الرسائل الجديدة والفرائد الحديثة

الشيخ علي المشكيني

الرسائل الجديدة والفرائد الحديثة

المؤلف:

الشيخ علي المشكيني


الموضوع : أصول الفقه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٣٥

سقوط المعسور ولا كلام فى ذلك لان سقوط حكم شيء لا يوجب بنفسه سقوط الحكم الثابت للآخر فيحمل الرواية على دفع توهم السقوط فى الاحكام المستقلة التى يجمعها دليل واحد كما فى اكرم العلماء.

وفيه اولا (١) ان عدم السقوط محمول على نفس الميسور لا على حكمه فالمراد به عدم سقوط الفعل الميسور بسبب سقوط المعسور يعنى ان الفعل الميسور اذا لم يسقط عند عدم تعسر شيء فلا يسقط بسبب تعسره وبعبارة اخرى ما وجب عند التمكن من شيء آخر فلا يسقط عند تعذره وهذا الكلام انما يقال فى مقام يكون ارتباط وجوب الشيء بالتمكن من ذلك الشيء الآخر محققا ثابتا من

__________________

١ ـ كان مبنى المشاقة حمل الرواية على عدم سقوط حكم موضوع ميسور بسبب حكم المعسور وهو خلاف الظاهر ، بل السقوط وعدمه محمولان على نفس الميسور والمعسور لا على حكمهما ، وذلك لانه اذا ثبت وجوب فعل عن المكلف يمكن (ح) دعوى ثبوت هذا الفعل فى ذمته مع تمكنه منه ، والمقصود من الرواية ان سقوط فعل ثابث فى الذمة بسبب تعذره لا يوجب سقوط فعل ميسوره ، وهذا يقال فيما اذا كان ارتباط وجوب فعل الميسور بالتمكن من فعل المعسور متحققا ثابتا كما فيما نحن فيه او متوهما كما فى اكرم العلماء لارتباط وجوب الاجزاء الباقية فيما نحن فيه بوجوب الكل وحيت كان لمتوهم ان يتوهم السقوط رفع الامام (ع) لتوهم بان فعل الباقى اذا لم يسقط عند التمكن من الكل فلا يسقط عند تعذر بعض اجزائه (م ق)

٣٠١

دليله كما فى الامر بالكل او متوهما كما فى الامر بما له عموم افرادى.

وثانيا (١) ان ما ذكر من عدم سقوط الحكم الثابت للميسور بسبب سقوط الحكم الثابت للمعسور كاف فى اثبات المطلوب بناء على ما ذكرنا فى توجيه الاستصحاب من ان اهل العرف يتسامحون فيعبرون عن وجوب باقى الاجزاء بعد تعذر غيرها من الاجزاء ببقاء وجوبها وعن عدم وجوبها بارتفاع وجوبها وسقوطه لعدم مداقتهم فى كون الوجوب الثابت سابقا غيريا ، وهذا الوجوب الذى يتكلم فى ثبوته وعدمه نفسى فلا يصدق على ثبوته البقاء ولا على عدمه السقوط والارتفاع فكما يصدق هذه الرواية لو شك بعد ورود الامر باكرم العلماء بالاستغراق الافرادى فى ثبوت حكم اكرام البعض الممكن الاكرام وسقوطه بسقوط حكم اكرام من يتعذر اكرامه كذلك يصدق لو شك بعد الامر بالمركب فى وجوب باقى الاجزاء بعد تعذر بعضه كما لا يخفى.

واما فى الثالثة فما قيل من ان جملة لا يترك خبرية لا تفيد الا الرجحان (٢) مع انه لو اريد منها الحرمة لزم مخالفة الظاهر فيها اما بحمل الجملة على مطلق المرجوحية او اخراج المندوبات ولا رجحان للتخصيص مع احتمال كون لفظ الكل للعموم الافرادى لعدم ثبوت كونه حقيقة فى الكل المجموع ولا مشتركا معنويا بينه وبين الافرادى فلعله مشترك لفظى او حقيقة خاصة فى الافرادى فيدل على ان الحكم الثابت لموضوع عام بالعموم الافرادى اذا لم يمكن الاتيان به

__________________

١ ـ حاصله بعد تسليم كون المراد من الرواية نفى الملازمة بين سقوط الحكمين لا الموضوعين انه كاف فى اثبات المطلوب بدعوى عدم الفرق عرفا بين الوجوب النفسى والغيرى ، فيقولون ان هذه الاجزاء الباقية كانت واجبة حين التمكن من الكل فهذا الوجوب باق بعد تعذر بعض اجزائه (م ق)

٢ ـ بناء على كون مطلق الرجحان اقرب المجازات فى الجملة المستعملة فى معنى الانشاء (ق)

٣٠٢

على وجه العموم لا يترك موافقته فى ما امكن من الافراد ، ويرد على الاول ظهور الجملة (١) فى الانشاء الالزامى كما ثبت فى محله مع انه اذا ثبت الرجحان فى الواجبات ثبت الوجوب لعدم القول بالفصل فى المسألة الفرعية.

واما دوران الامر بين تخصيص الموصول والتجوز فى الجملة (٢) فممنوع لان المراد بالموصول فى نفسه ليس هو العموم قطعا لشموله للافعال المباحة بل المحرمة فكما يتعين حمله على الافعال الراجحة بقرينة قوله لا يترك كذلك يتعين حمله على الواجبات بنفس هذه القرينة الظاهرة فى الوجوب.

واما احتمال كون لفظ الكل للعموم الافرادى فلا وجه له لان المراد بالموصول (٣) هو فعل المكلف وكله عبارة عن مجموعه نعم لو قام قرينة على ارادة المتعدد من الموصول بان اريد ان الافعال التى لا يدرك كلها كاكرام زيد واكرام عمرو واكرام بكر لا يترك كلها كان لما احتمله وجه ، لكن لفظ الكل حينئذ ايضا مجموعى لا افرادى اذ لو حمل على الافرادى كان المراد ما لا يدرك شيء منها لا يترك شيء منها ولا معنى له فما ارتكبه فى احتمال العموم الافرادى مما لا ينبغى له لم ينفعه فى شيء.

فثبت مما ذكرنا ان مقتضى الانصاف تمامية الاستدلال بهذه الروايات ولذا شاع بين العلماء بل بين جميع الناس الاستدلال بها فى المطالب حتى انه يعرفه العوام بل النسوان والاطفال ، ثم ان الرواية الاولى والثالثة وان

__________________

١ ـ لعل الوجه فيه بعد التبادر ان الانشاء الالزامى اقرب الى معنى الجمل الاخبارية من مطلق الرجحان (م ق)

٢ ـ اى جملة لا يترك (ق)

٣ ـ حاصله ان افادة لفظ الكل للعموم الافرادى او المجموعى تابعة للموارد فان كان مدخولة امورا متعددة مثل قوله كل دابة فى الارض افاد استغراق تلك الامور وان كان ذا اجزاء افاد استغراق تلك الاجزاء مثل اكلت الرغيف كله واشتريت العبد كله وليس الثانى بمجاز (ق)

٣٠٣

كانتا ظاهرتين فى الواجبات إلّا انه يعلم جريانها فى المستحبات بتنقيح المناط العرفى مع كفاية الرواية الثانية فى ذلك.

واما الكلام فى الشروط فنقول ان الاصل فيها ما مر فى الاجزاء من كون دليل الشرط اذا لم يكن فيه اطلاق عام بصورة التعذر وكان لدليل المشروط اطلاق فاللازم الاقتصار فى التقييد على صورة التمكن من الشرط واما القاعدة المستفادة من الروايات المتقدمة فالظاهر عدم جريانها.

اما الاولى والثالثة فاختصاصها بالمركب الخارجى واضح واما الثانية فلاختصاصها كما عرفت سابقا بالميسور الذى كان له مقتض للثبوت حتى ينفى كون المعسور سببا لسقوطه ، ومن المعلوم ان العمل الفاقد للشرط كالرقبة الكافرة مثلا لم يكن المقتضى للثبوت فيه موجودا حتى لا يسقط بتعسر الشرط وهو الايمان.

هذا ولكن الانصاف جريانها فى بعض الشروط التى يحكم العرف ولو مسامحة باتحاد المشروط الفاقد لها مع الواجد لها ، ألا ترى ان الصلاة المشروطة بالقبلة او الستر او الطهارة اذا لم يكن فيها هذه الشروط كانت عند العرف هى التى فيها هذه الشروط فاذا تعذرا احد هذه صدق الميسور على الفاقد لها ولو لا هذه المسامحة لم يجر الاستصحاب بالتقرير المتقدم ، نعم لو كان بين واجد الشرط وفاقده تغاير كلى فى العرف نظير الرقبة الكافرة بالنسبة الى المؤمنة او الحيوان الناهق بالنسبة الى الناطق وكذا ماء غير الرمان بالنسبة الى ماء الرمان لم يجر القاعدة المذكورة.

ويمكن ان يستدل على عدم سقوط المشروط بتعذر شرطه برواية عبد الاعلى مولا آل سام قال قلت لابى عبد الله عليه‌السلام عثرت فانقطع ظفرى فجعلت على اصبعى مرارة فكيف اصنع بالوضوء قال يعرف هذا واشباهه من كتاب الله عزوجل (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) امسح عليه فان معرفة حكم المسألة اعنى المسح على المرارة من آية نفى الحرج متوقفة على كون تعسر الشرط غير موجب لسقوط المشروط بان يكون المنفى بسبب الحرج مباشرة اليد الماسحة للرجل الممسوحة ولا ينتفى

٣٠٤

بانتفائه اصل المسح المستفاد وجوبه من آية الوضوء اذ لو كان سقوط المعسور وهى المباشرة موجبة لسقوط اصل المسح لم يكن معرفة وجوب المسح على المرارة من مجرد نفى الحرج لان نفى الحرج حينئذ يدل على سقوط المسح فى هذا الوضوء رأسا فيحتاج وجوب المسح على المرارة الى دليل خاص خارجى.

فرعان الاول لو دار الامر بين ترك الجزء وترك الشرط كما فى ما اذا لم يتمكن من الاتيان بزيارة عاشوراء بجميع اجزائه فى مجلس واحد على القول باشتراط اتحاد المجلس فيها فالظاهر تقديم ترك الشرط فيأتى بالاجزاء تامة فى غير المجلس لان فوات الوصف اولى من فوات الموصوف ويحتمل التخيير.

الثانى لو جعل الشارع للكل بدلا اضطراريا كالتيمم ففى تقديمه على الناقص وجهان (١) من ان مقتضى البدلية كونه بدلا عن التام فيقدم على الناقص كالمبدل ومن ان الناقص حال الاضطرار تام لانتفاء جزئية المفقود فيقدم على البدل كالتام ويدل عليه رواية عبد الاعلى المتقدمة.

الامر الثالث لو دار الامر بين الشرطية والجزئية فليس فى المقام اصل كلى (٢) يتعين به احدهما فلا بد من ملاحظة كل حكم يترتب على احدهما وانه موافق للاصل او مخالف له.

الامر الرابع لو دار الامر بين كون شيء شرطا او مانعا او بين كونه جزءا وكونه زيادة مبطلة وفى التخيير هنا لانه من دوران الامر فى ذلك الامر بين الوجوب والتحريم

__________________

١ ـ اقواهما ثانيهما لحكومة دليل الاجتزاء بالناقص وكونه تاما حال تعذر الجزء او الشرط على دليل البدل الاضطرارى (م ط ق)

٢ ـ فاذا علم اعتبار شيء وشك فى كونه على وجه الجزئية او الشرطية فاصالة البراءة متعارضة من الجانبين وتظهر الثمرة فيما لو لم يجب الستر والطهارة مثلا فى الشرائط فاذا شك فى كون الجلسة بين السجدتين جزءا او شرطا وانكشفت عورة المصلى فيها بطلت الصلاة على الجزئية دون الشرطية (م ق)

٣٠٥

ووجوب الاحتياط بتكرار العبادة وفعلها مرة مع ذلك الشيء واخرى بدونه وجهان مثاله الجهر بالقراءة فى ظهر الجمعة حيث قيل بوجوبه وقيل بوجوب الاخفات وابطال الجهر وكالجهر بالبسملة فى الركعتين الاخيرتين وكتدارك الحمد عند الشك فيه بعد الدخول فى السورة.

فقد يرجح الاول ، اما بناء على ما اخترناه من اصالة البراءة مع الشك فى الشرطية والجزئية فلان المانع من اجراء البراءة عن اللزوم الغيرى فى كل من الفعل والترك ليس إلّا لزوم المخالفة القطعية وهى غير قادحة لانها لا يتعلق بالعمل لان واحدا من فعل ذلك الشيء وتركه ضرورى مع العبادة فلا يلزم من العمل بالاصل فى كليهما معصية متيقنة كما كان يلزم فى طرح المتباينين كالظهر والجمعة مع ان ايجاب الاحتياط مع الجهل مستلزم لالقاء شرطية الجزم بالنية واقتران الواجب الواقعى بنية الاطاعة به بالخصوص مع التمكن.

هذا وقد يرجح الثانى وان قلنا بعدم وجوبه فى الشك فى الشرطية والجزئية لان مرجع الشك هنا الى المتباينين (١) لمنع جريان ادلة نفى الجزئية والشرطية عند الشك فى المقام (٢) وما ذكر من ان ايجاب الامر الواقعى المردد بين الفعل والترك مستلزم لالغاء الجزم بالنية مدفوع بالتزام ذلك ولا ضير فيه ولذا وجب تكرار الصلاة فى الثوبين المشتبهين والى الجهات الاربع وتكرار الوضوء بالماءين عند اشتباه المطلق والمضاف مع وجودهما والجمع بين الوضوء والتيمم اذا فقد احدهما مع ان ما ذكرنا فى نفى كل من الشرطية والمانعية بالاصل انما يستقيم لو كان كل من الفعل

__________________

١ ـ فان الواجب انما هو احد الخاصين الذين لا جامع بينهما بحسب الخارج حيث ان الماهية فى احدهما مقيدة بوجود ما شك فى شرطيته ومانعيته وفى الآخر بعدمه (م ط)

٢ ـ لفرض العلم الاجمالى بشرطية واحد من الفعل والترك وعدم قدحه فى العمل باصالة البراءة فيما دار بين الاقل والاكثر دون المتباينين (ق)

٣٠٦

والترك توصليا على تقدير الاعتبار وإلّا فيلزم من العمل بالاصلين مخالفة عمليه (١) كما لا يخفى.

والتحقيق انه ان قلنا بعدم وجوب الاحتياط فى الشك فى الشرطية والجزئية وعدم حرمة المخالفة القطعية للواقع اذا لم تكن عملية فالاقوى التخيير هنا وإلّا تعين الجمع بتكرار العبادة ووجهه يظهر مما ذكرنا.

المطلب الثالث فى اشتباه الواجب بالحرام بان يعلم (٢) ان احد الفعلين واجب والآخر محرم واشتبه احدهما بالآخر واما لو علم ان واحدا من الفعل والترك واجب والآخر محرم فهو خارج عن هذا المطلب لانه من دوران الامر بين الوجوب والحرمة الذى تقدم حكمه فى المطلب الثالث من مطالب الشك فى التكليف والحكم فيما نحن فيه وجوب الاتيان باحدهما وترك الآخر مخيرا فى ذلك لان الموافقة الاحتمالية فى كلا التكليفين اولى من الموافقة القطعية فى احدهما مع المخالفة القطعية فى الآخر ومنشأ ذلك ان الاحتياط لدفع الضرر المحتمل لا يحسن بارتكاب الضرر المقطوع والله اعلم.

خاتمة فيما يعتبر فى العمل بالاصل والكلام تارة فى الاحتياط واخرى فى

__________________

١ ـ يعنى فيما لم ينو القربة بالنسبة الى المشكوك فعلا او تركا وإلّا فلو كان الاتيان قريبا ولو بنحو الرجاء لم تلزم المخالفة القطعية فان المورد من قبيل دوران الامر بين الفعل والترك مع كون احدهما المعين عباديا وهو الفعل (شرح).

٢ ـ كالظهر والجمعة بناء على وجوب احداهما وحرمة الاخرى ذاتا لا تشريعا ، والحاصل ان موضوع البحث هنا فيما تعدد الموضوع بان كان هنا فعلان ودار الامر بين وجوب احدهما وحرمة الآخر سواء كانت الشبهة ناشئة من فقدان النص او اجماله او تعارضه او كانت الشبهة موضوعية لاتحاد الدليل فى كل ذلك واما اذا اتحد الموضوع بان دار الامر فى فعل بين كونه واجبا وحراما فهو خارج عن هذا المطلب وداخل فى مسائل الشك فى التكليف (م ق)

٣٠٧

البراءة ، اما الاحتياط فالظاهر انه لا يعتبر فى العمل به امر زائد على تحقق موضوعه ويكفى فى موضوعه احراز الواقع المشكوك فيه به ولو كان على خلافه دليل اجتهادى بالنسبة اليه فان قيام الخبر الصحيح على عدم وجوب شيء لا يمنع من الاحتياط فيه لعموم ادلة رجحان الاحتياط ؛ غاية الامر عدم وجوب الاحتياط وهذا مما لا خلاف فيه ولا اشكال.

انما الكلام يقع فى بعض الموارد من جهة تحقق موضوع الاحتياط واحراز الواقع كما فى العبادات المتوقفة صحتها على نية الوجه فان المشهور ان الاحتياط فيها غير متحقق الا بعد فحص المجتهد عن الطرق الشرعية المثبتة لوجه الفعل وعدم عثوره على طريق منها لان نية الوجه حينئذ ساقطة قطعا فاذا شك فى وجوب غسل الجمعة واستحبابه او فى وجوب السورة واستحبابها فلا يصح له الاحتياط باتيان الفعل قبل الفحص عن الطرق الشرعية لانه لا يتمكن من الفعل بنية الوجه والفعل بدونها غير مجد بناء على اعتبار نية الوجه لفقد الشرط فلا يتحقق قبل الفحص احراز الواقع فاذا تفحص فان عثر على دليل الوجوب او الاستحباب اتى بالفعل ناويا لوجوبه او استحبابه وان لم يعثر عليه فله ان يعمل بالاحتياط لان المفروض سقوط نية الوجه لعدم تمكنه منها وكذا لا يجوز للمقلد الاحتياط قبل الفحص عن مذهب مجتهده نعم يجوز له بعد الفحص.

ومن هنا قد اشتهر بين اصحابنا ان عبادة تارك طريقى الاجتهاد والتقليد غير صحيحة وان علم اجمالا بمطابقتها للواقع بل يجب اخذ احكام العبادات عن اجتهاد او تقليد.

ثم ان هذه المسألة اعنى بطلان عبادة تارك الطريقين يقع الكلام فيها فى مقامين لان العامل التارك فى عمله لطريقى الاجتهاد والتقليد اما ان يكون حين العمل بانيا على الاحتياط واحراز الواقع واما ان لا يكون كذلك (١) فالمتعلق بما نحن فيه

__________________

١ ـ بان كان بانيا على العمل باحد المحتملات طابق الواقع ام لا (ق)

٣٠٨

هو الاول واما الثانى فسيجيء الكلام فيه فى شروط البراءة فنقول ان الجاهل التارك للطريقين الباقى على الاحتياط على قسمين لان احرازه الواقع تارة لا يحتاج الى تكرار العمل كالآتي بالسورة فى صلاته احتياطا وغير ذلك من موارد الشك فى الشرطية والجزئية ، واخرى يحتاج الى التكرار كما فى المتباينين كالجاهل بوجوب القصر والاتمام فى سير اربع فراسخ والجاهل بوجوب الظهر او الجمعة عليه ، اما الاول فالاقوى فيه الصحة بناء على عدم اعتبار نية الوجه فى العمل والكلام فى ذلك قد حررناه فى الفقه فى نية الوضوء.

نعم لو شك فى اعتبارها ولم يقم دليل معتبر من شرع او عرف حاكم بتحقق الاطاعة بدونها كان مقتضى الاحتياط اللازم الحكم بعدم الاكتفاء بعبادة الجاهل حتى على المختار من اجراء البراءة فى الشك فى الشرطية لان هذا الشرط ليس على حد سائر الشروط المأخوذة فى المأمور به الواقعة فى حيز الامر حتى اذا شك فى تعلق الالزام به من الشارع حكم العقل بقبح المؤاخذة المسببة عن تركه والنقل بكونه مرفوعا عن المكلف بل هو على تقدير اعتباره شرط لتحقق الاطاعة وسقوط المأمور به وخروج المكلف عن العهدة ، ومن المعلوم ان مع الشك فى ذلك لا بد من الاحتياط واتيان المأمور به على وجه يقطع معه بالخروج عن العهدة ، وبالجملة فحكم الشك فى تحقق الاطاعة والخروج عن العهدة بدون الشيء غير حكم الشك فى ان امر المولى متعلق بنفس الفعل لا بشرط او به بشرط كذا والمختار فى الثانى البراءة والمتعين فى الاول الاحتياط

لكن الانصاف ان الشك فى تحقق الاطاعة بدون نية الوجه غير متحقق (١) لقطع العرف بتحققها وعدهم الآتي بالمأمور به بنية الوجه الثابت عليه فى الواقع

__________________

١ ـ لانه يمكن الجزم بعدم مدخلية قصده فى حصول الغرض بملاحظة انه لو كان له مدخلية فى ذلك كان على الشارع بيانه لئلا يخل يغرضه حيث انه كثيرا ما يغفل عنه فلا يحتمل مدخليته فى حصوله حتى يجب تحصيله مع انه ليس فى الشرع منه عين ولا اثر (الطوسى).

٣٠٩

مطيعا وان لم يعرفه تفصيلا (١) بل لا بأس بالاتيان به بقصد القربة المشتركة بين الوجوب والندب من غير ان يقصد الوجه الواقعى المعلوم للفعل اجمالا وتفصيل ذلك فى الفقه.

إلّا ان الاحوط عدم اكتفاء الجاهل عن الاجتهاد او التقليد بالاحتياط لشهرة القول بذلك بين الاصحاب ونقل غير واحد اتفاق المتكلمين على وجوب اتيان الواجب والمندوب لوجوبه او ندبه او لوجههما ونقل السيد الرضى قده اجماع اصحابنا على بطلان صلاة من صلى صلاة لا يعلم احكامها وتقرير اخيه الاجل علم الهدى قده له على ذلك فى مسئلة الجاهل بالقصر بل يمكن ان يجعل هذا ان الاتفاقان المحكيان من اهل المعقول والمنقول المعتضدان بالشهرة العظمية دليلا فى المسألة فضلا عن كونهما منشأ للشك الملزم للاحتياط كما ذكرنا.

واما الثانى وهو ما يتوقف الاحتياط فيه على تكرار العبادة فقد يقوى فى النظر ايضا جواز ترك الطريقين فيه الى الاحتياط بتكرار العبادة بناء على عدم اعتبار نية الوجه ، لكن الانصاف عدم العلم بكفاية هذا النحو من الاطاعة الاجمالية وقوة احتمال اعتبار الاطاعة التفصيلية فى العبادة بان يعلم المكلف حين الاشتغال بما يجب عليه انه هو الواجب عليه ولذا يعد تكرار العبادة لاحراز الواقع مع التمكن من العلم التفصيلى به اجنبيا عن سيرة المتشرعة بل من اتى بصلوات غير محصورة لاحراز شروط صلاة واحدة بان صلى فى موضع تردد فيه القبلة بين اربع جهات فى خمسة اثواب احدها طاهر ساجدا على خمسة اشياء احدها ما يصح السجود عليه مائة صلاة مع التمكن من صلاة واحدة يعلم فيها تفصيلا اجتماع الشروط الثلاثة يعد فى الشرع والعرف لاعبا بامر المولى ، والفرق بين الصلوات الكثيرة وصلاتين لا يرجع الى محصل.

__________________

١ ـ يعنى الوجه بان كان الفعل فى نظره مرددا بين الوجوب والاستحباب وقوله بقصد القربة يعنى القربة المطلقة وان لم يقصد الوجه الواقعى (ق)

٣١٠

نعم لو كان ممن لا يتمكن من العلم التفصيلى كان ذلك منه محمودا مشكورا وببالى ان صاحب الحدائق قده يظهر منه دعوى الاتفاق على عدم مشروعية التكرار مع التمكن من العلم التفصيلى ولقد بالغ الحلى قدس‌سره فى السرائر حتى اسقط اعتبار الشرط المجهول تفصيلا ولم يجوز التكرار المحرز له فاوجب الصلاة عاريا على من عنده ثوبان مشتبهان ولم يجوز تكرار الصلاة فيهما مع ورود النص به ، لكن من طريق الآحاد مستندا فى ذلك الى وجوب مقارنة الفعل الواجب لوجهه وكما لا يجوز الدخول فى العمل بانيا على احراز الواقع بالتكرار كذا لا يجوز بانيا على الفحص بعد الفراغ فان طابق الواقع وإلّا اعاده.

ولو دخل فى العبادة بنية الجزم ثم اتفق له ما يوجب تردده فى الصحة ووجوب الاتمام وفى البطلان ووجوب الاستيناف ففى جواز الاتمام بانيا على الفحص بعد الفراغ والاعادة مع المخالفة وعدمه وجهان من اشتراط العلم بالصحة حين العمل كما ذكرنا ولذا لم يجوز هذا من اول الامر ، وبعبارة اخرى الجزم بالنية معتبر فى الاستدامة كالابتداء ومن ان المضى فى العمل ولو مترددا بانيا على استكشاف حاله بعد الفراغ محافظة على عدم ابطال العمل المحتمل حرمته واقعا على تقدير صحته ليس بادون من الاطاعة التفصيلية ولا يأباه العرف ولا سيرة المتشرعة ، وبالجملة فما اعتمد عليه فى عدم جواز الدخول فى العمل مترددا من السيرة العرفية والشرعية غير جار فى المقام.

ويمكن التفصيل بين كون الحادث الموجب للتردد فى الصحة مما وجب على المكلف تعلم حكمه قبل الدخول فى الصلاة لعموم البلوى كاحكام الخلل الشائع وقوعها وابتلاء المكلف بها فلا يجوز لتارك معرفتها اذا حصل له التردد فى الاثناء المضى والبناء على الاستكشاف بعد الفراغ لان التردد حصل من سوء اختياره فهو فى مقام الاطاعة كالداخل فى العمل مترددا وبين كونه مما لا يتفق إلّا نادرا ولاجل ذلك لا يجب تعلم حكمه قبل الدخول للوثوق بعدم الابتلاء غالبا فيجوز هنا المضى فى العمل على الوجه المذكور هذا بعض الكلام فى الاحتياط.

٣١١

واما البراءة فان كان الشك الموجب للرجوع اليها من جهة الشبهة فى الموضوع فقد تقدم انها غير مشروطة بالفحص عن الدليل المزيل لها وان كان من جهة الشبهة فى الحكم الشرعى فالتحقيق ان ليس لها إلّا شرط واحد وهو الفحص عن الادلة الشرعية.

والكلام يقع تارة فى اصل الفحص واخرى فى مقداره اما وجوب اصل الفحص وحاصله عدم معذورية الجاهل المقصر فى التعلم فيدل عليه وجوه الاول الاجماع القطعى على عدم جواز العمل باصل البراءة قبل استفراغ الوسع فى الادلة ، الثانى الادلة الدالة على وجوب تحصيل العلم مثل آيتى النفر للتفقه وسؤال اهل الذكر والاخبار الدالة على وجوب تحصيل العلم وتحصيل التفقه والذم على ترك السؤال الثالث ما دل على مؤاخذة الجهال بفعل المعاصى المجهولة المستلزم لوجوب تحصيل العلم لحكم العقل بوجوب التحرز عن مضرة العقاب مثل قوله (ص) فيمن غسل مجدورا اصابته جنابة فكز فمات قتلوه قتلهم الله ألا سألوا ألا يمموه وقوله (ص) لمن اطال الجلوس فى بيت الخلاء لاستماع الغناء ما كان أسوأ حالك لو مت على هذه الحالة ثم امره بالتوبة وغسلها ، وما ورود فى تفسير قوله تعالى (فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ) من انه يقال للعبد يوم القيمة هل علمت فان قال نعم قيل فهل لا عملت وان قال لا قيل له هلا تعلمت حتى تعمل وما رواه القمى فى تفسير قوله تعالى (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ) نزلت فيمن اعتزل عن امير المؤمنين عليه‌السلام ولم يقاتل معه قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين فى الارض اى لم نعلم من الحق فقال الله تعالى (أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها) اى دين الله وكتابه واضحا متسعا فتنظروا فيه فترشدوا وتهتدوا به سبيل الحق.

الرابع ان العقل لا يعذر الجاهل القادر على الاستعلام فى المقام الذى نظيره فى العرفيات ما اذا ورد من يدعى الرسالة من المولى واتى بطومار يدعى ان الناظر فيه تطلع على صدق دعواه او كذبها فتامل (١) والنقل الدال على البراءة فى الشبهة الحكمية

__________________

١ ـ لعله اشارة الى ان المثال وإن كان من باب وجوب النظر الى معجزة من يدعى

٣١٢

معارض بما تقدم من الاخبار الدالة على وجوب الاحتياط حتى يسأل عن الواقعة كما فى صحيحة عبد الرحمن المتقدمة ، وما دل على وجوب التوقف بناء على الجمع بينها وبين ادلة البراءة بحملها على صورة التمكن من ازالة الشبهة.

الخامس حصول العلم الاجمالى لكل احد قبل الاخذ فى استعلام المسائل بوجود واجبات ومحرمات كثيرة فى الشريعة ومعه لا يصح التمسك باصل البراءة لما تقدم من ان مجراه الشك فى اصل التكليف لا فى المكلف به مع العلم بالتكليف وهذا الوجه لا يخلو عن نظر فراجع (١) ما ذكرنا فى رد استدلال الاخباريين على وجوب الاحتياط فى الشبهة التحريمية بالعلم الاجمالى.

وكيف كان فالاولى ما ذكر فى الوجه الرابع من ان العقل لا يعذر الجاهل القادر على الفحص كما لا يعذر الجاهل بالمكلف به العالم به اجمالا ومناط عدم المعذورية فى المقامين هو عدم قبح مؤاخذة الجاهل فيهما فاحتمال الضرر بارتكاب الشبهة غير مندفع بما يأمن معه من ترتب الضرر ، ألا ترى انهم حكموا باستقلال العقل لوجوب النظر فى معجزة مدعى النبوة وعدم معذوريته فى تركه مستندين فى ذلك الى وجوب دفع الضرر المحتمل لا الى انه شك فى المكلف به ، هذا كله مع ان

__________________

ـ النبوة حيث انهم حكموا باستقلال العقل به وبعدم معذوريته فى تركه مستندين فى ذلك الى وجوب دفع الضرر المحتمل إلّا ان الشك فى بعض الاحكام بعد الايمان والاذعان بكثير منها مثل ذلك ، كما يظهر من مراجعة الوجدان واتفاق العقلاء على استحقاق العبد للعقاب فيما خالف مولاه فى واحد من اوامره ونواهيه قد شك فيه ولم يتفحص عنه اصلا (شرح)

١ ـ حاصله انحلال العلم الاجمالى فانه بعد البناء على حجية كثير من الاخبار المدونة فى الكتب المعتبرة لا يبقى للعلم الاجمالى بوجود واجبات ومحرمات كثيرة فى الوقائع المشتبهة اثر بالنسبة الى الوقائع التى لا يمكن استفادة حكمها من تلك الاخبار للعلم بحجيتها ودلالتها على واجبات ومحرمات كثيرة يحتمل انحصار التكاليف الواقعية المعلومة بالاجمال فيها (الهمدانى)

٣١٣

فى الوجه الاول وهو الاجماع القطعى كفاية ، ثم ان فى حكم اصل البراءة كل اصل عملى خالف الاحتياط.

بقى الكلام فى حكم الاخذ بالبراءة مع ترك الفحص والكلام اما فى استحقاقه العقاب واما فى صحة العمل الذى اخذ فيه بالبراءة اما العقاب فالمشهور انه عدا مخالفة الواقع لو اتفقت فاذا شرب العصير العنبى من غير فحص عن حكمه فان لم يتفق كونه حراما واقعا فلا عقاب ولو اتفقت حرمته كان العقاب على شرب العصير لا على ترك التعلم.

اما الاول فلعدم المقتضى للمؤاخذة (١) عدا ما يتخيل من ظهور ادلة وجوب الفحص وطلب تحصيل العلم فى الوجوب النفسى ، وهو مدفوع بان المستفاد من ادلته بعد التأمل انما هو وجوب الفحص لئلا يقع فى مخالفة الواقع كما لا يخفى او ما يتخيل من قبح التجرى بناء على ان الاقدام على ما لا يؤمن كونه مضرة كالاقدام على ما يعلم كونه كذلك كما صرح به جماعة منهم الشيخ فى العدة و ١ ـ بو المكارم فى الغنية لكنا قد اسلفنا الكلام فيه صغرى وكبرى.

واما الثانى فلوجود (٢) المقتضى وهو الخطاب الواقعى الدال على وجوب الشيء وتحريمه ولا مانع منه على ما يتخيل من جهل المكلف به وهو غير قابل للمنع عقلا ولا شرعا ، اما العقل فلا يقبح مؤاخذة الجاهل التارك للواجب اذا علم ان بناء الشارع على تبليغ الاحكام على النحو المعتاد المستلزم لاختفاء بعضها لبعض الدواعى وكان قادرا على ازالة الجهل عن نفسه.

واما النقل فقد تقدم عدم دلالته على ذلك فان الظاهر منها ولو بعد ملاحظة ما تقدم ومن ادلة الاحتياط الاختصاص بالعاجز مضافا الى ما تقدم فى بعض الاخبار المتقدم فى الوجه الثالث المؤيدة بغيرها مثل رواية تيمم عمار المتضمنة

__________________

١ ـ اى عدم العقاب اذا لم يتفق كونه حراما (ق)

٢ ـ يعنى ترتب العقاب على مخالفة الواقع (ق)

٣١٤

لتوبيخ النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اياه بقوله أفلا صنعت هكذا ؛ وقد يستدل ايضا بالاجماع على مؤاخذة الكفار على الفروع مع انهم جاهلون بها ، وفيه ان معقد الاجماع تساوى الكفار والمسلمين فى التكليف بالفروع كالاصول ومؤاخذتهم عليها بالشروط المقررة للتكليف وهذا لا ينفى دعوى اشتراط العلم بالتكليف فى حق المسلم والكافر.

وقد خالف فيما ذكرنا صاحب ك تبعا لشيخه المحقق الاردبيلى حيث جعلا عقاب الجاهل على ترك التعلم لقبح تكليف الغافل وفهم منه بعض المدققين انه قول بالعقاب على ترك المقدمة دون ذى المقدمة ، ويمكن توجيه كلامه (١) بارادة استحقاق عقاب ذى المقدمة حين ترك المقدمة فان من شرب العصير العنبى غير ملتفت حين الشرب الى احتمال كونه حراما قبح توجه النهى اليه فى هذا الزمان لغفلته وانما يعاقب على النهى الموجه اليه قبل ذلك حين التفت الى ان فى الشريعة تكاليف لا يمكن امتثالها الا بعد معرفتها فاذا ترك المعرفة عوقب عليه من حيت افضائه الى مخالفة تلك التكاليف ففى زمان الارتكاب لا تكليف لانقطاع التكاليف حين ترك المقدمة وهى المعرفة ونظيره من ترك قطع المسافة فى آخر ازمنة الامكان حيث انه يستحق ان يعاقب عليه لافضائه الى

__________________

١ ـ وجه كلام الاردبيلى وصاحب المدارك ره بوجهين احدهما انهما ارادا الاستحقاق على ذى المقدمة ونفس الواقع المتروك إلّا انه حاصل فى زمان ترك المقدمة فيستحق المكلف عقاب شرب الخمر بترك التعلم الموجب للغفلة بعد حصول التنبيه والالتفات وعقاب ترك الحج بترك السفر الذى لا يقدر بعده الى السفر ، وثانيهما ارادا الاستحقاق على ترك نفس المقدمة واما ذو المقدمة فهو غير مكلف به فلا عقاب عليه واليه اشار بقوله ومن هنا قد يلتجئ : ووجه كلام المشهور بوجوه ثلاثة استحقاق العقاب على الواقع مع بقاء التكليف الى زمان المخالفة ، واستحقاقه عليه عند المخالفة مع سقوط التكليف عند ترك المقدمة ، واستحقاقه عليه حين ترك المقدمة (شرح)

٣١٥

ترك الافعال الحج فى ايامها ولا يتوقف استحقاق عقابه على حضور زمان ايام الحج وافعاله.

و (ح) فان اراد المشهور (١) توجه النهى الى الغافل حين زمان غفلته فلا ريب فى قبحه وان ارادوا استحقاق العقاب على المخالفة وان لم يتوجه اليه نهى وقت المخالفة فان ارادوا ان الاستحقاق على المخالفة وقت المخالفة لا قبلها لعدم تحقق معصية ففيه انه لا وجه لترقب حضور زمان المخالفة لصيرورة الفعل مستحيل الوقوع لاجل ترك المقدمة مضافا الى شهادة العقلاء قاطبة بحسن مؤاخذة من رمى سهما لا يصيب زيدا ولا يقتله إلّا بعد مدة مديدة بمجرد الرمى وان ارادوا استحقاق العقاب فى زمان ترك المعرفة على ما يحصل بعد من المخالفة فهو حسن لا محيص عنه.

هذا ولكن بعض كلماتهم ظاهرة فى الوجه الاول وهو توجه النهى الى الجاهل (٢) حين عدم التفاته فانهم يحكمون بفساد الصلاة فى المغصوب جاهلا بالحكم لان الجاهل كالعامد وان التحريم لا يتوقف على العلم به ولو لا توجه النهى اليه حين المخالفة لم يكن وجه لبطلان الصلاة بل كان كناسى الغصبية.

والاعتذار عن ذلك بانه يكفى فى البطلان اجتماع الصلاة المأمور بها مع ما هو مبغوض فى الواقع ومعاقب عليه ولو لم يكن منهيا عنه بالفعل.

مدفوع مضافا الى عدم صحته فى نفسه بانهم صرحوا بصحة صلاة من توسط

__________________

١ ـ حاصله انه لا محيص لهم عن القول بالوجه الاخير وهو الذى حمل عليه كلام الاردبيلى اولا (شرح)

٢ ـ حاصله ان شرطية شيء فى العبادة اذا نشأت من النهى التكليفى كاباحة المكان الناشئة من النهى عن الغصب فمقتضاه انتفاء الشرطية عند ارتفاع النهى والحكم بالصحة لدى الجهل بذلك الحكم فحكم المشهور بفساد صلاة الجاهل دليل على بقاء النهى (م ق)

٣١٦

ارضا مغصوبة فى حال الخروج عنها لعدم النهى عنه وان كان آثما بالخروج إلّا ان يفرق بين المتوسط للارض المغصوبة وبين الغافل بتحقق المبغوضية فى الغافل وامكان تعلق الكراهة الواقعية بالفعل المغفول عن حرمته مع بقاء الحكم الواقعى بالنسبة اليه لبقاء الاختيار فيه وعدم ترخيص الشارع للفعل فى مرحلة الظاهر بخلاف المتوسط فانه يقبح منه تعلق الكراهة الواقعية بالخروج كالطلب الفعلى لتركه لعدم التمكن من ترك الغصب.

ومما ذكرنا من عدم الترخيص يظهر الفرق بين جاهل الحكم وجاهل الموضوع (١) المحكوم بصحة عبادته مع الغصب وان فرض فيه الحرمة الواقعية ، نعم يبقى الاشكال (٢) فى ناسى الحكم خصوصا المقصر وللتأمل فى حكم عبادته مجال بل تامل بعضهم فى ناسى الموضوع لعدم ترخيص الشرعى من جهة الغفلة فافهم.

ومما يؤيد ارادة المشهور للوجه الاول دون الاخير انه يلزم حينئذ (٣) عدم العقاب فى التكاليف الموقتة التى لا تتنجز على المكلف الا بعد دخول اوقاتها فاذا فرض غفلة المكلف عند الاستطاعة عن تكليف الحج ، والمفروض ان لا تكليف قبلها فلا سبب هنا لاستحقاق العقاب رأسا اما حين الالتفات الى امتثال

__________________

١ ـ فان الترخيص للفعل ثابت مع الجهل بالموضوع لعدم وجوب الفحص فى الشبهة الموضوعية دون الجهل بالحكم (ق)

٢ ـ اذا المتيقن من حكم المشهور البطلان فى الجهل بالحكم دون نسيانه مع انه فى حكم الجهل سيما اذا كان عن تقصير ولعل الامر بالتامل اشارة الى مساواة حكمها لدى المشهور وان لم يظهر من كلماتهم.

٣ ـ فانه لا ريب فى عدم تنجز التكليف بالواجبات المشروطة قبل تحقق شروط وجوبها فاذا حصلت الغفلة عنها قبل تحققها يرتفع التكليف عنها رأسا اما قبل تحقق شروطها فواضح واما بعده فلفرض عروض الغفلة (م ق)

٣١٧

تكليف الحج فلعدم التكليف به لفقد الاستطاعة واما بعد الاستطاعة فلفقد الالتفات وحصول الغفلة وكذلك الصلاة والصيام بالنسبة الى اوقاتها.

ومن هنا قد يلتجئ الى ما لا يأباه كلام صاحب ك ومن تبعه من ان العلم واجب نفسى والعقاب على تركه من حيث هو لا من حيث افضائه الى المعصية اعنى ترك الواجبات وفعل المحرمات المجهولة تفصيلا وما دل بظاهره من الادلة المتقدمة على كون وجوب تحصيل العلم من باب المقدمة محمول على بيان الحكمة فى وجوبه وان الحكمة فى ايجابه لنفسه صيرورة المكلف قابلا للتكليف بالواجبات والمحرمات حتى لا يفوته منفعة التكليف بها ولا يناله مضرة اهماله عنها فانه قد يكون الحكمة فى وجوب الشيء لنفسه صيرورة المكلف قابلا للخطاب بل الحكمة الظاهرة فى الارشاد وتبليغ الانبياء والحجج عليهم‌السلام ليس إلّا صيرورة الناس عالمين قابلين للتكاليف.

لكن الانصاف ظهور ادلة وجوب العلم فى كونه واجبا غيريا مضافا الى ما عرفت من الاخبار فى الوجه الثالث الظاهرة فى المؤاخذة على نفس المخالفة ويمكن ان يلتزم (ح) باستحقاق العقاب على ترك تعلم التكاليف الواجب مقدمة وان كانت مشروطة بشروط مفقودة حين الالتفات الى ما يعلمه اجمالا من الواجبات المطلقة والمشروطة لاستقرار بناء العقلاء فى مثال الطومار المتقدم على عدم الفرق فى المذمة على ترك التكاليف المسطورة فيه بين المطلقة والمشروطة فتامل ، هذا خلاصة الكلام بالنسبة الى عقاب الجاهل التارك للفحص العامل بما يطابق البراءة.

واما الكلام فى الحكم الوضعى وهى صحة العمل الصادر من الجاهل وفساده فيقع الكلام فيه تارة فى المعاملات (١) واخرى فى العبادات ،

اما المعاملات فالمشهور فيها ان العبرة فيها بمطابقة الواقع ومخالفتها سواء وقعت عن احد الطريقين اعنى الاجتهاد والتقليد ام لا عنهما فاتفقت مطابقة للواقع لانها من قبيل الاسباب لامور

__________________

١ ـ بالمعنى الاعم اعنى ما لا يحتاج صحته الى قصد القربة (ق)

٣١٨

شرعية فالعلم والجهل لا مدخل له فى تاثيرها وترتب المسببات عليها فمن عقد على امرأة عقدا لا يعرف تاثيره فى حلية الوطى فانكشف بعد ذلك صحته كفى فى صحته من حين وقوعه ، وكذا لو انكشف فساده رتب عليه حكم الفاسد من حين الوقوع وكذا من ذبح ذبيحة بفري ودجيه فانكشف كونه صحيحا او فاسد او لو رتب عليه اثرا قبل الانكشاف فحكمه فى العقاب ما تقدم من كونه مراعى بمخالفة الواقع كما اذا وطئها فان العقاب عليه مراعى.

واما حكمه الوضعى كما لو باع لحم تلك الذبيحة فحكمه كما ذكرنا هنا من مراعاته حتى ينكشف الحال ولا اشكال فيما ذكرنا بعد ملاحظة ادلة سببية تلك المعاملات ولا خلاف ظاهرا فى ذلك ايضا الا من بعض مشايخنا المعاصرين قده.

وربما يتوهم الفساد فى معاملة الجاهل من حيث الشك فى ترتب الاثر على ما يوقعه فلا يتأتى منه قصد الانشاء فى العقود والايقاعات ، وفيه ان قصد الانشاء انما يحصل بقصد تحقق مضمون الصيغة وهو الانتقال فى البيع والزوجية فى النكاح وهذا يحصل مع القطع بالفساد شرعا فضلا عن الشك فيه ، ألا ترى ان الناس يقصدون التمليك فى القمار وبيع المغصوب وغيرهما من البيوع الفاسدة ، ومما ذكرنا يظهر انه لا فرق فى صحة معاملة الجاهل مع انكشافها بعد العقد بين شكه فى الصحة حين صدورها وبين قطعه بفسادها فافهم هذا كله حال المعاملات.

واما العبادات فملخص الكلام فيها انه اذا اوقع الجاهل عبادة عمل فيها بما يقتضيه البراءة كان صلى بدون السورة فان كان حين العمل متزلزلا فى صحة عمله بانيا على الاقتصار عليه فى الامتثال فلا اشكال فى الفساد (١) وان انكشف الصحة بعد ذلك بلا خلاف فى ذلك ظاهرا لعدم تحقق نية القربة لان الشاك فى كون المأتى به موافقا للمامور به كيف يتقرب به.

__________________

١ ـ كيف وكان ذا مع ما نحن فيه فى طرفى الافراط والتفريط حيث ان فيه مراعاة احتمال الامر وفيما نحن فيه الاكتفاء بالاحتمال فى امتثال الامر المعلوم (الطوسى)

٣١٩

وما يرى من الحكم بالصحة فيما شك فى صدور الامر به على تقدير صدوره كبعض الصلوات والاغسال التى لم يرد بها نص معتبر واعادة بعض العبادات الصحيحة ظاهرا من باب الاحتياط فلا يشبه ما نحن فيه لان الامر على تقدير وجوده هناك لا يمكن قصد امتثاله الا بهذا النحو فهو اقصى ما يمكن هناك بخلاف ما نحن فيه حيث يقطع بوجود امر من الشارع فان امتثاله لا يكون إلّا باتيان ما يعلم مطابقته له واتيان ما يحتمله لاحتمال مطابقته له لا يعد اطاعة عرفا.

وكيف كان فالعامل بما يقتضيه البراءة مع الشك حين العمل لا يصلح عبادته وان انكشف مطابقته للواقع اما لو غفل عن ذلك او سكن فيه الى قول من يسكن اليه من ابويه وامثالهما فعمل باعتقاد التقرب فهو خارج عن محل كلامنا الذى هو فى عمل الجاهل الشاك قبل الفحص بما يقتضيه البراءة اذ مجرى البراءة فى الشاك دون الغافل ومعتقد الخلاف فالاقوى صحته اذا انكشف مطابقته للواقع اذ لا يعتبر فى العبادة إلّا اتيان المأمور به على قصد التقرب ؛ والمفروض حصوله والعلم بمطابقته للواقع او الظن بها من طريق معتبر شرعى غير معتبر فى صحة العبادة لعدم الدليل فان ادلة وجوب رجوع المجتهد الى الادلة ورجوع المقلد الى المجتهد انما هى لبيان الطرق الشرعية التى لا يقدح مع موافقتها مخالفة الواقع لا لبيان اشتراط كون الواقع ماخوذا من هذه الطرق كما لا يخفى على من لاحظها.

ثم ان مرآة مطابقة العمل (١) الصادر للواقع العلم بها او الطريق الذى يرجع اليه المجتهد او المقلد ، وتوهم ان ظن المجتهد او فتواه لا يؤثر فى الواقعة السابقة غلط لان مؤدى ظنه نفس الحكم الشرعى الثابت للاعمال الماضية والمستقبلة ؛ واما ترتيب الاثر على الفعل الماضى فهو بعد الرجوع فان فتوى المجتهد بعدم وجوب السورة كالعلم فى ان اثرها قبل العلم عدم وجوب السورة فى الصلاة وبعد العمل عدم وجوب اعادة الصلاة الواقعة من غير سورة كما تقدم نظير ذلك فى المعاملات

__________________

١ ـ الوجوه الاربعة المذكورة فى الامر الآتي جارية فيها (م ق)

٣٢٠