الرسائل الجديدة والفرائد الحديثة

الشيخ علي المشكيني

الرسائل الجديدة والفرائد الحديثة

المؤلف:

الشيخ علي المشكيني


الموضوع : أصول الفقه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٣٥

يترتب عليه الآثار الشرعية المترتبة على العمل الصحيح اما ما يلازم الصحة من الامور الخارجة عن حقيقة الصحيح فلا دليل على ترتبها عليه فلو شك فى ان الشراء الصادر من الغير كان بما لا يملك كالخمر والخنزير او بعين من اعيان ماله فلا يحكم بخروج تلك العين من تركته بل يحكم بصحة الشراء وعدم انتقال شيء من تركته الى البائع لاصالة عدمه وهذا نظير ما ذكرنا سابقا من انه لو شك فى صلاة العصر انه صلى الظهر ام لا يحكم بفعل الظهر من حيث كونه شرطا لصلاة العصر لا فعل الظهر من حيث هو حتى لا يجب اتيانه ثانيا قال العلامة فى عد فى آخر كتاب الاجارة لو قال آجرتك كل شهر بدرهم من غير تعيين فقال بل سنة بدينار ففى تقديم قول المستاجر نظر (١) وكذا الاشكال فى تقديم قول المستاجر لو ادعى اجرة مدة معلومة او عوضا معينا وانكر المالك التعيين فيهما والاقوى التقديم فيما لم يتضمن دعوى انتهى.

السادس فى بيان ورود هذا الاصل على الاستصحاب فنقول اما تقديمه على استصحاب الفساد ونحوه فواضح لان الشك فى بقاء الحالة السابقة على الفعل المشكوك او ارتفاعها ناش عن الشك فى سببية هذا الفعل وتاثيره فاذا حكم بتأثيره فلا حكم لذلك الشك خصوصا اذا جعلنا هذا الاصل من الظواهر المعتبرة فيكون نظير حكم الشارع بكون الخارج قبل الاستبراء بولا الحاكم على اصالة

__________________

ـ فللمشترى اقامة البينة على الزائد عليه وجهان (م ق)

١ ـ ينشأ من انه مدع للصحة وهى موافقة للاصل فيكون منكرا يقدم قوله ومن انه يدعى انه امرا زائدا وهو المدة المعلومة والاجرة المعينة والاصل عدمهما فلا يقدم قوله وكذا الاشكال فيما اذا كانت الدعوى الزائدة الاجرة فقط او المدة كذلك ، وقوله فيما لم يتضمن دعوى : اى فيما كان دعواهما فى اصل الصحة بان ادعى احدهما ان العقد وقع صحيحا والآخر انه وقع باطلا ، واما الدعوى المتضمنة للزيادة كما ذكرنا فلا يقدم قول مدعيها (شرح)

٤٤١

بقاء الطهارة واما تقديمه على الاستصحابات الموضوعية المترتب عليها الفساد كاصالة عدم البلوغ وعدم اختبار المبيع بالرؤية او الكيل او الوزن فقد اضطرب فيه كلمات الاصحاب خصوصا العلامة وبعض من تاخر عنه.

والتحقيق انه ان جعلناه من الظواهر كما هو ظاهر كلمات جماعة بل الاكثر فلا اشكال فى تقديمه على تلك الاستصحابات وان جعلناه من الاصول فان اريد بالصحة فى قولهم ان الاصل الصحة نفس ترتب الاثر فلا اشكال فى تقديم الاستصحاب الموضوعى عليها لانه مزيل بالنسبة اليها وان اريد بها كون الفعل بحيث يترتب عليه الاثر بان يكون الاصل مشخصا للموضوع من حيث ثبوت الصحة له لا مطلقا ففى تقديمه على الاستصحاب الموضوعى نظر من ان اصالة عدم بلوغ البائع يثبت كون الواقع فى الخارج بيعا صادرا عن غير بالغ فيترتب عليه الفساد كما فى نظائره من القيود العدمية الماخوذة فى الموضوعات الوجودية ومن ان اصالة الحمل على الصحيح لا تثبت كون الواقع بيعا صادرا عن بالغ فيترتب عليه الصحة فيتعارضان.

بقى الكلام فى اصالة الصحة فى الاقوال والاعتقادات اما الاقوال فالصحة فيها تكون من وجهين ، الاول من حيث كونه حركة من حركات المكلف فيكون الشك من حيث كونه مباحا او محرما ولا اشكال فى الحمل على الصحة من هذه الحيثية ، الثانى من حيث كونه كاشفا عن مقصود المتكلم والشك من هذه الحيثية يكون من وجوه.

احدها من جهة ان المتكلم بذلك القول قصد الكشف بذلك عن معنى ام لم يقصد بل تكلم به من غير قصد لمعنى ولا اشكال فى اصالة الصحة من هذه الحيثية بحيث لو ادعى كون التكلم لغوا او غلطا لم يسمع منه.

الثانى من جهة ان المتكلم صادق فى اعتقاده ومعتقد لمؤدى ما يقوله ام هو كاذب فى هذا التكلم فى اعتقاده ولا اشكال فى اصالة الصحة هنا ايضا فاذا اخبر بشىء جاز نسبة اعتقاد مضمون الخبر اليه ولا يسمع دعوى انه غير معتقد لما يقوله

٤٤٢

وكذا اذا قال افعل كذا جاز ان يسند اليه انه طالبه فى الواقع لا انه مظهر للطلب صورة لمصلحة كالتوطين او لمفسدة وهذان الاصلان مما قامت عليهما السيرة القطعية مع امكان (١) اجراء ما سلف من ادلة تنزيه فعل المسلم عن القبيح فى المقام لكن المستند فيه ليس تلك الادلة.

الثالث من جهة كونه صادقا فى الواقع او كاذبا وهذا معنى حجية خبر المسلم لغيره فمعنى حجية خبره صدقه والظاهر عدم الدليل على وجوب الحمل على الصحيح بهذا المعنى والظاهر عدم الخلاف فى ذلك اذ لم يقل احد بحجية كل خبر صدر من مسلم ولا دليل بقى بعمومه عليه حتى نرتكب دعوى خروج ما خرج بالدليل مع انه لو فرض دليل عام على حجية خبر كل مسلم كان الخارج منه اكثر من الداخل لقيام الاجماع على عدم اعتباره فى الشهادات ولا فى الروايات الا مع شروط خاصة ولا فى الحدثيات والنظريات الا فى موارد خاصة مثل الفتوى وشبهها (٢) نعم يمكن ان يدعى ان الاصل فى خبر العدل الحجية لجملة ما ذكرناه فى اخبار الآحاد وذكرنا ما يوجب تضعيف ذلك فراجع.

واما الاعتقادات فنقول اذا كان الشك فى ان اعتقاده ناش عن مدرك صحيح من دون تقصير منه فى مقدماته او من مدرك فاسد لتقصير منه فى مقدماته فالظاهر وجوب الحمل على الصحيح لظاهر بعض ما مر من وجوب حمل امور المسلمين على الحسن دون القبيح واما اذا شك فى صحته بمعنى المطابقة للواقع فلا دليل على وجوب الحمل على ذلك ولو ثبت ذلك اوجب حجية كل خبر اخبر به المسلم لما عرفت من ان الاصل فى الخبر كونه كاشفا عن اعتقاد المخبر

اما لو ثبت حجية خبره فقد يعلم ان العبرة باعتقاده بالمخبر به كما فى المفتى

__________________

١ ـ حيث يمكن ان يكون المراد من وجوب تصديق المؤمن وعدم اتهامه وحمل امره على احسنه ، تصديقه وعدم اتهامه تحسب اعتقاده (الطوسى)

٢ ـ كقول الطبيب واخبار المقوم عن القيمة (ق)

٤٤٣

وغيره ممن يعتبر نظره فى المطلب فيكون خبره كاشفا عن الحجية لانفسها وقد يعلم من الدليل حجية خصوص اخباره بالواقع حتى لا يقبل منه قوله اعتقد بكذا وقد يكون الدليل على حجية خصوص شهادته المتحققة تارة بالاخبار عن الواقع واخرى بالاخبار بعلمه به والمتبع فى كل مورد ما دل عليه الدليل وقد يشتبه مقدار دلالة الدليل ويترتب (١) على ما ذكرنا قبول تعديلات اهل الرجال المكتوبة فى كتبهم وصحة التعويل فى العدالة على اقتداء العدلين.

المقام الثانى فى بيان تعارض الاستصحاب مع القرعة وتفصيل القول فيها يحتاج الى بسط لا يسعه الوقت ومجمل القول فيها ان ظاهر اخبارها اعم من جميع ادلة الاستصحاب فلا بد من تخصيصها بها فيختص القرعة بموارد لا يجرى فيها الاستصحاب ، نعم القرعة واردة (٢) على اصالة التخيير واصالتى الاباحة والاحتياط اذا كان مدركهما العقل وان كان مدركهما تعبد الشارع بهما فى مواردهما فدليل القرعة حاكم عليهما كما لا يخفى لكن ذكر فى محله ان ادلة القرعة لا يعمل بها بدون جبر عمومها بعمل الاصحاب او جماعة منهم والله العالم.

المقام الثالث فى تعارض الاستصحاب مع ما عداه من الاصول العملية اعنى اصالة البراءة واصالة الاشتغال واصالة التخيير اما اصالة البراءة

__________________

١ ـ فان كان التعويل فى الجرح والتعديل على الراى والاعتقاد كفى اخبارهم وكتابتهم كرأى الفقيه فى الفتوى وإن كان من باب التعويل على البينة فلا يكفى لعدم جرى الجرح والتعديل على قانون الشهادة للاعتماد على النقل بوسائط وعلى الحدس ونحوه (شرح)

٢ ـ كبعض موارد اشتباه المال بين شخصين وموارد تزاحم الامامين او المرافعين عند الحاكم وموارد العلم الاجمالى كالشاة التى نزى عليها الراعى فارسلها فاختلطت ببقية الاغنام ، فينتفى موضوع التحير وعدم الدليل واحتمال العقاب باجرائها حقيقة كما انها تكون مزيلة للشك فى موارد الاصول الشرعية تعبدا (شرح)

٤٤٤

فلا تعارض الاستصحاب ولا غيره من الاصول والادلة سواء كان مدركها العقل او النقل اما العقل فواضح لان العقل لا يحكم بقبح العقاب الا مع عدم الدليل على التكليف واقعا او ظاهرا واما النقل فما كان منه مساوقا لحكم العقل فقد اتضح امره والاستصحاب وارد عليه.

واما مثل قوله كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهى فالوجه (١) فى تقديم الاستصحاب عليه ان دليل الاستصحاب بمنزلة معمم للنهى السابق بالنسبة الى الزمان اللاحق فقوله لا تنقض اليقين بالشك يدل على ان النهى الوارد لا بد من ابقائه وفرض عمومه للزمان اللاحق وفرض الشيء فى الزمان اللاحق مما ورد فيه النهى ايضا فمجموع الرواية المذكورة ودليل الاستصحاب بمنزلة ان يقول كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهى وكل نهى ورد فى شيء فلا بد من تعميمه لجميع ازمنة احتماله فيكون الرخصة فى الشيء واطلاقه مغيّا بورود النهى المحكوم عليه بالدوام وعموم الازمان فكان مفاد الاستصحاب نفى ما يقتضيه الاصل الآخر فى مورد الشك لو لا النهى وهذا معنى الحكومة كما سيجيء فى باب التعارض ولا فرق فيما ذكرنا بين الشبهة الحكمية والموضوعية بل الامر فى الشبهة الموضوعية اوضح لان الاستصحاب الجارى فيها جار فى الموضوع فيدخل فى الموضوع المعلوم الحرمة مثلا استصحاب عدم ذهاب ثلثى العصير عند الشك فى بقاء حرمته لاجل الشك فى الذهاب يدخله فى العصير قبل ذهاب ثلثيه المعلوم حرمته بالادلة فيخرج عن قوله كل شيء حلال حتى تعلم انه حرام.

__________________

١ ـ هذا بيان للحكومة فى مقابل ما يظن من تعارض دليل البراءة والاستصحاب فى المسبوق بالنهى فان مقتضى الاستصحاب حرمته ومقتضى قوله كل شىء مطلق اباحته ، اذ المراد بالغاية النهى الواقعى وليس فى مورد التعارض نهى واقعى فعصير العنب اذا ذهب ثلثاه بالهواء او صار دبسا قبل ذهاب الثلثين يكون موردا لتعارضهما والدفع واضح (شرح)

٤٤٥

نعم هنا اشكال فى بعض اخبار اصالة البراءة فى الشبهة الموضوعية وهو قوله عليه‌السلام فى الموثقة كل شيء حلال حتى تعلم انه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك وذلك مثل الثوب عليك ولعله سرقة والمملوك عندك ولعله حر قد باع نفسه او قهر فبيع او خدع فبيع او امرأة تحتك وهى اختك او رضيعتك والاشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غيره او يقوم به البينة فانه قد استدل بها جماعة كالعلامة فى التذكرة وغيره على اصالة الاباحة مع ان اصالة الاباحة هنا معارضة باستصحاب حرمة التصرف فى الاشياء المذكورة فى الرواية كاصالة عدم التملك فى الثوب وعدم تاثير العقد فى الامرأة ولو اريد من الحلية فى الرواية ما يترتب على اصالة الصحة فى شراء الثوب والمملوك واصالة عدم تحقق النسب والرضاع فى المرأة كان خروجا عن الاباحة الثابتة باصالة الاباحة كما هو ظاهر الرواية وقد ذكرنا فى مسئلة اصالة البراءة بعض الكلام (١) فى هذه الرواية فراجع والله الهادى هذا كله حال قاعدة البراءة واما استصحابها فهو لا يجامع استصحاب التكليف لان الحالة السابقة اما وجود التكليف او عدمه.

الثانى تعارض قاعدة الاشتغال مع الاستصحاب ولا اشكال بعد التامل فى ورود الاستصحاب عليها لان المأخوذ فى موردها بحكم العقل الشك فى براءة الذمة بدون الاحتياط فاذا قطع بها بحكم الاستصحاب فلا مورد للقاعدة كما لو اجرينا استصحاب وجوب التمام او القصر فى بعض الموارد التى يقتضى الاحتياط الجمع فيها بين القصر والتمام فان استصحاب وجوب احدهما وعدم وجوب الآخر مبرئ قطعى لذمة المكلف عند الاقتصار على مستصحب الوجود هذا حال القاعدة واما استصحاب (٢) الاشتغال فى مورد

__________________

١ ـ وقد سبق منا ان تلك الموارد قد ذكرت بعنوان التنظير للاصل لا بعنوان المورد والمصداق فلا يستفاد شيء من التعارض بين الاصلين من هذه الموارد (شرح)

٢ ـ يعنى بعد الموافقة الاحتمالية بالاتيان باحد المحتملين كما فى مثال الظهر والجمعة وكذا القصر والاتمام فانه بعد الاتيان بإحداهما يستصحب الاشتغال فيحكم بوجوب الاتيان بالاخرى (ق)

٤٤٦

القاعدة على تقدير الاغماض عما ذكرنا سابقا من انه غير مجد فى مورد القاعدة لاثبات ما يثبته القاعدة فسيأتى حكمها فى تعارض الاستصحابين وحاصله ان الاستصحاب الوارد على قاعدة الاشتغال حاكم على استصحابه.

الثالث تعارض قاعدة التخيير مع الاستصحاب ولا يخفى ورود الاستصحاب عليه اذ لا يبقى معه التحير الموجب للتخيير فلا يحكم بالتخيير بين الصوم والافطار فى اليوم المحتمل كونه من شوال مع استصحاب عدم الهلال ولذا فرع الامام عليه‌السلام قوله صم للرؤية وافطر للرؤية على قوله اليقين لا يدخله الشك.

واما الكلام فى تعارض الاستصحابين وهى المسألة المهمة فى باب تعارض الاصول التى اختلف فيها كلمات العلماء فى الاصول والفروع كما يظهر بالتتبع فاعلم ان الاستصحابين المتعارضين (١) ينقسمان الى اقسام كثيرة من حيث كونهما موضوعيين او حكميين او مختلفين وجوديين او عدميين او مختلفين وكونهما فى موضوع واحد او موضوعين او كون تعارضهما بانفسهما او بواسطة امر خارج الى غير ذلك إلّا ان الظاهر ان اختلاف هذه الاقسام لا تؤثر فى حكم المتعارضين الا من جهة واحدة وهى ان الشك فى احد الاستصحابين اما ان يكون مسببا عن الشك فى الآخر من غير عكس واما ان يكون الشك فيهما مسببا عن ثالث واما كون الشك فى كل منهما مسببا عن الشك فى الآخر فغير معقول وما توهم له من التمثيل بالعامين من وجه وان الشك فى اصالة العموم فى كل منهما مسبب عن الشك فى اصالة العموم فى الآخر مندفع بان الشك فى الاصلين مسبب عن العلم الاجمالى بتخصيص احدهما.

وكيف كان فالاستصحابان المتعارضان على قسمين القسم الاول (٢) ما اذا

__________________

١ ـ كما فى استصحابى الطهارة وعدم التذكية فيما شك فى تذكيته ، وقوله او امر خارج : كالعلم الاجمالى فى موارده ، وقوله الى غير ذلك : مثل وجود مرجح لاحد الاستصحابين وعدمه وكون المرجح من الاصول او الظنون غير المعتبرة ونحو ذلك (ق)

٢ ـ بان كان المشكوك فيه من آثار المشكوك الآخر شرعا لا عقلا ولا عادة و

٤٤٧

كان الشك فى مستصحب احدهما مسببا عن الشك فى الآخر واللازم تقديم الشك السببى واجراء الاستصحاب فيه ورفع اليد عن الحالة السابقة للمستصحب الآخر مثاله استصحاب طهارة الماء المغسول به ثوب نجس فان الشك فى بقاء نجاسة الثوب وارتفاعها مسبب عن الشك فى بقاء طهارة الماء وارتفاعها فيستصحب طهارته ويحكم بارتفاع نجاسة الثوب خلافا لجماعة لوجوه.

الاول الاجماع على ذلك فى موارد لا تحصى فانه لا يحتمل الخلاف فى تقديم الاستصحاب فى الملزومات الشرعية كالطهارة من الحدث والخبث وكرية الماء واطلاقه وحيوة المفقود وبراءة الذمة من الحقوق المزاحمة للحج ونحو ذلك على استصحاب عدم لوازمها الشرعية كما لا يخفى على الفطن المتتبع ، نعم بعض العلماء فى بعض المقامات يعارض احدهما بالآخر كما سيجيء ويؤيده السيرة المستمرة بين الناس على ذلك بعد الاطلاع على حجية الاستصحاب كما هو كذلك فى الاستصحابات العرفية

الثانى ان قوله عليه‌السلام لا تنقض اليقين بالشك باعتبار دلالته على جريان الاستصحاب فى الشك السببى مانع عن قابلية شموله لجريان الاستصحاب فى الشك المسببي (١) يعنى ان نقض اليقين به يصير نقضا بالدليل لا بالشك فلا يشمله النهى

__________________

ـ الا فاستصحاب كل منهما يجرى (م ط)

١ ـ حاصل هذا الدليل هو دوران الامر فى المقام بين اخراج بعض افراد العام من حكمه او موضوعه ، وبعبارة اخرى دورانه بين التخصيص بلا وجه والتخصص ، وتوضيحه ان شمول عموم الخطاب للاستصحاب فى مورد الشك السببى لا يستلزم محذور التخصيص بالنسبة الى الشك المسببى لانه (ح) يخرج حقيقة من افراد العام فان افراده افراد نقض اليقين بالشك لا مجرد اليقين والشك فيرفع اليد هنا بالدليل الدال على ارتفاع الحالة السابقة ، بخلاف شموله فى مورد الشك المسببى فانه يستلزم التخصيص بلا وجه بالنسبة الى الشك السببى ، والسر فى ذلك ان الخطاب فى السبب ناظر الى المسبب

٤٤٨

فى لا تنقض واللازم من شمول لا تنقض للشك المسبب نقض اليقين فى مورد الشك السببى لا لدليل شرعى يدل على ارتفاع الحالة السابقة فيه فيلزم من اهمال الاستصحاب فى الشك السببى طرح عموم لا تنقض من غير مخصص وهو باطل واللازم من اهماله فى الشك المسببى عدم قابلية العموم لشمول المورد وهو غير منكر.

وبيان ذلك ان معنى عدم نقض اليقين رفع اليد عن الامور السابقة المضادة لآثار ذلك المتيقن فعدم نقض طهارة الماء لا معنى له إلّا رفع اليد عن النجاسة السابقة المعلومة فى الثوب اذ الحكم بنجاسته نقض لليقين بالطهارة المذكورة بلا حكم من الشارع بطرو النجاسة وهو طرح لعموم لا تنقض من غير مخصص اما الحكم بزوال النجاسة فليس نقضا لليقين بالنجاسة إلّا بحكم الشارع بطرو الطهارة على الثوب والحاصل ان مقتضى عموم لا تنقض للشك السببى نقض الحالة السابقة لمورد الشك المسبب.

هذا وقد يشكل بان اليقين بطهارة الماء واليقين بنجاسة الثوب المغسول به كل منهما يقين سابق شك فى بقائه وارتفاعه وحكم الشارع بعدم النقض نسبته اليهما على حد سواء لان نسبة حكم العام الى افراده على حد سواء فكيف يلاحظ ثبوت هذا الحكم لليقين بالطهارة اولا حتى يجب نقض اليقين بالنجاسة لانه مدلوله ومقتضاه ، والحاصل ان جعل شمول حكم العام لبعض الافراد سببا لخروج بعض الافراد عن الحكم او عن الموضوع كما فى ما نحن فيه فاسد بعد فرض تساوى الفردين فى الفردية مع قطع النظر عن ثبوت الحكم

__________________

ـ وحاكم بالنسبة اليه والخطاب فى المسبب غير ناظر الى السبب ولا حاكم ، فالحكم بطهارة الماء معناه الحكم بزوال نجاسة الثوب المغسول به والحكم ببقاء نجاسة الثوب ليس حكما بنجاسة الماء شرعا إلّا بالملازمة العقلية اذ لم يرد دليل بانه لو بقى نجاسة ثوب مغسول بماء فذلك الماء نجس (شرح)

٤٤٩

ويدفع بان فردية احد الشيئين (١) اذا توقف على خروج الآخر المفروض الفردية عن العموم وجب الحكم بعدم فرديته ولم يجز رفع اليد عن العموم لان رفع اليد (ح) عنه يتوقف على شمول العام لذلك الشيء المفروض توقف فرديته على رفع اليد عن العموم وهو دور محال وان شئت قلت ان حكم العام من قبيل لازم الوجود للشك السببى كما هو شأن الحكم الشرعى وموضوعه فلا يوجد فى الخارج الا محكوما والمفروض ان الشك المسببى ايضا من لوازم وجود ذلك الشك فيكون حكم العام وهذا الشك لا زمان لملزوم ثالث فى مرتبة واحدة فلا يجوز ان يكون احدهما موضوعا للآخر لتقدم الموضوع طبعا.

الثالث ان المستفاد من الاخبار عدم الاعتبار باليقين السابق فى مورد الشك المسبب بيان ذلك ان الامام (ع) علل وجوب البناء على الوضوء السابق فى صحيحة زرارة بمجرد كونه متيقنا سابقا غير متيقن الارتفاع فى اللاحق وبعبارة اخرى علل بقاء الطهارة المستلزم بجواز الدخول فى الصلاة بمجرد الاستصحاب ومن المعلوم ان مقتضى استصحاب الاشتغال بالصلاة عدم براءة الذمة بهذه الصلاة حتى ان بعضهم جعل استصحاب الطهارة وهذا الاستصحاب من الاستصحابين المتعارضين فلو لا عدم جريان هذا الاستصحاب وانحصار الاستصحاب فى المقام باستصحاب الطهارة لم يصح تعليل المضى على الطهارة بنفس الاستصحاب لان تعليل تقديم احد

__________________

١ ـ حاصله ان من لوازم مصداقية السبب للعام عدم مصداقية المسبب له وليس من لوازم مصداقية المسبب عدم مصداقية السبب كما ذكرنا آنفا فالسبب يمنع عن المسبب دون العكس و (ح) ان شمل العام السبب فلا فرد آخر يبحث عن شمول العام له وعدمه وان شمل المسبب كان اللازم ان يمنع عن شموله للسبب اذ لو شمله لخرج المسبب فان استند ذلك المنع الى شمول المسبب لزم الدور. فان منع العام عن شمول السبب موقوف على شموله للمسبب على الفرض وشموله له موقوف على منع العام وإلّا لما كان المسبب فردا (شرح)

٤٥٠

الشيئين على الآخر بامر مشترك بينهما قبيح بل اقبح من الترجيح بلا مرجح (١) ، وبالجملة فارى المسألة غير محتاجة الى اتعاب النظر ولذا لا تتامل العامى بعد افتائه باستصحاب الطهارة فى الماء المشكوك فى رفع الحدث والخبث به وبيعه وشرائه وترتيب الآثار المسبوقة بالعدم عليه.

ويشهد لما ذكرنا ان العقلاء البانين على الاستصحاب فى امور معاشهم بل معادهم لا يلتفتون فى تلك المقامات الى هذا الاستصحاب ابدا ولو نبههم احد لم يعتنوا فيعزلون حصة الغائب من الميراث ويصححون معاملة وكلائه ويؤدون عنه فطرته اذا كان عيالهم الى غير ذلك من موارد ترتيب الآثار الحادثة على المستصحب ، ثم انه يظهر الخلاف فى المسألة من جماعة منهم المحقق والعلامة فصرح فى اصول المعتبر بان استصحاب الطهارة عند الشك فى الحدث معارض باستصحاب عدم براءة الذمة بالصلاة بالطهارة المستصحبة.

وقد عرفت ان المنصوص فى صحيحة زرارة العمل باستصحاب الطهارة على وجه يظهر منه خلوه عن المعارض وعدم جريان استصحاب الاشتغال وحكى عن العلامة فى بعض كتبه الحكم بطهارة الماء القليل الواقع فيه صيد مرمى لم يعلم استناد موته الى الرمى لكنه اختار فى غير واحد من كتبه الحكم بنجاسة الماء وتبعه عليه الشهيدان وغيرهما وهو المختار بناء على ما عرفت تحقيقه وانه اذا ثبت باصالة عدم التذكية موت الصيد جرى عليه جميع احكام الميتة التى منها انفعال الماء الملاقى له.

واما القسم الثانى وهو ما اذا كان الشك فى كليهما مسببا عن امر ثالث فمورده ما اذا علم ارتفاع احد الحادثين لا بعينه وشك فى تعيينه فاما ان يكون العمل بالاستصحابين مستلزما لمخالفة قطعية عملية لذلك العلم الاجمالى

__________________

١ ـ لوجود ما يقتضى التساوى بين الشيئين هنا بخلاف موارد الترجيح بلا مرجح فانه لعدم المقتضى للترجيح لا لوجود المقتضى لعدم الترجيح (ق)

٤٥١

كما لو علم اجمالا بنجاسة احد الطاهرين واما ان لا يكون وعلى الثانى فاما ان يقوم دليل من الخارج على عدم الجمع كما فى الماء النجس المتمم كرا بماء طاهر حيث قام الاجماع على اتحاد حكم الماءين اولا وعلى الثانى اما ان يترتب الاثر الشرعى على كل من المستصحبين فى الزمان اللاحق كما فى استصحاب بقاء الحدث وطهارة البدن فيمن توضأ غافلا بمائع مردد بين الماء والبول واما ان يترتب الاثر على احدهما دون الآخر كما فى دعوى الوكيل التوكيل فى شراء العبد ودعوى الموكل التوكيل فى شراء الجارية.

فهناك صور اربع اما الاوليان فيحكم فيهما بالتساقط دون الترجيح والتخيير فهنا دعويان إحداهما عدم الترجيح بما يوجد مع احدهما من المرجحات خلافا لجماعة والحق على المختار من اعتبار الاستصحاب من باب التعبد هو عدم الترجيح بالمرجحات الاجتهادية لان مؤدى الاستصحاب هو الحكم الظاهرى فالمرجح الكاشف عن الحكم الواقعى لا يجدى فى تقوية الدليل الدال على الحكم الظاهرى لعدم موافقة المرجح لمدلوله حتى يوجب اعتضاده وبالجملة فالمرجحات الاجتهادية (١) غير موافقة فى المضمون للاصول حتى يعاضدها وكذا الحال بالنسبة الى الادلة الاجتهادية فلا يرجح بعضها على بعض لموافقة الاصول التعبدية.

هذا كله مع الاغماض عما سيجيء من عدم شمول لا تنقض للمتعارضين وفرض شمولها لهما من حيث الذات نظير شمول آية النبأ من حيث الذات للخبرين المتعارضين وان لم يجب العمل بهما فعلا لامتناع ذلك بناء على المختار فى اثبات الدعوى الثانية فلا وجه لاعتبار المرجح اصلا لانه انما يكون مع التعارض وقابلية المتعارضين فى انفسهما للعمل.

__________________

١ ـ كالشهرة الفتوائية الموافقة لاحدهما او الظن غير المعتبر كذلك كما لا يرجح المقرر على الناقل باصالة البراءة والمبيح على الحاضر بقوله (ع) كل شيء لك مطلق (شرح)

٤٥٢

الثانية انه اذا لم يكن مرجح فالحق التساقط دون التخيير لا لما ذكره بعض المعاصرين من ان الاصل فى تعارض الدليلين التساقط (١) لعدم تناول دليل حجيتهما لصورة التعارض لما تقرر فى باب التعارض من ان الاصل فى المتعارضين التخيير اذا كان اعتبارهما من باب التعبد لا من باب الطريقية بل لان العلم الاجمالى هنا بانتقاض احد اليقينين يوجب خروجهما عن مدلول لا تنقض لان قوله لا تنقض اليقين بالشك ولكن تنقضه بيقين مثله يدل على حرمة النقض بالشك ووجوب النقض باليقين فاذا فرض اليقين بارتفاع الحالة السابقة فى احد المستصحبين فلا يجوز ابقاء كل منهما تحت عموم حرمة النقض بالشك لانه مستلزم لطرح الحكم بنقض اليقين بمثله ولا ابقاء احدهما المعين لاشتراك الآخر معه فى مناط الدخول من غير مرجح واما احدهما المخير فليس من افراد العام اذ ليس فردا ثالثا غير الفردين المتشخصين فى الخارج فاذا خرجا لم يبق شيء وقد تقدم نظير ذلك فى الشبهة المحصورة وان قوله عليه‌السلام كل شيء حلال حتى تعرف انه حرام لا يشمل شيئا من المشتبهين.

وربما يتوهم ان عموم دليل الاستصحاب نظير قوله اكرم العلماء وانقذ كل غريق واعمل بكل خبر فى انه اذا تعذر العمل بالعام فى فردين متنافيين لم يجز طرح كليهما بل لا بد من العمل بالممكن وهو احدهما تخييرا وطرح الآخر لان هذا غاية المقدور ولذا ذكرنا فى باب التعارض ان الاصل فى الدليلين

__________________

١ ـ حاصله ان مقتضى القاعدة بناء على السببية فى الامارات وكذا فى تعارض الاصول الشرعية هو التخيير لحدوث الحكم الشرعى فى كلا الطرفين فيكون من قبيل انقذ كل غريق اذا لم يقدر على انقاذ الجميع فيحكم العقل بالتخيير واما بناء على الطريقية فالطريقان الكاشفان بالطبع تسقطان عند المعارضة كما سيجىء ؛ وقوله بل لان العلم : يعنى عدم شمول الدليل لما نحن فيه من باب عدم المقتضى لا لوجود المانع والمزاحم فانه يلزم من شمول الدليل للمورد التناقض بين صدره وذيله (شرح)

٤٥٣

المتعارضين مع فقد الترجيح التخيير بالشرط المتقدم (١) لا التساقط ، والاستصحاب ايضا احد الادلة فالواجب العمل باليقين السابق بقدر الامكان فاذا تعذر العمل باليقينين من جهة تنافيهما وجب العمل باحدهما ولا يجوز طرحهما.

ويندفع هذا التوهم بان عدم التمكن من العمل بكلا الفردين ان كان لعدم القدرة على ذلك مع قيام المقتضى للعمل فيهما فالخارج هو غير المقدور وهو العمل بكل منهما مجامعا مع العمل بالآخر واما فعل احدهما المنفرد عن الآخر فهو مقدور فلا يجوز تركه وفى ما نحن فيه ليس كذلك اذ بعد العلم الاجمالى لا يكون المقتضى لحرمة نقض كلا اليقينين موجودا منع عنهما عدم القدرة.

نعم مثال هذا فى الاستصحاب ان يكون هناك استصحابان بشكين مستقلين وورد المنع تعبدا عن الجمع بينهما من دون علم اجمالى بانتفاض احد المستصحبين بيقين الارتفاع فانه يجب (ح) العمل باحدهما المخير وطرح الآخر فيكون الحكم الظاهرى مؤدى احدهما وانما لم نذكر هذا القسم فى اقسام تعارض الاستصحابين لعدم العثور على مصداق له فان الاستصحابات المتعارضة يكون التنافى بينهما من جهة اليقين بارتفاع احد المستصحبين وقد عرفت (٢) ان عدم العمل بكلا الاستصحابين ليس مخالفة لدليل الاستصحاب سوغها العجز لانه نقض اليقين باليقين فلم يخرج عن عموم لا تنقض عنوان ينطبق على الواحد التخييرى.

وايضا فليس المقام من قبيل ما كان الخارج من العام فردا معينا فى الواقع غير معين عندنا ليكون الفرد الآخر الغير المعين باقيا تحت العام كما اذا قال اكرم العلماء وخرج فرد واحد غير معين عندنا فيمكن هنا ايضا الحكم بالتخيير العقلى فى الافراد اذ لا استصحاب فى الواقع حتى يعلم بخروج فرد منه وبقاء

__________________

١ ـ اى بناء على التعبد والسبية (شرح)

٢ ـ حاصله بيان الفرق بين ما نحن فيه والمثال المذكور الذى هو من قبيل قوله اكرم العلماء وانقذ كل غريق (ق)

٤٥٤

فرد آخر لان الواقع بقاء احدى الحالتين (١) وارتفاع الاخرى ، نعم نظيره فى الاستصحاب ما لو علمنا بوجوب العمل باحد الاستصحابين المذكورين ووجوب طرح الآخر بان حرم نقض احد اليقينين بالشك ووجب نقض الآخر به ومعلوم ان ما نحن فيه ليس كذلك لان المعلوم اجمالا فى ما نحن فيه بقاء احد المستصحبين لا بوصف زائد وارتفاع الآخر لا اعتبار الشارع لاحد الاستصحابين والقاء الآخر.

فتبين ان الخارج من عموم لا تنقض ليس واحد من المتعارضين لا معينا ولا مخيرا بل لما وجب نقض اليقين باليقين وجب ترتيب آثار الارتفاع على المرتفع الواقعى وترتيب آثار البقاء على الباقى الواقعى من دون ملاحظة الحالة السابقة فيهما فيرجع الى قواعد أخر غير الاستصحاب كما لو لم يكونا مسبوقين بحالة سابقة ولذا لا نفرق فى حكم الشبهة المحصورة بين كون الحالة السابقة فى المشتبهين هى الطهارة او النجاسة وبين عدم حالة سابقة معلومة فان مقتضى القاعدة الرجوع الى الاحتياط فيهما وفيما تقدم من مسئلة الماء النجس المتمم كرا الرجوع الى قاعدة الطهارة وهكذا.

ومما ذكرنا يظهر انه لا فرق فى التساقط بين ان يكون فى كل من الطرفين اصل واحد وبين ان يكون فى احدهما ازيد من اصل واحد فالترجيح بكثرة الاصول بناء على اعتبارها من باب التعبد لا وجه له لان المفروض ان العلم الاجمالى يوجب خروج جميع مجارى الاصول عن مدلول لا تنقض على ما عرفت ، نعم يتجه الترجيح بناء على اعتبار الاصول من باب الظن النوعى.

واما الصورة الثالثة وهو ما يعمل فيه بالاستصحابين فهو ما كان العلم الاجمالى بارتفاع احد المستصحبين فيه غير مؤثر شيئا فمخالفته لا يوجب مخالفة

__________________

١ ـ يعنى عدم شمول الدليل للطرفين كليهما بوجود التناقض كما قلنا فيبقى الواقع على ما هو عليه وهو بقاء احدى الحالتين وعدم بقاء الاخرى (شرح)

٤٥٥

عملية لحكم شرعى كما لو توضأ اشتباها بمائع مردد بين البول والماء فانه يحكم ببقاء الحدث وطهارة الاعضاء استصحابا لهما وليس العلم الاجمالى بزوال احدهما مانعا من ذلك اذ الواحد المردد بين الحدث وطهارة اليد لا يترتب عليه حكم شرعى حتى يكون ترتيبه مانعا عن العمل بالاستصحابين ولا يلزم من الحكم بوجوب الوضوء وعدم غسل الاعضاء مخالفة عملية لحكم شرعى ايضا.

واما الصورة الرابعة وهو ما يعمل فيه باحد الاستصحابين وهو ما كان احد المستصحبين المعلوم ارتفاع احدهما مما يكون مورد الابتلاء المكلف دون الآخر بحيث لا يتوجه على المكلف تكليف منجز يترتب اثر شرعى عليه وفى الحقيقة هذا خارج عن تعارض الاستصحابين اذ قوله لا تنقض اليقين لا يشمل اليقين الذى لا يترتب عليه فى حق المكلف اثر شرعى بحيث لا تعلق له به اصلا كما اذا علم اجمالا بطرو الجنابة عليه او على غيره وقد تقدم امثلة ذلك.

ونظير هذا كثير مثل انه علم اجمالا بحصول التوكيل من الموكل إلّا ان الوكيل يدعى وكالته فى شيء والموكل ينكر توكيله فى ذلك الشيء فانه لا خلاف فى تقديم قول الموكل لاصالة عدم توكيله فيما يدعيه الوكيل ولم يعارضه احد بان الاصل عدم توكيله فيما يدعيه الموكل ايضا وكذا لو تداعيا فى كون النكاح دائما او منقطعا فان الاصل عدم النكاح الدائم من حيث انه سبب للارث ووجوب النفقة والتقسم ويتضح ذلك (١) بتتبع كثير من فروع التنازع فى ابواب الفقه ولك ان تقول بتساقط الاصلين فى هذه المقامات والرجوع الى الاصول الأخر الجارية فى لوازم المشتبهين إلّا ان ذلك انما يتمشى فى استصحاب الامور الخارجية اما مثل اصالة الطهارة فى كل من واجدى المنى فانه لا وجه للتساقط هنا.

ثم لو فرض فى هذه الامثلة اثر لذلك الاستصحاب الآخر دخل فى القسم الاول

__________________

١ ـ اى اجماع العلماء على العمل بالاستصحاب الذى يترتب عليه اثر شرعى دون ما لم يترتب (ق)

٤٥٦

ان كان الجمع بينه وبين الاستصحاب مستلزما لطرح علم اجمالى معتبر فى العمل ولا عبرة بغير المعتبر كما فى الشبهة الغير المحصورة وفى القسم الثانى ان لم يكن هناك مخالفة عملية لعلم اجمالى معتبر.

فعليك بالتامل فى موارد اجتماع يقينين سابقين مع العلم الاجمالى من عقل او شرع او غيرهما بارتفاع احدهما وبقاء الآخر ، والعلماء وان كان ظاهرهم الاتفاق على عدم وجوب الفحص فى اجراء الاصول فى الشبهات الموضوعية ولازمه جواز اجراء المقلد لها بعد اخذ فتوى جواز الاخذ بها من المجتهد إلّا ان تشخيص سلامتها عن الاصول الحاكمة عليها ليس وظيفة كل احد فلا بد اما من قدرة المقلد على تشخيص الحاكم من الاصول على غيره منها واما من اخذ خصوصيات الاصول السليمة عن الحاكم من المجتهد وإلّا فربما يلتفت الى الاستصحاب المحكوم من دون التفات الى الاستصحاب الحاكم وهذا يرجع فى الحقيقة الى تشخيص الحكم الشرعى نظير تشخيص حجية اصل الاستصحاب وعدمها عصمنا الله واخواننا من الزلل فى القول والعمل بجاه محمد وآله المعصومين صلوات الله عليهم اجمعين

٤٥٧

فى التعادل والترجيح

بسم الله الرحمنِ الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله

الطاهرين ولعنة الله على اعدائهم اجمعين الى يوم الدين

خاتمة فى التعادل والترجيح

وحيث ان موردهما الدليلان المتعارضان فلا بد من تعريف التعارض وبيانه وهو لغة من العرض بمعنى الاظهار وغلب فى الاصطلاح (١) على تنافى الدليلين وتمانعهما باعتبار مدلولهما ولذا ذكروا ان التعارض تنافى مدلولى الدليلين على وجه التناقض او التضاد وكيف كان فلا يتحقق الا بعد اتحاد الموضوع وإلّا لم يمتنع اجتماعهما ومنه يعلم انه لا تعارض بين الاصول وما يحصله المجتهد من الادلة الاجتهادية فان الدليل المفروض ان كان بنفسه يفيد العلم صار المحصل له عالما يحكم العصير العنبى مثلا فلا يقتضى الاصل حليته لانه انما اقتضى حلية مجهول الحكم

__________________

فى التعادل والترجيح

١ ـ فكان كل واحد من الدليلين المتعارضين لاجل تمانعهما يظهر نفسه ويبرزه لدفع الآخر ، قوله على وجه التناقض : كما اذا دل احد الخبرين على وجوب الجمعة والآخر على عدمه ، والتضاد كما اذا دل احدهما على وجوبها والآخر على حرمتها (شرح)

٤٥٨

فالحكم بالحرمة ليس طرحا للاصل بل هو بنفسه غير جار وغير مقتض لان موضوعه مجهول الحكم.

وان كان بنفسه لا يفيد العلم بل هو محتمل الخلاف لكن ثبت اعتباره بدليل علمى فان كان الاصل مما كان مؤداه بحكم العقل كاصالة البراءة العقلية والاحتياط والتخيير العقليين فالدليل ايضا وارد عليه ورافع لموضوعه لان موضوع الاول عدم البيان وموضوع الثانى احتمال العقاب ومورد الثالث عدم الترجيح لاحد طرفى التخيير وكل ذلك مرتفع بالدليل العلمى المذكور وان كان مؤداه من المجعولات الشرعية كالاستصحاب ونحوه كان ذلك الدليل حاكما على الاصل بمعنى انه يحكم عليه بخروج مورده عن مجرى الاصل فالدليل العلمى المذكور وان لم يرفع موضوعه اعنى الشك إلّا انه يرفع حكم الشك اعنى الاستصحاب.

وضابط الحكومة (١) ان يكون احد الدليلين بمدلوله اللفظى متعرضا لحال الدليل الآخر ورافعا للحكم الثابت بالدليل الآخر عن بعض افراد موضوعه فيكون مبينا لمقدار مدلوله نظير الدليل الدال على انه لا حكم للشك فى النافلة او مع كثرة الشك او مع حفظ الامام او المأموم او بعد الفراغ من العمل فانه حاكم على الادلة المتكفلة لاحكام هذه المشكوك فلو فرض انه لم يرد من الشارع حكم الشكوك لا عموما ولا خصوصا لم يكن مورد للادلة النافية لحكم الشك فى هذه الصور

والفرق بينه وبين المخصص ان كون المخصص بيانا للعام بحكم العقل الحاكم

__________________

١ ـ ضابطها ان يكون غرض القائل من سوق الحاكم ولو بدلالة الالتزام التعرض لحال دليل المحكوم وشرحه وتفسيره اما بتوسعة فى موضوعه او محموله واما بتضييق فيهما ، وهذا بخلاف المخصص فانه لا نظر لقائله الى العام ، ولو تصادم الظهور ان فى مورد فهما فى ذلك كالمتباينين وهذا معنى كونه بيانا بحكم العقل (شرح)

٤٥٩

بعدم جواز ارادة العموم مع العمل بالخاص وهذا بيان بلفظه ومفسر للمراد من العام فهو تخصيص فى المعنى بعبارة التفسير ثم الخاص ان كان قطعيا (١) تعين طرح عموم العام وان كان ظنيا دار الامر بين طرحه وطرح العموم ويصلح كل منهما لرفع اليد بمضمونه عن الآخر فلا بد من الترجيح بخلاف الحاكم فانه يكتفى به فى صرف المحكوم عن ظاهره ولا يكتفى بالمحكوم فى صرف الحاكم عن ظاهره بل يحتاج الى قرينة اخرى كما يتضح ذلك بملاحظة الامثلة المذكورة.

فالثمرة بين التخصيص والحكومة تظهر فى الظاهرين حيث لا يقدم المحكوم ولو كان الحاكم اضعف منه لان صرفه عن ظاهره لا يحسن بلا قرينة اخرى مدفوعة بالاصل واما الحكم بالتخصيص فيتوقف على ترجيح ظهور الخاص وإلّا امكن رفع اليد عن ظهوره واخراجه عن الخصوص بقرينة صاحبه فلنرجع الى ما نحن بصدده من حكومة الادلة الظنية على الاصول

فنقول قد جعل الشارع (٢) للشيء المحتمل للحل والحرمة حكما شرعيا اعنى الحل ثم حكم بان الامارة الفلانية كخبر العادل الدال على حرمة العصير حجة بمعنى انه لا يعبأ باحتمال مخالفة مؤداه للواقع فاحتمال حلية العصير المخالف للامارة بمنزلة العدم لا يترتب عليه حكم شرعى كان يترتب عليه لو لا هذه الامارة وهو ما ذكرنا من الحكم بالحلية الظاهرية فمؤدى الامارات بحكم الشارع كالمعلوم لا يترتب عليه الاحكام الشرعية المجعولة للمجهولات

ثم ان ما ذكرنا من الورود والحكومة جار فى الاصول اللفظية ايضا فان اصالة الحقيقة او العموم معتبرة اذا لم يعلم هناك قرينة على المجاز فان كان المخصص (٣)

__________________

١ ـ يعنى دلالة وإن كان ظنيا سندا وكذا المراد بقوله ظنيا اى فى الدلالة سواء كان السند قطعيا او ظنيا (الطوسى)

٢ ـ مر بيان ذلك فى الشرط الثالث من شرائط جريان الاستصحاب (شرح)

٣ ـ حاصله ان الخاص القطعى الدلالة إن كان قطعيا سندا كان واردا على اصالة

٤٦٠