الرسائل الجديدة والفرائد الحديثة

الشيخ علي المشكيني

الرسائل الجديدة والفرائد الحديثة

المؤلف:

الشيخ علي المشكيني


الموضوع : أصول الفقه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٣٥

الذى يصلح لا ناطته بالفسق والعدالة حين الاخبار ومنه تبين عدم دلالة الآية على قبول الشهادة الحدسية اذا قلنا بدلالة الآية على اعتبار شهادة العدل.

فان قلت ان مجرد دلالة الآية على ما ذكر لا يوجب قبول الخبر لبقاء احتمال خطاء العادل فيما اخبر وان لم يعتمد الكذب فيجب التبين فى خبر العادل ايضا لاحتمال خطائه وسهوه وهو خلاف الآية المفصلة بين العادل والفاسق ، غاية الامر وجوبه فى خبر الفاسق من وجهين وفى العادل من جهة واحدة.

قلت : اذا ثبت بالآية عدم جواز الاعتناء باحتمال تعمد كذبه ينفى احتمال خطائه وغفلته واشتباهه باصالة عدم الخطاء فى الحس وهذا اصل عليه اطباق العقلاء والعلماء فى جميع الموارد ، نعم لو كان المخبر ممن يكثر عليه الخطاء والاشتباه لم يعبأ بخبره لعدم جريان اصالة عدم الخطاء والاشتباه ولذا يعتبرون فى الشاهد والراوى الضبط.

ويؤيد ما ذكرنا انه لم يستدل احد من العلماء على حجية فتوى الفقيه على العامى بآية النبأ مع استدلالهم عليها بآيتى النفر والسؤال والظاهر ان ما ذكرنا من عدم دلالة الآية وامثالها من ادلة قبول قول العادل على وجوب تصويبه فى الاعتقاد هو الوجه فيما ذهب اليه المعظم بل اطبقوا عليه كما فى الرياض من عدم اعتبار الشهادة فى المحسوسات اذا لم تستند الى الحس ، والحاصل انه لا ينبغى الاشكال فى ان الاخبار عن حدس واجتهاد ونظر ليس حجة إلّا على من وجب عليه تقليد المخبر فى الاحكام الشرعية وان الآية ليست عامة لكل خبر ودعوى خروج ما خرج.

الامر الثانى ان الاجماع فى مصطلح الخاصة بل العامة الذين هم الاصل له (١) وهو الاصل لهم هو عبارة عن اتفاق جميع العلماء فى عصر كما ينادى بذلك

__________________

١ ـ لانهم السابقون فيه على الشيعة كما حكى المرتضى ره من انهم لما ذكروا الاجماع فعرضوه علينا فوجدناه حقا فقبلناه واما كونه اصلا لهم فلكونه مبنى دينهم

٦١

تعريفات كثير من الفريقين. ثم انه لما كان وجه حجية الاجماع عند الامامية اشتماله على قول الامام (ع) كانت الحجية دائرة مدار وجوده (ع) فى كل جماعة هو احدهم ولذا قال السيد المرتضى قده اذا كان علة كون الاجماع حجة كون الامام (ع) فيهم فكل جماعة كثرت او قلت كان قول الامام (ع) فى اقوالها فاجماعها حجة.

هذا ولكن لا يلزم من كونه حجة تسميته اجماعا فى الاصطلاح كما انه ليس كل خير جماعة يفيد العلم متواترا فى الاصطلاح.

نعم يمكن ان يقال : انهم قد تسامحوا فى اطلاق الاجماع على اتفاق الجماعة التى علم دخول الامام عليه‌السلام فيها لوجود مناط الحجية فيه وكون وجود المخالف غير مؤثر شيئا وقد شاع هذا التسامح بحيث كاد ان ينقلب اصطلاح الخاصة عما وافق اصطلاح العامة الى ما يعم اجماع الامامية فقط مع انهم بعض الامة لا كلهم.

وعلى اى تقدير فظاهر اطلاقهم ارادة دخول قول الامام (ع) فى اقوال المجمعين بحيث يكون دلالته عليه بالتضمن فيكون الاخبار عن الاجماع اخبارا عن قول الامام «ع» وهذا هو الذى يدل عليه كلام المفيد والمرتضى وابن زهرة والمحقق والعلامة والشهيدين ومن تأخر عنهم واما اتفاق من عدا الامام بحيث يكشف عن صدور الحكم عن الامام عليه‌السلام بقاعدة اللطف كما عن الشيخ رحمه‌الله او التقرير كما عن بعض المتأخرين او بحكم العادة القاضية باستحالة توافقهم على الخطاء مع كمال بذل الوسع فى فهم الحكم الصادر عن الامام عليه‌السلام.

فهذا ليس اجماعا اصطلاحيا والاطلاع على تعريفات الفريقين يوجب

__________________

ـ لان عمدة ادلتهم على خلافة ابن ابى قحافة اجماع الامة على زعمهم ، قال الوحيد ره (بخاطر دارم كه در شرح مواقف ويا مقاصد تصريح نمود به اينكه در اجماع كثرت معتبر نيست بلكه حق آنست كه اجماع به موافقت يك نفر محقق مى شود چنانكه خلافت ابى بكر به بيعت عمر به تنهايى ثابت شد) (م ق).

٦٢

القطع بخروج هذا الاطلاق عن المصطلح وبنائه على المسامحة (١) ثم ان المسامحة من الجهة الاولى او الثانية فى اطلاق لفظ الاجماع على هذا من دون قرينة لا ضير فيها بعد ما كان مناط حجية الاجماع الاصطلاحى موجودا فى اتفاق جماعة من الاصحاب.

اذا عرفت ما ذكرنا فنقول : ان الحاكى للاتفاق قد ينقل الاجماع بقول مطلق او مضافا الى المسلمين او الشيعة او اهل الحق او غير ذلك مما يمكن ان يراد به دخول الامام عليه‌السلام فى المجمعين وقد ينقله مضافا الى من عدا الامام كقوله اجمع علمائنا واصحابنا ، او فقهائنا او فقهاء اهل البيت عليهم‌السلام فان ظاهر ذلك من عدا الامام (ع) وان كان ارادة العموم محتملة بمقتضى المعنى اللغوى لكنه مرجوح فان اضاف الاجماع الى من عدا الامام فلا اشكال فى عدم حجية نقله لانه لم ينقل حجة وان فرض حصول العلم للناقل بصدور الحكم عن الامام عليه‌السلام من جهة هذا الاتفاق لانه انما نقل سبب العلم ولم ينقل المعلوم وهو قول الامام «ع» حتى يدخل فى نقل الحجة وحكاية السنة بخبر الواحد.

نعم لو فرض ان السبب المنقول مما يستلزم عادة موافقة قول الامام «ع» او وجود دليل ظنى معتبر حتى بالنسبة الينا امكن اثبات ذلك السبب المحسوس بخبر العادل والانتقال منه الى لازمه لكن سيجىء بيان الاشكال فى تحقق ذلك وفى حكم الاجماع المضاف الى من عدا الامام «ع» الاجماع المطلق المذكور فى مقابل الخلاف كما يقال خرء الحيوان الغير المأكول غير الطير نجس اجماعا وانما اختلفوا فى خرء الطير او يقال ان محل الخلاف هو كذا واما كذا فحكمه كذا اجماعا ، فان معناه فى مثل هذا كونه قولا واحدا واضعف مما ذكرنا نقل

__________________

١ ـ اما الاولى فلان المعنى المصطلح الحقيقى للاجماع هو اتفاق جميع العلماء الذين يدخل فيهم الامام (ع) من باب التضمن فاطلاقه على جماعة احدهم الامام (ع) مسامحة ، واما الثانية فاطلاقه على عدة ليس فيهم الامام عليه‌السلام (ش)

٦٣

عدم الخلاف وانه ظاهر الاصحاب او قضية المذهب وشبه ذلك وان اطلق الاجماع او اضافه على وجه يظهر منه ارادة المعنى المصطلح المتقدم ولو مسامحة لتنزيل وجود المخالف منزلة العدم لعدم قدحه فى الحجية فظاهر الحكاية كونها حكاية للسنة اعنى حكم الامام (ع) لما عرفت من ان الاجماع الاصطلاحى متضمن لقول الامام (ع) فيدخل فى الخبر والحديث.

إلّا ان مستند علم الحاكى بقول الامام (ع) احد امور : احدها ، الحس كما اذا سمع الحكم من الامام فى جملة جماعة لا يعرف اعيانهم فيحصل له العلم بقول الامام (ع) وهذا فى غاية القلة بل نعلم جزما انه لم يتفق لاحد من هؤلاء الحاكين للاجماع كالشيخين والسيدين وغيرهما ولذا صرح الشيخ فى العدة فى مقام الرد على السيد حيث انكر الاجماع من باب وجوب اللطف بانه لو لا قاعدة اللطف لم يمكن التوصل الى معرفة موافقة الامام للمجمعين.

الثانى ، قاعدة اللطف على ما ذكره الشيخ فى العدة وحكى القول به من غيره من المتقدمين ، ولا يخفى ان الاستناد اليه غير صحيح (١) على ما ذكر فى محله ، فاذا علم استناد الحاكى اليه فلا وجه للاعتماد على حكايته والمفروض ان اجماعات الشيخ كلها مستندة الى هذه القاعدة.

قال فى العدة وذكر المرتضى على بن الحسين الموسوى اخيرا انه يجوز ان يكون الحق عند الامام (ع) والاقوال الأخر كلها باطلة ولا يجب عليه الظهور لانا اذا كنا نحن السبب فى استتاره فكل ما يفوتنا من الانتفاع به وبما يكون معه من الاحكام قد فاتنا من قبل انفسنا ولو ازلنا سبب الاستتار لظهر وانتفعنا به وادى الينا الحق الذى كان عنده ، قال وهذا عندى غير صحيح لانه يؤدى الى ان لا يصح الاحتجاج باجماع الطائفة اصلا لانا لا نعلم دخول الامام (ع) فيها إلّا بالاعتبار الذى بيناه ومتى جوزنا انفراده بالقول وانه لا يجب ظهوره منع ذلك من الاحتجاج بالاجماع انتهى.

__________________

١ ـ كما يظهر وجهه من كلام المرتضى (ره) الآتي ذكره (ش)

٦٤

ثم ان الاستناد الى هذا الوجه ظاهر من كل من اشترط (١) فى تحقق الاجماع عدم مخالفة احد من علماء العصر ، وحكى عن المحقق الداماد انه (قدس‌سره) قال فى بعض كلام له فى تفسير النعمة الباطنة : ان من فوائد الامام عجل الله فرجه ان يكون مستندا لحجية اجماع اهل الحل والعقد من العلماء على حكم من الاحكام اجماعا بسيطا فى احكامهم الاجماعية وحجية اجماعهم المركب فى احكامهم الخلافية ، فانه عجل الله فرجه لا ينفرد بقول بل من الرحمة الواجبة فى الحكمة الالهية ان يكون فى المجتهدين المختلفين فى المسألة المختلف فيها من علماء العصر من يوافق رأيه رأى امام عصره وصاحب امره ويطابق قوله قوله وان لم يكن ممن نعلمه بعينه ونعرفه بشخصه ، انتهى.

الثالث من طرق انكشاف قول الامام (ع) لمدعى الاجماع الحدس ، وهذا على وجهين : احدهما ان يحصل له ذلك من طريق لو علمنا به ما خطأناه فى استكشافه ، وهذا ايضا على وجهين : احدهما ان يحصل الحدس الضرورى من مبادى محسوسة بحيث يكون الخطاء فيه من قبيل الخطاء فى الحس بحيث لو حصل لنا تلك الاخبار لحصل لنا العلم كما حصل له ، ثانيهما ان يحصل الحدس له من اخبار جماعة اتفق له العلم بعدم اجتماعهم على الخطاء لكن ليس اخبارهم ملزوما عادة المطابقة لقول الامام (ع) بحيث لو حصل لنا لعلمنا بالمطابقة ايضا.

الثانى ان يحصل ذلك من مقدمات نظرية واجتهادات كثيرة الخطاء بل علمنا بخطاء بعضها فى موارد كثيرة من نقلة الاجماع علمنا ذلك منهم بتصريحاتهم فى موارد واستظهرنا ذلك منهم فى موارد أخر وسيجىء جملة منها ، اذا عرفت ان مستند خبر المخبر بالاجماع المتضمن للاخبار من الامام «ع» لا يخلو من الامور الثلاثة المتقدمة وهى السماع عن الامام مع عدم معرفته بعينه واستكشاف قوله من قاعدة اللطف وحصول العلم من الحدس وظهر لك ان الاول منها غير متحقق عادة لاحد من علمائنا المدعين للاجماع

__________________

١ ـ لان قوام دليل اللطف باشتراط اتفاق الكل ولو فى عصر واحد فاشتراط عدم المخالف ظاهر فى ارادة هذا النحو من الاجماع (ش)

٦٥

وان الثانى ليس طريقا للعلم فلا يسمع دعوى من استند اليه فلم يبق مما يصلح ان يكون هو المستند فى الاجماعات المتداولة على السنة ناقليها الا الحدس وعرفت ان الحدس قد يستند الى مباد محسوسة ملزومة عادة لمطابقة قول الامام «ع» نظير العلم الحاصل من الحواس الظاهرة ونظير الحدس الحاصل لمن اخبر بالعدالة والشجاعة لمشاهدته آثارهما المحسوسة الموجبة للانتقال اليهما بحكم العادة او الى مبادى محسوسة موجبة لعلم المدعى بمطابقة قول الامام «ع» من دون ملازمة عادية وقد يستند الى اجتهادات وانظار وحيث لا دليل على قبول خبر العادل المستند الى القسم الاخير من الحدس بل ولا المستند الى الوجه الثانى ولم يكن هناك ما يعلم به كون الاخبار مستندا الى القسم الاول من الحدس وجب التوقف فى العمل بنقل الاجماع كسائر الاخبار المعلوم استنادها الى الحدس المردد بين الوجوه المذكورة.

فان قلت : ظاهر لفظ الاجماع اتفاق الكل فاذا اخبر الشخص بالاجماع فقد اخبر باتفاق الكل ومن المعلوم ان حصول العلم بالحكم من اتفاق الكل كالضرورى فحدس المخبر مستند الى مباد محسوسة ملزومة لمطابقة قول الامام (ع) عادة فاما ان يجعل الحجة نفس ما استفاده من الاتفاق نظير الاخبار بالعدالة واما ان يجعل الحجة اخباره بنفس الاتفاق المستلزم عادة لقول الامام «ع» ويكون نفس المخبر به حينئذ محسوسا نظير اخبار الشخص بامور تستلزم العدالة والشجاعة عادة.

قلت : ان الظاهر (١) من الاجماع اتفاق اهل عصر واحد لا جميع الاعصار كما يظهر من تعاريفهم وساير كلماتهم ، ومن المعلوم ان اجماع اهل عصر واحد مع قطع النظر

__________________

١ ـ حاصله ان الاجماعات المذكورة مبنية على حدس قول الامام (ع) عن مبادى محسوسة مع عدم الملازمة بينهما من وجهين : احدهما ان ظاهر اجماعهم اتفاق علماء عصر واحد وهو غير ملازم لموافقة قول الامام (ع) وثانيهما ان الاطلاع على ذلك مع الكثرة ايضا غير ممكن فلا بد من دعوى اتفاقهم من حدس آخر بان يتحدس باتفاق المعروفين عن اتفاق الجميع وبه عن موافقة قول الامام (م ـ ق).

٦٦

عن موافقة اهالى الاعصار المتقدمة ومخالفتهم لا يوجب عن طريق الحدس العلم الضرورى بصدور الحكم عن الامام (ع) نعم يفيد العلم من باب وجوب اللطف الذى لا نقول بجريانه فى المقام كما قرر فى محله ، مع ان علماء العصر اذا كثروا كما فى الاعصار السابقة يتعذر أو يتعسر الاطلاع عليهم حسا بحيث يقطع بعدم من سواهم فى العصر ، إلّا اذا كان العلماء فى عصر قليلين يمكن الاحاطة برأيهم فى المسألة فيدعى الاجماع إلّا ان مثل هذا الامر المحسوس لا يستلزم عادة لموافقة المعصوم ، فالمحسوس المستلزم عادة لقول الامام (ع) مستحيل التحقق للناقل والممكن المتحقق له غير مستلزم عادة.

وكيف كان فاذا ادعى الناقل الاجماع خصوصا اذا كان ظاهره اتفاق جميع علماء الاعصار او اكثرهم الا من شذ كما هو الغالب فى اجماعات مثل الفاضلين والشهيدين انحصر محمله بوجوه : احدها ، ان يراد به اتفاق المعروفين بالفتوى دون كل قابل للفتوى من اهل عصره او مطلقا ، الثانى ، ان يريد اجماع الكل ويستفيد ذلك من اتفاق المعروفين من اهل عصره وهذه الاستفادة ليست ضرورية وان كانت قد تحصل.

الثالث ، ان يستفيد اتفاق الكل على الفتوى من اتفاقهم على العمل بالاصل عند عدم الدليل او بعموم دليل عند عدم وجدان المخصص او بخبر معتبر عند عدم وجدان المعارض وغير ذلك من الامور المتفق عليها التى يلزم باعتقاد المدعى من القول بها مع فرض عدم المعارض القول بالحكم المعين فى المسألة ، ومن المعلوم ان نسبة هذا الحكم الى العلماء فى مثل ذلك لم تنشأ الا من مقدمتين اثبتهما المدعى باجتهاده إحداهما ، كون ذلك الامر المتفق عليه مقتضيا ودليلا للحكم لو لا المانع والثانية انتفاء المانع والمعارض ومن المعلوم ان الاستناد الى الخبر المستند الى ذلك غير جائز عند احد من العاملين بخبر الواحد.

ثم ان الظاهر ان الاجماعات المتعارضة من شخص واحدا ومن معاصرين او

٦٧

متقاربى العصر ورجوع المدعى عن الفتوى التى ادعى الاجماع فيها ودعوى الاجماع فى مسائل غير معنونة فى كلام من تقدم على المدعى وفى مسائل قد اشتهر خلافها بعد المدعى بل فى زمانه بل فى ما قبله ، كل ذلك مبنى على الاستناد فى نسبة القول الى العلماء على هذا الوجه ولا باس بذكر بعض الموارد.

فمن ذلك ما وجه المحقق به دعوى المرتضى ان من مذهبنا جواز ازالة النجاسة بغير الماء من المائعات ؛ قال : انه انما اضاف ذلك الى مذهبنا لان من اصلنا العمل بالاصل ما لم يثبت الناقل وليس فى الشرع ما يمنع الازالة بغير الماء من المائعات ، ثم قال واما المفيد فانه ادعى فى مسائل الخلاف ان ذلك مروى عن الائمة ، انتهى : فظهر من ذلك ان نسبة السيد قدس‌سره الحكم المذكور الى مذهبنا من جهة الاصل ، ومن ذلك ما عن الشيخ فى خلاف حيث انه ذكر فيما اذا بان فسق الشاهدين بما يوجب القتل بعد القتل بانه يسقط القود ويكون الدية من بيت المال ، قال : دليلنا اجماع الفرقة فانهم رووا ان ما اخطأت القضاة ففى بيت مال المسلمين انتهى ، فعلل انعقاد الاجماع بوجود الرواية عند الاصحاب ، واوضح حالا فى عدم جواز الاعتماد ما ادعاه الحلى من الاجماع على وجوب فطرة الزوجة ولو كانت ناشزة على الزوج ، وردّه المحقق بان احدا من علماء الاسلام لم يذهب الى ذلك فان الظاهر ان الحلى انما اعتمد فى استكشاف اقوال العلماء على تدوينهم للروايات الدالة باطلاقها على وجوب فطرة الزوجة على الزوج متخيلا ان الحكم معلق على الزوجة من حيث هى زوجة ، ولم يتفطن لكون الحكم من حيث العيلولة او وجوب الانفاق. وبالجملة فكيف يمكن ان يقال ان مثل هذا الاجماع اخبار عن قول المعصوم فيدخل فى خبر الواحد مع انه فى الحقيقة اعتماد على اجتهادات مع وضوح فساد

٦٨

بعضها (١).

وحاصل الكلام من اول ما ذكرنا الى هنا : ان الناقل للاجماع ان احتمل فى حقه تتبع فتاوى من ادعى اتفاقهم حتى الامام (ع) الذى هو داخل فى المجمعين فلا اشكال فى حجيته وفى الحاقه بالخبر الواحد ، اذ لا يشترط فى حجيته معرفة الامام تفصيلا حين السماع منه لكن هذا الفرض مما يعلم بعدم وقوعه وان المدعى للاجماع لا يدعيه على هذا الوجه ، وبعد هذا فان احتمل فى حقه تتبع فتاوى جميع المجمعين والمفروض ان الظاهر من كلامه هو اتفاق الكل المستلزم عادة لموافقة قول الامام (ع) فالظاهر حجية خبره للمنقول اليه سواء جعلنا المناط فى حجيته تعلق خبره بنفس الكاشف الذى هو من الامور المحسوسة المستلزمة ضرورة لامر حدسى وهو قول الامام (ع) او جعلنا المناط تعلق خبره بالمنكشف وهو قول الامام (ع) لما عرفت من ان الخبر الحدسى المستند الى احساس ما هو ملزوم للمخبر به عادة كالخبر الحسى فى وجوب القبول.

لكنك قد عرفت سابقا القطع بانتفاء هذا الاحتمال خصوصا اذا اراد الناقل اتفاق علماء جميع الاعصار نعم لو فرضنا قلة العلماء فى عصر بحيث يحاط بهم امكن دعوى اتفاقهم عن حس لكن هذا غير مستلزم عادة لموافقة قول الامام (ع) نعم يكشف عن موافقته بناء على طريقة الشيخ المتقدمة التى لم تثبت عندنا وعند الاكثر ، ثم اذا علم عدم استناد دعوى اتفاق العلماء المتشتتين فى الاقطار الذى يكشف عادة عن موافقة الامام (ع) الا الى الحدس الناشى عن احد الامور المتقدمة التى مرجعها الى حسن الظن او الملازمات الاجتهادية فلا عبرة بنقله لان الاخبار بقول الامام (ع) حدسى

__________________

١ ـ كما فى مسئلة ازالة النجاسة بغير الماء فان اصالة البراءة على فرض كونها اتفاقية لا ترتبط بالمورد فانه من موارد جريان استصحاب النجاسة وكذا فى مسئلة الفطرة فان الوجوب اذا كان منوطا بالعيلولة او وجوب الانفاق كان ساقطا بخروجها عن عيلولته ، بالنشوز ونحوه وبسقوط وجوب الانفاق عليها (ش)

٦٩

غير مستند الى حس ملزوم له عادة ليكون نظير الاخبار بالعدالة المستندة الى الآثار الحسية والاخبار بالاتفاق ايضا حدسى.

نعم يبقى هنا شىء ، وهو ان هذا المقدار من النسبة المحتمل استناد الناقل فيها الى الحس يكون خبره حجة فيها لان ظاهر الحكاية محمول على الوجدان وهذا المضمون المخبر به عن حس وان لم يكن مستلزما بنفسه عادة لموافقة قول الامام (ع) الا انا اذا ضممنا اليها فتوى من تاخر وضم الى ذلك امارات أخر فربما حصل من المجموع القطع بالحكم لاستحالة تخلف هذه جميعها عن قول الامام عليه‌السلام وبعض هذا المجموع وهو اتفاق اهل الفتاوى المأثورة عنهم وان لم يثبت لنا بالوجدان إلّا ان المخبر قد اخبر به عن حس فيكون حجة كالمحسوس لنا وكما ان مجموع ما يستلزم عادة صدور الحكم عن الامام «ع» اذا اخبر به العادل عن حس قبل منه وعمل بمقتضاه فكذا اذا اخبر العادل ببعضه عن حس.

وتوضيحه بالمثال الخارجى ان نقول : ان خبر مائة عادل او الف مخبر بشىء مع شدة احتياطهم فى مقام الاخبار يستلزم عادة ثبوت المخبر به فى الخارج فاذا اخبرنا عادل بانه قد اخبر الف عادل بموت زيد وحضور دفنه فيكون خبره باخبار الجماعة بموت زيد حجة فيثبت به لازمه العادى وهو موت زيد وكذلك اذا اخبر العادل باخبار بعض هؤلاء وحصلنا اخبار الباقى بالسماع منهم ، ثم ان ما ذكرنا لا يختص بنقل الاجماع بل يجرى فى لفظ الاتفاق وشبهه بل يجرى فى نقل الشهرة ونقل الفتاوى عن اربابها تفصيلا.

ثم انه لو لم يحصل من مجموع ما ثبت بنقل العادل وما حصله المنقول اليه بالوجدان من الامارات والاقوال القطع بصدور الحكم الواقعى عن الامام (ع) لكن حصل منه القطع بوجود دليل ظنى معتبر بحيث لو نقل الينا لاعتقدناه تاما من جهة الدلالة وفقد المعارض ، كان هذا المقدار ايضا كافيا فى اثبات

٧٠

المسألة الفقهية ؛ لكن الانصاف بعد التامل وترك المسامحة بابراز المظنون بصورة القطع كما هو متعارف محصلى عصرنا ان اتفاق من يمكن تحصيل فتاويهم على امر كما لا يستلزم عادة موافقة الامام «ع» كذلك لا يستلزم وجود دليل معتبر.

ومن جميع ما ذكرنا يظهر الكلام فى المتواتر المنقول وان نقل التواتر فى خبر لا يثبت حجيته ولو قلنا بحجية خبر الواحد لان التواتر صفة فى الخبر تحصل باخبار جماعة يفيد العلم للسامع ويختلف عدده باختلاف خصوصيات المقامات وليس كل تواتر ثبت لشخص مما يستلزم فى نفس الامر عادة تحقق المخبر به ، فاذا اخبر بالتواتر فقد اخبر باخبار جماعة افاد له العلم بالواقع ، وقبول هذا الخبر لا يجدى شيئا لان المفروض ان تحقق مضمون المتواتر ليس من لوازم اخبار الجماعة الثابت بخبر العادل.

نعم لو اخبر باخبار جماعة يستلزم عادة تحقق المخبر به بان يكون حصول العلم بالمخبر به لازم الحصول لاخبار الجماعة كان اخبر مثلا باخبار الف عادل او ازيد بموت زيد وحضور جنازته كان اللازم من قبول خبره الحكم بتحقق الملزوم وهو اخبار الجماعة فيثبت اللازم وهو تحقق موت زيد.

لكن ليعلم (١) ان معنى قبول نقل التواتر مثل الاخبار بتواتر موت زيد مثلا يتصور على وجهين : الاول الحكم بثبوت الخبر المدعى تواتره اعنى موت زيد نظير حجية الاجماع المنقول بالنسبة الى المسألة المدعى عليها الاجماع وهذا هو الذى ذكرنا انه يشترط فى قبول خبر الواحد فيه كون ما اخبر به مستلزما

__________________

١ ـ حاصله ان المنقول اليه التواتر اما ان يريد قبول نفس ما اخبر به الناقل بتواتره وترتيب آثاره كموت زيد مثلا فيريد قسمة امواله او قبول كون المخبر به متواترا اعنى آثار نفس التواتر فيريد حفظ ذلك الخبر او كتابته كما فى مسئلة النذر ، اما الاول فهو انما يقبله فيما اذا نقل اليه من الاخبار ما يكون ملازما عادة لوقوع المخبر به واما الثانى ففيه ما ذكره من التفصيل (ش)

٧١

عادة لوقوع متعلقه ، الثانى الحكم بثبوت تواتر الخبر المذكور ليترتب على ذلك الخبر آثار المتواتر واحكامه الشرعية كما اذا نذر ان يحفظ او يكتب كل خبر متواتر.

ثم احكام التواتر منها ما ثبت لما تواتر فى الجملة ولو عند غير هذا الشخص ومنها ما ثبت لما تواتر بالنسبة الى هذا الشخص ، لا ينبغى الاشكال فى ان مقتضى قبول نقل التواتر العمل به على الوجه الاول واول وجهى الثانى كما لا ينبغى الاشكال فى عدم ترتيب آثار تواتر المخبر به عند نفس هذا الشخص ومن هنا يعلم ان الحكم بوجوب القراءة فى الصلاة ان كان منوطا بكون المقر وقرآنا واقعيا قرأه النبى «ص» فلا اشكال فى جواز الاعتماد على اخبار الشهيد «ره» بتواتر القراءات الثلاث اعنى قراءة ابى جعفر واخويه ، لكن بالشرط المتقدم وهو كون ما اخبر به الشهيد من التواتر ملزوما عادة لتحقق القرآنية وكذا لا شكال فى الاعتماد من دون الشرط ان كان الحكم منوطا بالقرآن المتواتر فى الجملة فانه قد ثبت تواتر تلك القراءات عند الشهيد باخباره وان كان الحكم معلقا على القرآن المتواتر عند القارى او مجتهده فلا يجدى اخبار الشهيد بتواتر تلك القراءات.

والى احد الاولين ينظر حكم المحقق والشهيد الثانيين بجواز القراءة بتلك القراءات مستندا الى ان الشهيد والعلامة قدس‌سرهما قد ادعيا تواترها فان هذا لا يقصر عن نقل الاجماع والى الثالث نظر صاحب المدارك وشيخه المقدس الاردبيلى قدس‌سرهما حيث اعترضا على المحقق والشهيد بان هذا رجوع عن اشتراط التواتر فى القراءة ولا يخلو نظرهما عن نظر فتدبر ، والحمد الله وصلى الله على محمد وآله ولعنة الله على اعدائهم اجمعين.

٧٢

ومن جملة الظنون التى توهم حجيتها بالخصوص

الشهرة فى الفتوى الحاصلة بفتوى جل الفقهاء المعروفين

سواء كان فى مقابلتها فتوى غيرهم بخلاف ام لم يعرف الخلاف والوفاق من غيرهم.

ثم ان المقصود هنا ليس التعرض لحكم الشهرة من حيث الحجية فى الجملة بل المقصود ابطال توهم كونه من الظنون الخاصة وإلّا فالقول بحجيتها من حيث افادة المظنة بناء على دليل الانسداد غير بعيد.

ثم ان منشأ توهم كونها من الظنون الخاصة امران : احدهما ما يظهر من بعض (١) من ان ادلة حجية خبر الواحد تدل على حجيتها بمفهوم الموافقة لانه ربما يحصل منها الظن الاقوى من الحاصل من خبر العادل وهذا خيال ضعيف للعلم بان المناط والعلة فى حجية الاصل ليس مجرد افادة الظن واضعف من ذلك تسمية هذه الاولوية فى كلام ذلك البعض مفهوم الموافقة مع انه ما كان استفادة حكم الفرع من الدليل اللفظى الدال على حكم الاصل مثل قوله تعالى : (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ).

__________________

١ ـ حاصله اما تنقيح المناط بدعوى كون الملاك فى حجية الخبر افادته الظن وهو حاصل فى الشهرة ايضا بل ربما يكون اقوى ، واما دعوى دلالة ادلة الخبر عليه بمفهوم الموافقة ؛ والاول باطل لانه لم يحرز كون الملاك فى الخبر افادته الظن بل احرز عدمه

٧٣

الثانى دلالة مرفوعة زرارة ومقبولة ابن حنظلة على ذلك ، ففى الاولى قال زرارة قلت جعلت فداك ياتى عنكم الخبران والحديثان المتعارضان فبأيهما نعمل؟ قال (ع) : خذ بما اشتهر بين اصحابك ودع الشاذ النادر ، الخبر ، بناء على ان المراد بالموصول مطلق المشهور رواية كان او فتوى ، او ان اناطة الحكم بالاشتهار يدل على اعتبار الشهرة فى نفسها وان لم تكن فى الرواية ، وفى المقبولة بعد فرض السائل تساوى الراويين فى العدالة قال (ع) ينظر الى ما كان من روايتهم عنا فى ذلك الذى حكما به المجمع عليه بين اصحابك فيؤخذ به ويترك الشاذ الذى ليس بمشهور عند اصحابك فان المجمع عليه لا ريب فيه ، بناء على ان المراد بالمجمع عليه هو المشهور بقرينة اطلاق المشهور عليه فى قوله ويترك الشاذ الذى ليس بمشهور فيكون فى التعليل بقوله فان المجمع عليه الخ دلالة على ان المشهور مطلقا مما يجب العمل به وان كان مورد التعليل الشهرة فى الرواية.

ولكن فى الاستدلال بالروايتين ما لا يخفى من الوهن ، اما الاولى فيرد عليها مضافا الى ضعفها حتى انه ردها من ليس دأبه الخدشة فى سند الروايات كالمحدث البحرانى ان المراد بالموصول هو خصوص الرواية المشهورة من الروايتين دون مطلق المشهور ، ألا ترى انك لو سألت عن ان اى المسجدين احب اليك فقلت ما كان الاجتماع فيه اكثر ، لم يحسن للمخاطب ان ينسب اليك محبوبية كل مكان يكون الاجتماع فيه اكثر ، بيتا كان أو خانا أو سوقا ، وكذا لو اجبت عن سؤال المرجح لاحد الرمانين فقلت ما كان اكبر ، والحاصل ان دعوى العموم فى المقام لغير الرواية مما لا يظن بادنى التفات ومنه يظهر الجواب عن المقبولة ايضا.

ومن جملة الظنون الخارجة بالخصوص عن اصالة حرمة العمل بغير العلم خبر الواحد فى الجملة (١) عند المشهور بل كاد ان يكون اجماعا.

__________________

ـ والثانى فاسد ايضا لعدم دلالة تلك الادلة على حكم الشهرة بدلالة لفظية التزامية لتكون من مفهوم الموافقة (ش).

١ ـ المراد به مقابل المتواتر فيشمل المستفيض وهو ما زاد راويه عن الاثنين

٧٤

اعلم ان اثبات الحكم الشرعى بالاخبار المروية عن الحجج (ع) الحاكية لقولهم موقوف على مقدمات ثلاث : الاولى كون الكلام صادرا عن الحجة ، الثانية كون صدوره لبيان حكم الله لا على وجه آخر من تقية وغيرها ، الثالثة ثبوت دلالتها على الحكم المدعى وهذا يتوقف اولا على تعيين اوضاع الفاظ الرواية وثانيا على تعيين المراد منها وان المراد مقتضى وضعها او غيره.

فهذه امور اربعة قد اشرنا الى كون الجهة الثانية من المقدمة الثالثة من الظنون الخاصة وهو المعبر عنه بالظهور اللفظى والى ان الجهة الاولى منها مما لم يثبت كون الظن الحاصل فيها بقول اللغوى من الظنون الخاصة وان لم نستبعد الحجية اخيرا ، واما المقدمة الثانية فهى ايضا ثابتة باصالة عدم صدور الرواية لغير داعى بيان الحكم الواقعى وهى حجة لرجوعها الى القاعدة المجمع عليها بين العلماء والعقلاء من حمل كلام المتكلم على كونه صادر البيان مطلوبه الواقعى لا لبيان خلاف مقصوده من تقية او خوف ولذا لا يسمع دعواه ممن يدعيه اذا لم يكن كلامه محفوفا باماراته.

اما المقدمة الاولى فهى التى عقد لها مسئلة حجية اخبار الآحاد فمرجع هذه المسألة الى ان السنة اعنى قول الحجة او فعله او تقريره هل تثبت بخبر الواحد ام لا تثبت إلّا بما يفيد القطع من التواتر والقرينة ومن هنا يتضح (١) دخولها فى مسائل اصول الفقه الباحثة عن احوال الادلة.

__________________

ـ او الثلاثة ، والواحد صفة للراوى اى ما يكون راويه واحد الا نفسه واحدا ولو كان راويه متواترا والتقييد بقوله فى الجملة اشارة الى ان الخارج ليس مطلق الخبر بل صنف خاص مع اختلاف الآراء فيه ايضا (م ـ ق)

١ ـ توضيحه ان موضوع علم الاصول هى الادلة الاربعة فاذا كان الموضوع هى الادلة بوصف كونها ادلة يلزم خروج عدة مباحث فى علم الاصول عن كونها من مسائله ، كالبحث عن حجية الخبر والاجماع والشهرة وظاهر الكتاب ونحوها اذا لبحث عن تشخيص الموضوع ووجوده بحث عن المبادى فاشار المصنف الى جواب الاشكال

٧٥

ثم اعلم ان اصل وجوب العمل بالاخبار المدونة فى الكتب المعروفة مما اجمع عليه فى هذه الاعصار بل لا يبعد كونه ضرورى المذهب وانما الخلاف فى انها مع عدم قطعية صدورها معتبرة بالخصوص ام لا ، فالمحكى عن السيد والقاضى وابن زهرة والطبرسى وابن ادريس قدس‌سرهم المنع وان خبر الواحد القاطع للعذر هو الذى يقترن اليه دليل يفضى بالنظر الى العلم وربما يكون ذلك اجماعا او شاهدا من عقل.

واما القائلون بالاعتبار فهم مختلفون من جهة ان المعتبر منها كل ما فى الكتب المعتبرة كما يحكى عن بعض الاخباريين وتبعهم بعض المعاصرين من الاصوليين بعد استثناء ما كان مخالفا للمشهور ، او ان المعتبر بعضها وان المناط فى الاعتبار عمل الاصحاب كما يظهر من كلام المحقق او عدالة الراوى او وثاقته او مجرد الظن بصدور الرواية من غير اعتبار صفة فى الراوى او غير ذلك من التفصيلات ، والمقصود هنا بيان اثبات حجيته بالخصوص فى الجملة فى مقابل السلب الكلى ولنذكر او لا ما يمكن ان يحتج به القائلون بالمنع ثم نعقبه بذكر ادلة الجواز.

فنقول : اما حجة المانعين فالادلة الثلاثة اما الكتاب فالآيات الناهية عن العمل بما وراء العلم والتعليل المذكور فى آية النبأ على ما ذكره امين الاسلام من ان فيها دلالة على عدم جواز العمل بخبر الواحد.

واما السنة فهى اخبار كثيرة تدل على المنع من العمل بالخبر الواحد الغير المعلوم الصدور إلّا اذا احتف بقرينة معتبرة من كتاب او سنة معلومة مثل ما رواه فى البحار عن بصائر الدرجات عن محمد بن عيسى قال اقرأنى داود بن فرقد الفارسى

__________________

ـ بما حاصله : ان مرجع البحث عن حجية الخبر الى البحث عن احوال السنة المعلوم الحجية التى هى الموضوع فالسنة هى قول المعصوم وفعله وتقريره والخبر هو الحاكى عن احدها والبحث واقع فى انها هل تثبت باخبار الواحد ام لا ، فيرجع البحث الى حال الدليل والموضوع (ش)

٧٦

كتابه الى ابى الحسن الثالث (١) (ع) وجوابه بخطه فكتب نسألك عن العلم المنقول عن آبائك واجدادك (ع) اجمعين قد اختلفوا علينا فيه فكيف العمل به على اختلافه فكتب «ع» بخطه ، وقرأته : ما علمتم انه قولنا فالزموه وما لم تعلموه فردوه الينا ، ومثله عن مستطرفات السرائر.

والاخبار الدالة على عدم جواز العمل بالخبر المأثور إلّا اذا وجد له شاهد من كتاب الله او من السنة المعلومة فتدل على المنع عن العمل بالخبر الواحد المجرد عن القرينة مثل ما ورد فى غير واحد من الاخبار ان النبى «ص» قال : ما جاءكم عنى مما لا يوافق القرآن فلم اقله ، وقول ابى جعفر وابى عبد الله «ع» لا يصدق علينا الا ما يوافق كتاب الله وسنة نبيه «ص» وقوله عليه‌السلام اذا جاءكم حديث عنا فوجدتم عليه شاهدا او شاهدين من كتاب الله فخذوا به وإلّا فقفوا عنده ثم ردوه الينا حتى يتبين لكم ، ورواية ابن ابى يعفور قال : سألت أبا عبد الله «ع» عن اختلاف الحديث يرويه من نثق به ومن لا نثق به قال اذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهدا من كتاب الله او من قول رسول الله «ص» فخذوا به وإلّا فالذى جاءكم اولى به وقوله «ع» لمحمد بن مسلم ما جاءك من رواية من بر او فاجر يوافق كتاب الله فخذ به وما جاءك من رواية من بر او فاجر يخالف كتاب الله فلا تأخذ به وقوله «ع» ما جاءكم من حديث لا يصدقه كتاب الله فهو باطل وقول ابى جعفر «ع» ما جاءكم عنا فان وجدتموه موافقا للقرآن فخذوا به وان لم تجدوه موافقا فردّوه وان اشتبه الامر عندكم فقفوا عنده وردّوه الينا حتى نشرح لكم من ذلك ما شرح لنا ، وقول الصادق «ع» كل شىء مردود الى كتاب الله والسنة وكل حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف ، وصحيحة هشام بن الحكم عن ابى عبد الله «ع» لا تقبلوا علينا حديثا الا ما وافق الكتاب والسنة او تجدون معه شاهدا من احاديثنا المتقدمة فان المغيرة ابن سعيد لعنه الله دس فى كتب اصحاب ابى احاديث لم يحدث بها ابى فاتقوا الله ولا تقبلوا

__________________

١ ـ يعنى الهادى (ع) والمقيد بالاول هو الكاظم (ع) وبالثانى الرضا عليه‌السلام (ق)

٧٧

علينا ما خالف قول ربنا وسنة نبينا. والاخبار الواردة فى طرح الاخبار المخالفة للكتاب والسنة ولو مع عدم المعارض متواترة جدا.

وجه الاستدلال بها ان من الواضحات ان الاخبار الواردة عنهم صلوات الله عليهم فى مخالفة ظواهر الكتاب والسنة فى غاية الكثرة ، والمراد من المخالفة (١) للكتاب فى تلك الاخبار الناهية عن الاخذ بمخالفة الكتاب والسنة ليس هى المخالفة على وجه التباين الكلى بحيث يتعذر او يتعسر الجمع ، اذ لا يصدر من الكذا بين عليهم ما يباين الكتاب والسنة كلية اذ لا يصدقهم احد فى ذلك فما كان يصدر عن الكذابين عليهم من الكذب لم يكن الا نظير ما كان يرد من الائمة (ع) فى مخالفة ظواهر الكتاب والسنة ، فليس المقصود (٢) من عرض ما يرد من الحديث على الكتاب والسنة إلّا عرض ما كان منها غير معلوم الصدور عنهم وانه ان وجد له قرينة وشاهد معتمد فهو وإلّا فليتوقف فيه لعدم افادته العلم بنفسه وعدم اعتضاده بقرينة معتبرة.

ويشير الى ما ذكرنا من ان المقصود من عرض الخبر على الكتاب والسنة هو فى غير معلوم الصدور تعليل العرض فى بعض الاخبار بوجود الاخبار المكذوبة فى اخبار الامامية ، واما الاجماع فقد ادعاه السيد المرتضى قدس‌سره فى مواضع من كلامه وجعله فى بعضها بمنزلة القياس فى كون ترك العمل به معروفا من مذهب

__________________

١ ـ دفع لما يمكن ان يقال : ان الظاهر من المخالفة على وجه التباين الكلى فلا تشمل الاخبار المذكورة ما كانت مخالفته على وجه العموم والخصوص مطلقا او من وجه وهذا القسم هو الاكثر فى الاخبار لقلة المخالفة على الوجه الاول والجواب واضح (ق)

٢ ـ وجه التفريع على المقدمتين انه اذا ثبت صدور الاحبار المخالفة لظواهر الكتاب والسنة على وجه التباين الجزئى عن الائمة (ع) وثبت ايضا عدم كون المراد بالمخالفة فى تلك الاخبار هى المخالفة على وجه التباين الكلى ثبت كون الغرض من العرض على الكتاب هو تمييز الاخبار المكذوبة الشبيهة باخبار الائمة (ع) من بين الاخبار غير معلوم الصدور عنهم عليهم‌السلام (ق).

٧٨

الشيعة وقد اعترف بذلك الشيخ على ما ياتى فى كلامه إلّا انه اول معقد الاجماع بارادة الاخبار التى يرويها المخالفون وهو ظاهر المحكى عن الطبرسى فى مجمع البيان ، قال : لا يجوز العمل بالظن عند الامامية الا فى شهادة العدلين وقيم المتلفات واروش الجنايات انتهى.

والجواب اما عن الآيات فبانها بعد تسليم دلالتها (١) عمومات مخصصة بما سيجىء من الادلة واما عن الاخبار فعن الرواية الاولى فبانها خبر واحد لا يجوز الاستدلال بها على المنع عن الخبر الواحد واما اخبار العرض على الكتاب فهى وان كانت متواترة بالمعنى إلّا انها بين طائفتين (٢) إحداهما ما دل على طرح الخبر الذى يخالف الكتاب والثانية ما دل على طرح الخبر الذى لا يوافق الكتاب اما الطائفة الاولى فلا تدل على المنع عن الخبر الذى لا يوجد مضمونه فى الكتاب ، والسنة.

فان قلت : ما من واقعة الا ويمكن استفادة حكمها من عمومات الكتاب المقتصر فى تخصيصها على السنة القطعية مثل قوله تعالى : (خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) وقوله تعالى : (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ) «الخ» و (فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً) ، و (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ») ونحو ذلك فالاخبار المخصصة لها كلها ولكثير من عمومات السنة القطعية مخالفة للكتاب والسنة.

قلت : اولا انه لا يعد مخالفة (٣) ظاهر العموم خصوصا مثل هذه العمومات

__________________

١ ـ فيه اشارة الى امكان دعوى اختصاصها بقرينة مورد جملة منها وسياق اخرى باصول الدين (ق)

٢ ـ الفرق بينهما ان ما دل منها على عدم حجية مخالف الكتاب لا ينهض لاثبات عدم حجية ما لا يوجد مضمونه فيه بخلاف ما دل على عدم حجية ما لا يوافقه (ق)

٣ ـ اما لان العمل بالظاهر لاجل اصالة عدم القرينة المندفعة بوجود الاخبار الخاصة فى المقام ، واما لان العام والخاص لا يعد ان فى العرف من قبيل المتعارضين المتخالفين ، ووجه الخصوصية ان اكثرها مطلقات لا عمومات واما لاجل ورود مخصصات كثيرة عليها حتى اوهنت ظهورها فى العموم (م ـ ق).

٧٩

مخالفة وإلّا لعدت الاخبار الصادرة يقينا عن الائمة (ع) المخالفة لعمومات الكتاب والسنة النبوية مخالفة للكتاب والسنة غاية الامر ثبوت الاخذ بها مع مخالفتها بكتاب الله وسنة نبيه (ص) فتخرج عن عموم اخبار العرض مع ان الناظر فى اخبار العرض على الكتاب والسنة يقطع بانها تابى عن التخصيص وكيف يرتكب التخصيص فى قوله «ع» كل حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف ، وقوله ما أتاكم من حديث لا يوافق كتاب الله فهو باطل ، وقوله «ع» لا تقبلوا علينا خلاف القرآن فانا ان حدثنا حدثنا بموافقة القرآن وموافقة السنة ، وقد صح عن النبى «ص» انه قال ما خالف كتاب الله فليس من حديثى او لم اقله مع ان اكثر عمومات الكتاب قد خصص بقول النبى «ص».

ومما يدل على ان المخالفة لتلك العمومات لا يعد مخالفة ما دل من الاخبار على بيان حكم ما لا يوجد حكمه فى الكتاب والسنة النبوية «ص» اذ بناء على تلك العمومات لا يوجد واقعة لا يوجد حكمها فيهما ، فمن تلك الاخبار ما عن البصائر والاحتجاج وغيرهما مرسلة عن رسول الله «ص» انه قال ما وجدتم فى كتاب الله فالعمل به لازم ولا عذر لكم فى تركه وما لم يكن فى كتاب الله تعالى وكانت فيه سنة منى فلا عذر لكم فى ترك شىء وما لم يكن فيه سنة منى فما قال اصحابى فقولوا به فانما مثل اصحابى فيكم كمثل النجوم بايها اخذ اهتدى وباى اقاويل اصحابى اخذتم اهتديتم واختلاف اصحابى رحمة لكم (١) قيل يا رسول الله ومن اصحابك؟ قال اهل بيتى الخبر ، فانه صريح فى انه قد يرد من الائمة «ع» ما لا يوجد فى الكتاب والسنة ؛ ومنها ما ورد فى تعارض الروايتين من رد ما لا يوجد فى الكتاب والسنة الى الائمة «ع» مثل ما رواه فى العيون عن ابى الوليد عن سعد بن عبد الله عن محمد بن عبد الله المسمعى عن الميثمى وفيها ما ورد

__________________

١ ـ عن الصدوق فى بيانه ان اهل البيت لا يختلفون ولكن يفتون الشيعة بمر الحق وربما افتوهم بالتقية فما يختلف من قولهم فهو للتقية والتقية رحمة للشيعة انتهى (ق)

٨٠