الرسائل الجديدة والفرائد الحديثة

الشيخ علي المشكيني

الرسائل الجديدة والفرائد الحديثة

المؤلف:

الشيخ علي المشكيني


الموضوع : أصول الفقه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٣٥

ظاهرا فلا فرق بين الحالة السابقة واللاحقة فى استقلال العقل بقبح التكليف فيهما لكون المناط فى القبح عدم العلم ، نعم لو اريد اثبات عدم الحكم امكن اثباته باستصحاب عدمه لكن المقصود من استصحابه ليس إلّا ترتيب آثار عدم الحكم وليس إلّا عدم الاشتغال الذى يحكم به العقل فى زمان الشك فهو من آثار الشك لا المشكوك

ومثال الثانى (١) ما اذا حكم العقل عند اشتباه المكلف به بوجوب السورة فى الصلاة ووجوب الصلاة الى اربع جهات ووجوب الاجتناب عن كلا المشتبهين فى الشبهة المحصورة ففعل ما يحتمل معه بقاء التكليف الواقعى وسقوطه كان صلى بلا سورة او الى بعض الجهات او اجتنب احدهما فربما يتمسك (ح) باستصحاب الاشتغال المتيقن سابقا ، وفيه ان الحكم السابق لم يكن إلّا بحكم العقل الحاكم بوجوب تحصيل اليقين بالبراءة عن التكليف المعلوم فى زمان وهو بعينه موجود فى هذا الزمان. نعم الفرق بين هذا الزمان والزمان السابق حصول العلم بوجود التكليف فعلا بالواقع فى السابق وعدم العلم به فى هذا الزمان وهذا لا يؤثر فى حكم العقل المذكور اذ يكفى فيه العلم بالتكليف الواقعى آناً ما.

نعم يجرى استصحاب عدم فعل الواجب الواقعى وعدم سقوطه عنه لكنه لا يقضى بوجوب الاتيان بالصلاة مع السورة والصلاة الى الجهة الباقية واجتناب المشتبه الباقى بل يقضى بوجوب تحصيل البراءة من الواقع لكن مجرد ذلك لا يثبت

__________________

١ ـ اعلم ان قاعدة الشغل واستصحابه متحدتان من جهة ومفترقتان من اخرى ، اما الاولى فمن حيث احتياجهما الى يقين وشك ، واما الثانية فمن وجهين احدهما ان اليقين بتحصيل اليقين بالبراءة بخلاف استصحاب الشغل اذ لا بد فيه من ملاحظة وجود المتيقن بالتكليف فى آن ثم الشك فيه فى قاعدة الاشتغال علة تامة لحكم العقل فى السابق ، وثانيهما ان مؤدّى القاعدة وجوب تحصيل اليقين بالبراءة عن الشغل الثابت باى وجه اتفق بخلاف استصحاب الشغل لانه انما يدل على بقاء الشغل السابق واما وجوب الاتيان بما يحصل به البراءة فانما يدل عليه العقل بعد اثبات الشغل بالاستصحاب (م ق)

٣٨١

وجوب الاتيان بما يقتضى اليقين بالبراءة الا على القول بالاصل المثبت او بضميمة حكم العقل بوجوب تحصيل اليقين والاول لا نقول به والثانى بعينه موجود فى محل الشك من دون الاستصحاب

الامر الرابع قد يطلق على بعض الاستصحابات الاستصحاب التقديرى (١) تارة والتعليقى اخرى باعتبار كون القضية المستصحبة قضية تعليقية حكم فيها بوجود حكم على تقدير وجود آخر فربما يتوهم لاجل ذلك الاشكال فى اعتباره بل منعه والرجوع فيه الى الاستصحاب مخالف له.

توضيح ذلك ان المستصحب قد يكون امرا موجودا فى السابق بالفعل كما اذا وجب الصلاة فعلا او حرم العصير العنبى بالفعل فى زمان ثم شك فى بقائه وارتفاعه وهذا لا اشكال فى جريان الاستصحاب فيه وقد يكون امرا موجودا على تقدير وجود امر فالمستصحب هو وجوده التعليقى مثل ان العنب كان حرمة مائه معلقة على غليانه فالحرمة ثابتة على تقدير الغليان فاذا جف وصار زبيبا فهل يبقى بالاستصحاب حرمة مائه المعلقة على الغليان فيحرم عند تحقق الغليان ام لا بل يستصحب الاباحة السابقة لماء الزبيب قبل الغليان فيه خلاف.

فنقول لا اشكال فى انه يعتبر (٢) فى الاستصحاب تحقق المستصحب سابقا والشك

__________________

١ ـ اطلاق التقديرى والتعليقى على الاستصحاب باعتبار كون المستصحب معلقا ومقدرا كما ان اطلاق التنجيزى ايضا بلحاظ كون المستصحب منجزا غير معلق (شرح)

٢ ـ حاصله يرجع الى جوابين احدهما انه يكفى فى الاستصحاب وجود شيء فى السابق على نحو من انحاء الوجود وشك فى بقائه على نحو وجوده الاول سواء كان وجودا منجزا فعليا ام معلقا قابلا للوجود الفعلى وصالحا له ، ولا يعتبر الوجود المنجز للمستصحب ، وثانيهما مع التسليم ان الملازمة بين الحرمة والغليان وكذا بين غيرهما فى سائر الموارد كانت موجودة فعلا فى الزمان السابق فيستصحب الى زمان الشك فيحكم بالحرمة الفعلية على تقدير تحقق الغليان (م ق)

٣٨٢

فى ارتفاع ذلك المحقق ولا اشكال ايضا فى عدم اعتبار ازيد من ذلك ، ومن المعلوم ان تحق كل شيء بحسبه فاذا قلنا العنب يحرم مائه اذا غلا او بسبب الغليان فهناك لازم وملزوم وملازمة اما الملازمة وبعبارة اخرى سببية الغليان لتحريم ماء العصير فهى متحققة بالفعل من دون تعليق واما اللازم وهى الحرمة فله وجود مقيد بكونه على تقدير الملزوم وهذا الوجود التقديرى امر متحقق فى نفسه فى مقابل عدمه وحينئذ فاذا شككنا فى ان وصف العنبية له مدخل فى تأثير الغليان فى حرمة مائه فلا اثر للغليان فى التحريم بعد جفاف العنب وصيرورته زبيبا فأى فرق بين هذا وبين ساير الاحكام الثابتة للعنب اذا شك فى بقائها بعد صيرورته زبيبا.

نعم ربما يناقش فى الاستصحاب المذكور تارة بانتفاء الموضوع وهو العنب واخرى بمعارضته باستصحاب الاباحة قبل الغليان بل ترجيحه عليه بمثل الشهرة والعمومات ، لكن الاول لا دخل له فى الفرق بين الآثار الثابتة للعنب بالفعل والثابتة له على تقدير دون آخر والثانى فاسد لحكومة (١) استصحاب الحرمة على تقدير الغليان على استصحاب الاباحة قبل الغليان.

فالتحقيق انه لا يعقل فرق فى جريان الاستصحاب ولا فى اعتباره من حيث الاخبار او من حيث العقل بين انحاء تحقق المستصحب فكل نحو من التحقق ثبت للمستصحب وشك فى ارتفاعه فالاصل بقائه مع انك عرفت ان الملازمة وسببية الملزوم للازم موجود بالفعل وجد اللزوم ام لم يوجد لان صدق الشرطية لا يتوقف على صدق الشرط وهذا الاستصحاب غير متوقف (٢) على وجود الملزوم نعم لو اريد اثبات وجود

__________________

١ ـ فان الشك فى الحلية والحرمة بعد حصول الغليان مسبب عن الشك فى بقاء الملازمة الثابتة حال الغيبة وعدمه او بقاء الحرمة التعليقية وعدمه (شرح)

٢ ـ ان قلت ان ترتب اللازم على بقاء الملازمة عند تحقق الغليان عقلى فلا يثبت بالاستصحاب ، قلت هذا انما يتم على تقدير كون الملازمة عقلية لا شرعية ، وقوله وقد يقع الشك : كما اذا غلا العصير بنفسه او بالشمس وشك فى اشتراط كون الغليان

٣٨٣

الحكم فعلا فى الزمان الثانى اعتبر احراز الملزوم فيه ليترتب عليه بحكم الاستصحاب لازمه وقد يقع الشك فى وجود الملزوم فى الآن اللاحق لعدم تعينه واحتمال مدخلية شيء فى تأثير ما يتراءى انه ملزوم.

الامر الخامس قد عرفت ان معنى (١) عدم نقض اليقين والمضى عليه هو ترتيب آثار اليقين السابق الثابتة بواسطته للمتيقن ووجوب ترتيب تلك الآثار من جانب الشارع لا يعقل إلّا فى الآثار الشرعية المجعولة من الشارع لذلك الشيء لانها القابلة للجعل دون غيرهما من الآثار العقلية والعادية فالمعقول من حكم الشارع بحياة زيد وايجابه ترتيب آثار الحياة فى زمان الشك هو حكمه بحرمة تزويج

__________________

ـ بالنار فى الحرمة و (ح) لا بد فى الحكم بترتب اللازم على ملزومه فعلا من اثبات وجود الملزوم فى الخارج (ق)

١ ـ حاصله ان معنى حكم الشارع ببقاء ما كان ليس ابقاء للواقع حقيقة ولا جعلا له تكوينا بل هو انشاء للحكم الظاهرى ، فان كان المتيقن باعتبار نفسه قابلا لجعل الشارع كالخمسة التكليفية المعروفة كان المجعول فى مقام الظاهر حكما ظاهريا مساوقا للحكم السابق المتيقن فيكون هنا حكمان وإنشاءان انشاء لحكم واقعى وانشاء لحكم ظاهرى ، فكان الشارع قال : اذا شككت فى وجوب فعل فابن على وجوبه وهذا حكم ظاهرى ، وإن كان من الموضوعات الخارجة غير القابلة للجعل فمعنى جعله يرجع الى جعل الآثار الشرعية المترتبة عليه بواسطة اليقين فى زمان الشك. فمعنى عدم نقض اليقين بوجود زيد ترتيب ما يترتب عليه فى حال اليقين به من الآثار الشرعية فكل حكم شرعى كان مترتبا عليه فى حال اليقين يترتب عليه حال الشك ، فمرجع حرمة النقض فى الحكم ، الجعل والانشاء لمثله فى الظاهر كما ان مرجع ذلك فى الموضوع الجعل لاحكامه كذلك ، وبذلك يظهر ان المستصحب إن كان من الموضوعات الخارجية فالثابت عند الشك هو الآثار الشرعية فقط لا العقلية ولا العادية لعدم قابليتها للجعل ولا الآثار المترتبة على تلك الآثار لانها ليست آثار النفس المتيقن (م ق)

٣٨٤

زوجته والتصرف فى ماله لا حكمه بنموه ونبات لحيته لان هذه غير قابلة لجعل الشارع ، نعم لو وقع نفس النمو ونبات اللحية موردا للاستصحاب او غيره من التنزيلات الشرعية افاد ذلك جعل آثارهما الشرعية دون العقلية والعادية لكن المفروض ورود الحياة موردا للاستصحاب.

والحاصل ان تنزيل الشارع المشكوك منزلة المتيقن كسائر التنزيلات (١) انما يفيد ترتيب الاحكام والآثار الشرعية المحمولة على المتيقن السابق فلا دلالة فيها على جعل غيرها من الآثار العقلية والعادية لعدم قابليتها للجعل ولا على جعل الآثار الشرعية المترتبة على تلك الآثار لانها ليست آثار نفس المتيقن ولم يقع ذوها موردا لتنزيل الشارع حتى يترتب هى عليه.

اذا عرفت هذا فنقول ان المستصحب اما ان يكون من الاحكام الشرعية المجعولة كالوجوب والتحريم والاباحة وغيرها واما ان يكون من غير المجعولات كالموضوعات الخارجية واللغوية فان كان من الاحكام الشرعية فالمجعول فى زمان الشك حكم ظاهرى مساو للمتيقن السابق فى جميع ما يترتب عليه لانه مفاد وجوب ترتيب آثار المتيقن السابق ووجوب المضى عليه والعمل به وان كان من غيرها فالمجعول فى زمان الشك هى لوازمه الشرعية (٢) دون العقلية والعادية ودون

__________________

١ ـ كاصالة الصحة فى فعل الغير وقاعدة الفراغ واليد ونحوهما (شرح)

٢ ـ اعلم ان المستصحب اذا كان من الموضوعات قد يكون مقارنا لامور وهى لا تخلو اما ان تكون من لوازم المستصحب او ملزومة له او يكونا لازمين لملزوم ثالث او مقارنة له فى الوجود من باب الاتفاق ، وعلى التقادير اما ان تكون هذه الامور شرعية او عقلية او عادية ، وعلى التقادير اما ان يراد بالاستصحاب اثبات تمام الامر الوجودى او بعض قيوده ، وايضا اما ان يكون المستصحب متحد الوجود مع الامر الذى يراد اثباته او متغايرا ولنشر الى بعض الامثلة ليتضح كلام الماتن ، فنقول اما اثبات اللوازم الشرعية فكاستصحاب حياة زيد لابيات حرمة التصرف فى ماله وحرمة تزويج

٣٨٥

ملزومه شرعيا كان او غيره ودون ما هو ملازم معه لملزوم ثالث ولعل هذا هو المراد بما اشتهر على السنة اهل العصر من نفى الاصول المثبتة فيريدون به ان الاصل لا يثبت امرا فى الخارج حتى يترتب عليه حكمه الشرعى بل مؤداه امر الشارع بالعمل على طبق مجراه شرعا.

فان قلت الظاهر من الاخبار وجوب ان يعمل الشاك عمل المتيقن بان يفرض نفسه متيقنا ويعمل كل عمل ينشأ من تيقنه بذلك المشكوك سواء كان ترتبه عليه بلا واسطة او بواسطة امر عادى او عقلى مترتب على ذلك المتيقن.

قلت الواجب على الشاك عمل المتيقن بالمستصحب من حيث تيقنه به واما ما يجب عليه من حيث تيقنه بامر يلازم ذلك المتيقن عقلا او عادة فلا يجب عليه لان وجوبه عليه يتوقف على وجود واقعى لذلك الامر العقلى او العادى او وجود جعلى بان يقع موردا لجعل الشارع حتى يرجع جعله الغير المعقول الى جعل احكامه الشرعية وحيث فرض عدم الوجود الواقعى والجعل لذلك الامر كان الاصل عدم وجوده وعدم ترتب آثاره.

وهذه المسألة نظير ما هو المشهور فى باب الرضاع (١) من انه اذا ثبت بالرضاع

__________________

ـ زوجته وكسائر الموضوعات بالنسبة الى احكامها الشرعية ، واللازم العادى كاستصحاب حياة زيد لاثبات نبات لحيته ؛ واللوازم العقلية كاستصحاب الوجوب لاثبات وجوب طاعته واما الملزوم فكما لو توضأ بمائع مردد بين الماء والبول فاستصحاب طهارة البدن لاثبات طهارة الماء وكذا بقاء الحدث لاثبات نجاسته يكون من اثبات الملزوم الشرعى باستصحاب اللازم ، وان اريد استصحاب طهارة البدن لاثبات ارتفاع الحدث كان من قبيل اثبات احد المتلازمين باثبات الملازم الآخر لكونهما لازمين لطهارة الماء ؛ واما ما كان من قبيل المقارنات الاتفاقية فكاستصحاب طهارة احد الإناءين فى المحصورة لاثبات نجاسة الآخر (م ق)

١ ـ كما اذا ارضعت امرأة اخاك فبنتها تكون اختا لاخيك ولا تكون اختك

٣٨٦

عنوان ملازم لعنوان محرم من المحرمات لم يوجب التحريم لان الحكم تابع لذلك العنوان الحاصل بالنسب او بالرضاع فلا يترتب على غيره المتحد معه وجودا ومن هنا يعلم انه لا فرق فى الامر العادى بين كونه متحد الوجود مع المستصحب بحيث لا يتغايران إلّا مفهوما كاستصحاب بقاء الكر فى الحوض (١) عند الشك فى كرية الماء الباقى فيه وبين تغايرهما فى الوجود كما لو علم بوجود المقتضى لحادث على وجه لو لا المانع حدث وشك فى وجود المانع.

وكذا لا فرق بين ان يكون اللزوم بينه وبين المستصحب كليا لعلاقة وبين ان يكون اتفاقيا فى قضية جزئية كما اذا علم لاجل العلم الاجمالى الحاصل بموت زيد او عمرو ان بقاء حيوة زيد ملازم لموت عمرو وكذا بقاء حيوة عمرو ففى الحقيقة عدم الانفكاك اتفاقى من دون ملازمة وكذا لا فرق بين ان يثبت بالمستصحب تمام ذلك الامر العادى كالمثالين او قيد له عدمى او وجودى كاستصحاب الحياة للمقطوع نصفين فيثبت القتل الذى هو إذهاق الحياة وكاستصحاب عدم

__________________

ـ فلا يوجب التحريم وإن كانا متلازمين لان قوله (ع) يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب تنزيل لهذا العنوان وليس تنزيلا لملازمه (شرح)

١ ـ لان المستصحب بقاء الكر الموجود فى السابق والامر العادى كون الموجود فى الحوض كرا وهما متغايران مفهوما متحدان وجودا ؛ وقوله وبين تغايرهما : كما لو رمى سهما لو لا الحائل لقتل المرمى فباصالة عدم الحائل يثبت القتل ويترتب عليه وجوب الدية ؛ وقوله كليا لعلاقة : كبقاء الشمس وبقاء الضوء ، وقوله كالمثالين : يعنى مثال وجود المقتضى والعلم الاجمالى ، وقوله او قيد له : والامر هنا اعنى الموت معلوم إلّا ان قيده الوجودى وهو حصوله بعنوان القتل ثابت باصالة بقاء الحياة الى زمانه ، وفى المثال بعده الامر العادى وهو الدم معلوم إلّا ان قيده العدمى وهو اتصافه بعدم الاستحاضة ليكون حيضا ثابت باصالة عدم تحقق دم الاستحاضة ، والمثال الاخير ايضا لاثبات القيد الوجودى للاجزاء باصالة عدم الفصل (م ق)

٣٨٧

الاستحاضة المثبت لكون الدم الموجود حيضا بناء على ان كل دم ليس باستحاضة حيض شرعا وكاستصحاب عدم الفصل الطويل المثبت لاتصاف الاجزاء المتفاصلة بما لا يعلم معه فوات الموالات بالتوالى.

ثم انه لو قلنا باعتبار الاستصحاب من باب الظن لم يكن مناص عن الالتزام بالاصول المثبتة لعدم انفكاك الظن بالملزوم عن الظن باللازم شرعيا كان او غيره ولعل ما ذكرناه هو الوجه فى عمل جماعة من القدماء والمتأخرين بالاصول المثبتة فى كثير من الموارد.

منها ما ذكره جماعة تبعا للمحقق فى كر وجد فيه نجاسة لا يعلم سبقها على الكرية وتأخرها فانهم حكموا (١) بان استصحاب عدم الكرية قبل الملاقاة الراجع الى استصحاب عدم المانع عن الانفعال حين وجود المقتضى له معارض باستصحاب عدم الملاقاة قبل الكرية.

ومنها ما فى الشرائع من انه لو قد الملفوف بالكساء بنصفين فادعى الولى انه كان حيا والجانى انه كان ميتا فالاحتمالان متساويان والمستفاد منه (٢) نهوض استصحاب الحياة لاثبات القتل الذى هو سبب الضمان الى غير ذلك مما يقف عليه المتتبع فى كتب الفقه خصوصا كتب الشيخ والفاضلين والشهيدين لكن

__________________

١ ـ هذا مبنى على كون الملاقاة مقتضية للانفعال والكرية عاصمة ومانعة كما هو ظاهر قوله (ع) الماء اذا بلغ قدر كر لا ينجسه شيء. (وح) فاصالة عدم الكرية قبل الملاقاة تثبت النجاسة ولكن اصالة عدم الملاقاة قبل الكرية لا يترتب عليه اثر الا من باب اثبات وقوع الملاقاة حين الكرية وهو اصل مثبت (م ق)

٢ ـ لظهور كلامه فى انه لو لا اصالة عدم الضمان لكان القتل ثابتا باصالة بقاء الحياة (م ق)

٣٨٨

المعلوم منهم ومن غيرهم من الاصحاب عدم العمل بكل اصل مثبت فاذا تسالم الخصمان فى بعض الفروع المتقدمة على ضرب اللفاف بالسيف على وجه لو كان زيد الملفوف به سابقا باقيا على اللفاف لقتله إلّا انهما اختلفا فى بقائه ملفوفا او خروجه عن اللف فهل تجد من نفسك رمى احد من الاصحاب بالحكم بان الاصل بقاء لفه فيثبت القتل إلّا ان يثبت الآخر خروجه او تجد فرقا (١) بين بقاء زيد على اللف وبقائه على الحياة لتوقف تحقق عنوان القتل عليهما.

وكذا لو وقع الثوب النجس فى حوض كان فيه الماء سابقا ثم شك فى بقائه فيه فهل يحكم احد بطهارة الثوب بثبوت انغساله باصالة بقاء الماء وكذا لو رمى صيدا او شخصا على وجه لو لم يطرأ حائل لاصابه فهل يحكم بقتل الصيد او الشخص باصالة عدم الحائل الى غير ذلك مما لا يحصى من الامثلة التى نقطع بعدم جريان الاصل لاثبات الموضوعات الخارجية التى يترتب عليها الاحكام الشرعية

وكيف كان فالمتبع هو الدليل وقد عرفت ان الاستصحاب ان قلنا به من باب الظن النوعى كما هو ظاهر اكثر القدماء فهو كاحدى الامارات الاجتهادية يثبت به كل موضوع يكون نظير المستصحب فى جواز العمل فيه بالظن الاستصحابيّ ، واما على المختار من اعتباره من باب الاخبار فلا يثبت به ما عدا الآثار الشرعية المرتبة على نفس المستصحب نعم هنا شيء (٢) وهو ان بعض الموضوعات الخارجية المتوسطة

__________________

١ ـ يعنى مع عدم الفارق قد عملوا باستصحاب الحياة ولم يعملوا باستصحاب بقاء اللف (ق)

٢ ـ حاصله ان ما تقدم من عدم الاعتداد بالاصول المثبتة انما هو فيما كانت الواسطة بين المستصحب والاثر الشرعى واضحة جلية بحيث يعد الاثر من آثار هذه الواسطة دون المستصحب وإلّا ففيما كانت الواسطة خفية بحيث يعد الاثر من آثار المستصحب بالمسامحة العرفية كان الاستصحاب (ح) حجة ، وقوله رطوبة النجس كما فى الثوب النجس المنشور على الارض الطاهرة (م ق)

٣٨٩

بين المستصحب وبين الحكم الشرعى من الوسائط الخفية بحيث يعد فى العرف الاحكام الشرعية المترتبة عليها احكاما لنفس المستصحب وهذا المعنى يختلف وضوحا وخفاء باختلاف مراتب خفاء الوسائط عن انظار العرف.

منها ما اذا استصحب رطوبة النجس من المتلاقيين مع جفاف الآخر فانه لا يبعد الحكم بنجاسته مع ان تنجسه ليس من احكام ملاقاته للنجس رطبا بل من احكام سراية رطوبة النجاسة اليه وتأثره بها بحيث يوجد فى الثوب رطوبة متنجسة ، ومن المعلوم ان استصحاب رطوبة النجس الراجع الى بقاء جزء مائى قابل للتأثير لا يثبت تأثر الثوب وتنجسه بها فهو اشبه مثال بمسألة الماء فى الحوض المثبت لانغسال الثوب به وحكى فى الذكرى عن المحقق تعليل الحكم بطهارة الثوب الذى طارت الذبابة عن النجاسة اليه بعدم الجزم ببقاء رطوبة الذبابة وارتضاه فيحتمل ان يكون لعدم اثبات الاستصحاب لوصول الرطوبة الى الثوب كما ذكرنا.

ومنها اصالة عدم دخول هلال شوال فى يوم الشك المثبت لكون غده يوم العيد فيترتب عليه احكام العيد من الصلاة والغسل وغيرهما فان مجرد عدم الهلال فى يوم (١) لا يثبت اولية غده للشهر اللاحق لكن العرف لا يفهمون من وجوب ترتيب آثار عدم انقضاء رمضان وعدم دخول شوال الا ترتيب احكام اولية غده لشهر آخر فالاول عندهم ما لم يسبق بمثله وكيف كان فالمعيار خفاء توسط الامر العادى والعقلى بحيث يعد آثاره آثار النفس المستصحب.

الامر السادس لا فرق فى المستصحب بين ان يكون مشكوك الارتفاع فى الزمان اللاحق رأسا وبين ان يكون مشكوك الارتفاع فى جزء من الزمان اللاحق مع القطع بارتفاعه بعد ذلك الجزء فاذا شك فى بقاء حيوة زيد فى جزء من الزمان اللاحق فلا يقدح فى جريان استصحاب حياته علمنا بموته بعد ذلك الجزء من الزمان وعدمه

__________________

١ ـ فانه بعد العلم الاجمالى بان آخر شهر رمضان اما هذا اليوم او اليوم الذى قبله يكون استصحاب عدم انقضاء رمضان او عدم دخول شوال ملازما لكون غده اول شوال إلّا ان اهل العرف يزعمون ترتب احكام اول شوال على زمان لم يسبق مثله (ق)

٣٩٠

وهذا هو الذى يعبر عنه باصالة تأخر الحادث يريدون به انه اذا علم بوجود حادث فى زمان وشك فى وجوده قبل ذلك الزمان فيحكم باستصحاب عدمه قبل ذلك ويلزمه عقلا تأخر حدوث ذلك الحادث فاذا شك فى مبدإ موت زيد مع القطع بكونه يوم الجمعة ميتا فحيوته قبل الجمعة الثابتة بالاستصحاب مستلزمة عقلا لكون مبدإ موته يوم الجمعة وحيث تقدم فى الامر السابق انه لا يثبت بالاستصحاب بناء على العمل به من باب الاخبار لوازمه العقلية فلو ترتب على حدوث موت زيد فى يوم الجمعة لا على مجرد حياته قبل الجمعة حكم شرعى لم يترتب على ذلك نعم لو قلنا باعتبار الاستصحاب من باب الظن او كان اللازم العقلى من اللوازم الخفية جرى فيه ما تقدم ذكره.

وتحقيق المقام وتوضيحه ان تأخر الحادث (١) قد يلاحظ بالقياس الى ما قبله من اجزاء الزمان كالمثال المتقدم فيقال الاصل عدم موت زيد قبل الجمعة فيترتب عليه جميع احكام ذلك العدم لا احكام حدوثه يوم الجمعة اذ المتيقن بالوجدان تحقق الموت يوم الجمعة لا حدوثه إلّا ان يقال ان الحدوث هو الوجود المسبوق بالعدم واذا ثبت بالاصل عدم الشيء سابقا وعلم بوجوده بعد ذلك فوجوده المطلق فى الزمان اللاحق اذا انضم الى عدمه قبل ذلك الثابت بالاصل تحقق مفهوم الحدوث

__________________

١ ـ توضيحه انه قد يعلم وجود حادث كموت زيد ويشك فى مبدأ حدوثه وانه يوم الخميس او يوم الجمعة وعلى تقدير الحدوث يوم الخميس فهو مستمر الى يوم الجمعة ايضا ، وقد يعلم بحدوثه فى احد الزمانين وانعدامه بعد حدوثه كمثال الكر ، وعلى الاول فاما ان يراد ترتيب آثار عدم الحدوث الى يوم الجمعة او آثار الحدوث يومها ، لا اشكال فى الاول وانما الكلام فى الثانى فان الحدث اما امر وجودى خاص ملازم للعدم الذى قبله او انه مركب من وجود شيء فى زمان وعدمه قبل ذلك الزمان فعلى الاول يكون الاصل مثبتا دون الثانى لان الموضوع المركب لا بأس باثبات بعضه بالاصل والبعض الآخر بالوجدان (م ق)

٣٩١

وقد عرفت حال الموضوع الخارجى الثابت احد جزئى مفهومه بالاصل.

ومما ذكرنا يعلم انه لو كان الحادث مما يعلم بارتفاعه بعد حدوثه فلا يترتب عليه احكام الوجود فى الزمان المتأخر ايضا لان وجوده مساوق لحدوثه ، نعم يترتب عليه احكام وجوده المطلق فى زمان من الزمانين كما اذا علمنا ان الماء لم يكن كرا قبل الخميس فعلم انه صار كرا بعده وارتفع كريته بعد ذلك فنقول الاصل عدم كريته فى يوم الخميس ولا يثبت بذلك كريته يوم الجمعة فلا يحكم بطهارة ثوب نجس وقع فيه فى احد اليومين لاصالة بقاء نجاسته وعدم اصل حاكم عليه ، نعم لو وقع فيه فى كل من اليومين حكم بطهارته من باب انغسال الثوب بماءين مشتبهين (١)

وقد يلاحظ تأخر الحادث بالقياس الى حادث آخر كما اذا علم بحدوث حادثين وشك فى تقدم احدهما على الآخر فاما ان يجهل تاريخهما او يعلم تاريخ احدهما فان جهل تاريخهما فلا يحكم بتأخر احدهما (٢) المعين عن الآخر لان التأخر فى نفسه ليس مجرى الاستصحاب لعدم مسبوقيته باليقين واما اصالة عدم احدهما فى زمان حدوث الآخر فهى معارضة بالمثل وحكمه التساقط مع ترتب الاثر على كل واحد من الاصلين وسيجيء تحقيقه إن شاء الله وهل يحكم بتقارنهما فى مقام يتصور التقارن لاصالة عدم كل منهما قبل وجود الآخر وجهان من كون التقارن امرا وجوديا لازما لعدم كل منهما قبل الآخر ومن كونه من اللوازم الخفية حتى كاد

__________________

١ ـ هذا مبنى على كون الماء المتمم كرا طاهرا وإلّا فلا يحكم بطهارة الثوب بل يحكم بنجاسة الماء فان الملاقاة يوم الخميس ان صادفت قلته كما هو مقتضى الاصل فقد تنجس ولا ينفع الكرية يوم الجمعة الا على الفرض المذكور (الهمدانى)

٢ ـ اى بعنوان التأخر بان يقال ان هذا كان متأخرا عن الآخر فهو الآن كذلك وذلك لعدم حالة سابقة معلومة كذلك لاحدهما ، قوله واما اصالة عدم : بان يستصحب عدم موت زيد مثلا حال موت عمر وعدم موت عمر حال موت زيد فى صورة حصول العلم الاجمالى بالموتين (شرح)

٣٩٢

يتوهم انه عبارة عن عدم تقدم احدهما على الآخر فى الوجود.

وان كان احدهما معلوم التاريخ فلا يحكم على مجهول التاريخ الا باصالة عدم وجوده فى تاريخ ذلك لا تأخر وجوده عنه بمعنى حدوثه بعده ، نعم يثبت ذلك على القول بالاصل المثبت فاذا علم تاريخ ملاقات الثوب للحوض وجهل تاريخ صيرورته كرا فيقال الاصل بقاء قلته وعدم كريته فى زمان الملاقاة واذا علم تاريخ الكرية حكم ايضا باصالة عدم تقدم الملاقاة فى زمان الكرية وهكذا.

فالحاصل انّ المعتبر فى مورد الشك فى تأخر حادث عن آخر استصحاب عدم الحادث فى زمان حدوث الآخر فان كان زمان حدوثه معلوما فيجرى احكام بقاء المستصحب فى زمان الحادث المعلوم لا غيرها فاذا علم بتطهيره فى الساعة الاولى من النهار وشك فى تحقق الحدث قبل تلك الساعة او بعدها فالاصل عدم الحدث فيما قبل الساعة لكن لا يلزم من ذلك ارتفاع الطهارة المتحققة فى الساعة الاولى كما تخيله بعض الفحول وان كان مجهولا كان حكمه (١) حكم احد الحادثين المعلوم حدوث احدهما اجمالا وسيجيء توضيحه.

واعلم انه قد يوجد شيء فى زمان ويشك فى مبدئه ويحكم بتقدمه لان تأخره لازم لحدوث حادث آخر قبله والاصل عدمه وقد يسمى ذلك بالاستصحاب القهقرى مثاله انه اذا ثبت ان صيغة الامر حقيقة فى الوجوب فى عرفنا وشك فى كونها كذلك قبل ذلك حتى يحمل خطابات الشارع على ذلك فيقال مقتضى الاصل كون الصيغة حقيقة فيه فى ذلك الزمان بل قبله اذ لو كان فى ذلك الزمان حقيقة فى غيره لزم النقل وتعدد الوضع والاصل عدمه وهذا انما يصح بناء على الاصل

__________________

١ ـ يعنى كان حكم الحادثين الذين علم بحدوثهما وشك فى المتأخر منهما حكم احد حادثين علم اجمالا بحدوث احدهما كما اذا علم اجمالا بموت احد ولم يعلم انه زيد او عمرو فكما ان اصالة عدم موت زيد هنا معارضة باصالة عدم موت عمرو كذلك فيما نحن فيه اصالة عدم احدهما فى زمان الآخر معارضة بمثلها فلا يترتب عليها اثر شرعى اصلا (ق)

٣٩٣

المثبت (١) وقد استظهرنا سابقا انه متفق عليه فى الاصول اللفظية ومورده صورة الشك فى وحدة المعنى وتعدده اما اذا علم التعدد وشك فى مبدإ حدوث الوضع المعلوم فى زماننا فمقتضى الاصل عدم ثبوته قبل الزمان المعلوم ولذا اتفقوا فى مسئلة الحقيقة الشرعية على ان الاصل فيها عدم الثبوت.

الامر السابع قد يستصحب صحة العبادة عند الشك فى طرو مفسد كفقد ما يشك فى اعتبار وجوده فى العبادة او وجود ما يشك فى اعتبار عدمه وقد مر بسط الكلام فى جواز التمسك بالاستصحاب وغيره من العمومات المقتضية للصحة فى اصالة البراءة عند الكلام فى مسئلة الشك فى الشرطية.

الامر الثامن لا فرق فى المستصحب بين ان يكون من الموضوعات الخارجية او اللغوية (٢) او الاحكام الشرعية العملية اصولية كانت او فرعية واما الشرعية الاعتقادية فلا يعتبر الاستصحاب فيها لان مؤدّى الاخبار ليس إلّا الحكم على ما كان معمولا به على تقدير اليقين والمفروض ان وجوب الاعتقاد بشيء على تقدير اليقين به لا يمكن الحكم به عند الشك لزوال الاعتقاد فلا يعقل التكليف كما انه لو شك فى نسخ اصل الشريعة لم يجز التمسك بالاستصحاب لاثبات بقائها فان الدليل النقلى الدال عليه لا يجدى لعدم ثبوت الشريعة السابقة ولا اللاحقة فعلم مما ذكرنا ان ما يحكى

__________________

١ ـ فان لازم عدم حدوث نقل بالنسبة الى هذا اللفظ كون وضعه للمعنى الثابت له بالفعل من اول الامر فاثبات الثانى بالاول من الاصول المثبتة (شرح)

٢ ـ كاستصحاب كون الصلاة موضوعة للدعاء لو شك فى ذلك والمراد بالاصولية اصول الفقه كاستصحاب كون العام المخصص حجة فى الباقى بعد التخصيص ونحو ذلك وقوله واما الشرعية الاعتقادية : مثل ما لو وجب الاعتقاد بوجود نبى ثم شك فيه من جهة الشك فى نسخ شريعته لظهور شخص آخر مدع للنبوة والسر فى عدم صحة الاستصحاب (ح) ان وجوب الاعتقاد موضوعه اليقين بالنبوة فلا معنى لبقائه بعد القطع بانتفاء موضوعه (شرح)

٣٩٤

من تمسك بعض اهل الكتاب فى مناظرة بعض الفضلاء السادة باستصحاب شرعه مما لا وجه له.

ثم انه يمكن الجواب عن الاستصحاب المذكور بوجوه ، الاول ان المقصود من التمسك به ان كان الاقتناع به (١) فى العمل عند الشك فهو مع مخالفته للمحكى عنه من قوله فعليكم كذا وكذا فانه ظاهر فى ان غرضه الاسكات والالزام فاسد جدا لان العمل به على تقدير تسليم جوازه غير جائز الا بعد الفحص والبحث وحينئذ يحصل العلم باحد الطرفين بناء على ما ثبت من انفتاح باب العلم فى مثل هذه المسألة كما يدل عليه النص الدال على تعذيب الكفار والاجماع المدعى على عدم معذورية الجاهل خصوصا فى هذه المسألة خصوصا من مثل هذا الشخص الناشى فى بلاد الاسلام وكيف كان فلا يبقى مجال للتمسك بالاستصحاب ، وان اراد به الاسكات (٢) والالزام ففيه ان الاستصحاب ليس دليلا اسكاتيا لانه فرع الشك وهو امر وجدانى كالقطع لا يلتزم به احد وان اراد بيان ان مدعى ارتفاع الشريعة السابقة ونسخها محتاج الى الاستدلال فهو غلط لان مدعى البقاء فى مثل المسألة ايضا يحتاج الى الاستدلال عليه.

الثانى ان اعتبار الاستصحاب ان كان من باب الاخبار فلا ينفع الكتابى التمسك به لان ثبوته فى شرعنا مانع عن استصحاب النبوة وثبوته فى شرعهم غير معلوم ، نعم لو ثبت ذلك من شريعتهم امكن التمسك به لصيرورته حكما إلهيا غير

__________________

١ ـ الدليل كما قيل منه اقناعى ومنه اسكاتى والاول ما يستدل به المستدل لاثبات عمل نفسه وان لم يكن بعض مقدماته مسلمة عند الخصم والثانى ما اشتمل على مسلمات الخصم (ق)

٢ ـ نظرا الى اعتراف المسلمين بحجية الاستصحاب فى شرعهم ، وحاصل الجواب ان الاسكات انما يتأتى مع اعتراف المسلمين بالشك وليس كذلك لانهم يدعون القطع بنسخ تلك الشريعة (ق)

٣٩٥

منسوخ يجب تعبد الفريقين به وان كان من باب الظن فالعمل بهذا الظن فى مسئلة النبوة ممنوع وغاية ما يستفاد من بناء العقلاء فى الاستصحاب هى ترتيب الاعمال المترتبة على الدين السابق دون حقية دينهم ونبوة نبيهم التى هى من اصول الدين فالاظهر ان يقال انهم كانوا قاطعين بحقية دينهم من جهة بعض العلامات التى اخبرهم بها النبى السابق ، نعم بعد ظهور النبى الجديد الظاهر كونهم شاكين فى دينهم مع بقائهم على الاعمال وحينئذ فللمسلمين ايضا ان يطالبوا اليهود باثبات حقية دينهم لعدم الدليل لهم عليها وان كان لهم الدليل على البقاء على الاعمال فى الظاهر

الثالث انا لم نجزم بالمستصحب ، وهى نبوة موسى او عيسى إلّا باخبار نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونص القرآن وحينئذ فلا معنى للاستصحاب والحاصل ان الاستصحاب موقوف على تسالم المسلمين وغيرهم عليه لا من جهة النص عليه فى هذه الشريعة وهو مشكل خصوصا بالنسبة الى عيسى (ع) لامكان معارضة قول النصارى بتكذيب اليهود به.

الرابع ان مرجع النبوة المستصحبة ليس إلّا الى وجوب التدين بجميع ما جاء به ذلك النبى وإلّا فاصل صفة النبوة امر قائم بنفس النبى (ص) لا معنى لاستصحابه لعدم قابليته للارتفاع ابدا ولا ريب انا قاطعون بان من اعظم ما جاء به النبى السابق الاخبار بنبوة نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما يشهد به الاهتمام بشأنه فى قوله تعالى حكاية عن عيسى (إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) فكل ما جاء به من الاحكام فهو فى الحقيقة مغيّا بمجيئى نبينا (ص) فدين عيسى (ع) المختص به عبارة عن مجموع احكام مغياة اجمالا بمجيئى نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن المعلوم ان الاعتراف ببقاء ذلك الدين لا يضر المسلمين فضلا عن استصحابه فان اراد الكتابي دينا غير هذه الجملة المغياة اجمالا بالبشارة المذكورة فنحن منكرون له وان اراد هذه الجملة فهو عين مذهب المسلمين وفى الحقيقة بعد كون احكامهم مغياة لا رفع

٣٩٦

حقيقة ومعنى النسخ انتهاء مدة الحكم المعلومة اجمالا.

فان قلت لعل مناظرة الكتابى فى تحقق الغاية المعلومة وان الشخص الجائى هو المبشر به ام لا فيصح تمسكه بالاستصحاب قلت المسلم هو الدين المغيى بمجيئى هذا الشخص الخاص لا بمجيئى موصوف كلى حتى يتكلم فى انطباقه على هذا الشخص ويتمسك بالاستصحاب.

الخامس ان يقال انا معاشر المسلمين لما علمنا ان النبى السالف اخبر بمجيئى نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وان ذلك كان واجبا عليه ووجوب الاقرار به والايمان به متوقف على تبليغ ذلك الى رعيته ، صح لنا ان نقول ان المسلم نبوة النبى السالف على تقدير تبليغ نبوة نبينا (ص) والنبوة التقديرية لا تضرنا ولا تنفعهم فى بقاء شريعتهم.

ولعل هذا الجواب يرجع الى ما ذكره الامام ابو الحسن الرضا صلوات الله عليه فى جواب الجاثليق حيث قال له عليه‌السلام ما تقول فى نبوة عيسى وكتابه هل تنكر منهما شيئا قال عليه‌السلام انا مقر بنبوة عيسى وكتابه وما بشر به امته وأقر به الحواريون وكافر بنبوة كل عيسى لم يقر بنبوة محمد (ص) وكتابه ولم يبشر به امته ثم قال الجاثليق أليس نقطع الاحكام بشاهدى عدل قال عليه‌السلام بلى قال الجاثليق فاقم شاهدين عدلين من غير اهل ملتك على نبوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ممن لا ينكره النصرانية وسلنا مثل ذلك من غير اهل ملتنا قال عليه‌السلام الآن جئت بالنصفة يا نصرانى ثم ذكر (ع) اخبار خواص عيسى (ع) بنبوة محمد (ص).

ولا يخفى ان الاقرار (١) بنبوة عيسى وكتابه وما بشر به امته لا يكون حاسما

__________________

١ ـ حاصله ان ما اقر به الامام من نبوة عيسى وكتابه والبشارة إن كان كل منهما اقرارا مستقلا لا يحسم مادة كلام الجاثليق اذ له ان يقول انه بعد الاقرار بالنبوة فلا يجديك دعوى اقرار عيسى (ع) بالبشارة الا عن دليل فما لم تقم الدليل فلا بد من ـ الاخذ بالاقرار الاول ، فمراد الامام (ع) ان الاقرار بنبوة عيسى (ع) ليس على اطلاقه بل على تقدير البشارة بمعنى ان من نقر بنبوته هو عيسى الذى بشر امته بنبوة نبينا فالمقر به هى النبوة المتعلقة بهذا الموصوف على تقدير وجود هذه الصفة فيه (م ق)

٣٩٧

لكلام الجاثليق إلّا اذا اريد المجموع من حيث المجموع بجعل الاقرار بعيسى (ع) مرتبطا بتقدير بشارته المذكورة ويشهد له قوله (ع) بعد ذلك كافر بنبوة كل عيسى لم يقر ولم يبشر فان هذا فى قوة مفهوم التعليق المستفاد من الكلام السابق واما التزامه بالبينة على دعواه فلا يدل (١) على تسليمه الاستصحاب وصيرورته مثبتا بمجرد ذلك بل لانه (ع) من اول المناظرة ملتزم بالاثبات وإلّا فالظاهر المؤيد بقول الجاثليق وسلنا مثل ذلك كون كل منهما مدعيا إلّا ان يريد الجاثليق ببينته نفس الامام وغيره من المسلمين المعترفين بنبوة عيسى (ع) اذ لا بينة له ممن لا ينكره المسلمون سوى ذلك فافهم.

الامر التاسع ان الدليل الدال على الحكم فى الزمان السابق اما ان يكون مبينا لثبوت الحكم فى الزمان الثانى كقوله اكرم العلماء فى كل زمان وكقوله لا تهن فقيرا حيث ان النهى للدوام واما ان يكون مبينا لعدمه نحو اكرم العلماء الى ان يفسقوا بناء على مفهوم الغاية واما ان يكون غير مبين لحال الحكم فى الزمان الثانى نفيا واثباتا اما لاجماله كما اذا امر بالجلوس الى الليل مع تردد الليل بين استتار القرص وذهاب الحمرة واما لقصور دلالته كما اذا قال اذا تغير الماء نجس فانه لا يدل على ازيد من حدوث النجاسة فى الماء ومثل الاجماع المنعقد على حكم فى زمان فان الاجماع لا يشمل ما بعد ذلك الزمان.

ولا اشكال فى جريان الاستصحاب فى هذا القسم الثالث واما القسم الثانى فلا اشكال فى عدم جريان الاستصحاب فيه لوجود الدليل على ارتفاع الحكم

__________________

١ ـ من حيث دلالة الالتزام بها على كون جاثليق منكرا وقوله موافقا للاصل ثم المراد بالاستصحاب هنا هو المنجز دون المعلق (ق)

٣٩٨

فى الزمان الثانى وكذلك القسم الاول لان عموم اللفظ للزمان اللاحق كاف ومغن عن الاستصحاب بل مانع عنه اذ المعتبر فى الاستصحاب عدم الدليل ولو على طبق الحالة السابقة.

ثم اذا فرض خروج بعض الافراد فى بعض الازمنة عن هذا العموم فشك فيما بعد ذلك الزمان المخرج بالنسبة الى ذلك الفرد هل هو ملحق به فى الحكم او ملحق بما قبله فالحق هو التفصيل (١) فى المقام بان يقال ان اخذ فيه عموم الأزمان افراديا بان اخذ كل زمان موضوعا مستقلا لحكم مستقل لينحل العموم الى احكام متعددة بتعدد الأزمان كقوله اكرم العلماء كل يوم فقام الاجماع على حرمة اكرام زيد العالم يوم الجمعة ومثله ما لو قال اكرم العلماء ثم قال لا تكرم

__________________

١ ـ اذا تعلق الحكم بالعام فاما ان يتعلق بافراده فى كل زمان بان كان الزمان جزء موضوع للحكم فاراد بقوله اكرم العلماء فى كل ساعة مثلا وجوب اكرم كل فرد منهم فى كل ساعة ؛ فالاكرام فى كل ساعة موضوع مستقل لحكم مستقل ويقال فى هذا القسم بان الزمان لوحظ قيدا للموضوع ، واما ان يتعلق بالافراد على وجه الدوام والاستمرار من دون اخذ الزمان قيدا للموضوع فهنا حكم واحد عارض لموضوع واحد يقتضى الاطلاق او التصريح دوام العروض واستمراره ويقال فى هذا القسم ان الزمان لوحظ ظرفا للحكم ، ثم اذا خرج فرد عن تحت العموم كان قام الدليل على عدم وجوب اكرام زيد فى الساعة الاولى من النهار ثم شك فى الساعة الثانية فى حكم اكرامه فلا اشكال فى القسم الاول فى عدم جواز التمسك باستصحاب عدم وجوب اكرامه فى الساعة الثانية اذ المفروض كون الاكرام فى كل ساعة موضوعا مستقلا كصوم كل يوم فتسرية عدم الجواز من الاول الى الثانى ليس استصحابا بل اسراء بالحكم من موضوع الى آخر وهو باطل فلا محيص (ح) عن التمسك بعموم العام ، وهذا بخلاف القسم الثانى فلا يجوز التمسك فيه بالعموم ولا محيص عن الاستصحاب فانه اذا ثبت الحكم الواحد على الموضوع الواحد ثم شك فى بقائه فالاستصحاب محكم (شرح)

٣٩٩

زيدا يوم الجمعة اذا فرض الاستثناء قرينة على اخذ كل زمان فردا مستقلا فحينئذ يعمل عند الشك بالعموم ولا يجرى الاستصحاب بل لو لم يكن عموم وجب الرجوع الى ساير الاصول لعدم قابلية المورد للاستصحاب.

وان اخذ لبيان الاستمرار كقوله اكرم العلماء دائما ثم خرج فرد فى زمان ويشك فى حكم ذلك الفرد بعد ذلك الزمان فالظاهر جريان الاستصحاب اذ لا يلزم من ثبوت ذلك الحكم للفرد بعد ذلك الزمان تخصيص زائد على التخصيص المعلوم لان مورد التخصص الافراد دون الازمنة بخلاف القسم الاول بل لو لم يكن هنا استصحاب لم يرجع الى العموم بل الى الاصول الأخر ولا فرق بين استفادة الاستمرار من اللفظ كالمثال المتقدم او من الاطلاق كقوله تواضع للناس بناء على استفادة الاستمرار منه فانه اذا خرج منه التواضع فى بعض الازمنة على وجه لا يفهم من التخصيص ملاحظة المتكلم كل زمان فردا مستقلا لمتعلق الحكم استصحب حكمه بعد الخروج وليس هذا من باب تخصيص العام بالاستصحاب.

وقد صدر خلاف ما ذكرنا من ان مثل هذا من مورد الاستصحاب وان هذا ليس من تخصيص العام به فى موضعين (١) الاول ما ذكره المحقق الثانى فى مسئلة خيار الغبن فى باب تلقى الركبان من انه فورى لان عموم الوفاء بالعقود من حيث الافراد يستتبع عموم الأزمان وحاصله منع جريان الاستصحاب لاجل عموم وجوب الوفاء خرج منه اول زمان الاطلاع على الغبن وبقى الباقى.

وظاهر الشهيد الثانى فى المسالك اجراء الاستصحاب فى هذا الخيار وهو الاقوى بناء على انه لا يستفاد من اطلاق وجوب الوفاء الا كون الحكم مستمرا إلّا ان الوفاء فى كل زمان موضوع مستقل محكوم بوجوب مستقل حتى يقتصر فى تخصيصه على ما ثبت من جواز نقض العهد فى جزء من الزمان وبقى الباقى نعم

__________________

١ ـ احدهما فى العمل بالعموم فى مورد الاستصحاب والآخر فى تخصيص العام بالاستصحاب وقد قلنا بخلاف ذلك فى الموضعين (ق)

٤٠٠