الرسائل الجديدة والفرائد الحديثة

الشيخ علي المشكيني

الرسائل الجديدة والفرائد الحديثة

المؤلف:

الشيخ علي المشكيني


الموضوع : أصول الفقه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٣٥

سقط حال العجز يعنى العجز عن اتيان الفعل الجامع للشرائط مجزوما به

الثانى ان النية فى كل من الصلوات المتعددة على الوجه المتقدم فى مسئلة الظهر والجمعة ، وحاصله انه ينوى فى كل منهما فعلها احتياطا لاحراز الواجب الواقعى المردد بينها وبين صاحبها تقريبا الى الله على ان يكون التقرب علة للاحراز الذى جعل غاية للفعل ، ويترتب على هذا انه لا بد من ان يكون حين فعل احدهما عازما على فعل الآخر اذ النية المذكورة لا يتحقق بدون ذلك فان من قصد الاقتصار على احد الفعلين ليس قاصدا لامتثال الواجب الواقعى على كل تقدير ، نعم هو قاصد لامتثاله على تقدير مصادفة هذا المحتمل له لا مطلقا وهذا غير كاف فى العبادات المعلوم وقوع التعبد بها نعم لو احتمل كون الشيء عبادة كغسل الجنابة اكتفى فيه بقصد الامتثال على تقدير تحقق الامر به ، لكن ليس هنا تقدير آخر يراد منه التعبد على ذلك التقدير ، فغاية ما يمكن قصده هنا هو التعبد على طريق الاحتمال بخلاف ما نحن فيه مما علم فيه ثبوت التعبد باحد الامرين فانه لا بد فيه من الجزم بالتعبد.

الثالث ان الظاهر ان وجوب كل من المحتملات عقلى لا شرعى لان الحاكم بوجوبه ليس إلّا العقل من باب وجوب دفع العقاب المحتمل على تقدير ترك احد المحتملين حتى انه لو قلنا بدلالة اخبار الاحتياط على وجوب ذلك كان وجوبه من باب الارشاد وقد تقدم الكلام فى ذلك فى فروع الاحتياط فى الشك فى التكليف وعلى ما ذكرنا فلو ترك المصلى المتحير فى القبلة او الناسى لفائتة جميع المحتملات لم يستحق الا عقابا واحدا وكذا لو ترك المحتملات واتفق مصادفته للواجب الواقعى ولو لم يصادف لم يستحق عقابا من جهة مخالفة الامر به نعم قد يقال باستحقاقه العقاب من جهة التجرى وتمام الكلام فيه قد تقدم.

الرابع لو انكشف مطابقة ما اتى به للواقع قبل فعل الباقى اجزأ عنها لانه صلى الصلاة الواقعية قاصدا للتقرب بها الى الله وان لم يعلم حين الفعل

٢٦١

ان المقرب هو هذا الفعل اذ لا فرق بين ان يكون الجزم بالعمل ناشيا عن تكرار الفعل او ناشيا عن انكشاف الحال.

الخامس لو فرض محتملات الواجب غير محصورة لم يسقط الامتثال (١) فى الواجب المردد باعتبار شرطه كالصلاة الى القبلة المجهولة وشبهها قطعا اذ غاية الامر سقوط الشرط فلا وجه لترك المشروط رأسا ، واما فى غيره مما كان نفس الواجب مرددا فالظاهر ايضا عدم سقوطه ولو قلنا بجواز ارتكاب الكل فى الشبهة الغير المحصورة لان فعل الحرام لا يعلم (٢) هناك به الا بعد الارتكاب بخلاف ترك الكل هنا فانه يعلم به مخالفة الواجب الواقعى حين المخالفة.

وهل يجوز الاقتصار على واحد اذ به يندفع محذور المخالفة ام يجب الاتيان بما تيسر من المحتملات وجهان من ان التكليف باتيان الواقع ساقط فلا مقتضى لايجاب مقدماته العلمية وانما وجب الاتيان بواحد فرارا من المخالفة القطعية ومن ان اللازم بعد الالتزام بحرمة مخالفة الواقع مراعاته مهما امكن وعليه بناء العقلاء فى اوامرهم العرفية والاكتفاء بالواحد التخييرى عن الواقع انما يكون مع نص الشارع عليه ، واما مع عدمه وفرض حكم العقل بوجوب مراعاة الواقع فيجب مراعاته حتى يقطع بعدم العقاب اما لحصول الواجب واما لسقوطه بعدم تيسر الفعل وهذا لا يحصل إلّا بعد الاتيان بما تيسر وهذا هو الاقوى وهذا الحكم مطرد فى كل مورد وجد المانع من الاتيان ببعض غير معين من المحتملات ولو طرأ المانع من بعض معين منها ففى الوجوب كما هو المشهور اشكال من عدم العلم بوجود الواجب بين الباقى و

__________________

١ ـ لان مقتضى الشرطية وإن كان سقوط المشروط مع سقوط الشرط إلّا ان قاعدة الميسور وما لا يدرك حاكمة عليه (م ق)

٢ ـ لانه انما يعلم به بعد ارتكاب الجميع تدريجا فحين ارتكاب كل واحد من المشتبهات يحتمل كون الحرام هو الباقى او المأتى به وهذا بخلاف الشبهة الوجوبية للقطع بترك الواجب الواقعى فى آن ترك جميع المحتملات (م ق)

٢٦٢

الاصل البراءة.

السادس هل يشترط فى تحصيل العلم الاجمالى بالبراءة بالجمع بين المشتبهين عدم التمكن من الامتثال التفصيلى بازالة الشبهة او اختياره ما يعلم به البراءة تفصيلا ام يجوز الاكتفاء به وان تمكن من ذلك فيجوز لمن قدر على تحصيل العلم بالقبلة او تعيين الواجب الواقعى من القصر والاتمام والظهر والجمعة الامتثال بالجمع بين المشتبهات وجهان بل قولان ، ظاهر الاكثر الاول لوجوب اقتران الفعل المأمور به عندهم بوجه الامر وسيأتى الكلام فى ذلك عند التعرض بشروط البراءة والاحتياط إن شاء الله.

ويتفرع على ذلك انه لو قدر على العلم التفصيلى من بعض الجهات وعجز عنه من جهة اخرى فالواجب مراعات العلم التفصيلى من تلك الجهة فلا يجوز لمن قدر على الثوب الطاهر المتيقن وعجز عن تعيين القبلة تكرار الصلاة فى الثوبين المشتبهين الى اربع جهات لتمكنه من العلم التفصيلى بالمأمور به من حيث طهارة الثوب وان لم يحصل مراعات ذلك العلم التفصيلى على الاطلاق.

السابع لو كان الواجب المشتبه امرين مترتبين شرعا كالظهر والعصر المرددين بين القصر والاتمام او بين الجهات الاربع فهل يعتبر فى صحة الدخول فى محتملات الواجب اللاحق الفراغ اليقينى من الاول باتيان جميع محتملاته كما صرح به فى الموجز وشرحه والمسالك والروض والمقاصد العلية ام يكفى فيه فعل بعض محتملات الاول بحيث يقطع بحصول الترتيب بعد الاتيان بمجموع محتملات المشتبهين كما عن نهاية الاحكام والمدارك فيأتى بظهر وعصر قصرا ثم بهما تماما ، قولان متفرعان على القول المتقدم فى الامر السادس من وجوب مراعات العلم التفصيلى مع الامكان مبنيان (١) على انه هل يجب مراعات ذلك

__________________

١ ـ توضيحه ان اعتبار العلم التفصيلى وتقديمه على الاجمالى يحتمل وجهين احدهما ان يكون اعتباره لاجل مراعاة نفس الواجب بمعنى كون تقديمه على العلم

٢٦٣

من جهة نفس الواجب فلا يجب إلّا اذا اوجب اهماله ترددا فى اصل الواجب كتكرار الصلاة فى الثوبين المشتبهين الى اربع جهات فانه يوجب ترددا فى الواجب زائدا على التردد الحاصل من جهة اشتباه القبلة فكما يجب رفع التردد مع الامكان كذلك يجب تقليله اما اذا لم يوجب اهماله ترددا زائدا فى الواجب فلا يجب كما فى ما نحن فيه فان الاتيان بالعصر المقصورة بعد الظهر المقصورة لا يوجب ترددا زائدا على التردد الحاصل من جهة القصر والاتمام لان العصر المقصورة ان كانت مطابقة للواقع كانت واجدة لشرطها وهو الترتب على الظهر وان كانت مخالفة للواقع لم ينفع وقوعها مترتبة على الظهر الواقعية لان الترتب انما هو بين الواجبين واقعا.

ومن ذلك يظهر عدم جواز التمسك باصالة بقاء الاشتغال بالظهر وعدم

__________________

ـ الاجمالى لاجل تقليل التردد فى نية نفس الواجب وتقليل محتملاته فى الخارج ، فاذا صلى فى الثوبين المشتبهين الى اربع جهات يقع التردد فى انطباق المأتى به للواقع من جهتين من جهة القبلة ومن جهته الثوب الطاهر. فاذا تمكن من ازالة هذا التردد مطلقا او فى الجملة وجبت ، وثانيهما ما اذا لم يوجب ذلك فلا يجب تقديمه على العلم الاجمالى وذلك كالظهر والعصر المرددتين بين القصر والتمام ، فقد يشرع فى محتملات الظهر فيتمها ثم يشرع فى محتملات العصر وقد يصليهما قطرا ثم يصليهما تماما ، اما الاول فاذا شرع فى احد محتملات العصر كما اذا اتى بها قصرا فالشك فيها انما هو فى كون المأمور به فى الواقع القصر أو التمام لا من جهة شرطية ترتبها على الظهر الواقعية للقطع بحصوله ، واما الثانى فاذا صلى العصر قصرا بعد الظهر كذلك فالشك فيها وقع من وجهين ، من جهة كون الواقع هو التمام او القصر ومن جهة حصول الشرط وهو الترتب على الظهر الواقعية ، إلّا انه لا اثر للجهل من هذه الجهة لعدم كونه موجبا لزيادة التردد فى الواجب زائدا على التردد الحاصل من الجهة الاولى (م ق)

٢٦٤

فعل الواجب الواقعى وذلك لان المترتب على بقاء الاشتغال (١) وعدم فعل الواجب عدم جواز الاتيان بالعصر الواقعى وهو مسلم ولذا لا يجوز الاتيان حينئذ بجميع محتملات العصر ، وهذا المحتمل غير معلوم انه العصر الواقعى والمصحح للاتيان به هو المصحح لاتيان محتمل الظهر المشترك معه فى الشك وجريان الاصلين فيه ، او ان الواجب مراعات العلم التفصيلى من جهة نفس الخصوصية المشكوكة فى العبادة وان لم يوجب اهماله ترددا فى الواجب فيجب على المكلف العلم التفصيلى عند الاتيان بكون ما يأتى به هو نفس الواجب الواقعى فاذا تعذر ذلك من بعض الجهات لم يعذر فى اهماله من الجهة المتمكنة فالواجب على العاجز عن تعين كون الصلاة قصرا او اتماما العلم التفصيلى بكون المأتى به مترتبا على الظهر ولا يكفى العلم بترتبه على تقدير صحته.

هذا كله مع تنجز الامر بالظهر والعصر دفعة واحدة فى الوقت المشترك اما اذا تحقق الامر بالظهر فقط فى الوقت المختص ففعل بعض محتملاته فيمكن ان ان يقال بعدم الجواز نظرا الى الشك فى تحقق الامر بالعصر فكيف يقدم على محتملاتها التى لا تجب الا مقدمة لها بل الاصل عدم الامر فلا يشرع الدخول فى مقدمات الفعل ويمكن ان يقال ان اصالة عدم الامر انما يقتضى عدم مشروعية الدخول فى المأمور به ومحتملاته التى تحتمله (٢) على تقدير عدم الامر واقعا كما اذا صلى

__________________

١ ـ لان الاثر الشرعى المرتب على بقاء الشغل او بقاء الامر الاول هو عدم جواز الاتيان بالعصر الواقعية دون الظاهرية والمصحح للاتيان بالظاهرية هو الاحتياط الذى لا تمنع الاصول من العمل به فى مواردها (م ق)

٢ ـ متعلق بقوله تحتمله يعنى ان اصالة عدم الامر بالعصر انما يقتضى عدم مشروعية الدخول فى العصر الواقعية ومحتملاتها التى كان احتمالها على تقدير عدم الامر بها واقعا لانه اذا صلى العصر الى غير الجهة التى صلى الظهر اليها فكون العصر محتملة لان تكون مأمورا بها فى الواقع انما هو على تقدير عدم الامر بالعصر على خلاف

٢٦٥

العصر الى غير الجهة التى صلى الظهر اما ما لا يحتمله إلّا على تقدير وجود الامر فلا يقتضى الاصل المنع عنه كما لا يخفى.

الثانى فيما اذا دار الامر فى الواجب بين الاقل والاكثر (١) ومرجعه الى الشك فى جزئية شيء للمأمور به وعدمها.

وهو على قسمين لان الجزء المشكوك اما جزء خارجى او جزء ذهنى (٢) وهو القيد وهو على قسمين لان القيد اما منتزع من امر خارجى مغاير للمأمور به فى الوجود الخارجى فيرجع اعتبار ذلك القيد الى ايجاب ذلك الامر الخارجى كالوضوء الذى يصير منشأ للطهارة المقيد بها الصلاة واما خصوصية متحدة فى الوجود مع المأمور به كما اذا دار الامر بين وجوب مطلق الرقبة او رقبة خاصة

__________________

ـ جهة الظهر لانها ان كانت عصرا واقعية فهى غير مأمور بها لعدم ترتبها على الظهر الواقعية ، واما لو صلاهما الى جهة واحدة فاصالة عدم الامر بالعصر لا تقتضى عدم مشروعية الدخول فى بعض محتملاتها لان الاتيان به (ح) انما هو لاجل احتمال الامر بها والاصول لا تمنع عن العمل بالاحتياط فى مواردها (م ق)

١ ـ اعنى الارتباطيين كما سيجيء (ق)

٢ ـ لا يخفى ان الجزء الذهنى المقيد ليس هو قيده كالطهارة للصلاة ، مثلا كيف وهو امر خارجى كسائر الاجزاء الخارجية بل هو التقيد به الذى لا تحقق له فى الخارج إلّا بتحقق منشإ انتزاعه ، وهو ذات المقيد والقيد ، وبالجملة الجزء المشكوك فيه اما جزء خارجى له وجود على حدة قد اخذ فى المأمور به كسائر الاجزاء وإن كان هو مع سائرها من قبيل العرض وموضوعه ، واما جزء ذهنى وهو ما لا وجود له فى الخارج اصلا وانما يكون وجوده فيه بمعنى وجود منشأ انتزاعه كالتقيد للمقيد ومنشأ انتزاعه تارة يكون مباينا فى الوجود مع المقيد كالطهارة مع الصلاة واخرى من عوارضه واحواله كالسواد والبياض والكفر والايمان مع الرقبة ؛ وليكن هذا على ذكر منك لعله ينفعك فيما بعد إن شاء الله (الطوسى)

٢٦٦

ومن ذلك دوران الامر بين احدى الخصال وبين واحدة معينة منها.

والكلام فى كل من القسمين فى اربع مسائل اما مسائل القسم الاول وهو الشك فى الجزء الخارجى.

فالاولى منها ان يكون ذلك مع عدم النص المعتبر فى المسألة فيكون ناشيا من ذهاب جماعة الى جزئية الامر الفلانى كالاستعاذة قبل القراءة فى الركعة الاولى مثلا على ما ذهب اليه بعض فقهائنا وقد اختلف فى وجوب الاحتياط هنا فصرح بعض متاخرى المتأخرين بوجوبه ، وربما يظهر من كلام بعض القدماء كالسيد والشيخ ، لكن لم يعلم كونه مذهبا لهما بل ظاهر كلماتهم الأخر خلافه وصريح جماعة اجراء اصالة البراءة وعدم وجوب الاحتياط ، والظاهر انه المشهور بين العامة والخاصة المتقدمين منهم والمتأخرين كما يظهر من تتبع كتب القوم كالخلاف والسرائر وكتب الفاضلين والشهيدين والمحقق الثانى ومن تأخر عنهم بل الانصاف انه لم اعثر فى كلمات من تقدم على المحقق السبزوارى على من يلتزم بوجوب الاحتياط فى الاجزاء والشرائط وان كان فيهم من يختلف كلامه فى ذلك كالسيد والشيخ والشهيد قدس‌سرهم.

وكيف كان فالمختار جريان اصل البراءة ، لنا على ذلك حكم العقل وما ورد من النقل اما العقل فلاستقلاله بقبح مؤاخذة من كلف بمركب لم يعلم من اجزائه الا عدة اجزاء ويشك فى انه هل هو هذا اوله جزء آخر وهو الشيء الفلانى ثم بذل جهده فى طلب الدليل على جزئية ذلك الامر فلم يقتدر فاتى بما علم وترك المشكوك خصوصا مع اعتراف المولى بانى ما نصبت لك عليه دلالة فان القائل بوجوب الاحتياط لا ينبغى ان يفرق فى وجوبه بين ان يكون الامر لم ينصب دليلا او نصب واختفى ، غاية الامر ان ترك النصب من الامر قبيح وهذا لا يرفع التكليف بالاحتياط عن المكلف.

فان قلت ان بناء العقلاء (١) على وجوب الاحتياط فى الاوامر العرفية

__________________

١ ـ حاصله بيان الفرق بين ما كان الغرض من الامر اطاعة العبد لمولاه وبين ما كان الغرض منه حصول شيء آخر وكان المأمور به مقدمة لحصوله بان كان الامر

٢٦٧

الصادرة من الاطباء او الموالى فان الطبيب اذا امر المريض بتركيب معجون فشك فى جزئية شيء له مع العلم بانه غير ضار له فتركه المريض مع قدرته عليه استحق اللوم وكذا المولى اذا امر عبده بذلك ، قلت اما اوامر الطبيب فهى ارشادية ليس المطلوب فيها إلّا احراز الخاصية المترتبة على ذات المأمور به ولا نتكلم فيها من حيث الاطاعة والمعصية ولذا لو كان بيان ذلك الدواء بجملة خبرية غير طلبية كان اللازم مراعات الاحتياط فيها وان لم يترتب على مخالفته وموافقته ثواب او عقاب والكلام فى المسألة من حيث قبح عقاب الامر على مخالفة المجهول وعدمه ، واما اوامر الموالى الصادرة بقصد الاطاعة فيلتزم فيها بقبح المؤاخذة اذا عجز العبد عن تحصيل العلم بجزء فاطلع عليه المولى وقدر على رفع جهله ولو على بعض الوجوه الغير المتعارفة إلّا انه اكتفى بالبيان المتعارف فاختفى على العبد لبعض العوارض ، نعم قد يأمر المولى بمركب يعلم ان المقصود منه تحصيل عنوان يشك فى حصوله اذا اتى بذلك المركب بدون ذلك الجزء المشكوك كما اذا امر بمعجون وعلم ان المقصود منه اسهال الصفراء بحيث كان هو المأمور به فى الحقيقة او علم انه الغرض من المأمور به فان تحصيل العلم بإتيان المأمور به لازم كما سيجيء فى المسألة الرابعة.

فان قلت ان الاوامر الشرعية كلها من هذا القبيل لابتنائها على مصالح فى المأمور به فالمصلحة فيها اما من قبيل العنوان فى المأمور به او من قبيل الغرض.

قلت يحتمل ان يكون حصول المصلحة منحصرا فى امتثاله التفصيلى مع معرفة وجه الفعل ليوقع الفعل على وجهه وهذا متعذر فيما نحن فيه لان الآتى بالاكثر لا يعلم انه الواجب او الاقل المتحقق فى ضمنه ، ولذا صرح بعضهم بوجوب تميز الاجزاء الواجبة من المستحبات ليوقع كلا على وجهه فلم يبق عليه (١) الا التخلص من تبعة مخالفة الامر المتوجه عليه فان هذا واجب عقلى فى مقام الاطاعة والمعصية ولو فرض عدم المصلحة فى المأمور به رأسا وهذا التخلص يحصل بالاتيان بما يعلم ان مع تركه يستحق العقاب والمؤاخذة فيجب الاتيان ، واما

__________________

ـ به إرشادا للمكلف الى تحصيل هذا الشيء بل كان هو المأمور به فى الحقيقة ، بدعوى تقبيح العقلاء مؤاخذة العبد على ترك الجزء المشكوك فى الاول (م ق)

١ ـ اى لم يبق على المكلف حين لا يعلم بحصول اللطف الا هذا (ق)

٢٦٨

الزائد فيقبح المؤاخذة عليه مع عدم البيان.

فان قلت ان ما ذكر فى وجوب الاحتياط فى المتباينين بعينه موجود هنا وهو ان المقتضى وهو تعلق الوجوب الواقعى بالامر المردد بين الاقل والاكثر موجود والجهل التفصيلى به لا يصلح مانعا كما تقدم فى المتباينين.

قلت نختار هنا ان الجهل مانع عقلى عن توجه التكليف بالمجهول الى المكلف لحكم العقل بقبح المؤاخذة على ترك الاكثر المسبب عن ترك الجزء المشكوك من دون بيان ولا يعارض بقبح المؤاخذة على ترك الاقل من حيث هو من دون بيان اذ يكفى فى البيان المسوغ للمؤاخذة عليه العلم التفصيلى بانه مطلوب للشارع بالاستقلال او فى ضمن الاكثر ومع هذا العلم لا يقبح المؤاخذة.

وبالجملة فالعلم الاجمالى فيما نحن فيه غير مؤثر فى وجوب الاحتياط لكون احد طرفيه معلوم الالزام تفصيلا والآخر مشكوك الالزام رأسا ودوران الالزام فى الاقل بين كونه مقدميا او نفسيا لا يقدح فى كونه معلوما بالتفصيل لان العقل يحكم بوجوب القيام بما علم اجمالا او تفصيلا الزام المولى به على اى وجه كان ويحكم بقبح المؤاخذة على ما شك فى الزامه ، والمعلوم الزامه تفصيلا هو الاقل والمشكوك الزامه رأسا هو الزائد والمعلوم الزامه اجمالا هو الواجب النفسى المردد بين الاقل والاكثر ولا عبرة به بعد انحلاله الى معلوم تفصيلى ومشكوك كما فى كل معلوم اجمالى كان كذلك كما لو علم اجمالا بكون احد من الإناءين اللذين احدهما المعين نجس خمرا فانه يحكم بحلية الطاهر منهما والعلم الاجمالى بالخمر لا يؤثر فى وجوب الاجتناب عنه.

ومما ذكرنا يظهر انه يمكن التمسك فى عدم وجوب الاكثر باصالة عدم وجوبه (١) فانها سليمة فى هذا المقام عن المعارضة باصالة عدم وجوب الاقل لان وجوب الاقل معلوم تفصيلا فلا يجرى فيه الاصل وتردد وجوبه بين الوجوب النفسى والغيرى مع

__________________

١ ـ هذا تمسك بالاستصحاب بعد التمسك بالبراءة (شرح)

٢٦٩

العلم التفصيلى لورود الخطاب التفصيلى بوجوبه بقوله وربك فكبر وقوله وقوموا لله قانتين وقوله فاقرءوا ما تيسر منه وقوله واركعوا واسجدوا وغير ذلك من الخطابات المتضمنة للامر بالاجزاء لا يوجب جريان اصالة عدم الوجوب او اصالة البراءة.

لكن الانصاف ان التمسك باصالة عدم وجوب الاكثر لا ينفع فى المقام لانه ان قصد به نفى اثر الوجوب الذى هو استحقاق العقاب بتركه فهو وان كان غير معارض باصالة عدم وجوب الاقل كما ذكرنا إلّا أنّك قد عرفت فيما تقدم فى الشك فى التكليف ان استصحاب عدم التكليف المستقل وجوبا او تحريما لا ينفع فى دفع استحقاق العقاب على الترك او الفعل لان عدم استحقاق العقاب ليس من آثار عدم الوجوب والحرمة الواقعيين حتى يحتاج الى احرازهما بالاستصحاب بل يكفى فيه عدم العلم بهما فمجرد الشك فيهما كاف فى عدم استحقاق العقاب بحكم العقل القاطع وقد اشرنا الى ذلك عند التمسك فى حرمة العمل بالظن باصالة عدم حجيته وقلنا ان الشك فى حجيته كاف فى التحريم ولا يحتاج الى احراز عدمهما بالاصل وان قصد به نفى الآثار المرتبة على الوجوب النفسى المستقل فاصالة عدم هذا الوجوب فى الاكثر معارضة باصالة عدمه فى الاقل.

واما الدليل النقلى فهو الاخبار الدالة على البراءة الواضحة سندا ودلالة ولذا عول عليها فى المسألة من جعل مقتضى العقل فيها وجوب الاحتياط بناء على وجوب مراعاة العلم الاجمالى وان كان الالزام فى احد طرفيه معلوما بالتفصيل وقد تقدم اكثر تلك الاخبار فى الشك فى التكليف التحريمى والوجوبى.

منها قوله عليه‌السلام ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم فان وجوب الجزء المشكوك محجوب علمه عن العباد فهو موضوع عنهم فدل على ان الجزء المشكوك وجوبه غير واجب على الجاهل كما دل على ان الشيء المشكوك وجوبه النفسى غير واجب فى الظاهر على الجاهل ويمكن تقريب الاستدلال بان وجوب الاكثر مما حجب علمه فهو موضوع ولا يعارض بان وجوب الاقل كذلك لان العلم بوجوبه المردد

٢٧٠

بين النفسى والغيري غير محجوب فهو غير موضوع.

وقوله (ص) رفع عن امتى ما لا يعلمون فان وجوب الجزء المشكوك مما لم يعلم فهو مرفوع عن المكلفين او ان العقاب والمؤاخذة (١) المترتبة على تعمد ترك الجزء المشكوك الذى هو سبب لترك الكل مرفوع عن الجاهل الى غير ذلك من اخبار البراءة الجارية فى الشبهة الوجوبية وكان بعض مشايخنا قدس الله نفسه يدعى ظهورها فى نفى الوجوب النفسى المشكوك وعدم جريانها فى الشك فى الوجوب الغيرى ولا يخفى على المتأمل عدم الفرق بين الوجوبين فى نفسى ما يترتب عليه من استحقاق العقاب لان ترك الواجب الغيرى منشأ لاستحقاق العقاب ولو من جهة كونه منشأ لترك الواجب النفسى ، نعم لو كان الظاهر من الاخبار نفى العقاب المترتب على ترك الشيء من حيث خصوص ذاته امكن دعوى ظهورها فى ما ادعى.

هذا كله ان جعلنا المرفوع والموضوع خصوص المؤاخذة واما لو عممناه (٢) لمطلق الآثار الشرعية المترتبة على الشيء المجهول كانت الدلالة اوضح لكن سيأتى ما فى ذلك ، ثم انه لو فرضنا عدم تمامية الدليل العقلى المتقدم بل كون العقل حاكما بوجوب الاحتياط ومراعات حال العلم الاجمالى بالتكليف المردد بين الاقل والاكثر كانت هذه الاخبار كافية فى المطلب حاكمة (٣) على ذلك الدليل العقلى لان الشارع اخبر بنفى العقاب

__________________

١ ـ اى إن كان المرفوع فى الرواية المؤاخذة فترك الجزء سبب لترك الاكثر وحيث انه مجهول الحكم فقد رفع مؤاخذته (شرح)

٢ ـ قيل فانه يدل (ح) على عدم جزئية المشكوك وشرطيته او على عدم كون تركه سببا لبطلان العمل ونحو ذلك (م ق)

٣ ـ اى واردة عليه فانه ينتفى بشمول تلك الاخبار للمورد احتمال العقاب الذى هو موضوع الاحتياط وجدانا وحقيقة وهو معنى الورود (م ق)

٢٧١

على ترك الاكثر لو كان واجبا فى الواقع فلا يقتضى العقل وجوبه من باب الاحتياط الراجع الى وجوب دفع العقاب المحتمل ، ثم ان بعض المعاصرين عدل عن الاستدلال بها لمذهب المشهور من حيث نفى الحكم التكليفى الى التمسك بها فى نفى الحكم الوضعى اعنى جزئية الشيء المشكوك او شرطيته وزعم ان ماهية المأمور به تبين ظاهرا كونها الاقل بضميمة نفى جزئية المشكوك ويحكم بذلك على اصالة الاشتغال قال فى توضيح ذلك ان مقتضى هذه الروايات ان ماهيات العبادات عبارة عن الاجزاء المعلومة بشرائطها المعلومة فيتبين مورد التكليف ويرتفع منها الاجمال والابهام.

اقول ما ادعاه من عموم تلك الاخبار لنفى غير الحكم الالزامى التكليفى لو لا عدو له عنه فى باب البراءة والاحتياط من الادلة العقلية لذكرنا بعض ما فيه من منع العموم اولا ومنع كون الجزئية امرا مجعولا شرعيا غير الحكم التكليفى وهو ايجاب المركب المشتمل على ذلك الجزء ثانيا.

واعلم انه قد يتمسك على المختار باستصحاب عدم جزئية الشيء المشكوك ، وفيه ان جزئية الشيء (١) المشكوك كالسورة للمركب الواقعى وعدمها ليست امرا حادثا مسبوقا بالعدم وان اريد اصالة عدم صيرورة السورة جزء المركب مامور به ليثبت بذلك خلو المركب المأمور به منه ومرجعه الى اصالة عدم الامر بما يكون هذا جزءا منه ففيه ما مر من انه اصل مثبت وان اريد اصالة عدم دخل هذا المشكوك فى المركب

__________________

١ ـ حاصله انه ان اريد عدم اتصاف المشكوك فيه بالجزئية فليس لها حالة سابقة لعدم سبق زمان احرز فيه جزئية سائر الاجزاء وعدم جزئية المشكوك فيه ، وان اريد اصالة عدم اتصاف المجموع المركب من المشكوك وغيره بالكلية ، فمرجعه عدم تعلق الامر بالاكثر فهو لا يثبت تعلقه بالاقل ، وان اريد عدم تعلق لحاظ الامر بالمشكوك ليكون جزءا فله وجه لان له حالة سابقة إلّا ان مرجعه الى عدم تعلق اللحاظ بالمركب منه وهو لا يثبت تعلق لحاظه بالاقل (شرح)

٢٧٢

عند اختراعه له الذى هو عبارة عن ملاحظة عدة اجزاء غير مرتبطة فى نفسها شيئا واحدا ومرجعها الى اصالة عدم ملاحظة هذا الشيء مع المركب المأمور به شيئا واحدا فان الماهيات المركبة لما كان تركبها جعليا حاصلا بالاعتبار وإلّا فهى اجزاء لا ارتباط بينها فى انفسها ولا وحدة تجمعها إلّا باعتبار معتبر توقف جزئية شيء لها على ملاحظته معها واعتبارها مع هذا الشيء امرا واحدا فمعنى جزئية السورة للصلاة ملاحظة السورة مع باقى الاجزاء شيئا واحدا وهذا معنى اختراع الماهيات وكونها مجعولة فالجعل والاختراع فيها من حيث التصور والملاحظة.

ثم انه اذا شك فى الجزئية بالمعنى المذكور فالاصل عدمها فاذا ثبت عدمها فى الظاهر يترتب عليه كون الماهية المأمور بها هى الاقل لان تعيين الماهية فى الاقل يحتاج الى جنس وجودى وهى الاجزاء المعلومة وفصل عدمى هو عدم جزئية غيرها وعدم ملاحظته معها والجنس موجود بالفرض والفصل ثابت بالاصل فتعين المأمور به فله وجه إلّا ان يقال ان جزئية الشيء مرجعها الى ملاحظة المركب منه ومن الباقى شيئا واحدا كما ان عدم جزئيته راجع الى ملاحظة غيره من الاجزاء شيئا واحدا فجزئية الشيء وكلية المركب المشتمل عليه مجعول بجعل واحد فالشك فى جزئية الشيء شك فى كلية الاكثر ونفى جزئية الشيء نفى لكليته فاثبات كلية الاقل بذلك اثبات لاحد الضدين بنفى الآخر وليس اولى من العكس.

ومنه يظهر عدم جواز التمسك باصالة عدم التفات الآمر حين تصور المركب الى هذا الجزء حتى يكون بملاحظته شيئا واحدا مركبا من ذلك ومن باقى الاجزاء لان هذا ايضا لا يثبت انه اعتبر التركيب بالنسبة الى باقى الاجزاء ، هذا مع ان اصالة عدم الالتفات لا يجرى بالنسبة الى الشارع المنزه عن الغفلة بل لا يجرى مطلقا فى ما دار امر الجزء بين كونه جزءا واجبا او جزءا مستحبا لحصول الالتفات فيه قطعا فتامل.

المسأله الثانية ما اذا كان الشك فى الجزئية ناشيا من اجمال الدليل كما اذا علق

٢٧٣

الوجوب فى الدليل اللفظى بلفظ مردد باحد اسباب الاجمال بين مركبين يدخل اقلهما جزءا تحت الاكثر بحيث يكون الآتي بالاكثر آتيا بالاقل والاجمال قد يكون فى المعنى العرفى كان وجب غسل ظاهر البدن فيشك فى ان الجزء الفلانى كباطن الاذن او عكنة (١) البطن أمن الظاهر او الباطن وقد يكون فى المعنى الشرعى كالاوامر المتعلقة فى الكتاب والسنة بالصلاة وامثالها بناء على ان هذه الالفاظ موضوعة للماهية الصحيحة يعنى الجامعة لجميع الاجزاء الواقعية ، والاقوى هنا ايضا جريان اصالة البراءة لعين ما اسلفناه فى سابقه من العقل والنقل.

وربما يتخيل جريان قاعدة الاشتغال هنا وان جرت اصالة البراءة فى المسألة المتقدمة لفقد الخطاب التفصيلى المتعلق بالامر المجمل فى تلك المسألة ووجوده هنا فيجب الاحتياط بالجمع بين محتملات الواجب المجمل كما هو الشأن فى كل خطاب تعلق بامر مجمل ولذا فرعوا على القول بوضع الالفاظ للصحيح كما هو المشهور وجوب الاحتياط فى اجزاء العبادات وعدم جواز اجراء اصل البراءة فيها.

وفيه ان وجوب الاحتياط فى المجمل المردد بين الاقل والاكثر ممنوع لان المتيقن من مدلول هذا الخطاب وجوب الاقل بالوجوب المردد بين النفسى والمقدمى فلا محيص عن الاتيان به لان تركه مستلزم للعقاب واما وجوب الاكثر فلم يعلم من هذا الخطاب فيبقى مشكوكا فسيجيء فيه ما مر من الدليل العقلى والنقلى ، والحاصل ان مناط وجوب الاحتياط عدم جريان ادلة البراءة فى واحد معين من المحتملين لمعارضته بجريانها فى المحتمل الآخر حتى يخرج المسألة بذلك عن مورد البراءة ويجب الاحتياط فيها لاجل تردد الواجب المستحق على تركه العقاب بين امرين لا تعين لاحدهما من غير فرق فى ذلك بين وجود خطاب تفصيلى فى المسألة متعلق بالمجمل وبين وجود خطاب مردد بين خطابين واذا فقد المناط المذكور وامكن البراءة فى واحد معين لم يجب الاحتياط من

__________________

١ ـ العكنة بالضم فالسكون طى فى البطن والعنق ، جمعها العكن كصرد (مج)

٢٧٤

غير فرق فى ذلك بين الخطاب التفصيلى وغيره

وما ذكروه ثمرة للقولين من وجوب الاحتياط على القول بوضع الالفاظ للصحيح وعدمه على القول بوضعها للاعم محل نظر ، اما الاول فلما عرفت ان غاية ما يلزم من القول بالوضع للصحيح كون هذه الالفاظ مجملة وقد عرفت ان المختار والمشهور فى المجمل المردد بين الاقل والاكثر عدم وجوب الاحتياط

واما الثانى فوجه النظر موقوف على توضيح ما ذكروه من وجه ترتب تلك الثمرة اعنى عدم لزوم الاحتياط على القول بوضع اللفظ للاعم وهو انه اذا قلنا بان المعنى الموضوع له اللفظ هو الصحيح كان كل جزء من اجزاء العبادة مقوما لصدق حقيقة معنى لفظ الصلاة فالشك فى جزئية شيء شك فى صدق الصلاة فلا اطلاق للفظ الصلاة على هذا القول بالنسبة الى واجدة الاجزاء وفاقدة بعضها لان الفاقدة ليست بصلاة فالشك فى كون المأتى به فاقدا او واجدا شك فى كونها صلاة او ليست بها.

واما اذا قلنا بان الموضوع له هو القدر المشترك بين الواجدة لجميع الاجزاء والفاقدة لبعضها نظير السرير الموضوع للاعم من جامع اجزائه ومن فاقد بعضها الغير المقوم لحقيقته بحيث لا يخل فقده بصدق اسم السرير على الباقى كان لفظ الصلاة من الالفاظ المطلقة الصادقة على الصحيحة والفاسدة فاذا اريد بقوله اقيموا الصلاة فرد مشتمل على جزء زائد على مسمى الصلاة كالصلاة مع السورة كان ذلك تقييدا للمطلق وكذا اذا اريد المشتملة على جزء آخر كالقيام كان ذلك تقييدا آخر للمطلق فارادة الصلاة الجامعة لجميع الاجزاء يحتاج الى تقييدات بعدد الاجزاء الزائدة على ما يتوقف عليها صدق مسمى الصلاة واما القدر الذى يتوقف عليه صدق الصلاة فهى من مقومات معنى المطلق لا من القيود المقسمة له.

وحينئذ فاذا شك فى جزئية شيء للصلاة فان شك فى كونه جزءا مقوما لنفس المطلق فالشك فيه راجع الى الشك فى صدق اسم الصلاة ولا يجوز فيه اجراء

٢٧٥

البراءة لوجوب القطع بتحقق مفهوم الصلاة كما اشرنا اليه فيما سبق ولا اجراء اصالة اطلاق اللفظ وعدم تقييده لانه فرع صدق المطلق على الخالى من ذلك المشكوك فحكم هذا المشكوك عند القائل بالاعم حكم جميع الاجزاء عند القائل بالصحيح.

واما ان علم انه ليس من مقومات حقيقة الصلاة بل هو على تقدير اعتباره وكونه جزءا فى الواقع ليس إلّا من الاجزاء التى يقيد معنى اللفظ بها لكون اللفظ موضوعا للاعم من واجده وفاقده و (ح) فالشك فى اعتباره وجزئيته راجع الى الشك فى تقييد اطلاق الصلاة فى اقيموا الصلاة بهذا الشيء بان يراد منه مثلا اقيموا الصلاة المشتملة على جلسة الاستراحة ، ومن المعلوم ان الشك فى التقييد يرجع فيه الى اصالة الاطلاق وعدم التقييد فيحكم بان مطلوب الآمر غير مقيد بوجود هذا المشكوك وبان الامتثال يحصل بدونه وان هذا المشكوك غير معتبر فى الامتثال وهذا معنى نفى جزئيته بمقتضى الاطلاق ، ومن المعلوم ان المطلق ليس يجوز دائما التمسك به باطلاقه بل له شروط كان لا يكون واردا (١) فى مقام حكم القضية المهملة بحيث لا يكون المقام مقام بيان ألا ترى انه لو راجع المريض الطبيب فقال له فى غير وقت الحاجة لا بد لك من شرب الدواء او المسهل فهل يجوز للمريض ان يأخذ باطلاق الدواء والمسهل وكذا لو قال المولى لعبده يجب عليك المسافرة غدا.

وبالجملة فحيث لا يقبح من المتكلم ذكر اللفظ المجمل لعدم كونه الا فى مقام هذا المقدار من البيان لا يجوز ان يدفع القيود المحتملة للمطلق بالاصل لان جريان الاصل لا يثبت الاطلاق وعدم ارادة المقيد إلّا بضميمة انه اذا فرض ولو بحكم الاصل عدم ذكر القيد وجب ارادة الاعم من المقيد وإلّا قبح التكليف لعدم البيان فاذا فرض العلم بعدم كونه فى مقام البيان لم يقبح الاخلال بذكر القيد

__________________

١ ـ وكان لا يكون هناك قرينة حالية او مقالية تفيد ارادة المقيد ولا يكون ايضا بعض المصاديق متيقنا فى مقام التخاطب (شرح)

٢٧٦

مع ارادته فى الواقع

والذى يقتضيه التدبر فى جميع المطلقات الواردة فى الكتاب فى مقام الامر بالعبادة كونها فى غير مقام بيان كيفية الصلاة فان قوله تعالى (أَقِيمُوا الصَّلاةَ) انما هو فى مقام بيان تأكيد الامر بالصلاة والمحافظة عليها نظير قوله من ترك الصلاة فهو كذا وكذا وان صلاة فريضة خير من عشرين او الف حجة نظير تأكيد الطبيب على المريض فى شرب الدواء ، اما قبل بيانه له حتى يكون اشارة الى ما يفصله له حين العمل واما بعد البيان له حتى يكون اشارة الى المعهود المبين له فى غير هذا الخطاب والاوامر الواردة بالعبادات فيه كالصلاة والصوم والحج كلها على احد الوجهين والغالب فيها الثانى (فحينئذ) اذا شك فى جزئية شيء لعبادة لم يكن هنا ما يثبت به عدم الجزئية من اصالة عدم التقييد بل الحكم هنا هو الحكم على مذهب القائل بالوضع للصحيح فى رجوعه الى وجوب الاحتياط او اصالة البراءة على الخلاف فى المسألة.

فالذى ينبغى ان يقال فى ثمرة الخلاف بين الصحيحى والاعمى هو لزوم الاجمال على القول بالصحيح وحكم المجمل هو مبنى على الخلاف فى وجوب الاحتياط او جريان اصالة البراءة وامكان البيان والحكم بعدم الجزئية لاصالة عدم التقييد على القول بالاعم فافهم.

المسألة الثالثة فيما اذا تعارض نصان متكافئان فى جزئية شيء لشيء وعدمها كان يدل احدهما على جزئية السورة والآخر على عدمها ومقتضى اطلاق اكثر الاصحاب القول بالتخيير بعد التكافؤ ثبوت التخيير هنا ، لكن ينبغى ان يحمل (١) هذا الحكم منهم على ما اذا لم يكن هناك اطلاق يقتضى اصالة عدم تقييده عدم جزئية هذا المشكوك كأن يكون هنا اطلاق معتبر للامر بالصلاة بقول مطلق وإلّا فالمرجع بعد التكافؤ الى

__________________

١ ـ اشارة الى عدم تأتى النزاع فى وجوب الاحتياط والتخيير فيما تعارض نصان فى جزئية شيء للعبادة او شرطيته على القول بالاعم بناء على كون مطلقات الفاظ العبادات جامعة لشرائط الاطلاق (م ق)

٢٧٧

هذا المطلق لسلامته عن المقيد بعد ابتلاء ما يصلح لتقييده بمعارض مكافئ وهذا الفرض خارج عن موضوع المسألة لانها كأمثالها من مسائل هذا المقصد مفروضة فيما ذا لم يكن هناك دليل اجتهادى سليم عن المعارض متكفلا لحكم المسألة حتى تكون مورد الاصول العملية.

فان قلت فاى فرق بين وجود هذا المطلق وعدمه وما المانع من الحكم بالتخيير هنا كما لو لم يكن مطلق فان حكم المتكافئين ان كان هو التساقط حتى ان المقيد المبتلى بمثله بمنزلة العدم فيبقى المطلق سالما كان اللازم فى صورة عدم وجود المطلق التى حكم فيها بالتخيير هو التساقط والرجوع الى الاصل المؤسس فيما لا نص فيه من البراءة والاحتياط على الخلاف وان كان حكمهما التخيير كما هو المشهور نصا وفتوى كان اللازم عند تعارض المقيد للمطلق الموجود بمثله الحكم بالتخيير هاهنا لا تعيين الرجوع الى المطلق الذى هو بمنزلة تعيين العمل بالخبر المعارض للمقيد.

قلت اما لو قلنا بان المتعارضين مع وجود المطلق غير متكافئين لان موافقة احدهما للمطلق الموجود مرجح له فيؤخذ به ويطرح الآخر فلا اشكال فى الحكم وفى خروج مورده عن محل الكلام وان قلنا انهما متكافئان والمطلق مرجع لا مرجح نظرا الى كون اصالة عدم التقييد تعبديا لا من باب الظهور النوعى فوجه عدم شمول اخبار التخيير لهذا القسم من المتكافئين دعوى ظهور اختصاص تلك الاخبار بصورة عدم وجود الدليل الشرعى فى تلك الواقعة وانها مسوقة (١) لبيان عدم جواز طرح قول الشارع فى تلك الواقعة والرجوع الى الاصول العقلية والنقلية المقررة لحكم صورة فقدان قول الشارع فيها ، والمفروض وجود قول الشارع هنا ولو بضميمة اصالة

__________________

١ ـ حاصله ان اخبار التخيير منساقة لبيان حكم المتحير عند عدم الدليل الشرعى على حكم الواقعة ولا ريب فى ارتفاع موضوع التحير مع وجود الدليل المطلق على حكم الواقعة لكون المطلق بضميمة اصالة عدم التقييد دليلا على حكم الواقعة ورافعا للتحير بخلاف ما لو لم يكن دليل لفظى ووجب الرجوع الى الاصول (م ق)

٢٧٨

الاطلاق المتعبد بها عند الشك فى المقيد.

والفرق بين هذا الاصل وبين تلك الاصول الممنوع فى هذه الاخبار عن الرجوع اليها وترك المكافئين هو ان تلك الاصول عملية فرعية مقررة لبيان العمل فى المسألة الفرعية عند فقد الدليل الشرعى فيها ، وهذا الاصل مقرر لاثبات كون الشيء وهو المطلق دليلا وحجة عند فقد ما يدل على عدم ذلك فالتخيير مع جريان هذا الاصل تخيير مع وجود الدليل الشرعى المعين لحكم المسألة المتعارض فيها النصان بخلاف التخيير مع جريان تلك الاصول فانه تخيير بين المتكافئين عند فقد دليل ثالث فى موردهما هذا.

ولكن الانصاف ان اخبار التخيير حاكمة على هذا الاصل وان كان جاريا فى المسألة الاصولية كما انها حاكمة على تلك الاصول الجارية فى المسألة الفرعية لان مؤداها بيان حجية احد المتعارضين كمؤدى ادلة حجية الاخبار ، ومن المعلوم حكومتها على مثل هذا الاصل فهى دالة على مسئلة اصولية وليس مضمونها حكما عمليا فلا فرق بين ان يرد فى مورد هذا الدليل المطلق اعمل بالخبر الفلانى المقيد لهذا المطلق وبين قوله اعمل باحد هذين المقيد احدهما له فالظاهر ان حكم المشهور فى المقام بالرجوع الى المطلق وعدم التخيير مبنى على ما هو المشهور فتوى ونصا من ترجيح احد المتعارضين بالمطلق او العام الموجود فى تلك المسألة كما يظهر من ملاحظة النصوص والفتاوى وسيأتى توضيح ما هو الحق من المسلكين فى باب التعادل والتراجيح إن شاء الله تعالى.

المسألة الرابعة فيما اذا شك فى جزئية شيء للمأمور به من جهة الشبهة فى الموضوع الخارجى كما اذا امر بمفهوم مبين مردد مصداقه بين الاقل والاكثر مثل ما امر بالطهور (١) لاجل الصلاة اعنى الغسل الرافع للحدث او المبيح للصلاة

__________________

١ ـ اى امر بالطهور الذى هو نظافة معنوية وهى فعل توليدى من افعال الطهارات الثلاث قابل لان يتعلق به الطلب بواسطة مقدماته المقدورة وقد اعتبره الشارع شرطا

٢٧٩

فشك فى جزئية شىء للوضوء او الغسل الرافعين واللازم فى المقام الاحتياط لان المفروض تنجز التكليف بمفهوم مبين معلوم تفصيلا وانما الشك فى تحققه بالاقل فمقتضى اصالة عدم تحققه وبقاء الاشتغال عدم الاكتفاء به ولزوم الاتيان بالاكثر ولا يجرى هنا ما تقدم من الدليل العقلى والنقلى الدال على البراءة لان البيان الذى لا بد منه فى التكليف قد وصل من الشارع فلا يقبح المؤاخذة على ترك ما بينه تفصيلا فاذا شك فى تحققه فى الخارج فالاصل عدمه والعقل ايضا يحكم بوجوب القطع باحراز ما علم وجوبه تفصيلا اعنى المفهوم المعين المبين المأمور به ألا ترى انه لو شك فى وجود باقى الاجزاء المعلومة كان لم يعلم انه اتى بها ام لا كان مقتضى العقل والاستصحاب وجوب الاتيان بها.

والفارق بين ما نحن فيه وبين الشبهة الحكمية من المسائل المتقدمة التى حكمنا فيها بالبراءة هو ان نفس متعلق التكليف فيها مردد بين اختصاصه بالمعلوم وجوبه تفصيلا وبين تعلقه بالمشكوك وهذا الترديد لا حكم له بمقتضى العقل لان مرجعه الى المؤاخذة على ترك المشكوك وهى قبيحة بحكم العقل فالعقل والنقل الدالان على البراءة مبينان لمتعلق التكليف من اول الامر فى مرحلة الظاهر ، واما ما نحن فيه فمتعلق التكليف فيه مبين معلوم تفصيلا لا تصرف للعقل والنقل فيه وانما الشك فى تحققه فى الخارج باتيان الاجزاء المعلومة والعقل والنقل المذكور ان لا يثبتان تحققه فى الخارج بل الاصل عدم تحققه والعقل ايضا مستقل بوجوب الاحتياط مع الشك فى التحقق.

واما القسم الثانى وهو الشك فى كون الشيء قيدا للمأمور به فقد عرفت

__________________

ـ للصلاة فاجمال مقدماته واحتمال دخالة غسل بعض الاجزاء فى تحصيلة كالمواضع المشكوك فى كونها من البواطن مثال للشك فى الاقل والاكثر ولا يجرى فيه البراءة بل اللازم (ح) الاحتياط على ما فصله ره والاولى التمثيل بما اذا نذر صلاة الوتر مثلا ثم شك فى كون المنذور اقل ما يجزى او اكثر ما يستحب (شرح)

٢٨٠