الرسائل الجديدة والفرائد الحديثة - المقدمة

الرسائل الجديدة والفرائد الحديثة - المقدمة

المؤلف:


الموضوع : أصول الفقه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٣٥

١
٢

بسم الله الرّحمن الرّحيم

مقدمة حول تلخيص الكتاب

غير خاف على الناقد ان كتاب الرسائل لشيخنا الاعظم العلامة الانصارى (قده) من اجل ما دون فى علم اصول الفقه وأمتنه واعظم ما صنف فيه وانفعه ولا غنى لاى طالب لهذا العلم او سالك سبيل الفقه من تحصيل مطالبه وفهمها وتحكيم مقاصده واتقانها.

ولله در مؤلفه الجليل حيث اودع فيه لباب المطالب وعصارة الاصول واتعب نفسه الزكية فى سبيل الوصول الى حقائق ما دونه فى هذا الموضوع المتقدمون والاحاطة بما صنفه فى هذا الفن المصنفون.

فلقد انعم (ره) بتوفيق الله تعالى على مطالب هذا العلم وحقائقه وجواهر هذا الفن ودقائقه ، حيث نقحها ونقاها ورتبها ورباها ، نظمها نظما رائقا وارقاها مرقا فائقا فجعلها ساذجة عن الاقاويل خالصة عن الاباطيل ، ثم زينها من فصيح العبائر بحلل النور والبسها من بليغ البيان البسة الحور ، اضف الى ذلك ما افاده فكره السامى من غوالى الدرر وما زين به نواصى ابحاثها باضواء الغرر ، ولا غرو فى ذلك ولا استغراب ، ولا نكر فيه عند اولى الالباب ، اذ كان له قدس الله سره قصب السبق فى البحث والتحقيق فى هذا المضمار ، وكان هو الفذ الوحيد فى عصره بل فى جميع الاعصار ، فكم من اثمار يانعة اهداها الى طالب هذا العلم ذهنه النامى

٣

، وكم من لئالى ثمينة حباها غائص هذا البحر فكره السامى ، امطر من سماء فضله على المتأخرين عنه فسالت اودية بقدرها ، ونثر من اغصان كرمه فواكه يانعة فاستمتعوا بخلاقهم من ثمرها.

فحق القول فى حقه قدس الله روحه انه قد انسى فى مراحل البحث والتحقيق من قبله ، واتعب فى مراتب التقوى والاجتهاد من بعده.

وان لشريف وجوده فضلا عظيما وحقا كبيرا جسيما على طلاب هذا العلم ورواد هذا الفن ، فاى سالك طريق الاستنباط ينال ما رامه من غير ورود الى شرعة ما اودعه فى الفقه والاصول؟ واى طالب للتفسير والحديث يصل الى مطلوبه من غير طريق هيأها للورود والوصول؟ فكل من بعده غذى ترف من حصائد آثاره وربيب شرف من نتائج افكاره.

ولقد اصبحت حوزات التشيع العلمية بما كسبت افكاره رهينة ، واستمتع طلابها بوراثة من علومه قيمة ثمينة ، فاورث (ره) من تآليفه بساتين ما زالت الانظار فى تلك الرياض ترتع ، وخلف من علومه مناهل ما برحت الالباب من تلك الحياض تكرع ، فرسائله مكاسب العلوم الرابحة لطلبة الاصول ، ومكاسبه رسائل الحقائق الراهنة لرواد الفقه من الفحول ، فجزاه الله عنا خير الجزاء ما انتفع من آثاره المتدارسون الا ففى ذلك فليتنافس المتنافسون.

ثم ان مرور الاعصار على من سكن فى الليل والنهار وتغاير الزمان وتوارد الحدثان على بنى الانسان ، خاصة خدمة هذا الدين الحنيف وطلاب علم الاصول والفقه وكل مقتف اثر تعاليمهم ومستفيد من حصائد مساعيهم اوجد لاهل العلم مشاغل لم تكن محلا لابتلائهم فى غابر الا وان ، وتجددت لهم حاجات من الامور لم تكن لهم بالحسبان ، وحدثت انواع من المشاغل لم تكن واردة فى ماضى الزمان ، فوجب عليهم بطبع الحال الاطلاع عليها ولزمهم طوعا او كرها الفحص عنها والوصول اليها.

٤

فكم من كتب ضلال لفئة باغية لزمهم الاطلاع عليها وابطال اقاويلها وكم من نشرة وجريدة همهم مطالعتها ودحض اباطيلها ، وكم من اقوام فى شتى نواحى البلاد من المسلمين يعصف عليهم الجهل والحيرة فهم محتاجون اشد الحاجة الى الدعوة الى الهدى والرد عن الضلالة والردى ، لا يمكنهم ترك التصدى لامورهم والاعراض عن تعليمهم ورعايتهم.

اضف الى ذلك ما نراه من اعداء الاسلام فى كل ناحية قريبة وبعيدة من السعى الحثيث وبذل الجهد الجهيد فى تحطيم كيان المسلمين واستيصال شافتهم واخفاء دينهم واخماد ذكرهم ، فصار من الواجب الاكيد على خدمة هذا الدين بقضاء حكومة العقل السليم وصراح تنصيص الذكر الحكيم ان يعدوا فى قبالهم ما استطاعوا من قوة ، وان يرابطوا فى حفظ الشريعة الاسلامية والرسالة الانسانية اشد الرباط وقد قال الله تعالى ﴿ وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ .

وخلاصة القول ان ملاحظة هذه وغيرها من الامور التى لم تكن لتخفى على العاقل المقبل على شأنه العارف بزمانه الخائف من اخوانه فضلا ، عن غير اخوانه توجب على دارسى العلوم الدينية ان يجددوا النظر فى جميع شئون دراستهم من كتبهم المعدة للدراسة ومدرسيها وطالبى دراستها ، فيختاروا الاقرب من حيث النفع والانسب بملاحظة الزمان والاتم انطباقا على مقتضى الحال بل من الممكن دعواه جدا انه لو شهد المؤلف العلامة زماننا هذا وشاهد حال طلاب العلم وان كتابه قد وقع فى موقع الدراسة الرسمية فصار كتابا درسيا دراسيا فى مرتبة معينة من علم الاصول ومقدمة الفقه لا مرجعا تحقيقيا لمستنبط الاحكام خاصة ، وانه لا غنى عنه عادة لاى محصل ومشتغل ، لقلب الكتاب ظهرا لبطن فاخلصه وثمه ، وهذبه ورمه ، فلم يكن ليبقى منه إلّا عصارة مقطورة او لماظة ميسورة.

اذ يكفى فى كتب الدرس المشتركة فى طريق تحصيل العلوم المختلفة دراسة هذا المقدار ، فيسع بعد الفراغ منه للاصولى الطالب للغور فى علم الاصول

٥

وللفقيه المستقصى فى مقدمات الاستنباط المراجعة الى المطولات مما الف فى هذا الفن وغيره.

فما حثنى على ما اقدمت عليه من تلخيص هذا الكتاب الا اشفاقى على اخوانى الواردين فى هذا المضمار وضنى بعمرهم العزيز واوقاتهم الثمينة القيمة مع اعترافى بعدم اهليتى لهذا الامر وفقدى الجدارة لارخاء العنان فى هذا الميدان بما يليق بشأن المؤلف الكريم ومقام علمه الشامخ ، لكن الميسور لا يسقط بالمعسور وما لا يدرك كله لا يترك كله.

ولاجل ذلك تعمدت الى هذا الكتاب فالقيت منه ما ألفيته لا يناسب حال المشتغلين بالدراسة فى مثل هذه الايام ، وما لا يطابق اغراضهم فى مسايرتهم لهذه العصور ، سواء أكان غرضهم من ذلك اجتهادا واستنباطا ام غورا فى الاحاديث ام اشتغالا بالارشاد ام تأليفا فى الآثار ام غير ذلك.

فحذفت منه ما وقع تكريرا لبعض المطالب كالبحث عن الامتثال الاجمالى فى اواخر القطع واوائل الاشتغال ، والبحث عن استصحاب الهيئة الاتصالية للصلاة ونحوها مستقصى فى باب البراءة وفى ضمن تنبيهات الاستصحاب ، والبحث عن الناقل والمقرر فى تنبيهات البراءة وآخر الكتاب على التفصيل ، والبحث عن الشك المأخوذ فى موضوع الاستصحاب فى اوائل بابه واواخر تنبيهاته ، والبحث عن استصحاب حكم العقل فى موضعين فى اوائل الاستصحاب ، ونظيرها غيرها مما يطلع عليه المتتبع فى هذا الكتاب.

وحذفت ايضا ما نقله (ره) من عبائر البعض بعد نقله مقصده ومدعاه كما فى نقله عبائر بعض الاخباريين فى مبحث القطع والبراءة ، وكلام الفاضل التسترى فى الاجماع المنقول ، وما استقصاه من محتملات كلام الغير والاستشكال على كل محتمل وما صنعه من تكثير المثال فى اثبات مطلب بالاتيان بامثلة متقاربة متشاكلة مع كفاية بعضها كما صنعه فى العلم الاجمالى والاصول المثبتة وغيرها ، وما ارتكبه

٦

من تكثير شقوق مسئلة واحدة والتطويل فى ذلك مع اشتراك الاقسام فى المهم كما فى مسائل البراءة والاحتياط والتخيير ، وما ذكره من فروع كثيرة طويلة مبتنية على مجرد الفرض كما فى نتائج دليل الانسداد ، وما استقصاه من الاقوال فى مسئلة وانهائها الى عشرة او ازيد وذكر ادلتها مع كفاية بيان اصل المطلب والاستدلال عليه بما يتبين به فساد سائر الاقوال ، كما صدر منه (ره) فى ذكر الاقوال فى الاستصحاب وذكر ادلتها.

ثم انى لم اضف الى مطالب الكتاب وعبائره شيئا من تلقاء نفسى قليلا كان او كثيرا الا ما يقرب من كلمة او كلمتين مما يحتاج اليه ارتباط ما بعد المحذوف بما قبله ، بل قد اقتصرت فى المحذوف ايضا على المقدار المتيقن من لزوم الاسقاط وقلة النفع.

ثم انه كان من المهم الواجب اضافة الحواشى النافعة الى الكتاب مما يوضح مشكلات عباراته ويفسر معضلات مقاصده فاعددت لهذا ما تيسر لى من جمع حواش موضحة وشروح نافعة ، فاجتبيت ما فيه تفسير وايضاح واجتنبت ما فيه رد واستشكال واشتغلت بذلك بتوفيق الله تعالى.

وصرفت فيه مدة من عمرى واتعبت فى سبيله نفسى ، وكان ذلك فى زمان عنود وعصر كنود لم يتيسر لى فيه من الشروح والتعاليق الا ثلاثة ، احدها ما علقه على الكتاب تلميذ المصنف وهو المحقق السناد الخبير بمذاق الاستاد الشيخ موسى التبريزى (ره) ، والانصاف ان له فى تنقيح مبانى الشيح (ره) وتوضيح مطالبه القدم الاصيل والباع الطويل ، والآخر ان ما علقهما عليه المحققان العظيمان والحبران العليمان المشتهر فى القرن الاخير بما فوق الصوت صيتهما ، والمضيء بتحقيقات علمية ولو لم تمسسه نار زيتهما ، الا وهما الاستاذ الاكبر الشيخ محمد كاظم الطوسى والفقيه الاعظم الآغا محمد رضا الهمدانى انار الله لهما البرهان وبوأهما المحل الأعلى فى ربض الجنان ، واضفت اليها ما سنح بخاطرى الفاتر

٧

فى بعض الموارد مما يوضح المقصود من العبارة ويفسر مطلب الشيخ (ره) مراعيا فى ذلك كمال الاختصار ، كما انى اقتصرت فى انتخاب الحواشى على القليل روما لمقتضى الحال وصونا للكتاب عن كبر الحجم وعسر النقل حين الدرس به والاشتغال والله المؤيد وعليه الاتكال.

ثم ان الاشارة الى حاشية المحقق الطوسى ـ (الطوسى) او (ط).

والى حاشية المحقق الهمدانى ـ (الهمدانى) او (ه).

والى حاشية المحقق التبريزى ـ (اوثق) او (ق).

والى ما لخصته من الحواشى (م) مع اضافة رمز تلك الحاشية ، والى ما اضفته من التوضيح والبيان ـ (شرح) او (ش).

والحمد لله على ما الهم وله الشكر على ما انعم والصلاة والسلام على نبينا نبى الامم وعلى اوصيائه وسائط النعم واللعن على اعدائهم اعداء الشرف والكرم.

عبده على المشكينى الاردبيلى

٨