الرسائل الجديدة والفرائد الحديثة

الشيخ علي المشكيني

الرسائل الجديدة والفرائد الحديثة

المؤلف:

الشيخ علي المشكيني


الموضوع : أصول الفقه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٣٥

لو استظهر من وجوب الوفاء بالعقد عموم لا ينتقض بجواز نقضه فى زمان بالاضافة الى غيره من الازمنة صح ما ذكره المحقق قده لكنه بعيد ولهذا رجع الى الاستصحاب فى المسألة جماعة من متأخرى المتأخرين تبعا للمسالك إلّا ان بعضهم قيده يكون مدرك الخيار فى الزمان الاول هو الاجماع لا ادلة نفى الضرر لاندفاع الضرر بثبوت الخيار فى الزمن الاول ولا اجد وجه لهذا التفصيل لان نفى الضرر (١) انما نفى لزوم العقد ولم يحدد زمان الجواز فان كان عموم ازمنة وجوب الوفاء يقتصر فى تخصيصه على ما يندفع به الضرر ويرجع فى الزائد الى العموم فالاجماع ايضا كذلك يقتصر فيه على معقده.

والثانى ما ذكره بعض من قارب عصرنا من الفحول من ان الاستصحاب المخالف للاصل دليل شرعى مخصص للعمومات ولذا ترى الفقهاء يستدلون على الشغل (٢) والنجاسة والتحريم بالاستصحاب فى مقابلة ما دل على البراءة الاصلية وطهارة الاشياء وحليتها ومن ذلك استنادهم الى استصحاب النجاسة والتحريم فى صورة الشك فى ذهاب ثلثى العصير وفى كون التحديد (٣) تحقيقيا او تقريبيا وفى صيرورته

__________________

١ ـ حاصله انا ان قلنا يكون عموم الوفاء عموما ازمانيا مكثرا للموضوع فلا فرق بين كون المخصص اجماعا او قاعدة الضرر فى عدم صحة الاستصحاب اذ العام يثبت حكم ما بعد زمان التخصيص والاجماع والقاعدة لا يثبتان حكم المغبون فى الزمان الثانى ، وان قلنا بكون العموم مستتبعا لدوام الحكم فقط غير مكثر للافراد بحسب الازمان فلا فرق ايضا فى جواز الاستصحاب اذ كما يصح استصحاب حكم الاجماع يصح حكم الضرر (م ق)

٢ ـ كاستصحاب شغل الذمة بالدين عند الشك فى ادائه فى مقابل قوله (ع) كل شيء لك مطلق واستصحاب نجاسة الاناء فى مقابل قوله (ع) كل شيء لك طاهر ، واستصحاب حرمة الشيء فى مقابل قوله (ع) كل شيء لك حلال (شرح)

٣ ـ اى التحديد بالثلثين فى العصير ، وقوله فى صيرورته قبل الذهاب : بان علم بحصول الحلية والطهارة بذهاب الثلثين ولكن شك فى حصولهما بصدق اسم

٤٠١

قبل ذهاب الثلثين دبسا الى غير ذلك انتهى كلامه على ما لخصه بعض المعاصرين ولا يخفى ما فى ظاهره لما عرفت من ان مورد جريان العموم لا يجرى الاستصحاب حتى لو لم يكن عموم ومورد جريان الاستصحاب لا يرجع الى العموم ولو لم يكن استصحاب.

ثم ما ذكره من الامثلة خارج عن مسئلة تخصيص الاستصحاب للعمومات لان الاصول المذكورة بالنسبة الى الاستصحاب ليست من قبيل العام بالنسبة الى الخاص كما سيجيء فى تعارض الاستصحاب مع غيره من الاصول ، نعم لو فرض الاستناد فى اصالة الحلية الى عموم حل الطيبات وحل الانتفاع بما فى الارض امكن جعل المثالين الآخرين مثالا لمطلبه دون المثال الاول لانه من قبيل الشك فى موضوع الحكم الشرعى لا فى نفسه ففى الاول يستصحب عنوان الخاص وفى الثانى يستصحب حكمه وهو الذى يتوهم كونه مخصصا للعموم دون الاول.

الامر العاشر قد اجرى بعضهم الاستصحاب فى ما اذا تعذر بعض اجزاء المركب فيستصحب وجوب الباقى الممكن وهو بظاهره كما صرح به بعض المحققين غير صحيح لان الثابت سابقا قبل تعذر بعض الاجزاء وجوب هذه الاجزاء الباقية تبعا لوجوب الكل ومن باب المقدمة وهو مرتفع قطعا والذى يراد ثبوته بعد تعذر البعض هو الوجوب النفسى الاستقلالى وهو معلوم الانتفاء سابقا ويمكن

__________________

ـ الدبس قبل ذهابهما فتصير الشبهة (ح) حكمية كما فى المثال الثانى ، وقوله ليست من قبيل العام : بل من باب الحكومة او الورود كما سيجيء ، وقوله نعم لو فرض : بان كان مستند الحل والطهارة العمومات الاجتهادية لا عمومات الاصول ، وقوله فى المثالين : اى مثال التحديد ومثال الدبس والمراد بالاول مثال الشك فى ذهاب الثلثين لكون الشك فى الاولين حكميا فيستصحب فيها حكم العصير فيخصص به عموم الحل والطهارة وفى الثالث عنوان الموضوع وهو عدم ذهاب الثلثين فيتحقق به موضوع الحرمة والنجاسة ولا دخل له فى تخصيص عموم الحل والطهارة (م ق)

٤٠٢

توجيهه (١) بناء على ما عرفت من جواز ابقاء القدر المشترك فى بعض الموارد ولو علم بانتفاء الفرد المشخص له سابقا بان المستصحب هو مطلق المطلوبية المتحققة سابقا لهذا الجزء ولو فى ضمن مطلوبية الكل إلّا ان العرف لا يرونها مغايرة فى الخارج لمطلوبية الجزء فى نفسه.

ويمكن توجيهه بوجه آخر يستصحب معه الوجوب النفسى بان يقال ان معروض الوجوب سابقا والمشار اليه بقولنا هذا الفعل كان واجبا هو الباقى إلّا انه يشك فى مدخلية الجزء المفقود فى اتصافه بالوجوب النفسى مطلقا او اختصاص المدخلية بحال الاختيار فيكون محل الوجوب النفسى هو الباقى ووجوب ذلك الجزء المفقود وعدمه عند العرف فى حكم الحالات المتبادلة لذلك الواجب المشكوك فى مدخليتها وهذا نظير استصحاب الكرية فى ماء نقص منه مقدار فشك فى بقائه على الكرية فيقال هذا الماء كان كرا والاصل بقاء كريته مع ان هذا الشخص الموجود الباقى لم يعلم بكريته وكذا استصحاب القلة فى ماء زيد عليه مقدار.

ويظهر فائدة مخالفة التوجيهين فيما اذا لم يبق الا قليل من اجزاء المركب

__________________

١ ـ توضيحه ان المعتبر فى جريان الاستصحاب اتحاد القضية المتيقنة والمشكوك فيها ومبنى الاشكال فى المقام على تغاير القضيتين فى المحمول حيث كان المحمول فى الاولى هو الوجوب الغيرى التبعى وفى الثانية هو الوجوب النفسى ولا بد فى تصحيح دعوى اتحادهما من ارتكاب المسامحة اما فى المحول كما فى التوجيه الاول او فى الموضوع كما فى الثانى وذلك لان الاول مبنى على صحة استصحاب القدر المشترك ودعوى اتحاده مع الفرد الذى اريد اثباته بالمسامحة العرفية ليخرج الاصل بذلك عن كونه مثبتا والثانى مبنى على المسامحة فى موضوع المستصحب بدعوى كون الاجزاء الباقية هو عين الاجزاء المتيسرة سابقا وانتقاء بعض الاجزاء من قبيل تبادل حالات الموضوع فى نظر العرف (م ق)

٤٠٣

فانه يجرى التوجيه الاول (١) دون الثانى لان العرف لا يساعد على فرض الموضوع بين هذا الموجود وبين جامع الكل ولو مسامحة لان هذه المسامحة مختصة بمعظم الاجزاء الفاقد لما لا يقدح فى اثبات الاسم والحكم له وفى ما لو كان المفقود شرطا فانه لا يجرى الاستصحاب (٢) على الاول ويجرى على الاخير وحيث ان بناء العرف على عدم اجراء الاستصحاب فى فاقد معظم الاجزاء واجرائه فى فاقد الشرط كشف عن فساد توجيه الاول وصحة الاخير ، لكن الاشكال بعد فى الاعتماد على هذه المسامحة العرفية المذكورة إلّا ان الظاهر ان استصحاب الكرية من المسلمات عند القائلين بالاستصحاب والظاهر عدم الفرق ، ثم انه لا فرق بناء على جريان الاستصحاب بين تعذر الجزء بعد تنجز التكليف كما اذا زالت الشمس متمكنا من جميع الاجزاء ففقد بعضها وبين ما اذا فقده قبل الزوال لان المستصحب هو الوجوب النوعى المنجز على تقدير اجتماع شرائطه لا الشخصى المتوقف على تحقق الشرائط فعلا ، نعم هنا اوضح (٣).

ثم انه قد استدل فى المعتبر والمنتهى على وجوب غسل ما بقى من اليد المقطوعة مما دون المرفق ان غسل الجميع بتقدير وجود ذلك البعض واجب فاذا زال البعض لم يسقط الآخر انتهى وهذا الاستدلال يحتمل ان يراد منه مفاد قاعدة الميسور لا يسقط بالمعسور ولذا أبدله فى الذكرى بنفس القاعدة ويحتمل ان يراد منه الاستصحاب بان يراد هذا الموجود بتقدير وجود المفقود فى زمان سابق

__________________

١ ـ اذ لا مدخل لفقد معظم الاجزاء فى استصحاب القدر المشترك من الوجوب (م ق)

٢ ـ لان معروض الوجوب فى حال التمكن من الشرائط هى نفس الاجزاء لا هى مع الشرائط لانها شرائط لوقوع الاجزاء صحيحة فوجوب الاجزاء حين التمكن لم تكن تبعيا عبريا حتى يستصحب القدر المشترك بينه وبين النفسى (م ق)

٣ ـ لكون الاستصحاب على الاول معلقا وعلى الثانى منجزا (ق)

٤٠٤

واجب فاذا زال البعض لم يعلم سقوط الباقى والاصل عدمه او لم يسقط بحكم الاستصحاب

الامر الحادى عشر انه لا فرق فى احتمال خلاف الحالة السابقة بين ان يكون مساويا لاحتمال بقائه او راجحا عليه بامارة غير معتبرة ويدل عليه ان المراد بالشك فى الروايات معناه اللغوى وهو خلاف اليقين كما فى الصحاح ولا خلاف فيه ظاهرا ودعوى انصراف المطلق فى الروايات الى معناه الاخص وهو الاحتمال المساوى لا شاهد لها بل يشهد بخلافها مضافا الى تعارف اطلاق الشك فى الاخبار على المعنى الاعم موارد من الاخبار منها مقابلة الشك باليقين فى جميع الاخبار

ومنها قوله فى صحيحة زرارة الاولى فان حرك الى جنبه شيء وهو لا يعلم به فان ظاهره فرض السؤال فيما كان معه امارة النوم ومنها قوله عليه‌السلام لا حتى يستيقن حيث جعل غاية بقاء الوضوء الاستيقان بالنوم ومجيء امر بين منه ومنها قوله عليه‌السلام ولكن تنقضه بيقين آخر فان الظاهر سوقه فى مقام بيان حصر ناقض اليقين باليقين ومنها قوله عليه‌السلام فى صحيحة زرارة الثانية فلعله شىء اوقع عليك وليس ينبغى لك ان تنقض اليقين بالشك فان كلمة لعل ظاهرة فى مجرد الاحتمال خصوصا مع وروده فى مقام ابداء ذلك كما فى المقام فيكون الحكم متفرعا عليه ومنها تفريع قوله عليه‌السلام صم للرؤية وافطر للرؤية على قوله عليه‌السلام اليقين لا يدخله الشك.

هذا كله على تقدير اعتبار الاستصحاب من باب التعبد المستنبط من الاخبار واما على تقدير اعتباره من باب الظن الحاصل من تعبد المستصحب فى السابق فظاهر كلماتهم انه لا يقدح فيه ايضا وجود الامارة الغير المعتبرة فيكون العبرة فيه عندهم بالظن النوعى وان كان الظن الشخصى على خلافه ولذا تمسكوا به فى مقامات غير محصورة على الوجه الكلى من غير التفات الى وجود الامارات الغير المعتبرة فى خصوصيات الموارد.

٤٠٥

خاتمة ذكر بعضهم للعمل بالاستصحاب شروطا كبقاء الموضوع وعدم المعارض ووجوب الفحص ، والتحقيق رجوع الكل (١) الى شروط جريان الاستصحاب وتوضيح ذلك انك قد عرفت ان الاستصحاب عبارة عن ابقاء ما شك فى بقائه وهذا لا يتحقق إلّا مع الشك فى بقاء القضية المحتملة فى السابق بعينها فى الزمان اللاحق والشك على هذا الوجه لا يتحقق إلّا بامور.

الاول بقاء الموضوع فى الزمان اللاحق والمراد به معروض المستصحب فاذا اريد استصحاب قيام زيدا ووجوده فلا بد من تحقق زيد فى الزمان اللاحق على النحو الذى كان معروضا فى السابق سواء كان تحققه فى السابق بتقرره ذهنا او بوجوده خارجا فزيد معروض للقيام فى السابق بوصف وجوده الخارجى وللوجود بوصف تقرره ذهنا لا وجوده الخارجى.

وبهذا اندفع ما استشكله بعض فى امر كلية اعتبار بقاء الموضوع فى الاستصحاب بانتقاضها باستصحاب وجود الموجودات عند الشك فى بقائها زعما منه ان المراد ببقائه وجوده الخارجى الثانوى وغفلة عن ان المراد وجوده الثانوى على نحو وجوده الاولى الصالح لان يحكم عليه بالمستصحب وبنقيضه وإلّا لم يجز ان يحمل عليه المستصحب فى الزمان السابق ، فالموضوع فى استصحاب حيوة زيد هو زيد

__________________

١ ـ حاصله ان شرط العمل بالاستصحاب هو الذى يشترط فيه بعد تمامية موضوعه وشمول ادلته كعدم اصل معارض له ونحوه وليست الشروط المذكورة كذلك بل هى محقق لموضوعه وشرائط لتحقق اركانه ، اما الاول فلانه مع عدم بقاء الموضوع يكون اجراء الاستصحاب تعدية لحكم موضوع الى موضوع آخر لا ابقاء للحكم على موضوعه ، واما الثانى اعنى عدم وجود الدليل على خلافه فلعدم بقاء موضوعه مع وجود امارة على خلافه كما سيجيء ، واما الفحص فمع احتمال وجود دليل حاكم لا مجال له بعد وجود العلم الاجمالى للاحكام وعدم شمول دليله صورة العلم الاجمالى (شرح)

٤٠٦

القابل لان يحكم عليه بالحياة تارة وبالموت اخرى وهذا المعنى لا شك فى تحققه عند الشك فى بقاء حياته.

ثم الدليل على اعتبار هذا الشرط فى جريان الاستصحاب واضح لانه لو لم يعلم تحققه لاحقا فاذا اريد بقاء المستصحب العارض له المتقوم به فاما ان يبقى فى غير محل وموضوع وهو محال واما ان يبقى فى موضوع غير الموضوع السابق ، ومن المعلوم ان هذا ليس ابقاء لنفس ذلك العارض وانما هو حكم بحدوث عارض مثله فى موضوع جديد فيخرج عن الاستصحاب ومما ذكرنا يعلم ان المعتبر هو العلم ببقاء الموضوع ولا يكفى احتمال البقاء اذ لا بد من العلم بكون الحكم بوجود المستصحب ابقاء والحكم بعدمه نقضا.

اذا عرفت ما ذكرنا فاعلم انه كثير اما يقع الشك فى الحكم من جهة الشك فى ان موضوعه ومحله هو الامر الزائل ولو بزوال قيده المأخوذ فى موضوعيته حتى يكون الحكم مرتفعا او هو الامر الباقى والزائل ليس موضوعا ولا مأخوذا فيه فلو فرض شك فى الحكم كان من جهة اخرى غير الموضوع كما يقال ان حكم النجاسة فى الماء المتغير موضوعه نفس الماء والتغير علة محدثة للحكم فيشك فى عليته للبقاء فلا بد من ميزان يميز به القيود المأخوذة فى الموضوع عن غيرهما وهو احد امور.

الاول العقل فيقال ان مقتضاه (١) كون جميع القيود قيودا للموضوع مأخوذة

__________________

١ ـ توضيحه ان الاستصحاب هو اثبات عين الحكم السابق لعين الموضوع السابق والحكم بالعينية لا يتم عقلا الا بعد احراز جميع القيود المحتمل اخذها فى موضوع الحكم السابق فتكون جميع القيود المحتملة عند العقل فى حكم القيود المعلوم اخذها فى الموضوع فى وجوب احرازها فى جريان الاستصحاب ، ثم ان جميع القيود المذكورة فى الكلام سواء أكانت قيودا للموضوع او المحمول راجعة فى الحقيقة الى قيود

٤٠٧

فيه فيكون الحكم ثابتا لامر واحد يجمعها وذلك لان كل قضية وان كثرت قيودها المأخوذة فيها راجعة فى الحقيقة الى موضوع واحد ومحمول واحد فاذا شك فى ثبوت الحكم السابق بعد زوال بعض تلك القيود سواء علم كونه قيدا للموضوع او للمحمول او لم يعلم احدهما فلا يجوز الاستصحاب لانه اثبات عين الحكم السابق لعين الموضوع السابق ولا يصدق هذا مع الشك فى احدهما نعم لو شك بسبب تغير الزمان (١) المجعول ظرفا للحكم كالخيار لم يقدح فى جريان الاستصحاب لان الاستصحاب مبنى على الغاء خصوصية الزمان الاول فالاستصحاب فى الحكم الشرعى لا يجرى إلّا فى الشك من جهة الرافع ذاتا او وصفا (٢) وفيما كان من جهة مدخلية الزمان ، نعم يجرى فى الموضوعات الخارجية (٣) باسرها ثم لو لم يعلم مدخلية القيود فى الموضوع كفى فى عدم جريان الاستصحاب الشك فى بقاء الموضوع على ما عرفت مفصلا.

الثانى ان يرجع فى معرفة الموضوع للاحكام الى الادلة ويفرق بين قوله الماء المتغير نجس وبين قوله الماء يتنجس اذا تغير فيجعل الموضوع فى الاول الماء المتلبس بالتغير فيزول الحكم بزواله وفى الثانى نفس الماء فيستصحب

__________________

ـ الموضوع فاذا قيل الماء ينجس اذا تغير فهو فى معنى قولنا الماء المتغير ينجس وكذا اذا قيل ان جاء زيد فاكرمه فهو فى معنى قولنا يجب اكرام زيد الجائى (م ق)

١ ـ حاصله دعوى صحة الغاء خصوصية الزمان فيما اعتبر من باب الظرفية خاصة للمتيقن السابق وكانت سببية تغير الزمان للشك فى بقاء الحكم لاجل احتمال انقضاء استعداده بسبب طول الزمان كما يظهر من تمثيله بالخيار (م ق)

٢ ـ اى فى وجود الرافع او رافعية الموجود ، ووجه الجريان فى الشك من جهتهما عدم امكان اخذ عدم الرافع فى الموضوع لاستلزامه الدور (الطوسى)

٣ ـ لعل الوجه فيه ما تقدم منه ره من دعوى بقاء الموضوع دائما فى استصحاب وجود الموضوع (م ق)

٤٠٨

النجاسة لو شك فى مدخلية التغير فى بقائها وهكذا وعلى هذا فلا يجرى الاستصحاب فيما كان الشك من غير جهة الرافع اذا كان الدليل غير لفظى (١) لا يتميز فيه الموضوع لاحتمال مدخلية القيد الزائل فيه.

الثالث ان يرجع فى ذلك الى العرف (٢) فكل مورد يصدق عرفا ان هذا كان كذا سابقا جرى فيه الاستصحاب وان كان المشار اليه لم يعلم بالتدقيق او بملاحظة الادلة كونه موضوعا بل علم عدمه مثلا قد ثبت بالادلة ان الانسان طاهر والكلب نجس فاذا ماتا حكم العرف (٣) بارتفاع طهارة الاول وبقاء نجاسة الثانى مع عدم صدق الارتفاع والبقاء فيهما بحسب التدقيق لان الطهارة والنجاسة

__________________

١ ـ حاصله انه قد يكون الموضوع مجملا ثابتا بدليل لبى من اجماع ونحوه بان ثبت بالاجماع مثلا نجاسة الماء المتغير او الكلب وشك فى ان موضوع النجاسة هو الماء بوصف التغير والكلب بعنوان انه كلب او ذات الماء فى الاول ومطلق الجسم فى الثانى إلّا ان الوصف سبب لعروض الحكم دون بقائه فاذا ازال التغير او صار الكلب ملحا فى المملحة لم يجر استصحاب النجاسة لعدم العلم ببقاء الموضوع (م ق)

٢ ـ ان قلت ما الفرق بين هذا الوجه والوجه السابق مع ان المتبع فى تعيين مدلول الدليل هو فهم العرف ، قلت الفرق ان المرجع فى الوجه السابق هو ما يفهمونه من الدليل ابتداء بخلاف هذا الوجه فان المتبع فيه هو نظرهم بحسب ما ارتكز فى اذهانهم من المناسبة بين الحكم والموضوع بلا مساعدة الدليل بل ولو مع دلالته على خلافه ، مثلا يكون الموضوع فى خطاب الكلب نجس حسبما يساعده ظاهر الخطاب بحسب فهمهم هو الكلب فى حال حياته لكنه بحسب نظرهم هو جسمه ولو بعد مماته (الطوسى)

٣ ـ فان حكمهم بارتفاع طهارة الاول وبقاء نجاسة الثانى دليل على كون موضوع الطهارة والنجاسة عندهم اعم مما كان حيوانا او جمادا وإلّا لم يصدق الارتفاع والبقاء (ق)

٤٠٩

كانتا محمولتين على الحيوانين المذكورين فلا معنى لصدق ارتفاع الاول وبقاء الثانى وقد ارتفعت الحيوانية بعد صيرورته جمادا ونحوه حكم العرف باستصحاب بقاء الزوجية بعد موت احد الزوجين وقد تقدم حكم العرف ببقاء كرية ما كان كرا سابقا ووجوب الاجزاء الواجبة سابقا قبل تعذر بعضها واستصحاب السواد فيما علم زوال مرتبة معينة منه ويشك فى تبدله بالبياض او بسواد خفيف الى غير ذلك.

ثم ان بعض المتأخرين فرق بين استحالة نجس العين والمتنجس فحكم بطهارة الاول لزوال الموضوع دون الثانى لان موضوع النجاسة فيه ليس عنوان المستحيل اعنى الخشب مثلا وانما هو الجسم ولم يزل بالاستحالة وهو حسن فى بادئ النظر إلّا ان دقيق النظر يقتضى خلافه اذ لم يعلم ان النجاسة فى المتنجسات محمولة على الصورة الجنسية وهى الجسم وقولهم كل جسم لاقى نجسا فهو نجس لبيان حدوث النجاسة فى الجسم بسبب الملاقاة من غير تعرض للمحل الذى يتقوم به كما اذا قال القائل ان كل جسم له خاصية وتأثير مع كون الخواص والتأثيرات من عوارض الانواع.

نعم الفرق بين المتنجس والنجس ان الموضوع فى النجس معلوم الانتفاء فى ظاهر الدليل وفى المتنجس محتمل البقاء لكن هذا المقدار لا يوجب الفرق بعد تبين ان العرف هو المحكم فى موضوع الاستصحاب أرأيت انه لو حكم على الحنطة (١) او العنب بالحلية او الحرمة او النجاسة او الطهارة هل يتأمل العرف فى اجراء تلك الاحكام على الدقيق والزبيب كما لا يتأملون فى عدم جريان الاستصحاب فى استحالة الخشب دخانا والماء المتنجس بولا لمأكول اللحم خصوصا اذا

__________________

١ ـ غرضه انه لو ثبت فرق بين الحكم الاصلى والعرضى عند العرف لوجب ان يكون الامر بالعكس فى المثالين لتغير ما هو موضوع فى ظاهر الادلة فى الاول دون الثانى فان الموضوع فى الثانى على زعم مدعى الفرق هى الصورة الجنسية وهى باقية بعد الاستحالة ، وقوله كما ان العلماء : اى قبل الفاضل الهندى الذى فرق بينهما (ق)

٤١٠

اطلعوا على زوال النجاسة بالاستحالة كما ان العلماء لم يفرقوا ايضا فى الاستحالة بين النجس والمتنجس كما لا يخفى على المتتبع.

فالتحقيق ان مراتب تغير الصورة فى الاجسام مختلفة بل الاحكام ايضا مختلفة (١) ففى بعض مراتب التغير يحكم العرف بجريان دليل العنوان من غير حاجة الى الاستصحاب وفى بعض آخر لا يحكمون بذلك ويثبتون الحكم بالاستصحاب وفى ثالث لا يجرون الاستصحاب ايضا من غير فرق فى حكم النجاسة بين النجس والمتنجس.

فمن الاول ما لو حكم على الرطب او العنب بالحلية او الطهارة او النجاسة فان الظاهر جريان عموم ادلة هذه الاحكام للتمر والزبيب فكانهم يفهمون من الرطب والعنب الاعم مما جف منهما فصار تمرا او زبيبا مع ان الظاهر تغير الاسمين ولهذا لو حلف على ترك احدهما لم يحنث باكل الآخر والظاهر انهم لا يحتاجون فى اجراء الاحكام المذكورة الى الاستصحاب.

ومن الثانى اجراء حكم بول غير المأكول اذا صار بولا لمأكول وبالعكس وكذا صيرورة الخمر خلا وصيرورة الكلب او الانسان جمادا بالموت إلّا ان الشارع حكم فى بعض هذه الموارد بارتفاع الحكم السابق اما للنص كما فى الخمر المستحيل خلا واما لعموم ما دل على حكم المنتقل اليه فان الظاهر ان استفادة طهارة المستحال اليه اذا كان بولا لمأكول ليس من اصالة الطهارة بعد عدم جريان الاستصحاب بل هو من الدليل نظير استفادة نجاسة بول المأكول اذا صار بولا لغير المأكول ومن الثالث استحالة العذرة او الدهن المتنجس دخانا والمنى حيوانا ولو نوقش فى بعض الامثلة المذكورة فالمثال غير عزيز على المتتبع المتأمل.

الامر الثانى مما يعتبر فى تحقق الاستصحاب ان يكون فى حال الشك متيقنا

__________________

١ ـ فطهارة العنب او ملكيته تسرى الى الزبيب ، واما لو حلف ان لا ياكل العنب فلا يحنث ياكل الزبيب (شرح)

٤١١

بوجود المستصحب فى السابق حتى يكون شكه فى البقاء فلو كان الشك فى تحقق نفس ما تيقنه سابقا كان تيقن عدالة زيد فى زمان كيوم الجمعة مثلا ثم شك فى نفس هذا المتيقن وهو عدالته يوم الجمعة بان زال مدرك اعتقاده السابق فشك فى مطابقته للواقع او كونه جهلا مركبا لم يكن هذا من مورد الاستصحاب لغة ولا اصطلاحا ، اما الاول فلان الاستصحاب لغة اخذ الشيء مصاحبا فلا بد من احراز ذلك حتى ياخذه مصاحبا فاذا شك فى حدوثه من أصله فلا استصحاب.

واما اصطلاحا فانهم اتفقوا على اخذ الشك فى البقاء او ما يؤدى هذا المعنى فى معنى الاستصحاب ، نعم لو ثبت ان الشك بعد اليقين بهذا المعنى ملغى فى نظر الشارع فهى قاعدة اخرى مباينة للاستصحاب سنتكلم فيها بعد دفع توهم من توهم ان ادلة الاستصحاب يشملها وان مدلولها لا يختص بالشك فى البقاء بل الشك بعد اليقين ملغى مطلقا سواء تعلق بنفس ما تيقنه سابقا ام ببقائه.

وتوضيح دفعه (١) ان المناط فى القاعدتين مختلف بحيث لا يجمعهما مناط واحد فان مناط الاستصحاب هو اتحاد متعلق الشك واليقين مع قطع النظر عن الزمان لتعلق الشك ببقاء ما تيقن سابقا ولازمه كون القضية المتيقنة اعنى عدالة زيد يوم الجمعة متيقنة حين الشك ايضا من غير جهة الزمان ومناط هذه القاعدة

__________________

١ ـ حاصل كلامه ان مناط اعتبار الاستصحاب حصول اليقين بحدوث الشيء والشك فى بقائه بمعنى تعلق اليقين بالوجود الاول والشك بالوجود الثانى ؛ ومناط اعتبار الشك السارى حصول اليقين بحدوث الشيء اولا ثم عروض الشك فى نفس الحدوث بان شك فى صحة اعتقاده السابق او كونه جهلا مركبا ، فعلى الاول يكون متعلق اليقين والشك متحدا مع قطع النظر عن تغاير زمان المتيقن والمشكوك فيه لما عرفت من تعلق اليقين بالحدوث والشك بالبقاء ولازمه كون القضية المتيقنة اعنى عدالة زيد يوم الجمعة متيقنة حين الشك ايضا من غير جهة للزمان وعلى الثانى يكون متعلقهما متحدا من جهة الزمان بمعنى كونه فى الزمان اللاحق شاكا فيما تيقنه اولا بوصف وجوده فى السابق (م ق)

٤١٢

اتحاد متعلقهما من جهة الزمان ومعناه كونه فى الزمان اللاحق شاكا فيما تيقنه سابقا بوصف وجوده فى السابق فإلغاء الشك فى القاعدة الاولى عبارة عن الحكم ببقاء المتيقن سابقا من حيث انه متيقن من غير تعرض لحال حدوثه وفى القاعدة الثانية هو الحكم بحدوث ما تيقن حدوثه من غير تعرض لحكم بقائه فقد يكون بقائه معلوما او معلوم العدم او مشكوكا.

واختلاف مؤدى القاعدتين وان لم يمنع من ارادتهما من كلام واحد بان يقول الشارع اذا حصل بعد اليقين بشيء شك له تعلق بذلك الشيء فلا عبرة به سواء تعلق ببقائه او بحدوثه واحكم بالبقاء فى الاول وبالحدوث فى الثانى إلّا انه مانع عن ارادتهما فى هذا المقام (١) من قوله (ع) فليمض على يقينه فان المضى على اليقين السابق المفروض تحققه فى القاعدتين اعنى عدالة زيد يوم الجمعة بمعنى الحكم بعدالته فى ذلك اليوم من غير تعرض بعدالته فيما بعده كما هو مفاد القاعدة الثانية يغاير المضى عليه بمعنى عدالته بعد يوم الجمعة من غير تعرض لحال يوم الجمعة كما هو مفاد قاعدة الاستصحاب فلا يصح ارادة المعنيين منه.

ثم اذا ثبت عدم جواز ارادة المعنيين فلا بد ان يختص مدلولها بقاعدة الاستصحاب لورودها فى موارد تلك القاعدة كالشك فى الطهارة من الحدث والخبث ودخول هلال شهر رمضان او شوال هذا كله لو اريد من القاعدة الثانية اثبات نفس المتيقن عند الشك وهى عدالة زيد فى يوم الجمعة مثلا اما لو اريد منها اثبات عدالته يوم الجمعة مستمرة الى زمان الشك وما بعده الى اليقين بطرو

__________________

١ ـ لانه لا يمكن الجمع بينهما فيما اذا لم يكن هنا لفظ يحكى عنهما بمفهومه بعموم او اطلاق بل كان ارادتهما بالجمع بين اللحاظين فى خطاب واحد قصد به ضرب كلتا القاعدتين ، ضرورة امتناع الانشاء الواحد بلحاظين متنافيين ، لحاظ المتيقن مع زمانه ولحاظه بدوند والنظر الى ثبوته فى زمان قطع بثبوته فيه من دون نظر الى بقائه والنظر الى خصوص بقائه (م ط)

٤١٣

الفسق فيلزم استعمال الكلام فى معنيين حتى لو اريد منه القاعدة الثانية فقط كما لا يخفى لان الشك فى عدالة زيد يوم الجمعة غير الشك فى استمرارها الى الزمان اللاحق وقد تقدم نظير ذلك فى قوله كل شيء طاهر حتى تعلم انه قذر

بقى الكلام فى وجود مدرك للقاعدة الثانية غير عموم هذه الاخبار لها ، فنقول ان المطلوب من تلك القاعدة اما ان يكون اثبات حدوث المشكوك فيه وبقائه مستمرا الى اليقين بارتفاعه واما ان يكون مجرد حدوثه فى الزمان السابق بدون اثباته بعده بان يراد اثبات عدالة زيد فى يوم الجمعة فقط واما ان يراد مجرد امضاء الآثار التى ترتب عليها سابقا وصحة الاعمال الماضية المتفرعة عليه كما اذا تيقن الطهارة سابقا وصلى بها ثم شك فى طهارته فى ذلك الزمان فصلاته ماضية.

فان اريد الاول فالظاهر عدم دليل يدل عليه اذ قد عرفت انه لو سلم اختصاص الاخبار المعتبرة لليقين السابق بهذه القاعدة لم يمكن ان يراد منه اثبات حدوث العدالة وبقائها لان لكل من الحدوث والبقاء شكا مستقلا وربما يتوهم الاستدلال لاثبات هذا المطلب بما دل على عدم الاعتناء بالشك فى الشيء بعد تجاوز محله لكنه فاسد لانه على تقدير الدلالة لا يدل على استمرار المشكوك لان الشك فى الاستمرار ليس شكا بعد تجاوز محله واضعف منه (١) الاستدلال له بما سيجيء من دعوى اصالة الصحة فى اعتقاد المسلم مع انه كالاول فى عدم اثباته الاستمرار وكيف كان فلا مدرك لهذه القاعدة بهذا المعنى.

وان اريد بها الثانى فلا مدرك له بعد عدم دلالة اخبار الاستصحاب الا ما تقدم من اخبار عدم الاعتناء بالشك بعد تجاوز المحل لكنها لو تمت فانما تنفع

__________________

١ ـ وجه الأضعفية ان الحمل على الصحة فرع قابلية المحمول للصحة والفساد وصفة الاعتقاد ليست كذلك لان المدار فى جواز العمل به وعدمه على حصول نفس الصفة وعدمه وليس له قسم صحيح يجوز العمل به وقسم فاسد لا يجوز العمل به (م ق)

٤١٤

فى الآثار المترتبة عليه سابقا فلا يثبت بها الا صحة ما ترتب عليها واما اثبات نفس ما اعتقده سابقا حتى يترتب عليه بعد ذلك الآثار (١) المرتبة على عدالة زيد يوم الجمعة وطهارة ثوبه فى الوقت السابق فلا فضلا عن اثبات مقارناته الغير الشرعية مثل كونها على تقدير الحدوث باقية.

وان اريد بها الثالث فله وجه بناء على تمامية قاعدة الشك بعد الفراغ وتجاوز المحل فاذا صلى بالطهارة المعتقدة ثم شك فى صحة اعتقاده وكونه متطهرا فى ذلك الزمان بنى على صحة الصلاة لكنه ليس من جهة اعتبار الاعتقاد السابق ولذا لو فرض فى السابق غافلا غير معتقد لشيء من الطهارة والحدث بنى على الصحة ايضا من جهة ان الشك فى الصلاة بعد الفراغ منها لا اعتبار به على المشهور بين الاصحاب خلافا لجماعة من متأخرى المتأخرين كصاحب المدارك وكاشف اللثام حيث منعا البناء على صحة الطواف اذا شك بعد الفراغ فى كونه مع الطهارة والظاهر كما يظهر من الاخير انهم يمنعون القاعدة المذكورة فى غير اجزاء العمل ولعل بعض الكلام فى ذلك سيجيء فى مسئلة اصالة الصحة فى الافعال إن شاء الله.

وحاصل الكلام فى هذا المقام هو انه اذا اعتقد المكلف قصورا او تقصيرا بشيء فى زمان موضوعا كان او حكما اجتهاديا او تقليديا ثم زال اعتقاده فلا ينفع اعتقاده السابق فى ترتب آثار المعتقد بل يرجع بعد زوال الاعتقاد الى ما يقتضيه الاصول بالنسبة الى نفس المعتقد (٢) والى الآثار المترتبة عليه سابقا او لاحقا.

__________________

١ ـ كما اذا كان من آثار عدالة زيد يوم الجمعة اكرامه بعد شهر كما ان الصلاة بعد مدة مديدة من آثار الغسل بما تيقن طهارته قبل الشك (شرح)

٢ ـ فاذا علم فسق المجتهد قبل يوم الجمعة ثم اعتقد عدالته يوم الجمعة فصلى معه وعمل بفتاواه ثم شك فى يوم السبت فى عدالته يوم الجمعة لا يجوز له الاقتداء به والعمل بفتاواه فى زمان الشك استصحابا لفسقه السابق ولكن يحكم بصحة اعماله فى يوم الجمعة عملا بقاعدة الفراغ الحاكمة على الاستصحاب (م ق)

٤١٥

الثالث ان يكون كل من بقاء ما احرز حدوثه سابقا وارتفاعه غير معلوم فلو علم احدهما فلا استصحاب وهذا مع العلم بالبقاء او الارتفاع واقعا من دليل قطعى واقعى واضح وانما الكلام فيما اقامه الشارع مقام العلم بالواقع فان الشك الواقعى فى البقاء والارتفاع لا يزول معه ولا ريب فى العمل به دون الحالة السابقة ، لكن الشأن فى ان العمل به من باب تخصيص ادلة الاستصحاب او من باب التخصص الظاهر انه من باب حكومة (١) ادلة تلك الامور على ادلة الاستصحاب وليس تخصيصا بمعنى رفع اليد عن عموم ادلة الاستصحاب فى بعض موارده كما رفع اليد عنها فى مسئلة الشك بين الثلث والاربع ونحوها بما دل على وجوب البناء على الاكثر ولا تخصصا بمعنى خروج المورد بمجرد وجود الدليل عن مورد الاستصحاب لان هذا مختص بالدليل العلمى المزيل وجوده للشك المأخوذ فى مجرى الاستصحاب

ومعنى الحكومة على ما سيجيء فى باب التعارض ان يحكم الشارع فى ضمن دليل بوجوب رفع اليد عما يقتضيه الدليل الآخر لو لا هذا الدليل الحاكم او بوجوب

__________________

١ ـ حاصله انعقاد الاجماع على تقديم الدليل الاجتهادى على الاستصحاب اما لوروده عليه ان افاد العلم لرفع موضوعه حقيقة ، واما لحكومته ان لم يفده ومعنى الحكومة حكم الشارع فى ضمن دليل بوجوب رفع اليد عما يقتضيه الدليل المحكوم ، كأدلة العسر بالنسبة الى سائر العمومات المثبتة للتكليف لانها مفسرة لها فقول الشارع صم شهر رمضان بعد ضمه الى ادلة العسر بمنزلة ان يقول يجب عليك الصوم الذى لا يستلزم العسر فخصص موضوع الصوم بغير موارد العسر او بوجوب العمل فى مورد بحكم لا يقتضيه دليل المحكوم لو لا الحاكم كالبينة القائمة على كون زيد عالما فهى معممة لموضوع اكرم العلماء فالحكومة تارة بعنوان التخصيص واخرى بعنوان التعميم ، ففيما نحن فيه اذا قامت البينة على نجاسة شيء مستصحب الطهارة فالشارع حكم فى ضمن دليل البينة بالغاء احتمال خلافها فحكم بالغاء احتمال الطهارة وهو موضوع الاستصحاب لان موضوعه احتمال بقاء ما كان (م ق)

٤١٦

العمل فى مورد بحكم لا يقتضيه دليله لو لا الدليل الحاكم وسيجيء توضيحه إن شاء الله ففيما نحن فيه اذا قال الشّارع اعمل بالبينة فى نجاسة ثوبك والمفروض ان الشك موجود مع قيام البينة على نجاسة الثوب فان الشارع حكم فى دليل وجوب العمل بالبينة برفع اليد عن آثار الاحتمال المخالف للبينة التى منها استصحاب الطهارة وربما يجعل العمل بالادلة فى مقابل الاستصحاب من باب التخصيص بناء على ان المراد من الشك هو عدم الدليل والطريق والتحير فى العمل ومع قيام الدليل الاجتهادى لا حيرة وان شئت قلت المراد به عدم اليقين الظاهرى فان المفروض دليلا قطعى الاعتبار فنقض الحالة السابقة به نقض باليقين ، ثم المراد بالدليل الاجتهادى كل امارة اعتبرها الشارع من حيث انها تحكى عن الواقع ويكشف عنه بالقوة ويسمى فى نفس الاحكام ادلة اجتهادية وفى الموضوعات امارة معتبرة فما كان مما نصبه الشارع غير ناظر الى الواقع او كان ناظرا لكن فرض ان الشارع اعتبره لا من هذه الحيثية بل من حيث مجرد احتمال مطابقته للواقع فليس اجتهاديا وهو من الاصول وان كان مقدما على بعض الاصول الأخر والظاهر ان الاستصحاب والقرعة من هذا القبيل.

ومصاديق الادلة والامارات فى الاحكام والموضوعات واضحة غالبا وقد يختفى فيتردد الشيء بين كونه دليلا وبين كونه اصلا لاختفاء كون اعتباره من حيث كونه ناظرا الى الواقع او من حيث هو كما فى اليد المنصوبة دليلا على الملك وكذلك اصالة الصحة عند الشك فى عمل نفسه بعد الفراغ واصالة الصحة فى عمل الغير وقد يعلم عدم كونه ناظرا الى الواقع وكاشفا عنه وانه من القواعد التعبدية لكن يختفى حكومته مع ذلك على الاستصحاب لانا قد ذكرنا انه قد يكون الشيء الغير الكاشف منصوبا من حيث تنزيل الشارع الاحتمال المطابق له منزلة الواقع إلّا ان الاختفاء فى تقديم احد التنزيلين على الآخر وحكومته عليه.

٤١٧

ثم انه لا ريب فى تقديم الاستصحاب على الاصول الثلاثة اعنى البراءة والاحتياط والتخيير إلّا انه قد يختفى وجهه على المبتدى فلا بد من التكلم هنا فى مقامات.

الاول فى عدم معارضة الاستصحاب لبعض الامارات التى يتراءى كونها من الاصول كاليد ونحوها ، الثانى فى حكم معارضة الاستصحاب للقرعة ونحوها ، الثالث فى عدم معارضة ساير الاصول للاستصحاب اما الكلام فى المقام الاول فيقع فى مسائل.

الاولى ان اليد (١) مما لا يعارضها الاستصحاب بل هى حاكمة عليه بيان ذلك ان اليد ان قلنا بكونها من الامارات المنصوبة دليلا على الملكية من حيث كون الغالب فى مواردها كون صاحب اليد مالكا او نائبا عنه وان اليد المستقلة الغير المالكية قليل بالنسبة اليها وان الشارع انما اعتبر هذه الغلبة تسهيلا على العباد فلا اشكال فى تقديمها على الاستصحاب على ما عرفت من حكومة ادلة الامارات على دليل الاستصحاب وان قلنا بانها غير كاشفة بنفسها عن الملكية او انها كاشفة ، لكن اعتبار الشارع بها ليس من هذه الحيثية بل جعلها فى محل الشك تعبدا لتوقف استقامة معاملات العباد على اعتبارها نظير اصالة الطهارة كما يشير اليه قوله (ع) فى ذيل رواية حفص بن غياث الدالة على الحكم بالملكية على ما فى يد المسلمين ولو لا ذلك لما قام للمسلمين سوق فالاظهر ايضا تقديمها على الاستصحاب اذ لو لا هذا لم يجز التمسك بها فى اكثر المقامات فيلزم المحذور المنصوص وهو اختلال السوق و

__________________

١ ـ المراد باليد تسلط الشخص على التصرف فى مال ونحوه وسلطنته على القلب والانقلاب فيه وهى كاشفة عن ملكية المتصرف كشفا انيا وحاكية عنها حكاية المعلول عن علته لاجل الغلبة ، فاذا رايت زيدا مسلطا على مال لم يكن له سابقا يكون معنى اماريتها ان الشارع حكم فى ضمن حجيتها بالغاء احتمال خلافها وهو احتمال بقاء المال على حاله السابق فتكون اليد حاكمة على الاستصحاب (شرح)

٤١٨

بطلان الحقوق اذ الغالب العلم بكون ما فى اليد مسبوقا بكونه ملكا للغير كما لا يخفى.

واما حكم المشهور (١) بانه لو اعترف ذو اليد بكونه سابقا ملكا للمدعى انتزع منه العين إلّا ان يقيم البينة على انتقالها اليه فليس من تقديم الاستصحاب بل لاجل ان دعوية الملكية فى الحال اذا انضمت الى اقراره بكونه قبل ذلك للمدعى يرجع الى دعوى انتقالها اليه فينقلب مدعيا والمدعى منكرا ولذا لو لم يكن فى مقابله مدع لم يقدح هذه الدعوى منه فى الحكم بملكيته او كان فى مقابله مدع لكن اسند الملك السابق الى غيره كما لو قال فى جواب زيد المدعى اشتريته من عمرو بل يظهر مما ورد فى محاجة على عليه‌السلام مع ابى بكر فى امر فدك المروية فى الاحتجاج انه لم تقدح فى تشبث فاطمة (ع) باليد دعواها تلقى الملك من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع انه قد يقال انها (ح) صارت مدعية لا تنفعها اليد.

وكيف كان فاليد على تقدير كونها من الاصول التعبدية ايضا مقدمة على الاستصحاب لان الشارع نصبها فى مورد الاستصحاب ، وان شئت قلت ان دليلها اخص من عمومات الاستصحاب هذا مع ان الظاهر من الفتوى والنص الوارد فى اليد مثل رواية حفص بن غياث ان اعتبار اليد امر كان مبنى عمل الناس فى امورهم وقد امضاه الشارع ولا يخفى ان عمل العرف عليها من باب الامارة لا من باب الاصل التعبدى.

واما تقديم البينة على اليد وعدم ملاحظة التعارض بينهما اصلا فلا يكشف عن كونها من الاصول لان اليد انما جعلت امارة على الملك عند الجهل بسببها والبينة مبينة بسببها والسر فى ذلك ان مستند الكشف فى اليد هى الغلبة والغلبة انما يوجب

__________________

١ ـ دفع لتوهم تقديم المشهور هنا الاستصحاب على اليد ، وحاصل الدفع ان التقديم هنا للاقرار لا للاستصحاب (ق)

٤١٩

الحاق المشكوك بالاعم الاغلب فاذا كان فى مورد الشك امارة معتبرة تزيل الشك فلا يبقى مورد للالحاق ولذا كانت جميع الامارات فى انفسها مقدمة على الغلبة وحال اليد مع البينة حال اصالة الحقيقة فى الاستعمال على مذهب السيد مع امارات المجاز بل حال مطلق الظاهر والنص فافهم.

المسألة الثانية فى ان اصالة الصحة فى العمل بعد الفراغ عنه (١) لا يعارض بها الاستصحاب اما لكونها من الامارات كما يشعر به (٢) قوله (ص) فى بعض روايات الاصل هو حين يتوضأ اذكر منه حين يشك واما لانها وان كانت من الاصول إلّا ان الامر بالاخذ بها فى مورد الاستصحاب يدل على تقديمها عليه فهى خاصة بالنسبة اليه يخصص بادلتها ادلته ولا اشكال فى شيء من ذلك.

انما الاشكال فى تعيين مورد ذلك الاصل من وجهين احدهما من جهة تعيين معنى الفراغ والتجاوز المعتبر فى الحكم بالصحة وانه هل يكتفى به او يعتبر الدخول فى غيره وان المراد بالغير ما هو ، الثانى من جهة ان الشك فى وصف الصحة للشيء ملحق بالشك فى اصل الشيء ام لا وتوضيح الاشكال من الوجهين موقوف على ذكر الاخبار الواردة فى هذه القاعدة ليزول ببركة تلك الاخبار كل شبهة حدثت او تحدث فى

__________________

١ ـ ظاهره اختصاص مورد هذه القاعدة بفعل نفس الشاك ومورد قاعدة حمل فعل المسلم على الصحة بفعل غير الحامل فالنسبة بين القاعدتين تباين ولذا فصل بينهما وجعلهما قاعدتين وان ادعى بعض اعمية قاعدة الصحة كما سيجيء (شرح)

٢ ـ لانه بمنزلة العلة وحاصلها ان الغالب فى مورد القاعدة هو التفات الفاعل الى فعله وصفته من الصحة والفساد والعاقل الملتفت لا يتعمد الى ترك الفعل او الى ايقاعه على وجه الفساد مع كونه مطلوبا منه على وجه الصحة فغلبة كونه ملتفتا جعلت امارة على ايجاد الصحيح ، وقوله فى مورد الاستصحاب : لان الشك فى مورد القاعدة اما فى صفة الفعل او فى وقوعه والاصل عدم كل منهما فلو لم تكن القاعدة مقدمة على الاستصحاب لغى اعتبارها (م ق)

٤٢٠