كشف الغمّة في معرفة الأئمّة - ج ٢

أبي الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح الاربلي

كشف الغمّة في معرفة الأئمّة - ج ٢

المؤلف:

أبي الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح الاربلي


المحقق: السيد هاشم الرسولي المحلاتي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة بني هاشمي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٦٠
الجزء ١ الجزء ٢

ونقلت من كتاب جمعه الوزير السعيد مؤيد الدين أبو طالب محمد بن أحمد بن محمد بن علي بن العلقمي رحمه‌الله تعالى قال ذكر الأجل أبو الفتح يحيى بن محمد بن حياء الكاتب قال حدث بعضهم قال كنت بين مكة والمدينة فإذا أنا بشبح يلوح من البرية يظهر تارة ويغيب أخرى حتى قرب مني فتأملته فإذا هو غلام سباعي أو ثماني فسلم علي فرددت عليه‌السلام وقلت من أين قال من الله فقلت وإلى أين قال إلى الله قال فقلت فعلى م فقال على الله فقلت فما زادك قال التقوى فقلت ممن أنت قال أنا رجل عربي فقلت أبن لي قل أنا رجل قرشي فقلت أبن لي فقال أنا رجل هاشمي فقلت أبن لي قال أنا رجل علوي ثم أنشد

فنحن على الحوض ذواده

نذود ويسعد وراده

فما فاز من فاز إلا بنا

وما خاب من حبنا زاده

فمن سرنا نال منا السرور

ومن ساءنا ساء ميلاده

ومن كان غاصبنا حقنا

فيوم القيامة ميعاده

ثم قال أنا محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ثم التفت فلم أره فلا أعلم أهل صعد إلى السماء أم نزل في الأرض

ووقع إلي عند الانتهاء إلى أخبار مولانا أبي جعفر محمد بن علي الباقر ع كتاب جمعه الإمام قطب الدين أبو الحسين سعيد بن هبة الله بن الحسن الراوندي رحمه‌الله وسماه كتاب الخرائج والجرائح في معجزات النبي والأئمة ع ولعلي مع مشية الله اختار منه ما أراه في أخبار النبي ص وعلي والحسن والحسين وعلي بن الحسين ع وآتيت كلا في بابه.

قال الباب السادس في معجزات محمد الباقر ع. عن عباد بن كثير البصري قال قلت للباقر ما حق المؤمن على الله فصرف وجهه فسألته عنه ثلاثا فقال من حق المؤمن على الله أن لو قال لتلك النخلة أقبلي لأقبلت فنظرت والله إلى النخلة التي كانت هناك قد تحركت مقبلة فأشار إليها قري فلم أعنك.

ومنها ما روي عن أبي الصباح الكناني قال صرت يوما إلى باب محمد الباقر فقرعت

١٤١

الباب فخرجت إلي وصيفة ناهد (١) فضربت بيدي إلى رأس ثديها وقلت لها قولي لمولاك إني بالباب فصاح من داخل الدار ادخل لا أم لك فدخلت فقلت يا مولاي ما قصدت ريبة ولا أردت إلا زيادة ما في نفسي فقال صدقت لئن ظننتم أن هذه الجدران تحجب أبصارنا كما تحجب أبصاركم إذن فلا فرق بيننا وبينكم فإياك أن تعاود إلى مثلها.

ومنها أن حبابة الوالبية دخلت على الباقر ع فقال الباقر لها ما الذي أبطأ بك عني فقالت بياض عرض في مفرق رأسي شغل قلبي قال أرنيه فوضع الباقر يده عليه فإذا هو أسود ثم قال هاتوا لها المرآة فنظرت وقد اسود ذلك الشعر.

ومنها ما روي عن أبي بصير قال كنت مع الباقر ع في مسجد رسول الله ص قاعدا حدثان ما مات علي بن الحسين ع إذ دخل المنصور وداود بن سليمان قبل أن أفضي الملك إلى ولد العباس وما قعد إلا داود إلى الباقر فقال ما منع الدوانقي أن يأتي قال فيه جفاة قال الباقر لا تذهب الأيام حتى يلي أمر هذا الخلق فيطأ أعناق الرجال ويملك شرقها وغربها ويطول عمره فيها حتى يجمع من كنوز الأموال ما لم يجتمع لأحد قبله فقام داود وأخبر الدوانقي بذلك فأقبل إليه الدوانقي وقال ما منعني من الجلوس إليك إلا إجلالك فما الذي أخبرني به داود قال هو كائن قال وملكنا قبل ملككم قال نعم قال ويملك بعدي أحد من ولدي قال نعم قال فمدة بني أمية أكثر أم مدتنا قال مدتكم أطول وليتلقفن هذا الملك صبيانكم ويلعبون به كما يلعبون بالكرة هذا ما عهده إلي أبي فلما ملك الدوانقي تعجب من قول الباقر.

ومنها ما روي عن أبي بصير قال قلت يوما للباقر أنتم ذرية رسول الله قال نعم قلت ورسول الله وارث الأنبياء كلهم قال نعم ورث جميع علومهم قلت وأنتم ورثتم جميع علم رسول الله قال نعم قلت وأنتم تقدرون أن تحيوا الموتى وتبرءوا الأكمه والأبرص وتخبروا الناس بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم قال

__________________

(١) الوصيفة : الجارية دون المراهقة. ونهدت المرأة : كعب ثديها فهي ناهد وناهدة.

١٤٢

نعم بإذن الله ثم قال ادن مني يا با بصير فدنوت منه فمسح بيده على وجهي فأبصرت السهل والجبل والسماء والأرض ثم مسح بيده على وجهي فعدت كما كنت لا أبصر شيئا قال أبو بصير فقال لي الباقر إن أحببت أن تكون هكذا كما أبصرت وحسابك على الله وإن كنت تحب كما كنت وثوابك الجنة فقلت أكون كما كنت والجنة أحب إلي.

ومنها ما قال جابر كنا عند الباقر ع نحو من خمسين رجلا إذ دخل عليه كثير النواء (١) وكان من المعامرة (٢) فسلم وجلس ثم قال إن المغيرة بن عمران عندنا بالكوفة يزعم أن معك ملكا يعرفك الكافر من المؤمن وشيعتك من أعدائك قال ما حرفتك قال أبيع الحنطة قال كذبت قال وربما أبيع الشعير قال ليس كما قلت بل تبيع النوى قال من أخبرك بهذا قال الملك الرباني يعرفني شيعتي من عدوي ولست تموت إلا تائها قال جابر فلما انصرفت إلى الكوفة ذهبت في جماعة نسأل عن كثير فدللنا على عجوز فقالت مات تائها منذ ثلاثة أيام.

__________________

(١) النواء ـ بفتح النون والواو المشددة والألف والهمزة ـ نسبة إلى بيع النواة عجمة التمر اي حبّه وقد جرت عادة أهل المدينة بل جملة من البلاد ببيع النوى المبتل الرطب لأجل علف المواشي.

(٢) كذا في المطبوع ونسخة مخطوطة وفي نسختين مخطوطتين «المغايرة» وفي نسخة البحار وتنقيح المقال «المغيرية» ولعله الظاهر. قال المجلسيّ (ره) في بيانه : المغيرية أصحاب المغيرة بن سعيد العجليّ الذي ادعى ان الا مامة بعد محمّد بن عليّ بن الحسين لمحمّد بن عبد اللّه بن الحسن وزعم أنه حي لم يمت وقال الشيخ والكشّيّ ان كثيرا كان من التبرية وقال البرقي انه كان عاميا. «انتهى»

قلت : وقيل كان المغيرة بن سعيد يلق ب بالأبتر فنسب إليه البترية من الزيدية.

(٣) قال في البحار : والظاهران المراد التائه الذاهب العقل ، ويحتمل أن يكون المراد التحير في الدين.

١٤٣

ومنها وقد اختصرت ألفاظها قال عاصم بن أبي حمزة ركب الباقر ع يوما إلى حائط له وأنا معه وسليمان بن خالد فسرنا قليلا فلقينا رجلان فقال ع هما سارقان خذوهما فأخذهما عبيده فقال استوثقوا منهما وقال لسليمان انطلق إلى ذلك الجبل مع هذا الغلام واصعد رأسه تجد في أعلاه كهفا فادخله واستخرج ما فيه وحمله الغلام فهو قد سرق من رجلين فمضى وأحضر عيبتين فقال صاحباهما حاضر ثم قال ع وعيبة أخرى أيضا في الجبل وصاحبها غائب سيحضر واستخرج عيبة أخرى من موضع آخر في الكهف وعاد إلى المدينة فدخل صاحب العيبتين وقد كان ادعى على جماعة أراد الوالي يعاقبهم فقال الباقر ع لا تعاقبهم وردهما إلى الرجل وقطع السارقين فقال أحدهما لقد قطعنا بحق فالحمد لله الذي أجرى قطعي وتوبتي على يدي ابن رسول الله فقال لقد سبقتك يدك التي قطعت إلى الجنة بعشرين سنة فعاش بعد قطعها عشرين سنة وبعد ثلاثة أيام حضر صاحب العيبة الأخرى فقال له الباقر ع أخبرك بما في عيبتك فيها ألف دينار لك وألف دينار لغيرك وفيها من الثياب كذا وكذا فقال إن أخبرتني بصاحب الألف وما اسمه وأين هو علمت أنك الإمام المفترض الطاعة قال هو محمد بن عبد الرحمن وهو صالح كثير الصدقة والصلاة وهو الآن على الباب ينتظرك فقال الرجل وهو بربري نصراني آمنت بالله الذي لا إله إلا هو وأن محمدا عبده ورسوله وأسلم.

ومنها ما روى الحسين بن راشد قال ذكرت زيد بن علي فتنقصته عند أبي عبد الله فقال لا تفعل رحم الله عمي زيدا فإنه أتى أبي الباقر فقال إني أريد الخروج على هذا الطاغية فقال لا تفعل يا زيد فإني أخاف أن تكون المقتول المصلوب بظهر الكوفة أما علمت يا زيد أنه لا يخرج أحد من ولد فاطمة على أحد من السلاطين قبل خروج السفياني إلا قتل ثم قال له يا حسين إن فاطمة أحصنت فرجها فحرم الله ذريتها على النار وفيهم نزل (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ) (١) فالظالم لنفسه الذي لا يعرف

__________________

(١) الفاطر : ٣٢.

١٤٤

الإمام والمقتصد العارف بحق الإمام والسابق بالخيرات هو الإمام ثم قال يا حسين إنا أهل بيت لا نخرج من الدنيا حتى نقر لكل ذي فضل بفضله.

ومنها ما روى أبو بصير عن أبي جعفر أنه قال إني لأعرف رجلا لو قام بشاطئ البحر لعرف دواب البحر بأمهاتها وعماتها وخالاتها.

ومنها أن جماعة استأذنوا على أبي جعفر قالوا فلما صرنا في الدهليز سمعنا إذا قراءة سريانية بصوت حسن يقرأ ويبكي حتى أبكى بعضنا وما نفهم مما يقول شيئا فظننا أن عنده بعض أهل الكتاب استقرأه فلما انقطع الصوت دخلنا عليه فلم نر عنده أحدا فقلنا له قد سمعنا قراءة سريانية بصوت حزين قال ذكرت مناجاة إليا النبي فأبكتني.

ومنها ما روي عن عيسى بن عبد الرحمن عن أبيه قال دخل ابن عكاشة بن محصن الأسدي (١) على أبي جعفر وكان أبو عبد الله قائما عنده فقدم إليه عنبا فقال حبة حبة يأكله الشيخ الكبير والصبي الصغير وثلاثة وأربعة يأكله من يظن أنه لا يشبع فكله حبتين حبتين فإنه يستحب فقال لأبي جعفر لأي شيء لا تزوج أبا عبد الله فقد أدرك للتزويج وبين يديه صرة مختومة فقال سيجيء نخاس من بربر ينزل دار ميمون فأتى لذلك ما أتى فدخلنا على أبي جعفر فقال ألا أخبركم عن ذلك النخاس الذي ذكرته لكم فاذهبوا فاشتروا بهذه الصرة جارية فأتينا النخاس فقال قد بعت ما كان عندي إلا جاريتين أحدهما أمثل من الأخرى قلنا فأخرجهما حتى ننظر

__________________

(١) كان أبوه عكاشة من الصحابة المعروفين بالفضل والعلم وكان ممن شهد بدرا قال ابن الأثير وأبلى فيها بلاء حسنا وانكسر في يده سيف فأعطاه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله عرجونا أو عودا فعاد في يده سيفا يومئذ شديد المتن أبيض الحديدة فقاتل به إلى أن قال : وشهد أحدا والخندق والمشاهد كلها وبشره رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله انه ممن يدخل الجنة بغير حساب وانه قتل في قتال أهل الردة.

ولم أظفر على اسم ابنه في كتب الرجال. وروى الكليني (ره) هذا الحديث في الكافي بعينه.

١٤٥

إليهما فأخرجهما فقلنا بكم تبيعنا هذه المتماثلة قال بسبعين دينارا قلنا أحسن قال لا انقص من سبعين دينارا فقلنا نشتريها منك بهذه الصرة ما بلغت وما ندري ما فيها وكان عنده رجل أبيض الرأس واللحية فقال فكوا الخاتم وزنوا فقال النخاس لا تفكوا فإنها إن نقصت حبة من السبعين لا أبايعكم قال الشيخ زنوا ففكنا ووزنا الدنانير فإذا هي سبعون لا تزيد ولا تنقص فأخذنا الجارية فأدخلناها على أبي جعفر وجعفر قائم عنده فأخبرنا أبا جعفر بما كان فحمد الله ثم قال لها ما اسمك قالت حميدة قال حميدة في الدنيا محمودة في الآخرة أخبريني عنك أبكر أم ثيب قالت بكر قال فكيف ولا يقع في أيدي النخاسين شيء إلا أفسدوه قالت كان يجيء النخاس فيقعد مني فيسلط الله عليه رجلا أبيض الرأس واللحية فلا يزال يلطمه حتى يقوم عني ففعل بي مرارا وفعل الشيخ مرارا فقال يا جعفر خذها إليك فولدت خير أهل الأرض موسى بن جعفر ع.

ومنها ما روى أبو بصير عن الصادق ع قال كان أبي في مجلس له ذات يوم إذ أطرق رأسه في الأرض ثم رفع رأسه فقال يا قوم كيف أنتم إذا جاءكم رجل يدخل عليكم مدينتكم هذه في أربعة آلاف حتى يستعرضكم بالسيف ثلاثة أيام فيقتل مقاتلتكم وتلقون منه بلاء لا تقدرون أن تدفعوه وذلك من قابل فخذوا حذركم واعلموا أن الذي قلت لكم هو كائن لا بد منه فلم يلتفت أهل المدينة إلى كلامه وقالوا لا يكون هذه أبدا فلم يأخذوا حذرهم إلا نفر يسير وبنو هاشم خاصة وذلك أنهم علموا أن كلامه هو الحق فلما كان من قابل تحمل أبو جعفر ع بعياله وبنو هاشم وخرجوا من المدينة وجاء نافع بن الأزرق حتى كبس المدينة (١) فقتل مقاتلتهم وفضح نساءهم فقال أهل المدينة لا نرد على أبي جعفر شيئا نسمعه منه أبدا بعد ما سمعنا ورأينا أهل بيت النبوة ينطقون بالحق آخر ما نقلته من كتاب قطب الدين الراوندي رحمه‌الله تعالى.

وقال الشيخ أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن الجوزي رحمه‌الله في كتابه

__________________

(١) أي هجم عليها.

١٤٦

صفوة الصفوة أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ع أمه أم عبد الله بنت الحسن بن علي بن أبي طالب واسم ولده جعفر وعبد الله وأمهما أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه وإبراهيم وعلي وزينب وأم سلمة.

وعن سفيان الثوري قال سمعت منصورا يقول سمعت محمد بن علي يقول الغناء والعز يجولان في قلب المؤمن فإذا وصلا إلى مكان فيه التوكل أوطناه وقال ما دخل قلب امرئ شيء من الكبر إلا نقص من عقله مثل ما دخله من ذلك قل أو كثر.

وعن خالد بن أبي الهيثم عن محمد بن علي بن الحسين ع قال ما اغرورقت عين بمائها إلا حرم الله وجه صاحبها على النار فإن سالت على الخدين لم يرهق وجهه (قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ) وما من شيء إلا له جزاء إلا الدمعة فإن الله يكفر بها بحور الخطايا ولو أن باكيا بكى في أمة لحرم الله تلك الأمة على النار.

وعنه ع أنه قال لابنه يا بني إياك والكسل والضجر فإنهما مفتاح كل شر إنك إن كسلت لم تؤد حقا وإن ضجرت لم تصبر على حق.

وعن عروة بن عبد الله قال سألت أبا جعفر محمد بن علي ع عن حلية السيوف فقال لا بأس به قد حلي أبو بكر الصديق رضي الله عنه سيفه قلت فتقول الصديق قال فوثب وثبة واستقبل القبلة وقال نعم الصديق نعم الصديق نعم الصديق فمن لم يقل له الصديق فلا صدق الله له قولا في الدنيا ولا في الآخرة

__________________

(١) اغرورقت عيناه : دمعتا كأنهما غرقتا في دمعهما ولم تفيضا.

(٢) أرهقه الشيء : أغشاه إيّاه وألحق ذلك به وعن الأزهري : الرهق اسم من الارهاق وهو ان يحمل الإنسان على ما لا يطيقه. والقتر بفتحتين جمع القترة وهي الغبرة. وعن ابن عبّاس في قوله تعالى «وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ ـ يونس : ٢٦ ـ» أي لا يلحقهم سواد وقيل : غبار ولا ذلة اي هوان وقيل كآبة وكسوف. ذكره الطبرسيّ (ره) في كتاب مجمع البيان.

١٤٧

وعن أفلح مولاه قال خرجت مع محمد بن علي ع حاجا فلما دخل المسجد نظر إلى البيت فبكى حتى علا صوته فقلت بأبي أنت وأمي إن الناس ينظرون إليك فلو رفقت بصوتك قليلا قال ويحك يا أفلح ـ ولم لا أبكي لعل الله أن ينظر إلي منه برحمة فأفوز بها عنده غدا ثم قال طاف بالبيت ثم جاء حتى ركع عند المقام فرفع رأسه من سجوده فإذا موضع سجوده مبتل من دموع عينيه.

وعن أبي حمزة عن أبي جعفر محمد بن علي ع قال ما من عبادة أفضل من عفة بطن أو فرج وما من شيء أحب إلى الله عزوجل من أن يسأل وما يدفع القضاء إلا الدعاء وإن أسرع الخير ثوابا البر وإن أسرع الشر عقوبة البغي وكفى بالمرء عيبا أن يبصر من الناس ما يعمى عنه من نفسه وأن يأمر الناس بما لا يستطيع التحول عنه وأن يؤذي جليسه بما لا يعنيه.

قال المصنف أسند أبو جعفر ع عن جابر بن عبد الله وأبي سعيد الخدري وأبي هريرة وابن عباس وأنس والحسن والحسين وروى عن سعيد بن المسيب وغيره من التابعين ومات في سنة سبع عشرة ومائة وقيل ثماني عشرة وقيل أربع عشرة وهو ابن ثلاث وسبعين وقيل ثمان وخمسين وأوصى أن يكفن في قميصه الذي كان يصلي فيه آخر كلام ابن الجوزي في هذا الباب.

وقال الآبي رحمه‌الله في كتابه نثر الدر محمد بن علي الباقر ع قال يوما لأصحابه أيدخل أحدكم يده في كم صاحبه فيأخذ حاجته من الدنانير قالوا لا قال فلستم إذا بإخوان.

وقال لابنه جعفر ع إن الله خبأ ثلاثة أشياء في ثلاثة أشياء خبأ رضاه في طاعته فلا تحقرن من الطاعة شيئا فلعل رضاه فيه وخبأ سخطه في معصيته فلا تحقرن من المعصية شيئا فلعل سخطه فيه وخبأ أولياءه في خلقه فلا تحقرن أحدا فلعله ذلك الولي.

واجتمع عنده ناس من بني هاشم وغيرهم فقال اتقوا الله شيعة آل محمد وكونوا

١٤٨

النمرقة الوسطى (١) يرجع إليكم الغالي ويلحق بكم التالي قالوا له وما الغالي قال الذي يقول فينا ما لا نقوله في أنفسنا قالوا فما التالي قال الذي يطلب الخير فيريد به خيرا والله ما بيننا وبين الله قرابة ولا لنا على الله من حجة ولا نتقرب إليه إلا بالطاعة فمن كان منكم مطيعا لله يعمل بطاعته نفعته ولايتنا أهل البيت ومن كان منكم عاصيا لله يعمل بمعاصيه لم تنفعه ويحكم لا تغتروا ثلاثا.

وروي أن عبد الله بن معمر الليثي قال لأبي جعفر ع بلغني أنك تفتي في المتعة فقال أحلها الله في كتابه وسنها رسول الله ص وعمل بها أصحابه فقال عبد الله فقد نهى عنها عمر قال فأنت على قول صاحبك وأنا على قول رسول الله ص قال عبد الله فيسرك أن نساءك فعلن ذلك قال أبو جعفر وما ذكر النساء هاهنا يا أنوك (٢) إن الذي أحلها في كتابه وأباحها لعباده أغير منك وممن نهى عنها تكلفا بل يسرك أن بعض حرمك تحت حائك (٣) من حاكة يثرب نكاحا قال لا قال فلم تحرم ما أحل الله قال لا أحرم ولكن الحائك ما هو لي بكفء قال فإن الله ارتضى عمله ورغب فيه وزوجه حوراء أفترغب عمن رغب الله فيه وتستنكف ممن هو كفء لحور الجنان كبرا وعتوا قال فضحك عبد الله وقال ما أحسب صدوركم إلا منابت أشجار العلم فصار لكم ثمره وللناس ورقه.

وسئل لم فرض الله الصوم على عباده قال ليجد الغني مس الجوع فيحنو

__________________

(١) النمرقة : الوسادة وقال الطريحي وفي حديث الأئمّة (ع) : نحن النمرقة الوسطى بنا يلحق التالي والينا يرجع الغالي استعار (ع) لفظ النمرقة بصفة الوسطى له ولأهل بيته باعتبار كونهم أئمة العدل يستند الخلق إليهم في تدبير معاشهم ومعادهم ومن حقّ الإمام العادل ان يلحق به التالي المفرط المقصر في الدين ويرجع إليه الغالي المفرط المتجاور في طلبه حدّ العدل كما يستند إلى النمرقة المتوسطة من على جانبيها ومثله في حديث الشيعة كونوا النمرقة الوسطى اه.

(٢) الأنوك : الأحمق.

(٣) حاك الثوب : نسجه.

١٤٩

على الفقير (١).

وقال إن قوما عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التجار وإن قوما عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد وإن قوما عبدوا الله شكرا فتلك عبادة الأحرار.

وقال أبو عثمان الجاحظ جمع محمد صلاح شأن الدنيا بحذافيرها في كلمتين فقال صلاح شأن المعاش والتعاشر ملء مكيال ثلثان فطنة وثلث تغافل.

وهنأ رجلا بمولود فقال أسأل الله أن يجعله خلفا معك وخلفا بعدك فإن الرجل يخلف أباه في حياته وموته.

قال الحكم بن عيينة مررنا بامرأة محرمة قد أسبلت ثوبها قلت لها اسفري عن وجهك قالت أفتاني بذلك زوجي محمد بن علي بن الحسين ع. (٢)

وكان إذا رأى مبتلى أخفى الاستعاذة.

وكان لا يسمع من داره يا سائل بورك فيك ولا يا سائل خذ هذا وكان يقول سموهم بأحسن أسمائهم.

وكان يقول اللهم أعني على الدنيا بالغنى وعلى الآخرة بالعفو.

وقال لابنه يا بني إذا أنعم الله عليك بنعمة فقل الحمد لله وإذا حزنك أمر فقل لا حول ولا قوة إلا بالله وإذا أبطأ عنك الرزق فقل أستغفر الله.

وقال أدب الله محمدا ص أحسن الأدب فقال (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) فلما وعى قال (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا).

قال أحمد بن حمدون في تذكرته قال محمد بن علي بن الحسين ع

__________________

(١) وفي بعض النسخ «الضعيف».

(٢) تجب على المرأة تغطية رأسه في الاحرام ويحرم ذلك على الرجل لكن عليها أن تستفر عن وجهها ويجوز لها أن تسدل ثوبا على وجهها فوق رأسها إلى طرف أنفها قال في المسالك وهذا موضع وفاق وهل تجب عليها مجافاته عن وجهها بخشبة وشبهها فيه خلاف مذكور في محله.

١٥٠

ندعو الله فيما نحب فإذا وقع الذي نكره لم نخالف الله فيما أحب.

وقال توقي الصرعة خير من سؤال الرجعة.

وقيل له من أعظم الناس قدرا قال من لا يرى الدنيا لنفسه قدرا وأورد أشياء أخر قد ذكرتها قبل هذا وما أريد بتكرار ما أورده مكررا إلا ليعلم أنه قد نقل عن غير واحد حتى كاد يبلغ التواتر فيذعن المنكر ويعترف الجاحد وبالله المستعان.

قال الفقير إلى رحمة ربه تبارك وتعالى علي بن عيسى أثابه الله تعالى قد أوردت من أخبار سيدنا ومولانا الإمام أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ع وصفاته وذكرت من علائم شرفه وسماته ورقمت من دلائله وعلاماته ونبهت بجهدي على ما خص به من شرف قبيله وشرف ذاته فتلوت قوله تعالى (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) ففيما شرحته وبينته وأوضحته غنية لمن طلب الحق وأراده وتبينه لمن أراد الله إسعاده فإن مناقبه ع أكثر من أن يأتي الحصر عليها ومزاياه أعلى من أن تتوجه الإحاطة بها إليها ومفاخره إذا عددت خرت المفاخر والمحامد لديها لأن شرفه ع تجاوز الحد وبلغ النهاية وجلال قدره استولى على الأمد وأدرك الغاية ومحله من العلم والعمل رفع له ألف راية وكم له ع من علامات سؤدد وسيماء رئاسة وآية سماحة وحماسة وشرف منصب وعلو نسب وفخر حسب وطهارة أم وأب والأخذ من الكرم والطهارة بأقوى سبب لو طاول السماء لطالها أو رام الكواكب في أوجها لنالها أو حاكمت سيادته عند موفق لقضي لها إذا اقتسمت قداح المجد كان له معلاها أو قسمت غنائم السمو والرفعة كان له مرباعها وصفاياها أو أجريت جياد السيادة كان له سابقها أو جوريت مناقبه قصر طالبها ووني لاحقها يقصر لسان البليغ في مضمار مآثره ويظهر عجز الجليد عن عد مفاخره الأصل طاهر كما عرفت والفرع زاهر كما وصفت وفوق ما وصفت ولده من بعده ع مشكاة الأنوار ومصابيح الظلام وعصر الأنام ومنتجع العافين إذا أجدب العام والعروة الوثقى

١٥١

لذوي الاعتصام والملجأ إذا نبذ العهد وخفر الذمام والموئل الذين بولايتهم ومحبتهم يصح الإسلام والملاذ إذا عرم الزمان وتنكر الأقوام والوزر الذين تحط بهم الأوزار وتغفر الآثام اللهم صل عليهم صلاة تزيدهم بها شرفا ومجدا وتوليهم بها فوق رفدك رفدا وتثبت لهم في كل قلب ودا وعلى كل مكلف عهدا فإنهم ع عبادك الذين اقتفوا آثار نبيك وانتهجوا وسلكوا سبيلك الذي أمرتهم به فما عرجوا وطاب لهم السرى في ليل طاعتك وعبادتك فأدلجوا لا يأخذهم فيما أمرتهم به فتور ولا يعتريهم كلال ولا قصور نهارهم صيام وليلهم قيام وجودهم وافر كثير وبرهم زائد غزير وفضلهم شائع شهير لا يجاريهم مجار ولا يلحق عفو سعيهم سار ولا يماري في سؤددهم ممار اللهم إلا من سلبه الله هداية التوفيق وأضله عن سواء الطريق اللهم فانفعنا بحبهم واجعلنا من صحبهم واحسبنا من حزبهم واجعل كسبنا في الدنيا والآخرة من كسبهم ونعمنا بسلمهم كما أشقيت آخرين بحربهم ولا تخلنا في الدنيا من موالاتهم وفي الآخرة من قربهم فبهم ع اهتدينا إليك وهم أدلتنا عليك وبحبك أحببناهم وبإرشادك عرفناهم إنك عظيم الآلاء سميع الدعاء.

وقد جريت على عادتي ومدحت مولانا الباقر ع بهذه الأبيات وإن كانت قاصرة عن شريف قدره غير محيطة بما يجب من حمده وشكره وعد مناقب مجده وفخره ولكن إذا جرى القلم بكشف أمر فلا حيلة في ستره وما قدر مدحي في مدح من يتطامن كل شرف لشرفه وتقر الأوائل والأواخر بعلو قدره وقدر سلفه ويجري مجراه ومجرى أوليته شريف خلقه فمن فكر في هذه العترة الصالحة وهداه الله بالتجارة الرابحة وكان له نظر صائب وفكر ثاقب قال ما أشبه الليلة بالبارحة والأبيات هذه.

يا راكبا يقطع جوز الفلا

على أمون جسرة ضامر (١)

 __________________

(١) الامون : المطية الموثقة الخلق ، المأمونة الكلال والعثار. وناقة جسرة : ماضية وقيل : طويلة ضخمة.

١٥٢

كالحرف إلا أنها في السرى

تسبق رجع النظر الباصر

أسرع في الإرقال من خاضب

أعجله الركض ومن طائر (١)

آنسه بالوخد لكنها

في سيرها كالنقنق الناقر (٢)

عرج على طيبة وانزل بها

وقف مقام الضارع الصاغر

وقبل الأرض وسف تربها

واسجد على ذاك الثرى الطاهر

وأبلغ رسول الله خير الورى

عني في الماضي وفي الغابر

سلام عبد خالص حبه

باطنه في الصدق كالظاهر

وعج على أرض البقيع الذي

ترابه يجلو قذى الناظر

وبلغن عني سكانه

تحية كالمثل السائر

قوم هم الغاية في فضلهم

فالأول السابق كالآخر

هم الأولى شادوا بناء العلى

بالأسمر الذابل والباتر (٢)

وأشرقت في المجد أحسابهم

إشراق نور القمر الباهر

وبخلوا الغيث ويوم الوغا

راعوا جنان الأسد الخادر (٤)

بدا بهم نور الهدى مشرقا

وميز البر من الفاجر

فحبهم وقف على مؤمن

وبغضهم حتم على كافر

كم لي مديح فيهم شائع

وهذه تختص بالباقر

إمام حق فاق في فضله

العالم من باد ومن حاضر

أخلاقه الغر رياض فما

الروض غداة الصيب الماطر

 __________________

(١) الخاضب من النعام : الذي أكل الخضرة أو الظليم إذا أكل الخضرة أو الظليم إذا أكل الربيع فاحمرت ساقاه وقوادمه.

(٢) الوخد : السرعة في المشي. والنقنق : الذكر من النعام.

(٣) شاد البناء : رفعه. وبعير أسمر : أبيض إلى الشبهة. والذابل من الحيوان : الضامن والباتر : السيف القاطع.

(٤) أسد خادر : مقيم في خدره وهو أجمة الأسد.

١٥٣

ما ضر قوما غصبوا حقه

والظلم من شنشنة الجائر (١)

لو حكموه فقضى بينهم

أبلج مثل القمر الزاهر

فرع زكا أصلا وأصل سما

فرعا علاء الفلك الدائر

جرى على سنة آبائه

جرى الجواد السابق الضامر

وجاء من بعد بنوه على

آثاره الوارد كالصادر

فخارة ينقله منجد

مصدق في النقل عن غابر

قد كثرت في الفضل أوصافه

وإنما العزة للكاثر

لو صافحت راحته ميتا

عاش ولم ينقل إلى قابر

حتى يقول الناس مما رأوا

يا عجبا للميت الناشر

محمد الخير استمع شاعرا

لولاكم ما كان بالشاعر

قد قصر المدح على مجدكم

وليس في ذلك بالقاصر

يود لو ساعده دهره

تقبيل ذاك المقبر الفاخر

ذكر الإمام السادس جعفر الصادق بن محمد بن

علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ع

قال كمال الدين محمد بن طلحة رحمه‌الله هو من عظماء أهل البيت وساداتهم ع ذو علوم جمة وعبادة موفورة وأوراد متواصلة وزهادة بينة وتلاوة كثيرة يتتبع معاني القرآن الكريم ويستخرج من بحره جواهره ويستنتج عجائبه ويقسم أوقاته على أنواع الطاعات بحيث يحاسب عليها نفسه رؤيته تذكر بالآخرة واستماع كلامه يزهد في الدنيا والاقتداء بهداه يورث الجنة نور قسماته شاهد أنه من سلالة النبوة وطهارة أفعاله تصدع بأنه من ذرية الرسالة نقل عنه الحديث واستفاد منه العلم جماعة من أعيان الأئمة وأعلامهم مثل يحيى بن سعيد الأنصاري وابن جريج ومالك بن أنس والثوري وابن عيينة و

__________________

(١) الشنشنة : الخلق والطبيعة.

١٥٤

أبي حنيفة وشعبة وأيوب السختياني وغيرهم وعدوا أخذهم منه منقبة شرفوا بها وفضيلة اكتسبوها.

أما ولادته

فبالمدينة سنة ثمانين من الهجرة وقيل سنة ثلاث وثمانين والأول أصح.

وأما نسبه أبا وأما

فأبوه أبو جعفر محمد الباقر وقد تقدم بسط نسبه وأمه أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه.

وأما اسمه

فجعفر وكنيته أبو عبد الله وقيل أبو إسماعيل وله ألقاب أشهرها الصادق ومنها الصابر والفاضل والطاهر.

وأما مناقبه وصفاته

فتكاد تفوق عدد الحاصر ويحار في أنواعها فهم اليقظ الباصر حتى أن من كثرة علومه المفاضة على قلبه من سجال التقوى صارت الأحكام التي لا تدرك عللها والعلوم التي تقصر الأفهام عن الإحاطة بحكمها تضاف إليه وتروى عنه وقد قيل إن كتاب الجفر الذي بالمغرب يتوارثه بنو عبد المؤمن هو من كلامه ع وإن في هذا المنقبة سنية ودرجة في مقام الفضائل علية.

قلت كتاب الجفر مشهور (١) وفيه أسرارهم وعلومهم وقد ذكره مصرحا

__________________

(١) قد ورد ذكر الجفر في كثير من الروايات التي رواها أئمة الحديث كالكليني والصدوق والصفار وغيرهم وقد اختلفت فيه كلمات القوم من العامّة والخاصّة قال ابن خلدون في مقدّمته : اعلم أن كتاب الجفر كان أصله ان هارون بن سعيد العجليّ وهو رأس الزيدية كان له كتاب يرويه عن جعفر الصادق وفيه علم ما سيقع لأهل البيت على العموم ولبعض الاشخاص منهم على الخصوص إلى أن قال : وكان مكتوبا عند جعفر في جلد ثور صغير فرواه عنه هارون العجليّ وكتبه وسماه الجفر باسم الجلد الذي كتبه منه لان الجفر في اللغة هو الصغير وصار هذا الاسم علما على هذا الكتاب عندهم وكان فيه تفسير القرآن وما في باطنه من غرائب المعاني مروية عن جعفر الصادق.

ثمّ ذكر بعض ما أخبر به (ع) قبل وقوعه ونقل بعض هذه الأخبار الفريد الوجدى في كتابه وقال الطريحي (ره) : في الحديث أملى رسول اللّه على أمير المؤمنين الجفر والجامعة وفسرا في الحديث باهاب ما عزّ واهاب كبش فيهما جميع العلوم حتّى أرش الخدش والجلد ونصف الجلدة. *

١٥٥

الإمام علي بن موسى الرضا ع حين عهد إليه عبد الله المأمون رحمه‌الله فقال ع والجفر والجامعة يدلان على خلاف ذلك وسأذكر العهد عند ذكره ع.

وقال كمال الدين رحمه‌الله وهذه نبذة يسيرة مما نقل عنه ع.

قال مالك بن أنس قال جعفر يوما لسفيان الثوري يا سفيان إذا أنعم الله عليك بنعمة فأحببت بقاءها فأكثر من الحمد والشكر عليها فإن الله عزوجل قال في كتابه العزيز (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) وإذا استبطأت الرزق فأكثر من الاستغفار فإن الله عزوجل يقول في كتابه (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ) يعني في الدنيا (وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ) في الآخرة يا سفيان إذا حزنك أمر من سلطان أو غيره فأكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله فإنها مفتاح الفرج وكنز من كنوز الجنة.

وقال ابن أبي حازم كنت عند جعفر بن محمد ع إذ دخل آذنه (١)

__________________

* ونقل عن المحقق الشريف في شرح المواقف ان الجفر والجامعة كتابان لعلى عليه السلام قد ذكر فيهما على طريقة علم الحروف الحوادث إلى انقراض العالم وكان الأئمّة المعروفون من أولاده يعرفونها ويحكمون بها «انتهى» ويشهد له حديث أبي عبد اللّه (ع) أنه قال : عندي الجفر الأبيض فقال له زيدين أبى العلا : وأي شيء فيه؟ قال : فقال لي زبور داود وتوراة موسى وإنجيل عيسى وصحف إبراهيم والحلال والحرام ومصحف فاطمة (ع) وفيه ما يحتاج الناس الينا ولا يحتاج إلى أحد إلى آخر ما ذكره (ره) في المجمع.

ونقل غيره عن شارح المواقف أنه قال : ولمشايخ المغاربة نصيب من علم الحروف ينتسبون فيها إلى أهل البيت ورأيت بالشام نظما أشير إليه بالرموز إلى أحوال ملوك مصر وسمعت انه مستخرج من ذينك الكتابين وسيأتي أيضا.

ثمّ انك قد عرفت من مطاوي ما ذكرنا ان كتاب الجفر الذي ذكره ابن طلحة عند بنى عبد المؤمن بالمغرب اما هو بعض هذا الكتاب الذي عند أهل البيت (ع) وقد املاه الصادق (ع) على بعض أصحابه واما هو شيء آخر من بحار علمه سماه جفرا واللّه أعلم.

__________________

(١) الاذن : الحاجب.

١٥٦

فقال سفيان الثوري بالباب فقال ائذن له فدخل فقال له جعفر يا سفيان إنك رجل يطلبك السلطان وأنا أتقي السلطان قم فاخرج غير مطرود فقال سفيان حدثني حتى أسمع وأقوم فقال جعفر حدثني أبي عن جدي أن رسول الله ص قال من أنعم الله عليه نعمة فليحمد الله ومن استبطأ الرزق فليستغفر الله ومن حزنه أمر فليقل لا حول ولا قوة إلا بالله فلما قام سفيان قال جعفر خذها يا سفيان ثلاثا وأي ثلاث.

وقال سفيان دخلت على جعفر بن محمد وعليه جبة خز دكناء (١) وكساء خز فجعلت أنظر إليه تعجبا فقال لي يا ثوري ما لك تنظر إلينا لعلك تعجب مما ترى فقلت له يا ابن رسول الله ليس هذا من لباسك ولا لباس آبائك قال يا ثوري كان ذلك زمان إقتار وافتقار وكانوا يعملون على قدر إقتاره وافتقاره وهذا زمان قد أسبل كل شيء عزاليه (٢) ثم حسر ردن جبته (٣) فإذا تحتها جبة صوف بيضاء يقصر الذيل عن الذيل والردن عن الردن وقال يا ثوري لبسنا هذا لله تعالى وهذا لكم فما كان لله أخفيناه وما كان لكم أبديناه.

وقال الهياج بن بسطام كان جعفر بن محمد يطعم حتى لا يبقى لعياله شيء وكان يقول ع لا يتم المعروف إلا بثلاثة تعجيله وتصغيره وستره.

وسئل ع لم حرم الله الربا قال لئلا يتمانع الناس المعروف.

وذكر بعض أصحابه قال دخلت على جعفر وموسى ولده بين يديه وهو يوصيه بهذه الوصية فكان مما حفظت منه أن قال يا بني احفظ وصيتي واحفظ (٤) مقالتي فإنك

__________________

(١) الدكنة ـ كظلمة ـ : لون يضرب إلى السواد.

(٢) أسبل الدمع : أرسله. العز إلى جمع العزلاء : مصب الماء من الراوية ونحوها يقال : أرخت السماء عزّ إليها إشارة إلى شدة وقع المطر واستعار (ع) لوجوه الأشياء بفم المزادة.

(٣) الردن : أصل الكم.

(٤) وفي بعض النسخ «أقبل».

١٥٧

إن حفظتها تعش سعيدا وتمت حميدا يا بني إنه من قنع بما قسم له استغنى ومن مد عينه إلى ما في يده غيره مات فقيرا ومن لم يرض بما قسم الله له عزوجل اتهم الله تعالى في قضائه ومن استصغر زلة نفسه استعظم زلة غيره ومن استعظم زلة نفسه استصغر زلة غيره يا بني من كشف حجاب غيره انكشفت عورات نفسه ومن سل سيف البغي قتل به ومن حفر به لأخيه بئرا سقط فيها ومن داخل السفهاء حقر ومن خالط العلماء وقر ومن دخل مداخل السوء اتهم يا بني قل الحق لك وعليك وإياك والنميمة فإنها تزرع الشحناء في قلوب الرجال يا بني إذا طلبت الجود فعليك بمعادنه فإن للجود معادن وللمعادن أصولا وللأصول فروعا وللفروع ثمرا ولا يطيب ثمر إلا بفرع ولا فرع إلا بأصل ولا أصل إلا بمعدن طيب يا بني إذا زرت فزر الأخيار ولا تزر الفجار فإنهم صخرة لا ينفجر ماؤها وشجرة لا يخضر ورقها وأرض لا يظهر عشبها قال علي بن موسى ع فما ترك أبي هذه الوصية إلى أن مات.

وقال أحمد بن عمرو بن المقدام الرازي وقع الذباب على المنصور فذبه عنه فعاد فذبه عنه حتى أضجره فدخل عليه جعفر بن محمد ع فقال له المنصور يا با عبد الله لم خلق الله تعالى الذباب فقال ليذل به الجبابرة.

ونقل أنه كان رجل من أهل السواد يلزم جعفرا ففقده فسأل عنه فقال له رجل يريد أن يستنقص به أنه نبطي فقال جعفر ع أصل الرجل عقله وحسبه دينه وكرمه تقواه والناس في آدم مستوون فاستحى ذلك القائل.

وقال سفيان الثوري سمعت جعفر الصادق ع يقول عزت السلامة حتى لقد خفي مطلبها فإن تكن في شيء فيوشك أن تكون في الخمول فإن طلبت في الخمول فلم توجد فيوشك أن تكون في الصمت فإن طلبت في الصمت فلم توجد فيوشك أن تكون في التخلي فإن طلبت في التخلي فلم توجد فيوشك أن تكون في كلام السلف الصالح والسعيد من وجد في نفسه خلوة يشتغل بها.

وحدث عبد الله بن الفضل بن الربيع عن أبيه قال حج المنصور سنة سبع و

١٥٨

أربعين ومائة فقدم المدينة وقال للربيع ابعث إلى جعفر بن محمد من يأتينا به متعبا قتلني الله إن لم أقتله فتغافل الربيع عنه لينساه ثم أعاد ذكره للربيع وقال ابعث من يأتينا به متعبا فتغافل عنه ثم أرسل إلى الربيع رسالة قبيحة أغلظ فيها وأمره أن يبعث من يحضر جعفرا ففعل فلما أتاه قال له الربيع يا با عبد الله اذكر الله فإنه قد أرسل إليك بما لا دافع له غير الله فقال جعفر لا حول ولا قوة إلا بالله ثم إن الربيع أعلم المنصور بحضوره فلما دخل جعفر عليه أوعده وأغلظ له وقال أي عدو الله اتخذك أهل العراق إماما يجبون إليك زكاة أموالهم وتلحد في سلطاني وتبغيه الغوائل قتلني الله إن لم أقتلك فقال له يا أمير المؤمنين إن سليمان ع أعطي فشكر وإن أيوب ابتلي فصبر وإن يوسف ظلم فغفر وأنت من ذلك السنخ فلما سمع ذلك المنصور منه قال له إلي وعندي يا أبا عبد الله أنت البريء الساحة السليم الناحية القليل الغائلة جزاك الله من ذي رحم أفضل ما جزى ذوي الأرحام عن أرحامهم ثم تناول يده فأجلسه معه على فراشه ثم قال علي بالطيب فأتي بالغالية فجعل يغلف لحية جعفر بيده حتى تركها تقطر ثم قال قم في حفظ الله وكلاءته ثم قال يا ربيع ألحق أبا عبد الله جائزته وكسوته انصرف أبا عبد الله في حفظه وكنفه فانصرف.

قال الربيع ولحقته فقلت له إني قد رأيت قبلك ما لم تره ورأيت بعدك ما لا رأيته فما قلت يا با عبد الله حين دخلت قال قلت اللهم احرسني بعينك التي لا تنام واكنفني بركنك الذي لا يرام واغفر لي بقدرتك علي ولا أهلك وأنت رجائي اللهم أنت أكبر وأجل مما أخاف وأحذر اللهم بك أدفع في نحره وأستعيذ بك من شره ففعل الله بي ما رأيت.

قلت هذه القضية له ع مع أبي جعفر المنصور مشهورة قد نقلها الرواة والدعاء الذي دعا به ع ذكروه بروايات مختلفة لو لا خوف الإطالة لأوردتها ولكني اكتفيت بما ذكره كمال الدين ولعله يرد في موضع آخر من أخباره.

١٥٩

وقال قال الليث بن سعد حججت سنة ثلاث عشرة ومائة فأتيت مكة فلما صليت العصر رقيت أبا قبيس وإذا أنا برجل جالس وهو يدعو فقال يا رب يا رب حتى انقطع نفسه ثم قال رب رب حتى انقطع نفسه ثم قال يا الله يا الله حتى انقطع نفسه ثم قال يا حي يا حي حتى انقطع نفسه ثم قال يا رحيم يا رحيم حتى انقطع نفسه ثم قال يا أرحم الراحمين حتى انقطع نفسه سبع مرات ثم قال اللهم إني أشتهي من هذا العنب فأطعمنيه اللهم وإن بردي قد أخلقا قال الليث فو الله ما استتم كلامه حتى نظرت إلى سلة مملوءة عنبا وليس على الأرض يومئذ عنب وبردين جديدين موضوعين فأراد أن يأكل فقلت له أنا شريكك فقال لي ولم فقلت لأنك كنت تدعو وأنا أؤمن فقال لي تقدم فكل ولا تخبئ شيئا فتقدمت فأكلت شيئا لم آكل مثله قط وإذا عنب لا عجم له فأكلت حتى شبعت والسلة لم ينقص ثم قال لي خذ أحد البردين إليك فقلت أما البردان فإني غني عنهما فقال لي توار عني حتى ألبسهما فتواريت عنه فاتزر بالواحد وارتدى بالآخر ثم أخذ البردين اللذين كانا عليه فجعلهما على يده ونزل فاتبعته حتى إذا كان بالمسعى لقيه رجل فقال اكسني كساك الله فدفعهما إليه فلحقت الرجل فقلت من هذا قال هذا جعفر بن محمد قال الليث فطلبته لأسمع منه فلم أجده فيا لهذه الكرامة ما أسناها ويا لهذه المنقبة ما أعظم صورتها ومعناها.

قال أفقر عباد الله إلى رحمته ـ علي بن عيسى وفقه الله لمراضيه حديث الليث مشهور وقد ذكره جماعة من الرواة ونقلة الحديث وأول ما رأيته في كتاب المستغيثين تأليف الفقيه العالم أبي القاسم خلف بن عبد الملك بن مسعود بن بشكواك وهذا الكتاب قرأته على الشيخ العدل رشيد الدين أبي عبد الله محمد بن أبي القاسم بن عمر بن أبي القاسم وهو قرأه على الشيخ العالم محيي الدين أستاد دار الخلافة أبي محمد يوسف بن الشيخ أبي الفرج بن الجوزي وهو يرويه عن مؤلفه إجازة وكانت قراءتي في شعبان من سنة ست وثمانين وستمائة بداري المطلة على دجلة ببغداد

__________________

(١) السلة : الجونة ويقال له بالفارسية «سبد».

١٦٠