الرسائل الجديدة والفرائد الحديثة

الشيخ علي المشكيني

الرسائل الجديدة والفرائد الحديثة

المؤلف:

الشيخ علي المشكيني


الموضوع : أصول الفقه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٣٥

هذا المضمار.

فنقول مستعينا بالله روى زرارة فى الصحيح عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال اذا خرجت من شيء ودخلت فى غيره فشكك ليس بشيء وروى إسماعيل بن جابر عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال ان شك فى الركوع بعد ما سجد فليمض وان شك فى السجود بعد ما قام فليمض كل شيء شك فيه وقد جاوزه ودخل فى غيره فليمض عليه وهاتان الروايتان ظاهرتان فى اعتبار الدخول فى غير المشكوك وفى الموثقة كل ما شككت فيه مما قد مضى فامضه كما هو وهذه الموثقة ظاهرة فى عدم اعتبار الدخول فى الغير وفى موثقة ابن ابى يعفور اذا شككت فى شيء من الوضوء وقد دخلت فى غيره فشكك ليس بشيء انما الشك اذا كنت فى شيء لم تجزه وظاهر صدر هذه الموثقة كالاوليين وظاهر عجزها كالثالثة.

هذه تمام ما وصل الينا من الاخبار العامة وربما يستفاد العموم من بعض ما ورد فى الموارد الخاصة مثل قوله عليه‌السلام فى الشك فى فعل الصلاة بعد خروج الوقت من قوله (ع) وان كان بعد ما خرج وقتها فقد دخل حائل فلا اعادة وقوله (ع) كل ما مضى من صلاتك وطهورك فذكرته تذكرا فامضه كما هو وقوله (ع) فيمن شك فى الوضوء بعد ما فرغ هو حين يتوضأ اذكر منه حين يشك ولعل المتتبع يعثر على ازيد من ذلك وحيث ان مضمونها لا يختص بالطهارة والصلاة بل يجرى فى غيرهما كالحج فالمناسب الاهتمام فى تنقيح مضامينها ودفع ما يتراءى من التعارض بينهما.

فنقول مستعينا بالله فانه ولى التوفيق ان الكلام يقع فى مواضع.

الموضع الاول ان الشك فى الشيء ظاهر لغة وعرفا فى الشك فى وجوده إلّا ان تقييد ذلك فى الروايات بالخروج عنه ومضيه والتجاوز عنه ربما يصير قرينة على ارادة كون وجود اصل الشيء مفروغا عنه وكون الشك فيه باعتبار الشك فى بعض ما يعتبر فيه شرطا او شطرا ، نعم لو اريد الخروج والتجاوز عن محله امكن ارادة

٤٢١

المعنى الظاهر من الشك فى الشيء وهذا هو المتعين لان ارادة الاعم من الشك فى وجود الشيء والشك الواقع فى الشيء الموجود فى استعمال واحد غير صحيح وكذا ارادة خصوص الثانى لان مورد غير واحد من تلك الاخبار هو الاول ولكن يبعد ذلك فى ظاهر موثقة محمد بن مسلم من جهة قوله فامضه كما هو بل لا يصح ذلك (١) فى موثقة ابن ابى يعفور كما لا يخفى لكن الانصاف امكان تطبيق موثقة محمد بن مسلم على ما فى الروايات واما هذه الموثقة فسيأتى توجيهها على وجه لا يعارض الروايات إن شاء الله تعالى.

الموضع الثانى ان المراد بمحل الفعل المشكوك فى وجوده هو الموضع الذى لو اتى به فيه لم يلزم منه اختلال فى الترتيب المقرر وبعبارة اخرى محل الشيء هى مرتبته المقررة له بحكم العقل او بوضع الشارع او غيره ولو كان نفس المكلف من جهة اعتياده باتيان ذلك المشكوك فى ذلك المحل فمحل تكبيرة الاحرام قبل الشروع فى الاستعادة لاجل القراءة بحكم الشارع وكلمة اكبر قبل تخلل الفصل الطويل بينه وبين لفظ الجلالة بحكم الطريقة المألوفة فى نظم الكلام ومحل الراء من اكبر قبل ادنى فصل يوجب الابتداء بالساكن بحكم العقل ومحل غسل الجانب الايسرا او بعضه فى غسل الجنابة لمن اعتاد الموالاة فيه قبل تخلل فصل يخل بما اعتاده من الموالاة.

هذا كله مما لا اشكال فيه الا الاخير فانه ربما يحتمل انصراف اطلاق الاخبار الى غيره مع ان فتح هذا الباب بالنسبة الى العادة يوجب مخالفة اطلاقات كثيرة فمن اعتاد الصلاة فى اول وقتها او مع الجماعة فشك فى فعلها بعد ذلك فلا يجب عليه الفعل وكذا من اعتاد فعل شيء بعد الفراغ من الصلاة فرأى نفسه فيه وشك فى فعل

__________________

١ ـ لصراحتها فى اعتبار كون الشك فى بعض ما يعتبر فى الوضوء شرطا او شطرا فتكون صريحة فى الشك فى الصحة ، وقوله امكان تطبيق : بان يراد بقوله امضه كما هو هو البناء على وقوعه على ما ينبغى لا كون الواقع واقعا على ما ينبغى (م ق)

٤٢٢

الصلاة وكذا من اعتاد الوضوء بعد الحدث بلا فصل يعتد به او قبل دخول الوقت للتهيؤ فشك بعد ذلك فى الوضوء الى غير ذلك من الفروع التى يبعد التزام الفقيه بها.

نعم ذكر جماعة من الاصحاب مسئلة معتاد الموالاة فى غسل الجنابة اذا شك فى الجزء الاخير كالعلامة وولده والشهيدين والمحقق الثانى وغيرهم واستدل فخر الدين على مختاره فى المسألة بعد صحيحة زرارة المتقدمة بان خرق العادة على خلاف الاصل ولكن لا يحضرنى كلام منهم فى غير هذا المقام فلا بد من التتبع والتأمل والذى يقرب فى نفسى عاجلا هو الالتفات الى الشك وان كان الظاهر من قوله عليه‌السلام فيما تقدم هو حين يتوضأ اذكر منه حين يشك ان هذه القاعدة من باب تقديم الظاهر على الاصل فهو دائر مدار الظهور النوعى ولو كان من العادة لكن العمل بعموم ما يستفاد من الرواية ايضا مشكل فتأمل (١) والاحوط ما ذكرنا.

الموضع الثالث المحقق للتجاوز إن كان هو الدخول فى غير المشكوك فلا اشكال فى اعتباره وإلّا فظاهر الصحيحتين الاوليين اعتباره وظاهر اطلاق موثقة ابن مسلم عدم اعتباره ويمكن حمل التقييد فى الصحيحتين على الغالب خصوصا فى افعال الصلاة فان الخروج من افعالها يتحقق غالبا بالدخول فى الغير و (ح) فيلغوا القيد ويحتمل ورود المطلق على الغالب فلا يحكم بالاطلاق ويؤيد الاول (٢) ظاهر التعليل المستفاد من قوله هو حين يتوضأ اذكر منه حين يشك و

__________________

١ ـ وجه الاشكال ما اشار اليه من ان العمل بعموم ما يستقاد من الرواية يستلزم الالتزام بفروع يبعد التزام الفقيه به والامر بالتأمل اشارة الى الاشكال فى مخالفة الرواية وطرحها بمجرد الاستبعاد المزبور (ق)

٢ ـ لوجود العلة مع التجاوز عن المحل مطلقا سواء دخل فى الغير ام لا ، وقوله بملاحظة مقام التحديد : يعنى من الامام ، لفرض عدم سبق سؤال فى صحيحة اسماعيل (ق)

٤٢٣

قوله عليه‌السلام انما الشك اذا كنت فى شيء لم تجزه بناء على ما سيجيء من التقريب وقوله كل ما مضى من صلاتك وطهورك الخبر.

لكن الذى يبعده ان الظاهر من الغير فى صحيحة إسماعيل بن جابر ان شك فى الركوع بعد ما سجد وان شك فى السجود بعد ما قام فليمض بملاحظة مقام التحديد ومقام التوطئة للقاعدة المقررة بقوله بعد ذلك كل شيء شك فيه الخ كون السجود والقيام حدا للغير الذى يعتبر الدخول فيه وانه لا غير اقرب من الاول بالنسبة الى الركوع ومن الثانى بالنسبة الى السجود اذ لو كان الهوى للسجود كافيا عند الشك فى الركوع والنهوض للقيام كافيا عند الشك فى السجود قبح فى مقام التوطئة للقاعدة الآتية التحديد بالسجود والقيام ولم يكن وجه لجزم المشهور بوجوب الالتفات اذا شك قبل الاستواء قائما فالاولى ان يجعل هذا كاشفا عن خروج مقدمات افعال الصلاة عن عموم الغير فلا يكفى فى الصلاة مجرد الدخول ولو فى فعل غير اصلى فضلا عن كفاية مجرد الفراغ.

والاقوى اعتبار الدخول فى الغير وعدم كفاية مجرد الفراغ إلّا انه قد يكون الفراغ عن الشيء ملازما للدخول فى غيره كما لو فرغ عن الصلاة والوضوء فان حالة عدم الاشتغال بها يعد مغايرة لحالهما وان لم يشتغل بفعل وجودى فهو دخول فى الغير بالنسبة اليهما واما التفصيل بين الصلاة والوضوء بالتزام كفاية مجرد الفراغ من الوضوء ولو مع الشك فى الجزء الاخير منه فيرده اتحاد الدليل فى البابين لان ما ورد من قوله عليه‌السلام فيمن شك فى الوضوء بعد ما فرغ من الوضوء هو حين يتوضأ اذكر منه حين يشك عام بمقتضى التعليل لغير الوضوء ايضا ولذا استفيد منه حكم الغسل والصلاة ايضا وكذلك موثقة ابن ابى يعفور المتقدمة صدرها دال على اعتبار الدخول فى الغير فى الوضوء وذيلها يدل على عدم العبرة بالشك بمجرد التجاوز مطلقا من غير تقييد بالوضوء بل ظاهره يابى عن التقييد وكذلك روايتا زرارة وابى بصير المتقدمتان آبيتان عن التقييد واصرح من جميع ذلك فى الإباء عن التفصيل بين الوضوء والصلاة قوله عليه‌السلام فى الرواية المتقدمة كل ما مضى

٤٢٤

من صلاتك وطهورك فذكرته تذكرا فامضه.

الموضع الرابع قد خرج من الكلية المذكورة افعال الطهارات الثلث فانهم اجمعوا على ان الشاك فى فعل من افعال الوضوء قبل اتمام الوضوء يأتى به وان دخل فى فعل آخر واما الغسل والتيمم فقد صرح بذلك فيهما بعضهم على وجه يظهر منه كونه من المسلمات وقد نص على الحكم فى الغسل جمع ممن تأخر عن المحقق كالعلامة وولده والشهيدين والمحقق الثانى ونص غير واحد من هؤلاء على كون التيمم كذلك وكيف كان فمستند الخروج قبل الاجماع الاخبار الكثيرة المخصصة للقاعدة المتقدمة.

إلّا انه يظهر (١) من رواية ابن ابى يعفور المتقدمة وهى قوله اذا شككت فى شيء من الوضوء وقد دخلت فى غيره فشكك ليس بشيء انما الشك اذا كنت فى شيء لم تجزه ان حكم الوضوء من باب القاعدة لا خارج عنها بناء على عود ضمير غيره الى الوضوء لئلا يخالف الاجماع على وجوب الالتفات اذا دخل فى غير المشكوك من افعال الوضوء وحينئذ فقوله انما الشك مسوق لبيان قاعدة الشك المتعلق بجزء من اجزاء عمل وانه انما يعتبر اذا كان مشتغلا بذلك العمل غير متجاوز عنه هذا ولكن الاعتماد على ظاهر ذيل الرواية مشكل من جهة انه يقتضى بظاهر الحصر ان الشك الواقع فى غسل اليد باعتبار جزء من اجزائه لا يعتنى به اذا جاوز غسل اليد مضافا الى انه معارض للاخبار السابقة فيما اذا شك فى جزء من الوضوء بعد الدخول فى جزء آخر قبل الفراغ منه لانه باعتبار انه شك فى وجود شيء بعد تجاوز محله يدخل فى

__________________

١ ـ لان تعليل حكم الشك فى بعض اجزاء الوضوء بقوله انما الشك اذا كنت فى شيء لم تجزه ، يدل على كون حكمه منطبقا على القاعدة وان الشك فى بعض اجزاء العمل كالوضوء ونحوه انما يلتفت اليه مع التشاغل به وعدم الفراغ منه اذ لو كان حكم الوضوء خارجا من القاعدة لزم تعليل حكم فرد خارج من العام بنفس هذا العام ولا محصل له (ق)

٤٢٥

الاخبار السابقة ومن حيث انه شك فى اجزاء عمل قبل الفراغ منه يدخل فى هذا الخبر.

ويمكن ان يقال لدفع جميع ما فى الخبر من الاشكال ان الوضوء بتمامه فى نظر الشارع فعل واحد باعتبار وحدة مسببه وهى الطهارة فلا يلاحظ كل فعل منه بحاله حتى يكون موردا لتعارض هذا الخبر مع الاخبار السابقة ولا يلاحظ بعض اجزائه كغسل اليد مثلا شيئا مستقلا يشك فى بعض اجزائه قبل تجاوزه او بعده ليوجب ذلك الاشكال فى الحصر المستفاد من الذيل وبالجملة اذا فرض الوضوء فعلا واحدا لم يلاحظ الشارع اجزائه افعالا مستقلة يجرى فيها حكم الشك بعد تجاوز المحل لم يتوجه شيء من الاشكالين فى الاعتماد على الخبر ولم يكن حكم الوضوء مخالفا للقاعدة اذ الشك فى اجزاء الوضوء قبل الفراغ ليس إلّا شكا واقعا فى الشيء قبل التجاوز عنه والقرينة على هذا الاعتبار (١) جعل القاعدة ضابطة لحكم الشك فى اجزاء الوضوء قبل الفراغ عنه او بعده.

ثم ان فرض الوضوء فعلا واحدا لا يلاحظ حكم الشك بالنسبة الى اجزائه ليس امرا غريبا فقد ارتكب المشهور مثله فى الاخبار السابقة بالنسبة الى افعال الصلاة حيث لم يجروا حكم الشك بعد التجاوز فى كل جزء من اجزاء القراءة حتى الكلمات والحروف بل الاظهر عندهم كون الفاتحة فعلا واحدا بل جعل بعضهم القراءة فعلا واحدا وقد عرفت النص فى الروايات على عدم اعتبار الهوى للسجود والنهوض للقيام ومما يشهد لهذا التوجيه الحاق المشهور الغسل والتيمم بالوضوء فى هذا الحكم اذ لا وجه له ظاهرا الا ملاحظة كون الوضوء امرا واحدا يطلب منه امر واحد غير قابل للتبعيض اعنى الطهارة.

__________________

١ ـ يعنى ان القرينة على اعتبار الشارع للوضوء شيئا واحدا هو جعل قاعدة الفراغ ضابطة لحكم الشك فى اجزائه قبل الفراغ منه وبعده لا قبل الفراغ عن الجزء وبعده (م ق)

٤٢٦

الموضع الخامس ذكر بعض الاساطين ان الشك فى الشروط بالنسبة الى الفراغ عن المشروط بل الدخول فيه بل الكون على هيئة الداخل حكم الاجزاء فى عدم الالتفات فلا اعتبار بالشك فى الوقت والقبلة واللباس والطهارة باقسامها والاستقرار ونحوها بعد الدخول فى الغاية ولا فرق بين الوضوء وغيره انتهى وتبعه بعض من تأخر عنه واستقرب فى مقام آخر الغاء الشرط فى الشك بالنسبة الى غير ما دخل فيه من الغايات وما ابعد بينه وبين ما ذكره بعض الاصحاب كصاحب المدارك وكاشف اللثام من اعتبار الشك فى الشرط حتى بعد الفراغ عن المشروط فاوجب اعادة المشروط.

والاقوى التفصيل بين الفراغ عن المشروط فيلغو الشك فى الشرط بالنسبة اليه لعموم لغوية الشك فى الشيء بعد التجاوز عنه اما بالنسبة الى مشروط آخر لم يدخل فيه فلا ينبغى الاشكال فى اعتبار الشك فيه لان الشرط المذكور من حيث كونه شرطا لهذا المشروط لم يتجاوز عنه بل محله باق فالشك فى تحقق شرط هذا المشروط شك فى الشيء قبل تجاوز محله.

وربما بنى بعضهم ذلك (١) على ان معنى عدم العبرة بالشك فى الشيء بعد تجاوز المحل هو البناء على الحصول مطلقا ولو لمشروط آخر او يختص بالمدخول اقول لا اشكال فى ان معناه البناء على حصول المشكوك فيه لكن بعنوانه الذى يتحقق معه تجاوز المحل لا مطلقا فلو شك فى اثناء العصر فى فعل الظهر بنى على تحقق الظهر بعنوان انه شرط للعصر لعدم وجوب العدول اليه لا على تحققه

__________________

١ ـ اى الشك فى الشرط بالنسبة الى الغايات الأخر ؛ وقوله هو البناء على الحصول مطلقا : فيعم جميع الغايات المدخول فيها وغيره ؛ وقوله بعنوان انه شرط : فان محل الظهر باعتبار انها شرط للعصر انما هو قبلها واما باعتبار انها واجب فى نفسها فمحلها باق ما لم يخرج الوقت ولذا يجب الاتيان بها بعد العصر لو نسيها ، قوله وتجاوز محله : مبتدأ خبره قوله باعتبار (ق)

٤٢٧

مطلقا حتى لا يحتاج الى اعادتها بعد فعل العصر فالوضوء المشكوك فيما نحن فيه انما فات محله من حيث كونه شرطا للمشروط المتحقق لا من حيث كونه شرطا للمشروط المستقبل ومن هنا يظهر ان الدخول فى المشروط ايضا لا يكفى فى الغاء الشك فى الشرط بل لا بد من الفراغ عنه لان نسبة الشرط الى جميع اجزاء المشروط نسبة واحدة وتجاوز محله باعتبار كونه شرطا للاجزاء الماضية فلا بد من احرازه للاجزاء المستقبلة.

نعم ربما يدعى فى مثل الوضوء ان محل احرازه لجميع اجزاء الصلاة قبل الصلاة لا عند كل جزء ومن هنا قد يفصل بين ما كان من قبيل الوضوء مما يكون محل احرازه قبل الدخول فى العبادة وبين غيره مما ليس كذلك كالاستقبال والنية فان احرازهما ممكن فى كل جزء وليس المحل الموظف لاحرازهما قبل الصلاة بالخصوص بخلاف الوضوء وحينئذ فلو شك فى اثناء الصلاة فى الستر او الساتر وجب عليه احرازه فى اثناء الصلاة للاجزاء المستقبلة.

والمسألة لا يخلو عن اشكال إلّا انه ربما يشهد لما ذكرنا من التفصيل بين الشك فى الوضوء فى اثناء الصلاة وفيه بعده صحيحة على بن جعفر عن اخيه عليه‌السلام قال سألته عن الرجل يكون على وضوء ثم يشك على وضوء هو ام لا قال اذا ذكرها (١) وهو فى صلاته انصرف واعادها وان ذكر وقد فرغ من صلاته أجزأه ذلك بناء على ان مورد السؤال الكون على الوضوء باعتقاده ثم شك فى ذلك.

الموضع السادس ان الشك فى صحة الشيء المأتى به حكمه حكم الشك فى الاتيان بل هو هو لان مرجعه الى الشك فى وجود الشيء الصحيح ومحل الكلام (٢)

__________________

١ ـ يعنى حالة شكه ، وقوله بناء على : بان كان مورد السؤال من قبيل الشك السارى لا الشك المعتبر فى مورد الاستصحاب فانه (ح) لا دخل له بما نحن فيه (م ق)

٢ ـ حاصله انه كان محل الكلام فى الموضع الخامس هو الشك فى الشروط التى لها وجود مستقل مع قطع النظر عن مشروطها كالطهارة والاستقبال ونحوهما حتى

٤٢٨

ما لا يرجع فيه الشك الى الشك فى ترك بعض ما يعتبر فى الصحة كما لو شك فى تحقق الموالات المعتبرة فى حروف الكلمة او كلمات الآية ، لكن الانصاف ان الالحاق لا يخلو عن اشكال لان الظاهر من اخبار الشك فى الشيء اختصاصها بغير هذه الصورة إلّا ان يدعى تنقيح المناط او يستند فيه الى بعض ما يستفاد منه العموم مثل موثقة ابن ابى يعفور او يجعل اصالة الصحة فى فعل الفاعل المريد للصحيح اصلا برأسه ومدركه ظهور حال المسلم

قال فخر الدين فى الايضاح فى مسئلة الشك فى بعض افعال الطهارة ان الاصل فى فعل العاقل المكلف الذى يقصد براءة ذمته بفعل صحيح وهو يعلم الكيفية والكمية الصحة انتهى ، ويمكن استفادة اعتباره من عموم التعليل المتقدم فى قوله هو حين يتوضأ اذكر منه حين يشك فانه بمنزلة صغرى لقوله فاذا كان اذكر فلا يترك ما يعتبر فى صحة عمله الذى يريد به ابراء ذمته لان الترك سهوا خلاف فرض الذكر وعمدا خلاف ارادة الابراء

الموضع السابع الظاهر ان المراد بالشك فى موضوع هذا الاصل هو الشك الطارى بسبب الغفلة عن صورة العمل فلو علم كيفية غسل اليد وانه كان بارتماسها فى الماء لكن شك فى ان ما تحت خاتمه ينغسل بالارتماس ام لا ففى الحكم بعدم الالتفات وجهان من اطلاق بعض الاخبار ومن التعليل بقوله هو حين يتوضأ اذكر منه حين يشك فان التعليل يدل على تخصيص الحكم (١) بمورده مع عموم السؤال فيدل على نفيه عن غير مورد العلة.

__________________

ـ تكون بنفسها موردا للشك فى الوجود فتجرى فيها القاعدة وان قلنا بعدم شمولها للشك فى الصحة ، وفى هذا الموضع ما لم يكن كذلك بل يعد المشكوك فيه من كيفيات المشروط وموجودا بوجوده كاداء الحروف من المخارج والموالاة ونحوهما (م ق)

١ ـ يعنى مورد التعليل وهو ما يتحقق فيه الاذكرية والسؤال فى الرواية وإن كان عاما إلّا ان خصوصية العلة من حيث اظهريتها مقدم على عموم السؤال (م ق)

٤٢٩

نعم لا فرق بين ان يكون المحتمل ترك الجزء نسيانا او تركه تعمدا والتعليل المذكور بضميمة الكبرى المتقدمة يدل على نفى الاحتمالين ولو كان الشك من جهة احتمال وجود الحائل على البدن ففى شمول الاخبار له الوجهان ، نعم قد يجرى هنا اصالة عدم الحائل فيحكم بعدمه حتى لو لم يفرغ عن الوضوء بل لم يشرع فى غسل موضع احتمال الحائل لكنه من الاصول المثبتة وقد ذكرنا بعض الكلام فى ذلك فى بعض الامور المتقدمة

المسألة الثالثة فى اصالة الصحة فى فعل الغير وهى فى الجملة من الاصول المجمع عليها فتوى وعملا بين المسلمين فلا عبرة فى موردها باصالة الفساد المتفق عليها عند الشك إلّا ان معرفة مواردها ومقدار ما يترتب عليها من الآثار ومعرفة حالها عند مقابلتها لما عدا اصالة الفساد من الاصول يتوقف على بيان مدركها من الادلة الاربعة ولا بد من تقديم ما فيه اشارة الى هذه القاعدة فى الجملة من الكتاب والسنة

اما الكتاب فمنه آيات منها قوله تعالى (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً) بناء على تفسيره بما عن الكافى من قوله عليه‌السلام لا تقولوا إلا خيرا حتى تعلموا ما هو ولعل مبناه (١) على ارادة الظن والاعتقاد من القول ومنها قوله تعالى (اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) فان ظن السوء اثم وإلّا لم يكن شيء من الظن اثما ومنها قوله تعالى (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) بناء على ان الخارج من عمومه ليس إلّا ما علم فساده لانه المتيقن

__________________

اصالة الصحة فى فعل الغير

١ ـ اى مبنى التفسير ولو لم يكن مبنيا على ذلك كان مفادها النهى عن التكلم فى حق الغير بالسوء بمجرد رؤية ما يصلح للخير والشر فالمراد من ظن الخير فى عملهم ترتيب آثار الصحة عليها ؛ وقوله فان ظن السوء اثم : فحمل فعل المسلم على الفاسد ظن السوء فى حقه فيكون آثما فيجب الحمل على الصحة ، قوله والاستدلال بهما ضعيف. لضعف التمسك بالعمومات فى الشبهات المصداقية ، قوله واضعف منه : اذ لا دلالة فيهما على المدعى اصلا لان سياقهما؟؟؟ مصداق الاخبار الآتية (م ق)

٤٣٠

وكذا قوله تعالى (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ) والاستدلال بهما ضعيف واضعف منه دعوى دلالة الآيتين الاوليين

واما السنة (١) فمنها ما فى الكافى عن امير المؤمنين عليه‌السلام ضع امر اخيك على احسنه حتى يأتيك ما يقلبك عنه ولا تظنن بكلمة خرجت من اخيك سوء وانت تجد لها فى الخبر سبيلا ومنها قول الصادق عليه‌السلام لمحمد بن الفضل يا محمد كذب سمعك وبصرك عن اخيك فان شهد عندك خمسون قسامة انه قال وقال لم اقل فصدقه وكذبهم ومنها ما ورد مستفيضا ان المؤمن لا يتهم اخاه وانه اذا اتهم اخاه انماث الايمان فى قلبه كانمياث الملح فى الماء وان من اتهم اخاه فلا حرمة بينهما وان من اتهم اخاه فهو ملعون ملعون الى غير ذلك من الاخبار المشتملة على هذه المضامين او ما يقرب منها هذا.

ولكن الانصاف عدم دلالة هذه الاخبار الا على (٢) انه لا بد من ان يحمل ما يصدر من الفاعل على الوجه الحسن عند الفاعل ولا يحمل على الوجه القبيح عنده وهذا غير ما نحن بصدده فانه اذا فرض دوران العقد الصادر منه بين كونه صحيحا او فاسدا لا على وجه قبيح بل فرضنا الامرين فى حقه مباحا كبيع الراهن بعد رجوع المرتهن عن الاذن واقعا او قبله فان الحكم باصالة عدم ترتب الاثر على البيع مثلا لا يوجب خروجا عن الاخبار المتقدمة الآمرة بحسن الظن بالمؤمن فى المقام خصوصا اذا كان المشكوك فعل غير المؤمن او فعل المؤمن الذى يعتقد بصحة ما هو الفاسد عند الحامل

__________________

١ ـ بتقريب ان المراد بوضع الفعل على الاحسن او تصديق المؤمن فيه او عدم اتهامه فيه هو حمله على الصحيح فى مقابل الحمل على الفاسد ، وقوله انماث اى ذاب (شرح)

٢ ـ حاصله دعوى ظهور الاخبار المذكورة فى الحمل على الحسن من حيث التكليف بمعنى الجواز وعدم الحرمة لا على الحسن من حيث الوضع اعنى الصحة فى مقابل الفساد (م ق)

٤٣١

ثم لو فرضنا انه يلزم من الحسن ترتيب الآثار ومن القبيح عدم الترتيب كالمعاملة المرددة بين الربوية وغيرها لم يلزم (١) من الحمل على الحسن بمقتضى تلك الاخبار الحكم بترتب الآثار لان مفادها الحكم بصفة الحسن فى فعل المؤمن بمعنى عدم الحرج فى فعله لا ترتيب جميع آثار ذلك الفعل الحسن ألا ترى انه لو دار الامر بين كون الكلام المسموع من مؤمن بعيد سلاما او تحية او شتما لم يلزم من الحمل على الحسن وجوب رد السلام.

ومما يؤيد ما ذكرنا جمع الامام عليه‌السلام فى رواية محمد بن الفضل بين تكذيب خمسين قسامة اعنى البينة العادلة وتصديق الاخ المؤمن فانه مما لا يمكن إلّا بحمل تصديق المؤمن على الحكم بمطابقة الواقع المستلزم لتكذيب القسامة بمعنى المخالفة للواقع مع الحكم بصدقهم فى اعتقادهم لانهم اولى بحسن الظن بهم من المؤمن الواحد فالمراد من تكذيب السمع والبصر تكذيبهما فيما يفهمان من ظواهر بعض الافعال من القبح كما اذا راى شخصا ظاهر الصحة يشرب الخمر فى مجلس يظن انه مجلس الشرب وكيف كان فعدم وفاء الاخبار بما نحن بصدده اوضح من ان يحتاج الى البيان حتى المرسل الاول بقرينة ذكر الاخ وقوله ولا تظنن الخبر.

ومما يؤيد ما (٢) ذكرنا ايضا ما ورد فى غير واحد من الروايات من عدم

__________________

١ ـ لعدم عموم التنزيل فى تلك الاخبار فهى تدل على الحكم بالحلية والجواز فقط لا ترتيب جميع آثار الجائز على الفعل (شرح)

٢ ـ وجه التأييد انه لو كان المراد من الاخبار المتقدمة حمل فعل المسلم على الصحيح وضعا لنافتها هذه الاخبار الناهية عن حسن الظن والوثوق ، قوله فان صرعة الاسترسال : الصرع الطرح على الارض والاسترسال الطمأنينة والوثوق ، ولا تستقال اى غير قابل للاقالة والتدارك ، وقوله خزيه اى امر قبيح ، قوله فقد غرر اى اوقع نفسه فى الغفلة ، وقوله فلا تبغ اى لا تطلبه باستعمال الحسد ولا تحقق اى بالتجسس والفحص عن

٤٣٢

جواز الوثوق بالمؤمن كل الوثوق مثل رواية عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله (ع) قال لا تثقن باخيك كل الثقة فان صرعة الاسترسال لا تستقال وما فى نهج البلاغة اذا استولى الصلاح على الزمان واهله ثم اساء رجل الظن برجل لم يظهر منه خزية فقد ظلم واذا استولى الفساد على الزمان واهله ثم احسن رجل الظن برجل فقد غرر وفى معناه قول ابى الحسن عليه‌السلام فى رواية محمد بن هارون الجلاب اذا كان الجور اغلب من الحق لا يحل لاحد ان يظن باحد خيرا حتى يعرف ذلك منه الى غير ذلك مما يجده المتتبع فان الجمع بينها وبين الاخبار المتقدمة يحصل بان يراد من الاخبار ترك ترتيب آثار التهمة والحمل على الوجه الحسن من حيث مجرد الحسن والتوقف فيه من حيث ترتيب ساير الآثار ويشهد له ما ورد من ان المؤمن لا يخلو عن ثلاثة الظن والحسد والطيرة فاذا حسدت فلا تبغ واذا ظننت فلا تحقق واذا تطيرت فامض.

الثالث الاجماع القولى والعملى اما القولى فهو مستفاد من تتبع فتاوى الفقهاء فى موارد كثيرة فانهم لا يختلفون فى ان قول مدعى الصحة فى الجملة مطابق للاصل وان اختلفوا فى ترجيحه على ساير الاصول كما ستعرف واما العملى فلا يخفى على احد ان سيرة المسلمين فى جميع الاعصار على حمل الاعمال على الصحيح وترتب آثار الصحة فى عباداتهم ومعاملاتهم ولا اظن احدا ينكر ذلك الا مكابرة.

الرابع العقل المستقل الحاكم بانه لو لم يبن على هذا الاصل لزم اختلال نظام (١) المعاد والمعاش بل الاختلال الحاصل من ترك العمل بهذا الاصل ازيد من الاختلال الحاصل من ترك العمل بيد المسلمين مع ان الامام عليه‌السلام قال

__________________

ـ وقوع المظنون او بترتيب آثار الواقع عليه وفامض اى فى عملك فان الطيرة يذهبها التوكل (م ق)

١ ـ لان اعتبار السوق واليد والايتمان بالنواب والوكلاء وصحة الاقتداء وغيرها من جزئيات هذه القاعدة (ق)

٤٣٣

لفحص بن غياث بعد الحكم بان اليد دليل الملك ويجوز الشهادة بالملك بمجرد اليد انه لو لا ذلك لما قام للمسلمين سوق فيدل بفحواه على اعتبار اصالة الصحة فى اعمال المسلمين مضافا الى دلالته بظاهر اللفظ حيث ان الظاهر ان كل ما لولاه لزم الاختلال فهو حق لان الاختلال باطل والمستلزم للباطل باطل فنقيضه حق وهو اعتبار اصالة الصحة عند الشك فى صحة ما صدر عن الغير ويشير اليه ايضا ما ورد من نفى الحرج وتوسعة الدين وذم من ضيقوا على انفسهم بجهالتهم.

وينبغى التنبيه على امور الاول ان المحمول عليه فعل المسلم هل الصحة باعتقاد الفاعل او الصحة الواقعية فلو علم ان معتقد الفاعل اعتقادا يعذر فيه صحة البيع او النكاح بالفارسى فشك فيما صدر عنه مع اعتقاد الشاك اعتبار العربية فهل يحمل على كونه واقعا بالعربى حتى اذا ادعى عليه انه اوقعه بالفارسى وادعى هو انه اوقعه بالعربى فهل يحكم الحاكم المعتقد بفساد الفارسى بوقوعه بالعربى ام لا وجهان بل قولان ظاهر المشهور الحمل على الصحة الواقعية فاذا شك المأموم فى ان الامام المعتقد لعدم وجوب السورة قرأها ام لا جاز له الايتمام به وان لم يكن له ذلك اذا علم بتركها ويظهر من بعض المتأخرين خلافه والمسألة محل اشكال من اطلاق الاصحاب (١) ومن عدم مساعدة ادلتهم فان العمدة الاجماع ولزوم الاختلال والاجماع الفتوائى مع ما عرفت مشكل والعملى فى مورد العلم باعتقاد الفاعل للصحة ايضا مشكل والاختلال يندفع بالحمل على الصحة فى غير المورد المذكور.

وتفصيل المسألة ان الشاك فى الفعل الصادر من غيره اما ان يكون عالما بعلم الفاعل بصحيح الفعل وفاسده واما ان يكون عالما بجهله وعدم علمه واما

__________________

١ ـ يعنى للصحة واطلاقها ظاهر فى الصحة الواقعية ؛ قوله مع ما عرفت : من الخلاف فى المسألة ، قوله بالحمل على الصحة اى الواقعية فى غير مورد اعتقاد الفاعل للصحة (م ق)

٤٣٤

ان يكون جاهلا بحاله فان علم بعلمه بالصحيح والفاسد فاما ان يعلم بمطابقة اعتقاده لاعتقاد الشاك او يعلم مخالفته او يجهل الحال لا اشكال فى الحمل فى الصورة الاولى ، واما الثانية فان لم يتصادق اعتقادهما بالصحة فى فعل كان اعتقد احدهما وجوب الجهر بالقراءة يوم الجمعة والآخر وجوب الاخفات فلا اشكال فى وجوب الحمل على الصحيح باعتقاد الفاعل وان تصادقا كمثال العقد بالعربى والفارسى فان قلنا ان العقد بالفارسى منه سبب لترتب الآثار عليه من كل احد حتى المعتقد بفساده فلا ثمرة فى الحمل على معتقد الحامل والفاعل وان قلنا بالعدم كما هو الاقوى ففيه الاشكال المتقدم من تعميم الاصحاب فى فتاويهم وفى بعض معاقد اجماعاتهم على تقديم قول مدعى الصحة ومن اختصاص الادلة بغير هذه الصورة ، وان جهل الحال فالظاهر الحمل لجريان الادلة بل يمكن جريان الحمل على الصحة فى اعتقاده فيحمل على كونه مطابقا لاعتقاد الحامل لانه الصحيح وسيجيء الكلام.

وان كان عالما بجهله بالحال وعدم علمه بالصحيح والفاسد ففيه ايضا الاشكال المتقدم خصوصا اذا كان جهله مجامعا للتكليف بالاجتناب كما اذا علمنا انه اقدم على بيع احد المشتبهين بالنجس إلّا انه يحتمل ان يكون قد اتفق المبيع غير نجس وكذا ان كان جاهلا بحاله إلّا ان الاشكال فى بعض هذه الصور اهون (١)

__________________

١ ـ بل لا ينبغى الاشكال فى الصورة الاخيرة وسابقتها اذ الغالب فى موارد الحاجة الى اعمال هذا الاصل انما هو فى صورة الجهل بحال الفاعل او العلم بجهله فان ابتلاء عموم الناس انما هو بافعال العوام المخالطين معهم من الرجال والنساء من اهل الصحارى والبرارى والاسواق الذين لا يعرفون احكام المعاملات والطهارات والعبادات مع استقرار السيرة على امضاء اعمالهم وحملها على الصحيح ؛ فالاقوى لزوم الحمل على الصحيح مع احتماله مطلقا الا فى صورة العلم بمخالفة اعتقاد العامل وعدم تصادق الاعتقادين (الهمدانى)

٤٣٥

منه فى بعض فلا بد من التتبع والتأمل.

الامر الثانى ان الظاهر من المحقق الثانى ان اصالة الصحة انما يجرى فى العقود بعد استكمال العقد للاركان قال فى جامع المقاصد لا شك فى انه اذا حصل الاتفاق على حصول جميع الامور المعتبرة فى العقد من الايجاب والقبول من الكاملين وجريانهما على العوضين المعتبرين ووقع الاختلاف فى شرط مفسد فالقول قول مدعى الصحة بيمينه لانه الموافق للاصل لان الاصل عدم ذلك المفسد والاصل فى فعل المسلم الصحة اما اذا حصل الشك فى الصحة والفساد فى بعض الامور المعتبرة وعدمه فان الاصل لا يثمر هنا فان الاصل عدم السبب الناقل ومن ذلك ما لو ادعى انى اشتريت العبد فقال بعتك الحر انتهى.

اقول والاقوى بالنظر الى الادلة السابقة من السيرة ولزوم الاختلال هو التعميم ولذا لو شك المكلف ان هذا الذى اشتراه هل اشتراه فى حال صغره بنى على الصحة ، ثم ان تقديم قول منكر الشرط المفسد ليس لتقديم قول مدعى الصحة بل لان القول قول منكر الشرط صحيحا كان او فاسدا لاصالة عدم الاشتراط ولا دخل لهذا بحديث اصالة الصحة وان كان مؤداه صحة العقد فيما كان الشرط المدعى مفسدا هذا ولا بد من التأمل والتتبع.

الثالث ان هذا الاصل انما يثبت صحة الفعل اذا وقع الشك فى بعض الامور المعتبرة شرعا فى صحته بمعنى ترتب الاثر المقصود منه عليه فصحة كل شيء بحسبه مثلا صحة الايجاب عبارة عن كونه بحيث لو تعقبه قبول صحيح لحصل اثر العقد فى مقابل فاسده الذى لا يكون كذلك كالايجاب بالفارسى بناء على القول باعتبار العربية فلو تجرد الايجاب عن القبول لم يوجب ذلك فساد الايجاب فاذا شك فى تحقق القبول من المشترى بعد العلم بصدور الايجاب من البائع فلا يقضى اصالة الصحة فى الايجاب بوجود القبول لان القبول معتبر فى العقد لا فى الايجاب.

٤٣٦

وكذا لو شك فى تحقق القبض فى الهبة او فى الصرف او السلم بعد العلم بتحقق الايجاب والقبول لم يحكم بتحققه من حيث اصالة صحة العقد وكذا لو شك فى اجازة المالك لبيع الفضولى لم يصح احرازها باصالة الصحة واولى (١) بعدم الجريان ما لو كان العقد فى نفسه لو خلى وطبعه مبنيا على الفساد بحيث يكون المصحح طارئا عليه كما لو ادعى بائع الوقف وجود المصحح له وكذا الراهن او المشترى من الفضولى اجازة المرتهن والمالك.

ومما يتفرع على ذلك ايضا انه لو اختلف المرتهن الآذن فى بيع الرهن والراهن البائع له بعد اتفاقهما على رجوع المرتهن عن اذنه فى تقدم الرجوع على البيع فيفسد او تاخره فيصح فلا يمكن ان يقال كما قيل من ان اصالة صحة الاذن يقضى بوقوع البيع صحيحا ولا ان اصالة صحة الرجوع يقضى بكون البيع فاسدا لان الاذن والرجوع كليهما قد فرض وقوعهما على الوجه الصحيح وهو صدوره عمن له اهلية ذلك والتسلط عليه.

فمعنى ترتب الاثر عليهما انه لو وقع فعل الماذون عقيب الاذن وقبل الرجوع ترتب عليه الاثر ولو وقع فعله بعد الرجوع كان فاسدا اما لو لم يقع عقيب الاول فعل بل وقع فى زمان ارتفاعه ففساد هذا الواقع لا يخل بصحة الاذن وكذا لو فرض عدم وقوع الفعل عقيب الرجوع فانعقد صحيحا فليس هذا من جهة فساد الرجوع كما لا يخفى ، نعم بقاء الاذن الى ان يقع البيع قد يقضى بصحّته وكذا اصالة عدم البيع فبل الرجوع ربما يقال انها يقضى بفساده لكنهما لو تما (٢) لم يكونا من اصالة صحة الاذن بناء على ان عدم وقوع البيع بعده يوجب لغويته ولا من اصالة صحة الرجوع التى تمسك بهما بعض المعاصرين تبعا لبعض.

__________________

١ ـ لان اصالة عدم المصحح فى سائر الفروع معارضة باصالة عدم وجود المفسد بخلافها هنا (ق)

٢ ـ اشارة الى كونهما مثبتين مع كونهما استصحابين لا اصالتى الصحة (م ق)

٤٣٧

والحق فى المسألة ما هو المشهور من الحكم بفساد البيع وعدم جريان اصالة الصحة فى المقام لا فى البيع كما استظهره الكركى ولا فى الاذن ولا فى الرجوع اما فى البيع فلان الشك انما وقع فى رضاء من له الحق وهو المرتهن وقد تقدم ان صحة الايجاب والقبول لا يقضى بتحقق الرضا ممن يعتبر رضاه سواء كان مالكا كما فى البيع الفضولى ام كان له حق فى المبيع كالمرتهن واما فى الاذن فلما عرفت من ان صحته يقضى بصحة البيع اذا فرض وقوعه عقيبه لا بوقوعه كما ان صحة الرجوع يقضى بفساد ما يفرض وقوعه بعده لا ان البيع وقع بعده والمسألة بعد محتاجة الى التأمل بعد التتبع فى كلمات الاصحاب.

الرابع ان مقتضى الاصل (١) ترتيب الشاك جميع ما هو من آثار الفعل الصحيح عنده فلو صلى شخص على ميت سقط عنه ولو غسل ثوبا بعنوان التطهير حكم بطهارته وان شك فى شروط الغسل من اطلاق الماء ووروده على النجاسة لا ان علم بمجرد غسله فان الغسل من حيث هو ليس فيه صحيح وفاسد ولذا لو شوهد من يأتى بصورة عمل من صلاة او طهارة او نسك حج ولم يعلم قصده

__________________

١ ـ حاصله ان الفعل المشكوك فى صحته وفساده لا بد ان يكون له نوعان صحيح وفاسد حتى يفرض التردد فى الفرد المشتبه بينهما فما لم يكن له صحيح وفاسد كالغسل بالفتح خارج عن محل الكلام اذ مجرد ملاقاة الماء للثوب وانغساله به لا يتصف إلّا بالوجود والعدم لا الصحة والفساد ، نعم الغسل بقصد التطهير له قسمان ، ثم ان ما يترتب على الصحيح من الآثار لا يخلو اما ان يكون ترتبها عليه من حيث كونه فعلا للفاعل واما ان يكون اعم من ذلك بان كانت للفعل جهتان جهة صدور عن الفاعل وجهة وقوع عن الغير وتختلف الآثار باختلاف الجهتين ، وقوله ولذا لو شوهد : فان مجرد صدور العمل لا يتصف إلّا بالوجود والعدم ، قوله من حيثية اخرى : كحمل قوله على الصحة او كونه لا يعلم إلّا من قبله (م ق)

٤٣٨

تحقق هذه العبادات لم يحمل على ذلك ، نعم لو اخبر بانه كان بعنوان تحققه امكن قبول قوله من حيث انه مخبر عادل او من حيثية اخرى.

وقد يشكل الفرق بين ما ذكر من الاكتفاء بصلاة الغير على الميت بحمله على الصحيح وبين الصلاة عن الميت تبرعا او بالاجارة فان المشهور عدم الاكتفاء بها إلّا ان يكون عادلا ولو فرق بينهما بانا لا نعلم وقوع الصلاة من النائب فى مقام ابراء الذمة واتيان الصلاة على انها صلاة لاحتمال تركه لها بالمرة او اتيانه بمجرد الصورة لا بعنوان انها صلاة عنه اختص الاشكال بما اذا علم من حاله كونه فى مقام الصلاة وابراء ذمة الميت إلّا انه يحتمل عدم مبالاته بما يخل بالصلاة كما يحتمل ذلك فى الصلاة على الميت إلّا ان يلتزم بالحمل على الصحة فى هذه الصورة وقد حكم بعضهم باشتراط العدالة فيمن يوضأ العاجز عن الوضوء اذا لم يعلم العاجز لصدور الفعل عن المتوضى صحيحا ولعله لعدم احراز كونه فى مقام ابراء ذمة العاجز لا لمجرد احتمال عدم مبالاته فى الاجزاء والشرائط كما قد لا يبالى فى وضوء نفسه.

ويمكن ان يقال فيما اذا كان الفعل الصادر من المسلم على وجه النيابة عن الغير المكلف بالعمل اولا وبالذات كالعاجز عن الحج ان لفعل النائب عنوانين احدهما من حيث انه فعل من افعال النائب ولذا يجب عليه مراعات الاجزاء والشروط (١) المعتبرة فى المباشرة وبهذا الاعتبار يترتب عليه جميع آثار صدور الفعل الصحيح منه مثل استحقاق الاجرة وجواز استيجاره ثانيا بناء على اشتراط فراغ ذمة الاجير فى صحة استيجاره ثانيا.

والثانى من حيث انه فعل للمنوب عنه حيث انه بمنزلة الفاعل بالتسبيب او الآلة وكان الفعل بعد قصد النيابة والبدلية قائما بالمنوب عنه وبهذا الاعتبار يراعى فيه القصر والاتمام فى الصلاة والتمتع والقران فى الحج والترتيب

__________________

١ ـ كالجهر والاخفات وستر العورة ، وقوله بالتسبيب : كما فى مثال الحج والآلة كما فى مثال الوضوء (م ق)

٤٣٩

فى الفوائت والصحة من الحيثية الاولى لا تثبت الصحة من هذه الحيثية الثانية بل لا بد من احراز صدور الفعل الصحيح عنه على وجه التسبيب.

وبعبارة اخرى ان كان فعل الغير يسقط التكليف عنه من حيث انه فعل الغير كفت اصالة الصحة فى السقوط كما فى الصلاة على الميت وان كان انما يسقط التكليف عنه من حيث اعتبار كونه فعلا له (١) ولو على وجه التسبيب كما اذا كلف بتحصيل فعل بنفسه او ببدن غيره كما فى استيجار العاجز للحج لم تنفع اصالة الصحة فى سقوطه بل يجب التفكيك بين اثرى الفعل من الحيثيتين فيحكم باستحقاق الفاعل الاجرة وعدم براءة ذمة المنوب عنه من الفعل.

لكن يبقى الاشكال (٢) فى استيجار الولى للعمل عن الميت اذ لا يعتبر فيه قصد النيابة عن الولى وبراءة ذمة الميت من آثار صحة فعل الغير من حيث هو فعله لا من حيث اعتباره فعلا للولى فلا بد ان يكتفى فيه باحراز اتيان صورة الفعل بقصد ابراء ذمة الميت ويحمل على الصحيح من حيث الاحتمالات الأخر ولا بد من التأمل فى هذا المقام ايضا بعد التتبع التام فى كلمات الاعلام.

الخامس ان الثابت (٣) من القاعدة المذكورة الحكم بوقوع الفعل بحيث

__________________

١ ـ اى للمكلف المستنيب ، قوله كما فى استيجار العاجز لتكليفه بالمباشرة اولا وبالذات وبتحصيله ببدن الغير عند العجز (م ق)

٢ ـ وجه الاشكال عدم تأتى الحيثيتين فى استيجار الولى من قبل نفسه عما وجب عليه من قبل الميت مع كون الاجير نائبا عنه وكونه مكلفا بتحصيل الفعل بنفسه او ببدن غيره كما فى استيجار العاجز فى الحج وان لم يشترط العجز هنا (ق)

٣ ـ حاصله انها هل تثبت متعلقات الفعل وقيوده ايضا ام لا تثبت الا مجرد وصف الصحة فاذا ادعى البائع كون المبيع ميتة والمشترى كونه حيا بوصف مخصوص فهل يحكم مع الحكم بالصحة بكون المبيع متصفا بذلك الوصف ايضا حتى يجب على البائع الخروج عن عهدته ام الثابت مجرد الصحة فيثبت شيء مجهول فى ذمة البائع

٤٤٠