الرسائل الجديدة والفرائد الحديثة

الشيخ علي المشكيني

الرسائل الجديدة والفرائد الحديثة

المؤلف:

الشيخ علي المشكيني


الموضوع : أصول الفقه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٣٥

ولنختم الكلام فى الجاهل العامل قبل الفحص بامور.

الاول هل العبرة فى باب المؤاخذة والعدم بموافقة الواقع الذى يعتبر مطابقة العمل له ومخالفته وهو الواقع الاولى الثابت فى كل واقعة عند المخطئة ، فاذا فرضنا العصير العنبى الذى تناوله الجاهل حراما فى الواقع وفرض وجود خبر معتبر يعثر عليه بعد الفحص على الحلية فيعاقب ولو عكس الامر لم يعاقب ، او العبرة بالطريق الشرعى المعثور عليه بعد الفحص فيعاقب فى صورة العكس دون الاصل او يكفى مخالفة احدهما فيعاقب فى الصورتين ام يكفى فى عدم المؤاخذة موافقة احدهما فلا عقاب فى الصورتين وجوه.

من ان التكليف الاولى انما هو بالواقع وليس التكليف بالطرق الظاهرية الا لمن عثر عليها ومن ان الواقع اذا كان فى علم الله سبحانه غير ممكن الوصول اليه وكان هنا طريق مجعول مؤداه بدلا عنه فالمكلف به هو مؤدى الطريق دون الواقع على ما هو عليه فكيف يعاقب الله على شرب العصير العنبى من يعلم انه لن يعثر بعد الفحص على دليل حرمته.

ومن ان كلا من الواقع ومؤدى الطريق تكليف واقعى ، اما اذا كان التكليف ثابتا فى الواقع فلانه كان قادرا على موافقة الواقع بالاحتياط وعلى اسقاطه عن نفسه بالرجوع الى الطريق الشرعى المفروض دلالته على نفى التكليف فاذا لم يفعل شيئا منهما فلا مانع من مؤاخذته واما اذا كان التكليف ثابتا بالطريق الشرعى فلانه قد ترك موافقة خطاب مقدور على العلم به فان ادلة وجوب الرجوع الى خبر العادل او فتوى المجتهد يشمل العالم والجاهل القادر على المعرفة.

ومن عدم التكليف بالواقع لعدم القدرة وبالطريق الشرعى لكونه ثابتا فى حق من اطلع عليه من باب حرمة التجرى (١) فالمكلف به فعلا المؤاخذ على

__________________

١ ـ يعنى فى صورة تأديته الى اثبات حكم مخالف للاصل وهو متعلق بقوله

٣٢١

مخالفته هو الواجب والحرام الواقعيان المنصوب عليهما طريق فاذا لم يكن وجوب او تحريم فلا مؤاخذة ، نعم لو اطلع على ما يدل ظاهرا على الوجوب او التحريم الواقعى مع كونه مخالفا للواقع بالفرض فالموافقة له لازمه من باب الانقياد وتركها تجر واذا لم يطلع على ذلك لتركه الفحص فلا تجرى ايضا واما اذا كان وجوب واقعى وكان الطريق الظاهرى نافيا فلان المفروض عدم التمكن من الوصول الى الواقع فالمتضمن للتكليف متعذر الوصول اليه والذى يمكن الوصول اليه ناف للتكليف.

والاقوى هو الاول وبظهر وجهه بالتامل فى الوجوه الاربعة وحاصله ان التكليف الثابت فى الواقع وان فرض تعذر الوصول اليه تفصيلا إلّا انه لا مانع من العقاب بعد كون المكلف محتملا له قادرا عليه غير مطلع على طريق شرعى ينفيه ولا واجد الدليل يؤمن من العقاب عليه مع بقاء تردده وهو العقل والنقل الدالان على براءة الذمة بعد الفحص والعجز عن الوصول اليه وان احتمل التكليف وتردد فيه.

واما اذا لم يكن التكليف ثابتا فى الواقع فلا مقتضى للعقاب من حيث الخطابات الواقعية ولو فرض هنا طريق ظاهرى مثبت للتكليف لم يعثر عليه المكلف لم يعاقب عليه لان مؤدى الطريق الظاهرى غير مجعول من حيث هو هو فى مقابل الواقع وانما هو مجعول بعنوان كونه طريقا اليه فاذا أخطأ لم يترتب عليه شيء ولذا لو ادى عبادة بهذا الطريق فتبين مخالفتها للواقع لم يسقط الامر ووجب اعادتها.

نعم اذا عثر عليه المكلف (١) لم يجز مخالفته لان المفروض عدم العلم بمخالفته

__________________

ـ ثابتا يعنى ثبوت التكليف بالطرق انما هو من باب كون حرمة مخالفته من باب حرمة التجرى فلا يثبت على مخالفتها عقاب من حيث هو لا قبل العثور عليها ولا بعده (م ق)

١ ـ حاصله دعوى حرمة مخالفة الطرق الشرعية من باب التجرى على تقدير ـ العثور عليها وعدمها مع عدم العثور عليها وإن كانت موجودة فى الواقع (م ق)

٣٢٢

للواقع فيكون معصية ظاهرية من حيث فرض كون دليله طريقا شرعيا الى الواقع فهو فى الحقيقة نوع من التجرى ، وهذا المعنى مفقود مع عدم الاطلاع على هذا الطريق ووجوب رجوع العامى الى المفتى لاجل احراز الواجبات الواقعية فاذا رجع وصادف الواقع وجب من حيث الواقع وان لم يصادف الواقع لم يكن الرجوع اليه فى هذه الواقعة واجبا فى الواقع ويترتب عليه آثار الوجوب ظاهرا مشروطة بعدم انكشاف الخلاف لا استحقاق العقاب على الترك فانه يثبت واقعا من باب التجرى (١) ، ومن هنا يظهر انه لا يتعدد العقاب مع مصادفة الواقع من جهة تعدد التكليف ، نعم لو قلنا بان مؤديات الطرق الشرعية احكام واقعية ثانوية لزم من ذلك انقلاب التكليف الى مؤديات تلك الطرق وكان اوجه الاحتمالات حينئذ الثانى منها.

الثانى قد عرفت ان الجاهل العامل بما يوافق البراءة مع قدرته على الفحص واستبانة الحال غير معذور لا من حيث العقاب ولا من جهة سائر الآثار (٢) بمعنى ان شيئا من آثار الشيء المجهول عقابا او غيره من الآثار المترتبة على ذلك الشيء فى حق العالم لا يرتفع عن الجاهل لاجل جهله.

وقد استثنى الاصحاب من ذلك القصر والاتمام والجهر والاخفات فحكموا بمعذورية الجاهل (٣) فى هذين الموضعين وظاهر كلامهم ارادتهم العذر من حيث

__________________

١ ـ على القول بحرمته وحاصله ان استحقاق العقاب (ح) انما هو من باب التجرى لا من باب حرمة مخالفة فنوى المفتى ولو مع فرض مخالفتها للواقع (م ق)

٢ ـ كوجوب الحد فى شرب الخمر ولزوم الكفارة فى الافطار ونحوهما (شرح)

٣ ـ المراد به الجاهل بالجهل المركب لعدم تأتى قصد القربة من الجاهل البسيط فتبطل عبادته من هذه الجهة (ق)

٣٢٣

الحكم الوضعى وهى الصحة بمعنى سقوط الفعل ثانيا دون المؤاخذة وهو الذى يقتضيه دليل المعذورية (١) فى الموضعين ايضا فحينئذ يقع الاشكال فى انه اذا لم يكن معذورا من حيث الحكم التكليفى كسائر الاحكام المجهولة للمكلف المقصر فيكون تكليفه بالواقع وهو القصر بالنسبة الى المسافر باقيا وما يأتى به من الاتمام المحكوم بكونه مسقطا ان لم يكن مأمورا به فكيف يسقط الواجب وان كان مأمورا به فكيف يجتمع الامر به مع فرض وجود الامر بالقصر.

ودفع هذا الاشكال اما يمنع تعلق التكليف فعلا بالواقعى المتروك واما بمنع تعلقه بالمأتى به واما بمنع التنافى بينهما ، فالاول اما من جهة القول بعدم تكليف الغافل بالواقع وكونه مؤاخذا على ترك التعلم فلا يجب عليه القصر لغفلته عنه ، نعم يعاقب على عدم ازالة الغفلة كما تقدم استظهاره من صاحب ك ومن تبعه واما من جهة تسليم تكليفه بالواقع إلّا ان الخطاب بالواقع ينقطع عند الغفلة لقبح خطاب العاجز وان كان العجز بسوء اختياره فهو معاقب حين الغفلة على ترك القصر لكنه ليس مأمورا به حتى يجتمع مع فرض وجود الامر بالاتمام ، لكن هذا كله خلاف ظاهر المشهور (٢) حيث ان الظاهر منهم كما تقدم بقاء التكليف بالواقع المجهول بالنسبة الى الجاهل ولذا يبطلون صلاة الجاهل بحرمة الغصب اذ لو لا النهى حين الصلاة لم يكن وجه للبطلان.

والثانى وهو منع تعلق الامر بالمأتى به بالتزام ان غير الواجب مسقط عن الواجب فان قيام ما اعتقد وجوبه مقام الواجب الواقعى غير ممتنع ، ويرد هذا الوجه

__________________

١ ـ اذ ليس مفاد ما دل على معذوريته إلّا ان صلاته ماضية ولا تجب اعادتها وهذا لا يقتضى ان يكون للجهل فى خصوص هذا المورد خصوصية مقتضية لرفع المؤاخذة عليه دون سائر الموارد (الهمدانى)

٢ ـ مع ان مقتضى الوجهين ثبوت العقاب لترك الواقع ولا يصححان صحة المأتى به (شرح)

٣٢٤

ان الظاهر من الادلة كون المأتى به مامورا به فى حقه مثل قوله عليه‌السلام فى الجهر والاخفات تمت صلاته ونحو ذلك وفى الموارد التى (١) قام فيها غير الواجب مقام الواجب نمنع عدم وجوب البدل ، بل الظاهر فى تلك الموارد سقوط الامر الواقعى وثبوت الامر بالبدل فتامل (٢).

والثالث بما ذكره كاشف الغطاء ره من ان التكليف بالاتمام مرتب على معصية الشارع بترك القصر فقد كلفه بالقصر والاتمام على تقدير معصيته فى التكليف بالقصر وقد سلك هذا الطريق فى مسئلة الضد فى تصحيح فعل غير الاهم من الواجبين المضيقين اذا ترك المكلف الامتثال بالاهم ، ويرده انا لا نعقل الترتيب فى المقامين وانما يعقل ذلك فيما اذ حدث التكليف الثانى بعد تحقق معصية الاول كمن عصى بترك الصلاة مع الطهارة المائية فكلف لضيق الوقت بالترابية.

الثالث ان وجوب الفحص انما هو فى اجراء الاصل فى الشبهة الحكمية الناشية من عدم النص او اجمال بعض الفاظه او تعارض النصوص اما اجراء الاصل فى الشبهة الموضوعية فان كانت الشبهة فى التحريم فلا اشكال ولا خلاف ظاهرا فى عدم وجوب الفحص ، ويدل عليه اطلاق الاخبار ، مثل قوله كل شيء لك حلال حتى تعلم ، وقوله حتى تستبين لك غير هذا او تقوم به البينة ، وقوله حتى يجيئك شاهدان يشهدان ان فيه الميتة وغير ذلك السالم عما يصلح لتقييده.

وان كانت الشبهة وجوبية فمقتضى ادلة البراءة (٣) حتى العقل كبعض كلمات

__________________

١ ـ من امثلته مؤديات الطرق الظاهرية كوجوب صلاة الظهر التى اخبر العادل بوجوبها على تقدير كون الواجب الواقعى صلاة الجمعة (م الهمدانى)

٢ ـ لعل الامر بالتأمل اشارة الى منع تعلق الامر بالبدل فى كل مورد كما فى ركوب الدابة المغصوبة المسقط عن ركوب المباحة (شرح)

٣ ـ اما دلالة النقلية كحديث الرفع والتوسعة ونحوهما مما هو شامل للشبهة

٣٢٥

العلماء عدم وجوب الفحص ايضا وهو مقتضى حكم العقلاء فى بعض الموارد مثل قول المولى لعبده اكرم العلماء او المؤمنين فانه لا يجب الفحص فى المشكوك حاله فى المثالين إلّا انه قد يتراءى ان بناء العقلاء فى بعض الموارد على الفحص والاحتياط كما اذا امر المولى باحضار علماء البلد او اطبائها او اضافتهم او اعطاء كل واحد منهم دينارا فانه قد يدعى ان بنائهم على الفحص عن اولئك وعدم الاقتصار على المعلوم ابتداء مع احتمال وجود غيرهم فى البلد.

واما كلمات الفقهاء فمختلفة فى فروع هذه المسألة فقد افتى جماعة منهم كالشيخ والفاضلين وغيرهم بانه لو كان له فضة مغشوشة بغيرها وعلم بلوغ الخالص نصابا وشك فى مقداره وجب التصفية ليحصل العلم بالمقدار او الاحتياط باخراج ما يتيقن معه البراءة ، نعم استشكل فى التحرير فى وجوب ذلك وصرح غير واحد من هؤلاء مع عدم العلم ببلوغ الخالص النصاب بانه لا يجب التصفية والفرق بين المسألتين مفقود ، الا ما ربما يتوهم من ان العلم بالتكليف ثابت مع العلم ببلوغ النصاب بخلاف ما لم يعلم به ، وفيه ان العلم بالنصاب لا يوجب الاحتياط مع القدر المتيقن ودوران الامر بين الاقل والاكثر مع كون الزائد على تقدير وجوبه تكليفا مستقلا ، ألا ترى انه لو علم بالدين وشك فى قدره لم يوجب ذلك الاحتياط والفحص ، مع انه لو كان هذا المقدار يمنع من اجراء البراءة قبل الفحص لمنع منها بعده اذ العلم الاجمالى لا يجوز معه الرجوع الى البراءة ولو بعد الفحص.

ثم الذى يمكن ان يقال فى وجوب الفحص انه اذا كان العلم بالموضوع المنوط به التكليف يتوقف كثيرا على الفحص بحيث لو اهمل الفحص لزم الوقوع فى مخالفة التكليف كثيرا ، تعين هنا بحكم العقلاء اعتبار الفحص ثم العمل بالبراءة كبعض الامثلة المتقدمة فان اضافة جميع علماء البلد او اطبائهم لا يمكن للشخص

__________________

ـ الوجوبية فغير قابلة للتأمل ولا ينافيه تقييدها بالنسبة الى الشبهات الحكمية بالادلة المتقدمة ؛ واما العقلى فيشكل التعويل عليه (م الهمدانى)

٣٢٦

الجاهل إلّا بالفحص فاذا حصل العلم ببعض واقتصر على ذلك نافيا لوجوب اضافة من عداه باصالة البراءة من غير تفحص زائد على ما حصل به المعلومين عد مستحقا للعقاب والملامة عند انكشاف ترك اضافة من تمكن من تحصيل العلم به بفحص زائد.

ومن هنا يمكن ان يقال فى مثال الحج المتقدم ان العلم بالاستطاعة فى اول ازمنة حصولها يتوقف غالبا على المحاسبة فلو بنى الامر على تركها ونفى وجوب الحج باصالة البراءة لزم تأخير الحج عن اول سنة الاستطاعة بالنسبة الى كثير من الاشخاص لكن الشأن (١) فى صدق هذه الدعوى.

واما الكلام فى مقدار الفحص فملخصه ان حد الفحص هو اليأس عن وجد ان الدليل فيما بايدينا من الادلة وتختلف ذلك باختلاف الاعصار فان فى زماننا هذا اذا ظن المجتهد بعدم وجود دليل التكليف فى الكتب الاربعة وغيرها من الكتب المعتبرة فى الحديث التى يسهل تناولها على نوع اهل العصر على وجه صار مأيوسا كفى ذلك منه فى اجراء البراءة اما عدم وجوب الزائد فللزوم الحرج وتعطيل استعلام سائر التكاليف لان انتهاء الفحص فى واقعة الى حد يحصل العلم بعدم وجود دليل التكليف يوجب الحرمان من الاطلاع على دليل التكليف فى غيرها من الوقائع فيجب فيها اما الاحتياط وهو يؤدى الى العسر واما لزوم التقليد لمن بذل فيها جهده على وجه علم بعدم دليل التكليف فيها وجوازه ممنوع لان هذا المجتهد المتفحص ربما يخطئ ذلك المجتهد فى كثير من مقدمات استنباطه للمسألة.

تذنيب ذكر الفاضل التونى لاصل البراءة شروطا أخر ، الاول ان لا يكون اعمال

__________________

١ ـ لان الغالب حصول العلم بالموضوع وجودا او عدما من دون فحص واحتياج اليه فلا تلزم المخالفة الكثيرة (ح) بالعمل باصالة البراءة فى الموارد الباقية المشكوك فيها (ق)

٣٢٧

الاصل موجبا لثبوت حكم شرعى من جهة اخرى مثل ان يقال فى احد الإناءين المشتبهين الاصل عدم وجوب الاجتناب عنه فانه يوجب الحكم بوجوب الاجتناب عن الآخر.

اقول توضيح الكلام فى هذا المقام (١) ان ايجاب العمل بالاصل لثبوت حكم آخر اما باثبات الاصل المعمول به لموضوع انيط به حكم شرعى كان يثبت بالاصل براءة ذمة الشخص الواجد لمقدار من المال وافٍ بالحج من الدين فيصير بضميمة اصالة البراءة مستطيعا فيجب عليه الحج فان الدين مانع عن الاستطاعة فيدفع بالاصل ويحكم بوجوب الحج بذلك المال واما لاستلزام نفى الحكم به حكما يستلزم عقلا او عادة ولو فى هذه القضية الشخصية ثبوت حكم تكليفى فى ذلك المورد او فى مورد آخر كنفى وجوب الاجتناب عن احد الإناءين.

فان كان ايجابه للحكم على الوجه الاول فلا يكون ذلك مانعا عن جريان الاصل لجريان ادلته من العقل والنقل من غير مانع ومجرد ايجابه لموضوع حكم وجودى آخر لا يكون مانعا عن جريان ادلته كما لا يخفى على من تتبع الاحكام الشرعية والعرفية ومرجعه فى الحقيقة الى رفع المانع فاذا انحصر الطهور فى ماء مشكوك الاباحة بحيث لو كان محرم الاستعمال لم يجب الصلاة لفقد الطهورين ولا مانع من اجراء اصالة الحل واثبات كونه واجدا لطهور فيجب عليه الصلاة ومثاله العرفى ما اذا قال المولى لعبده اذا لم يكن عليك شغل واجب من قبلى

__________________

١ ـ حاصله ان مرجع كلامه الى اشتراط جواز العمل باصالة البراءة بعدم معارضتها اصلا آخر لانه اذا استلزم العمل بها لاثبات حكم شرعى من جهة اخرى فاصالة عدمه تعارضها وهو ره لم يفرق بين الاصول الحاكمة والمحكومة والمعارضة ، والمثال الاول مثال للحاكم والثانى للمعارض ، وما جعله شرطا ليس بشرط فى الاصل الحاكم وليس من خواص البراءة فى الاصل المعارض بل هو شرط فى كل اصل بل فى كل دليل (م ق)

٣٢٨

فاشتغل بكذا فان العقلاء يوجبون عليه الاشتغال بكذا اذا لم يعلم بوجوب شيء على نفسه من قبل المولى.

وان كان على الوجه الثانى الراجع الى وجود العلم الاجمالى بثبوت حكم مردد بين حكمين فان اريد باعمال الاصل فى نفى احدهما اثبات الآخر ففيه ان مفاد ادلة اصل البراءة مجرد نفى التكليف دون اثباته وان كان الاثبات لازما واقعيا لذلك النفى فان الاحكام الظاهرية انما يثبت بمقدار مدلول ادلتها ولا يتعدى الى ازيد منه بمجرد ثبوت الملازمة الواقعية بينه وبين ما ثبت إلّا ان يكون الحكم الظاهرى الثابت بالاصل موضوعا لذلك الحكم الآخر كما ذكرنا فى مثال براءة الذمة عن الدين والحج وسيجيء توضيح ذلك فى باب تعارض الاستصحابين وان اريد باعماله فى احدهما مجرد نفيه دون الاثبات فهو جار إلّا انه معارض بجريانه فى الآخر فاللازم اما اجرائه فيهما فيلزم طرح ذلك العلم الاجمالى لاجل العمل بالاصل واما اهماله فيهما وهو المطلوب واما اعمال احدهما بالخصوص فترجيح بلا مرجح ، نعم لو لم يكن العلم الاجمالى فى المقام مما يضر طرحه لزم العمل بهما كما تقدم انه احد الوجهين فيما اذا دار الامر بين الوجوب والتحريم وكيف كان فسقوط العمل بالاصل فى المقام لاجل المعارض ولا اختصاص لهذا الشرط باصل البراءة بل يجرى فى غيره من الاصول والادلة.

الثانى ان لا يتضرر باعمالها مسلم كما لو فتح انسان قفس طائر فطار او حبس شاة فمات ولدها او امسك رجلا فهرب دابته فان اعمال البراءة فيها (١) يوجب تضرر المالك فيحتمل اندراجه فى تحت قاعدة الاتلاف وعموم قوله (ص) لا ضرر ولا ضرار فلا علم حينئذ ولا ظن بان الواقعة غير منصوصة فلا يتحقق شرط التمسك بالاصل من فقدان النص.

__________________

١ ـ اى اصالة براءة الذمة عن الاشتغال بقيم تلك المتلفات او استصحابها فانه لا فرق عنده بين البراءة واستصحاب العدم (شرح)

٣٢٩

ويرد عليه (١) انه ان كان قاعدة نفى الضرر معتبرة فى مورد الاصل كان دليلا كسائر الادلة الاجتهادية الحاكمة على البراءة وإلّا فلا معنى للتوقف فى الواقعة وترك العمل بالبراءة ومجرد احتمال اندراج الواقعة فى قاعدة الاتلاف او الضرر لا يوجب رفع اليد عن الاصل ، والمعلوم تعلقه بالضار فيما نحن فيه هو الاثم والتعزير ان كان متعمدا وإلّا فلا يعلم وجوب شيء عليه ، وبالجملة فلا وجه صحيح لما ذكره فى خصوص ادلة الضرر.

وحيث جرى ذكر حديث نفى الضرر والضرار ناسب بسط الكلام فى ذلك فى الجملة فنقول قد ادعى فخر الدين فى الايضاح فى باب الرهن تواتر الاخبار على نفى الضرر والضرار فلا نتعرض من الاخبار الواردة فى ذلك الا لما هو اصح ما فى الباب سندا واوضحه دلالة وهى الرواية المتضمنة لقصة سمرة بن جندب مع الانصارى.

وهى ما رواه غير واحد عن زرارة عن ابى جعفر عليه‌السلام ان سمرة بن جندب كان له عذق (٢) وكان طريقه اليه فى جوف منزل لرجل من الانصار وكان يجيء الى عذقه بغير اذن من الانصارى فقال الانصارى يا سمرة لا تزال تفجأنا على حال لا نحب ان تفجأنا عليها واذ ادخلت فاستأذن فقال لا استأذن فى طريقى الى عذقى فشكاه الانصارى الى رسول الله (ص) فاتاه فقال (ص) ان فلانا قد شكاك وزعم انك تمر عليه وعلى اهله بغير اذنه فاستأذن

__________________

١ ـ اورد عليه بوجوه ؛ الاول ان مجرد احتمال اندراج مورد البراءة تحت قاعدة الضرر والاتلاف لا يوجب رفع اليد عن الاصل المحكم ، الثانى انه على تقدير القطع بالاندراج لا وجه لتخصيص الشرط بعدم التضرر اذ كما يعتبر فى العمل باصالة البراءة عدم كون موردها موردا لقاعدة الضرر كذلك يعتبر عدم كونه موردا لسائر القواعد ، الثالث منع دلالة قاعدة الضرر على الضمان بل الضار ان قصد بفعله الاضرار على الغير فهو آثم قطعا وإلّا فلا اثم عليه (م ق)

٢ ـ العذق كفلس النخلة وكحبر عنقود التمر (شرح)

٣٣٠

عليه اذا اردت ان تدخل فقال يا رسول الله (ص) استأذن فى طريقى الى عذقى فقال له رسول الله (ص) خل عنه ولك عذق فى مكان كذا قال لا قال فلك اثنان فقال لا اريد فجعل (ص) يزيد حتى بلغ عشرا عذق فقال خل عنه ولك عشرا عذق فى مكان كذا فابى فقال خل عنه لك بها عذق فى الجنة فقال لا اريد فقال له رسول الله (ص) انك رجل مضار ولا ضرر ولا ضرار على مؤمن قال ثم امر بها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقلعت ثم رمى بها اليه وقال له رسول الله (ص) انطلق واغرسها حيث شئت الخبر وفى رواية اخرى موثقة ان ثمرة بن جندب كان له عذق فى حائط لرجل من الانصار وكان منزل الانصارى بباب البستان وفى آخرها قال رسول الله (ص) للانصارى اذهب فاقلعها وارم بها اليه فانه لا ضرر ولا ضرار الخبر.

واما معنى اللفظين فقال فى الصحاح الضر خلاف النفع وقد ضره وضاره بمعنى والاسم الضرر ثم قال والضرار المضارة وعن النهاية الاثيرية فى الحديث لا ضرر ولا ضرار فى الاسلام الضر ضد النفع ضره يضره ضرا وضرارا واضربه يضره اضرارا فمعنى قوله لا ضرر لا يضر الرجل اخاه بنقصه شيئا من حقه والضرار فعال من الضر أى لا يجازيه على اضراره بادخال الضرر عليه والضرر فعل الواحد والضرار فعل الاثنين والضرر ابتداء الفعل والضرار الجزاء عليه وقيل الضرر ما تضر به صاحبك وتنتفع انت به والضرار ان تضره بغير ان تنتفع وقيل هما بمعنى والتكرار للتأكيد انتهى.

وعن المصباح ضره يضره من باب قتل اذا فعل به مكروها واضر به يتعدى بنفسه ثلاثيا وبالباء رباعيا والاسم الضرر وقد يطلق على نقص فى الاعيان وضاره مضارة وضرارا بمعنى ضره انتهى وفى القاموس الضر ضد النفع وضاره يضاره ضرارا ثم قال والضرر سوء الحال ثم قال الضرار الضيق انتهى.

اذا عرفت ما ذكرنا فاعلم ان المعنى بعد تعذر ارادة الحقيقة (١) عدم تشريع الضرر

__________________

١ ـ لوجود الحقيقة فى الشرع والعادة بديهة وبعد تعذر ارادتها اختلفوا فى

٣٣١

بمعنى ان الشارع لم يشرع حكما يلزم منه ضرر على احد تكليفيا كان او وضعيا فلزوم البيع مع الغبن حكم يلزم منه ضرر على المغبون فينتفى بالخبر وكك لزوم البيع من غير شفعة للشريك وكذلك وجوب الوضوء على من لا يجد الماء إلّا بثمن كثير وكذلك سلطنة المالك على الدخول الى عذقه واباحته له من دون استيذان من الانصارى وكذلك حرمة الترافع عند حكام الجور اذا توقف اخذ الحق عليه ومنه براءة ذمة الضار عن تدارك ما ادخله من الضرر اذ كما ان تشريع حكم يحدث معه الضرر منفى بالخبر كذلك تشريع ما يبقى معه الضرر الحادث بل يجب ان يكون الحكم المشروع فى تلك الواقعة على وجه يتدارك ذلك كان لم يحدث.

إلّا انه قد ينافى هذا قوله لا ضرار بناء على ان معنى الضرار المجازات على الضرر وكذا لو كان بمعنى المضارة التى هى من فعل الاثنين لان فعل البادى منهما ضرر قد نفى بالفقرة الاولى فالضرار المنفى بالفقرة الثانية انما يحصل يفعل الثانى وكان من فسره بالجزاء على الضرر اخذه من هذا المعنى لا على انه معنى مستقل.

ويحتمل ان يراد من النفى النهى عن اضرار النفس او الغير ابتداء او مجازاة ، لكن لا بد ان يراد بالنهى (١) زائدا على التحريم الفساد وعدم المضى للاستدلال به فى

__________________

ـ المعنى على وجوه ، احدها ما ذكره المصنف من ان المراد عدم جعل الشارع حكما يلزم منه ضرر على احد فكل حكم يلزم من جعله او امضائه ضرر على احد فهو منفى ، وهذا اظهر المعانى ولا يرد عليه شيء سوى ما اشار اليه بقوله إلّا انه قد ينافى : اذ معناهما (ح) نفى اخذ البدل عن الضار وتغريمه بالقيمة ، ثم ان الاستدلال بهذا الوجه على اثبات حكم وضعى باعتبار كون نفى الحكم الضررى مستلزما لحكم وضعى مثل نفى لزوم البيع مع الغبن المستلزم لخيار المشترى ونفى براءة ذمة الضار عن تدارك ما اتلفه المستلزم لضمانه (م ق)

١ ـ فيحرم الاضرار ولا ينفذ بمعنى ان الضار يكون ضامنا ايضا (ق)

٣٣٢

كثير من رواياته على الحكم الوضعى دون محض التكليف فالنهى هنا نظير الامر بالوفاء بالشروط والعقود فكل اضرار بالنفس او الغير محرم غير ماض على من اضره وهذا المعنى قريب من الاول بل راجع اليه والاظهر بملاحظة نفس الفقرة ونظائرها وموارد ذكرها فى الروايات وفهم العلماء هو المعنى الاول.

ثم ان هذه القاعدة حاكمة على جميع العمومات الدالة بعمومها على تشريع الحكم الضررى كادلة لزوم العقود وسلطنة الناس على اموالهم ووجوب الوضوء على واجد الماء وحرمة الترافع الى حكام الجور وغير ذلك وما يظهر من غير واحد كالفاضل النراقى من التعارض بين العمومات المثبتة للتكليف وهذه القاعدة ، ثم ترجيح هذه اما بعمل الاصحاب واما بالاصول كالبراءة فى مقام التكليف وغيرها فى غيره فهو خلاف ما يقتضيه التدبر فى نظائرها من ادلة رفع الحرج ورفع الخطاء والنسيان ونفى السهو على كثير السهو ونفى السبيل على المحسنين ونفى قدرة العبد على شيء ونحوها ، مع ان وقوعها فى مقام الامتنان يكفى فى تقديمها على العمومات.

والمراد بالحكومة ان يكون احد الدليلين بمدلوله اللفظى متعرضا لحال دليل آخر من حيث اثبات حكم لشيء او نفيه عنه فالاول مثل ما دل على الطهارة بالاستصحاب او بشهادة العدلين فانه حاكم على ما دل على انه لا صلاة إلّا بطهور فانه يفيد بمدلوله اللفظى على ان ما ثبت من الاحكام للطهارة فى مثل لا صلاة إلّا بطهور وغيرها ثابت للمتطهر بالاستصحاب او بالبينة والثانى مثل الامثلة المذكورة.

واما المتعارضان فليس فى احدهما دلالة لفظية على حال الآخر من حيث العموم والخصوص وانما يفيد حكما منافيا لحكم آخر وبملاحظة تنافيهما وعدم جواز تحققهما واقعا يحكم بارادة خلاف الظاهر فى احدهما المعين ان كان الآخر اقوى منه ، فهذا الآخر الاقوى قرينة عقلية على المراد من الآخر وليس فى مدلوله اللفظى تعرض لبيان المراد منه ، ومن هنا وجب ملاحظة الترجيح فى القرينة

٣٣٣

لان قرينيته بحكم العقل بضميمة المرجح اما اذا كان الدليل بمدلوله اللفظى كاشفا عن حال الآخر فلا يحتاج الى ملاحظة مرجح له بل هى متعين للقرينة بمدلوله له وسيأتى لذلك توضيح فى تعارض الاستصحابين انشاء ...

ثم انه يظهر مما ذكرنا (١) من حكومة الرواية وورودها فى مقام الامتنان نظير ادلة نفى الحرج والاكراه ان مصلحة الحكم الضررى المجعول بالادلة العامة لا تصلح ان تكون تداركا للضرر حتى يقال ان الضرر يتدارك بالمصلحة العائدة الى المتضرر وان الضرر المقابل بمنفعة راجحة عليه ليس بمنفى بل ليس ضررا ، توضيح الفساد ان هذه القاعدة تدل على عدم جعل الاحكام الضررية واختصاص ادلة الاحكام بغير موارد الضرر ، نعم لو لا الحكومة ومقام الامتنان كان للتوهم المذكور مجال.

ثم انك قد عرفت بما ذكرنا انه لا قصور فى القاعدة المذكورة من حيث مدركها سندا او دلالة إلّا ان الذى يوهن فيها هى كثرة التخصيصات فيها بحيث يكون الخارج منها اضعاف الباقى كما لا يخفى على المتتبع خصوصا على تفسير الضرر بادخال المكروه كما تقدم بل لو بنى على العمل بعموم هذه القاعدة حصل منه فقه جديد ، ومع ذلك فقد استقرت سيرة الفريقين على الاستدلال بها فى مقابل العمومات المثبتة للاحكام وعدم رفع اليد عنها إلّا بمخصص قوى فى غاية الاعتبار بحيث يعلم منهم انحصار مدرك الحكم فى عموم هذه القاعدة ولعل هذا كاف فى جبر

__________________

١ ـ توضيحه ان مقتضى حكومة قاعدة الضرر على عمومات التكاليف ان لا تكون المصالح التى تنشأ منها الاحكام صالحة لتدارك ما يترتب عليها من الضرر فى بعض مواردها وإلّا لم تكن لحكومة هذه القاعدة عليها وجه لان الشارع اذا امر بالتوضى على وجه الاطلاق الشامل لصورة التضرر باستعمال الماء كان ذلك كاشفا عن وجود المصلحة فى مورد الضرر بمعنى عدم كون اصل مصلحة الحكم متداركة للضرر الحاصل من استعمال الماء وإلّا لم يكن لوضع الحكم عن مورد الضرر معنى لارتفاع موضوع الضرر بتداركه بمصلحة متساوية او اقوى (ق)

٣٣٤

الوهن المذكور وان كان فى كفايته نظر بناء على ان لزوم تخصيص الاكثر على تقدير العموم قرينة على ارادة معنى لا يلزم منه ذلك غاية الامر تردد الامر بين العموم واردة ذلك المعنى واستدلال العلماء لا يصلح معينا خصوصا لهذا المعنى المرجوح المنافى لمقام الامتنان وضرب القاعدة.

إلّا ان يقال مضافا الى منع اكثرية الخارج وان سلمت كثرته ان الموارد الكثيرة الخارجة عن العام انما خرجت بعنوان واحد جامع لها وان لم نعرفه على وجه التفصيل وقد تقرر ان تخصيص الاكثر لا استهجان فيه اذا كان بعنوان واحد جامع لافراد هى اكثر من الباقى كما اذا قيل اكرم الناس ودل دليل على اعتبار العدالة خصوصا اذا كان المخصص مما يعلم به المخاطب حال الخطاب ومن هنا ظهر وجه صحة التمسك بكثير من العمومات مع خروج اكثر افرادها ، كما فى قوله المؤمنون عند شروطهم ، وقوله اوفوا بالعقود بناء على ارادة العهود كما فى الصحيح.

ثم انه يشكل الامر (١) من حيث ان ظاهرهم فى الضرر المنفى الضرر النوعى لا الشخصى فحكموا بشرعية الخيار للمغبون نظرا الى ملاحظة نوع البيع المغبون فيه وان فرض عدم تضرره فى خصوص مقام كما اذا لم يوجد راغب فى المبيع وكان بقاؤه ضررا على البائع لكونه فى معرض الاباق او التلف او الغصب ، وكما اذا لم يترتب على ترك الشفعة ضرر على الشفيع بل كان له فيه نفع ، وبالجملة فالضرر عندهم فى بعض الاحكام حكمة لا يعتبر اطرادها وفى بعض المقامات يعتبرون اطرادها مع ان ظاهر الرواية اعتبار الضرر الشخصى.

إلّا ان يستظهر منها انتفاء الحكم رأسا اذا كان موجبا للضرر غالبا وان

__________________

١ ـ وجه الاشكال ان ظاهر الروايات اعتبار الضرر الشخص وظاهر العلماء حيث تمسكوا بهذه القاعدة فى اثبات خيار الغبن والعيب والشفعة هو اعتبار الضرر النوعى بالتقريب الذى ذكره (ق)

٣٣٥

لم يوجبه دائما كما قد يدعى نظير ذلك فى ادلة نفى الحرج ولو قلنا بان التسلط على ملك الغير باخراجه عن ملكه قهرا عليه بخيار او شفعة ضرر ايضا صار الامر اشكل (١) إلّا ان يقال ان الضرر اوجب وقوع العقد على وجه متزلزل يدخل فيه الخيار فتامل.

ثم انه قد يتعارض الضرر ان بالنسبة الى شخص واحد (٢) او شخصين فمع فقد المرجح يرجع الى الاصول والقواعد الأخر كما انه اذا اكره على الولاية من قبل الجائر المستلزمة للاضرار على الناس فانه يرجع الى قاعدة نفى الحرج لان الزام الشخص به بتحمل الضرر لدفع الضرر عن غيره حرج وقد ذكرنا توضيح ذلك فى مسئلة التولى من قبل الجائر من كتاب المكاسب.

ومثله اذا كان تصرف المالك فى ملكه موجبا لتضرر جاره وتركه موجبا لتضرر نفسه فانه يرجع الى عموم الناس مسلطون على اموالهم ولو عد مطلق حجره عن التصرف فى ملكه ضررا لم يعتبر فى ترجيح المالك ضرر زائد على ترك التصرف فيه فيرجع الى عموم التسلط.

ويمكن الرجوع الى قاعدة نفى الحرج لان منع المالك لدفع ضرر الغير حرج وضيق عليه اما لحكومته ابتداء على نفى الضرر واما لتعارضهما والرجوع الى الاصول ولعل هذا او بعضه منشأ اطلاق جماعة وتصريح آخرين بجواز تصرف

__________________

١ ـ لكون نفى الضرر حينئذ مستعقبا لضرر آخر فتتعارض فيه القاعدة ؛ وحاصل ما اجاب به ان الضرر الثانى ليس بضرر لترتبه على تزلزل العقد كما فى سائر العقود الجائزة ، ولعل التأمل اشارة الى ان الثانى انما لا يكون ضررا على تقدير عدم لزوم العقد ابتداء مع قطع النظر عن الضرر الاول ، والفرض ان تزلزل العقد انما نشأ عن تقديم ضرر البائع والشفيع على ضرر صاحبه (م ق)

٢ ـ كما اذا دخلت دابته داره بحيث لا يمكن الخروج الا بقتلها او تخريب الدار ، وضرر الشخصين يظهر من الامثلة الآتية (شرح)

٣٣٦

المالك فى ملكه وان تضرر الجار بان يبنى داره مدبغة او حماما او بيت القصارة او الحدادة بل حكى عن الشيخ والحلبى وابن زهرة دعوى الوفاق عليه ولعله ايضا منشأ ما فى التذكرة من الفرق بين تصرف الانسان فى الشارع المباح باخراج روشن (١) او جناح وبين تصرفه فى ملكه حيث اعتبر فى الاول عدم تضرر الجار بخلاف الثانى فان المنع من التصرف فى المباح لا يعد ضررا بل فوات انتفاع

وربما يفصل بين اقسام التصرف بانه ان قصد به الاضرار من دون ان يترتب عليه جلب نفع او دفع ضرر فلا ريب فى انه يمنع كما دل عليه خبر سمرة بن جندب حيث قال له النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله انك رجل مضار واذا رتب عليه نفع او دفع ضرر وعلى جاره ضرر يسير فانه جائر قطعا وعليه بنوا جواز رفع الجدار على سطح الجار.

واما اذا كان ضرر الجار كثيرا يتحمل عادة فانه جائز على كراهة شديدة وعليه بنوا كراهة التولى من قبل الجائر لدفع ضرر يصيبه واما اذا كان ضرر الجار كثيرا لا يتحمل عادة لنفع يصيبه فانه لا يجور له ذلك وعليه بنوا حرمة الاحتكار فى مثل ذلك وعليه بنى جماعة كالفاضل فى التحرير والشهيد فى اللمعة الضمان اذا اجج نارا بقدر حاجته مع ظنه التعدى الى الغير.

واما اذا كان ضرره كثيرا وضرر جاره كذلك فانه يجوز له دفع ضرره وان تضرر جاره او اخوه المسلم وعليه بنوا جواز الولاية من قبل الجائر الى ان قال والحاصل ان اخبار الاضرار فيما يعد اضرارا معتدا به عرفا والحال انه لا ضرر بذلك على المضر لان الضرر لا يزال انتهى.

__________________

١ ـ الروشن والجناح يشتركان فى اخراج خشب من حائط المالك الى الطريق بحيث لا يصل الى الحائط المقابل ثم يبنى عليه ؛ ولو وصل فهو الساباط ، وقيل ان الروشن يختص بان تجعل له قوائم من السفل (شرح)

٣٣٧

اقول الا وفق بالقواعد تقديم المالك لان حجر المالك عن التصرف فى ماله ضرر يعارض ضرر الغير فيرجع الى عموم قاعدة السلطنة ونفى الحرج ، نعم فى الصورة الاولى التى يقصد المالك مجرد الاضرار من غير غرض فى التصرف يعتد به لا يعد فواته ضررا ، والظاهر عدم الفرق بين كون ضرر المالك بترك التصرف اشد من ضرر الغير او اقل اما لعدم ثبوت الترجيح بقلة الضرر كما سيجيء واما لحكومة نفى الحرج على نفى الضرر فان تحمل الغير على الضرر ولو يسيرا لاجل دفع الضرر عن الغير ولو كثيرا حرج وضيق ولذا اتفقوا على انه يجوز للمكره الاضرار على الغير بما دون القتل لاجل دفع الضرر عن نفسه ولو كان اقل من ضرر الغير.

هذا كله فى تعارض ضرر المالك وضرر الغير واما فى غير ذلك فهل يرجع ابتداء الى القواعد الأخر او بعد الترجيح بقلة الضرر وجهان بل قولان يظهر الترجيح من بعض الكلمات المحكية عن التذكرة وبعض موارد الدروس ورجحه غير واحد من المعاصرين ويمكن ان ينزل عليه ما عن المشهور من انه لو ادخلت الدابة رأسها فى القدر بغير تفريط من احد المالكين كسرت القدر وضمن قيمته صاحب الدابة معللا بان الكسر لمصلحته فيحمل اطلاق كلامهم على الغالب من ان ما يدخل من الضرر على مالك الدابة اذا حكم عليه بتلف الدابة واخذ قيمتها اكثر مما يدخل على صاحب القدر بتلفه واخذ قيمته ، وبعبارة اخرى تلف احدى العينين وتبدلها بالقيمة اهون من تلف الاخرى و (ح) فلا يبقى مجال للاعتراض على تعليل الحكم بكونه لمصلحة صاحب الدابة بما فى المسالك من انه قد يكون المصلحة لصاحب القدر فقط وقد يكون المصلحة مشتركة بينهما وكك حكمهم بضمان صاحب الدابة اذا دخلت فى دار لا يخرج الا بهدمها معللا بانه لمصلحة صاحب الدابة فان الغالب ان تدارك المهدوم اهون من تدارك الدابة.

والحمد لله والصلاة والسلام على نبيه وآله

٣٣٨

بسم الله الرحمنِ الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله ولعنة الله على اعدائهم اجمعين الى يوم الدين.

المقام الثانى فى الاستصحاب وهو لغة اخذ الشيء مصاحبا ومنه استصحاب اجزاء ما لا يوكل لحمه فى الصلاة وعند الاصولين عرف بتعاريف اسدها واخصرها ابقاء ما كان والمراد بالابقاء (١) الحكم بالبقاء ودخل الوصف فى الموضوع مشعر بعليته للحكم فعلة الابقاء هو انه كان فيخرج ابقاء الحكم لاجل وجود علته او دليله والى ما ذكرنا يرجع تعريفه فى الزبدة بانه اثبات الحكم فى الزمان الثانى تعويلا على ثبوته فى الزمن الاول.

وازيف التعاريف تعريفه بانه كون حكم او وصف (٢) يقينى الحصول فى الآن السابق مشكوك البقاء فى الآن اللاحق اذ لا يخفى ان كون حكم او وصف كذلك هو محقق مورد الاستصحاب ومحله لا نفسه.

__________________

فى الاستصحاب

١ ـ يعنى الالتزام به فى مرحلة الظاهر بمعنى ترتيب آثار البقاء فى مقام العمل (الهمدانى)

٢ ـ مراده بالحكم الاحكام الشرعية وبالوصف الامور الخارجية كرطوبة الثوب وحياة زيد (م ق)

٣٣٩

بقى الكلام فى امور (١) الاول ان عد الاستصحاب من الاحكام الظاهرية (٢) الثابتة للشيء بوصف كونه مشكوك الحكم نظير اصل البراءة وقاعدة الاشتغال مبنى على استفادته من الاخبار واما بناء على كونه حجة من باب الظن فهو دليل اجتهادى وعليه تكون مسئلة الاستصحاب كمسائل حجية الادلة الظنية كظاهر الكتاب وخبر الواحد من المسائل الاصولية (٣)

واما على القول بكونه من الاصول العملية ففى كونه من المسائل الاصولية غموض (٤) من حيث ان الاستصحاب (ح) قاعدة مستفادة من السنة فهو كقاعدة البراءة والاشتغال نظير قاعدة الضرر والحرج من القواعد الفرعية المتعلقة بعمل

__________________

١ ـ يعنى مما يناسب ذكره فى المقام قبل الخوض فى اصل المسألة (الهمدانى)

٢ ـ الحكم المجعول على الموضوع بعنوان كونه مشكوك الحكم الواقعى يسمى حكما ظاهريا وواقعيا ثانويا ويسمى الدليل الدال على هذا الحكم الظاهرى اصلا ، والحكم المجعول على العناوين الاولية الساذجة يسمى حكما واقعيا ويسمى ما يدل عليه بنحو العلم او الظن المعتبر دليلا وقد يقيد بالاجتهادى كما قد يقيد الاول بالدليل الفقاهى (شرح)

٣ ـ قد ذكروا فى مقام تمييز المسألة الفرعية عن المسائل الاصولية موازين ؛ منها ان المسألة الباحثة عن احوال الادلة الاربعة او كل دليل فى الفقه مسئلة اصولية والباحثة عن افعال المكلفين والاحكام المتعلقة بها مسئلة فقهية ، ومنها ان كل مسئلة بعد تنقيحها واستنباطها من الادلة ان اختص العمل بها بالمجتهد فهى من المسائل الاصولية وان عمه العمل والمقلد فهى من المسائل الفرعية ، ومنها غير ذلك مما فصل فى المطولات ، ، ثم ان عد الاستصحاب على القول بكونه من باب الظن من مسائل العلم مبنى على الميزان الاول اذ البحث عن حجية ذلك الظن وعدمها (شرح)

٤ ـ التوجيه الاول مبنى على الميزان الاول من موازين تشخيص المسائل والثانى مبنى على الثانى (شرح)

٣٤٠