الرسائل الجديدة والفرائد الحديثة

الشيخ علي المشكيني

الرسائل الجديدة والفرائد الحديثة

المؤلف:

الشيخ علي المشكيني


الموضوع : أصول الفقه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٣٥

ان القضية المغياة سواء كانت اخبارا عن الواقع وكانت الغاية قيدا للمحمول كما فى قولنا الثوب طاهر الى ان يلاقى نجسا ام كانت ظاهرية مغياة بالعلم بعدم المحمول كما فى ما نحن فيه قد يقصد المتكلم مجرد ثبوت المحمول للموضوع ظاهرا او واقعا من غير ملاحظة كونه مسبوقا بثبوته له وقد يقصد المتكلم به مجرد الاستمرار لا اصل الثبوت بحيث يكون اصل الثبوت مفروغا عنه والاول (١) اعم من الثانى من حيث المورد.

اذا عرفت هذا فنقول ان معنى الرواية اما ان يكون خصوص المعنى الثانى وهو القصد الى بيان الاستمرار بعد الفراغ عن ثبوت اصل الطهارة فيكون دليلا على استصحاب الطهارة لكنه خلاف الظاهر واما خصوص المعنى الاول الاعم منه و ـ حينئذ لم يكن فيه دلالة على استصحاب الطهارة وان شمل مورده إلّا ان الحكم فيما علم طهارته (٢) ولم يعلم طرو القذارة له ليس من حيث سبق طهارته بل باعتبار مجرد كونه مشكوك الطهارة فالرواية تفيد قاعدة الطهارة حتى فى مسبوق الطهارة لا استصحابها ومنشأ الاشتباه فى هذا المقام ملاحظة عموم القاعدة لمورد الاستصحاب فيتخيل ان الرواية تدل على الاستصحاب ، ولكن دلالتها على طهارة مستصحب الطهارة غير دلالتها على اعتبار استصحاب الطهارة وإلّا فقد يجرى فى مسبوق النجاسة على اقوى الوجهين الآتيين فى باب معارضة الاستصحاب للقاعدة.

__________________

١ ـ لشموله لما شك فى طهارته وليس له حالة سابقة او لم يعلم حالته السابقة بل والمشكوك الذى علم بسبق النجاسة له بناء على ما سيذكره المصنف ره (شرح)

٢ ـ والحاصل ان هنا قواعد ثلاثة قاعدة البراءة وقاعدة الحلية وقاعدة الطهارة واما الاستصحاب فهو من حيث هو مخالف لها وإن كان قد يتصادق معها موردا ؛ فاصالة البراءة غير استصحابها واصالة الحلية والطهارة غير استصحابهما ، وقوله كل شيء لك مطلق او حلال او طاهر ادلة مثبتة لتلك القواعد لا الاستصحاب الجارى فى موردها فلا يتوهم جواز الاستدلال بادلتها لتلك الاستصحابات (شرح)

٣٦١

ثم لا فرق فى مفاد الرواية بين الموضوع الخارجى الذى يشك فى طهارته من حيث الشبهة فى حكم نوعه وبين الموضوع الخارجى المشكوك طهارته من حيث اشتباه الموضوع الخارجى فاذا تعين حمل الرواية المذكورة على احد المعنيين فالظاهر ارادة القاعدة نظير قوله كل شيء لك حلال لان حمله على الاستصحاب ، وحمل الكلام على ارادة خصوص الاستمرار فيما علم طهارته سابقا خلاف الظاهر اذ ظاهر الجملة الخبرية اثبات اصل المحمول للموضوع لا اثبات استمراره فى مورد الفراغ عن ثبوت الاصل ، نعم قوله حتى تعلم يدل على استمرار المغيى لكن المغيى به الحكم بالطهارة يعنى ان هذا الحكم الظاهرى مستمر له الى كذا لا ان الطهارة الواقعية المفروغ عنها مستمرة ظاهرا الى زمن العلم.

ومنها قوله عليه‌السلام الماء كله طاهر حتى تعلم انه نجس وهو وان كان متحدا مع الجزء السابق من حيث الحكم والغاية فتكون ظاهرة فى ارادة القاعدة كما عرفت إلّا ان الاشتباه فى الماء من غير جهة عروض النجاسة للماء غير متحقق غالبا ، فالاولى حملها على ارادة الاستصحاب ، والمعنى ان الماء المعلوم طهارته بحسب اصل الخلقة طاهر حتى تعلم اى تستمر طهارته المفروضة الى حين العلم بعروض القذارة له سواء كان الاشتباه وعدم العلم من جهة الاشتباه فى الحكم كالقليل الملاقى للنجس والبئر أم كان من جهة الاشتباه فى الامر الخارجى كالشك فى ملاقاته للنجاسة او نجاسة ملاقيه ، ومنها قوله عليه‌السلام اذا استيقنت انك توضأت فاياك ان تحدث وضوءا حتى تستيقن انك احدثت ودلالته على استصحاب الطهارة ظاهرة.

ثم ان اختصاص ما عدى الاخبار العامة بالقول المختار واضح واما الاخبار العامة فالمعروف بين المتاخرين الاستدلال بها على حجية الاستصحاب فى جميع الموارد وفيه تأمل قد فتح بابه المحقق الخوانسارى فى شرح الدروس وتوضيحه (١)

__________________

١ ـ حاصله ان لفظ النقض حقيقة لغة فى رفع الهيئة الاتصالية الحسية وهذا غير مراد هنا جزما فيتعين حمله على ارادة معنى مجازى منه وهو اما رفع اليد عن الشيء

٣٦٢

ان حقيقة النقض هو رفع الهيئة الاتصالية كما فى نقض الحبل والاقرب اليه على تقدير مجازيته هو رفع الامر الثابت وقد يطلق على مطلق رفع اليد عن الشيء ولو لعدم المقتضى له بعد ان كان آخذا به فالمراد من النقض عدم الاستمرار عليه والبناء على عدمه بعد وجوده.

اذا عرفت هذا فنقول ان الامر يدور بين ان يكون المراد بالنقض مطلق ترك العمل وترتيب الاثر وهو المعنى الثالث ويبقى المنقوض عاما لكل يقين وبين ان يراد من النقض ظاهره وهو المعنى الثانى فيختص متعلقه بما من شأنه الاستمرار والاتصال المختص بالموارد التى يوجد فيها هذا المعنى ولا يخفى رجحان هذا على الاول لان الفعل الخاص يصير مخصصا لمتعلقه العام كما فى قول القائل لا تضرب احدا فان الضرب قرينة على اختصاص العام بالاحياء ولا يكون عمومه للاموات قرينة على ارادة مطلق الضرب عليه كسائر الجمادات.

ثم لا يتوهم الاحتياج حينئذ الى تصرف فى اليقين بارادة المتيقن منه لان التصرف لازم على كل حال فان النقض الاختيارى القابل لورود النهى عليه لا يتعلق بنفس اليقين على كل تقدير بل المراد نقض ما كان على يقين منه (١) وهو الطهارة السابقة او احكام اليقين والمراد باحكام اليقين ليس احكام نفس وصف اليقين اذ لو فرضنا حكما شرعيا محمولا على نفس صفة اليقين ارتفع

__________________

ـ الثابت مع وجود المقتضى لبقائه كالطهارة والزوجية ونحوهما واما مطلق رفع اليد عن الشيء الثابت ولو لعدم المقتضى له كرفع اليد عن الواجب الموقت بعد خروج وقته الاول اقرب الى المعنى الحقيقى اعتبارا وعرفا فيتعين الحمل عليه وإن كان يستلزم مجازا فى المنقوض بتخصيصه بما من شأنه البقاء بخلاف ما لو حمل على المعنى الثانى لبقاء المنقوض (ح) على اطلاقه (م ق)

١ ـ إن كان المستصحب من الاحكام الشرعية ؛ وقوله او احكام اليقين إن كان من الموضوعات الخارجية (ق)

٣٦٣

بالشك قطعا كمن نذر فعلا فى مدة اليقين بحياة زيد ، بل المراد احكام المتيقن المثبتة له من جهة اليقين وهذه الاحكام كنفس المتيقن ايضا لها استمرار شأنى لا يرتفع إلّا بالرافع فان جواز الدخول فى الصلاة بالطهارة امر مستقر الى ان يحدث ناقضها ، وكيف كان فالمراد اما نقض المتيقن فالمراد بالنقض رفع اليد عن مقتضاه واما نقض احكام اليقين اى الثابتة للمتيقن من جهة اليقين به والمراد حينئذ رفع اليد عنها.

ويمكن ان يستفاد من بعض الامارات ارادة المعنى الثالث مثل قوله عليه‌السلام بل ينقض الشك باليقين (١) وقوله ولا تعتد بالشك فى حال من الحالات وقوله اليقين لا يدخله الشك صم للرؤية وافطر للرؤية فان مورده استصحاب بقاء رمضان والشك فيه ليس شكافى الرافع كما لا يخفى وقوله فى رواية الأربعمائة من كان على يقين فشك فليمض على يقينه فان اليقين لا يدفع بالشك وقوله اذا شككت فابن على اليقين ، فان المستفاد من هذه وامثالها ان المراد بعدم النقض عدم الاعتناء بالاحتمال المخالف لليقين السابق نظير قوله (ع) اذا خرجت من شيء ودخلت فى غيره فشكك ليس بشيء.

هذا ولكن الانصاف ان شيئا من ذلك لا يصلح لصرف لفظ النقض عن ظاهره لان قوله بل ينقض الشك باليقين معناه رفع الشك (٢) لان الشك مما اذا حصل لا يرتفع إلّا برافع واما

__________________

١ ـ لان الشك مما ليس له مقتضى البقاء وقوله ليس شكا فى الرافع : لكون الزمان من الامور المتجددة آناً فانا ، وقوله فليمض على يقينه : فان المضى والدفع يستعملان فيما ليس له استعداد البقاء ايضا وكذا البناء (شرح)

٢ ـ اى لا عدم الاعتداد به حتى ينطبق على المعنى الثالث ، وقوله فقد عرفت الاشكال : لظهوره فى اعتبار الشك السارى دون الاستصحاب ، وقوله اذا شككت فابن : من حيث احتماله للاحتياط بالبناء على الاكثر ، وقوله ان يجعل قوله : اى فى حديث الأربعمائة ؛ وقوله صدر الرواية : اعنى قوله من كان على يقين ، وقوله واما قوله اليقين : حاصله ان تفرع الافطار للرؤية على قاعدة الاستصحاب لا ينحصر وجهه فى استصحاب الزمان اذ لعله من جهة استصحاب بقاء الشغل غير المرتفع بعد الثبوت إلّا برافع (م ق)

٣٦٤

قوله من كان على يقين فشك فقد عرفت الاشكال فى ظهوره فى اعتبار الاستصحاب كقوله اذا شككت فابن على اليقين مع امكان ان يجعل قوله فان اليقين لا ينقض بالشك او لا يدفع به قرينة على اختصاص صدر الرواية بموارد النقض مع ان الظاهر من المضى الجرى على مقتضى الداعى السابق وعدم التوقف الا لصارف نظير قوله اذا كثر عليك السهو فامض على صلاتك ونحوه فهو ايضا مختص بما ذكرنا واما قوله اليقين لا يدخله الشك فتفرع الافطار للرؤية عليه من جهة استصحاب الاشتغال بصوم رمضان الى ان يحصل الرافع وبالجملة فالمتأمّل المنصف يجد ان هذه الاخبار لا تدل على ازيد من اعتبار اليقين السابق عند الشك فى الارتفاع برافع.

٣٦٥

تنبيهات الاستصحاب

وينبغى التنبيه على امور وهى بين ما يتعلق بالمتيقن السابق وما يتعلق بدليله الدال عليه وما يتعلق بالشك اللاحق فى بقائه.

الاول ان المتيقن السابق اذا كان كليا فى ضمن فرد وشك فى بقائه فاما ان يكون الشك من جهة الشك فى بقاء ذلك الفرد واما ان يكون من جهة الشك فى تعيين ذلك الفرد وتردده بين ما هو باق جزما وبين ما هو مرتفع كك واما ان يكون من جهة الشك فى قيام فرد آخر مقامه مع الجزم بارتفاع ذلك الفرد.

اما الاول فلا اشكال فى جواز استصحاب الكلى (١) ونفس الفرد وترتيب احكام كل منهما عليه.

__________________

تنبيهات الاستصحاب

١ ـ لا يقال ان الشك فى بقاء الكلى مسبب عن الشك فى بقاء الفرد فمع جريان الاستصحاب فى الشك السببى لا يجرى فى المسيبى لانا نقول ان هذا يتم فيما كان الكلى من الآثار الشرعية لوجود الفرد وليس كذلك فان وجود الكلى من اللوازم العقلية لوجود الفرد (م ق)

٣٦٦

واما الثانى فالظاهر جواز الاستصحاب فى الكلى مطلقا (١) على المشهور نعم لا يتعين بذلك احكام الفرد الذى يستلزم بقاء الكلى ذلك الفرد فى الواقع سواء كان الشك من جهة الرافع كما اذا علم بحدوث البول او المنى ولم يعلم الحالة السابقة (٢) وجب الجمع بين الطهارتين فاذا فعل إحداهما وشك فى رفع الحدث فالاصل بقائه وان كان الاصل عدم تحقق الجنابة فيجوز له ما يحرم على الجنب ام كان الشك من جهة المقتضى كما لو تردد من فى الدار بين كونه حيوانا لا يعيش الا سنة وكونه حيوانا يعيش مائة سنة فيجوز بعد السنة الاولى استصحاب الكلى المشترك بين الحيوانين ويترتب عليه آثاره الشرعية الثابتة دون آثار شيء من الخصوصيتين بل يحكم بعدم كل منهما لو لم يكن مانع (٣) عن اجراء الاصلين كما فى الشبهة المحصورة.

وتوهم عدم جريان الاصل (٤) فى القدر المشترك من حيث دورانه بين

__________________

١ ـ اى سواء كان الشك فى الرافع ام فى المقتضى (ق)

٢ ـ فانه اذا علم بالحدث الاصغر او الاكبر كان العلم الاجمالى بحدوث البول او المنى غير مؤثر لاستصحاب بقاء الحالة المعلومة سابقا ودفع احتمال الحدث الآخر بالاصل ، ثم ان الحكم بوجوب الجمع بين الطهارتين انما هو من جهة ان عدم جواز الدخول فى الصلاة من آثار مطلق الحدث فمع استصحاب الكلى يحكم بعدم الجواز الا بعد الجمع بينهما (شرح)

٣ ـ وذلك كما اذا كان لكل من الخصوصيتين اثر تكليفى فان العلم بثبوت التكليف (ح) مانع عن اجراء الاصلين (الطوسى)

٤ ـ حاصله ان الكلى انما يكون بوجود افراده فاذا نفينا بقاء كلا الفردين الفرد القصير بالوجدان والفرد الطويل بالاصل فلا معنى لبقاء الكلى ولا لجريان الاستصحاب فيه ، وحاصل الدفع ان الحكم بعدم الفرد تعبدا لا يرفع الشك الوجدانى بالنسبة الى نفس الكلى فحيث ان وجوده كان مرددا بين الفردين كان اصل الكلى محتمل البقاء فاركان الاستصحاب بالنسبة اليه تامة فلا بأس بجريانه وان لم يثبت به

٣٦٧

ما هو مقطوع الانتفاء وما هو مشكوك الحدوث ومحكوم الانتفاء بحكم الاصل مدفوع بانه لا يقدح ذلك فى استصحابه بعد فرض الشك فى بقائه وارتفاعه كتوهم كون الشك (١) فى بقائه مسببا عن الشك فى حدوث ذلك المشكوك الحدوث فاذا حكم باصالة عدم حدوثه لزمه ارتفاع قدر المشترك لانه من آثاره.

فان ارتفاع القدر المشترك من لوازم كون الحادث ذلك الامر المقطوع الارتفاع لا من لوازم عدم حدوث الامر الآخر ، نعم اللازم من عدم حدوثه هو عدم وجود ما هو فى ضمنه من القدر المشترك فى الزمان الثانى لا ارتفاع القدر المشترك بين الامرين وبينهما فرق واضح ولذا ذكرنا انه تترتب عليه احكام عدم وجود الجنابة فى المثال المتقدم.

ويظهر من المحقق القمى ره فى القوانين مع قوله بحجية الاستصحاب على الاطلاق عدم جواز إجراء الاستصحاب فى هذا القسم ولم اتحقق وجهه قال انا اذا علمنا ان فى الدار حيوانا لكن لا يعلم انه اى نوع هو من الطيور او البهائم او الحشار او الديد ان ثم غبنا عن ذلك مدة فلا يمكن لنا الحكم ببقائه فى مدة يعيش فيها اطول الحيوان عمرا فاذا احتمل كون الحيوان الخاص فى البيت عصفورا او فأرة او دود قز فكيف يحكم بسبب العلم بالقدر

__________________

ـ احكام خصوص الفردين وهذا اذا كان للكلى بما هو كلى حكم مخصوص كما هو واضح (شرح)

١ ـ حاصله انه على تقدير جريان الاستصحاب فى نفس الكلى لتمامية اركانه ومقتضى جريانه ، لا معنى لجريانه لوجود المانع وهو جريان استصحاب العدم فى الفرد الطويل فان الشك فى بقاء الكلى وارتفاعه مسبب عن الشك فى حدوث الفرد الذى يقطع ببقاء الكلى على فرض حدوثه ، والاصل عدم حدوث ذلك فلا معنى للاستصحاب فى الكلى لما قرر من عدم جريان الاصل فى طرف المسبب مع جريانه فى السبب ، وجوابه ما اشار اليه بقوله فان ارتفاع : وحاصله ان الشك فى البقاء والارتفاع مسبب عن كون الحادث هو الفرد القصير فاثبات الارتفاع فى الكلى يتوقف على اثبات وجود ذلك الفرد ولا مجال لذلك (شرح)

٣٦٨

المشترك باستصحابها الى حصول زمان ظن بقاء طول الحيوانات عمرا.

واما الثالث وهو ما اذا كان الشك فى بقاء الكلى مستندا الى احتمال وجود فرد آخر غير الفرد المعلوم حدوثه وارتفاعه فهو على قسمين لان الفرد الآخر اما ان يحتمل وجوده مع ذلك الفرد المعلوم حاله واما يحتمل حدوثه بعده اما بتبدله اليه (١) واما بمجرد حدوثه مقارنا لارتفاع ذلك الفرد.

وفى جريان استصحاب الكلى (٢) فى كلا القسمين نظرا الى تيقنه سابقا وعدم العلم بارتفاعه وان علم بارتفاع بعض وجوداته وشك فى حدوث ما عداه لان ذلك مانع من اجراء الاستصحاب فى الافراد دون الكلى كما تقدم نظيره فى القسم الثانى او عدم جريانه فيهما لان بقاء الكلى فى الخارج عبارة عن استمرار وجوده الخارجى المتيقن سابقا وهو معلوم العدم وهذا هو الفارق بين ما نحن فيه والقسم الثانى حيث ان الباقى فى الآن اللاحق بالاستصحاب هو عين الوجود المتيقن سابقا او التفصيل بين القسمين فيجرى فى الاول لاحتمال

__________________

١ ـ كما اذا ازيل السواد عن الثوب فشك فى تبدله الى مرتبة ضعيفة او زواله بالكلية : وكما فى النور وسائر الا لو ان والاعراض (شرح)

٢ ـ الوجه الاول مبنى على كون المستصحب هو القدر المشترك والكلى الموجود بوجوده النوعى فى ضمن الافراد ولا ينعدم هو بانعدام ما علم من الافراد والوجه الثانى مبنى على ان تحقق الكلى واستمراره وارتفاعه انما هو باعتبار وجوده الشخصى دون النوعى والاحكام تتعلق به بهذا الاعتبار ، والمفروض ان الوجود الشخصى المتيقن سابقا قد ارتفع وفى ضمن الثانى مشكوك الحدوث محكوم بالعدم فلو حكمنا بالبقاء لا بقينا وجودا آخر غير المعلوم السابق ، وهذا بخلاف القسم الثانى فانه لو فرض بقاء الكلى فيه كان عين الموجود الاول : والوجه الثالث مبنى على تسليم الوجه الثانى فيما كان الفرد الآخر مشكوك الحدوث بعد ارتفاع الفرد الاول فلا يجرى الاستصحاب ، ومنعه فيما كان الفرد الآخر محتمل الوجود مع الفرد الاول فيجرى (م ق)

٣٦٩

كون الثابت فى الآن اللاحق هو عين الموجود سابقا فيتردد الكلى المعلوم سابقا بين ان يكون وجوده الخارجى على نحو يرتفع بارتفاع ذلك الفرد فالشك حقيقة انما هو فى مقدار استعداد ذلك الكلى واستصحاب عدم حدوث الفرد المشكوك لا يثبت تعيين استعداد الكلى.

وجوه اقواها الاخير ويستثنى من عدم الجريان فى القسم الثانى ما يتسامح فى العرف فيعدون الفرد اللاحق مع الفرد السابق كالمستمر الواحد مثل ما لو علم السواد الشديد (١) فى محل وشك فى تبدله بالبياض او بسواد اضعف من الاول فانه يستصحب السواد وكذا لو كان الشخص فى مرتبة من كثرة الشك ثم شك من جهة اشتباه المفهوم او المصداق فى زوالها او تبدلها الى مرتبة دونها او علم اضافة المائع ثم شك فى زوالها او تبدلها الى فرد آخر من المضاف وبالجملة فالعبرة فى جريان الاستصحاب عد الموجود السابق مستمرا الى اللاحق ولو كان الامر اللاحق على تقدير وجوده مغايرا بحسب الدقة للمفرد السابق ولذا لا اشكال فى استصحاب الاعراض وسيأتى ما يوضح عدم ابتناء الاستصحاب على المداقة العقلية.

ثم ان للفاضل التونى كلا ما يناسب ذكره فى المقام مؤيدا لبعض ما ذكرنا وان لم يخل بعضه عن النظر بل المنع قال فى رد تمسك المشهور فى نجاسة الجلد المطروح باستصحاب عدم التذكية ان عدم المذبوحية لازم لامرين الحياة والموت

__________________

١ ـ الفرد المحتمل المتبدل اليه فى المثال الاول هو السواد الاضعف ، وفى الثانى هى المرتبة الادنى من كثرة الشك وفى الثالث هو الفرد الآخر من المضاف ، وقوله ثم شك من جهة اشتباه المفهوم او المصداق : الاول كما اذا تنزل كثرة شكه من عشرة الى خمسة فشك من جهة الجهل بمفهوم الكثرة انها من مصاديقها ايضا ام لا والثانى كما اذا لم يدر انها تنزلت الى خمسة او ثلاثة مثلا مع العلم بان الخمسة من مصاديق الكثرة دون الثلاثة (شرح)

٣٧٠

حتف الانف والموجب للنجاسة ليس هذا اللازم من حيث هو بل الثانى اعنى الموت حتف الانف فعدم المذبوحية لازم اعم لموجب النجاسة فعدم المذبوحية اللازم للحياة مغاير لعدم المذبوحية العارض للموت حتف انفه ، والمعلوم ثبوته فى الزمان السابق هو الاول لا الثانى وظاهر انه غير باق فى الزمان الثانى ففى الحقيقة يخرج مثل هذه الصورة من الاستصحاب اذ شرطه بقاء الموضوع وعدمه هنا معلوم قال وليس مثل المتمسك بهذا الاستصحاب الامثل من تمسك على وجود عمرو فى الدار باستصحاب بقاء الضاحك المتحقق بوجود زيد فى الدار فى الوقت الاول وفساده غنى عن البيان انتهى.

اقول ولقد اجاد فيما افاد من عدم جواز الاستصحاب فى المثال المذكور ونظيره إلّا ان نظر المشهور (١) فى تمسكهم على النجاسة الى ان النجاسة انما انما رتبت فى الشرع على مجرد عدم التذكية كما يرشد اليه قوله تعالى (إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ) الظاهر فى ان المحرم انما هو لحم الحيوان الذى لم يقع عليه التذكية واقعا او بطريق شرعى ولو كان اصلا وقوله تعالى (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) وقوله تعالى (فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) وقوله (ع) فى ذيل موثقة ابن بكير اذا كان ذكيا ذكاه الذابح وبعض الاخبار المعللة لحرمة الصيد الذى ارسل اليه كلاب ولم يعلم انه مات باخذ المعلم بالشك فى استناد موته الى المعلم الى غير ذلك مما اشترط فيه العلم باستناد القتل الى الرمى والنهى عن الاكل مع الشك.

ولا ينافى ذلك ما دل على كون حكم النجاسة مرتبا على موضوع الميتة لان الميتة

__________________

١ ـ حاصله منع مقايسة ما نحن فيه على ما ذكره من المثال لانها انما تتم على تقدير كون مراد المشهور باستصحاب عدم التذكية اثبات كون الموت بحتف الانف بناء على كون الحرمة والنجاسة مترتبتين عليه لا على مجرد عدم التذكية وليس كذلك لان مقصودهم به اثبات مجرد عدم التذكية لكون الحرمة والنجاسة مترتبتين فى الادلة عليه لا على الموت بحتف الانف (م ق)

٣٧١

عبارة (١) عن كل ما لم يذك لان التذكية امر شرعى توقيفى فما عدى المذكى ميتة ، والحاصل ان التذكية سبب للحل والطهارة فكل ما شك فيه او فى مدخلية شيء فيه فاصالة عدم تحقق السبب الشرعى حاكمة على اصالة الحل والطهارة ، ثم ان الموضوع (٢) للحل والطهارة او مقابليهما هو اللحم او المأكول فمجرد تحقق عدم التذكية فى اللحم يكفى فى الحرمة والنجاسة.

وبالجملة اذا قلنا بتعلق الحكم على لحم لم يذك حيوانه او لم يذكر اسم الله عليه او تعلق الحل على ذبيحة المسلم او ما ذكر اسم الله عليه المستلزم لانتفائه بانتفاء احد الامرين ولو بحكم الاصل فلا محيص عن قول المشهور ، نعم لو علق حكم النجاسة على ما مات حتف الانف لكون الميتة عبارة عن هذا المعنى كما يراه بعض كانت اصالة عدم حدوث سبب نجاسة اللحم وهو الموت حتف الانف محكمة

ثم ان ما ذكره الفاضل التونى من عدم جواز اثبات عمرو باستصحاب الضاحك المحقق فى ضمن زيد صحيح ، وقد عرفت ان عدم جواز استصحاب نفس الكلى وان لم يثبت به خصوصية لا يخلو عن وجه وان كان الحق فيه التفصيل كما عرفت إلّا ان كون عدم المذبوحية من قبيل الضاحك محل نظر من حيث ان العدم الازلى مستمر مع حيوة الحيوان وموته حتف الانف فلا مانع من استصحابه

__________________

١ ـ لا يقال ان غير المذكى مطلقا لم يكن محكوما بحكم الميتة اذ الحى من الحيوان لم يذك ولا يكون بحكمها ، فانه يقال ان الحكم مترتب على موضوع مركب وهو ما زهق روحه ولم يقع عليه التذكية ففى مورد الفرض قد احرز جزءا من الموضوع وهو زهوق الروح بالوجدان والجزء الآخر وهو عدم وقوع التذكية له بالاصل (شرح)

٢ ـ دفع لما يمكن ان يتوهم من ان استصحاب عدم التذكية لا يثبت كون هذا اللحم غير مذكى الا على القول بالاصول المثبتة ، وحاصل الدفع هو ان المستصحب هو عدم كون هذا اللحم مذكى لا مطلق عدم التذكية (ق)

٣٧٢

وترتيب احكامه عليه عند الشك وان قطع بتبادل الوجودات المقارنة له

بل لو قلنا بعدم جريان الاستصحاب فى القسمين الاولين من الكلى كان الاستصحاب فى الامر العدمى (١) المقارن للوجودات خاليا عن الاشكال اذا لم يرد به اثبات الموجود المتأخر المقارن له نظير اثبات الموت حتف الانف بعدم التذكية او ارتباط الموجود المقارن له به كما اذا فرض الدليل على ان كل ما تقذفه المرأة من الدم اذا لم يكن حيضا فهى استحاضة فان استصحاب عدم الحيض فى زمان خروج الدم المشكوك لا يوجب انطباق هذا السلب على ذلك الدم وصدقه عليه حتى يصدق ليس بحيض على هذا الدم فيحكم عليه بالاستحاضة اذ فرق بين الدم المقارن لعدم الحيض وبين الدم المنفى عنه الحيضية وسيجيء نظير هذا الاستصحاب الوجودى والعدمى فى الفرق بين الماء المقارن لوجود الكروبين الماء المتصف بالكرية والمعيار عدم الخلط بين المتصف بوصف عنوانى وبين قيام ذلك الوصف بمحل فان استصحاب وجود المتصف او عدمه لا يثبت كون المحل موردا لذلك

__________________

١ ـ ما اختاره سابقا من جواز جريان الاصل وترتب حكم الميتة على الشيء انما هو فيما اذا لوحظ عدم التذكية بنحو ليس الناقصة كعدم كون هذا اللحم او المأكول مذكى ، وما ذكره هنا ملاحظته بنحو ليس التامة ولا اشكال فى جريان الاستصحاب فيه وان قلنا بعدم جريانه فى الكلي مطلقا ولا فى عدم اتصاف المحل المقارن به وبحكمه ، اما الاول فلان العدم الازلى المضاف الى شخص ليس بكلى وإن كان مستمرا مع مقارناته الوجودية وذلك لا يوجب كليته كما فى استمرار الوجود كى يبتنى جريان الاستصحاب فيه على جريانه فيه ، بل امر واحد غير صادق على كثيرين وإن كان مقارنا لها ، واما الثانى فلان ذلك مثبت فلا يثبت اصالة عدم التذكية الموت حتف الانف ولا اصالة عدم الحيض كون الدم الموجود استحاضة وإن كان لا ينفك عنه ؛ وبالجملة اثبات عنوان او نفيه بمفاد كان وليس التامتين بالاستصحاب لا يوجب اثباته او نفيه لما شك اتصافه به الا على القول بالاصل المثبت (ط وشرح)

٣٧٣

الوصف العنوانى فافهم.

الامر الثانى انه قد علم من تعريف الاستصحاب وادلته ان مورده الشك فى البقاء وهو وجود ما كان موجودا فى الزمان السابق ويترتب عليه عدم جريان الاستصحاب فى نفس الزمان ولا فى الزمانى الذى لا استقرار لوجوده بل يتجدد شيئا فشيئا على التدريج وكذا فى المستقر الذى يؤخذ قيدا له إلّا انه يظهر من كلمات جماعة جريان الاستصحاب فى الزمان فيجرى فى القسمين الاخيرين بطرين اولى بل تقدم من بعض الاخباريين ان استصحاب الليل والنهار من الضروريات.

والتحقيق ان هنا اقساما ثلاثة اما نفس الزمان فلا اشكال فى عدم جريان الاستصحاب فيه لتشخيص كون الجزء (١) المشكوك فيه من اجزاء الليل والنهار لان نفس الجزء لم يتحقق فى السابق فضلا عن وصف كونه نهارا او ليلا ، نعم لو اخذ المستصحب (٢) مجموع الليل او النهار ولوحظ كونه امرا خارجيا واحدا وجعل بقائه وارتفاعه عبارة عن عدم تحقق جزئه الاخير وتجدده او عن عدم تجدد جزء مقابله او تجدده امكن القول بالاستصحاب بهذا المعنى فيه ايضا لان بقاء كل شيء فى العرف بحسب ما يتصور فيه له من الوجود فيصدق ان الشخص كان على يقين من وجود الليل فشك فيه فالعبرة بالشك فى وجوده وبتحققه قبل زمان

__________________

١ ـ بان يقال ان هذا الجزء من الزمان كان ليلا فالآن كذلك او كان نهارا فالآن نهار ، والعلة فيه اشتراط بقاء الموضوع فى الاستصحاب وهو غير محرز هنا بل معلوم العدم (شرح)

٢ ـ حاصله جواز اجراء الاستصحاب فى الزمان بارتكاب التاويل فيه بوجهين ، الاول التصرف فى المستصحب بملاحظة مجموعه امرا وحدانيا خارجيا ، والثانى التصرف فى البقاء بجعله عبارة عن عدم تحقق الجزء الاخير لا كون الشيء فى زمان بعد كونه فى زمان آخر فان هذا المعنى لا يعقل فيما كان المستصحب نفس الزمان (شرح)

٣٧٤

الشك وان كان تحققه بنفس تحقق زمان الشك (١) وانما وقع التعبير بالبقاء فى تعريف الاستصحاب بملاحظة هذا المعنى فى الزمانيات.

ويمكن (٢) التمسك فى هذا المقام باستصحاب الحكم المترتب على الزمان كعدم تحقق حكم الصوم والافطار عند الشك فى هلال رمضان او شوال ولعله المراد بقوله (ع) فى المكاتبة المتقدمة فى ادلة الاستصحاب اليقين لا يدخله الشك صم للرؤية وافطر للرؤية إلّا ان جواز (٣) الافطار للرؤية لا يتفرع على الاستصحاب الحكمى إلّا بناء على جريان استصحاب الاشتغال والتكليف بصوم رمضان مع ان الحق فى مثله التمسك بالبراءة لكون صوم كل يوم واجبا مستقلا

واما القسم الثانى اعنى الامور التدريجية الخارجية الغير القارة كالتكلم والكتابة والمشى ونبع الماء من العين وسيلان دم الحيض من الرحم فالظاهر جواز اجراء الاستصحاب فيما يمكن ان يفرض فيها امرا واحدا مستمرا نظير ما ذكرناه فى نفس الزمان فيفرض التكلم مثلا مجموع اجزائه امرا واحدا والشك فى بقائه لاجل الشك فى قلة اجزاء ذلك الفرد الموجود منه فى الخارج وكثرتها فيستصحب القدر المشترك المردد بين قليل الاجزاء وكثيرها.

ودعوى ان الشك فى بقاء القدر المشترك ناش عن حدوث جزء آخر من الكلام والاصل عدمه المستلزم لارتفاع القدر المشترك فهو من قبيل القسم الثانى من القسم الثالث من الاقسام الثلاثة المذكورة فى الامر السابق.

__________________

١ ـ فيجرى بهذا البيان الاستصحاب فى اثبات الليل والنهار ويجدى فى اثبات ما لهما من الآثار كوجوب الامساك وجواز الافطار (شرح)

٢ ـ هذا مع قطع النظر عن استصحاب نفس الزمان او بناء على الاستشكال فى جريانه فيه وإلّا فهو مغن عن هذا الاستصحاب (شرح)

٣ ـ يعنى ان استصحاب وجوب الصوم الى زمان الرؤية مبنى على جواز استصحاب اشتغال الذمة عند الشك فى شهر رمضان مع ان الحق فيه البراءة (شرح)

٣٧٥

مدفوعة بان الظاهر كونه من قبيل الثانى من تلك الاقسام الثلاثة لان المفروض فى توجيه الاستصحاب جعل كل فرد من التكلم مجموع ما يقع فى الخارج من الاجزاء التى يجمعها رابطة توجب عدها شيئا واحدا وفردا من الطبيعة لا جعل كل قطعة من الكلام الواحد فردا واحدا حتى يكون بقاء الطبيعة بتبادل افراده ، غاية الامر كون المراد بالبقاء هنا وجود المجموع فى الزمان الاول بوجود جزء منه ووجوده فى الزمان الثانى بوجود جزء آخر منه ، والحاصل ان المفروض كون كل قطعة جزءا من الكل لا جزئيا من الكلى.

هذا مع ما عرفت فى الامر السابق من جريان الاستصحاب فيما كان من القسم الثالث فيما اذا لم يعد الفرد اللاحق على تقدير وجوده موجودا آخر مغايرا للموجود الاول كما فى السواد الضعيف الباقى بعد ارتفاع القوى وما نحن فيه من هذا القبيل فافهم.

ثم ان الرابطة الموجبة لعد المجموع امرا واحد موكولة الى العرف فان المشتغل بقراءة القرآن لداع يعد جميع ما يحصل منه فى الخارج بذلك الداعى امرا واحدا فاذا شك فى بقاء اشتغاله بها فى زمان لاجل الشك فى حدوث الصارف او لاجل الشك فى مقدار اقتضاء الداعى فالاصل بقائه اما لو تكلم لداع او لدواع ثم شك فى بقائه على صفة التكلم لداع آخر فالاصل عدم حصول الزائد على المتيقن وكذا لو شك بعد انقطاع دم الحيض فى عوده فى زمان يحكم عليه بالحيضية ام لا فيمكن اجراء الاستصحاب نظرا الى ان الشك فى اقتضاء الطبيعة لقذف الرحم الدم فى اى مقدار من الزمان فالاصل عدم انقطاعه وكذا لو شك فى اليأس فرأت الدم فانه قد يقال باستصحاب الحيض نظرا الى كون الشك فى انقضاء ما اقتضته الطبيعة من قذف الحيض فى كل شهر ، وحاصل وجه الاستصحاب ملاحظة كون الشك فى استمرار الامر الواحد الذى اقتضاه السبب الواحد واذا لوحظ كل واحد من اجزاء هذا الامر حادثا مستقلا فالاصل عدم الزائد على المتيقن وعدم حدوث سببه

٣٧٦

ومنشأ اختلاف بعض العلماء فى اجراء الاستصحاب فى هذه الموارد اختلاف انظارهم فى ملاحظة ذلك المستمر حادثا واحدا او حوادث متعددة ، والانصاف وضوح الوحدة فى بعض الموارد وعدمها فى بعض والتباس الامر فى ثالث والله الهادى الى سواء السبيل فتدبر.

واما القسم الثالث وهو ما كان مقيدا بالزمان فينبغى القطع بعدم جريان الاستصحاب فيه ووجهه ان الشيء المقيد بزمان خاص لا يعقل فيه البقاء لان البقاء وجود للموجود الاول فى الآن الثانى فالامر الوجودى المجعول ان لوحظ الزمان قيدا له او لمتعلقه بان لوحظ الجلوس المقيد بكونه الى الزوال شيئا والمقيد بكونه بعد الزوال شيئا آخر متعلقا للوجوب فلا مجال لاستصحاب الوجوب للقطع بارتفاع ما علم وجوده والشك فى حدوث ما عداه ولذا لا يجوز الاستصحاب فى مثل صم يوم الخميس اذا شك فى وجوب صوم يوم الجمعة ، نعم اذا لوحظ الزمان ظرفا لوجوب الجلوس فله مجال لانه اذا انقلب العدم الى الوجود المردد بين كونه فى قطعة خاصة من الزمان وكونه ازيد ، والمفروض تسليم حكم الشارع بان المتيقن فى زمان لا بد من ابقائه فيستصحب الوجوب (ح).

الامر الثالث ان المتيقن السابق اذا كان مما يستقل به العقل كحرمة الظلم وقبح التكليف بما لا يطاق ونحوهما من المحسنات والمقبحات العقلية فلا يجوز استصحابه (١) لان الاستصحاب ابقاء ما كان والحكم العقلى موضوعه معلوم

__________________

١ ـ حاصله انه يعتبر فى جريان الاستصحاب ان يكون الموضوع فى القضية المتقية سابقا معلوم البقاء فى الزمان الثانى وكان الشك متعلقا بمحموله ، وهذا الشرط غير متحقق فى الاحكام العقلية لان العقل انما يحكم على الموضوعات المعلومة بجميع قيودها ولا يعقل الاجمال فى موضوعه فاذا فرض الشك فى حكم العقل فلا يخلو اما ان يكون مع اجمال موضوعه بان حكم اولا على موضوع مجمل ثم انتفى ما يحتمل مدخليته فيه ، او مع الاشتباه فى مصداق موضوعه.

٣٧٧

تفصيلا للعقل الحاكم به فان ادرك العقل بقاء الموضوع فى الآن الثانى حكم به حكما قطعيا كما حكم اولا وان ادرك ارتفاعه قطع بارتفاع ذلك الحكم ولو ثبت مثله بدليل لكان حكما جديدا حادثا فى موضوع جديد.

واما الشك فى بقاء الموضوع فان كان لاشتباه خارجى كالشك فى بقاء الاضرار فى السم الذى حكم العقل بقبح شربه فذلك خارج عما نحن فيه وسيأتى الكلام فيه وان كان لعدم تعيين الموضوع تفصيلا واحتمال مدخلية موجود مرتفع او معدوم حادث فى موضوعية الموضوع فهذا غير متصور فى المستقلات العقلية لان العقل لا يستقل بالحكم الا بعد احراز الموضوع ومعرفته تفصيلا فلا يعقل اجمال الموضوع فى حكم العقل مع انك ستعرف فى مسئلة اشتراط بقاء الموضوع ان الشك فى الموضوع خصوصا لاجل مدخلية شيء مانع عن اجراء الاستصحاب.

فان قلت فكيف يستصحب الحكم الشرعى (١) مع انه كاشف عن حكم

__________________

ـ اما الاول فقد عرفت انه غير معقول مضافا الى عدم جريان الاستصحاب مع الشك فى بقاء الموضوع كما ستعرف ، واما الثانى فستعرف انه خارج عن البحث اذا الكلام فى استصحاب الحكم لا الموضوع الخارجى (م ق)

١ ـ حاصله ان مقتضى الملازمة بين حكم العقل والشرع ان يكون موضوع حكم الشرع هو موضوع حكم العقل اذ لو حكم على موضوع مباين او مخالف لم تصدق الملازمة ، ومقتضاه عدم جريان الاستصحاب فى الاحكام الشرعية ايضا لانه لا معنى للشك فيها مع العلم ببقاء موضوعاتها فلا محالة يرجع الشك فيها الى الشك فى الموضوع ، وقوله كاشف عن حكم عقلى : اى ملازم له ، وحاصل الجواب ان الاحكام الشرعية على قسمين احدهما ما استند الى حكم العقل ولا ريب فى اتحاد موضوعه مع موضوع العقل اذ العقل يكشف عن حكم الشرع على الموضوع الذى حكم عليه ، ولا يجرى الاستصحاب فيه كنفس حكم العقل والثانى ما لم يكن مستندا اليه وان كان واردا فى مورده كالوديعة التى ثبت وجوب ردها عقلا وكتابا وسنة وهو الذى اشار اليه بقوله نعم لو ورد : فلا بأس بجريانه فيه

٣٧٨

عقلى مستقل فانه اذا ثبت حكم العقل برد الوديعة وحكم الشارع على طبقه بوجوب الرد ثم عرض ما يوجب الشك مثل الاضطرار والخوف فيستصحب الحكم مع انه كان تابعا للحكم العقلى.

قلت اما الحكم الشرعى المستند الى الحكم العقلى فحاله حال الحكم العقلى فى عدم جريان الاستصحاب ، نعم لو ورد فى مورد حكم العقل حكم شرعى من غير

__________________

ـ بتقريب ان موضوع الحكم هو ما يتقوم به الحكم وهى علته التامة فموضوعات الاحكام الشرعية هى عللها ومقتضاها عدم جريان الاستصحاب فى شيء منها لرجوع الشك فيها الى الشك فى موضوعها إلّا ان الاحكام الثابتة فى الكتاب والسنة لا تدور مدار تلك الموضوعات بل على موضوعاتها التى ثبتت عليها فى الكتاب والسنة والمدار فى جريان الاستصحاب على بقاء هذه الموضوعات والشك فى بقاء الحكم لا يستلزم الشك فى بقاء هذه الموضوعات لان الشك قد ينشأ من احتمال عروض المانع وقد ينشأ من انتفاء بعض القيود التى لا يعد انتفائه تغيرا فى الموضوع عرفا واليه اشار بقوله وحكم بان موضوعه اعم من موضوع حكم العقل : فاذا حكم العقل بعدم التكليف على الصبى والمجنون لعدم تميزهما وكذا حكم الشرع عليهما بذلك إلّا انه لم يعلم كون ذلك لاجل عدم التميز او لعنوان آخر مجهول لنا وكان الموضوع فى الادلة نفس الصبى والمجنون فاذا زالت عنهما حالة عدم التمييز وارتفع حكم العقل فشك فى ارتفاع حكم الشرع ايضا لاحتمال كون المناط فيه ايضا هو عدم التمييز صح استصحابه ما بقى عنوان الصبا والجنون لفرض كونهما موضوعا فى الادلة فيكون موضوع حكم الشرع اعم ؛ ثم انه لا يلزم من ذلك عدم التطابق بين الحكمين فان المسلم من المطابقة هو التطابق بين العقل مع حكم الشرع الواقعى وبين موضوعيهما لا مطلق الحكم حتى الظاهرى وموضوعه ، وإلّا فلا معنى لجعل الاستصحاب اصلا ، والواقع محتمل البقاء هنا بالنسبة الى الحكمين والموضوعين كليهما إلّا ان العقل لم يحكم بذلك لانه لم يحرز موضوعه فان طابق الاستصحاب مع الواقع كان الحكمين المتلازمان باقيين فى الواقع وان لم يطابق كانا مرتفعين (م ق)

٣٧٩

جهة العقل وحصل التغير فى حال من احوال موضوعه مما يحتمل مدخليته وجودا او عدما فى الحكم جرى الاستصحاب وحكم بان موضوعه اعم من موضوع حكم العقل ومن هنا يجرى استصحاب عدم التكليف فى حال يستقل العقل بقبح التكليف فيه لكن العدم الازلى ليس مستندا الى القبح وان كان موردا للقبح هذا حال نفس الحكم العقلى.

واما موضوعه كالضرر المشكوك بقائه فى المثال المتقدم فالذى ينبغى ان يقال فيه ان الاستصحاب لا يجوز العمل به للقطع بانتفاء حكم العقل مع الشك فى الموضوع الذى كان يحكم عليه مع القطع مثلا اذا ثبت بقاء الضرر فى السم فى المثال المتقدم بالاستصحاب فمعنى ذلك ترتيب الآثار الشرعية المجعولة للضرر على مورد الشك واما الحكم العقلى بالقبح والحرمة فلا يثبت الا مع احراز الضرر ، نعم يثبت الحرمة الشرعية (١) بمعنى نهى الشارع ظاهرا ولا منافات بين انتفاء الحكم العقلى وثبوت الحكم الشرعى لان عدم حكم العقل مع الشك انما هو لاشتباه الموضوع عنده وباشتباهه يشتبه الحكم الشرعى الواقعى ايضا إلّا ان الشارع حكم على هذا المشتبه الحكم الواقعى بحكم ظاهرى هى الحرمة

ومما ذكرنا من عدم جريان الاستصحاب فى الحكم العقلى يظهر ما فى تمسك بعضهم لاجزاء ما فعله الناسى لجزء من العبادة او شرطها باستصحاب عدم التكليف الثابت حال النسيان.

ويظهر ايضا فساد التمسك باستصحاب البراءة والاشتغال الثابتين بقاعدتى البراءة والاشتغال.

مثال الاول ما اذا قطع بالبراءة عن وجوب غسل الجمعة والدعاء عند رؤية الهلال قبل الشرع او العثور عليه فان مجرد الشك فى حصول الاشتغال كاف فى حكم العقل بالبراءة ولا حاجة الى ابقاء البراءة السابقة والحكم بعدم ارتفاعها

__________________

١ ـ اى فى الحكم الشرعى الذى لم يستند الى حكم العقل كما مر فى الشك فى الموضوع (شرح)

٣٨٠