كشف الغمّة في معرفة الأئمّة - ج ٢

أبي الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح الاربلي

كشف الغمّة في معرفة الأئمّة - ج ٢

المؤلف:

أبي الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح الاربلي


المحقق: السيد هاشم الرسولي المحلاتي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة بني هاشمي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٦٠
الجزء ١ الجزء ٢

فلم يعرف نسبها فأحضرت إليه فرد نسبها وقال هذه كذابة فسفهت عليه وقالت كما قدحت في نسبي فأنا أقدح في نسبك فأخذته الغيرة العلوية فقال ع لسلطان خراسان أنزل هذه إلى بركة السباع يتبين لك الأمر وكان لذلك السلطان بخراسان موضع واسع فيه سباع مسلسلة للانتقام من المفسدين يسمى ذلك الموضع ببركة السباع فأخذ الرضا ع بيد تلك المرأة فأحضرها عند ذلك السلطان وقال إن هذه كذابة على علي وفاطمة ع وليست من نسلهما فإن من كان حقا بضعة من علي وفاطمة فإن لحمه حرام على السباع فألقوها في بركة السباع فإن كانت صادقة فإن السباع لا تقربها وإن كانت كاذبة فتفترسها السباع.

فلما سمعت ذلك منه قالت فانزل أنت إلى السباع فإن كنت صادقا فإنها لا تقربك ولا تفترسك فلم يكلمها وقام ع فقال له ذلك السلطان إلى أين قال إلى بركة السباع والله لأنزلن إليها وقام السلطان والناس والحاشية وجاءوا وفتحوا باب البركة فنزل الرضا ع والناس ينظرون من أعلى البركة فلما حصل بين السباع أقعت جميعها إلى الأرض على أذنابها وصار يأتي إلى واحد واحد ويمسح وجهه ورأسه وظهره والسبع يبصبص له هكذا إلى أن أتى على الجميع ثم طلع والناس ينظرون إليه فقال لذلك السلطان أنزل هذه الكذابة على علي وفاطمة ع ليتبين لك فامتنعت فألزمها ذلك السلطان وأمر أعوانه بإلقائها فمذ رآها السباع وثبوا إليها وافترسوها فاشتهر اسمها بخراسان بزينب الكذابة وحديثها هناك مشهور.

ومنها قصة دعبل بن علي الخزاعي الشاعر قال دعبل لما قلت مدارس آيات ... قصدت بها أبا الحسن علي بن موسى الرضا ع وهو بخراسان ولي عهد المأمون في الخلافة فوصلت المدينة وحضرت عنده وأنشدته إياها فاستحسنها وقال لي لا تنشدها أحدا حتى آمرك واتصل خبري بالخليفة المأمون فأحضرني وساءلني عن خبري ثم قال يا دعبل أنشدني مدارس آيات خلت من تلاوة فقلت ما أعرفها يا أمير المؤمنين فقال يا غلام أحضر أبا الحسن علي بن

٢٦١

موسى الرضا قال فلم تكن إلا ساعة حتى حضر فقال له يا أبا الحسن سألت دعبلا عن مدارس آيات .... فذكر أنه لا يعرفها فقال لي أبو الحسن يا دعبل أنشد أمير المؤمنين فأخذت فيها فأنشدتها فاستحسنها وأمر لي بخمسين ألف درهم وأمر لي أبو الحسن علي بن موسى الرضا بقريب من ذلك فقلت يا سيدي إن رأيت أن تهبني شيئا من ثيابك ليكون كفني فقال نعم ثم دفع إلي قميصا قد ابتذله ومنشفة لطيفة (١) وقال لي احفظ هذا تحرس به ثم دفع إلي ذو الرئاستين أبو العباس الفضل بن سهل وزير المأمون صلة وحملني على برذون أصفر خراساني وكنت أسايره في يوم مطير وعليه ممطر خز وبرنس منه (٢) فأمر لي به ودعا بغيره جديد فلبسه وقال إنما آثرتك باللبيس لأنه خير الممطرين.

قال فأعطيت به ثمانين دينارا فلم تطب نفسي ببيعه ثم كررت راجعا إلى العراق فلما صرت في بعض الطريق خرج علينا الأكراد فأخذونا وكان ذلك اليوم يوما مطيرا فبقيت في قميص خلق وضر جديد وأنا متأسف من جميع ما كان معي على القميص والمنشفة ومتفكر في قول سيدي الرضا إذ مر بي واحد من الأكراد الحرامية تحته الفرس الأصفر الذي حملني عليه ذو الرئاستين وعليه الممطر ووقف بالقرب مني ليجتمع عليه أصحابه وهو ينشد مدارس آيات خلت من تلاوة ويبكي فلما رأيت ذلك منه عجبت من لص من الأكراد يتشيع ثم طمعت في القميص والمنشفة فقلت يا سيدي لمن هذه القصيدة فقال وما أنت وذاك ويلك فقلت لي فيه سبب أخبرك به فقال هي أشهر بصاحبها أن تجهل فقلت من هو قال دعبل بن علي الخزاعي شاعر آل محمد جزاه الله خيرا فقلت له والله يا سيدي أنا دعبل وهذه قصيدتي فقال ويلك ما تقول قلت الأمر أشهر من ذلك.

__________________

(١) المنشفة : المنديل.

(٢) الممطر : ثوب صوف يتوقى به من المطر. والبرنس : كل ثوب رأسه منه والضمير في «منه» يرجع إلى الخز أو إلى الممطر اي كان متصلا بالممطر وجزءا منه.

٢٦٢

فأرسل إلى أهل القافلة فاستحضر منهم جماعة وسألهم عني فقالوا بأسرهم هذا دعبل بن علي بن الخزاعي فقال قد أطلقت كلما أخذ من القافلة خلالة فما فوقها كرامة لك ثم نادى في أصحابه من أخذ شيئا فليرده فرجع على الناس جميع ما أخذ منهم ورجع إلي جميع ما كان معي ثم بذرقنا (١) إلى المأمن فحرست أنا والقافلة ببركة القميص والمنشفة.

فانظر إلى هذه المنقبة ما أشرفها وما أعلاها وقد يقف على هذه القصة بعض الناس ممن يطالع هذا الكتاب ويقرؤه فتدعوه نفسه إلى معرفة هذه الأبيات المعروفة بمدارس آيات ويشتهي الوقوف عليها وينسبني في إعراضي عن ذكرها إما إلى أنني لم أعرفها أو أنني جهلت ميل النفوس حينئذ إلى الوقوف عليها فأحببت أن أدخل راحة على بعض النفوس وأن أدفع عني هذا النقص المتطرق إلي ببعض الظنون فأوردت منها ما يناسب ذلك وهي.

ذكرت محل الربع من عرفات

فأسبلت دمع العين بالعبرات (٢)

وقل عرى صبري وهاجت صبابتي

رسوم ديار أقفرت وعرات (٣)

مدارس آيات خلت من تلاوة

ومنزل وحي مقفر العرصات (٤)

لآل رسول الله بالخيف من منى

وبالبيت والتعريف والجمرات (٥)

ديار علي والحسين وجعفر

وحمزة والسجاد ذي الثفنات

 __________________

(١) البذرقة : الخفارة ، فارسي معرب يقال بعث السلطان بذرقة مع القافلة. وقيل : البذرقة العصمة اي يعتصم بها.

(٢) الربع : المنزل والمحلة. وأسبل الدمع : أرسله.

(٣) العرى : الذي يعول عليه. وهاج الشيء وهاجه غيره يستعمل لازما ومتعديا فعلى الأول فقوله «صبابتى» فاعله وعلى الثاني ففاعله «رسوم». والصبابة : رقة الشوق وحرارته. والوعر : ضد السهل.

(٤) أقفرت الدار : خلت.

(٥) التعريف : وقوف عرفة والمراد هنا محله.

٢٦٣

ديار عفاها جور كل معاند

ولم تعف بالأيام والسنوات (١)

ديار لعبد الله والفضل صنوه

سليل رسول الله ذي الدعوات (٢)

منازل كانت للصلاة وللتقى

وللصوم والتطهير والحسنات

منازل جبريل الأمين يحلها

من الله بالتسليم والزكوات

منازل وحي الله معدن علمه

سبيل رشاد واضح الطرقات

منازل وحي الله ينزل حولها

على أحمد الروحات والغدوات

فأين الأولى شطت بهم عزبة النوى

أفانين في الأقطار مختلفات (٣)

هم آل ميراث النبي إذا انتموا

وهم خير سادات وخير حمات

مطاعيم في الأعسار في كل مشهد

لقد شرفوا بالفضل والبركات

إذا لم نناج الله في صلواتنا

بذكرهم لم يقبل الصلوات

أئمة عدل يهتدى بهداهم

وتؤمن منهم زلة العثرات

فيا رب زد قلبي هدى وبصيرة

وزد حبهم يا رب في حسنات

ديار رسول الله أصبحن بلقعا

ودار زياد أصبحت عمرات (٤)

وآل رسول الله هلب رقابهم

وآل زياد غلظ القصرات (٥)

وآل رسول الله تدمى نحورهم

وآل زياد زينوا الحجلات

 __________________

(١) عفت الدار : انمحت واندرست.

(٢) قال في البحار : السليل : الولد واستعمل هنا مجازا والسليل أيضا الخالص الصافي من القذى والكدر.

(٣) شطت اي بعدت. والنوى : الوجه الذي ينويه المسافر. والأفانين الأغصان جمع افنان وهو جمع فنن وهنا كناية عن التفرق.

(٤) البلقع : الأرض القفر التي لا شيء بها.

(٥) الهلب ـ بالضم ـ : الشعر وكأنّه أراد أن أعناقهم كالشعر في الدقة. والقصرة : العنق.

٢٦٤

وآل رسول الله يسبى حريمهم

وآل زياد آمنوا السربات (١)

وآل زياد في القصور مصونة

وآل رسول الله في الفلوات

فيا وارثي علم النبي وآله

عليهم سلام دائم النفحات

لقد آمنت نفسي بكم في حياتها

وإني لأرجو الأمن عند مماتي (٢)

ومما تلقته الأسماع بالاستماع ونقلته الألسن في بقاع الأصقاع أن الخليفة المأمون وجد في يوم عيد انحراف مزاج أحدث عنده ثقلا عن الخروج إلى الصلاة بالناس فقال لأبي الحسن علي الرضا ع يا أبا الحسن قم وصل بالناس. فخرج الرضا ع وعليه قميص قصير أبيض وعمامة بيضاء لطيفة وهما من قطن وفي يده قضيب فأقبل ماشيا يؤم المصلى وهو يقول السلام على أبوي آدم ونوح السلام على أبوي إبراهيم وإسماعيل السلام على أبوي محمد وعلي السلام على عباد الله الصالحين فلما رآه الناس أهرعوا إليه وانثالوا عليه لتقبيل يديه فأسرع بعض الحاشية إلى الخليفة المأمون فقال يا أمير المؤمنين تدارك الناس واخرج وصل بهم وإلا خرجت الخلافة منك الآن فحمله على أن خرج بنفسه وجاء مسرعا والرضا ع بعد من كثرة زحام الناس عليه لم يخلص إلى المصلى.

فتقدم المأمون وصلى بالناس فلما انقضى ذلك قال هرثمة بن أعين وكان في خدمة المأمون إلا أنه كان محبا لأهل البيت إلى الغاية يأخذ نفسه بأنه من شيعتهم وكان قائما بمصالح الرضا ع باذلا نفسه بين يديه متقربا إلى الله تعالى بخدمته قال طلبني سيدي الرضا ع وقال يا هرثمة إني مطلعك على حالة تكون عندك سرا لا تظهرها وأنا حي فإن أظهرتها حال حياتي كنت خصمك عند الله تعالى فعاهدته أني لا أعلم بها أحدا ما لم تأمرني

__________________

(١) السرب : الطريق. يقال فلان آمن في سربه أي في نفسه ، وفلان واسع السرب اى رخى البال.

(٢) سيأتي تمام القصيدة في كلام المؤلّف (ره).

(٣) اهرع : اي اسرع. وانثال عليه الناس اي انصبوا عليه.

٢٦٥

فقال اعلم أنني بعد أيام آكل عنبا ورمانا مفتوتا فأموت ويقصد الخليفة بأن يجعل قبري ومدفني خلف قبر أبيه الرشيد وإن الله لا يقدره على ذلك فإن الأرض تشتد عليهم فلا يستطيع أحد حفر شيء منها فإنما قبري في بقعة كذا لموضع عينه فإذا أنا مت وجهزت فأعلمه بجميع ما قلت لك وقل له يتأن في الصلاة علي فإنه يأتي رجل عربي متلثم على بعير مسرع وعليه وعثاء السفر فينزل عن بعيره ويصلي علي فإذا صلى علي وخملت فاقصد المكان الذي عينته لك فاحفر شيئا يسيرا من وجه الأرض تجد قبرا معمولا في قعره ماء أبيض فإذا كشفته نضب الماء فهو مدفني فادفني فيه والله الله أن تخبر بهذا قبل موتي.

قال هرثمة فو الله ما طالت الإناءة حتى أكل عنبا ورمانا كثيرا فمات فدخلت إلى الخليفة فوجدته يبكي عليه فقلت له يا أمير المؤمنين عاهدني الرضا ع على أمر أقوله لك وقصصت عليه تلك القصة التي قالها من أولها إلى آخرها وهو يعجب مما أقوله فأمر بتجهيزه فلما نجز تأنى بالصلاة عليه وإذا بالرجل قد أقبل على بعير من الصحراء مسرعا فلم يكلم أحدا ثم دخل إلى جنازته فوقف وصلى عليه وخرج فصلى الناس عليه وأمر الخليفة بطلب الرجل ففاتهم فلم يعلموا له خبرا ثم أمر الخليفة أن يحفر له قبر خلف قبر أبيه الرشيد فعجز الحافرون عن الحفر فذهب إلى موضع ضريحه الآن فبقدر ما كشف وجه الأرض ظهر قبر محفور كشفت عنه طوابيقه وإذا في قعره ماء أبيض كما قال فأعلمت الخليفة المأمون به فحضر وأبصره على الصورة التي ذكرها ونضب الماء فدفن فيه ولم يزل الخليفة المأمون يعجب من قوله ولم يزل عنه كلمة واحدة عما ذكر وازداد تأسفه عليه وكلما خلوت في خدمته يقول يا هرثمة كيف قال لك أبو الحسن فأعيد عليه الحديث فيتلهف عليه.

__________________

(١) الوعثاء : المشقة والتعب.

(٢) نجز الشيء : تم.

(٣) طوابيق جمع طاباق : الآجر الكبير.

٢٦٦

فانظروا إلى هذه المنقبة العظيمة والكرامة البالغة التي تنطق بعناية الله تعالى به وإزلاف مكانته عنده.

وأما أولاده فكانوا ستة خمسة ذكور وبنت واحدة وأسماء أولاده محمد القانع الحسن جعفر ـ إبراهيم الحسن (١) وعائشة.

وأما عمره فإنه مات في سنة مائتين وثلاث وقيل مائتين وسنتين من الهجرة في خلافة المأمون وقد تقدم ذكر مولده في سنة ثلاث وخمسين ومائة فيكون عمره تسعا وأربعين سنة وقبره بطوس من خراسان بالمشهد المعروف به ع وكانت مدة بقائه مع أبيه موسى ع أربعا وعشرين سنة وأشهرا وبقائه بعد أبيه خمسا وعشرين سنة آخر كلامه.

قلت توهم الشيخ كمال الدين رحمه‌الله تعالى أنه إذا لم يذكر قصيدة دعبل بن علي ظن قوم فيه أنه لا يعرفها عجيب فإنه كان أعلى رتبة من أن يظن فيه مثل ذلك.

وقال الحافظ عبد العزيز بن الأخضر الجنابذي رحمه‌الله تعالى في كتابه أبو الحسن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ع الرضا مولده ثلاث وخمسين ومائة توفي في خلافة المأمون بطوس وقبره هناك ـ سنة مائتين وسنة أمه سكينة النوبية له من الولد خمسة رجال وابنة واحدة هم محمد الإمام وأبو محمد الحسن وجعفر وإبراهيم والحسين وعائشة ويقال ولد بالمدينة سنة ثمان وأربعين ومائة وقبض بطوس في صفر سنة ثلاث ومائتين وهو يومئذ ابن خمس وخمسين سنة وأمه أم ولد اسمها أم البنين وقبره بطوس.

روى عنه عبد السلام بن صالح الهروي وداود بن سليمان وعبد الله بن العباس القزويني وطبقتهم.

قال عبد الله بن محمد الجمال الرازي قال كنت أنا وعلي بن موسى بن بابويه

__________________

(١) وفي بعض النسخ «الحسين» مصغرا بدل «الحسن».

٢٦٧

القمي وفد أهل الري فلما بلغنا نيسابور قلت لعلي بن موسى القمي هل لك في زيارة قبر الرضا ع بطوس فقال خرجنا إلى هذا الملك ونخاف أن يتصل به عدو لنا إلى زيارة القبر ولكنا إذا انصرفنا فلما رجعنا قلت له هل لك في الزيارة فقال لا يتحدث أهل الري إني خرجت من عندهم مرجئا وأرجع إليهم رافضيا قلت فتنتظرني في مكانك قال أفعل وخرجت فأتيت القبر عند غروب الشمس وأزمعت المبيت على القبر (١) فسألت امرأة حضرت من بعض سدنة القبر هل من حذر بالليل قالت لا فاستدعيت منها سراجا وأمرتها بإغلاق الباب ونويت أن أختم القرآن على القبر فلما كان في بعض الليل سمعت قراءة فقدرت أنها قد أذنت لغيري فأتيت الباب فوجدته مغلقا وانطفا السراج فبقيت أسمع الصوت فوجدته من القبر وهو يقرأ سورة مريم يوم يحشر المتقون إلى الرحمن وفدا ويساق المجرمون إلى جهنم وردا وما كنت سمعت هذه القراءة فلما قدمنا الري بدأت بأبي القاسم العباس بن الفضل بن شاذان فسألته هل قرأ أحد بذلك فقال نعم النبي ص وأخرج لي قراءته ص فإذا هي كذلك.

روى داود بن سليمان القزويني عن علي بن موسى الرضا ع عن آبائه عن علي بن أبي طالب ع قال قال رسول الله ص ما كان ولا يكون إلى يوم القيامة مؤمن إلا وله جار يؤذيه.

وعن الرضا ع عن آبائه عن علي ع قال سمعت رسول الله ص يقول عدة المؤمن نذر لا كفارة [لها]. (٢)

وعنه بإسناده قال قال رسول الله ص الإيمان إقرار باللسان وعمل بالأركان ويقين بالقلب.

وبإسناده قال قال رسول الله ص مجالسة العلماء عبادة والنظر إلى علي عبادة والنظر إلى البيت عبادة والنظر إلى المصحف عبادة والنظر

__________________

(١) أزمع على الامر : ثبت عليه.

(٢) يعني المؤمن يفي بوعده كما في حديث آخر : المؤمن إذا وعد وفى.

٢٦٨

إلى الوالدين عبادة.

وبإسناده قال قال علي بن أبي طالب ع الحياء والدين مع العقل حيث كان.

قال الإمام علي بن موسى الرضا ع حدثني أبي موسى قال حدثني أبي جعفر قال حدثني أبي محمد قال حدثني أبي علي قال حدثني أبي الحسين قال حدثني أبي علي بن أبي طالب ع قال قال رسول الله ص تحشر ابنتي فاطمة يوم القيامة ومعها ثياب مصبوغة بدم فتتعلق بقائمة من قوائم العرش فتقول يا عدل يا حكيم احكم بيني وبين قاتل ولدي قال فقال رسول الله ص فيحكم لابنتي ورب الكعبة.

وبإسناده عن آبائه ع عن أمير المؤمنين ع قال قال رسول الله ص في قول الله عزوجل (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ) (١) قال يدعى كل قوم بإمام زمانهم وكتاب ربهم وسنة نبيهم.

وعن أبي الحسن [الحسين] كاتب الفرائض عن أبيه قال حضرنا مجلس الرضا ص فشكا إليه رجل أخاه فأنشأ الرضا ع يقول :

أعذر أخاك على ذنوبه

واستر وغط على عيوبه

واصبر على بهت السفيه

وللزمان على خطوبه

ودع الجواب تفضلا

وكل الظلوم إلى حسيبه

آخر كلام الجنابذي وقد حذفت منه أسماء الرجال الذين رووا عن الرضا ع واقتصرت عليه وعلى آبائه ع.

قال الشيخ المفيد رحمه‌الله باب ذكر الإمام القائم بعد أبي الحسن موسى ع وتاريخ مولده ودلائل إمامته ومبلغ سنه ومدة خلافته ووقت وفاته وسببها وموضع قبره وعدد أولاده ومختصر من أخباره.

وكان الإمام بعد أبي الحسن موسى ع ابنه ـ أبا الحسن علي بن موسى

__________________

(١) الإسراء : ٧١.

٢٦٩

الرضا ع لفضله على جماعة إخوته وأهل بيته وظهور علمه وحلمه وورعه واجتماع الخاصة والعامة على ذلك فيه ومعرفتهم به منه ولنص أبيه على إمامته من بعده وإشارته إليه بذلك دون جماعة إخوته وأهل بيته.

وكان مولده ع بالمدينة سنة ثمان وأربعين ومائة وقبض بطوس من أرض خراسان في صفر سنة ثلاث ومائتين وله يومئذ خمس وخمسون سنة وأمه أم ولد يقال لها أم البنين وكانت مدة إمامته وقيامه بعد أبيه في خلافته عشرين سنة.

(فصل) فممن روى النص على الرضا علي بن موسى ع بالإمامة عن أبيه والإشارة منه بذلك إليه من خاصته وثقاته وأهل الورع والعلم والفقه من شيعته داود بن كثير الرقي ومحمد بن إسحاق بن عمار وعلي بن يقطين ونعيم القابوسي والحسين بن المختار وزياد بن مروان والمخزومي وداود بن سليمان ونصر بن قابوس وداود بن زربي ويزيد بن سليط ومحمد بن سنان.

عن داود الرقي قال قلت لأبي إبراهيم موسى ع جعلت فداك إني قد كبرت سني فخذ بيدي وأنقذني من النار من صاحبنا بعدك قال فأشار إلى ابنه أبي الحسن علي ع فقال هذا صاحبكم من بعدي.

وعن أحمد بن محمد بن عبد الله عن الحسن بن أبي عمير عن محمد بن إسحاق بن عمار قال قلت لأبي الحسن الأول ع ألا تدلني على من آخذ عنه ديني فقال هذا ابني علي إن أبي أخذ بيدي فأدخلني إلى قبر رسول الله ص فقال يا بني إن الله جل اسمه قال (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) (١) وإن الله إذا قال قولا وفى به.

وعن علي بن يقطين قال كنت عند العبد الصالح ع فقال لي يا علي بن يقطين هذا علي سيد ولدي أما إني قد نحلته كنيتي فضرب هشام براحته (٢) جبهته ثم قال ويحك كيف قلت فقال علي بن يقطين سمعته والله منه كما قلت

__________________

(١) البقرة : ٣٠.

(٢) الراحة بمعنى الكف.

٢٧٠

فقال هشام إن الأمر فيه والله من بعده.

وعن نعيم القابوسي عن أبي الحسن موسى ع قال ابني علي أكبر ولدي وآثرهم عندي وأحبهم إلي وهو ينظر معي في الجفر (١) ولم ينظر فيه إلا نبي أو وصي نبي.

وعن الحسين بن المختار قال خرجت إلينا ألواح من أبي الحسن موسى ع وهو في الحبس عهدي إلى أكبر ولدي أن يفعل كذا ويفعل كذا وفلان لا تنله شيئا حتى ألقاك أو يقضى علي الموت.

وعن زياد بن مروان القندي قال دخلت على أبي إبراهيم وعنده أبو الحسن ابنه ع فقال لي يا زياد هذا ابني فلان كتابه كتابي وكلامه كلامي ورسوله رسولي وما قال فالقول قوله.

وعن المخزومي وكانت أمه من ولد جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه قال بعث إلينا أبو الحسن موسى ع فجمعنا ثم قال أتدرون لم جمعتكم فقلنا لا فقال اشهدوا بأن ابني هذا وصيي والقيم بأمري وخليفتي من بعدي من كان له عندي دين فليأخذه من ابني هذا ومن كانت له عندي عدة فلينتجزها منه ومن لم يكن له بد من لقائي فلا يلقني إلا بكتابه.

وعن داود بن سليمان قال قلت لأبي إبراهيم ع إني أخاف أن يحدث حدث ولا ألقاك فأخبرني من الإمام بعدك فقال ابني فلان يعني أبا الحسن ع.

وعن نصر بن قابوس قال قلت لأبي إبراهيم ع إنني سألت أباك من الذي يكون بعدك فأخبرني أنك أنت هو فلما توفي أبو عبد الله ع ذهب الناس يمينا وشمالا وقلت بك أنا وأصحابي فأخبرني من الذي يكون بعدك من ولدك قال ابني فلان يعني عليا.

وعن داود بن زربي قال جئت إلى أبي إبراهيم ع بمال فأخذ بعضه وترك بعضه فقلت أصلحك الله لأي شيء تركته عندي فقال إن صاحب هذا الأمر يطلبه

__________________

(١) قد مر الكلام في الجفر وتفسيره في ج ٢ : ٣٦٧ من هذه الطبعة فراجع.

٢٧١

منك فلما جاء نعيه بعث إلي أبو الحسن الرضا ع فسألني ذلك المال فدفعته إليه.

وعن يزيد بن سليط في حديث طويل عن أبي إبراهيم ع أنه قال في السنة التي قبض ع فيها إني أؤخذ في هذه السنة والأمر إلى ابني علي سمي علي وعلي فأما علي الأول فعلي بن أبي طالب وأما علي الآخر فعلي بن الحسين أعطي فهم الأول وحلمه ونصره ووده ودينه ومحنة الآخر وصبره على ما يكره في الحديث بطوله.

وعن ابن سنان قال دخلت على أبي الحسن موسى ع من قبل أن يقدم العراق بسنة وعلي ابنه جالس بين يديه فنظر إلي فقال يا محمد إنه سيكون في هذه السنة حركة فلا تجزع لذلك قال فقلت وما يكون جعلت فداك فقد أقلقتني قال أصير إلى هذا الطاغية أما إنه لا يبدأني منه سوء ومن الذي بعده قال قلت وما يكون جعلني الله فداك قال (يُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ ما يَشاءُ) قال قلت وما ذا جعلت فداك قال من ظلم ابني هذا حقه وجحده إمامته من بعدي كان كمن ظلم علي بن أبي طالب ع إمامته وجحده حقه بعد رسول الله ص قال قلت له والله لئن مد الله لي في العمر لأسلمن له حقه ولأقرن له بالإمامة قال صدقت يا محمد يمد الله في عمرك وتسلم له حقه وتقر له بإمامته وإمامة من يكون من بعده قال قلت ومن ذاك قال ابنه محمد قال قلت له الرضا والتسليم

باب ذكر طرف من دلائله وأخباره ع

عن هشام بن أحمر قال قال لي أبو الحسن الأول ع هل علمت أحدا من أهل المغرب قدم قلت لا قال بلى قد قدم رجل من أهل المغرب المدينة فانطلق بنا إليه فركب وركبت معه حتى انتهينا إلى الرجل فإذا رجل من أهل المغرب ومعه رقيق (١) فقلت له اعرض علينا فعرض علينا سبع جوار كل ذلك يقول أبو الحسن

__________________

(١) الرقيق : المملوك يطلق على الواحد والجمع والمذكر والمؤنث يقال عبد رقيق وعبيد رقيق وأمة رقيق ورقيقة والمراد هنا الأمة.

٢٧٢

لا حاجة لي فيها ثم قال اعرض علينا فقال ما عندي إلا جارية مريضة فقال ما عليك أن تعرضها فأبى عليه فانصرف ثم أرسلني من الغد فقال لي قل له كم كان غايتك فيها فإذا قال لك كذا وكذا فقل له قد أخذتها به فأتيته فقال ما أريد أن أنقصها من كذا وكذا فقلت قد أخذتها فقال هي لك ولكن أخبرني من الرجل الذي كان معك بالأمس قلت رجل من بني هاشم قال من أي بني هاشم فقلت ما عندي أكثر من هذا فقال أخبرك أني اشتريتها من أقصى المغرب فلقيتني امرأة من أهل الكتاب فقالت ما هذه الوصيفة معك قلت اشتريتها لنفسي فقالت ما ينبغي أن تكون هذه عند مثلك إن هذه الجارية ينبغي أن تكون عند خير أهل الأرض فلا تلبث عنده إلا قليلا حتى تلد له غلاما لم يولد بشرق الأرض ولا غربها مثله قال فأتيته بها فلم تلبث عنده إلا قليلا حتى ولدت له عليا ع.

قلت قد تقدم ذكر هذه القصة.

وعن صفوان بن يحيى قال لما مضى أبو إبراهيم ع وتكلم أبو الحسن الرضا ع خفنا عليه من ذلك فقيل له إنك قد أظهرت أمرا عظيما وإنا نخاف عليك هذا الطاغية (١) فقال ليجهد جهده فلا سبيل له علي.

وعن الغفاري قال كان لرجل من آل أبي رافع مولى رسول الله ص يقال له فلان له علي حق فتقاضاني وألح علي فلما رأيت ذلك صليت الصبح في مسجد رسول الله ص ثم توجهت نحو الرضا ع وهو يومئذ بالعريض (٢) فلما قربت من بابه وإذا هو قد طلع على حمار وعليه قميص ورداء فلما نظرت إليه استحييت منه فلما لحقني وقف ونظر إلي فسلمت عليه وكان شهر رمضان فقلت جعلت فداك إن لمولاك فلان علي حقا وقد والله شهرني (٣) وأنا أظن في نفسي أنه يأمره بالكف عني وو الله ما قلت له كم له علي ولا سميت له شيئا

__________________

(١) يعني الرشيد : هارون.

(٢) عريض ـ كزبير ـ مصغرا : واد بالمدينة فيها أموال لأهلها.

(٣) أي فضحنى.

٢٧٣

فأمرني بالجلوس إلى رجوعه فلم أزل حتى صليت المغرب وأنا صائم فضاق صدري وأردت أن أنصرف.

فإذا هو قد طلع علي وحوله الناس وقد قعد له السؤال وهو يتصدق عليهم فمضى فدخل بيته ثم خرج ودعاني فقمت إليه ودخلت معه فجلس وجلست فجعلت أحدثه عن ابن المسيب وكان كثيرا ما أحدثه عنه فلما فرغت قال ما أظنك أفطرت بعد قلت لا فدعا لي بطعام فوضع بين يدي وأمر الغلام أن يأكل معي فأصبت والغلام من الطعام فلما فرغنا قال ارفع الوسادة وخذ ما تحتها فرفعتها فإذا هي دنانير فأخذتها ووضعتها في كمي وأمر أربعة من عبيده أن يكونوا معي حتى يبلغوني منزلي فقلت جعلت فداك إن طائف ابن (١) المسيب يقعد وأكره أن يلقاني ومعي عبيدك فقال لي أصبت أصاب الله بك الرشاد وأمرهم أن ينصرفوا إذا رددتهم فلما قربت من منزلي وآنست رددتهم وسرت إلى منزلي ودعوت السراج ونظرت إلى الدنانير وإذا هي ثمانية وأربعون دينارا وكان فيها دينار يلوح فأعجبني فأخذته وقربته من السراج فإذا عليه نقش واضح حق الرجل ثمانية وعشرون دينارا وما بقي فهو لك ولا والله ما كنت عرفت ما له علي بالتحديد.

وعن علي بن إبراهيم عن أبيه عن بعض أصحابه عن أبي الحسن الرضا ع أنه خرج من المدينة في السنة التي حج فيها هارون يريد الحج فانتهى إلى جبل عن يسار الطريق يقال له فارع فنظر إليه أبو الحسن ع ثم قال يا فارع وهادمه يقطع إربا إربا فلم ندر ما معنى ذلك فلما بلغ هارون ذلك الموضع نزله وصعد جعفر بن يحيى الجبل وأمر أن يبنى له فيه مجلس فلما رجع من مكة صعد إليه فأمر بهدمه فلما انصرف إلى العراق قطع جعفر بن يحيى إربا إربا.

وعن إبراهيم بن موسى قال ألححت على أبي الحسن الرضا ع في شيء طلبته فكان يعدني فخرج ذات يوم يستقبل والي المدينة وكنت معه فجاء إلى قرب قصر فلان فنزل عنده تحت شجرات ونزلت معه وليس معنا ثالث فقلت جعلت فداك هذا

__________________

(١) الطائف : العسس.

٢٧٤

العيد قد أظلنا ولا والله ما أملك درهما فما سواه فحك بسوطه الأرض حكا شديدا ثم ضرب بيده فتناول منه سبيكة ذهب ثم قال استنفع بها واكتم ما رأيت.

وعن مسافر قال كنت مع أبي الحسن الرضا ع بمنى فمر يحيى بن خالد فغطى وجهه من الغبار فقال الرضا ع مساكين لا يدرون ما يحل بهم في هذه السنة ثم قال وأعجب من هذا هارون وأنا كهاتين وضم إصبعيه قال مسافر فو الله ما عرفت معنى حديثه حتى دفناه معه

فصل وكان المأمون قد أنفذ إلى جماعة من آل أبي طالب ـ يحملهم إليه من المدينة وفيهم الرضا علي بن موسى ع فأخذ بهم على طريق البصرة حتى جاءوه بهم وكان المتولي لإشخاصهم المعروف بالجلودي فقدم بهم على المأمون فأنزلهم دارا وأنزل الرضا علي بن موسى ع دارا وأكرمه وعظم أمره ثم أنفذ إليه أني أريد أن أخلع نفسي من الخلافة وأقلدك إياها فما رأيك فأنكر الرضا ع هذا الأمر وقال أعيذك بالله يا أمير المؤمنين من هذا الكلام وأن يسمع به أحد فرد عليه الرسالة فإذا أبيت ما عرضت عليك فلا بد من ولاية العهد من بعدي فأبى عليه الرضا ع إباء شديدا فاستدعاه وخلا به ومعه الفضل بن سهل ذو الرئاستين ليس في المجلس غيرهم وقال له إني قد رأيت أن أقلدك أمر المسلمين وأفسخ ما في رقبتي وأضعه في رقبتك فقال له الرضا ع الله الله يا أمير المؤمنين إنه لا طاقة لي بذلك ولا قوة لي عليه فقال له فإني موليك العهد من بعدي فقال له اعفني يا أمير المؤمنين من ذلك فقال له المأمون كلاما فيه كالتهدد له على الامتناع عليه.

وقال في كلامه إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه جعل الشورى في ستة أحدهم جدك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع وشرط فيمن خالف منهم أن تضرب عنقه ولا بد من قبولك ما أريده منك فإني لا أجد محيصا عنه فقال له الرضا ع فإني أجيبك إلى ما تريد من ولاية العهد على أنني لا آمر ولا أنهى ولا أفتي ولا أقضي ولا أولي ولا أعزل ولا أغير شيئا مما هو قائم فأجابه المأمون إلى

٢٧٥

ذلك كله.

أخبرني الشريف أبو محمد قال حدثنا جدي قال موسى بن سلمة قال كنت بخراسان مع محمد بن جعفر فسمعت أن ذا الرئاستين خرج ذات يوم وهو يقول وا عجباه وقد رأيت عجبا سلوني ما رأيت فقالوا ما رأيت أصلحك الله قال رأيت المأمون أمير المؤمنين يقول لعلي بن موسى قد رأيت أن أقلدك أمور المسلمين وافسخ ما في رقبتي وأجعله في رقبتك ورأيت علي بن موسى الرضا يقول يا أمير المؤمنين لا طاقة لي بذلك ولا قوة فما رأيت خلافة قط أضيع منها إن أمير المؤمنين يتفصى منها ويعرضها على علي بن موسى وعلي بن موسى يرفضها ويأبى.

وذكر جماعة من أصحاب السيرة ورواة الأخبار من أيام الخلفاء أن المأمون لما أراد العقد للرضا ع وحدث نفسه بذلك أحضر الفضل بن سهل فأعلمه بما عزم عليه وأمره بمشاورة أخيه الحسن واجتمعا في حضرته وجعل الحسن يعظم ذلك عليه ويعرفه ما في إخراج الأمر من أهله عليه فقال المأمون إني عاهدت الله أني إن ظفرت بالمخلوع سلمت الخلافة إلى أفضل بني طالب وهو أفضلهم فلما رأيا عزيمته أمسكا عن معارضته فأرسلهما إلى الرضا فعرضا ذلك عليه فامتنع ولم يزالا به حتى أجاب فرجعا إلى المأمون فعرفاه فسر وجلس للخاصة يوم خميس وخرج الفضل فأعلم الناس برأي المأمون في الرضا وأنه ولاه عهده وسماه الرضا وأمرهم بلبس الخضر والعود لبيعته في الخميس الآخر على أن يأخذوا رزق سنة.

فلما كان ذلك اليوم ركب الولاة على طبقاتهم وجلس المأمون ووضع للرضا وسادتين عظيمتين فجلس الرضا ع في الخضرة وعليه عمامة وسيف ثم أمر ابنه العباس بن المأمون أن يبايع أول الناس فرفع الرضا يده فتلقى بظهرها

__________________

(١) يعني بالمخلوع أخاه محمّد الأمين.

(٢) كان شعار بني العباس قبل هذا اليوم الاعلام السود وكذلك كانت البستهم سوداء ومن ذلك اليوم بدلوها بالخضراء.

٢٧٦

وجه نفسه وببطنها وجوههم فقال له المأمون ابسط يدك للبيعة فقال الرضا إن رسول الله ص هكذا كان يبايع وبايعه الناس ويده فوق أيديهم ووضعت البدر (١) وقام الخطباء والشعراء وذكروا ما كان من المأمون في أمره وذكروا فضل الرضا ثم دعا أبو عباد بالعباس بن المأمون فوثب وقبل يد أبيه ثم نودي محمد بن جعفر بن محمد فدنا من المأمون ولم يقبل يده فأمر بأخذ جائزته فناداه المأمون ارجع أبا جعفر إلى مجلسك فرجع ثم دعا أبو عباد بالعلويين والعباسيين فقبضوا جوائزهم حتى نفدت الأموال ..

ثم قال المأمون للرضا ع اخطب الناس وتكلم فحمد الله وأثنى عليه وقال إن لنا عليكم حقا برسول الله ولكم علينا حق به فإذا أديتم إلينا ذلك وجب علينا الحكم لكم ولم يذكر عنه غير هذا في هذا المجلس وأمر المأمون فضربت الدراهم باسمه وزوج إسحاق بن موسى بن جعفر بنت عمه إسحاق بن جعفر بن محمد وأمره فحج بالناس وخطب للرضا في كل بلد بولاية العهد وخطب عبد الجبار بن سعيد في تلك السنة على منبر رسول الله ص بالمدينة فقال في الدعاء له ولي عهد المسلمين علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي ع.

ستة آباء هم ما هم

أفضل من يشرب صوب الغمام

وذكر المدائني عن رجاله قال لما جلس الرضا في الخلع وقام الشعراء والخطباء وخفقت الألوية على رأسه قال بعض خواصه فنظر إلي وعندي فرح فأشار إلي فدنوت منه فقال لي سرا لا تشتغل قلبك بهذا الأمر ولا تستبشر به فإنه لا يتم.

وكان فيمن ورد عليه من الشعراء دعبل فقال إني قد قلت قصيدة وآليت أن لا يسمعها أحد قبلك فأمرني بالجلوس حتى خف الناس فأنشدته مدارس آيات ...

__________________

(١) جمع البدرة.

٢٧٧

حتى أتى إلى آخرها (١) فلما فرغ أمر له بستمائة دينار وقال استعن بها على سفرك فطلب شيئا من ثيابه فأعطاه جبة فخرج حتى وصل قم فأعطوه بالجبة ألف دينار فأبى أن يبيعها وقال لا والله ولا خرقة منها بألف دينار فاخرجوا من قطع عليه الطريق فأخذوها فرجع إلى قم وكلمهم فيها فقالوا ليس إليها سبيل وأعطوه ألف دينار وخرقة منها.

قلت هذه غير الرواية الأولى وتلك نرويها بأخبرنا وحدثنا.

وروى عن ياسر الخادم والريان بن الصلت أن المأمون لما عقد للرضا ع بولاية العهد أمره بالركوب إلى صلاة العيد فامتنع وقال قد علمت بما كان بيني وبينك من الشروط في دخول الأمر فاعفني من الصلاة فقال المأمون إنما أريد بذلك أن يعرفك الناس ويشتهر فضلك وترددت الرسل بينهم فلما ألح المأمون عليه قال إن أعفيتني كان أحب إلي وإن أبيت فإني أخرج كما كان يخرج النبي ص وعلي ع فقال المأمون اخرج كيف شئت وأمر القواد والجند والناس يبكروا بالركوب (٢) إلى باب الرضا ع.

فقعد الناس لأبي الحسن ع في الطرقات والسطوح واجتمع النساء والصبيان ينتظرون خروجه وصار القواد والجند إلى بابه فوقفوا على دوابهم حتى طلعت الشمس فاغتسل ولبس ثيابه وتعمم بعمامة قطن بيضاء وألقى طرفا منها على صدره وطرفا بين كتفيه ومس طيبا وأخذ عكازا (٣) وقال لمواليه افعلوا كما فعلت فخرجوا بين يديه وهو حاف وقد شمر سراويله إلى نصف الساق وعليه ثياب مشمرة فمشى قليلا ورفع رأسه إلى السماء وكبر وكبر مواليه معه ثم مشى حتى وقف على الباب.

فلما رآه القواد والجند على تلك الصورة سقطوا إلى الأرض وكان أحسنهم

__________________

(١) وسيأتي تمامها في الكتاب.

(٢) أي يسرعوا.

(٣) العكاز : العصا ذات زج في أسفلها يتوكأ عليها الرجل.

٢٧٨

حالا من كان معه سكين قطع بها شرابة جاجيلته (١) ونزعها وتحفى وكبر الرضا ع وكبر الناس معه فخيل إلينا أن السماء والحيطان تجاوبه وتزعزعت مرو بالبكاء والضجيج لما رأوا وسمعوا تكبيره وبلغ المأمون ذلك فقال له الفضل إن بلغ الرضا المصلى على هذا السبيل افتتن به الناس وخفنا على دمائنا فبعث إليه المأمون قد كلفناك شططا وأتعبناك ولا نحب أن تلحقك مشقة فارجع وليصل بالناس من كان يصلي بهم فدعا بخفه فلبسه وركب ورجع واختلف الناس في ذلك اليوم ولم ينتظم أمر صلاتهم.

وعن ياسر قال لما عزم المأمون على الخروج من خراسان إلى العراق خرج معه الفضل وخرجنا مع الرضا ع فورد على الفضل كتاب من أخيه الحسن ونحن في بعض المنازل أني نظرت في تحويل السنة فوجدت فيه أنك تذوق في شهر كذا وكذا يوم الأربعاء حر الحديد وحر النار وأرى أن تدخل أنت وأمير المؤمنين والرضا ع في ذلك اليوم الحمام وتحتجم فيه وتصب على بدنك الدم ليزول عنك نحسه فكتب الفضل إلى المأمون بذلك وسأله أن يسأل الرضا ع ذلك فكتب المأمون إلى الرضا ع فأجابه لست داخلا الحمام غدا فأعاد إليه الرقعة مرتين فكتب الرضا ع لست داخلا الحمام غدا فإني رأيت رسول الله ص في هذه الليلة فقال لي يا علي لا تدخل الحمام غدا فلا أرى لك يا أمير المؤمنين ولا للفضل أن تدخلا الحمام غدا فكتب المأمون صدقت يا أبا الحسن وصدق رسول الله ص ولست بداخل الحمام غدا والفضل أعلم. (٢)

قال ياسر فلما أمسانا وغابت الشمس قال لنا الرضا ع قولوا نعوذ بالله من شر ما ينزل في هذه الليلة فلم نزل نقول ذلك فلما صلى الصبح قال لي اصعد إلى السطح فاستمع فلما صعدت سمعت ضجة وكثرت وزادت وإذا المأمون قد

__________________

(١) الجاجيلة : نوع من النعل تتخذ من الجلد خاصّة. والشرابة ما يقال له بالفارسية «بند».

(٢) أي هو أعلم بنفسه فله ما أراد.

٢٧٩

دخل من الباب الذي كان من داره إلى دار الرضا ع فقال يا سيدي يا أبا الحسن آجرك الله في الفضل فإنه دخل الحمام ودخل عليه قوم فقتلوه وأخذ منهم ثلاثة أحدهم ابن خاله واجتمع الجند والقواد ومن كان من رجال الفضل على باب المأمون فقالوا هو اغتاله وشغبوا (١) وطلبوا بدمه وجاءوا بالنيران ليحرقوا الباب فقال المأمون لأبي الحسن ع يا سيدي ترى أن تخرج إليهم وترفق بهم حتى يتفرقوا قال نعم وركب أبو الحسن ع وقال لي يا ياسر اركب فركبت فلما خرجنا من باب الدار نظر إلى الناس وقد ازدحموا عليه فقال لهم بيده تفرقوا فقال ياسر فأقبل والله بعضهم يقع على بعض وما أشار إلى أحد إلا ركض ومشى على وجهه.

وعن مسافر قال لما أراد هارون بن المسيب أن يواقع (٢) محمد بن جعفر قال لي الرضا اذهب إليه وقل له لا تخرج غدا فإنك إن خرجت غدا هزمت وقتل أصحابك فإن قال لك من أين علمت فقل له رأيت في النوم فقال نام العبد ولم يغسل استه ثم خرج فانهزم وقتل أصحابه.

هذه القصص اختصرت ألفاظها اختصارا لا يخل بمعناها فلا تظنن أني تركتها ناسيا

باب ذكر وفاة الرضا علي بن موسى ع وسببها وطرف من الأخبار في ذلك

وكان الرضا ع يكثر وعظ المأمون إذا خلا به ويخوفه بالله وتقبح له ما يرتكبه من خلافه وكان المأمون يظهر قبول ذلك ويبطن كراهته واستثقاله ودخل الرضا ع يوما وهو يتوضأ للصلاة والغلام يصب على يده الماء فقال لا تشرك يا أمير المؤمنين بعبادة ربك أحدا فصرف المأمون الغلام وتولى

__________________

(١) شغبهم : هيج الشر عليهم. وفي المصدر «وشنعوا عليه».

(٢) أي يحاربه.

٢٨٠