الرسائل الجديدة والفرائد الحديثة

الشيخ علي المشكيني

الرسائل الجديدة والفرائد الحديثة

المؤلف:

الشيخ علي المشكيني


الموضوع : أصول الفقه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٣٥

فقد الملاقى والملاقاة ففقد فالظاهر طهارة الملاقى ووجوب الاجتناب عن صاحب الملاقى ولا يخفى وجهه فتامل جيدا.

الخامس لو اضطر الى ارتكاب بعض المحتملات فان كان بعضا معينا فالظاهر عدم وجوب الاجتناب عن الباقى ان كان الاضطرار قبل العلم او معه لرجوعه الى عدم تنجز التكليف بالاجتناب عن الحرام الواقعى لاحتمال كون المحرم هو المضطر اليه وقد عرفت توضيحه فى الامر المتقدم ، وان كان بعده فالظاهر وجوب الاجتناب عن الآخر لان الاذن فى ترك بعض المقدمات العلمية بعد ملاحظة وجوب الاجتناب عن الحرام الواقعى يرجع الى اكتفاء الشارع فى امتثال ذلك التكليف بالاجتناب عن بعض المشتبهات ، ولو كان المضطر اليه بعضا غير معين وجب الاجتناب عن الباقى وان كان الاضطرار قبل العلم الاجمالى لان العلم حاصل بحرمة واحدة من الامور لو علم حرمته تفصيلا وجب الاجتناب عنه وترخيص بعضها على البدل يوجب لاكتفاء الامر بالاجتناب عن الباقى.

فان قلت ترخيص ترك بعض المقدمات دليل على عدم ارادة الحرام الواقعى ولا تكليف بما عداه فلا مقتضى لوجوب الاجتناب عن الباقى.

قلت المقدمة العلمية مقدمة للعلم واللازم من الترخيص فيها عدم وجوب تحصيل العلم لا عدم وجوب الاجتناب عن الحرام الواقعى رأسا ، وحيث ان الحاكم بوجوب تحصيل العلم هو العقل بملاحظة تعلق الطلب الموجب للعقاب على المخالفة الحاصلة من ترك هذا المحتمل كان الترخيص المذكور موجبا للامن من العقاب على المخالفة فى ترك هذا الذى رخص فى تركه فيثبت من ذلك تكليف متوسط بين نفى التكليف رأسا وثبوته متعلقا بالواقع على ما هو عليه ، وحاصله ثبوت التكليف بالواقع من الطريق الذى رخص الشارع عليه‌السلام فى امتثاله منه وهو ترك باقى المحتملات ؛ وهذا نظير جميع الطرق الشرعية المجعولة للتكاليف الواقعية ومرجعه الى القناعة عن الواقع ببعض محتملاته معينا كما فى الاخذ بالحالة السابقة فى الاستصحاب او مخيرا كما فى موارد التخيير

٢٤١

السادس لو كان المشتبهات مما يوجد تدريجا كما اذا كانت زوجة الرجل مضطربة فى حيضها بان تنسى وقتها وان حفظت عددها فيعلم اجمالا انها حائض فى الشهر ثلاثة ايام مثلا ، فهل يجب على الزوج الاجتناب عنها فى تمام الشهر ويجب على الزوجة ايضا الامساك عن دخول المسجد وقراءة العزيمة تمام الشهر ام لا وكما اذا علم التاجر اجمالا بابتلائه فى يومه او شهره بمعاملة ربوية فهل يجب عليه الامساك عما لا يعرف حكمه من المعاملات فى يومه او شهره ام لا ، التحقيق ان يقال انه لا فرق بين الموجودات فعلا والموجودات تدريجا فى وجوب الاجتناب عن الحرام المردد بينها اذا كان الابتلاء دفعة وعدمه لاتحاد المناط فى وجوب الاجتناب.

نعم قد يمنع الابتلاء دفعة فى التدريجيات كما فى مثال الحيض فان تنجز تكليف الزوج بترك وطى الحائض قبل زمان حيضها ممنوع فان قول الشارع فاعتزلوا النساء فى المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن ظاهر فى وجوب الكف عند الابتلاء بالحائض ، اذ الترك قبل الابتلاء حاصل بنفس عدم الابتلاء فلا يطلب بهذا الخطاب كما انه مختص بذوى الازواج ولا يشمل العزاب الا على وجه التعليق فكذلك من لم يبتلى بالمرأة الحائض ، ويشكل الفرق بين هذا وبين ما اذا نذر او حلف على ترك الوطى فى ليلة خاصة ثم اشتبهت بين ليلتين او ازيد ، ولكن الاظهر (١) هنا وجوب الاحتياط وكذا فى المثال الثانى من المثالين المتقدمين

وحيث قلنا بعدم وجوب الاحتياط فى الشبهة التدريجية فالظاهر جواز

__________________

١ ـ لتحقق الابتلاء لكل من طرفى الشبهة بحسب العرف فى مثالى النذر والربوا دون مسئلة الحيض فان المدار فى الابتلاء وعدمه على حكم العرف ولطول الزمان وقصره دخل فى حكمهم بالنسبة الى الافعال المتدرجة فى الوجود ، فلو فرض تردد الامر فى الحيض ايضا بين اول الشهر والثانى والثالث مثلا كان كالاولين (م ق)

٢٤٢

المخالفة القطعية لان المفروض عدم تنجز التكليف الواقعى بالنسبة اليه فالواجب الرجوع فى كل مشتبه الى الاصل الجارى فى خصوص ذلك المشتبه اباحة وتحريما فيرجع فى المثال الاول الى استصحاب الطهر الى ان يبقى مقدار الحيض فيرجع فيه الى اصالة الاباحة لعدم جريان استصحاب الطهر ، وفى المثال الثانى الى اصالة الاباحة والفساد فيحكم فى كل معاملة يشك فى كونها ربوية بعدم استحقاق العقاب على ايقاع عقدها وعدم ترتب الاثر عليها لان فساد الربوا ليس دائرا مدار الحكم التكليفى ولذا يفسد فى حق القاصر بالجهل والنسيان او الصغر على وجه ، وليس هنا مورد التمسك بعموم صحة العقود للعلم بخروج بعض الشبهات التدريجية عن العموم لفرض العلم بفساد بعضها فيسقط العام عن الظهور بالنسبة اليها ويجب الرجوع الى اصالة الفساد ، اللهم إلّا ان يقال ان العلم الاجمالى بين المشتبهات التدريجية كما لا يقدح فى اجراء الاصول العملية فيها كذلك لا يقدح فى الاصول اللفظية فيمكن التمسك فيما نحن فيه بصحة كل واحد من المشتبهات باصالة العموم ، لكن الظاهر (١) الفرق بين الاصول اللفظية والعملية فتامل.

السابع ان ظاهر كلام الاصحاب التسوية بين كون الاصل فى كل واحد من المشتبهين فى نفسه هو الحل او الحرمة لان المفروض عدم جريان الاصل فيهما لاجل معارضته بالمثل فوجوده كعدمه ويمكن الفرق (٢) من المجوزين

__________________

١ ـ وهو ان الملاك فى عدم جريان الاصول اللفظية فى صورة العلم بخروج بعض الشبهات انما هو طرو الاجمال على العام فلا يبقى معه مجال لاصالة العموم ، وهذا لا يتفاوت فيه الحال بين تنجز التكليف بينها كما فى غير التدريجيات وعدم تنجزه كما فيها ، وهذا خلاف الاصول العملية فان الملاك فى عدم جريانها فى صورة العلم الاجمالى انما هو تنجز التكليف فيتفاوت الحال فيها بين تنجزه به وعدمه ولعل الامر بالتامل اشارة الى هذا الفرق (الطوسى)

٢ ـ انما خص الفرق بالمجوزين لعدم تأتيه على القول بوجوب الموافقة

٢٤٣

لارتكاب ما عدا مقدار الحرام وتخصيص الجواز بالصورة الاولى ويحكمون فى الثانية بعدم جواز الارتكاب بناء على العمل بالاصل فيهما ولا يلزم هنا مخالفة قطعية فى العمل ولا دليل على حرمتها اذا لم تتعلق بالعمل خصوصا اذا وافق الاحتياط.

إلّا ان استدلال بعض المجوزين للارتكاب بالاخبار الدالة على حلية المال المختلط بالحرام ربما يظهر منه التعميم وعلى التخصيص فيخرج عن محل النزاع كما لو علم بكون احدى المرأتين اجنبية واحدى الذبيحتين ميتة او احد المالين مال الغير او احد الاسيرين محقون الدم او كان الاناء ان معلومى النجاسة سابقا فعلم طهارة احدهما ، وربما يقال ان الظاهر ان محل الكلام فى المحرمات المالية ونحوها كالنجس لا فى الانفس والاعراض فيظهر انه لم يقل احد فيها بجواز الارتكاب لان المنع فى مثل ذلك ضرورى وفيه نظر ، الثامن ان المشتبه باحد المشتبهين حكمه حكمهما لان مقدمة المقدمة مقدمة وهو ظاهر.

المقام الثانى فى الشبهة غير المحصورة والمعروف فيها عدم وجوب الاجتناب.

ويدل عليه وجوه ؛ الاول الاجماع الظاهر المصرح به فى الروض وعن جامع المقاصد

وادعاه صريحا المحقق البهبهانى فى فوائده وزاد عليه نفى الريب فيه وان مدار المسلمين فى الاعصار والامصار عليه وتبعه فى دعوى الاجماع غير

__________________

ـ القطعية لفرض وجوب الاجتناب عن كلا المشتبهين فيما كان الاصل فيهما الحل لقاعدة الاشتغال بعد تساقط الاصلين واما فيما كان الاصل الحرمة فللعمل بالاصلين مع عدم لزوم المخالفة العملية وجه ؛ وبالجملة الوجه فى جواز الارتكاب عند المجوزين عدم جريان قاعدة الاحتياط فيختص حكمهم بالصورة الاولى ، نعم لو كان مدركهم الاخبار الظاهرة فى التجويز عن كلتا الصورتين ؛ وقوله اذا وافق كما فى مفروض المقام ، وقوله كما لو علم : لاصالة سبب الحل فى جميع ما ذكر (ق)

٢٤٤

واحد ممن تأخر عنه وزاد بعضهم دعوى الضرورة عليه فى الجملة وبالجملة فنقل الاجماع مستفيض وهو كاف فى المسألة.

الثانى ما استدل به جماعة من لزوم المشقة فى الاجتناب ولعل المراد به لزومه فى اغلب افراد هذه الشبهة لاغلب افراد المكلفين فيشمله عموم قوله تعالى (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) وقوله تعالى (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) بناء على ان المراد ان ما كان الغالب فيه الحرج على الغالب فهو مرتفع عن جميع المكلفين حتى من لا حرج بالنسبة اليه وهذا المعنى وان كان خلاف الظاهر (١) إلّا انه يتعين الحمل عليه بمعونة ما ورد من اناطة الاحكام الشرعية الكلية وجودا وعدما بالعسر واليسر الغالبين.

وفى هذا الاستدلال نظر (٢) لان ادلة نفى العسر والحرج من الآيات والروايات

__________________

١ ـ لان ظاهر نفى العسر وتوجيه الخطاب فى الآيات الى كل واحد من المكلفين كون المنفى هو العسر الشخصى دون النوعى فيدور الامر مدار تحقق العسر فعلا فى حق كل مكلف ، واما ما دل على كون المناط العسر الغالبى كقوله تعالى (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ :) فان استلزام السفر للعسر غالبى ونحوه غيره (م ق)

٢ ـ حاصله ان ظاهر الادلة هو اعتبار العسر الشخصى الملحوظ بالنسبة الى آحاد المكلفين ، واما ما دل على دوران الاحكام مدار السهولة النوعية فالمنساق منها بيان كيفية جعل الاحكام الكلية الاولية او الثانوية فالشارع لاحظ فى جعلها عدم العسر على الاغلب وشمول هذه الاخبار للشبهة غير المحصورة انما يتم لو فرض كون عنوان الشبهة غير المحصورة موضوعا بحسب الواقع لوجوب الاجتناب فيلاحظ فى ثبوت هذا الحكم لهذا الموضوع نعم العسر على الغالب وليس كذلك بل هو عنوان فى كلمات العلماء لموضوعات متعددة قد اشتبه كل واحد منها بين امور غير محصورة لاجل كونه جامعا للشتات هذه الموضوعات ، فالموضوع لوجوب الاجتناب هى الموضوعات المشتبهة المذكورة ، ولا شك فى عدم لزوم العسر

٢٤٥

لا تدل الا على ان ما كان فيه ضيق على مكلف فهو مرتفع عنه واما ارتفاع ما كان ضيقا على الاكثر عمن هو عليه فى غاية السهولة فليس فيه امتنان على احد بل فيه تفويت مصلحة التكليف من غير تداركها بالتسهيل.

واما ما ورد من دوران الاحكام مدار السهولة على الاغلب فلا ينفع فيما نحن فيه لان الشبهة الغير المحصورة ليست واقعة واحدة حكم فيها بحكم حتى يدعى ان الحكم بالاحتياط فى اغلب مواردها عسر على اغلب الناس فيرتفع حكم الاحتياط فيها مطلقا بل هى عنوان لموضوعات متعددة لاحكام متعددة والمقتضى للاحتياط فى كل موضوع هو نفس الدليل الخاص التحريمى الموجود فى ذلك الموضوع والمفروض ان ثبوت التحريم بذلك الموضوع مسلم ولا يرد منه حرج على الاغلب وان الاجتناب فى صورة اشتباهه ايضا فى غاية اليسر فاى مدخل للاخبار الواردة فى ان الحكم الشرعى يتبع الاغلب فى اليسر والعسر.

وكان المستدل بذلك جعل الشبهة الغير المحصورة واقعة واحدة مقتضى الدليل فيها وجوب الاحتياط لو لا العسر لكن لما تعسر الاحتياط فى اغلب الموارد على اغلب الناس حكم بعدم وجوب الاحتياط كلية ، وفيه ان دليل الاحتياط فى كل فرد من الشبهة ليس إلّا دليل حرمة ذلك الموضوع ، نعم لو لزم الحرج من جريان حكم العنوان المحرم الواقعى فى خصوص مشتبهاته الغير المحصورة على اغلب المكلفين فى اغلب الاوقات كان يدعى ان الحكم بوجوب الاحتياط عن النجس الواقعى مع اشتباهه فى امور غير محصورة يوجب الحرج الغالبى امكن التزام ارتفاع وجوب الاحتياط فى خصوص النجاسة المشتبهة ، لكن لا يتوهم من ذلك

__________________

ـ فى ترتب تلك الاحكام بالنسبة الى موضوعاتها وكذلك فيما لوحظ كل واحد من هذه الموضوعات بنفسه باعتبار اشتباهه بين امور غير محصورة كالخمر المشتبه كذلك والنجس المشتبه كذلك ، نعم لو فرض لزوم العسر على الاغلب فى بعض هذه الوقائع يلتزم بارتفاع التكليف فيه عن الجميع (م ق)

٢٤٦

اطراد الحكم بارتفاع التحريم فى الخمر المشتبه بين مايعات غير محصورة والمرأة المحرمة المشتبهة فى ناحية مخصوصة الى غير ذلك من المحرمات ولعل كثيرا ممن تمسك فى هذا المقام بلزوم المشقة اراد المورد الخاص كما ذكروا ذلك فى الطهارة والنجاسة.

هذا كله مع ان لزوم الحرج فى الاجتناب عن الشبهة الغير المحصورة التى يقتضى الدليل المتقدم وجوب الاحتياط فيها ممنوع ووجهه ان كثيرا من الشبهات الغير المحصورة لا يكون جميع المحتملات منها مورد ابتلاء المكلف ولا يجب الاحتياط فى مثل هذه الشبهة وان كانت محصورة كما اوضحناه سابقا وبعد اخراج هذا عن محل الكلام فالانصاف منع غلبة التعسر فى الاجتناب.

الثالث الاخبار الدالة على حلية كل ما لم يعلم حرمته فانها بظاهرها وان عمت الشبهة المحصورة ، إلّا ان مقتضى الجمع بينها وبين ما دل على وجوب الاجتناب بقول مطلق هو حمل اخبار الرخصة على غير المحصورة وحمل اخبار المنع على المحصورة ، وفيه ان المستند فى وجوب الاجتناب فى المحصور هو اقتضاء دليل نفس الحرام المشتبه لذلك بضميمة حكم العقل وقد تقدم بما لا مزيد عليه ان اخبار حل الشبهة لا تشمل صورة العلم الاجمالى بالحرام.

الرابع بعض الاخبار الدالة على ان مجرد العلم بوجود الحرام بين المشتبهات لا يوجب الاجتناب عن جميع ما يحتمل كونه حراما مثل ما فى محاسن البرقى عن ابى الجارود قال سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الجبن فقلت اخبرنى من راى انه يجعل فيه الميتة فقال أمن اجل مكان واحد يجعل فيه الميتة حرم جميع ما فى الارض فما علمت فيه ميتة فلا تاكله وما لم تعلم فاشتر وبع وكل والله انى لاعترض السوق فاشترى اللحم والسمن والجبن والله ما اظن كلهم يسمون هذه البرية وهذه السودان الخبر فان قوله أمن اجل مكان واحد الخبر ظاهر فى ان مجرد العلم بوجود الحرام لا يوجب الاجتناب عن محتملاته وكذا قوله عليه‌السلام والله ما اظن كلهم يسمون

٢٤٧

فان الظاهر منه ارادة العلم بعدم تسمية جماعة حين الذبح كالبرية والسودان.

إلّا ان يدعى ان المراد جعل الميتة فى الجبن فى مكان واحد لا يوجب الاجتناب عن جبن غيره من الاماكن ولا كلام فى ذلك لا انه لا يوجب الاجتناب عن كل جبن يحتمل ان يكون من ذلك المكان فلا دخل له بالمدعى ، واما قوله ما اظن كلهم يسمون فالمراد منه عدم وجوب الظن او القطع بالحلية بل يكفى اخذها من سوق المسلمين بناء على ان السوق امارة شرعية لحل الجبن المأخوذ منه ولو من يد مجهول الاسلام ، إلّا ان يقال ان سوق المسلمين غير معتبر مع العلم الاجمالى بوجود الحرام فلا مسوغ للارتكاب الا كون الشبهة غير محصورة فتأمل (١).

الخامس اصالة البراءة (٢) بناء على ان المانع من اجرائها ليس إلّا العلم الاجمالى بوجود الحرام لكنه انما يوجب الاجتناب عن محتملاته من باب المقدمة العلمية التى لا تجب الا لاجل وجوب دفع الضرر وهو العقاب المحتمل فى فعل كل واحد من المحتملات وهذا لا يجرى فى المحتملات الغير المحصورة ضرورة ان كثرة الاحتمال يوجب عدم الاعتناء بالضرر المعلوم وجوده بين المحتملات ؛ ألا ترى الفرق الواضح بين العلم بوجود السم فى احد الإناءين او واحد من الفى اناء و

__________________

١ ـ اشار بالتأمل الى منع عدم اعتبار السوق مع العلم الاجمالى بخلافه لان غلبة وجود العلم الاجمالى بوجود الحرام والنجس فى سوق المسلمين شاهد لشمول الاجماع والاخبار لصورة العلم الاجمالى بالخلاف (ق)

٢ ـ حاصل هذا الوجه ان المانع من جريان اصالة البراءة فى اطراف الشبهة مطلقا هو العلم الاجمالى بوجود الحرام فيها مع حكم العقل بوجوب الاجتناب عن الجميع من باب المقدمة العلمية ، ولا ريب ان اعتبار العلم انما هو لاجل حكم العقل بالوجوب فاذا فرض عدم اعتناء العقلاء به عند اتساع دائرة الشبهة وكونها غير محصورة كان وجود العلم كالعدم فيرتفع المانع من جريان الاصول ؛ واشار بالتأمل فى آخر هذا البيان بان مقتضاه جواز المخالفة القطعية بارتكاب الجميع (م ق)

٢٤٨

كذلك بين قذف احد الشخصين لا بعينه وبين قذف واحد من اهل بلد فان الشخصين كلاهما يتأثر ان بالاول ولا يتأثر احد من اهل البلد بالثانى وكذا الحال لو اخبر شخص بموت الشخص المردد بين ولده وبين كل واحد من اهل بلده فانه لا يضطرب خاطره فى الثانى اصلا.

وان شئت قلت ان ارتكاب المحتمل فى الشبهة الغير المحصورة لا يكون عند العقلاء الا كارتكاب الشبهة الغير المقرونة بالعلم الاجمالى وكان ما ذكره الامام عليه‌السلام فى الرواية المتقدمة من قوله أمن اجل مكان واحد الخبر بناء على الاستدلال به اشارة الى هذا المعنى حيث انه جعل كون حرمة الجبن فى مكان واحد منشأ لحرمة جميع محتملاته الغير المحصورة من المنكرات المعلومة عند العقلاء التى لا ينبغى للمخاطب ان يقبلها كما يشهد بذلك كلمة الاستفهام الانكارى لكن عرفت ان فيه احتمالا آخر يتم معه الاستفهام الانكارى ايضا.

وحاصل هذا الوجه ان العقل اذا لم يستقل بوجوب دفع العقاب المحتمل عند كثرة المحتملات فليس هنا ما يوجب على المكلف الاجتناب من كل محتمل فيكون عقابه حينئذ عقابا من دون برهان فعلم من ذلك ان الآمر اكتفى فى المحرم المعلوم اجمالا بين المحتملات بعدم العلم التفصيلى باتيانه ولم يعتبر العلم بعدم اتيانه فتامل.

السادس ان الغالب عدم ابتلاء المكلف إلّا ببعض معين من محتملات الشبهة الغير المحصورة ويكون الباقى خارجا عن محل ابتلائه وقد تقدم عدم وجوب الاجتناب فى مثله مع حصر الشبهة فضلا عن غير المحصورة ضابط المحصور والارتكاب والنسبة وبقية المسائل هذا غاية ما يمكن ان يستدل به على حكم الشبهة الغير المحصورة وقد عرفت ان اكثرها لا يخلو من منع او قصور لكن المجموع منها لعله يفيد القطع او الظن بعدم وجوب الاحتياط فى الجملة والمسألة فرعية يكتفى فيها بالظن.

إلّا ان الكلام يقع فى موارد ، الاول فى انه هل يجوز ارتكاب جميع المشتبهات فى غير المحصورة بحيث يلزم العلم التفصيلى ام يجب ابقاء مقدار الحرام ظاهر

٢٤٩

اطلاق القول بعدم وجوب الاجتناب هو الاول لكن يحتمل ان يكون مرادهم عدم وجوب الاحتياط فيه فى مقابلة الشبهة المحصورة التى قالوا فيها بوجوب الاجتناب ، وهذا غير بعيد عن مساق كلامهم فحينئذ لا يعم معقد اجماعهم لحكم ارتكاب الكل إلّا ان الاخبار لو عمت المقام دلت على الجواز واما الوجه الخامس فالظاهر دلالته على جواز الارتكاب لكن مع عدم العزم على ذلك من اول الامر واما معه فالظاهر صدق المعصية

والتحقيق عدم جواز ارتكاب الكل مطلقا (١) لاستلزامه طرح الدليل الواقعى الدال على وجوب الاجتناب عن المحرم الواقعى كالخمر فى قوله اجتنب عن الخمر لان هذا التكليف لا يسقط من المكلف مع علمه بوجود الخمر بين المشتبهات غاية ما ثبت فى غير المحصور الاكتفاء فى امتثاله بترك بعض المحتملات فيكون البعض المتروك بدلا ظاهريا عن الحرام الواقعى وإلّا فاخراج الخمر الموجود يقينا بين المشتبهات عن عموم قوله اجتنب عن كل خمر اعتراف بعدم حرمته واقعا وهو معلوم البطلان ، هذا اذا قصد الجميع (٢) من اول الامر لانفسها ولو قصد نفس الحرام من ارتكاب الجميع فارتكب الكل مقدمة له فالظاهر استحقاق

__________________

١ ـ يعنى سواء أكان من اول الامر عازما على ارتكاب الكل ام لا (الهمدانى)

٢ ـ يعنى ان الاختلاف فى انه هل يجوز ارتكاب الجميع مع القصد او بلا قصد انما هو فى صورة كون المراد قصد الاطراف من حيث هى واما اذا لم يقصد بارتكاب الجميع الا الحرام الواقعى فهذا مما لا ينبغى التأمل فى عدم جوازه ، فصور ارتكاب الكل ثلاث ؛ الاولى ارتكاب الجميع من دون عزم عليه من اول الامر ، واليه اشار بقوله لكن مع عدم : وهذه الصورة جائزة بمقتضى الوجه الخامس غير جائزة على مختاره ، الثانية ارتكاب الكل مع قصده من حيث هو واليه اشار بقوله واما معه ؛ وهذه غير جائزة بمقتضى الوجه الخامس ايضا ، الثالثة ارتكاب الجميع بقصد التوسل به الى فعل الحرام ، وهذه مما لا اشكال فى عدم جوازه (الشروح)

٢٥٠

العقاب من اول الارتكاب بناء على حرمة التجرى فصور ارتكاب الكل ثلاثة عرفت كلها.

الثانى اختلف عبارات الاصحاب فى بيان ضابط المحصورة وغيرها فعن الشهيد والمحقق الثانيين والميسى وصاحب ك ان المرجع فيه الى العرف فهو ما كان غير محصور فى العادة بمعنى انه يعسر عده لا ما امتنع عده لان كل ما يوجد من الاعداد قابل للعد والحصر ، وفيه ان تعسر العد غير متحقق فيما مثلوا به لغير المحصورة كالالف مثلا فان عد الالف لا يعد عسرا.

مع ان جعل الالف من غير المحصور مناف لما عللوا عدم وجوب الاجتناب به من لزوم العسر فى الاجتناب فانا اذا فرضنا بيتا عشرين ذراعا فى عشرين ذراعا وعلم بنجاسة جزء يسير منه يصح السجود عليه نسبته الى البيت نسبة الواحد الى الالف فاى عسر فى الاجتناب عن هذا البيت والصلاة فى بيت آخر وأي فرق بين هذا الفرض وبين ان يعلم بنجاسة ذراع منه او ذراعين مما يوجب حصر الشبهة فان سهولة الاجتناب وعسره لا يتفاوت بكون المعلوم اجمالا قليلا او كثيرا ، وكذا لو فرضنا اوقية من الطعام يبلغ الف حبة بل ازيد يعلم بنجاسة او غصبية حبة منها ، فان جعل هذا من غير المحصور ينافى تعليل الرخصة فيه بتعسر الاجتناب وكيف كان فما ذكروه من احالة غير المحصورة وتميزه عن غيره الى العرف لا يوجب إلا زيادة التحير فى موارد الشك.

ويمكن ان يقال (١) بملاحظة ما ذكرنا فى الوجه الخامس ان غير المحصور ما بلغ كثرة الوقائع المحتملة للتحريم الى حيث لا يعتنى العقلاء بالعلم الاجمالى الحاصل فيها ، ألا ترى انه لو نهى المولى عبده عن المعاملة مع زيد فعامل العبد مع واحد من اهل قرية كبيرة يعلم بوجود زيد فيها لم يكن ملوما وان صادف

__________________

١ ـ لا يخفى عليك ان مقتضى هذا الوجه جواز المخالفة القطعية وهو غير مرضى عنده (ق)

٢٥١

زيدا وقد ذكرنا ان المعلوم بالاجمال قد يؤثر مع قلة الاحتمال ما لا يؤثره مع الانتشار وكثرة الاحتمال كما قلناه فى سب واحد مردد بين اثنين او ثلاثة ومردد بين اهل بلدة ونحوه ما اذا علم اجمالا (١) بوجود بعض القرائن الصارفة المختفية لبعض ظواهر الكتاب والسنة او حصول النقل فى بعض الالفاظ الى غير ذلك من الموارد التى لا يعتنى فيها بالعلوم الاجمالية المترتب عليها الآثار المتعلقة بالمعاش والمعاد فى كل مقام.

وليعلم ان العبرة فى المحتملات كثرة وقلة بالوقائع التى يقع موردا للحكم بوجوب الاجتناب مع العلم التفصيلى بالحرام فاذا علم بحبة ارز محرمة او نجسة فى الف حبة ؛ والمفروض ان تناول الف حبة من الارز فى العادة بعشر لقمات فالحرام مردد بين عشرة محتملات لا الف محتمل لان كل لقمة يكون فيها الحبة حرام اخذها لاشتمالها على مال الغير او مضغها لكونه مضغا للنجس فكانه علم اجمالا بحرمة واحدة من عشر لقمات ، نعم لو اتفق تناول الحبوب فى مقام يكون تناول كل حبة واقعة مستقلة كان له حكم غير المحصور.

وهذا غاية ما ذكروا او يمكن ان يذكر فى ضابط المحصور وغيره ومع ذلك فلم يحصل للنفس وثوق بشيء منها فالاولى الرجوع فى موارد الشك الى حكم العقلاء بوجوب مراعات العلم الاجمالى الموجود فى ذلك المورد فان قوله اجتنب عن الخمر لا فرق فى دلالته على تنجز التكليف بالاجتناب عن الخمر بين الخمر المعلوم المردد بين امور محصورة وبين الموجود المردد بين امور غير محصورة ، غاية الامر قيام الدليل فى غير المحصورة على اكتفاء الشارع عن الحرام الواقعى ببعض محتملاته كما تقدم سابقا فاذا شك فى كون الشبهة محصورة او غير محصورة شك فى قيام الدليل على قيام بعض المحتملات مقام الحرام الواقعى

__________________

١ ـ وعليه يكون وجوب الفحص فى العمل بالظواهر لاجل كون الشبهة فيها من قبيل الكثير فى الكثير (م ق)

٢٥٢

فى الاكتفاء عن امتثاله بترك ذلك البعض فيجب ترك جميع المحتملات لعدم الا من الوقوع فى العقاب بارتكاب البعض.

الثالث اذا كان المردد بين الامور الغير المحصورة افرادا كثيرة نسبة مجموعها الى المشتبهات كنسبة الشيء الى الامور المحصورة كما اذا علم بوجود خمسمائة شاة محرمة فى الف وخمس مائة شاة فان نسبة مجموع المحرمات الى المشتبهات كنسبة الواحد الى الثلاثة فالظاهر انه ملحق بالشبهة المحصورة لان الامر متعلق بالاجتناب عن مجموع الخمس مائة فى المثال ومحتملات هذا الحرام المتباينة (١) ثلاثة فهو كاشتباه الواحد فى الثلاثة واما ما عدا هذه الثلاثة من الاحتمالات فهى احتمالات لا تنفك عن الاشتمال على الحرام.

الرابع انا ذكرنا فى المطلب الاول المتكفل لبيان اقسام حكم الشك فى الحرام مع العلم بالحرمة ان مسائله اربع ، الاولى منها الشبهة الموضوعية واما المسائل الثلاث الأخر وهى ما اذا اشتبه الحرام بغير الواجب لاشتباه الحكم من جهة عدم النص او اجمال النص او تعارض النصين فحكمها يظهر مما ذكرنا فى الشبهة المحصورة الموضوعية ، لكن اكثر ما يوجد من هذه الاقسام الثلاثة هو القسم الثانى كما اذا تردد الغناء المحرم (٢) بين مفهومين بينهما عموم من وجه فان مادتى

__________________

١ ـ اى غير متداخلة فان كل واحد من الاقسام الثلاثة يحتمل ان يكون بتمامه تمام الحرام ، وكان كل واحد من القسمين الآخرين بتمامه حلالا بخلاف سائر التقسيمات فان كل واحد من الاقسام بحسبها لا يحتمل ان يكون تمام الحرام وإن كان يحتمل ان يكون بتمامه حراما (الطوسى)

٢ ـ كما اذا فسر الغناء تارة بالصوت المطرب واخرى بالصوت مع الترجيع ؛ فمجمع القيدين معلوم الحرمة ومادتا لافتراق من قبيل ما علم بحرمة احدهما كما فيما نحن فيه ، وقوله الاذان الثالث : قيل المشهور ان المراد بالثالث هو الاذان الثانى بعد الاذان فى الوقت يوم الجمعة وسمى ثالثا لان النبى (ص) شرع للصلاة اذانا واقامة فالاذان

٢٥٣

الافتراق من هذا القسم ومثل ما اذا ثبت بالدليل حرمة الاذان الثالث يوم الجمعة واختلف فى تعيينه ومثله قوله (ع) من جدد قبرا او مثل مثالا فقد خرج عن الاسلام حيث قرء جدد بالجيم والحاء المهملة والخاء المعجمة وقرء جدث بالجيم والثاء المثلثة.

المطلب الثانى فى اشتباه الواجب بغير الحرام وهو على قسمين لان الواجب اما مردد بين امرين متنافيين كما اذا تردد الامر بين وجوب الظهر والجمعة فى يوم الجمعة وبين القصر والاتمام فى بعض المسائل ، واما مردد بين الاقل والاكثر (١) كما اذا ترددت الصلاة الواجبة بين ذات السورة وفاقدتها للشك فى كون السورة جزء او ليس المثالان الا ولان من الاقل والاكثر كما لا يخفى ، واعلم انا لم نذكر فى الشبهة التحريمية من الشك فى المكلف به صور دوران الامر بين الاقل والاكثر لان مرجع الدوران

__________________

ـ الثانى بالنسبة اليهما يكون ثالثا ، وقيل المراد به أذان العصر لكونه ثالثا بالنسبة الى أذان الصبح او لما ذكر فيما قبله ، وقوله ومثل قوله : الخبر مروى عن على (ع) واختلف فى لفظه ومعناه ، فقيل هو جدد بالجيم والمراد تعمير القبر بعد خرابه ، وقيل بالحاء بمعنى سنم ورفع قبرا ، وفى الفقيه انه بالجيم بمعنى نبش قبرا لان من نبش فقد احوج الى تجديد وقيل جدث بالجيم والثاء بمعنى ان يجعل القبر قبر الانسان آخر ، فاشتبه الحرام بين امور كثيرة (م ق)

١ ـ اى الاقل والاكثر الارتباطيان خاصة مثل الشك فى الاجزاء والشرائط من العبادات ، واما الشك فى الاستقلاليين فداخل فى الشك فى التكليف كما سيجيء ؛ وقوله وليس المثالان : مبنى على تباين حقيقتى الظهر والجمعة يوم الجمعة وقد يقال بوحدتهما ذاتا وسقوط ركعتين منها مع اجتماع شرائط اقامة الجمعة ؛ وعدمه مع عدم الاجتماع. وفى روايات الباب شاهد على هذا القول ، ومثله الكلام فى القصر والتمام وقوله لان الاكثر معلوم الحرمة : كما فى تصوير ذوات الارواح فالتصوير التام محرم والناقص مشكوك فيه (شرح)

٢٥٤

بينهما فى تلك الشبهة الى الشك فى اصل التكليف لان الاكثر معلوم الحرمة والشك فى حرمة الاقل.

اما القسم الاول فالكلام فيه يقع فى مسائل.

الاولى ان يشتبه الواجب بغير الحرام من جهة عدم النص المعتبر او من جهة اجماله بان يتعلق التكليف الوجوبى بامر مجمل كقوله ايتني بعين فالكلام فيه اما فى جواز المخالفة القطعية فى غير ما علم باجماع او ضرورة حرمتها كما فى المثالين السابقين فان ترك الصلاة فيهما رأسا مخالف للاجماع بل الضرورة واما فى وجوب الموافقة القطعية ، اما الاول فالظاهر حرمة المخالفة القطعية لانها معصية عند العقلاء فانهم لا يفرقون بين الخطاب المعلوم تفصيلا او اجمالا فى حرمة مخالفته وفى عدها معصية ويظهر من المحقق الخوانسارى دوران حرمة المخالفة مدار الاجماع وان الحرمة فى مثل الظهر او الجمعة من جهته ، ويظهر من الفاضل القمى الميل اليه والاقوى ما عرفت.

واما الثانى ففيه قولان اقواهما الوجوب لوجود المقتضى وعدم المانع ، اما الاول فلان وجوب الامر المردد ثابت فى الواقع والامر به على وجه يعم العالم والجاهل صادر من الشارع واصل الى من علم به تفصيلا اذ ليس موضوع الوجوب فى الاوامر مختصا بالعالم بها وإلّا لزم الدور كما ذكره العلامة فى التحرير لان العلم بالوجوب موقوف على الوجوب فكيف يتوقف الوجوب عليه.

واما المانع فلان المتصور منه ليس إلّا الجهل التفصيلى بالواجب وهو غير مانع عقلا وإلّا لجاز اهمال المعلوم اجمالا رأسا بالمخالفة القطعية فلا وجه لالتزام حرمة المخالفة القطعية ولقبح عقاب الجاهل المقصر على ترك الواجبات الواقعية وفعل المحرمات كما هو المشهور واما النقل فليس فيه ما يدل على العذر لان ادلة البراءة غير جارية فى المقام لاستلزام اجرائها جواز المخالفة القطعية والكلام بعد فرض حرمتها.

٢٥٥

بل فى بعض الاخبار ما يدل على وجوب الاحتياط مثل صحيحة عبد الرحمن (١) المتقدمة فى جزاء الصيد اذا اصبتم مثل هذا ولم تدروا فعليكم بالاحتياط حتى تسألوا عنه فتعلموا وغيرها.

فان قلت ان تجويز الشارع (٢) لترك احد المحتملين والاكتفاء بالآخر يكشف عن عدم كون العلم الاجمالى علة تامة لوجوب الاطاعة (ح) كما ان عدم تجويز الشارع للمخالفة مع العلم التفصيلى دليل على كون العلم التفصيلى علة تامة لوجوب الاطاعة و (ح) فلا ملازمة بين العلم الاجمالى ووجوب الاطاعة فيحتاج اثبات الوجوب الى دليل آخر غير العلم الاجمالى وحيث كان مفقودا فاصل البراءة يقتضى عدم وجوب الجمع وقبح العقاب على تركه لعدم البيان نعم لما كان ترك الكل معصية عند العقلاء حكم بتحريمها ولا تدل حرمة المخالفة القطعية على وجوب الموافقة القطعية.

قلت العلم الاجمالى كالتفصيلى علة تامة لتنجز التكليف بالمعلوم إلّا ان المعلوم اجمالا يصلح لان يجعل احد محتمليه بدلا عنه فى الظاهر فكل مورد حكم الشارع بكفاية احد المحتملين للواقع اما تعيينا كحكمه بالاخذ بالاحتمال المطابق للحالة السابقة واما تخييرا كما فى موارد التخيير بين الاحتمالين فهو من باب الاكتفاء عن الواقع بذلك المحتمل لا الترخيص لترك الواقع بلا بدل فى الجملة فان الواقع اذا علم به وعلم ارادة المولى بشىء وصدور الخطاب عنه الى العبيد وان لم يصل اليهم لم يكن بدّ عن موافقته اما حقيقة بالاحتياط واما حكما بفعل ما جعله الشارع

__________________

١ ـ موردها وإن كان من قبيل الاقل والاكثر الارتباطيين اذ الكفارات كالديون إلّا انه يستشهد بها للمورد بالاجماع المركب او الاولوية (م ق)

٢ ـ حاصل السؤال ان العلم الاجمالى لو كان علة تامة لتنجز الواقع لم يقع خلافه فى الشرع وقد وقع ذلك كما فى صورة تعارض النصين اذ لا ريب فى شمول اخباره لصورة العلم الاجمالى ايضا (م ق)

٢٥٦

بدلا عنه وقد تقدم الاشارة الى ذلك فى الشبهة المحصورة.

ومما ذكرنا يظهر عدم جواز التمسك فى المقام بادلة البراءة مثل رواية الحجب والتوسعة ونحوهما لان العمل بها فى كل من الموردين بخصوصه يوجب طرحها بالنسبة الى احدهما المعين عند الله المعلوم وجوبه فان وجوب واحدة من الظهر والجمعة او من القصر والاتمام مما لم يحجب الله علمه عنا فليس موضوعا عنا ولسنا فى سعة منه فلا بد من الحكم بعدم جريان هذه الاخبار فى مثل المقام مما علم وجوب الشيء اجمالا.

فان قلت اذا حصل التردد والاجمال فى الواجب استلزم ذلك سقوط قصد التعيين لعدم التمكن منه فبأيهما ينوى الوجوب؟ قلت ينوى بكل منهما حصول الواجب به او بصاحبه تقربا الى الله فيفعل كلا منهما فيحصل الواجب الواقعى وتحصيله لوجوبه والتقرب به الى الله تعالى فيتصور انى اصلى الظهر لاجل تحقق الفريضة الواقعية به او بالجمعة التى افعل بعدها او فعلت قبلها قربة الى الله وملخص ذلك انى اصلى الظهر احتياطا قربة الى الله.

وهذا الوجه هو الذى ينبغى ان يقصد ولا يرد عليه ان المعتبر فى العبادة قصد التقرب والتعبد بها بالخصوص ؛ ولا ريب ان كلا من الصلاتين عبادة فلا معنى لكون الداعى فى كل منهما التقرب المردد بين تحققه به او بصاحبه لان القصد المذكور انما هو معتبر فى العبادات الواقعية دون المقدمية وليس له ان ينوى بكل منهما الوجوب لكونه بحكم العقل مأمورا بالاتيان بكل منهما فان هذا الوجوب مقدمى ومرجعه الى وجوب تحصيل العلم بفراغ الذمة ودفع احتمال ترتب ضرر العقاب بترك بعض منهما ، وهذا الوجوب ارشادى لا تقرب فيه اصلا نظير او امر الاطاعة فان امتثالها لا يوجب تقربا وانما المقرب نفس الاطاعة الواقعية المرددة بين الفعلين فافهم فانه لا يخلو عن دقة.

ومما ذكرنا يندفع توهم ان الجمع بين المحتملين مستلزم لاتيان غير الواجب على

٢٥٧

جهة العبادة لان قصد القربة المعتبر فى الواجب الواقعى لازم المراعات فى كلا المحتملين ليقطع باحرازه فى الواجب الواقعى ، ومن المعلوم ان الاتيان بكل من المحتملين بوصف انها عبادة مقربة يوجب التشريع بالنسبة الى ما عدا الواجب الواقعى فيكون محرما فالاحتياط غير ممكن فى العبادات وانما يمكن فى غيرها من جهة ان الاتيان بالمحتملين لا يعتبر فيهما قصد التعيين والتقريب لعدم اعتباره فى الواجب الواقعى المردد فيأتى لكل منهما لاحتمال وجوبه.

ووجه اندفاع هذا التوهم ان اعتبار قصد التقرب والتعبد فى العبادة الواجبة واقعا لا يقضى بقصده فى كل منهما كيف وهو غير ممكن وانما يقضى بوجوب قصد التقرب والتعبد فى الواجب المردد بينهما بان يقصد فى كل منهما انى افعله ليتحقق به او بصاحبه التعبد باتيان الواجب الواقعى وهذا الكلام بعينه جار فى قصد الوجه المعتبر فى الواجب فانه لا يعتبر قصد ذلك الوجه خاصة فى خصوص كل منهما بان يقصد انى اصلى الظهر لوجوبه ثم يقصد انى اصلى الجمعة لوجوبها بل يقصد انى اصلى الظهر لوجوب الامر الواقعى المردد بينه وبين الجمعة التى اصليها بعد ذلك او صليتها قبل ذلك.

والحاصل ان نية الفعل هو قصده على الصفة التى هو عليها التى باعتبارها صار واجبا فلا بد من ملاحظة ذلك فى كل من المحتملين واذا لاحظنا ذلك فيه وجدنا الصفة التى هو عليها الموجبة للحكم بوجوبه هو احتمال تحقق الواجب المتعبد به والمتقرب به الى الله تعالى فى ضمنه فيقصد هذا المعنى والزائد على هذا المعنى غير موجود فيه فلا معنى لقصد التقرب فى كل منهما بخصوصه حتى يرد ان التقرب والتعبد بما لم يتعبد به الشارع تشريع محرم.

المسألة الثانية ما اذا اشتبه الواجب بغيره لتكافؤ النصين كما فى بعض مسائل القصر والاتمام فالمشهور فيه التخيير لاخبار التخيير السليمة عن المعارض فان اخبار الاحتياط لا تقاوم سندا ودلالة لاخبار التخيير.

٢٥٨

المسألة الثالثة ما اذا اشتبه الواجب بغيره من جهة اشتباه الموضوع كما فى صورة اشتباه الفائتة او القبلة او الماء المطلق والاقوى هنا ايضا وجوب الاحتياط كما فى الشبهة المحصورة لعين ما مر فيها من تعلق الخطاب بالفائتة واقعا مثلا وان لم يعلم تفصيلا ومقتضاه ترتب العقاب على تركها ولو مع الجهل وقضية حكم العقل بوجوب دفع الضرر المحتمل وجوب المقدمة العلمية والاحتياط بفعل جميع المحتملات.

وقد خالف فى ذلك الفاضل القمى ره فمنع وجوب الزائد على واحدة من المحتملات مستندا فى ظاهر كلامه الى ما زعمه جامعا لجميع صور الشك فى المكلف به من قبح التكليف بالمجمل وتأخير البيان عن وقت الحاجة ، وانت خبير بان الاشتباه فى الموضوع ليس من التكليف بالمجمل فى شيء لان المكلف به مفهوم معين طرأ الاشتباه فى مصداقه لبعض العوارض الخارجية كالنسيان ونحوه والخطاب الصادر لقضاء الفائتة عام فى المعلومة تفصيلا والمجهولة ولا مخصص له بالمعلومة لا من العقل ولا من النقل فيجب قضائها ويعاقب على تركها مع الجهل كما يعاقب مع العلم.

ويؤيد ما ذكرنا ما ورد من وجوب قضاء ثلاث صلوات على من فاتته فريضة معللا ذلك ببراءة الذمة على كل تقدير فان ظاهر التعليل يفيد عموم مراعات ذلك فى كل مقام اشتبه عليه الواجب ولذا تعدى المشهور عن مورد النص وهو تردد الفائتة بين رباعية وثلاثية وثنائية الى الفريضة الفائتة من المسافر المرددة بين ثنائية وثلاثية فاكتفوا فيها بصلاتين.

وينبغى التنبيه على امور الاول انه يمكن القول بعدم وجوب الاحتياط فى مسئلة اشتباه القبلة ونحوها مما كان الاشتباه الموضوعى فى شرط من شروط الواجب (١) كالقبلة واللباس وما يصح السجود عليه وشبهها بناء على دعوى

__________________

١ ـ اى لا فى ذات الواجب كتردد الفائتة بين الظهر والعصر (ق)

٢٥٩

سقوط هذه الشروط عند الاشتباه ولذا اسقط الحلى وجوب الستر عند اشتباه السائر الطاهر بالنجس وحكم بالصلاة عاريا ، بل النزاع فيما كان من هذا القبيل ينبغى ان يكون على هذا الوجه فان القائل بعدم وجوب الاحتياط ينبغى ان يقول بسقوط الشروط عند الجهل لا بكفاية الفعل مع احتمال الشرط كالصلاة المحتمل وقوعها الى القبلة بدلا عن قبلة الواقعية.

ثم الوجه فى دعوى سقوط الشرط المجهول اما انصراف ادلته الى صورة العلم به تفصيلا كما فى بعض الشروط نظير اشتراط الترتب بين الفوائت واما دوران الامر بين اهمال هذا الشرط المجهول واهمال شرط آخر وهو وجوب مقارنة العمل لوجهه بحيث يعلم بوجوب الواجب وندب المندوب حين فعله وهذا هو الذى يظهر من كلام الحلى وكلا الوجهين ضعيفان.

اما الاول فلان مفروض الكلام ما اذا ثبت الوجوب الواقعى للفعل بهذا الشرط وإلّا لم يكن من الشك فى المكلف به للعلم حينئذ بعدم وجوب الصلاة الى القبلة الواقعية المجهولة بالنسبة الى الجاهل.

واما الثانى فلان ما دل على وجوب مقارنة العمل بقصد وجهه والجزم مع النية انما يدل عليه مع التمكن ومعنى التمكن القدرة على الاتيان به مستجمعا للشرائط جازما بوجهه من الوجوب والندب حين الفعل اما مع العجز عن ذلك فهو المتعين للسقوط دون الشرط المجهول الذى اوجب العجز عن الجزم بالنية والسر فى تعيينه للسقوط هو انه انما لوحظ اعتباره فى الفعل المستجمع للشرائط وليس اشتراطه فى (١) مرتبة ساير الشرائط بل متأخر عنه فاذا قيد اعتباره بحال التمكن

__________________

١ ـ لان شرائط العبادة على قسمين قسم سابق على الامر بها وهو شرائط المامور به كالقبلة والستر ونحوهما فى الصلاة ، وقسم مسبوق بالامر ومرتب عليه وهو شرائط امتثال الامر كنية التقرب والجزم وقصد الوجه فانها متفرعة على الامر فمرتبة هذه الشرائط متأخرة عن الاولى (م ق)

٢٦٠