ حاصله انه قد يتساوى المشتبهان فى الدخول تحت عنوان الحرام الواقعى والخطاب المتعلق بذلك العنوان كالإناءين او الثوبين الذين علم نجاسة احدهما فان العنوان هو النجس والخطاب على كلا التقديرين لا تشرب أو لا تلبس ولا اشكال فى وجوب الاحتياط (ح) ، وقد يتساويان فى العنوان الواقعى ويختلفان فى الخطاب كما اذا علم نجاسة واحد من الاناء والارض فان العنوان على كلا التقديرين النجس والخطاب على الاول لا تشرب وعلى الثانى لا تسجد وفى هذا اشكال إلّا انه يمكن ارجاع الخطابين فيه الى خطاب واحد وهو قوله اجتنب عن النجس ، وقد يختلفان فى العنوان والخطاب إلّا انهما متحدان فى عنوان نفس المشتبه كما اذا علم بنجاسة احد المائعين وغصبية الآخر فان الخطاب فى احدهما لا تشرب النجس وفى الآخر لا تتصرف فى مال الغير ؛ والحكم بلزوم الاحتياط فى هذا اشكل من سابقه وان امكن ارجاع الخطابين ايضا الى قوله اجتنب عن المائع الحرام ، ومن هنا يعلم اشكلية المثال الاخير اذ لا جامع فيه ابدا (شرح)

٢٢٩

بان الاجتناب عن الحرام عنوان ينتزع من الادلة المتعلقة بالعناوين الواقعية فالاعتبار بها لا به كما لا يخفى.

والاقوى ان المخالفة القطعية فى جميع ذلك غير جائز ولا فرق عقلا وعرفا فى مخالفة نواهى الشارع بين العلم التفصيلى بخصوص ما خالفه وبين العلم الاجمالى بمخالفة احد النهيين ، ألا ترى انه لو ارتكب مائعا واحدا يعلم انه مال الغير او نجس لم يعذر لجهله التفصيلى بما خالفه فكذا حال من ارتكب النظر الى المرأة وشرب المائع فى المثال الاخير ، والحاصل ان النواهى الشرعية بعد الاطلاع عليها بمنزلة نهى واحد عن عدة امور فكما تقدم انه لا يجتمع نهى الشارع عن امر واقعى واحد كالخمر مع الاذن فى ارتكاب المائعين المردد بينهما الخمر فكذا لا يجتمع النهى عن عدة امور مع الاذن فى ارتكاب كلا الامرين المعلوم وجود احد تلك الامور فيهما.

واما الموافقة القطعية فالاقوى ايضا وجوبها لعدم جريان ادلة الحلية ولا ادلة البراءة عقليها ونقليها ، اما النقلية فلما تقدم من استوائها بالنسبة الى كل من المشتبهين وابقائهما (١) يوجب التنافى مع ادلة تحريم العناوين الواقعية وابقاء واحد على سبيل البدل غير جائز اذ بعد خروج كل منهما بالخصوص ليس الواحد لا بعينه فردا ثالثا يبقى تحت اصالة العموم ، واما العقل فلمنع استقلاله فى المقام بقبح مؤاخذة من ارتكب الحرام المردد بين الامرين بل الظاهر استقلال العقل فى المقام بعد عدم القبح المذكور بوجوب دفع الضرر اعنى العقاب المحتمل فى ارتكاب احدهما وبالجملة فالظاهر عدم التفكيك فى هذا المقام بين المخالفة القطعية والمخالفة الاحتمالية فاما ان يجوز الاولى واما ان يمنع الثانية.

الثانى ان وجوب الاجتناب عن كل من المشتبهين هل هو بمعنى لزوم الاحتراز عنه حذرا من الوقوع فى المؤاخذة بمصادفة ما ارتكبته للحرام الواقعى فلا مؤاخذة الا على تقدير الوقوع فى الحرام او هو بمعنى لزوم الاحتراز عنه من حيث انه

__________________

١ ـ يعنى تحت ما تقدم من الادلة (ق)

٢٣٠

مشتبه فيستحق المؤاخذة بارتكاب احدهما ولو لم يصادف الحرام ولو ارتكبهما استحق عقابين فيه وجهان بل قولان.

اقواهما الاول لان حكم العقل بوجوب دفع الضرر بمعنى العقاب المحتمل بل المقطوع حكم ارشادى وكذا لو فرض امر الشارع بالاجتناب عن عقاب محتمل او مقطوع بقوله تحرز عن الوقوع فى معصية النهى عن الزنا لم يكن إلّا ارشاديا ولم يترتب على موافقته ومخالفته سوى خاصية نفس المأمور به وتركه كما هو شأن الطلب الارشادى ، والى هذا المعنى اشار صلوات الله عليه بقوله اتركوا ما لا بأس به حذرا عما به البأس وقوله من ارتكب الشبهات وقع فى المحرمات وهلك من حيث لا يعلم ، ومن هنا ظهر انه لا فرق فى ذلك بين الاستناد فى وجوب الاجتناب الى حكم العقل وبين الاستناد فيه الى حكم الشرع بوجوب الاحتياط

واما حكمهم (١) بوجوب دفع الضرر المظنون شرعا واستحقاق العقاب على تركه وان لم يصادف الواقع فهو خارج عما نحن فيه لان الضرر الدنيوى

__________________

١ ـ لما ظهر من كلامه السابق عدم الفرق فيما نحن فيما بين كون كل من المشتبهين مشكوكا او مظنونا بالظن غير المعتبر فكانه قد توهّم ان هذا خلاف ما حكموا به فى الضرر المظنون الدنيوى من استحقاق العقاب على الإقدام عليه وان لم يصادف الواقع فليكن الضرر الاخرى المظنون كذلك او انه يستلزمه الظن بالحرمة

فدفع ذلك التوهم بان الشارع حكم بحرمة ارتكاب الضرر الدنيوى المظنون وجعل الظن طريقا اليه فالمقدم على خلافه يكون عاصيا لمخالفته للحكم الظاهرى كما هو مذهب المشهور ولا دليل على حجية الظن فى المقام حتى يوجب العصيان ولو مع عدم المصادفة ، هذا فى الضرر الاخروى ، واما الدنيوى فلو كان مظنونا فى احد المشتبهين فحكمه كما فى سائر الموارد ، واما الضرر الدنيوى المحتمل فهو مرخص به شرعا لمصلحة التسهيل كما قد يجوز الشرع مقطوعه لاجل المصلحة (شرح)

٢٣١

ارتكابه مع العلم حرام شرعا والمفروض ان الظن فى باب الضرر طريق شرعى اليه فالمقدم مع الظن كالمقدم مع القطع مستحق للعقاب كما لو ظن سائر المحرمات بالظن المعتبر.

نعم لو شك فى هذا الضرر يرجع الى اصالة الاباحة وعدم الضرر لعدم استحالة ترخيص الشارع فى الاقدام على الضرر الدنيوى المقطوع اذا كان فى الترخيص مصلحة اخروية فيجوز ترخيصه فى الاقدام على المحتمل لمصلحة ولو كانت تسهيل الامر على المكلف بوكول الاقدام على ارادته وهذا بخلاف الضرر الاخروى فانه على تقدير ثبوته واقعا يقبح من الشارع الترخيص فيه نعم وجوب دفعه عقلى ولو مع الشك ، لكن لا يترتب على ترك دفعه الا نفسه على تقدير ثبوته واقعا حتى انه لو قطع به ثم لم يدفعه واتفق عدمه واقعا لم يعاقب عليه الا من باب التجرى وقد تقدم فى المقصد الاول المتكفل لبيان مسائل حجية القطع الكلام فيه وسيجيء ايضا.

فان قلت قد ذكر العدلية فى الاستدلال على وجوب شكر المنعم ان فى تركه احتمال المضرة وجعلوا ثمرة وجوب شكر المنعم وعدم وجوبه استحقاق العقاب (١) على ترك الشكر لمن لم يبلغه دعوة نبى زمانه (ع) فيدل ذلك على استحقاق

__________________

١ ـ اى سواء صادف الواقع ام لا فلا يتم ما تقدم من عدم العقاب مع عدم المصادفة ، وحاصل ما اجاب به ان حكمهم بترتب العقاب على المخالفة انما هو لاجل المصادفة فى خصوص المقام لا لاجل مخالفة ما حكم به العقل مطلقا ؛ وذلك لان تشريع الاحكام ووجود نبى فى كل زمان ووجوب الشكر له لما كان ثابتا عندهم فاطلقوا القول بعقاب من تنبه بوجود نبى وحكم فترك الفحص وغرضهم ان اثر حكم العقل بوجوب دفع الضرر الاخروى انما يظهر فى الضرر الثابت شرعا لعدم المانع (ح) بمجرد مخالفته لاتمام الحجة (ح) بحكم العقل بوجوب الدفع لا ان العقاب يترتب على المخالفة وان لم يكن ثابتا فى الواقع (م ق)

٢٣٢

العقاب بمجرد الضرر الاخروى المحتمل.

قلت حكمهم باستحقاق العقاب على ترك الشكر بمجرد احتمال الضرر فى تركه لاجل مصادفة الاحتمال للواقع لما علمنا بوجوبه عند الشارع وترتب العقاب على تركه فاذا احتمل العاقل العقاب على تركه فان قلنا بحكومة العقل فى مسئلة دفع الضرر المحتمل صح عقاب تارك الشكر من اجل اتمام الحجة عليه بمخالفة عقله وإلّا فلا فغرضهم ان ثمرة حكومة العقل بدفع الضرر المحتمل انما يظهر فى الضرر الثابت شرعا مع عدم العلم به من طريق الشرع لا ان الشخص يعاقب بمخالفة العقل وان لم يكن ضرر فى الواقع وقد تقدم فى بعض مسائل الشبهة التحريمية شطر من الكلام فى ذلك.

وقد يتمسك لاثبات الحرمة فى المقام بكونه تجريا فيكون قبيحا عقلا فيحرم شرعا وقد تقدم فى فروع حجية العلم الكلام على حرمة التجرى حتى مع القطع بالحرمة اذا كان مخالفا للواقع واضعف من ذلك التمسك بالادلة الشرعية الدالة على الاحتياط لما تقدم من ان الظاهر من مادة الاحتياط التحرز عن الوقوع فى الحرام كما يوضح ذلك النبويان السابقان وقولهم صلوات الله عليهم ان الوقوف عند الشبهة اولى من الاقتحام فى الهلكة.

الثالث ان وجوب الاجتناب (١) عن كلا المشتبهين انما هو مع تنجز التكليف بالحرام الواقعى على كل تقدير بان يكون كل منهما بحيث لو فرض القطع بكون

__________________

١ ـ هذه المسألة اعنى اشتراط كون طرفى العلم الاجمالى محل ابتلاء المكلف فى وجوب الاجتناب عنها مما لم بسبق الى المصنف فى ذلك احد ، ومرجعه الى اشتراط كون كل من المشتبهين بحيث لو علم تفصيلا بكونه هو الحرام الواقعى تنجر التكليف بالاجتناب عنه فعلا ولو لم يكن كلاهما او احدهما كذلك لم يجب الاجتناب لان وجوب الاجتناب عن الاطراف من باب المقدمة العلمية للاجتناب عن الواقع فلا وجوب مقدمة لو لم يعلم بالوجوب الواقعى (م ق)

٢٣٣

الحرام كان التكليف منجزا بالاجتناب عنه فلو لم يكن كذلك بان لم يكلف به اصلا كما لو علم بوقوع قطرة من البول فى احد اناءين احدهما بول او متنجس بالبول او كثير لا ينفعل بالنجاسة او احد ثوبين احدهما نجس بتمامه لم يجب الاجتناب عن الآخر لعدم العلم بحدوث التكليف بالاجتناب عن ملاقى هذه القطرة اذ لو كان ملاقيها هو الاناء النجس لم يحدث بسببه تكليف بالاجتناب اصلا ، فالشك فى التكليف بالاجتناب عن الآخر شك فى اصل التكليف لا المكلف به وكذا لو كان التكليف فى احدهما معلوما ، لكن لا على وجه التنجز بل معلقا على تمكن المكلف منه فان ما لا يتمكن المكلف من ارتكابه لا يكلف منجزا بالاجتناب عنه كما لو علم وقوع النجاسة فى احد شيئين لا يتمكن المكلف من ارتكاب واحد معين منهما فلا يجب الاجتناب عن الآخر لان الشك فى اصل تنجز التكليف لا فى المكلف به تكليفا منجزا

وكذا لو كان ارتكاب الواحد المعين ممكنا عقلا لكن المكلف اجنبى عنه وغير مبتلى به بحسب حاله كما اذا تردد النجس بين انائه وبين اناء الآخر لا دخل للمكلف فيه اصلا فان التكليف بالاجتناب عن هذا الاناء الآخر المتمكن عقلا غير منجز عرفا ولهذا لا يحسن التكليف المنجز بالاجتناب عن الطعام او الثوب الذى ليس من شأن المكلف الابتلاء به ، نعم يحسن الامر بالاجتناب عنه مقيدا بقوله اذا اتفق لك الابتلاء بذلك بعارية او بملك او اباحة فاجتنب عنه

والحاصل ان النواهى المطلوب فيها حمل المكلف على الترك مختصة بحكم العقل والعرف بمن يعد مبتلى بالواقعة المنهى عنها ولذا يعد خطاب غيره بالترك مستهجنا الا على وجه التقييد بصورة الابتلاء ولعل السر فى ذلك ان غير المبتلى تارك للمنهى عنه بنفس عدم الابتلاء فلا حاجة الى نهيه فعند الاشتباه لا يعلم المكلف بتنجز التكليف بالاجتناب عن الحرام الواقعى.

وهذا باب واسع ينحل به الاشكال عما علم من عدم وجوب الاجتناب عن الشبهة المحصورة فى مواقع مثل ما اذا علم اجمالا بوقوع النجاسة فى انائه

٢٣٤

او فى موضع من الارض لا يبتلى به المكلف عادة او بوقوع النجاسة فى ثوبه او ثوب الغير فان الثوبين كل منهما من باب الشبهة المحصورة مع عدم وجوب اجتنابهما فاذا اجرى احدهما فى ثوبه اصالة الحل والطهارة لم يعارض بجريانهما فى ثوب غيره ، اذ لا يترتب على هذا المعارض ثمرة عملية للمكلف يلزم من ترتبها مع العمل بذلك الاصل طرح تكليف منجز بالامر المعلوم اجمالا ألا ترى ان زوجة شخص لو شكت فى انها هى المطلقة او غيرها من ضراتها جاز لها ترتيب احكام الزوجية على نفسها ولو شك الزوج هذا الشك لم يجز له النظر الى إحداهما وليس ذلك إلّا لان اصالة عدم تطليقه فى كل منهما متعارضان فى حق الزوج بخلاف الزوجة فان اصالة عدم تطلق ضرتها لا يثمر لها ثمرة عملية نعم لو اتفق ترتب تكليف (١) على زوجية ضرتها دخلت فى الشبهة المحصورة ومثل ذلك كثير فى الغاية ، ومما ذكرنا يندفع ما ذكره صاحب ك من الاستنهاض على ما اختاره من عدم وجوب الاجتناب فى الشبهة المحصورة بما يستفاد من الاصحاب من عدم وجوب الاجتناب عن الاناء الذى علم بوقوع النجاسة فيه او فى خارجه اذ لا يخفى ان خارج الاناء سواء كان ظهره او الارض القريبة منه ليس مما يبتلى به المكلف عادة ولو فرض كون الخارج مما يسجد عليه المكلف التزمنا وجوب الاجتناب عنهما للعلم الاجمالى بالتكليف المردد بين حرمة الوضوء بالماء النجس وحرمة السجدة على الارض النجسة.

ويؤيد ما ذكرنا صحيحة على بن جعفر عن اخيه عليهما‌السلام الواردة فيمن رعف فامتخط فصار الدم قطعا صغارا فاصاب انائه هل يصلح الوضوء منه فقال (ع) ان لم يكن شيء يستبين فى الماء فلا باس به وان كان شيئا بينا فلا ، حيث استدل به الشيخ قده على العفو عما لا يدركه الطرف من الدم وحملها المشهور على ان اصابة الاناء لا يستلزم اصابة الماء فالمراد انه مع عدم تبين شيء

__________________

١ ـ كما اذا اشترت من النفقة التى اخذت ضرتها من زوجها (ق)

٢٣٥

فى الماء يحكم بطهارته ومعلوم ان ظهر الاناء (١) وباطنه الحاوى للماء من الشبهة المحصورة وما ذكرناه واضح لمن تدبر.

إلّا ان الانصاف ان تشخيص موارد الابتلاء لكل من المشتبهين وعدم الابتلاء بواحد معين منهما كثيرا ما يخفى ، ألا ترى انه لو دار الامر بين وقوع النجاسة على الثوب ووقوعها على ظهر طائر او حيوان قريب منه لا يتفق منه عادة ابتلائه بالموضع النجس منه لم يشك احد فى عدم وجوب الاجتناب عن ثوبه واما لو كان الطرف الآخر ارضا لا يبعد ابتلاء المكلف به فى السجود والتيمم وان لم يحتج الى ذلك فعلا ففيه تامل ، والمعيار فى ذلك وان كان صحة التكليف بالاجتناب عنه على تقدير العلم بنجاسته وحسن ذلك من غير تقييد التكليف بصورة الابتلاء واتفاق صيرورته واقعة له إلّا ان تشخيص ذلك مشكل جدا.

نعم يمكن ان يقال عند الشك فى حسن التكليف التنجيزى عرفا بالاجتناب وعدم حسنه الا معلقا الاصل البراءة من التكليف المنجز كما هو المقرر فى كل ما شك فيه فى كون التكليف منجزا او معلقا على امر محقق العدم او علم التعليق على امر لكن شك فى تحققه او كون المتحقق من افراده كما فى المقام (٢)

إلّا ان هذا ليس باولى من ان يقال ان الخطابات بالاجتناب عن المحرمات مطلقة غير معلقة ، والمعلوم تقييدها بالابتلاء فى موضع العلم بتقبيح العرف توجيهها من غير تعلق بالابتلاء كما لو قال اجتنب عن ذلك الطعام النجس الموضوع قدام امير البلد مع عدم جريان العادة بابتلاء المكلف به او لا تصرف فى اللباس المغصوب

__________________

١ ـ فحكم المشهور بطهارة الماء مع حكمهم فى الشبهة المحصورة بوجوب الاجتناب يثبت حملهم المورد على عدم الابتلاء بالنسبة الى غير الماء ، والمخاط بالضم ما يسيل من الانف ، وامتخط رمى به من انفه (شرح)

٢ ـ فانه قد علم من الخارج تعليق التكليف بالابتلاء فيشك فى تحققه فى بعض تلك الامثلة وعدمه (شرح)

٢٣٦

الذى لبسه ذلك الملك او الجارية التى غصبها الملك وجعلها من خواص نسوانه مع عدم استحالة ابتلاء المكلف بذلك كله عقلا ولاعادة إلّا انه بعيد الاتفاق واما اذا شك فى قبح التنجيز فيرجع الى الاطلاقات فمرجع المسألة الى ان المطلق المقيد بقيد مشكوك التحقق فى بعض الموارد لتعذر ضبط مفهومه على وجه لا يخفى مصداق من مصاديقه كما هو شأن اغلب المفاهيم العرفية هل يجوز التمسك به اولا.

والاقوى الجواز فيصير الاصل فى المسألة وجوب الاجتناب الا ما علم عدم تنجز التكليف باحد المشتبهين على تقدير العلم بكونه الحرام إلّا ان يقال (١) ان المستفاد من صحيحة على بن جعفر المتقدمة كون الماء وظاهر الاناء من قبيل عدم تنجز التكليف فيكون ذلك ضابطا فى الابتلاء وعدمه اذ يبعد حملها على خروج ذلك عن قاعدة الشبهة المحصورة لاجل النص فافهم.

الرابع ان الثابت (٢) فى كل من المشتبهين لاجل العلم الاجمالى بوجود

__________________

١ ـ بتقريب ان يقال ان ظاهر الاناء من موارد الشك فى الابتلاء وعدمه وقد حكم الامام (ع) فيه بعدم وجوب الاجتناب فيستفاد منه كون الحكم فى سائر موارد الشك فى الابتلاء ايضا كذلك ، ولعل الامر بالتامل اشارة الى عدم انحصار محمل الصحيحة فيما ذكر من المعنى بل ظاهر السؤال فيها انه قد علم اصابة الاناء ، ولكن قد شك فى اصابة الماء ايضا فتحير فى حكمه واجاب الامام (ع) بنفى البأس عن الماء ما لم يتيقن ولم يستبن الدم فى الماء فالصحيحة غير مرتبطة بالمورد (شرح م)

٢ ـ توضيحه انه لا اشكال فى تنجز الحكم التكليفى الثابت بمجرد العلم بوجود الحرام فى المشتبهين ، واما بعض الاحكام الأخر كوجوب الحد ونجاسة الملاقى فهو قد يكون مقطوع العدم كما اذا لم يرتكب المكلف شيئا من المشتبهين وقد يكون مشكوكا لاجل الشك فى تحقق موضوعه كما اذا ارتكب احد المشتبهين فيجرى (ح) اصالة عدم تحققه فالمتيقن من التكليف هو الاول واللازم مقدمة لامتثاله هو الاجتناب عن الطرفين فالقدر الثابت فى كل واحد من المشتبهين هو وجوب الاجتناب المقدمى

٢٣٧

الحرام الواقعى فيهما هو وجوب الاجتناب لانه اللازم من باب المقدمة من التكليف بالاجتناب عن الحرام الواقعى ، اما سائر الآثار الشرعية المترتبة على ذلك الحرام فلا يترتب عليهما لعدم جريان باب المقدمة فيها فيرجع فيها الى الاصول الجارية فى كل من المشتبهين بالخصوص فارتكاب احد المشتبهين لا يوجب حد الخمر على المرتكب بل يجرى اصالة عدم موجب الحد ووجوبه.

وهل يحكم بتنجس ملاقيه (١) وجهان بل قولان مبتيان على ان تنجس

__________________

ـ بحكم العقل لا وجوب الحد ولا نجاسة الملاقى لاصالة عدم تحقق سببهما فلا معنى للمقدمية فيهما (شرح)

١ ـ هذه المسألة داخلة تحت الكبرى المعلومة سابقا إلّا انه عنونها بالاستقلال لوجود اختلاف فيها ، وحاصل بيانه ره انه هل المراد بالاجتناب عن النجس هو التباعد عنه على وجه لا يستعمل نفسه ولا ملاقيه فى مطعوم او مشروب ونحوه ، او ان المراد هو الاجتناب عنه نفسه ولكن تكون الملاقاة سببا لحدوث حكم مستقل آخر ، وان شئت توضيحه بمثال فنقول اذا امر المولى عبده باكرام شخص ووجب على العبد بمقتضى العرف والعادة اكرام ذلك الشخص مع كل من يتبعه من مواليه وخدمه ، فاكرام التابع هل هو من شئون اكرام المتبوع بحيث لولاه لم يحصل اكرامه بل يعد فى العرف استخفافا فليس له فى حد ذاته حكم بحياله وانما الواجب اكرام المولى الذى لا يحصل إلّا باكرامه مع من يتبعه ، او ان تبعيته لمولاه سبب بوجوب اكرامه من حيث هو فيثبت فى المقام حكمان ، احدهما بالاصالة وهو وجوب اكرام المولى والثانى بالتبع وهو وجوب اكرام التابع ، فعلى الاول لو تردد ذلك الشخص الواجب اكرامه بين شخصين لا يدخل احدهما الا ومعه خادم والآخر بلا خادم ، وجب اكرام الجميع احتياطا ، وعلى الثانى لا يجب اكرام الخادم لان الاصل براءة الذمة عنه وعدم كونه خادما لمن وجب اكرامه وكذلك الكلام فيما نحن فيه فان قلنا بان الاجتناب عن النجس لا يحصل إلّا بالاجتناب عنه وعن ملاقيه وجب الاحتياط عن الجميع وان بنينا على ان الاجتناب عن الملاقى حكم شرعى آخر تابع لدليله جرى الاصل بالنسبة اليه (م الهمدانى)

٢٣٨

الملاقى انما جاء من وجوب الاجتناب عن ذلك النجس بناء على ان الاجتناب عن النجس يراد به ما يعم الاجتناب عن ملاقيه ولو بوسائط ولذا استدل السيد ابو المكارم فى الغنية على تنجس الماء القليل بملاقات النجاسة بما دل على وجوب هجر النجاسات فى قوله تعالى (وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) و (ح) فحكم الشارع بوجوب هجر النجس المعلوم فى البين يوجب الهجر عن ملاقى كل واحد من المشتبهين او ان الاجتناب عن النجس لا يراد به الا الاجتناب عن العين وتنجس الملاقى للنجس حكم وضعى سببى يترتب على العنوان الواقعى من النجاسات نظير وجوب الحد للخمر فاذا شك فى ثبوته للملاقى جرى فيه اصل الطهارة واصل الاباحة.

والاقوى هو الثانى لمنع ما فى الغنية من دلالة وجوب هجر الرجز على وجوب الاجتناب عن ملاقى الرجز اذا لم يكن عليه اثر من ذلك الرجز فتنجيسه حينئذ ليس إلّا لمجرد تعبد خاص فالحكم بالاجتناب عن النجس فى البين لا يدل على وجوب هجر الملاقى.

فان قلت وجوب الاجتناب عن ملاقى المشتبه وان لم يكن من حيث ملاقاته له إلّا انه يصير كملاقاه فى العلم الاجمالى بنجاسته او نجاسة المشتبه الآخر فلا فرق بين المتلاقيين فى كون كل منهما احد طرفى الشبهة فهو نظير ما اذا قسم احد المشتبهين قسمين وجعل كل قسم فى اناء.

قلت ليس الامر كذلك لان اصالة الطهارة والحل فى الملاقى بالكسر سليم عن معارضة اصالة طهارة المشتبه الآخر بخلاف اصالة الطهارة والحل فى الملاقى بالفتح فانها معارضة بها فى المشتبه الآخر والسر فى ذلك ان الشك فى الملاقى بالكسر ناش عن الشبهة المتقومة بالمشتبهين فالاصل فيهما اصل فى الشك السببى والاصل فيه اصل فى الشك المسببى ، وقد تقرر فى محله ان الاصل فى الشك السببى حاكم ووارد على الاصل فى المسببى سواء كان مخالفا له كما فى اصالة طهارة الماء الحاكمة على اصالة نجاسة الثوب النجس المغسول به ام موافقا له كما فى اصالة

٢٣٩

طهارة الماء الحاكمة على اصالة اباحة الشرب فما دام الاصل الحاكم الموافق او المخالف يكون جاريا لم يجر الاصل المحكوم لان الاول رافع شرعى للشك المسبب وبمنزلة الدليل بالنسبة اليه واذا لم يجر الاصل الحاكم لمعارضته بمثله زال المانع من جريان الاصل فى الشك المسبب ووجب الرجوع اليه لانه كالاصل بالنسبة الى المتعارضين.

ألا ترى انه يجب الرجوع عند تعارض اصالة الطهارة والنجاسة عند تتميم الماء النجس كرا بطاهر وعند غسل محل النجس بماءين مشتبهين بالنجس الى قاعدة الطهارة ولا تجعل القاعدة كاحد المتعارضين نعم ربما تجعل معاضدا لأحدهما الموافق لها بزعم كونهما فى مرتبة واحدة لكنه توهم فاسد ولذا لم يقل احد فى مسئلة الشبهة المحصورة بتقديم اصالة الطهارة فى المشتبه الملاقى بالفتح لاعتضادها باصالة طهارة الملاقى بالكسر.

فالتحقيق فى تعارض الاصلين مع اتحاد مرتبتهما لاتحاد الشبهة الموجبة لهما الرجوع الى ما وراءهما من الاصول التى لو كان احدهما سليما عن المعارض لم يرجع اليه سواء كان هذا الاصل مجانسا لهما او من غير جنسهما كقاعدة الطهارة فى المثالين فافهم واغتنم وتمام الكلام فى تعارض الاستصحابين إن شاء الله.

نعم لو حصل للاصل فى هذا الملاقى بالكسر اصل معارض آخر فى مرتبته كما لو وجد معه ملاق للمشتبه الآخر كانا من الشبهة المحصورة ولو كان ملاقات شيء لاحد المشتبهين قبل العلم الاجمالى وفقد الملاقى بالفتح ثم حصل العلم الاجمالى بنجاسة المشتبه الباقى او المفقود قام ملاقيه مقامه فى وجوب الاجتناب عنه وعن الباقى لان اصالة الطهارة فى الملاقى بالكسر معارضة باصالة الطهارة فى المشتبه الآخر لعدم جريان الاصل فى المفقود حتى يعارضه لما اشرنا اليه فى الامر الثالث من عدم جريان الاصل فيما لا يبتلى به المكلف ولا اثر له بالنسبة اليه ، فمحصل ما ذكرنا ان العبرة فى حكم الملاقى بكون اصالة طهارته سليمة او معارضة ولو كان العلم الاجمالى قبل

٢٤٠