الرسائل الجديدة والفرائد الحديثة

الشيخ علي المشكيني

الرسائل الجديدة والفرائد الحديثة

المؤلف:

الشيخ علي المشكيني


الموضوع : أصول الفقه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٣٥

الاثر عن الفاعل باضرار الغير فليس الاضرار بالغير نظير ساير المحرمات الالهية المسوغة لدفع الضرر ، واما ورود الصحيحة المتقدمة عن المحاسن فى مورد حق الناس اعنى العتق والصدقة فرفع اثر الاكراه عن الحالف يوجب فوات نفع على العتق والفقراء لا اضرارا بهم وكذلك رفع اثر الاكراه عن المكره فيما اذا تعلق الاكراه باضرار مسلم من باب عدم وجوب تحمل الضرر لدفع الضرر عن الغير ولا ينافى الامتنان وليس من باب الاضرار على الغير لدفع الضرر عن النفس لينافى ترخيصه الامتنان على العباد فان الضرر اولا وبالذات متوجه على الغير بمقتضى ارادة المكره بالكسر لا على المكره بالفتح فافهم.

بقى فى المقام شيء وان لم يكن مربوطا به وهو ان النبوى المذكور المشتمل على التفكر فى الوسوسة فى الخلق ما لم ينطق الانسان بشفتيه ظاهره رفع المؤاخذة على الحسد مع مخالفته لظاهر الاخبار الكثيرة ويمكن حمله على ما لم يظهر الحاسد اثره باللسان او غيره بجعل عدم النطق باللسان قيدا له ايضا ويؤيده تأخير الحسد عن الكل فى مرفوعة الهندى عن ابى عبد الله عليه‌السلام المروية فى اواخر ابواب الكفر والايمان من اصول الكافى قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وضع عن امتى تسعة اشياء الخطاء والنسيان وما لا يعلمون وما لا يطيقون وما اضطروا اليه وما استكرهوا عليه والطيرة والوسوسة فى التفكر فى الخلق والحسد ما لم يظهر بلسان أو يد الحديث.

ولعل الاقتصار فى النبوى الاول على قوله ما لم ينطق لكونه ادنى مراتب الاظهار وروى ثلاثة لا يسلم منها احد الطيرة والحسد والظن قيل فما نصنع قال اذا تطيرت فامض واذا حسدت فلا تبغ واذا ظننت فلا تحقق والبغى عبارة عن استعمال الحسد وسيأتى فى رواية الخصال ان المؤمن لا يستعمل حسده ولاجل ذلك عد فى الدروس من الكبائر فى باب الشهادة اظهار الحسد لا نفسه وفى الشرائع ان الحسد معصية وكذا الظن بالمؤمن والتظاهر بذلك قادح فى العدالة ، والانصاف ان فى كثير من

١٦١

اخبار الحسد اشارة الى ذلك.

واما الطيرة بفتح الياء وقد يسكن وهى فى الاصل التشأم بالطير لان اكثر تشأم العرب كان به خصوصا الغراب والمراد اما رفع المؤاخذة عليها ويؤيده ما روى من ان الطيرة شرك وانما يذهبه التوكل واما رفع اثرها (١) لان التطير كان يصدهم عن مقاصدهم فنفاه الشرع

واما الوسوسة فى التفكر فى الخلق كما فى النبوى الثانى او التفكر فى الوسوسة فيه كما فى الاول فهما واحد والاول انسب ولعل الثانى اشتباه من الراوى والمراد به كما قيل وسوسة الشيطان للانسان عند تفكره فى امر الخلقة وقد استفاضت الاخبار بالعفو عنه ففى صحيحة جميل بن دراج قلت لابى عبد الله عليه‌السلام انه يقع فى قلبى امر عظيم فقال (ع) قل لا إله إلّا الله قال جميل فكلما وقع فى قلبى شيء قلت لا إله إلّا الله فذهب عنى وفى رواية حمران عن ابى عبد الله (ع) عن الوسوسة وان كثرت قال لا شيء فيها تقول لا إله إلّا الله

وفى صحيحة محمد بن مسلم عن ابى عبد الله عليه‌السلام جاء رجل النبى (ص) فقال يا رسول الله انى هلكت فقال له (ص) اتاك الخبيث فقال لك من خلقك فقلت الله تعالى فقال من خلقه فقلت اى والذى بعتك بالحق قال كذا فقال (ص) ذاك والله محض الايمان قال ابن ابى عمير حدثت ذلك عبد الرحمن بن حجاج فقال حدثنى ابى عن ابى عبد الله عليه‌السلام ان رسول الله (ص) انما عنى بقوله هذا محض الايمان خوفه ان يكون قد هلك حيث عرض فى قلبه ذلك وفى رواية اخرى عنه (ص) والذى بعثنى بالحق ان هذا لصريح الايمان فاذا وجدتموه فقولوا آمنا بالله ورسوله ولا حول ولا قوة إلّا بالله وفى رواية اخرى عنه (ص) ان الشيطان اتاكم من قبل الاعمال فلم يقو عليكم فاتاكم من هذا الوجه لكى يستزلكم فاذا كان

__________________

١ ـ كان اثرها عندهم ممنوعية الاقتحام فى الامور عند تحققها فلو سكت الشارع عنها كان امضاء لتلك الممنوعية كسائر السير الممضاة بالسكوت ، فالردع عنها رفع للامضاء المسبب عن السكوت والامضاء اثر شرعى قابل للرفع والوضع (شرح)

١٦٢

كذلك فليذكر احدكم الله وحده ويحتمل ان يراد بالوسوسة فى الخلق الوسوسة فى امور الناس وسوء الظن بهم وهذا انسب بقوله ما لم ينطق بشفتيه

ثم هذا الذى ذكرنا هو الظاهر المعروف فى معنى الثلاثة الاخيرة المذكورة فى الصحيحة وفى الخصال بسند فيه رفع عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال ثلث لم يعر منها نبى فمن دونه الطيرة والحسد والتفكر فى الوسوسة فى الخلق وذكر الصدوق ره فى تفسيرها ان المراد بالطيرة التطير بالنبى (ص) او المؤمن لا تطيره كما حكى الله عزوجل عن الكفار (قالُوا اطَّيَّرْنا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ) والمراد بالحسد ان يحسد لا ان يحسد كما قال الله تعالى (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ) والمراد بالتفكر ابتلاء الانبياء عليهم‌السلام باهل الوسوسة لا غير ذلك كما حكى الله عن الوليد بن مغيرة انه (فَكَّرَ وَقَدَّرَ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ) فافهم وقد خرجنا فى الكلام فى النبوى (ص) الشريف عما يقتضيه وضع الرسالة

ومنها قوله (ص) ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم فان المحجوب حرمة شرب التتن فهى موضوعة عن العباد وفيه ان الظاهر (١) مما حجب الله علمه ما لم يبينه للعباد لا ما بينه واختفى عليهم من معصية من عصى الله فى كتمان الحق او ستره فالرواية مساوقة لما ورد عن مولانا امير المؤمنين عليه‌السلام ان الله تعالى حد حدودا (فَلا تَعْتَدُوها) وفرض فرائض فلا تعصوها وسكت عن اشياء لم يسكت عنها نسيانا لها فلا تتكلفوها رحمة من الله لكم

ومنها قوله (ع) الناس فى سعة ما لم يعلموا فان كلمة ما اما موصولة اضيف اليه السعة واما مصدرية ظرفية وعلى التقديرين يثبت المطلوب وفيه ما تقدم (٢)

__________________

١ ـ حاصله انه يحتمل ان يراد من قوله ما حجب الله ما لم يبينه الله لهم وان يراد ما اختفى علمه عليهم لاجل طرو الحوادث الخارجة. والظاهر بقرينة نسبة الحجب الى الله هى ارادة المعنى الاول وعليه فلا دلالة فى الرواية على المدعى (م ق)

٢ ـ فان المعنى الناس فى سعة ما دام لا يعلمون ولكن قد علم وجوب الاحتياط من اخباره فلا سعة ح بل يجب الاحتياط ، نعم الاستدلال بالبراءة صحيح بناء على كون كلمة

١٦٣

فى الآيات من ان الاخباريين لا ينكرون عدم وجوب الاحتياط على من لم يعلم وجوب الاحتياط من العقل والنقل بعد التامل والتتبع

ومنها رواية عبد الاعلى عن الصادق عليه‌السلام قال سألته عمن لم يعرف شيئا هل عليه شيء قال لا بناء على ان المراد بالشيء الاول فرد معين مفروض فى الخارج حتى لا يفيد العموم فى المنفى فيكون المراد هل عليه شيء فى خصوص ذلك الشيء المجهول واما بناء على ارادة العموم فظاهره السؤال عن القاصر الذى لا يدرك شيئا

ومنها قوله (ص) ايما امرئ ركب امرا بجهالة فلا شيء عليه وفيه ان الظاهر من الرواية ونظائرها من قولك فلان عمل بكذا بجهالة هو اعتقاد الصواب او الغفلة عن الواقع فلا يعم صورة التردد فى كون فعله صوابا او خطاء ويؤيده ان تعميم الجهالة بصورة التردد يحوج الكلام الى التخصيص بالشاك الغير المقصر وسياقه يابى عن التخصيص فتامل (١)

ومنها قوله (ع) ان الله تعالى يحتج على العباد بما آتيهم وعرفهم وفيه ان مدلوله كما عرفت (٢) فى الآيات وغير واحد من الاخبار مما لا ينكره الاخباريون

ومنها قوله (ع) فى مرسلة الفقيه كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهى استدل به الصدوق على جواز القنوت بالفارسية واستند اليه فى اماليه حيث جعل اباحة الاشياء حتى يثبت الحظر من دين الامامية ودلالته على المطلوب اوضح من الكل وظاهره عدم

__________________

ـ ما موصولة فان كون الناس فى سعة من ناحية الشىء الذى لا يعلمونه ينافى وجوب الاحتياط فيه فانه ضيق (شرح)

١ ـ اشارة الى ان التخصيص لازم على كل حال فانه يجب تخصيصه فى الغافل ايضا بغير المقصر (الطوسى)

٢ ـ يعنى ان الاخباريين يقولون ان الله قد اتانا وعرفنا وجوب الاحتياط فى الشبهات (شرح)

١٦٤

وجوب الاحتياط لان الظاهر (١) ارادة ورود النهى فى الشيء من حيث هو لا من حيث كونه مجهول الحكم فان تم ما سيأتى من ادلة الاحتياط دلالة وسند اوجب ملاحظة التعارض بينها وبين هذه الرواية وامثالها مما يدل على عدم وجوب الاحتياط ثم الرجوع الى ما يقتضيه قاعدة التعارض

وقد يحتج بصحيحة (٢) عبد الرحمن بن حجاج فيمن تزوج امرأة فى عدتها قال اما اذا كان بجهالة فليتزوجها بعد ما ينقضى عدتها فقد يعذر الناس فى الجهالة

__________________

١ ـ فشرب التتن حلال ما لم يرد فيه بعنوان شرب التتن نهى فاطلاقه يشمل ما لو ورد النهى بعنوان مجهول الحلية والحرمة فيعارض اخبار الاحتياط (شرح)

٢ ـ المقصود فى المقام اثبات البراءة فى الشبهات الحكمية ودلالة الخبر عليها تتوقف على امور ، الاول كون المراد بالجهالة هى الجهالة بالحكم دون الموضوع الثالث كون المراد الجهالة البسيطة بمعنى الشك والترديد لا المركبة اعنى الغفلة او اعتقاد الجواز ، الثانى كون المعذورية بمعنى الحلية والاباحة لا عدم ترتب حكم وضعى مثلا ، ثم ان محل الاستشهاد فى الخبر فقرتان إحداهما ما دل على معذورية الجاهل بالتحريم ، والثانية ما دل على معذورية الجاهل بالعدة ، اما الفقرة الاولى فالمراد بالجهالة فيها وإن كانت عبارة عن الجهالة فى الحكم إلّا ان المراد بها الجهالة المركبة دون البسيطة لما فى التعليل بانه لا يقدر على الاحتياط وكذا المراد بالمعذورية عدم حرمة المزوجة مؤيدة فلا يصح الاستدلال بها ، واما الفقرة الثانية فصورها ثلاث نذكرها على ما رتبها المصنف ، الاولى الجهل بانقضاء العدة مع العلم باصلها ومقدارها وهذه الصورة خارجة عن محل البحث لكون الشبهة موضوعية ولعدم المعذورية فيها تكليفا لاستصحاب بقاء التعدة فتحمل المعذورية ح على الوضعية ، الثانية الشك فى مقدار العدة شرعا مع العلم باصلها وهذه الصورة ايضا خارجة عن البحث لعدم المعذورية فيها من جهة ترك الفحص فى الشبهة الحكمية ومن جهة الاستصحاب فيجب الحمل على المعذورية الوضعية ، الثالثة الجهل باصل تشريع العدة وفيها لا يعذر الجاهل تكليفا قطعا فالمراد المعذورية الوضعية (شرح) ق

١٦٥

بما هو اعظم من ذلك قلت باى الجهالتين اعذر بجهالته ان ذلك محرم عليه ام بجهالته انها فى عدة قال احدى الجهالتين اهون من الاخرى الجهالة بان الله حرم عليه ذلك وذلك لانه لا يقدر معها على الاحتياط قلت فهو فى الاخرى معذور قال نعم اذا انقضت عدتها فهو معذور فى ان يتزوجها وفيه ان الجهل بكونها فى العدة ان كان مع العلم بالعدة فى الجملة والشك فى انقضائها فان كان الشك فى الانقضاء مع العلم بمقدارها فهو شبهة فى الموضوع خارج عما نحن فيه مع ان مقتضى الاستصحاب المركوز فى الاذهان عدم الجواز ومنه يعلم انه لو كان الشك فى مقدار العدة فهى شبهة حكمية قصر فى السؤال عنها فهو ليس معذورا فيها اتفاقا لاصالة بقاء العدة واحكامها بل فى رواية اخرى انه اذا علمت ان عليها العدة لزمتها الحجة فالمراد من المعذورية عدم حرمتها عليه مؤبد الا من حيث المؤاخذة ويشهد له ايضا قوله (ع) بعد قوله نعم انه اذا انقضت عدتها فهو معذور فى ان يتزوجها وكذا مع الجهل باصل العدة لوجوب الفحص واصالة عدم تأثير العقد خصوصا مع وضوح الحكم بين المسلمين الكاشف عن تقصير الجاهل

هذا ان كان الجاهل ملتفتا شاكا وان كان غافلا او معتقدا للجواز (١) فهو خارج عن مسئلة البراءة لعدم قدرته على الاحتياط وعليه يحمل تعليل معذورية الجاهل بالتحريم بقوله (ع) لانه لا يقدر وان كان تخصيص الجاهل بالحرمة

__________________

١ ـ يعنى فى كل من الصور الاربع الماضية ، وقوله على كل تقدير يعنى ان اشكال التفكيك وارد سواء اريد من الجهالة البسيطة او المركبة ، وحاصله لزوم حمل الجهالة فى الفقرة الاولى على الجهالة المركبة اعنى الغفلة وفى الفقرة الثانية على الجهالة البسيطة اعنى الشك ، لحكم الامام (ع) بعدم امكان الاحتياط فى الاولى وامكانه فى الثانية ؛ واما دفع الاشكال فبدعوى ان الغالب فى الجهل بالحكم هو الغفلة اذ مع وضوح الحكم بين المسلمين قلما يتفق مع الالتفات اليه الشك فيه بخلاف الجهل بكونها فى العدة فانه يتحقق غالبا مع الالتفات (م شروح)

١٦٦

بهذا التعليل يدل على قدرة الجاهل بالعدة على الاحتياط فلا يجوز حمله على الغافل إلّا انه اشكال يرد على الرواية على كل تقدير ومحصله لزوم التفكيك بين الجهالتين فتدبر فيه وفى دفعه

وقد يستدل على المطلب اخذا من الشهيد فى الذكرى بقوله (ع) كل شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه وتقريب الاستدلال كما فى شرح الوافية ان كل شيء فيه الحلال والحرام عندك بمعنى انك تقسمه الى هذين وتحكم عليه باحدهما لا على التعين ولا تدرى المعين منهما فهو لك حلال فيقال (ح) انّ الرواية صادقة على مثل اللحم (١) المشترى من السوق المحتمل للمذكى والميتة وعلى شرب التتن وعلى لحم الحمير ان شككنا فيه لانه يصدق على كل منها انه شيء فيه حلال وحرام عندنا بمعنى انه يجوز لنا ان نجعله مقسما لحكمين فنقول هو اما حلال واما حرام

اقول الظاهر ان المراد بقوله «ع» فيه حلال وحرام كونه منقسما اليهما ووجود القسمين فيه بالفعل لا مرددا بينهما اذ لا تقسيم مع الترديد اصلا لا ذهنا ولا خارجا فالمعنى والله العالم ان كل كلى فيه قسم حلال وقسم حرام كمطلق لحم الغنم المشترك بين المذكى والميتة فهذا الكلى لك حلال الى ان تعرف القسم الحرام معينا فى الخارج فتدعه وعلى الاستخدام (٢) يكون المراد ان كل جزئى خارجى فى نوعه القسمان المذكوران فذلك الجزئى لك حلال حتى تعرف القسم الحرام من ذلك الكلى فى الخارج فتدعه وعلى اى تقدير فالرواية مختصة بالشبهة فى الموضوع

ثم الظاهر ان ذكر هذا القيد مع تمام الكلام بدونه كما فى قوله «ع» فى رواية اخرى كل شيء لك حلال حتى تعرف انه حرام بيان منشإ الاشتباه الذى يعلم من قوله «ع» حتى تعرف ، هذه جملة ما استدل به من الاخبار والانصاف ظهور بعضها

__________________

١ ـ هذا مثال للشبهة الموضوعية والمثالان الاتيان للشبهة الحكمية (شرح)

٢ ـ بان يراد من الضمير النوع مثلا ومن مرجعه جزئى من جزئياته (شرح)

١٦٧

فى الدلالة على عدم وجوب الاحتياط فيما لا نص فيه من الشبهة بحيث لو فرض تمامية الاخبار الآتية للاحتياط وقعت المعارضة بينهما لكن بعضها غير دال الا على عدم وجوب الاحتياط لو لم يرد امر عام به فلا يعارض ما سيجيء من اخبار الاحتياط لو نهضت للحجية سندا ودلالة

الثالث من الادلة حكم العقل بقبح العقاب على شيء من دون بيان التكليف ويشهد له حكم العقلاء كافة بقبح مؤاخذة المولى عبده على فعل ما يعترف بعدم اعلامه اصلا بتحريمه (ودعوى) ان حكم العقل بوجوب دفع الضرر المحتمل بيان عقلى فلا يقبح بعده المؤاخذة مدفوعة بان قاعدة القبح واردة عليها لانها فرع احتمال الضرر (١) اعنى العقاب ولا احتمال بعد حكم العقل بقبح العقاب من غير بيان فمورد قاعدة دفع العقاب المحتمل هو ما ثبت العقاب فيه ببيان الشارع للتكليف فتردد المكلف به بين امرين كما فى الشبهة المحصورة وما يشبهها

هذا كله ان اريد بالضرر العقاب وان اريد مضرة اخرى غير العقاب التى لا يتوقف ترتبها على العلم فهو وان كان محتملا لا يرتفع احتماله بقبح العقاب من غير بيان إلّا ان الشبهة من هذه الجهة موضوعية (٢) لا يجب الاحتياط

__________________

١ ـ يعنى ان قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل فرع احتمال الضرر وهو موقوف على وجود البيان وحيث انه ليس هنا بيان يتحقق موضوع قبح العقاب بلا بيان والحكم بان قاعدة وجوب الدفع بيان دورى ، فان جريان القاعدة يتوقف على تحقق موضوعها اعنى احتمال الضرر وهو على الفرض يتوقف على جريان القاعدة اذ لولاه لا بيان حتى يحتمل الضرر ، وبعبارة اخرى لا بيان فى مورد الشك فى التكليف الا من ناحية قاعدة وجوب الدفع وحيث انها يتوقف على احراز موضوعها اعنى احتمال الضرر مع قطع النظر عنها فلا تجرى هى فانه لا يحتمل الضرر مع قطع النظر عنها بل يحرز «ح» موضوع قاعدة القبح وهو الشك مع عدم البيان فتجرى بلا اشكال (شرح)

٢ ـ حاصل الجواب يرجع الى وجوه احدها كون الشبهة موضوعية ، ثانيها منع

١٦٨

فيها باعتراف الاخباريين فلو ثبت وجوب دفع المضرة المحتملة لكان هذا مشترك الورود فلا بد على كلا القولين اما من منع وجوب الدفع واما من دعوى ترخيص الشارع واذنه فيما شك فى كونه من مصاديق الضرر وسيجيء توضيحه فى الشبهة الموضوعية إن شاء الله ، واعلم ان هذا الدليل العقلى كبعض ما تقدم من الادلة النقلية معلق على عدم تمامية ادلة الاحتياط فلا يثبت به الا الاصل فى مسئلة البراءة ولا يعد من ادلتها بحيث تعارض اخبار الاحتياط

وقد يستدل على البراءة بوجوه غير ناهضة منها استصحاب البراءة المتيقنة حال الصغر او الجنون وفيه ان الاستدلال به فلا ينفع فى المقام لان الثابت به ترتب اللوازم المجعولة الشرعية على المستصحب والمستصحب هنا ليس إلا براءة الذمة من التكليف وعدم المنع من الفعل او من الترك وعدم استحقاق العقاب عليه والمطلوب فى الآن اللاحق هو القطع بعدم ترتب العقاب على الفعل او ما يستلزم ذلك ومن المعلوم ان المطلوب المذكور لا يترتب على المستصحبات المذكورة لان عدم استحقاق العقاب فى الآخرة ليس من اللوازم المجعولة حتى يحكم به الشارع فى الظاهر واما الاذن والترخيص فى الفعل فهو وان كان امرا قابلا للجعل ويستلزم انتفاء العقاب واقعا إلّا ان الاذن الشرعى ليس لازما شرعيا للمستصحبات المذكورة بل هو من المقارنات حيث ان عدم المنع عن الفعل بعد العلم اجمالا بعدم خلو فعل المكلف عن احد الاحكام الخمسة لا ينفك عن كونه مرخصا فيه فهو نظير اثبات وجود احد الضدين بنفى الآخر باصالة العدم مع انه يمكن النظر فيه بناء على ما سيجيء من اشتراط العلم ببقاء الموضوع فى الاستصحاب وموضوع البراءة فى السابق ومناطها هو الصغير الغير القابل للتكليف فانسحابها فى القابل اشبه بالقياس من الاستصحاب فتامل وبالجملة فاصل البراءة اظهر عند القائلين بها والمنكرين لها من ان يحتاج

__________________

ـ وجوب دفع الضرر الدنيوى المحتمل ، وثالثها ثبوت الرخصة من الشارع فى ارتكابها كما سيجيء فى الشبهة الموضوعية (م ق)

١٦٩

الى الاستصحاب

ومنها ان الاحتياط عسر منفى وجوبه وفيه ان تعسره ليس إلّا من حيث كثرة موارده فهى ممنوعة لان مجريها عند الاخباريين موارد فقد النص على الحرمة وتعارض النصوص من غير مرجح منصوص وهى ليست بحيث يفضى الاحتياط فيها الى الحرج وعند المجتهدين موارد فقد الظنون الخاصة وهى عند الاكثر ليست بحيث يؤدى الاقتصار عليها والعمل فيما عداها على الاحتياط الى الحرج

احتج للقول الثانى وهو وجوب الكف عما يحتمل الحرمة بالادلة الثلاثة فمن الكتاب طائفتان إحداهما ما دل على النهى عن القول بغير علم فان الحكم بترخيص الشارع لمحتمل الحرمة قول عليه بغير علم وافتراء حيث انه لم يؤذن فيه ولا يرد ذلك على اهل الاحتياط لانهم لا يحكمون بالحرمة وانما يتركون لاحتمال الحرمة وهذا بخلاف الارتكاب فانه لا يكون إلّا بعد الحكم بالرخصة والعمل على الاباحة والاخرى ما دل بظاهره على لزوم الاحتياط والاتقاء والتورع مثل ما ذكره الشهيد ره فى الذكرى فى خاتمة قضاء الفوائت للدلالة على مشروعية الاحتياط فى قضاء ما فعلت من الصلوات المحتملة للفساد وهى قوله تعالى (اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ ،) اقول ونحوهما فى الدلالة على وجوب الاحتياط (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) وقوله تعالى (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) وقوله تعالى (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ.)

والجواب اما عن الآيات الناهية عن القول بغير علم مضافا الى النقض بشبهة الوجوب والشبهة فى الموضوع فبان فعل الشيء المشتبه حكمه اتّكالا على قبح العقاب من غير بيان المتفق عليه بين المجتهدين والاخباريين ليس من ذلك واما عما عدا آية التهلكة فبمنع (١) منافات الارتكاب للتقوى والمجاهدة مع ان غايتها الدلالة

__________________

١ ـ اذ التقوى عبارة عن اتيان الوجبات وترك المحرمات فلا ينافى ارتكاب الشبهة التقوى لفرض عدم العلم بحرمتها وهكذا يقال فى المجاهدة (م ق)

١٧٠

على الرجحان على ما استشهد به الشهيد ره واما عن آية التهلكة فبان الهلاك بمعنى العقاب معلوم العدم وبمعنى غيره يكون الشبهة موضوعية لا يجب فيها الاجتناب بالاتفاق

ومن السنة طوائف احداها ما دل على حرمة القول والعمل بغير العلم وقد ظهر جوابها مما ذكر فى الآيات ، الثانية ما دل على وجوب التوقف عند الشبهة وعدم العلم وهى لا تحصى كثرة وظاهر التوقف المطلق السكوت وعدم المضى فيكون كناية عن عدم الحركة بارتكاب الفعل وهو محصل قوله (ع) فى بعض تلك الاخبار الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام فى الهلكات

فنذكر بعض تلك الاخبار تيمنا ، منها مقبولة عمر بن حنظلة عن ابى عبد الله عليه‌السلام وفيها بعد ذكر المرجحات اذا كان كذلك فارجه (١) حتى تلقى امامك فان الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام فى الهلكات ونحوها صحيحة جميل بن دراج عن ابى عبد الله عليه‌السلام ان على كل حق حقيقة وعلى كل صواب نورا وزاد فيها فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فدعوه وفى روايات الزهرى والسكونى وعبد الاعلى الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام فى الهلكة وتركك حديثا لم تروه (٢) خير من روايتك حديثا لم تحصه ورواية ابى شيبة عن احدهما عليه‌السلام وموثقة سعد بن زياد عن جعفر عن ابيه عن آبائه عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انه قال لا تجامعوا فى النكاح على الشبهة وقفوا عند الشبهات الى ان قال فان الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام فى التهلكة.

وتوهم ظهور هذا الخبر المستفيض فى الاستحباب مدفوع بملاحظة ان الاقتحام فى التهلكة لا خير فيها اصلا مع ان جعله تعليلا لوجوب الارجاء

__________________

١ ـ الارجاء التاخير اى أخره واحبس امره (مج)

٢ ـ بالبناء للفاعل اى تركك حديثا لم تنقله عن غيرك بل ترويه على سبيل الوجادة خير من روايتك احاديث لم تحصها كثرة (م ق)

١٧١

فى المقبولة وتمهيدا لوجوب طرح ما خالف الكتاب فى الصحيحة قرينة على المطلوب فمساقه مساق قول القائل ترك الاكل يوما خير من ان امنع منه سنة وقوله «ع» فى مقام وجوب الصبر (١) حتى يتيقن الوقت لان اصلى بعد الوقت احب الى من ان اصلى قبل الوقت وقوله (ع) فى مقام التقية لان افطر يوما من شهر رمضان فاقضيه احب الى من ان يضرب عنقى ونظيره فى اخبار الشبهة قول على عليه‌السلام فى وصية لابنه امسك عن طريق اذا خفت ضلالة فان الكف عنده خير من الضلال وخير من ركوب الاهوال.

ومنها موثقة حمزة بن طيار انه عرض على ابى عبد الله بعض خطب ابيه عليهما‌السلام حتى اذا بلغ موضعا منها قال له كف واسكت ثم قال ابو عبد الله عليه‌السلام انه لا يسعكم فيما نزل بكم مما لا تعلمون الا الكف عنه والتثبت والرد الى الائمة الهدى عليهم‌السلام حتى يحملوكم فيه الى القصد ويجلوا عنكم فيه العمى ويعرفوكم فيه الحق قال الله تعالى (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ.)

ومنها رواية جميل عن الصادق عن آبائه عليهم‌السلام انه قال رسول الله (ص) الامور ثلاثة امر بين لك رشده فاتبعه وامر بين لك غيه فاجتنبه وامر اختلف فيه فرده الى الله عزوجل ومنها رواية جابر عن ابى جعفر (ع) فى وصيته لاصحابه اذا اشتبه الامر عليكم فقفوا عنده وردوه الينا حتى نشرح لكم من ذلك ما شرح الله لنا

ومنها رواية زرارة عن ابى جعفر عليه‌السلام حق الله على العباد ان يقولوا ما يعلمون ويقفوا عند ما لا يعلمون وقوله «ع» فى رواية المسمعى الواردة فى اختلاف الحديثين وما لم تجدوا فى شيء من هذه الوجوه فردوا الينا علمه فنحن اولى بذلك ولا تقولوا فيه بآرائكم وعليكم الكف والتثبت والوقوف وانتم طالبون وباحثون حتى يأتيكم البيان من عندنا الى غير ذلك مما ظاهره

__________________

١ ـ هذا وما يأتى من قوله وقوله فى مقام التقية عطف على قول القائل (م ق)

١٧٢

وجوب التوقف

والجواب ان بعض هذه الاخبار (١) مختص بما اذا كان المضى فى الشبهة اقتحاما فى التهلكة ولا يكون ذلك الا مع عدم معذورية الفاعل لاجل القدرة على ازالة الشبهة بالرجوع الى الامام عليه‌السلام او الى الطرق المنصوبة منه كما هو ظاهر المقبولة وموثقة حمزة بن طيار ورواية جابر ورواية المسمعى وبعضها وارد فى مقام النهى عن ذلك لاتكاله فى الامور العلمية على استنباطات العقلية الظنية او لكون المسألة من الاعتقاديات كصفات الله تعالى ورسوله والائمة عليهم‌السلام كما يظهر من قوله (ع) فى رواية زرارة لو ان العباد اذا جهلوا وقفوا ولم يجحدوا لم يكفروا والتوقف فى هذه المقامات واجب.

وبعضها ظاهر فى الاستحباب مثل قوله (ع) اورع الناس من وقف عند الشبهة وقوله (ع) لا ورع كالوقوف عند الشبهة وقول امير المؤمنين عليه‌السلام من ترك ما اشتبه عليه من الإثم فهو لما استبان له اترك والمعاصى حمى الله فمن يرتع حولها يوشك ان يدخلها وفى رواية نعمان بن بشير قال سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول لكل ملك حمى وحمى الله حلاله وحرامه والمشتبهات بين ذلك لو ان راعيا رعى الى جانب الحمى لم يثبت غنمه ان يقع فى وسطه فدعوا المشتبهات وقوله عليه‌السلام من اتقى المشتبهات فقد استبرأ لدينه

وملخص الجواب عن جميع تلك الاحاديث انه لا ينبغى الشك فى كون الامر فيها للارشاد من قبيل اوامر الاطباء المقصود منها عدم الوقوع فى المضار اذ قد

__________________

١ ـ حاصل ما ذكره ان بعض هذه الاخبار ظاهر فى وجوب التوقف إلّا ان مورده خارج عما نحن فيه ، وبعضها ظاهر فى استحبابه فلا يفيد المطلوب والكلمة الجامعة فى الجواب عن الجميع كون الامر فيها للارشاد والتخويف عن الهلكة فلا يفيد الوجوب الشرعى الذى يترتب على موافقته ومخالفته الثواب والعقاب فلا يثبت وجوب الاحتياط شرعا (م ق)

١٧٣

تبين فيها حكمة طلب التوقف ولا يترتب على مخالفته عقاب غير ما يترتب على ارتكاب الشبهة احيانا من الهلاك المحتمل فيها فالمطلوب فى تلك الاخبار ترك التعرض للهلاك المحتمل فى ارتكاب الشبهة فان كان ذلك الهلاك المحتمل من قبيل العقاب الاخروى كما لو كان التكليف متحققا فعلا فى موارد الشبهة نظير الشبهة المحصورة ونحوها او كان المكلف قادرا على الفحص وازالة الشبهة بالرجوع الى الامام عليه‌السلام او الطرق المنصوبة او كانت الشبهة من العقائد والغوامض التى لم يرد الشارع التدين به بغير علم وبصيرة بل نهى عن ذلك بقوله (ص) ان الله سكت عن اشياء لم يسكت عنها نسيانا فلا تتكلفوها رحمة من الله لكم فربما يوقع تكلف التدين فيه بالاعتبارات العقلية او الشواذ النقلية الى العقاب بل الى الخلود فيه اذا وقع التقصير فى مقدمات تحصيل المعرفة فى تلك المسألة.

ففى هذه المقامات ونحوها يكون التوقف لازما عقلا وشرعا من باب الارشاد كاوامر الطبيب بترك المضار وان كان الهلاك المحتمل مفسدة اخرى غير العقاب سواء كان دينية كصيرورة المكلف بارتكاب الشبهة اقرب الى ارتكاب المعصية كما دل عليه غير واحد من الاخبار المتقدمة ام دنيوية كالاحتراز عن اموال الظلمة بمجرد احتمال لا يوجب العقاب على فعله لو فرض حرمته واقعا والمفروض ان الامر بالتوقف فى هذه الشبهة لا يفيد استحقاق العقاب على مخالفته لان المفروض كونه للارشاد فيكون المقصود منه التخويف عن لحقوق غير العقاب من المضار المحتملة فاجتناب هذا الشبهة لا يصير واجبا شرعيا بمعنى ترتب العقاب على ارتكابه.

وما نحن فيه وهى الشبهة الحكمية التحريمة من هذا القبيل لان الهلكة المحتملة فيها لا تكون هى المؤاخذة الاخروية باتفاق الاخباريين لاعترافهم بقبح المؤاخذة على مجرد مخالفة الحرمة الواقعية المجهولة وان زعموا ثبوت العقاب من جهة بيان التكليف فى الشبهة باوامر التوقف والاحتياط فاذا لم يكن

١٧٤

المحتمل فيها هو العقاب الاخروى كان حالها حال الشبهة الموضوعية كاموال الظلمة والشبهة الوجوبية فى انه لا يحتمل فيها إلا غير العقاب من المضار والمفروض كون الامر بالتوقف فيها للارشاد والتخويف عن تلك المضرة المحتملة وبالجملة فمفاد هذه الاخبار باسرها التحريز عن التهلكة المحتملة فلا بد من احراز احتمال التهلكة عقابا كانت او غيره وعلى تقدير احراز هذا الاحتمال لا اشكال ولا خلاف فى وجوب التحرز عنه اذا كان المحتمل عقابا واستحبابه اذا كان غيره فهذه الاخبار لا تنفع فى احداث هذا الاحتمال ولا فى حكمه

هذا كله مضافا الى دوران الامر فى هذه الاخبار بين حملها على ما ذكرنا وبين ارتكاب التخصيص فيها باخراج الشبهة الوجوبية والموضوعية وما ذكرنا اولى (١) و (ح) فخيرية الوقوف عند الشبهة من الاقتحام فى الهلكة اعم من الرجحان المانع من النقيض ومن غير المانع منه فهى قضية تستعمل فى المقامين وقد استعملها الائمة عليهم‌السلام كذلك فمن موارد استعمالها فى مقام لزوم التوقف مقبولة عمر بن حنظلة التى جعلت هذه القضية فيها علة لوجوب التوقف فى الخبرين المتعارضين عند فقد المرجح وصحيحة الجميل المتقدمة التى جعلت القضية فيها تمهيد الوجوب طرح ما خالف كتاب الله

ومن موارد استعمالها فى غير اللازم رواية الزهرى المتقدمة التى جعلت القضية فيها تمهيد الترك رواية الخبر الغير المعلوم صدوره او دلالته فان من المعلوم رجحان ذلك لا لزومه وموثقة سعد بن زياد المتقدمة التى فيها قول النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا تجامعوا فى النكاح على الشبهة وقفوا عند الشبهة فان مولانا الصادق (ع) فسره فى تلك الموثقة بقوله (ع) اذا بلغك انك قد رضعت من لبنها او أنها لك محرمة وما اشبه ذلك فان الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام فى الهلكة

__________________

١ ـ للزوم التخصيص على تقدير حمل الامر فى اخبار التوقف على الوجوب الشرعى (م ق)

١٧٥

الخبر ، ومن المعلوم ان الاحتزاز عن نكاح ما فى الرواية من النسوة المشتبهة غير لازم باتفاق الاخباريين لكونها شبهة موضوعية ولاصالة عدم تحقق مانع النكاح ، وقد يجاب عن اخبار التوقف بوجوه غير خالية عن النظر منها ان ظاهر اخبار التوقف حرمة الحكم والفتوى من غير علم ونحن نقول بمقتضاها ولكن ندعى علمنا بالحكم الظاهرى وهى الاباحة لادلة البراءة (وفيه) ان المراد بالتوقف كما يشهد سياق تلك الاخبار وموارد اكثرها هو التوقف فى العمل فى مقابل المضى فيه على حسب الارادة الذى هو الاقتحام فى الهلكة لا التوقف فى الحكم نعم قد يشمله من حيث كون الحكم عملا مشتبها لا من حيث كونه حكما فى شبهة فوجوب التوقف عبارة عن ترك العمل المشتبه الحكم.

ومنها انها معارضة باخبار البراءة وهى اقوى سندا ودلالة واعتضادا بالكتاب والسنة والعقل وغاية الامر التكافؤ فيرجع الى ما تعارض فيه النصان والمختار فيه التخيير فيرجع الى اصل البراءة (وفيه) ان مقتضى مدلول اكثر ادلة البراءة المتقدمة وهى جميع آيات الكتاب والعقل واكثر السنة عدم استحقاق العقاب على مخالفة الحكم الذى لا يعلمه المكلف ، ومن المعلوم ان هذا من مستقلات العقل الذى لا يدل اخبار التوقف ولا غيرها من ادلة النقلية على خلافه وانما يثبت اخبار التوقف بعد الاعتراف بتماميتها على ما هو المفروض تكليفا ظاهريا بوجوب الكف وترك المضى عند الشبهة والادلة المذكورة لا تنفى هذا المطلب فتلك الادلة بالنسبة الى هذه الاخبار من قبيل الاصل بالنسبة الى الدليل فلا معنى لاخذ الترجيح بينهما.

وما يبقى من السنة من قبيل قوله عليه‌السلام كل شيء مطلق لا يكافئ اخبار التوقف لكونها اكثر واصح سندا واما قوة الدلالة فى اخبار البراءة فلم يعلم ، واما ما ذكره من الرجوع الى التخيير مع التكافؤ فيمكن للخصم منع التكافؤ لان اخبار الاحتياط مخالفة للعامة لاتفاقهم كما قيل على البراءة ومنع التخيير على تقدير التكافؤ لان الحكم فى تعارض النصين الاحتياط مع ان التخيير لا يضره لانه يختار ادلة وجوب الاحتراز عن الشبهات.

١٧٦

الثالثة ما دل على وجوب الاحتياط وهى كثيرة (منها) صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رجلين اصابا صيدا وهما محرمان الجزاء بينهما او على كل واحد منهما جزاء قال بل عليهما ان يجزى كل واحد منهما الصيد فقلت ان بعض اصحابنا سألنى عن ذلك فلم ادر ما عليه قال اذا اصبتم بمثل هذا ولم تدروا فعليكم الاحتياط حتى تسألوا وتعلموا.

ومنها موثقة عبد الله بن وضاح على الاقوى قال كتبت الى العبد الصالح يتوارى عنا القرص ويقبل الليل ويزيد ويزيد الليل ارتفاعا ويستر عنا الشمس ويرتفع فوق الجبل حمرة ويؤذن عندنا المؤذنون فاصلى (ح) وافطر ان كنت صائما او انتظر حتى تذهب الحمرة التى فوق الجبل فكتب (ع) ارى لك ان تنتظر حتى تذهب الحمرة وتأخذ بالحائط لدينك فان الظاهر ان قوله (ع) تاخذ بيان لمناط الحكم كما فى قولك للمخاطب ارى لك ان توفى دينك وتخلص نفسك فيدل على لزوم الاحتياط مطلقا.

ومنها ما عن أمالي المفيد الثانى ولد الشيخ قدس‌سرهما بسند كالصحيح عن مولانا ابى الحسن الرضا عليه‌السلام قال قال امير المؤمنين عليه‌السلام لكميل بن زياد اخوك دينك فاحتط لدينك بما شئت وليس فى السند الا على بن محمد الكاتب الذى يروى عنه المفيد ره.

ومنها ما عن خط الشهيد فى حديث طويل عن عنوان البصرى عن ابى عبد الله عليه‌السلام يقول فيه سل العلماء ما جهلت واياك ان تسألهم تعنتا وتجربة واياك ان تعمل برأيك شيئا وخذ الاحتياط فى جميع امورك ما تجد اليه سبيلا واهرب من الفتياء هربك من الاسد ولا تجعل رقبتك عتبة للناس.

ومنها ما ارسله الشهيد وحكى عن الفريقين من قوله (ع) دع ما يريبك الى ما لا يريبك فانك لن تجد فقد شيء تركته لله عزوجل (ومنها) ما ارسله الشهيد ايضا من قوله عليه‌السلام لك ان تنتظر الجزم وتاخذ بالحائطة لدينك (ومنها) ما ارسل ايضا عنهم (ع) ليس بناكب عن الصراط من سلك سبيل الاحتياط.

١٧٧

والجواب اما عن الصحيحة فبعدم الدلالة لان المشار اليه (١) فى قوله عليه‌السلام بمثل هذا اما نفس واقعة الصيد واما ان يكون السؤال عن حكمها وعلى الاول فان جعلنا المورد من قبيل الشك فى التكليف بمعنى ان وجوب نصف الجزاء على كل واحدة متيقن ويشك فى وجوب النصف الآخر عليه فيكون من قبيل وجوب اداء الدين المردد بين الاقل والاكثر وقضاء الفوائت المرددة والاحتياط فى مثل هذا غير لازم بالاتفاق لانه شك فى الوجوب وعلى تقدير قولنا بوجوب الاحتياط فى مورد الرواية وامثاله مما ثبت التكليف فيه فى الجملة لاجل هذه الصحيحة وغيرها لم يكن مما نحن فيه من الشبهة مماثلا له لعدم ثبوت التكليف فيه رأسا.

وان جعلنا المورد من قبيل الشك فى متعلق التكليف وهو المكلف به لكون الاقل على تقدير وجوب الاكثر غير واجب بالاستقلال نظير وجوب التسليم فى الصلاة فالاحتياط هنا وان كان مذهب جماعة من المجتهدين ايضا إلّا ان ما نحن فيه من الشبهة الحكمية

__________________

١ ـ المشار اليه بقوله بمثل هذا اما نفس واقعة الصيد بان اراد انكم اذ ابتليتم بمثل هذه الواقعة وما دريتم ما عليكم من الفعل فعليكم بالاحتياط ، واما السؤال عن حكمها بان اراد انه اذا اشتبه عليكم الامر ولم تدروا بم تحكمون وتفتون فيه فعليكم بالاحتياط ، وعلى الاول فان اريد المماثلة فى اشتمال الواقعة على علم اجمالى لفرض علم الرجلين اجمالا بوجوب الجزاء عليها فى الجملة اما جزاء واحد على كل واحد منهما واما عليهما معا ، وحاصله تردد الواجب عندهما بين الاقل والاكثر ، وعليه فاما ان بفرض الشبهة فى وجوب المردد بين الاقل والاكثر استقلالية كما فى مثال الدين وقضاء الفوائت فهى خارجة عما نحن فيه لكون الشبهة (ح) وجوبية بدوية وهى مورد البراءة باتفاق الاخباريين ، واما ان تفرض ارتباطية كالشك فى اجزاء الصلاة فيكون الشك فى المكلف به فيخرج ايضا عن محل الكلام لكون الشك فيه فى اصل التكليف ، وعلى الثانى فحيث ان مورد الصحيحة هو صورة التمكن من ازالة الشبهة التى لا خلاف فى الاحتياط فيها فيخرج عن محل الكلام سواء أكان المراد من الاحتياط الفتوى به او العمل (م ق)

١٧٨

التحريمية ليس مثلا لمورد الرواية لان الشك فيه فى اصل التكليف هذا مع ان ظاهر الرواية التمكن من استعلام حكم الواقعة بالسؤال والتعلم فيما بعد ولا مضايقة عن القول بوجوب الاحتياط فى هذه الواقعة الشخصية حتى يتعلم المسألة لما يستقبل من الوقائع ومنه يظهر انه ان كان المشار اليه بهذا هو السؤال عن حكم الواقعة كما هو الثانى من شقى الترديد فان اريد بالاحتياط فيه الافتاء فيه بالاحتياط لم ينفع فيما نحن فيه وان اريد من الاحتياط الاحتراز عن الفتوى فيها اصلا حتى بالاحتياط فكذلك

واما عن الموثقة فبان ظاهرها الاستحباب ؛ والظاهر ان مراده الاحتياط من حيث الشبهة الموضوعية لاحتمال عدم استتار القرص وكون الحمرة المرتفعة امارة عليها لان ارادة الاحتياط فى الشبهة الحكمية بعيدة عن منصب الامام عليه‌السلام لانه لا يقرر الجاهل بالحكم على جهله ولا ريب ان الانتظار مع الشك فى الاستتار واجب فانه مقتضى استصحاب عدم الليل والاشتغال بالصوم وقاعدة الاشتغال بالصلاة فالمخاطب بالاخذ بالحائطة هو الشاك فى براءة ذمته عن الصوم والصلاة ويتعدى منه الى كل شاك فى براءة ذمته عما يجب عليه يقينا لا مطلق الشاك لان الشاك فى الموضوع الخارجى مع عدم تيقن التكليف لا يجب عليه الاحتياط باتفاق من اخباريين ايضا :

هذا كله على تقدير القول بكفاية استتار القرص فى الغروب وكون الحمرة غير الحمرة المشرقية ويحتمل بعيدا ان يراد (١) من الحمرة المشرقية التى لا بد من زوالها فى تحقق المغرب وتعليله (ع) بالاحتياط وان كان بعيدا عن منصب الامام عليه‌السلام كما لا يخفى إلّا انه يمكن ان يكون هذا النحو من التعبير لاجل التقية لايهام ان التاخير

__________________

١ ـ حاصله حملها على بيان الشبهة الحكمية بان كانت الشبهة فى تحقق الغروب وانه بما ذا يحصل فامره الامام (ع) بالاحتياط والانتظار من دون بيان الحكم الواقعى للتخلص عن مخالفة العامة وتحمل (ح) على الاستحباب لظاهر بعض فقراته (م ق)

١٧٩

هو حصول الجزم باستتار القرص وزوال احتمال عدمه لا ان المغرب لا يدخل مع تحقق الاستتار كما ان قوله ارى لك يستشم منه رايحة الاستحباب فلعل التعبير به مع وجوب التأخير من جهة التقية وحينئذ فتوجيه الحكم بالاحتياط لا يدل إلّا على رجحانه

واما عن رواية الامالى فبعدم دلالتها على الوجوب للزوم اخراج اكثر موارد الشبهة وهى الشبهة الموضوعية مطلقا والحكمية الوجوبية والحمل على الاستحباب ايضا مستلزم لاخراج موارد وجوب الاحتياط فتحمل على الارشاد او على الطلب المشترك بين الوجوب والندب وحينئذ فلا ينافى وجوبه فى بعض الموارد عدم لزومه فى بعض آخر لان تاكد الطلب الارشادى وعدمه بحسب المصلحة الموجودة فى الفعل لان الاحتياط هو الاحتراز عن موارد احتمال المضرة فيختلف رضاء المرشد بتركه وعدم رضائه بحسب مراتب المضرة كما ان الامر فى الاوامر الواردة فى اطاعة الله ورسوله للارشاد المشترك بين فعل الواجبات وفعل المندوبات

هذا والذى يقتضيه دقيق النظر ان الامر المذكور بالاحتياط لخصوص الطلب (١) الغير الالزامى لان المقصود منه بيان اعلى مراتب الاحتياط لا جميع مراتبه ولا المقدار الواجب والمراد من قوله بما شئت ليس التعميم من حيث القلة والكثرة والتفويض الى مشية الشخص لان هذا كله مناف لجعله بمنزلة الاخ بل المراد ان اى مرتبة من الاحتياط شئتها فهى فى محلها وليس هنا مرتبة من الاحتياط لا يستحسن بالنسبة الى الدين لانه بمنزلة الاخ الذى هو كذلك وليس بمنزلة ساير الامور الّتى لا يستحسن فيها بعض مراتب الاحتياط كالمال وما عدا الاخ من الرجال فهو بمنزلة قوله تعالى (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)

الرابعة اخبار التثليث المروية عن النبى (ص) والوصى (ع) وبعض الائمة عليهم‌السلام ففى مقبولة عمر بن حنظلة الواردة فى الخبرين المتعارضين بعد

__________________

١ ـ يعنى ان المراد به خصوص الطلب الاستحبابى لا الارشادى ولا الرجحان المطلق (م ق)

١٨٠