الرسائل الجديدة والفرائد الحديثة

الشيخ علي المشكيني

الرسائل الجديدة والفرائد الحديثة

المؤلف:

الشيخ علي المشكيني


الموضوع : أصول الفقه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٣٥

انه على قسمين لان القيد قد يكون منشؤه فعلا خارجيا مغايرا للمقيد فى الوجود الخارجى كالطهارة الناشية من الوضوء وقد يكون قيدا متحدا معه فى الوجود الخارجى والظاهر اتحاد حكمهما والكلام فيهما هو الكلام (١) فيما تقدم.

وقد يفرق بينهما (٢) بالحاق الاول بالشك فى الجزئية دون الثانى نظرا الى جريان العقل والنقل الدالين على عدم المؤاخذة على ما لم يعلم من الشارع المؤاخذة عليه فى الاول فان وجوب الوضوء اذا لم يعلم المؤاخذة عليه كان التكليف به ولو مقدمة منفيا بحكم العقل والنقل ، والمفروض ان الشرط الشرعى انما انتزع من الامر بالوضوء فى الشريعة فينتفى بانتفاء منشأ انتزاعه فى الظاهر.

واما ما كان متحدا مع المقيد فى الوجود الخارجى كالايمان فى الرقبة المؤمنة فليس مما يتعلق به وجوب والزام مغاير لوجوب اصل الفعل ولو مقدمة فلا يندرج فيما حجب الله علمه عن العباد ، والحاصل ان ادلة البراءة من العقل والنقل انما ينفى الكلفة الزائدة الحاصلة من فعل المشكوك والعقاب المترتب على تركه مع اتيان ما هو معلوم الوجوب تفصيلا فان الآتى بالصلاة بدون التسليم المشكوك فى وجوبه معذور فى ترك التسليم لجهله واما الآتي بالرقبة الكافرة فلم يأت فى الخارج بما هو معلوم له تفصيلا حتى يكون معذورا فى الزائد المجهول بل هو تارك للمامور به رأسا ، وبالجملة فالمطلق والمقيد

__________________

١ ـ فالوجوب الغيرى المتعلق بالفعل الخارجى كالطهارة او بالقيد المتحد كالايمان محجوب عن الناس موضوع عنهم ومرفوع ، او الوجوب النفسى المتعلق بالذات المقيد بهما مرفوع كما عرفت (شرح)

٢ ـ حاصل الفرق ان للقيد فى القسم الاول وجودا مستقلا يمكن فعله وتركه مع اتيان ما هو معلوم الوجوب تفصيلا فيشك (ح) فى وجوبه الغيرى فتجرى البراءة فيكون المورد (ح) من قبيل الاقل والاكثر ، واما فى القسم الثانى فحيث لا وجود له مستقلا يكون الذات بلا مقارنة ذلك القيد مباينا وجودا مع المقارن بالقيد كالرقبة الكافرة والمؤمنة فلا مناص من الاحتياط (شرح)

٢٨١

من قبيل المتباينين لا الاقل والاكثر.

ولكن الانصاف (١) انه لا بأس بنفى القيود المشكوكة للمأمور به بادلة البراءة من العقل والنقل لان المنفى فيها الالزام بما لا يعلم ورفع كلفته ، ولا ريب ان التكليف بالمقيد مشتمل على كلفة زائدة والزام زائد على ما فى التكليف بالمطلق وان لم يزد المقيد الموجود فى الخارج على المطلق الموجود فى الخارج ولا فرق عند التأمل بين اتيان الرقبة الكافرة واتيان الصلاة بدون الوضوء.

مع ان ما ذكر من تغاير منشإ حصول الشرط مع وجود المشروط فى الوضوء واتحادهما فى الرقبة المؤمنة كلام ظاهرى فان الصلاة حال وجود الطهارة بمنزلة الرقبة المؤمنة فى كون كل منهما امرا واحدا فى مقابل الفرد الفاقد للشرط واما وجوب ايجاد الوضوء مقدمة لتحصيل ذلك المقيد فى الخارج فهو امر يتفق بالنسبة الى الفاقد للطهارة ونظيره قد يتفق فى الرقبة المؤمنة حيث انه قد يجب بعض المقدمات لتحصيلها فى الخارج ، بل قد يجب السعى فى هداية الرقبة الكافرة الى الايمان مع التمكن اذا لم يوجد غيرها وانحصر الواجب فى العتق ، وبالجملة فالامر بالمشروط بشيء لا يقتضى بنفسه ايجاد امر زائد مغاير له فى الوجود الخارجى بل قد يتفق وقد لا يتفق واما الواجد للشرط فهو لا يزيد فى الوجود

__________________

١ ـ حاصله ان ادلة البراءة تنفى كلما كان فيه كلفة زائدة ولم يكن تكليفا مستقلا بل كان من اوصاف التكليف وعوارضها كتعلقه بالمقيد فان تعلقه به وصف زائد فيه كلفة فهو مجهول مرفوع بالحديث هذا اولا ، وثانيا انه لا فرق اصلا بين الصلاة مع الطهارة والرقبة المؤمنة فان الشرط فى كليهما واحد متحد الوجود مع المقيد فان الشرط هو الحالة الحاصلة للانسان فى حال الصلاة كالايمان فى الرقبة والطهارات الثلاث مقدمة لها يلزم تحصيلها لمن لم يكن من اول توجه تكليف الصلاة واجدة لها كما ان الايمان ايضا كذلك فقد يكون موجودا وقد لا يكون فيجب تحصيله فكما ان الطهارة تكون واجبة بوجوب مقدمى فكذا الايمان وكما تجرى البراءة فيها فكذا فيه

٢٨٢

الخارجى على الفاقد له فالفرق بين الشروط فاسد جدا فالتحقيق ان حكم الشرط بجميع اقسامه واحد سواء الحقناه بالجزء ام بالمتباينين.

ومما ذكرنا يظهر الكلام فى ما لو دار الامر بين التخيير والتعيين كما لو دار الواجب فى كفارة رمضان بين خصوص العتق للقادر عليه وبين احدى الخصال الثلث فان فى الحاق ذلك بالاقل والاكثر فيكون نظير دوران الامر بين المطلق والمقيد او المتباينين وجهين بل قولين من عدم جريان ادلة البراءة فى المعين لانه معارض بجريانها فى الواحد المخير وليس بينهما قدر مشترك خارجى او ذهنى يعلم تفصيلا وجوبه فيشك فى جزء زائد خارجى او ذهنى ومن ان الالزام بخصوص احدهما كلفة زائدة على الالزام باحدهما فى الجملة وهو ضيق على المكلف وحيث لم يعلم المكلف بتلك الكلفة فهى موضوعة عن المكلف بحكم ما حجب الله علمه وحيث لم يعلم بذلك الضيق فهو فى سعة منه بحكم الناس فى سعة ما لم يعلموا ، واما وجوب الواحد المردد بين المعين والمخير فيه فهو معلوم فليس موضوعا عنه ولا هو فى سعة من جهته.

فالمسألة فى غاية الاشكال لعدم الجزم باستقلال العقل بالبراءة عن التعيين بعد العلم الاجمالى وعدم كون المعين المشكوك فيه امرا خارجا عن المكلف به مأخوذا فيه على وجه الشطرية او الشرطية بل هو على تقديره عين المكلف به والاخبار غير منصرفة الى نفى التعيين لانه فى معنى نفى الواحد المعين فيعارض بنفى الواحد المخير فلعل الحكم بوجوب الاحتياط والحاقه بالمتباينين لا يخلو عن قوة بل الحكم فى الشرط والحاقه بالجزء لا يخلو عن اشكال ، لكن الاقوى فيه الالحاق فالمسائل الاربع فى الشرط حكمها حكم مسائل الجزء فراجع.

ثم ان مرجع الشك فى المانعية الى الشك فى شرطية عدمه واما الشك فى القاطعية بان يعلم ان عدم الشيء لا مدخل له فى العبادة الا من جهة قطعه للهيئة الاتصالية المعتبرة فى نظر الشارع فالحكم فيه استصحاب الهيئة الاتصالية وعدم خروج الاجزاء السابقة عن قابلية صيرورتها اجزاء فعلية وسيتضح ذلك بعد ذلك إن شاء الله ، ثم ان الشك فى الشرطية قد

٢٨٣

ينشأ عن الشك فى حكم تكليفى نفسى فيصير اصالة البراءة فى ذلك الحكم التكليفى حاكما على الاصل فى الشرطية والجزئية فيخرج عن موضوع مسئلة الاحتياط والبراءة فيحكم بما يقتضيه الاصل الحاكم من وجوب ذلك المشكوك فى شرطيته او عدم وجوبه.

وينبغى التنبيه على امور متعلقة بالجزء والشرط الأمر الاول اذا ثبت جزئية شيء وشك فى ركنيته فهل الاصل كونه ركنا او عدم كونه كذلك او مبنى على مسئلة البراءة والاحتياط فى الشك فى الجزئية او التبعيض بين احكام الركن فيحكم ببعضها وينفى بعضها الآخر وجوه ، لا يعرف الحق منها الا بعد معرفة معنى الركن فنقول ان الركن فى اللغة (١) والعرف معروف وليس له فى الاخبار ذكر حتى يتعرض لمعناه فى زمان صدور تلك الاخبار بل هو اصطلاح خاص للفقهاء وقد اختلفوا فى تعريفه بين من قال بانه ما تبطل العبادة بنقصه عمدا وسهوا وبين من عطف على النقص زيادته والاول اوفق بالمعنى اللغوى والعرفى و (ح) فكل جزء ثبت فى الشرع بطل العبادة بالاخلال فى طرف النقيصة او فيه وفى طرف الزيادة فهو ركن فالمهم بيان حكم الاخلال بالجزء فى طرف النقيصة او الزيادة وانه اذا ثبت جزئيته فهل الاصل يقتضى بطلان المركب بنقصه سهوا كما يبطل بنقصه عمدا وإلّا لم يكن جزءا.

فهنا مسائل ثلث (٢) بطلان العبادة بتركه سهوا وبطلانها بزيادته عمدا وبطلانها بزيادته سهوا ، اما الاولى فالاقوى فيها اصالة (٣) بطلان العبادة بنقص الجزء سهوا

__________________

١ ـ عن الصحاح والقاموس ركن الشيء جانبه الاقوى وفى العرف ما يكون به قوام الشيء ولعله المراد ايضا بالجانب الاقوى (ق)

٢ ـ لم يتعرض للنقص العمدى لما اشار اليه بقوله وإلّا لم يكن جزءا ، ثم ان الكلام فى كل من المسائل يقع تارة بحسب الاصول العملية واخرى بحسب الاصول اللفظية كما سيجيء (ق)

٣ ـ مرجع البحث هنا الى ان ما ثبت جزئيته فى حال الالتفات فهل الاصل يقتضى

٢٨٤

إلّا ان يقوم دليل عام او خاص على الصحة لان ما كان جزءا فى حال العمد كان جزءا فى حال الغفلة فاذا انتفى انتفى المركب فلم يكن المأتى به موافقا للمأمور به وهو معنى فساده ، اما عموم جزئيته لحال الغفلة فلان الغفلة لا يوجب تغيير المأمور به فان المخاطب بالصلاة مع السورة اذا غفل عن السورة فى الاثناء لم يتغير الامر المتوجه اليه قبل الغفلة ولم يحدث بالنسبة اليه من الشارع امر آخر حين الغفلة لانه غافل عن غفلته فالصلاة المأتى بها من غير سورة غير مأمور بها بامر اصلا ، غاية الامر عدم توجه الامر بالصلاة مع السورة اليه لاستحالة تكليف الغافل فالتكليف ساقط عنه ما دام الغفلة نظير من غفل عن الصلاة رأسا او نام عنها فاذا التفت اليها والوقت باق وجب عليه الاتيان به بمقتضى الامر الاول.

فان قلت عموم جزئية الجزء لحال النسيان يتم فيما لو ثبت الجزئية بمثل قوله لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب دون ما لو قام الاجماع مثلا على جزئية شيء فى الجملة واحتمل اختصاصها بحال الذكر كما انكشف ذلك بالدليل فى الموارد التى حكم الشارع فيها بصحة الصلاة المنسى فيها بعض الاجزاء على وجه يظهر من الدليل كون صلاته تامة مثل قوله (ع) تمت صلاته ولا يعيد وحينئذ فمرجع الشك الى الشك فى الجزئية حال النسيان فيرجع فيها الى البراءة والاحتياط على الخلاف وكذا لو كان الدال على الجزئية حكما تكليفيا مختصا بحال الذكر وكان الامر باصل العبادة مطلقا فانه يقتصر فى تقييده على مقدار قابلية دليل التقييد اعنى حال الذكر اذ لا تكليف حال الغفلة فالجزء المنتزع من الحكم التكليفى نظير الشرط المنتزع منه فى اختصاصه

__________________

ـ كونه جزءا مطلقا حتى بالنسبة الى النسيان والغفلة عنه ليترتب عليه بطلان الصلاة ووجوب الاعادة فى صورة النسيان والغفلة عنه ، او الاصل يقتضى اختصاص جزئيته بحال الالتفات ، ثم ان الكلام انما هو فيما لو ثبت الجزئية بدليل لبى كالاجماع او لفظى مجمل وإلّا فلو ثبت بمثل قوله السورة جزء من الصلاة فمقتضى اطلاقه كونه جزءا حتى فى صورة النسيان (شرح)

٢٨٥

بحال الذكر كلبس الحرير ونحوه.

قلت ان اريد بعدم جزئية ما ثبت جزئيته فى الجملة فى حق الناسى ايجاب العبادة الخالية عن ذلك الجزء عليه فهو غير قابل (١) لتوجيه الخطاف اليه بالنسبة الى المغفول عنه ايجابا واسقاطا وان اريد به امضاء الخالى (٢) عن ذلك الجزء من الناسى بدلا عن العبادة الواقعية فهو حسن لانه حكم فى حقه بعد زوال غفلته ، لكن عدم الجزئية بهذا المعنى عند الشك مما لم يقل به احد من المختلفين فى مسئلة البراءة والاحتياط لان هذا المعنى حكم وضعى لا يجرى فيه ادلة البراءة ، بل الاصل فيه العدم بالاتفاق وهذا معنى ما اخترناه من فساد العبادة الفاقدة للجزء نسيانا بمعنى عدم كونها مأمورا بها ولا مسقطا عنه.

واما ما ذكره من ان دليل الجزء قد يكون من قبيل التكليف وهو لاختصاصه بغير الغافل لا يقيد الامر بالكلى الا بقدر مورده وهو غير الغافل فاطلاق الامر بالكلى المقتضى لعدم جزئية هذا الجزء له بالنسبة الى الغافل بحاله ففيه ان التكليف المذكور ان كان تكليفا نفسيا (٣) فلا يدل على كون متعلقه جزءا للمأمور به حتى يقيد به الامر بالكل وان كان تكليفا غيريا فهو كاشف عن كون متعلقه جزءا لأنّ الامر

__________________

١ ـ اذ لا يعقل ان يقول الشارع ايها الغافل عن السورة صل بلا سورة ، لاستلزام توجه المكلف الى عنوانه المأخوذ فى الدليل عدم اندراجه تحت ذلك العنوان (شرح)

٢ ـ وان لم يكن مأمورا به اصلا ومشمولا للامرين رأسا ولا منافاة بينه وبين رضا الشارع به بدلا من الواقع لمصلحة راعاها فيه ؛ وحاصل الجواب عنه ان البدلية امر وضعى يحكم بعدمه عند الشك ولازمه فساد المأتى به لا صحته (ق)

٣ ـ كما اذا ورود الامر بالصلاة على النبى (ص) عند استماع اسمه الشريف فى اثناء الصلاة فلا ينتزع منه جزئية التحية للصلاة بخلاف ما كان غيريا لان الوجوب للغير يكشف عن اخذ هذا الفعل فى الغير شرطا او شطرا قبل تعلق هذا الامر به ؛ فانتفاء هذا الامر لا يدل على عدم الجزئية (م ق)

٢٨٦

الغيرى انما يتعلق بالمقدمة وانتفائه بالنسبة الى الغافل لا يدل على نفى جزئية فى حقه لان الجزئية غير مسببة عنه بل هو مسبب عنها.

ومن ذلك يعلم الفرق بين ما نحن فيه وبين ما ثبت اشتراطه من الحكم التكليفى كلبس الحرير فان الشرطية مسببة من التكليف عكس ما نحن فيه فينتفى بانتفائه ، والحاصل ان الامر الغيرى بشىء لكونه جزءا وان انتفى فى حق الغافل عنه من حيث انتفاء الامر بالكل فى حقه إلّا ان الجزئية لا ينتفى بذلك وقد يتخيل ان اصالة العدم (١) على الوجه المتقدم وان اقتضت ما ذكر إلّا ان استصحاب الصحة حاكم عليها وفيه ما سيجيء فى المسألة الآتية من فساد التمسك به فى هذا المقامات وكذا التمسك بغيره مما سيذكر هناك.

فان قلت ان الاصل الاولى وان كان ما ذكرت إلّا ان هنا اصلا ثانويا يقتضى امضاء ما يفعله الناسى خاليا عن الجزء والشرط المنسى عنه وهو قوله (ص) رفع عن امتى تسعة الخطاء والنسيان بناء على ان المقدر ليس خصوص المؤاخذة بل جميع الآثار الشرعية المترتبة على الشىء المنسى لو لا النسيان فانه لو ترك السورة لا للنسيان يترتب حكم الشارع عليه بالفساد ووجوب الاعادة وهذا مرفوع مع ترك السورة نسيانا وان شئت قلت ان جزئية السورة مرتفعة حال النسيان.

قلت بعد تسليم ارادة رفع جميع الآثار ان جزئية السورة (٢) ليست من الاحكام المجعولة لها شرعا بل هى ككلية الكل وانما المجعول الشرعى وجوب الكل والوجوب مرتفع حال النسيان بحكم الرواية ووجوب الاعادة بعد التذكر مترتب

__________________

١ ـ يعنى اصالة عدم امضاء الشارع بعنوان البدلية (ق)

٢ ـ توضيحه انه بعد تعلق الامر بمجموع مركب ينتزع عند العقل الكلية للمجموع والجزئية لكل واحد من الاجزاء فهما امران منتزعان غير مجعولين بل المجعول الامر المتعلق بالمجموع المركب وهو المرفوع حال النسيان فاذا التفت توجه اليه ووجبت الاعادة (م شرح)

٢٨٧

على الامر الاول لا على ترك السورة.

ودعوى ان ترك السورة (١) سبب لترك الكل الذى هو سبب وجود الامر الاول لان عدم الرافع من اسباب البقاء وهو من المجعولات القابلة للارتفاع فى الزمان الثانى فمعنى رفع النسيان رفع ما يترتب عليه وهو ترك الجزء ومعنى رفعه رفع ما يترتب عليه وهو ترك الكل ومعنى رفعه رفع ما يترتب عليه وهو وجود الامر فى الزمان الثانى.

مدفوعة بما تقدم فى بيان معنى الرواية فى الشبهة التحريمية فى الشك فى اصل التكليف من ان المرفوع فى الرواية الآثار الشرعية الثابتة لو لا النسيان لا الآثار الغير الشرعية ولا ما يترتب على هذه الآثار من الآثار الشرعية فالآثار المرفوعة فى هذه الرواية نظير الآثار الثابتة للمستصحب بحكم اخبار الاستصحاب فى انها هى خصوص الشرعية المجعولة للشارع دون الآثار العقلية والعادية ودون ما يترتب عليها من الآثار الشرعية نعم لو صرح الشارع بان حكم نسيان الجزء الفلانى مرفوع او ان نسيانه كعدم نسيانه او انه لا حكم لنسيان السورة مثلا وجب حمله تصحيحا للكلام على رفع الاعادة وان لم يكن اثرا شرعيا فافهم وكيف كان فالقاعدة الثانوية فى النسيان غير ثابتة.

نعم يمكن دعوى القاعدة الثانوية فى خصوص الصلاة من جهة قوله عليه‌السلام لا تعاد الصلاة الا من خمسة الطهور والوقت والقبلة والركوع والسجود وقوله عليه‌السلام فى مرسلة سفيان يسجد سجدتى السهو فى كل زيادة ونقيصة وقوله عليه‌السلام فيمن نسى الفاتحة أليس قد اتممت الركوع والسجود وغيره ، ثم ان الكلام فى الشرط كالكلام فى الجزء فى الاصل الاولى والثانوى المزيف والمقبول وهو غاية المسئول.

المسألة الثانية فى زيادة الجزء عمدا (٢) وانما يتحقق فى الجزء الذى

__________________

١ ـ حاصله ان النبوى مع تسليم ظهوره فى نفى الآثار الشرعية خاصة يشمل نفى الآثار الشرعية المترتبة على المنسى بلا واسطة او معها ولو بوسائط وهو كاف فى اثبات المدعى (ق)

٢ ـ هنا امران الاول انه قد يدل الدليل على كون شيء جزءا بشرط عدم الزيادة

٢٨٨

لم يعتبر فيه اشتراط عدم الزيادة فلو اخذ بشرطه فالزيادة عليه موجب لاختلاله من حيث النقيصة لان فاقد الشرط كالمتروك كما انه لو اخذ فى الشرع لا بشرط الوحدة والتعدد فلا اشكال فى عدم الفساد ويشترط فى صدق الزيادة قصد كونه من الاجزاء ، اما زيادة صورة الجزء لا بقصدها كما لو سجد للعزيمة فى الصلاة لم يعد زيادة فى الجزء ، نعم ورد فى بعض الاخبار انها زيادة فى المكتوبة وسيأتى الكلام فى معنى الزيادة فى الصلاة.

ثم الزيادة العمدية يتصور على وجوه احدها ان يزيد جزء من اجزاء الصلاة بقصد كون الزائد جزءا مستقلا كما لو اعتقد شرعا او تشريعا (١) ان الواجب فى كل ركعة ركوعان كالسجود ، الثانى ان يقصد كون مجموع الزائد والمزيد عليه جزءا واحدا كما لو اعتقد ان الواجب فى الركوع الجنس الصادق على الواحد والمتعدد ؛ الثالث ان يأتى بالزائد بدلا عن المزيد عليه بعد رفع اليد عنه اما اقتراحا (٢) كما لو قرء سورة ثم بدا له فى الاثناء او بعد الفراغ وقرء سورة اخرى لغرض دينى كالفضيلة او دنيوى كالاستعجال واما لإيقاع الاول على وجه فاسد بفقد بعض الشروط كان يأتى ببعض الاجزاء رياء او مع عدم الطمأنينة المعتبرة فيها ثم يبدو له

__________________

ـ وقد يدل على كونه جزءا بشرط التعدد كما انه قد يدل على الجزئية بعنوان جنسه الشامل للواحد والمتعدد ولا كلام فى جميع تلك الصور ، انما الكلام فيما اذا كان مجملا من هذه الجهات كالاجماع القائم على وجوب السورة واحتمال القسم الاول والاخير مع عدم احتمال ارادة القسم الثانى فانه يكون من قبيل الدوران بين الجزئية والمانعية ، الثانى ان مرجع النزاع فى ابطال الزيادة هنا الى النزاع فى ابطال مشكوك المانعية لكونه جزئيا من جزئيات ذلك النزاع (ق وشرح)

١ ـ كاعتقاد العوام بصحة عباداته الفاسدة التى اخذها من ابويه ومن شابههما ممن لا يعتبر قوله شرعا (ق)

٢ ـ الاقتراح استنباط الشيء من غير سماع (ق)

٢٨٩

فى اعادته على وجه صحيح.

اما الزيادة على الوجه الاول فلا اشكال فى فساد العبادة بها سواء نوى ذلك قبل الدخول فى الصلاة او فى الاثناء لان ما اتى به وقصد الامتثال به وهو المجموع المشتمل على الزيادة غير مامور به وما امر به وهو ما عدا تلك الزيادة لم يقصد الامتثال به ، واما الأخيران فمقتضى الاصل عدم بطلان العبادة فيهما لان مرجع ذلك الشك الى الشك فى مانعية الزيادة ومرجعها الى الشك فى شرطية عدمها وقد تقدم ان مقتضى الاصل فيه البراءة.

وقد يستدل للصحة باستصحابها بناء على ان العبادة قبل هذه الزيادة كانت صحيحة والاصل بقائها وعدم عروض البطلان لها ، وفيه ان المستصحب ان كان صحة مجموع الصلاة فلم يتحقق بعد وان كان صحة الاجزاء السابقة منها فهى غير مجدية لان صحة تلك الاجزاء اما عبارة عن مطابقتها للامر المتعلق بها واما ترتب الاثر عليها والمراد بالاثر المترتب عليها حصول المركب بها منضمة مع باقى الاجزاء والشرائط اذ ليس اثر الجزء المنوط به صحته الا حصول الكل به منضما الى تمام غيره مما يعتبر فى الكل ولا يخفى ان الصحة بكلا المعنيين باقية للاجزاء السابقة لانها بعد وقوعها مطابقة للامر بها لا تنقلب عما وقعت عليه وهى بعد على وجه لو انضم اليها تمام ما يعتبر فى الكل حصل الكل فعدم حصول الكل لعدم انضمام تمام ما يعتبر فى الكل الى تلك الاجزاء لا يخل بصحتها.

ألا ترى ان صحة الخل من حيث كونه جزءا للسكنجين لا يراد بها الا كونه على صفة لو انضم اليه تمام ما يعتبر فى تحقق السكنجبين لحصل الكل فلو لم ينضم اليه تمام ما يعتبر فلم يحصل ذلك الكل لم يقدح ذلك فى اتصاف الخل بالصحة فى مرتبة جزئيته فاذا كان عدم حصول الكل يقينا لعدم حصول تمام ما يعتبر فى الكل غير قادح فى صحة الجزء فكيف اذا شك فى حصول الكل من جهة الشك فى انضمام تمام ما يعتبر كما فيما نحن فيه فان الشك فى صحة

٢٩٠

الصلاة بعد تحقق الزيادة المذكورة من جهة الشك فى انضمام تمام ما يعتبر الى الاجزاء لعدم كون (١) عدم الزيادة شرطا وعدم انضمامه لكون عدم الزيادة احد الشرائط المعتبرة ولم يتحقق فلا يتحقق الكل ، ومن المعلوم ان هذا الشك لا ينافى القطع بصحة الاجزاء السابقة فاستصحاب صحة تلك الاجزاء غير محتاج اليه لانا نقطع ببقاء صحتها لكنه لا يجدى فى صحة الصلاة بمعنى استجماعها لما عداها من الاجزاء والشرائط الباقية.

فان قلت فعلى ما ذكرت فلا يفرض البطلان للاجزاء السابقة ابدا بل هى باقية على الصحة بالمعنى المذكور الى ابد الدهر وان وقع بعدها ما وقع من الموانع مع ان من الشائع فى النصوص والفتاوى اطلاق المبطل والناقض على مثل الحدث وغيره من قواطع الصلاة

قلت نعم ولا ضير فى التزام ذلك ومعنى بطلانها عدم الاعتداد بها فى حصول الكل لعدم التمكن من ضم تمام الباقى اليها فيجب استيناف الصلاة امتثالا للامر ، نعم ان حكم الشارع على بعض الاشياء بكونه قاطعا للصلاة او ناقضا يكشف عن ان لاجزاء الصلاة فى نظر الشارع هيئة اتصالية ترتفع ببعض الاشياء دون بعض فان الحدث يقطع ذلك الاتصال والتجشؤ لا يقطعه والقطع يوجب الانفصال القائم بالمنفصلين وهما فى ما نحن فيه الاجزاء السابقة والاجزاء التى تلحقها بعد تخلل ذلك القاطع فكل من السابق واللاحق تسقط عن قابلية ضمه الى الآخر وضم الآخر اليه ، ومن المعلوم ان الأجزاء السابقة كانت قابلة للضم اليها وصيرورتها اجزاء فعلية للمركب ، والاصل بقاء تلك القابلية وتلك الهيئة الاتصالية بينها وبين ما يلحقها فيصح الاستصحاب فى كل ما شك فى قاطعية الموجود ، ولكن هذا مختص بما اذا شك فى القاطعية وليس مطلق الشك فى مانعية الشيء كالزيادة فيما نحن فيه شكافى القاطعية.

وحاصل الفرق بينهما ان عدم الشيء فى جميع آنات الصلاة قد يكون

__________________

١ ـ تعليل للانضمام ، وقوله وعدم انضمامه : معطوف على قوله وانضمام (ق)

٢٩١

بنفسه من جملة الشروط فاذا وجد آنا ما فقد انتفى الشرط على وجه لا يمكن تداركه فلا يتحقق المركب من هذه الجهة ، وهذا لا يجدى فيه القطع بصحة الاجزاء السابقة فضلا عن استصحابها وقد يكون اعتباره من حيث كون وجوده قاطعا ورافعا للهيئة الاتصالية والارتباطية فى نظر الشارع بين الاجزاء فاذا شك فى رافعية شيء لها حكم ببقاء تلك الهيئة واستمرارها وعدم انفصال الاجزاء السابقة عما يلحقها من ساير الاجزاء.

هذا ولكن يمكن الخدشة فيما اخترناه من الاستصحاب بان المراد بالاتصال والهيئة الاتصالية ان كان ما بين الاجزاء السابقة بعضها مع بعض فهو باق لا ينفع وان كان ما بينها وبين ما لحقها من الاجزاء الآتية فالشك فى وجودها لابقائها واما اصالة بقاء الاجزاء السابقة على قابلية الحاق الباقى بها فلا يبعد كونها من الاصول المثبتة (١) ، اللهم إلّا ان يقال ان استصحاب الهيئة الاتصالية من الاستصحابات العرفية غير مبتنية على التدقيق نظير استصحاب الكرية فى الماء المسبوق بالكرية ويقال فى بقاء الاجزاء السابقة على قابلية الاتصال انه لما كان المقصود الاصلى من القطع وعدمه هو لزوم استيناف الاجزاء السابقة وعدمه وكان الحكم بقابليتها لالحاق الباقى بها فى قوة الحكم بعدم وجوب استينافها خرج من الاصول المثبتة التى ذكر فى محله عدم الاعتداد بها فى الاثبات فافهم وبما ذكرنا يظهر سر ما اشرنا اليه فى المسألة السابقة من عدم الجدوى فى استصحاب الصحة لاثبات صحة العبادة المنسى فيها بعض الاجزاء عند الشك فى جزئية المنسى حتى حال النسيان.

__________________

١ ـ لان عدم وجوب استيناف الاجزاء السابقة الذى هو المطلوب من آثار فعلية اتصالها مع الباقية المأتى بها وتلك الفعلية من آثار قابلية الاتصال فترتب عدم الوجوب على القابلية يكون مع الواسطة وهو معنى الاثبات ؛ وقوله اللهم : بيان لامكان دعوى خفاء الواسطة بحيث يتخيل عند العرف كون الحكم المذكور مرتبا على نفس القابلية (م ط)

٢٩٢

وقد يتمسك لاثبات صحة العبادة عند الشك فى طرو المانع بقوله تعالى (وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ) فان حرمة الابطال ايجاب للمضى فيها وهو مستلزم لصحتها ولو بالاجماع المركب او عدم القول بالتفكيك بينهما فى غير الصوم والحج وقد استدل بهذه الآية غير واحد تبعا للشيخ قده وهو لا يخلو عن نظر يتوقف على بيان ما يحتمله الآية الشريفة من المعانى.

فنقول ان حقيقة الابطال بمقتضى وضع باب الافعال احداث البطلان فى العمل الصحيح وجعله باطلا نظير قولك اقمت زيدا او اجلسته او اغنيته والآية بهذا المعنى راجعة الى النهى عن جعل العمل لغوا لا يترتب عليه اثر كالمعدوم بعد ان لم يكن كذلك فالابطال هنا نظير الابطال فى قوله تعالى (لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى) بناء على ان النهى عن تعقيبها بهما بشهادة قوله تعالى (ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً) الآية.

الثانى ان يراد به ايجاد العمل على وجه باطل من قبيل قوله ضيق فم الركية (١) يعنى احدثه ضيقا لا احدث فيه الضيق بعد السعة والآية بهذا المعنى نهى عن اتيان الاعمال مقارنة للوجوه المانعة عن صحتها او فاقدة للامور المقتضية للصحة والنهى على هذين الوجهين ظاهره الارشاد اذ لا يترتب على احداث البطلان فى العمل او ايجاده باطلا عدى فوت مصلحة العمل الصحيح.

الثالث ان يراد من ابطال العمل قطعه ورفع اليد عنه كقطع الصلاة والصوم والحج وقد اشتهر التمسك بحرمة قطع العمل بها ويمكن ارجاع هذا الى المعنى الاول بان يراد من الاعمال ما يعم الجزء المتقدم من العمل لانه ايضا عمل لغة وقد وجد على وجه قابل لترتب الاثر وصيرورته جزءا فعليا للمركب فلا يجوز جعله باطلا ساقطا (٢) عن قابلية كونه جزءا فعليا فجعل هذا المعنى مغايرا للاول مبنى

__________________

١ ـ هى كعطية البئر ، ونحوها استعمال المجمل والمبين (ق)

٢ ـ بمعنى اسقاطه عن الصحة الفعلية بايجاد المانع لا الصحة التأهلية التى قال بعدم زوالها ابد الدهر (شرح)

٢٩٣

على كون المراد من العمل مجموع المركب الذى وقع الابطال فى اثنائه.

وكيف كان فالمعنى الاول اظهر لكونه المعنى الحقيقى ولموافقته لمعنى الابطال فى الآية الاخرى المتقدمة ومناسبته لما قبله من قوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ) فان تعقيب اطاعة الله واطاعة الرسول بالنهى عن الابطال يناسب الاحباط لا اتيان العمل على الوجه الباطل لانها مخالفة لله وللرسول هذا كله مع ظهور الآية فى حرمة ابطال الجميع فيناسب الاحباط بمثل الكفر لا ابطال شيء من الاعمال الذى هو المطلوب.

ويشهد لما ذكرنا مضافا الى ما ذكرنا ما ورد من تفسير الآية بالمعنى الاول فعن الامالى وثواب الاعمال عن الباقر عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من قال سبحان الله غرس الله له بها شجرة فى الجنة ومن قال الحمد لله غرس الله له بها شجرة فى الجنة ومن قال لا إله إلّا الله غرس الله له بها شجرة فى الجنة فقال له رجل من قريش ان شجرتنا فى الجنة لكثير ، قال نعم ولكن اياكم ان ترسلوا اليها نارا فتحرقوها ان الله عزوجل يقول (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ) هذا ان قلنا بالاحباط مطلقا او بالنسبة الى بعض المعاصى وان لم نقل به وطرحنا الخبر (١) لعدم اعتبار مثله فى مثل المسألة كان المراد فى الآية الابطال بالكفر ولان الاحباط به اتفاقى وببالى انى وجدت او سمعت ورود الرواية فى تفسير الآية ولا تبطلوا اعمالكم بالشرك.

هذا كله مع ان ارادة المعنى الثالث الذى يمكن الاستدلال به موجب لتخصيص الاكثر فان ما يحرم قطعه من الاعمال بالنسبة الى ما لا يحرم فى غاية القلة فاذا ثبت ترجيح المعنى الاول فان كان المراد بالاعمال ما يعم بعض العمل المتقدم كان دليلا ايضا على حرمة القطع فى الاثناء إلّا انه لا ينفع فيما نحن فيه لان المدعى

__________________

١ ـ لان المسألة اصولية اعتقادية لا يترتب عليها عمل جوارحى فلا تثبت بخبر الواحد الذى لا يفيد العلم والاذعان بل لزوم ترتيب العمل خارجا (شرح)

٢٩٤

فيما نحن فيه هو انقطاع العمل (١) بسبب الزيادة الواقعة فيه كانقطاعه بالحدث الواقع فيه لا عن اختيار فرفع اليد عنه بعد ذلك لا يعلم كونه قطعا له وابطالا ولا معنى لقطع المنقطع وابطال الباطل.

ومما ذكرنا يظهر ضعف الاستدلال على الصحة فيما نحن فيه باستصحاب حرمة القطع لمنع كون رفع اليد بعد وقوع الزيادة قطعا لاحتمال حصول الانقطاع فلم يثبت فى الآن اللاحق موضوع القطع حتى يحكم عليه بالحرمة واضعف منه استصحاب وجوب اتمام العمل للشك فى الزمان اللاحق فى القدرة على اتمامه وفى ان مجرد الحاق باقى الاجزاء اتمام له فلعل عدم الزيادة من الشروط والاتيان بما عداه من الاجزاء والشرائط تحصيل لبعض الباقى لاتمامه حتى يصدق اتمام العمل ، ألا ترى انه اذا شك بعد الفراغ عن الحمد فى وجوب السورة وعدمه لم يحكم على الحاق ما عداه الى الاجزاء السابقة انه اتمام للعمل.

ثم ان ما ذكرناه من حكم الزيادة وان مقتضى اصل البراءة عدم مانعيتها انما هو بالنظر الى الاصل الاولى وإلّا فقد يقتضى الدليل فى خصوص بعض المركبات البطلان كما فى الصلاة حيث دلت الاخبار المستفيضة على بطلان الفريضة بالزيادة فيها مثل قوله عليه‌السلام من زاد فى صلاته فعليه الاعادة وقوله (ع) واذا استيقن انه زاد فى المكتوبة فليستقبل صلاته وقوله عليه‌السلام فيما حكى عن تفسير العياشى فيمن اتم فى السفر انه يعيده قال لانه زاد فى فرض الله

__________________

١ ـ فانه لو فرض مانعية الجزء الموجود فالعمل بنفسه منقطع باطل ولا يصدق الابطال على رفع اليد عنه ومع هذا الشك فالتمسك بالآية يكون من قبيل التمسك بالعموم فى الشبهات المصداقية ، ونظيره ايضا التمسك باستصحاب حرمة القطع لعدم احراز الموضوع وكون التمسك به تمسكا فى الشبهات المصداقية ، ومثله ايضا التمسك بوجوب الاتمام فانه مع الشك فى مانعية الجزء الموجود يشك فى ان اتيان الباقى اتمام له ام الحاق باطل بباطل (شرح)

٢٩٥

عزّ وجلّ دل بعموم التعليل على وجوب الاعادة بكل زيادة فى فرض الله عزوجل وما ورد فى النهى عن قراءة العزيمة فى الصلاة من التعليل بقوله عليه‌السلام لان السجود زيادة فى المكتوبة وما ورد فى الطواف من انه مثل الصلاة المفروضة فى ان الزيادة مبطلة له ولبيان معنى الزيادة وان سجود العزيمة كيف يكون زيادة فى المكتوبة مقام آخر وان كان ذكره هنا لا يخلو عن مناسبة إلّا ان الاشتغال بالواجب ذكره بمقتضى وضع الرسالة اهم من ذكر ما يناسب.

المسألة الثالثة فى ذكر الزيادة سهوا التى تقدح عمدا وإلّا فما لا يقدح عمدا فسهوها اولى بعدم القدح ، والكلام هنا كما فى النقص نسيانا لان مرجعه الى الاختلال بالشرط نسيانا وقد عرفت ان حكمه البطلان ووجوب الاعادة فثبت من جميع المسائل الثلث ان الاصل فى الجزء (١) ان يكون نقصه مخلا ومفسدا دون زيادته ، نعم لو دل دليل على قدح زيادته عمدا كان مقتضى القاعدة البطلان بها سهوا إلّا ان يدل دليل على خلافه مثل قوله عليه‌السلام لا تعاد الصلاة الا من خمسة بناء على شموله لمطلق الاخلال الشامل للزيادة وقوله عليه‌السلام فى المرسلة تسجد سجدتى السهو لكل زيادة ونقيصة تدخل عليك.

فتلخص من جميع ما ذكر ان الاصل (٢) الاولى فيما ثبت جزئيته الركنية ان فسر الركن

__________________

١ ـ يعنى الجزء الذى ثبت جزئيته وشك فى ركنيته وحاصله ان الاصل فى مثل هذا الجزء ان يكون نقصه عمدا وسهوا مخلا مفسدا كما تقدم فى المسألة الاولى دون زيادته إن كانت عن عمد كما تقدم فى المسألة الثانية ؛ واما اذا كانت سهوا فهى بحسب الاصل الاولى مبطلة كما تقدم فى المسألة الثالثة واشار اليه هنا بقوله نعم لو دل دليل ، وان موضوع الكلام فى تلك المسألة زيادة الجزء الذى كانت زيادته عمدا مبطلة وبحسب الاصل الثانوى عدم البطلان كما اشار اليه بقوله إلّا ان يدل دليل (م ق)

٢ ـ هذا ملخص لما ذكره فى هذا الامر الذى ذكر المسائل الثلاث فى ذيله وما تقدم من قوله فثبت بيان لملخص ما ذكره فى خصوص المسائل الثلاث (ق)

٢٩٦

بما يبطل الصلاة بنقصه وان عطف على النقص الزيادة عمدا وسهوا فالاصل يقتضى التفصيل بين النقص والزيادة سهوا.

لكن التفصيل بينهما غير موجود فى الصلاة اذ كل ما يبطل الصلاة بالاخلال به سهوا يبطل بزيادته عمدا وسهوا فاصالة البراءة الحاكمة بعدم البأس بالزيادة معارضة بضميمة عدم القول بالفصل باصالة الاشتغال الحاكمة ببطلان العبادة بالنقص سهوا فان جوزنا الفصل فى الحكم الظاهرى الذى يقتضيه الاصول العملية فيما لا فصل فيه من حيث الحكم الواقعى فيعمل بكل واحد من الاصلين وإلّا فاللازم ترجيح (١) قاعدة الاشتغال على البراءة كما لا يخفى.

هذا كله مع قطع النظر عن القواعد الحاكمة على الاصول واما بملاحظتها فمقتضى لا تعاد الصلاة الا من خمسة والمرسلة المذكورة عدم قدح النقص (٢) سهوا والزيادة سهوا ومقتضى عموم اخبار الزيادة المتقدمة قدح الزيادة عمدا وسهوا وبينهما تعارض العموم من وجه فى الزيادة السهوية بناء على اختصاص (٣) لا تعاد بالسهو والظاهر حكومة قوله لا تعاد على اخبار الزيادة لانها كادلة سائر ما يخل فعله وتركه بالصلاة كالحدث والتكلم وترك الفاتحة وقوله لا تعاد يفيد ان الاخلال بما دل الدليل على عدم جواز الاخلال به اذا وقع سهوا لا يوجب الاعادة وان كان من حقه ان يوجبها

__________________

١ ـ لان العقل بمجرد جريان اصالة البراءة ولو لاجل المعارضة يحكم بوجوب الاحتياط (م ق)

٢ ـ اما قوله لا تعاد فلما سيصرح به واما المرسلة فلصراحتها فى الاختصاص بصورة السهو (ق)

٣ ـ يعنى سواء أكان السهو من جهة الزيادة ام النقيصة والوجه فى كون النسبة بين لا تعاد واخبار الزيادة عموما من وجه لافتراق الاول فى النقيصة السهوية والثانى فى الزيادة العمدية ويتعارضان فى الزيادة السهوية مما لم يكن من الامور الخمسة المذكورة فى خبر لا تعاد (م ق)

٢٩٧

والحاصل ان هذه الصحيحة (١) مسوقة لبيان عدم قدح الاخلال سهوا بما ثبت قدح الاخلال به فى الجملة ثم لو دل دليل على قدح الاخلال بشيء سهوا كان اخص من الصحيحة ان اختصت بالنسيان وعممت بالزيادة والنقصان والظاهر ان بعض (٢) ادلة الزيادة مختصة بالسهو مثل قوله اذا استيقن انه زاد فى المكتوبة استقبل الصلاة

الامر الثانى اذا ثبت جزئية شيء او شرطيته فى الجملة فهل يقتضى الاصل جزئيته وشرطيته المطلقتين حتى اذا تعذرا سقط التكليف بالكل او المشروط او اختصاص اعتبارهما بحال التمكن فلو تعذر لم يسقط التكليف وجهان بل قولان للاول اصالة البراءة من الفاقد وعدم ما يصلح لاثبات التكليف به كما سنبين ولا يعارضها استصحاب وجوب الباقى لان وجوبه كان مقدمة لوجوب الكل فينتفى بانتفائه وثبوت الوجوب النفسى له مفروض الانتفاء.

نعم اذا ورد الامر بالصلاة مثلا وقلنا بكونها اسما للاعم كان ما دل على اعتبار الاجزاء الغير المقومة فيها من قبيل التقييد فاذا لم يكن للمقيد اطلاق بان قام الاجماع على جزئيته فى الجملة او على وجوب المركب من هذا لجزء فى حق القادر عليه كان القدر المتيقن منه ثبوت مضمونه بالنسبة الى القادر اما العاجز فيبقى اطلاق الصلاة بالنسبة اليه سليما عن المقيد ومثل ذلك الكلام فى الشروط.

نعم لو ثبت الجزء والشرط (٣) بنفس الامر بالكل والمشروط كما لو قلنا بكون الالفاظ اسامى للصحيح لزم من انتفائهما انتفاء الامر ولا امر آخر

__________________

١ ـ يعنى خبر لا تعاد ، وقوله ثم لو دل معطوف على قوله والظاهر حكومة : وقوله الاخلال بشيء سهوا اى سواء كان السهو من جهة الزيادة ام النقيصة (م ق)

٢ ـ فيكون بين هذا البعض وبين الصحيحة عموم وخصوص مطلق فتخصص به الصحيحة (شرح)

٣ ـ بان كان امر المركب مطلقا والامر المتعلق بالجزء والشرط مجملا وقوله نعم لو ثبت : كما لو ورد الامر بالصلاة وعلمنا بان السورة ايضا جزئها فتعذر فى بعض الموارد وقوله لزم من انتفائهما اى انتفاء الكل والمشروط (م ق)

٢٩٨

بالعارى عن المفقود وكذلك لو ثبت اجزاء المركب من اوامر متعددة فان كلا منها امر غيرى اذا ارتفع بسبب العجز ارتفع الامر بذى المقدمة اعنى الكل فينحصر الحكم بعدم سقوط الباقى فى الفرض الاول كما ذكرنا.

ولا يلزم من ذلك استعمال لفظ المطلق فى المعنيين اعنى المجرد عن ذلك الجزء بالنسبة الى العاجز والمشتمل على ذلك الجزء بالنسبة الى القادر لان المطلق كما بين فى موضعه موضوع للماهية المهملة الصادقة على المجرد عن القيد والمقيد ، كيف ولو كان كذلك كان كثيرا من المطلقات مستعملا كذلك فان الخطاب الوارد بالصلاة قد خوطب به جميع المكلفين الموجودين او مطلقا مع كونهم مختلفين فى التمكن من الماء وعدمه وفى الحضر والسفر والصحة والمرض وغير ذلك وكذا غير الصلاة من الواجبات.

وللقول الثانى استصحاب وجوب الباقى اذا كان المكلف مسبوقا بالقدرة بناء على ان المستصحب (١) هو مطلق الوجوب بمعنى لزوم الفعل من غير التفات الى كونه لنفسه او لغيره او الوجوب النفسى المعلق بالموضوع الاعم من الجامع لجميع الاجزاء والفاقد لبعضها ، ودعوى صدق الموضوع عرفا على هذا المعنى الاعم الموجود فى اللاحق ولو مسامحة فان اهل العرف يطلقون على من عجز من

__________________

١ ـ تمسك ره بالاستصحاب بوجهين مرجعهما الى المسامحة فى امر الاستصحاب اما فى الحكم المستصحب او موضوعه ، احدهما ان المستصحب هو القدر المشترك بين الوجوب النفسى والغيرى وهو مطلق المطلوبية بدعوى ان وجوب الباقى كان غيريا فلو ثبت بالفعل كان نفسيا إلّا ان اهل العرف لا يفرقون بين مطلق المطلوبية والمطلوبية النفسية ويزعمون ثبوت الثانى بثبوت الاول بزعم اتحادهما ، وثانيهما ان يدعى ان المستصحب هو الوجوب النفسى ، لكن مع المسامحة فى موضوعه بدعوى كون موضوعه هو المعنى الاعم من الواجد للجزء المتعذر والفاقد له فيقال بعد تعذر بعض الاجزاء ان هذه الاجزاء الباقية كانت واجبة بالوجوب النفسى فالاصل بقائها على ما كانت عليه (م ق)

٢٩٩

السورة بعد قدرته عليها ان الصلاة كانت واجبة عليه حال القدرة على السورة ولا يعلم بقاء وجوبها بعد العجز عنها ولو لم يكف هذا المقدار فى الاستصحاب لاختل جريانه فى كثير من الاستصحابات مثل استصحاب كثرة الماء وقلته فان الماء المعين الذى اخذ بعضه او زيد عليه يقال انه كان كثيرا او قليلا والاصل بقاء ما كان مع ان هذا الماء الموجود لم يكن متيقن الكثرة او القلة وإلّا لم يعقل الشك فيه فليس الموضوع فيه الا هذا الماء مسامحة فى مدخلية الجزء الناقص او الزائد فى المشار اليه ، ولذا يقال فى العرف هذا الماء كان كذا وشك فى صيرورته كذا من غير ملاحظة زيادته ونقيصته.

ويدل على المطلب ايضا النبوى والعلويان المرويات فى غوالى اللئالى فعن النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله اذا امرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وعن على عليه‌السلام الميسور لا يسقط بالمعسور وما لا يدرك كله لا يترك كله وضعف اسنادها مجبور باشتهار التمسك بها بين الاصحاب فى ابواب العبادات كما لا يخفى على المتتبع.

نعم قد يناقش فى دلالتها اما الاولى فبلزوم تقييد الشىء بما كان له اجزاء حتى يصح الامر باتيان ما استطيع منه ثم تقييده بصورة تعذر اتيان جميعه ثم ارتكاب التخصيص فيه باخراج ما لا يجرى فيه هذه القاعدة اتفاقا كما فى كثير من المواضع ولا يخفى ان التقييدين الاولين يستفاد ان من قوله فأتوا منه الخ وظهوره حاكم عليهما ؛ نعم اخراج كثير من الموارد لازم ولا بأس به ، والحاصل ان المناقشة فى ظهور الرواية من اعوجاج الطريقة فى فهم الخطابات العرفية.

واما الثانية فلما قيل (١) من ان معناه ان الحكم الثابت للميسور لا يسقط بسبب

__________________

١ ـ حاصله ان مقتضى الرواية هو نفى الملازمة بين سقوط حكم موضوع بسبب تعسره وسقوط حكم موضوع آخر ميسور وهذا المعنى لا ينطبق على ما نحن فيه من المركبات التى تعذر بعض اجزائه لان السقوط يستلزم الثبوت اولا والمقصود من اثبات ـ وجوب باقى الاجزاء هو اثبات الوجوب النفسى له فاذا اريد تطبيق الرواية للمورد فلا بد ان يقال ان الاجزاء الباقية كانت واجبة عند التمكن من الكل فاذا سقط وجوب الكل لاجل تعذره لا يسقط وجوب الاجزاء الباقية الميسورة ، وانت خبير بان الاجزاء الباقية كانت واجبة بالوجوب الغيرى وقد ارتفع والمقصود اثبات الوجوب النفسى ولم يكن ثابتا اولا فلا بد من حملها على الواجبات النفسية المستقلة التى كانت بينها رابطة توهم سقوط حكم الباقى عند تعذر بعضها مثل قولنا اكرم العلماء (م ق)

٣٠٠