كشف الغمّة في معرفة الأئمّة - ج ٢

أبي الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح الاربلي

كشف الغمّة في معرفة الأئمّة - ج ٢

المؤلف:

أبي الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح الاربلي


المحقق: السيد هاشم الرسولي المحلاتي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة بني هاشمي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٦٠
الجزء ١ الجزء ٢

وعن صفوان بن يحيى عن أبي الحسن الرضا ع قال سمعته يقول الأئمة علماء حكماء مفهمون محدثون.

وعن الحسن بن علي الوشاء قال كنت بخراسان فبعث إلي الرضا ع يوما فقال

__________________

ـ وملخص القصة انه اجتمع عدة من الطالبيين في سنة(٢٠) بمكّة على محمّد بن جعفر وكان شيخا محببا للناس مفارقا لما عليه كثير من أهل بيته من قبح السيرة وكان يروى العلم عن أبيه جعفر بن محمّد عليه السلام وكان الناس يكتبون عنه وكان يظهر زهدا فلما أتوه قالوا له تعلم منزلتك من الناس فهلم نبايع لك بالخلافة فان فعلت لم يختلف عليك رجلان فامتنع من ذلك فلم يزل به ابنه عليّ بن محمّد بن جعفر وحسين بن الحسن الأفطس حتّى غلباه على رأيه وأجابهم وأقاموه في ربيع الأوّل من هذه السنة فبايعوه بالخلافة وجمعوا له الناس فبايعوه طوعا وكرها وسموه أمير المؤمنين فبقى شهورا وليس له من الامر شيء وابنه على والحسين بن الأفطس أسوأ ما كانوا سيرة وأقبح فعلا وقصتهما مع امرأة الفهرية وغلام قاضى مكّة ـ وكان أمردا جميلا ـ وفجورهما معروفة مشهورة فلم يلبثوا الا يسيرا حتّى انفذ هرثمة بن أعين وكان أميرا واليا من قبل المأمون جندا لقتالهم وفيهم الجلودي ـ وهو من جملة المشايخ الذين خدموا الرشيد فقتلهم المأمون بعد ما أخذ البيعة لعلي بن موسى (ع) في قصة طويلة ـ فقاتلوهم حتّى انهزم محمّد بن جعفر ومن معه من مكّة ودخلها الجلودي وفعل فيها من الاعمال الشنيعة ما فعل وسار محمّد بن جعفر نحو الجحفة فأدركه بعض موالى بني العباس فأخذ جميع ما معه وأعطاه دريهمات يتوصل بها فسار نحو بلاد جهينة فجمع بها وقاتل هارون المسيب وإلى المدينة عند الشجرة وغيرها عدة دفعات فانهزم محمّد وفقئت عينه بنشابة وقتل من أصحابه بشر كثير ورجع إلى موضعه فلما انفصل الموسم طلب الأمان من الجلودي ومن رجاء بن جميل وهو ابن عمّة الفضل بن سهل فأمنه وضمن له رجاء عن المأمون وعن الفضل الوفا بالأمان فقبل ذلك فأتى مكّة لعشر بقين من ذي الحجة فخطب الناس وقال انني بلغني ان المأمون مات وكانت له في عنقي بيعة وكانت فتنة عمت الأرض فبايعني الناس ثمّ انه صح عندي ان المأمون حي صحيح وانا استغفر اللّه من البيعة وقد خلعت نفسي من البيعة التي بايعتموني عليها كما خلعت خاتمي هذا من اصبعى فلا بيعة لي في رقابكم ثمّ نزل وسار إلى العراق فسيره الحسن بن سهل إلى المأمون بمرو فمات بها.

٣٠١

ابعث لي بالحبرة (١) فلم توجد عندي فقلت لرسوله ما عندي حبرة فرد إلي الرسول ابعث بالحبرة فطلبت في ثيابي فلم أجد شيئا فقلت لرسوله قد طلبت فلم أقع بها فرد إلي الرسول الثالث ابعث بالحبرة فقمت أطلب ذلك فلم يبق إلا صندوق فقمت إليه فوجدت فيه حبرة فأتيته بها وقلت أشهد أنك إمام مفترض الطاعة وكان سببي في دخولي هذا الأمر.

وقال عبد الله بن المغيرة كنت واقفا وحججت على ذلك فلما صرت إلى مكة خلج في صدري شيء فتعلقت بالملتزم وقلت اللهم قد علمت طلبتي وإرادتي فأرشدني إلى خير الأديان فوقع في نفسي أن آتي الرضا ع فأتيت المدينة فوقفت ببابه وقلت للغلام قل لمولاك رجل من أهل العراق بالباب فسمعت نداءه وهو يقول ادخل يا عبد الله بن المغيرة فدخلت فلما نظر إلي قال قد أجاب الله دعوتك وهداك لدينه فقلت أشهد أنك حجة الله وأمين الله على خلقه.

وعن الحسن بن علي الوشاء قال قال فلان بن محرز بلغنا أن أبا عبد الله ع كان إذا أراد أن يعاود أهله للجماع توضأ وضوء الصلاة وأحب أن تسأل أبا الحسن الثاني عن ذلك قال الوشاء فدخلت عليه فابتدأني من غير أن أسأله فقال كان أبو عبد الله ع إذا جامع وأراد أن يعاود توضأ وضوء الصلاة وإذا أراد أيضا توضأ للصلاة فخرجت إلى الرجل فقلت قد أجابني عن مسألتك من غير أن أسأله.

وعن حنان بن سدير قال قلت لأبي الحسن الرضا ع أيكون إمام ليس له عقب فقال أبو الحسن أما إنه لا يولد لي إلا واحد ولكن الله منشئ منه ذرية كثيرة قال أبو خداش سمعت هذا الحديث منذ ثلاثين سنة.

وعن الوشاء قال سألني العباس بن جعفر بن محمد بن الأشعث أن أسأله أن يخرق كتبه إذا قرأها مخافة أن تقع في يدي غيره قال الوشاء فابتدأني بكتاب قبل أن أسأله أن يخرق كتبه أعلم صاحبك أني إذا قرأت كتبه خرقتها.

وعن ذروان المدائني أنه دخل على أبي الحسن الثاني ع يريد أن يسأله عن

__________________

(١) الحبرة : ضرب من برود اليمن.

٣٠٢

عبد الله بن جعفر فأخذ بيدي فوضعها على صدره قبل أن أذكر له شيئا مما أردت ثم قال يا محمد بن آدم إن عبد الله لم يكن إماما فأخبرني بما أردت قبل أن أسأله.

وعن الحسن بن علي الوشاء عن أبي الحسن الرضا ع قال قال لي ابتداء إن أبي كان عندي البارحة قلت أبوك قال أبي قلت أبوك قال أبي في المنام إن جعفرا كان يجيء إلى أبي فيقول يا بني افعل كذا يا بني افعل كذا يا بني افعل كذا قال فدخلت عليه بعد ذلك فقال يا حسن إن منامنا ويقظتنا واحد.

وعن علي بن محمد القاشاني قال أخبرني بعض أصحابنا أنه حمل إلى الرضا ع مالا له خطر فلم أره سر به فاغتممت لذلك وقلت في نفسي قد حملت مثل هذا المال وما سر به فقال يا غلام الطست والماء وقعد على كرسي وقال (١) بيده للغلام صب علي الماء فجعل يسيل من بين أصابعه في الطست ذهب ثم التفت إلي وقال من كان هكذا لا يبالي بالذي حمل إليه.

وعن محمد بن الفضل قال لما كان في السنة التي بطش هارون بالبرامكة وقتل جعفر بن يحيى وحبس يحيى بن خالد ونزل بهم ما نزل كان أبو الحسن واقفا بعرفة يدعو ثم طأطأ رأسه فسئل عن ذلك فقال إني كنت أدعو الله على البرامكة ـ قد فعلوا بأبي ما فعلوا فاستجاب الله لي فيهم اليوم فلما انصرف لم يلبث إلا يسيرا حتى بطش بجعفر وحبس يحيى وتغيرت حالهم.

وعن موسى بن عمران قال رأيت علي بن موسى ع في مسجد المدينة وهارون يخطب فقال تروني وأباه تدفن في بيت واحد.

وقال هشام العباسي طلبت بمكة ثوبين سعديين أهديهما لأبي فلم أصب بمكة منهما شيئا على ما أردت فمررت بالمدينة منصرفي فدخلت على أبي الحسن ع فلما ودعته وأردت الخروج دعا بثوبين سعديين على عمل الوشي الذي كنت طلبت فدفعهما إلي وقال أقطعهما لأبيك.

وعن الحسن بن موسى قال خرجنا مع أبي الحسن ع إلى بعض أمواله في يوم

__________________

(١) أي أشار.

٣٠٣

لا سحاب فيه فلما برزنا قال حملتم معكم المماطر (١) قلنا لا وما حاجتنا إليها وليس سحاب ولا نتخوف المطر فقال لكني قد حملت وستمطرون فما مضينا إلا يسيرا حتى ارتفعت سحابة ومطرنا حتى أهمتنا أنفسنا فما بقي منا أحد إلا ابتل غيره.

وعن الحسن بن منصور عن أخيه قال دخلت على الرضا في بيت داخل في جوف بيت ليلا فرفع يده فكانت كأن في البيت عشرة مصابيح فاستأذن عليه رجل فخلى يده ثم أذن له.

وعن موسى بن مهران قال رأيت أبا الحسن علي بن موسى ع ونظر إلى هرثمة ـ قال فكأني به قد حمل إلى مرو فضربت عنقه وكان كما قال.

هذا آخر ما أردت نقله من كتاب الدلائل.

وقال الراوندي في كتاب الخرائج روى إسماعيل بن أبي الحسن قال كنت مع الرضا ع وقد قال بيده على الأرض كأنه يكشف شيئا فظهرت سبائك ذهب ثم مسح بيده عليها فغابت فقلت لو أعطيتني واحدة منها قال لا إن هذا الأمر لم يأن وقته

ومنها ما قال أبو إسماعيل السندي قال سمعت بالسند أن لله حجة في العرب فخرجت منها في الطلب فدللت على الرضا فقصدته ودخلت عليه وأنا لا أعرف من العربية كلمة واحدة فسلمت بالسندية فرد علي بلغتي فجعلت أكلمه بالسندية وهو يجيبني بها فقلت إني سمعت بالسند أن لله حجة في العرب فخرجت في الطلب فقال قد بلغني ذلك نعم أنا هو ثم قال سل عما تريد فسألته عما أردته فلما أردت القيام من عنده قلت إني لا أحسن شيئا من العربية فادع الله أن يلهمنيها لأتكلم بها مع أهلها فمسح يده على شفتي فتكلمت بالعربية من وقتي.

ومنها ما روي عن الحسن بن علي بن يحيى قال زودتني جارية لي ثوبين ملحمين وسألتني أن أحرم فيهما فأمرت الغلام بوضعهما في العيبة فلما انتهيت إلى الوقت الذي ينبغي أن أحرم فيه دعوت بالثوبين لألبسهما ثم اختلج في صدري فقلت ما ينبغي

__________________

(١) وهو ما يلبس في المطر يتوقى به من المطر.

٣٠٤

لي أن ألبس ملحما وأنا محرم فتركتهما ولبست غيرهما فلما صرت بمكة كتبت كتابا إلى أبي الحسن وبعثت إليه بأشياء كانت معي ونسيت أن أكتب إليه أسأله عن المحرم هل يلبس الملحم أم لا فلم ألبث أن جاءني الجواب بكل ما سألته عنه وفي أسفل الكتاب لا بأس بالملحم أن يلبسه المحرم.

ومنها ما قال سليمان الجعفري قال كنت مع الرضا ع في حائط له فأنا أحدثه إذ جاء عصفور فوقع بين يديه وأخذ يصيح ويكثر الصياح ويضطرب فقال أتدري ما يقول قلت الله ورسوله وابن رسوله أعلم قال قد قال لي إن حية تريد أن تأكل فراخي في البيت فقم وخذ تلك النسعة وادخل البيت واقتل الحية قال فقمت وأخذت النسعة (١) ودخلت البيت وإذا حية تحول في البيت فقتلتها.

ومنها ما روي عن بكر بن صالح قال أتيت الرضا ع فقلت امرأتي أخت محمد بن سنان بها حمل فادع الله أن يجعله ذكرا قال هما اثنان قلت في نفسي محمد وعلي بعد انصرافي فدعاني بعد ذلك فقال سم واحدا عليا والأخرى أم عمر فقدمت الكوفة وقد ولد لي غلام وجارية في بطن فسميت كما أمرني وقلت لأمي ما معنى أم عمر فقالت إن أمي كانت تدعى أم عمر.

ومنها ما روى الوشاء أن الرضا ع قال بخراسان إني حيث أرادوا بي الخروج جمعت عيالي فأمرتهم أن يبكوا علي حتى أسمع ثم فرقت فيهم اثني عشر ألفا ثم قال إني لا أرجع إلى عيالي أبدا.

وعن الوشاء قال لذعتني عقرب فأقبلت أقول يا رسول الله يا رسول الله فأنكر السامع وتعجب من ذلك فقال له الرضا ص مه فو الله لقد رأى رسول الله قال وقد كنت رأيت رسول الله ص في النوم ولا والله ما كنت أخبرت به أحدا

قال الفقير إلى الله تعالى عبد الله علي بن عيسى غفر الله له برحمته ذنوبه وستر بعفوه

__________________

(١) النسع : سير وقيل حبل من أدم يكون عريضا على هيئة أعنة النعال تشد به الرحال القطعة منه «نسعة».

٣٠٥

وتجاوزه عيوبه أن الحافظ أبا نعيم وصل معنا إلى أخبار أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق ع وأضرب صفحا عمن سواه.

وأما ابن الجوزي فإنه ذكر العبد الصالح موسى بن جعفر ع وما تعداه وهما في كتابيهما يذكران من مجهولي العباد ومن شذاذ العباد من لا يعرف اسمه ولا نسبه ولا يتحقق طريقه ولا مذهبه فيقولان مثلا عابد كان باليمن عابدة حبشية إلى أمثال هذا ولا يذكرون مثل موسى الكاظم ولا علي الرضا ولا محمد الجواد وأبنائهم فأما عبد العزيز الحافظ الجنابذي فإنه وصل إلى الحسن العسكري ع ووقف حين وصل إلى ذكر الإمام الخلف الصالح مولانا الحجة عليه وعلى آبائه أفضل الصلاة والسلام فأما كمال الدين بن طلحة رحمه‌الله فإنه ذكر السلف والخلف وجرى في مضماره وما وقف وإن أنكر غيره شيئا فقد أقر رحمه‌الله واعترف ومن أعجب الأمور أن أبا نعيم متهم بالتشيع وفعله هذا يرفعه عنه غاية الترفع عفا الله عنا وعنهم فكل قال على قدر اجتهاده وكل منا لسانه من خدم فؤاده فلا يقول إلا بمقتضى مراده.

وقال الآبي في نثر الدر علي بن موسى الرضا ع سأله الفضل بن سهل في مجلس المأمون فقال يا أبا الحسن الناس مجبرون فقال الله أعدل من أن يجبر ثم يعذب قال فمطلقون قال الله أحكم من أن يهمل عبده ويكله إلى نفسه.

أتي المأمون بنصراني قد فجر بهاشمية فلما رآه أسلم فغاظه ذلك وسأل الفقهاء فقالوا هدر الإسلام ما قبله فسأل الرضا ع فقال اقتله لأنه أسلم حين رأى البأس قال الله عزوجل (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ) (١) إلى آخر السورة.

قال عمرو بن مسعدة بعثني المأمون إلى علي ع لأعلمه بما أمرني به من كتاب في تقريظه فأعلمته ذلك فأطرق مليا وقال يا عمرو إن من أخذه برسول الله لحقيق أن يعطى به.

وسئل عن صفة الزاهد فقال متبلغ بدون قوته مستعد ليوم موته ومتبرم بحياته

__________________

(١) غافر : ٨٤

٣٠٦

وسئل عن القناعة فقال القناعة تجتمع إلى صيانة النفس وعز القدر وطرح مؤن الاستكثار والتعبد لأهل الدنيا ولا يسلك طريق القناعة إلا رجلان إما متعلل يريد أجر الآخرة أو كريم متنزه عن لئام الناس.

امتنع عنده رجل من غسل اليد قبل الطعام فقال اغسلها فالغسلة الأولى لنا وأما الثانية فلك فإن شئت فاتركها.

أدخل رجل إلى المأمون أراد ضرب رقبته والرضا ع حاضر فقال المأمون ما تقول فيه يا أبا الحسن فقال أقول إن الله لا يزيدك بحسن العفو إلا عزا فعفا عنه.

حدث أبو الصلت قال كنت مع علي بن موسى الرضا ع وقد دخل نيسابور وهو راكب بغلة شهباء فغدا في طلبه علماء البلد أحمد بن حرب وياسين بن النضر ويحيى بن يحيى وعدة من أهل العلم فتعلقوا بلجامه في المربعة (١) فقالوا بحق آبائك الطاهرين حدثنا بحديث سمعته من أبيك قال حدثني أبي العدل الصالح موسى بن جعفر ع قال حدثني أبي الصادق جعفر بن محمد قال حدثني أبي باقر علم الأنبياء محمد بن علي قال حدثني أبي سيد العابدين علي بن الحسين قال حدثني أبي سيد شباب أهل الجنة الحسين بن علي قال سمعت أبي سيد العرب علي بي أبي طالب قال سمعت رسول الله ص يقول الإيمان معرفة بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالأركان قال وقال أحمد بن حنبل لو قرأت هذا الإسناد على مجنون لبرأ من جنونه.

وروى عن عبد الرحمن بن أبي حاتم مثل ذلك يحكيه عن أبيه وأنه قرأه على مصروع فأفاق.

قال الفقير إلى الله تعالى جامع هذا الكتاب أثابه الله تعالى نقلت من كتاب لم يحضرني اسمه الآن ما صورته حدث المولى السعيد إمام الدنيا عماد الدين محمد بن

__________________

(١) وفي المنقول عن أمالي الشيخ «فلما صار إلى المربعة» وكأنّه اسم موضع بنيشابور.

٣٠٧

أبي سعد بن عبد الكريم الوزان في محرم سنة ست وتسعين وخمسمائة قال أورد صاحب كتاب تاريخ نيسابور في كتابه أن علي بن موسى الرضا ع لما دخل إلى نيسابور في السفرة التي فاز فيها بفضيلة الشهادة كان في مهد على بغلة شهباء عليها مركب من فضة خالصة فعرض له في السوق الإمامان الحافظان للأحاديث النبوية ـ أبو زرعة ومحمد بن أسلم الطوسي رحمهما‌الله فقالا أيها السيد بن السادة أيها الإمام وابن الأئمة أيها السلالة الطاهرة الرضية أيها الخلاصة الزاكية النبوية بحق آبائك الأطهرين وأسلافك الأكرمين إلا ما أريتنا وجهك المبارك الميمون ورويت لنا حديثا عن آبائك عن جدك نذكرك به فاستوقف البغلة ورفع المظلة وأقر عيون المسلمين بطلعته المباركة الميمونة فكانت ذؤابتاه كذؤابتي رسول الله ص والناس على طبقاتهم قيام كلهم وكانوا بين صارخ وباك وممزق ثوبه ومتمرغ في التراب ومقبل حزام بغلته ومطول عنقه إلى مظلة المهد إلى أن انتصف النهار وجرت الدموع كالأنهار وسكنت الأصوات وصاحت الأئمة والقضاة معاشر الناس اسمعوا وعوا ولا تؤذوا رسول الله ص في عترته وأنصتوا فأملى ص هذا الحديث وعد من المحابر أربع وعشرون ألفا سوى الدوي والمستملي أبو زرعة الرازي ومحمد بن أسلم الطوسي رحمهما‌الله ..

فقال ص حدثني أبي موسى بن جعفر الكاظم قال حدثني أبي جعفر بن محمد الصادق قال حدثني أبي محمد بن علي الباقر قال حدثني أبي علي بن الحسين زين العابدين قال حدثني أبي الحسين بن علي شهيد أرض كربلاء قال حدثني أمير المؤمنين علي بن أبي طالب شهيد أرض الكوفة قال حدثني أخي وابن عمي محمد رسول الله ص قال حدثني جبرئيل ع قال سمعت رب العزة سبحانه وتعالى يقول كلمة لا إله إلا الله حصني فمن قالها دخل حصني ومن دخل حصني أمن من عذابي صدق الله سبحانه وصدق جبرئيل وصدق رسوله وصدق الأئمة ع.

قال الأستاذ أبو القاسم القشيري رحمه‌الله إن هذا الحديث بهذا السند بلغ بعض أمراء السامانية فكتبه بالذهب وأوصى أن يدفن معه فلما مات رئي

٣٠٨

في المنام فقيل ما فعل الله بك فقال غفر الله لي بتلفظي بلا إله إلا الله وتصديقي محمدا رسول الله مخلصا وأنى كتبت هذا الحديث بالذهب تعظيما واحتراما.

رجع إلى ما ذكره الآبي في نثر دره. لما عقد المأمون البيعة له بعده قال يا أمير المؤمنين إن النصح واجب لك والغش لا ينبغي لمؤمن أن العامة تكره ما فعلت بي وأن الخاصة تكره ما فعلت بالفضل بن سهل فالرأي لك إن تنحينا عنك حتى يصلح أمرك وكان [أبو] إبراهيم بن العباس الصولي يقول هذا كان والله السبب فيما آل الأمر إليه.

وروى عن بعض أصحابه قال دخلت عليه بمرو فقلت يا ابن رسول الله روي لنا عن الصادق ع أنه قال لا جبر ولا تفويض أمر بين أمرين فما معناه قال من زعم أن الله فوض أمر الخلق والرزق إلى حججه فقد قال بالتفويض والقائل بالجبر كافر والقائل بالتفويض مشرك فقلت يا ابن رسول الله فما أمر بين أمرين قال وجود السبيل إلى إتيان ما أمروا به وترك ما نهوا عنه.

وقال ليس الحمية من الشيء تركه ولكن الإقلال منه.

وقال في قول الله تعالى (فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ) (١) قال عفو بغير عتاب وفي قوله (خَوْفاً وَطَمَعاً) (٢) قال خوفا للمسافر وطمعا للمقيم.

وقال المأمون يا أبا الحسن أخبرني عن جدك علي بن أبي طالب بأي وجه هو قسيم الجنة والنار فقال ع يا أمير المؤمنين ألم ترو عن أبيك عن آبائه عن عبد الله بن عباس أنه قال سمعت رسول الله ص يقول حب علي إيمان وبغضه كفر فقال بلى قال الرضا ع فقسمة الجنة والنار إليه فقال المأمون لا أبقاني الله بعدك يا أبا الحسن أشهد أنك وارث علم رسول الله ص

__________________

(١) الحجر : ٨٥.

(٢) الرعد : ١٢. وتمام الآية الكريمة هكذا «هو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا وينشئ السحاب الثقال». وروى الصدوق (ره) هذا الحديث بعينه في كتاب العيون عن الرضا (ع) ج ١ : ٢٩٤. ط قم.

٣٠٩

قال أبو الصلت الهروي فلما رجع الرضا إلى منزله أتيته فقلت يا ابن رسول الله ما أحسن ما أجبت به أمير المؤمنين فقال يا أبا الصلت أنا كلمته من حيث هو ولقد سمعت أبي يحدث عن آبائه عن علي ع قال قال لي رسول الله ص يا علي أنت قسيم الجنة والنار يوم القيامة تقول للنار هذا لي وهذا لك.

ودخل عليه بخراسان قوم من الصوفية فقالوا له إن أمير المؤمنين المأمون نظر فيما ولاه الله تعالى من الأمر فرآكم أهل البيت أولى الناس بأن تأموا الناس ونظر فيكم أهل البيت فرآك أولى الناس بالناس فرأى أن يرد هذا الأمر إليك والأئمة تحتاج إلى من يأكل الجشب ويلبس الخشن ويركب الحمار ويعود المريض قال وكان الرضا متكئا فاستوى جالسا ثم قال كان يوسف نبيا يلبس أقبية الديباج المزردة بالذهب ويجلس على متكئات آل فرعون ويحكم إنما يراد من الإمام قسطه وعدله إذا قال صدق وإذا حكم عدل وإذا وعد أنجز إن الله لم يحرم لبوسا ولا مطعما وتلا (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ) (١).

ومن تذكرة ابن حمدون قال علي بن موسى بن جعفر ع من رضي من الله عزوجل بالقليل من الرزق رضي الله منه بالقليل من العمل.

وقال لا يعدم المرء دائرة السوء مع نكث الصفقة ولا يعدم تعجيل العقوبة مع إدراع البغي.

وقال الناس ضربان بالغ لا يكتفي وطالب لا يجد.

وكان زيد بن موسى بن جعفر خرج بالبصرة ودعا إلى نفسه وأحرق دورا وعاث (٢) ثم ظفر به وحمل إلى المأمون قال زيد لما دخلت إلى المأمون نظر إلي ثم قال اذهبوا به إلى أخيه أبي الحسن علي بن موسى الرضا فتركني بين يديه ساعة واقفا ثم قال يا زيد سوأة لك ما أنت قائل لرسول الله ص إذا سفكت

__________________

(١) الأعراف : ٣٢.

(٢) العيث : الفساد.

٣١٠

الدماء وأخفت السبيل وأخذت المال من غير حله لعله غرك حديث حمقى أهل الكوفة أن النبي ص قال إن فاطمة أحصنت فرجها فحرمها الله ذريتها على النار إن هذا لمن خرج من بطنها والحسن والحسين فقط والله ما نالوا ذلك إلا بطاعة الله فلئن أردت أن تنال بمعصية الله ما نالوا بطاعته إنك إذا لأكرم على الله منهم.

قلت ظفر المأمون بزيد وإنفاذه إياه إلى أخيه وظفره قبل هذا بمحمد بن جعفر وعفوه عنه وقد خرجا وادعيا الخلافة وفعلا ما فعلا من العيث في بلاده يقوي حجة من ادعى أن المأمون لم يغدر به ع ولا ركب منه ما اتهم به فإن محمدا وزيدا لا يقاربان الرضا ع في منزلته من الله سبحانه وتعالى ولا من المأمون ولم يكن له ذنب يقارب ذنوبهما بل لم يكن له ذنب أصلا فما وجه العفو هناك والفتك هنا والله أعلم.

ووقع إلى حيث انتهيت إلى هنا كتاب الطبرسي إعلام الورى وقد كانت لي نسخة فشذت قال الباب السابع في ذكر الإمام المرتضى أبي الحسن علي بن موسى الرضا ع وهو ستة فصول الفصل الأول في تاريخ مولده ومبلغ سنه ووقت وفاته ع ـ.

ولد بالمدينة سنة ثمان وأربعين ومائة من الهجرة ويقال إنه ولد لإحدى عشرة ليلة خلت من ذي القعدة ـ يوم الجمعة سنة ثلاث وخمسين ومائة ـ بعد وفاة أبي عبد الله ع بخمس سنين رواه الشيخ أبو جعفر بن بابويه وقيل يوم الخميس وأمه أم ولد يقال لها أم البنين واسمها نجمة ويقال سكن النوبية ويقال تكتم.

وروى الصولي عن عون بن محمد قال سمعت علي بن ميثم قال اشترت حميدة المصفاة وهي أم أبي الحسن موسى وكانت من أشراف العجم جارية مولدة واسمها تكتم وكانت من أفضل النساء في عقلها ودينها وإعظامها لمولاتها حميدة حتى أنها ما جلست بين يديها منذ ملكتها إجلالا لها فقالت لابنها موسى يا بني إن تكتم جارية

٣١١

ما رأيت جارية قط أفضل منها ولست أشك أن الله سيطهر نسلها إن كان لها نسل وقد وهبتها لك فاستوص بها خيرا.

ومما يدل على أن اسمها تكتم قول الشاعر يمدح الرضا ع

ألا إن خير الناس نفسا ووالدا

ورهطا وأجدادا علي المعظم

أتتنا به للعلم والحلم ثامنا

إماما يؤدي حجة الله تكتم

وفي رواية أخرى عن علي بن ميثم عن أبيه قال إن حميدة أم موسى بن جعفر ع لما اشترت نجمة رأت في المنام رسول الله ص يقول لها يا حميدة هبي نجمة لابنك موسى فإنه سيلد منها خير أهل الأرض فوهبتها له فلما ولدت له الرضا سماها الطاهرة.

وقبض ع في طوس بخراسان في قرية يقال لها سناباذ في آخر صفر وقيل إنه توفي ع في شهر رمضان بسبع بقين منه يوم الجمعة من سنة ثلاث ومائتين وله يومئذ خمس وخمسون سنة وكانت مدة إمامته وخلافته لأبيه عشرين سنة وكانت في أيام إمامته بقية ملك الرشيد وملك محمد الأمين بعده ثلاث سنين وخمسة وعشرين يوما ثم خلع الأمين وأجلس عمه إبراهيم بن المهدي المعروف بابن شكلة أربعة عشر يوما ثم أخرج محمد ثانية وبويع له وبقي [بعد ذلك] سنة وسبعة أشهر وقتله طاهر بن الحسين ثم ملك المأمون عبد الله بن هارون بعده عشرين سنة واستشهد ع في أيام ملكه وإنما سمي الرضا لأنه كان رضي لله عزوجل في سمائه ورضي لرسوله ورضي للأئمة بعده في أرضه وقيل لأنه رضي به المخالف والموافق.

وذكر في الفصل الثاني النصوص الدالة على إمامته وقد تقدمت أو بعضها فيما ذكرته من أخباره وكلها نصوص من أبيه عليه دون أولاده.

ثم ذكر الفصل الثالث في ذكر دلالاته ومعجزاته ع قال وقد نقلت الرواة من العامة والخاصة كثيرا من دلالاته وآياته في حياته وبعد وفاته.

فمنها ما حدث به علي بن أحمد بن الوشاء الكوفي قال خرجت من الكوفة إلى خراسان فقالت لي ابنتي يا أبة خذ هذه الحلة فبعها واشتر لي بثمنها فيروزجا

٣١٢

قال فأخذتها وشددتها في بعض متاعي فلما قدمت مرو نزلت في بعض الفنادق فإذا غلمان علي بن موسى الرضا ع قد جاءوني وقالوا نريد حلة نكفن بها بعض غلماننا فقلت ما عندي شيء فمضوا ثم عادوا وقالوا مولانا يقرأ عليك السلام ويقول لك معك حلة في السفط الفلاني دفعتها إليك ابنتك وقالت اشتر لي بثمنها فيروزجا وهذا ثمنها فدفعتها إليهم وقلت والله لأسألنه عن مسائل فإن أجابني عنها فهو هو فكتبتها وغدوت إلى بابه فلم أصل إليه لكثرة ازدحام الناس عليه فبينما أنا جالس إذ خرج إلي خادم فقال يا علي بن أحمد هذه جوابات مسائلك التي معك فأخذتها فإذا هي جواب مسائلي بعينها.

ومنها ما رواه الحاكم أبو عبد الله الحافظ بإسناده عن محمد بن عيسى عن أبي حبيب النباجي قال رأيت رسول الله ص في المنام وقد وافى النباج (١) ونزل في المسجد الذي ينزله الحجاج في كل سنة وكأني مضيت إليه وسلمت عليه ووقفت بين يديه فوجدت عنده طبقا من خوص المدينة فيه تمر صيحاني (٢) وكأنه قبض قبضة من ذلك التمر فناولني فعددته فكان ثماني عشرة تمرة فتأولت أني أعيش بعدد كل تمرة سنة فلما كان بعد عشرين يوما كنت في أرض تعمر بين يدي للزراعة إذ جاءني من أخبرني بقدوم أبي الحسن الرضا ع من المدينة ونزوله في ذلك المسجد ورأيت الناس يسعون إليه فمضيت نحوه فإذا هو جالس في الموضع الذي كنت رأيت فيه النبي ص وتحته حصير مثل ما كان تحته وبين يديه طبق من خوص فيه تمر صيحاني فسلمت عليه فرد علي السلام واستدناني فناولني قبضة من ذلك التمر فعددته فإذا هو بعدد ما ناولني رسول الله ص فقلت زدني يا ابن رسول الله فقال لو زادك رسول الله ص لزدناك

__________________

(١) النباج : بتقديم النون المكسورة على الباء ـ : اسم منزل لحجاج البصرة.

(٢) الخوض : ورق النخل. والسيحانى. ضرب من تمر المدينة أسود صلب المضغة نسب إلى صيحان وهو كبش كان يربط إلى نخل المدينة.

٣١٣

ومن ذلك ما أورده الحاكم أيضا ورواه بإسناده عن سعيد بن سعد (١) عنه ع أنه نظر إلى رجل فقال يا عبد الله أوص بما تريد واستعد لما لا بد منه فمات الرجل بعد ذلك بثلاثة أيام.

وعن الحسين بن موسى بن جعفر ع قال كنا حول أبي الحسن الرضا ع ونحن شبان من بني هاشم إذ مر علينا جعفر بن عمر العلوي وهو رث الهيئة فنظر بعضنا إلى بعض فضحكنا من هيئته فقال الرضا ع سترونه عن قريب كثير المال كثير التبع فما مضى إلا شهر أو نحوه حتى ولى المدينة وحسنت حاله وكان يمر بنا ومعه الخصيان والحشم.

وبإسناده عن الحسين بن بشار قال قال لي الرضا ع إن عبد الله يقتل محمدا فقلت أعبد الله بن هارون يقتل محمد بن هارون قال نعم ـ عبد الله الذي بخراسان يقتل محمد بن زبيدة ـ الذي هو ببغداد فقتله.

حدث أبو أحمد عبد الله بن عبد الرحمن المعروف بالصفواني قال خرجت قافلة خراسان إلى كرمان فقطع اللصوص عليهم الطريق وأخذوا منهم رجلا اتهموه بكثرة المال فأقاموه في الثلج وملئوا فاه منه فانفسد فمه ولسانه حتى لم يقدر على الكلام ثم انصرف إلى خراسان وسمع خبر الرضا ع وأنه بنيسابور فرأى فيما يرى النائم كأن قائلا يقول له إن ابن رسول الله ورد خراسان فسله عن علتك ليعلمك دواء تنتفع به قال فرأيت كأني قد قصدته وشكوت إليه كما كنت دفعت إليه وأخبرته بعلتي فقال لي خذ من الكمون والسعتر والملح ودقه وخذ منه في فمك مرتين أو ثلاثا فإنك تعافى فانتبه الرجل ولم يفكر في منامه حتى ورد نيسابور فقيل له إن الرضا ع ارتحل من نيسابور وهو في رباط سعد فوقع في نفسه أن يقصده ويصف له أمره فدخل إليه فقال له يا ابن رسول الله كان من أمري كيت وكيت وقد انفسد علي فمي ولساني حتى لا أقدر على الكلام إلا بجهد فعلمني دواء أنتفع به فقال ع ألم أعلمك فاذهب واستعمل ما وصفته لك في منامك فقال الرجل يا ابن رسول

__________________

(١) كذا في النسخ وفي المصدر «سعد بن سعد».

٣١٤

الله إن رأيت أن تعيده علي فقال تأخذ الكمون والسعتر والملح فدقه وخذ منه في فمك مرة أو مرتين أو ثلاثا فإنك تعافى قال الرجل فاستعملت ما وصفه لي فعوفيت قال الثعالبي سمعت الصفواني يقول رأيت هذا الرجل وسمعت منه هذه الحكاية.

وعن حمزة بن جعفر الأرجاني قال خرج هارون من المسجد الحرام من باب وخرج الرضا ع من باب فقال الرضا ع وهو يعني هارون ما أبعد الدار وأقرب اللقاء يا طوس يا طوس ستجمعني وإياه وبإسناده عن صفوان بن يحيى قال ـ لما مضى أبو الحسن موسى ع وتكلم الرضا ع خفنا عليه من ذلك وقلنا إنك قد أظهرت أمرا عظيما وإنا نخاف عليك هذا الطاغي قال ليجهد جهده فلا سبيل له علي قال صفوان فأخبرنا الثقة أن يحيى بن خالد قال للطاغي هذا علي ابنه قد قعد وادعى الأمر لنفسه فقال ما يكفينا ما صنعنا بأبيه من قبل تريد أن نقتلهم جميعا.

وبإسناد عن علي بن جعفر عن أبي الحسن الطيب قال لما توفي أبو الحسن موسى ع دخل أبو الحسن الرضا ع إلى السوق فاشترى كبشا وكلبا وديكا فلما كتب صاحب الخير بذلك إلى هارون قال قد أمنا جانبه وكتب الزبيري أن علي بن موسى قد فتح بابه ودعا إلى نفسه فقال هارون وا عجبا إن علي بن موسى قد اشترى كلبا وكبشا وديكا ويكتب فيه ما يكتب.

قال الطبرسي رحمه‌الله وأسانيد هذه الأحاديث مذكورة في كتاب عيون الأخبار للشيخ أبي جعفر قدس الله روحه.

وأما ما ظهر للناس بعد وفاته من بركة مشهده المقدس وعلاماته والعجائب التي شاهدها الخلق فيه فأذعن الخاص والعام له وأقر المخالف والمؤالف به إلى يومنا هذا فكثير خارج عن حد الإحصاء والعد ولقد برأ فيه الأكمه والأبرص واستجيبت الدعوات وقضيت ببركته الحاجات وكشف الملمات

٣١٥

وشهدنا كثيرا من ذلك وتيقناه وعلمناه علما لا يتخالج الشك والريب في معناه فلو ذهبنا نخوض في إيراد ذلك لخرجنا عن الغرض في هذا الكتاب.

وقال الفصل الرابع في ذكر طرف من خصائصه ومناقبه وأخلاقه الكريمة ع.

قال إبراهيم بن عباس ما رأيت الرضا ع سئل عن شيء إلا علمه ولا رأيت أعلم منه بما كان في الزمان إلى وقته وعصره وكان المأمون يمتحنه بالسؤال عن كل شيء فيجيب عنه وكان كلامه كله وجوابه وتمثله انتزاعات من القرآن المجيد وكان يختمه في كل ثلاث. وكان يقول لو أني أردت أن أختمه في أقرب من ثلاث لختمت لكني ما مررت بآية قط إلا فكرت فيها وفي أي شيء أنزلت.

وعنه قال إني ما رأيت ولا سمعت بأحد أفضل من أبي الحسن الرضا ع وشهدت منه ما لم أشاهد من أحد وما رأيته جفا أحدا بكلام قط ولا رأيته قطع على أحد كلامه حتى يفرغ منه وما رد أحدا عن حاجة قدر عليها ولا مد رجليه بين يدي جليس له قط ولا اتكأ بين يديه جليس له قط ولا رأيته يشتم أحدا من مواليه ومماليكه ولا رأيته تفل قط ولا رأيته يقهقه في ضحكه بل كان ضحكه التبسم وكان إذا خلا ونصبت الموائد أجلس على مائدته مماليكه ومواليه حتى البواب والسائس وكان قليل النوم بالليل كثير الصوم ولا يفوته صيام ثلاثة أيام في الشهر ويقول إن ذلك يعدل صيام الدهر وكان كثير المعروف والصدقة في السر وأكثر ذلك منه لا يكون إلا في الليالي المظلمة فمن زعم أنه رأى مثله في فضله فلا تصدقوه.

وعن محمد بن أبي عباد قال كان جلوس الرضا ع على حصير في الصيف وعلى مسح في الشتاء (١) ولبسه الغليظ من الثياب حتى إذا برز للناس تزين لهم.

وعن أبي الصلت عبد السلام بن صالح الهروي قال ـ ما رأيت أعلم من علي

__________________

(١) المسح ـ بالكسر ـ : البلاس يقعد عليه.

٣١٦

بن موسى الرضا ع ولا رآه عالم إلا شهد له بمثل شهادتي ولقد جمع المأمون في مجالس له عددا من علماء الأديان وفقهاء الشريعة والمتكلمين فغلبهم عن آخرهم حتى ما بقي منهم أحد إلا أقر له بالفضل وأقر على نفسه بالقصور. ولقد سمعته ع يقول كنت أجلس في الروضة والعلماء بالمدينة متوافرون فإذا عيي الواحد منهم عن مسألة أشاروا إلي بأجمعهم وبعثوا إلي المسائل فأجيب عنها.

قال أبو الصلت ولقد حدثني محمد بن إسحاق بن موسى بن جعفر ع عن أبيه أن موسى بن جعفر كان يقول لبنيه هذا أخوكم علي بن موسى عالم آل محمد فسلوه عن أديانكم واحفظوا ما يقول لكم فإني سمعت أبي جعفر بن محمد ع يقول لي إن عالم آل محمد لفي صلبك وليتني أدركته فإنه سمي أمير المؤمنين.

وعن محمد بن يحيى الفارسي قال نظر أبو نواس إلى الرضا ع ذات يوم وقد خرج من عند المأمون على بغلة له فدنا منه وسلم عليه وقال يا ابن رسول الله قد قلت فيك أبياتا وأحب أن تسمعها مني فقال هات فأنشأ يقول :

مطهرون نقيات ثيابهم

تجري الصلاة عليهم أينما ذكروا

من لم يكن علويا حين تنسبه

فما له في قديم الدهر مفتخر

فأنتم الملأ الأعلى وعندكم

علم الكتاب وما جاءت به السور

فقال الرضا ع قد جئتنا بأبيات ما سبقك إليها أحد يا غلام هل معك من نفقتنا شيء فقال له ثلاثمائة دينار فقال أعطها إياه ثم قال لعله استقلها يا غلام سق إليه البغلة.

ولأبي نواس أيضا فيه حين عوتب على الإمساك عن مديحه فقال : (١)

قيل لي أنت أوحد الناس طرا

في فنون من الكلام النبيه

لك من جوهر الكلام بديع

يثمر الدر في يدي مجتنيه (٢)

 __________________

(١) ما بين المعقفتين غير موجود في المصدر.

(٢) وفي المصدر هكذا «لك من جوهر الكلام بديع * في المعاني وفي الكلام البديه». وفي المنقول عن الوفيات بدل المصراع الأخير «لك من جيد القريض مديح ... ا ه».

٣١٧

فعلى ما تركت مدح ابن موسى

والخصال التي تجمعن فيه

قلت لا أهتدي لمدح إمام

كان جبريل خادما لأبيه

وقد أورد الطبرسي رحمه‌الله قصة دعبل بن علي على زيادات عما ذكرناه فذكرتها عن أبي الصلت الهروي قال دخل دعبل بن علي الخزاعي على الرضا ع بمرو فقال له يا ابن رسول الله إني قد قلت فيكم قصيدة وآليت على نفسي ألا أنشدها أحدا قبلك فقال الرضا ع هاتها يا دعبل فأنشد

تجاوبن بالأرنان والزفرات

نوائح عجم اللفظ والنطقات (١)

يخبرن بالأنفاس عن سر أنفس

أسارى هوى ماض وآخر آت (٢)

فأسعدن أو أسعفن حتى تقوضت

صفوف الدجى بالفجر منهزمات (٣)

على العرصات الخاليات من المها

سلام شج صب على العرصات (٤)

فعهدي بها خضر المعاهد مألفا

من العطرات البيض والخفرات (٥)

 __________________

(١) الارنان : الصيحة الشديدة والصوت الحزين عند البكاء. والزفرات جمع الزفرة : التنفس بعد مد النفس وقيل استيعاب النفس من شدة الغم والحزن وقوله «تجاوبن» اى أجابت كل منهن الأخرى. وقوله «عجم اللفظ» أي لا يفهم معناه ، والأعجم : الذي لا يفصح ولا يبين كلامه ، قال في البحار والمراد أصوات الطيور ونغماتها.

(٢) أي يخبرن عن العشاق الماضين والآتين.

(٣) الاسعاد : الإعانة قوله فاسعدن اي أعن في البكاء والضمير للنوائح وقوله «تقوضت» أي انهدمت وسقطت وتفرقت.

(٤) المها جمع المهاوة : البقرة الوحشية وأصل المهاوة : البلورة. شبه البقر بها في حسن العينين. والشج : الحزين. ورجل صب : اي عاشق مشتاق.

(٥) قوله خضر المعاهد قال في البحار اي كنت أعهدها خضرة أماكنها المعهودة والظاهر أنّه من قبيل ضربي زيدا قائما ؛ أو عهدي مبتدأ وبها خبره باعتبار المتعلق وخضرا حال عن المجرور بها ، ومألفا أيضا حال منه أو من المعاهد ، ومن للتعليل متعلق بمألفا ، والخفر بالتحريك : شدة الحياء.

٣١٨

ليالي يعدين الوصال على القلى

ويعدي تدانينا على الغربات (١)

وإذ هن يلحظن العيون سوافرا

ويسترن بالأيدي على الوجنات (٢)

وإذ كل يوم لي بلحظي نشوة

يبيت بها قلبي على نشوات (٣)

فكم حسرات هاجها بمحسر

وقوفي يوم الجمع من عرفات (٤)

ألم تر للأيام ما جر جورها

على الناس من نقص وطول شتات (٥)

ومن دول المستهزءين ومن غدا (٦)

بهم طالبا للنور في الظلمات

فكيف ومن أنى بطالب زلفة

إلى الله بعد الصوم والصلوات

سوى حب أبناء النبي ورهطه

وبغض بني الزرقاء والعبلات (٧)

وهند وما أدت سمية وابنها

أولو الكفر في الإسلام والفجرات

هم نقضوا عهد الكتاب وفرضه

ومحكمه بالزور والشبهات

ولم تك إلا محنة كشفتهم

بدعوى ضلال من هن وهنات

تراث بلا قربى وملك بلا هدى

وحكم بلا شورى بغير هدات

رزايا أرتنا خضرة الأفق حمرة

وردت أجاجا طعم كل فرات (٨)

 __________________

(١) قوله ليالي اي اذكر ليالي. وأعداه عليه : اعانه. والقلى : البغض اي ينصرن الوصال على الهجران ويعدى تدانينا اي يعدينا تدانينا وقربنا.

(٢) الوجنة : ما ارتفع من الخدين.

(٣) النشوة : السكر

(٤) محسر : واد بمكّة. وهو حدّ منى إلى جهة عرفة.

(٥) قوله «ما جر» من الجريرة وهي الجناية. والشتات. التفرق.

(٦) غدا بمعنى صار والمراد بنو أميّة.

(٧) المراد من بنى الزرقاء بنو مروان فان أمه كانت زرقاء زانية. والعبلات جمع العبلة : اسم أميّة الصغرى.

(٨) الأجاج! المالح. والفرات : العذب.

٣١٩

وما سهلت تلك المذاهب فيهم

على الناس إلا بيعة الفلتات (١)

وما قيل أصحاب السقيفة جهرة

بدعوى تراث في الضلال بنات (٢)

ولو قلدوا الموصى إليه أمورها

لزمت بمأمون على العثرات

أخي خاتم الرسل المصفى من القذى

ومفترس الأبطال في الغمرات

فإن جحدوا كان الغدير شهيده

وبدر وأحد شامخ الهضبات (٣)

وآي من القرآن تتلى بفضله

وإيثاره بالقوت في اللزبات (٤)

وعز خلال أدركته بسبقها

مناقب كانت فيه مؤتنفات (٥)

مناقب لم تدرك بخير ولم تنل

بشيء سوى حد القنا الذربات (٦)

نجي لجبريل الأمين وأنتم

عكوف على العزى معا ومنات

بكيت لرسم الدار من عرفات

وأجريت دمع العين بالعبرات

وبان عرا صبري وهاجت صابتي

رسوم ديار قد عفت وعرات (٧)

مدارس آيات خلت من تلاوة

ومنزل وحي مقفر العرصات

لآل رسول الله بالخيف من منى

وبالبيت والتعريف والجمرات

ديار لعبد الله بالخيف من منى

وللسيد الداعي إلى الصلوات

ديار علي والحسين وجعفر

وحمزة والسجاد ذي الثفنات

ديار لعبد الله والفضل صنوه

نجي رسول الله في الخلوات

 __________________

(١) إشارة إلى قول عمر ؛ كانت بيعة أبى بكر فلتة وقى اللّه المسلمين شرها فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه.

(٢) نأت من نتأ اي ارتفع

(٣) الهضبات جمع الهضبة : الجبل المنبسط على وجه الأرض

(٤) اللزبات جمع اللزبة : شدة القحط.

(٥) «مؤتنفات» أي طريات مبتدعات لم يسبقه إليها أحد.

(٦) الذرب ككتف : الحاد من كل شيء يقال «فلان ذرب اللسان» أي حديده

(٧) الصبابة : رقة الشوق وحرارته. وعفت اي انمحت واندرست. والوعر : ضد السهل

٣٢٠