كشف الغمّة في معرفة الأئمّة - ج ٢

أبي الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح الاربلي

كشف الغمّة في معرفة الأئمّة - ج ٢

المؤلف:

أبي الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح الاربلي


المحقق: السيد هاشم الرسولي المحلاتي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة بني هاشمي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٦٠
الجزء ١ الجزء ٢

ففرق الصادق تلك الدنانير على أولاد الحسن والحسين وانصرف الرجل فلما وصل إلى منزله اعتل علة الموت فلما حضرته الوفاة جمع أهل بيته وحلفهم أن يجعلوا الصك معه في قبره ففعلوا ذلك فلما أصبحوا وغدوا إلى قبره وجدوا الصك على ظهر القبر وعلى ظهره وفى لي ولي الله جعفر بن محمد بما وعدني.

ومنها أن حماد بن عيسى سأل الصادق أن يدعو له ليرزقه الله ما يحج به كثيرا ويرزقه ضياعا حسنة ودارا حسنة وزوجة حسنة من أهل البيوتات وأولادا أبرارا فقال ع اللهم ارزق حماد بن عيسى ما يحج به خمسين حجة وارزقه ضياعا حسنة ودارا حسناء وزوجة صالحة من قوم كرام وأولادا أبرارا قال بعض من حضره دخلت بعض السنين على حماد بن عيسى في داره بالبصرة فقال أتذكر دعاء الصادق لي قلت نعم قال هذا داري وليس في البلد مثلها وضياعي أحسن الضياع وزوجتي أخذتها من قوم كرام وأولادي من تعرفهم وقد حججت ثمانيا وأربعين حجة قال فحج حجتين بعد ذلك فلما خرج في الحجة الحادية والخمسين ووصل إلى الجحفة وأراد أن يحرم دخل واديا ليغتسل فأخذه السيل ومر به فتبعه غلمانه فأخرجوه من الماء ميتا فسمي حماد غريق الجحفة هذا آخر ما أردت نقله من كتاب الراوندي.

قال الشيخ جمال الدين أبو الفرج بن الجوزي رحمه‌الله في كتابه صفة الصفوة ـ جعفر بن محمد بن علي بن الحسين يكنى أبا عبد الله أمه أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهم وكان مشغولا بالعبادة عن حب الرئاسة. " وعن عمرو بن أبي المقدام قال كنت إذا نظرت إلى جعفر بن محمد علمت أنه من سلالة النبيين.

وروى حديث سفيان الثوري حين قال له إذا أنعم الله عليك بنعمة فأحببت بقاءها ودوامها فأكثر من الحمد والشكر إلى آخره وقد تقدم.

وعن سفيان أيضا وقد قال له أنت رجل يطلبك السلطان إلى آخره وقد تقدم.

وعنه لا يتم المعروف إلا بثلاثة بتعجيله وتصغيره وستره.

٢٠١

وعن الهياج بن بسطام قال كان جعفر بن محمد يطعم حتى لا يبقى لعياله شيء وسئل لم حرم الله الربا قال لئلا يتمانع الناس بالمعروف.

وروى وصيته لابنه موسى ع وكل هذه أوردتها فيما مضى من الأخبار وإنما أعيدها في بعض الأوقات ليعلم من ينكرها أو يشك فيها أنها قد وردت من طرق متعددة وروى حديث المنصور والذباب.

وعن الحسن بن سعيد اللخمي عن جعفر بن محمد قال من لم يغضب من الجفوة لم يشكر النعمة.

وقال ع أصل الرجل عقله وحسبه دينه وكرمه تقواه والناس في آدم مستوون.

وروى حديث سفيان وقول الصادق ع له عزت السلامة حتى لقد خفي مطلبها إلى آخره وما أحسن قوله ع في آخر الحديث والسعيد من وجد في نفسه خلوة يشتغل بها

وروى حديث المنصور حين أمر الربيع بإحضاره ع متعبا.

وروى حديث الليث بن سعد والعنب والبردين وقد تقدم ذكره.

قال أسند جعفر بن محمد عن أبيه وعن عطاء بن أبي رباح وعكرمة في آخرين.

وروى عنه من التابعين جماعة منهم أيوب السختياني ومن الأئمة مالك والثوري وشعبة في آخرين وتوفي بالمدينة سنة ثمان وأربعين ومائة.

وقال الآبي سئل جعفر بن محمد ع لم صار الناس يكلبون في أيام الغلاء على الطعام ويزيد جوعهم على العادة في الرخص قال لأنهم بنو الأرض فإذا قحطت قحطوا وإذا أخصبت أخصبوا.

وشكا إليه رجل جاره فقال اصبر عليه فقال ينسبني الناس إلى الذل فقال إنما الذليل من ظلم.

وقال أربعة أشياء القليل منها كثير النار والعداوة والفقر والمرض.

٢٠٢

وقال وقد سئل لم سمى البيت العتيق فقال لأن الله أعتقه من الطوفان.

وقال له أبو جعفر المنصور إني قد عزمت على أن أخرب المدينة ولا أدع بها نافخ ضرمة (١) فقال يا أمير المؤمنين لا أجد بدا من النصاحة لك فاقبلها إن شئت أو لا قال قل قال إنه قد مضى لك ثلاثة أسلاف أيوب ابتلي فصبر وسليمان أعطي فشكر ويوسف قدر فغفر فاقتد بأيهم شئت قال قد عفوت.

قلت قد تقدم هذا بغير ذكر المدينة.

وقال ع وقد قيل بحضرته جاور ملكا أو بحرا فقال هذا كلام محال والصواب لا تجاور ملكا ولا بحرا لأن الملك يؤذيك والبحر لا يرويك.

وسئل عن فضيلة لأمير المؤمنين ع لم يشركه فيها غيره قال فضل الأقربين بالسبق وسبق الأبعدين بالقرابة.

وعنه ع قال (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ـ) تيجان العرب وقال صحبة عشرين يوما قرابة.

وقف أهل مكة وأهل المدينة بباب المنصور فأذن الربيع لأهل مكة قبل أهل المدينة فقال جعفر ع أتأذن لأهل مكة قبل أهل المدينة فقال الربيع مكة العش فقال جعفر عش والله طار خياره وبقي شراره.

وقيل له إن أبا جعفر المنصور لا يلبس منذ صارت الخلافة إليه إلا الخشن ولا يأكل إلا الجشب (٢) فقال يا ويحه مع ما قد مكن الله له من السلطان وجبى إليه من الأموال فقيل له إنما يفعل ذلك بخلا وجمعا للأموال فقال الحمد لله الذي حرمه من دنياه ما له ترك دينه ولما قال الحكم بن عباس الكلبي.

صلبنا لكم زيدا على جذع نخلة

ولم أر مهديا على الجذع يصلب

وقستم بعثمان عليا سفاهة

وعثمان خير من علي وأطيب

فبلغ قوله أبا عبد الله فرفع يديه إلى السماء وهما ترعشان فقال اللهم إن

__________________

(١) الضرمة : النار. اى لا أدع بها أحدا.

(٢) حشب الطعام : غلظ.

٢٠٣

كان عبدك كاذبا فسلط عليه كلبك فبعثه بنو أمية إلى الكوفة فافترسه الأسد واتصل خبره بالصادق ع فخر ساجدا وقال الحمد لله الذي أنجزنا ما وعدنا

قلت هذا الحكم أبعده الله جار في حكمه ونادى على نفسه بكذبه وظلمه والأمر بخلاف ما قال على رغمه وبيان ذلك أن زيدا رضي الله عنه لم يكن مهديا ولو كان لم يكن ذلك مانعا من صلبه فإن الأنبياء ع قد نيل منهم أمور عظيمة وكفى أمر يحيى وزكريا ع وفي قتلات جرجيس ع المتعددة كفاية وقتل الأنبياء والأوصياء وصلبهم وإحراقهم إنما يكون طعنا فيهم لو كان من قبل الله تعالى فأما إذا كان من الناس فلا بأس فالنبي ص شج جبينه وكسرت رباعيته ومات بأكلة خيبر مسموما فليكن ذلك قدحا في نبوته ع وأما قوله وقستم بعثمان عليا فهذا كذب بحت وزور صريح فإنا لم نقسه به ساعة قط وأما قوله وعثمان خير من علي وأطيب فإنا لا نزاحمه في اعتقاده ويكفيه ذلك ذخيرة لمعاده فهو أدري بما اختاره من مذهبه وقد جنى معجلا ثمرة كذبه والله يتولى مجازاته يوم منقلبه.

فدام لي ولهم ما بي وما بهم

ومات أكثرنا غيظا بما يجد

وإذا كان القتل والصلب وأمثالهما عنده موجبا للنقيصة وقادحا في الإمامة فكيف اختار عثمان وقال بإمامته وقد كان من قتله ما كان وبالله المستعان على أمثال هذه الهذيان فقد ظهر لك أيدك الله ميل الحكم وبعده من الرشد حين حكم وتعديه الحق في النظم الذي نظم فليته كالصغاني حين وصل إلى بكم.

وقال لأبي ولاد الكاهلي أرأيت عمي زيدا قال نعم رأيته مصلوبا ورأيت الناس بين شامت خنق وبين محزون محترق فقال أما الباكي فمعه في الجنة وأما الشامت فشريك في دمه.

وقال إذا أقبلت الدنيا على امرئ أعطته محاسن غيره وإذا أعرضت عنه سلبته محاسن نفسه.

٢٠٤

ومر به رجل وهو يتغدى فلم يسلم فدعاه إلى الطعام فقيل له السنة أن يسلم ثم يدعى وقد ترك السلام على عمد فقال هذا فقه عراقي فيه بخل.

وقال القرآن ظاهره أنيق وباطنه عميق.

وقال من أنصف من نفسه رضي حكما لغيره.

وقال أكرموا الخبز فإن الله أنزل له كرامة قيل له وما كرامته قال أن لا يقطع ولا يوطأ وإذا حضر لم ينتظر به سواه.

وقال حفظ الرجل أخاه بعد وفاته في تركته كرم.

وقال ما من شيء أسر إلي من يد أتبعتها الأخرى لأن منع الأواخر يقطع لسان شكر الأوائل.

وقال ع إني لأملق (١) أحيانا فأتاجر الله بالصدقة.

وقال لا يزال العز قلقا حتى يأتي دارا قد استشعر أهلها اليأس مما في أيدي الناس فيوطنها.

وقال إذا دخلت على أخيك منزله فاقبل الكرامة كلها ما خلا الجلوس في الصدر.

وقال كفارة عمل السلطان الإحسان إلى الإخوان.

واشتكى مرة فقال اللهم اجعله أدبا لا غضبا.

وقال ع البنات حسنات والبنون نعم والحسنات يثاب عليها والنعم مسئول عنها.

وقال إياك وسقطة الاسترسال فإنها لا تستقال.

وقيل له ما طعم الماء فقال طعم الحياة.

وقال ع من لم يستحي من العيب ويرعوي (٢) عند الشيب ويخشى الله بظهر الغيب فلا خير فيه.

__________________

(١) أملق الرجل : انفق ماله حتّى افتقر.

(٢) ارعوى عن الجهل : كف عنه.

٢٠٥

وقال إن خير العباد من يجتمع فيه خمس خصال إذا حسن استبشر وإذا أساء استغفر وإذا أعطي شكر وإذا ابتلي صبر وإذا ظلم غفر.

وقال وإياكم وملاحاة الشعراء فإنهم يضنون بالمدح (١) ويجودون بالهجاء. وقال إني لأسارع إلى حاجة عدوى خوفا أن أرده فيستغني عني.

وكان يقول اللهم إنك بما أنت له أهل من العفو أولى مني بما أنا له أهل من العقوبة.

وقال من أكرمك فأكرمه ومن استخف بك فأكرم نفسك عنه.

وأتاه أعرابي وقيل بل أتى أباه الباقر ع فقال أرأيت الله حين عبدته فقال ما كنت لأعبد شيئا لم أره قال كيف رأيته قال لم تره الأبصار بمشاهدة العيان ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان لا يدرك بالحواس ولا يقاس بالناس معروف بالآيات منعوت بالعلامات (هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) فقال الأعرابي الله أعلم حيث يجعل رسالاته.

وقال يهلك الله ستا بست الأمراء بالجور والعرب بالعصبية والدهاقين بالكبر والتجار بالخيانة وأهل الرستاق بالجهل والفقهاء بالحسد.

وقال منع الجود سوء الظن بالمعبود.

وقال صلة الأرحام منسأة في الأعمار وحسن الجوار عمارة للديار وصدقة السر مثراة للمال

وقال له أبو جعفر يا با عبد الله ألا تعذرني من عبد الله بن حسن وولده يبثون الدعاة ويريدون الفتنة قال قد عرفت الأمر بيني وبينهم فإن أقنعتك مني آية من كتاب الله تلوتها عليك قال هات قال (لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ) قال كفاني وقبل بين عينيه.

وقال لرجل أحدث سفرا يحدث الله لك رزقا وألزم ما عودت منه الخير

__________________

(١) لاحاه : نازعه. وضن بالشيء : بخل به.

(٢) الحشر : ١٢.

٢٠٦

وقال دعا الله الناس في الدنيا بآبائهم ليتعارفوا وفي الآخرة بأعمالهم ليجازوا فقال (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا يا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا) وقال من أيقظ فتنة فهو أكلها.

وقال إن عيال المرء أسراؤه فمن أنعم الله عليه نعمة فليوسع على أسرائه فإن لم يفعل أوشك أن تزول تلك النعمة.

وكان يقول السريرة إذا صلحت قويت العلانية.

وقال ما يصنع العبد أن يظهر حسنا ويسر شيئا أليس يرجع إلى نفسه فيعلم أن ليس كذلك والله عزوجل يقول (بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ). (١)

وقال له أبو حنيفة يا با عبد الله ما أصبرك على الصلاة فقال ويحك يا نعمان أما علمت أن الصلاة قربان كل تقي وأن الحج جهاد كل ضعيف ولكل شيء زكاة وزكاة البدن الصيام وأفضل الأعمال انتظار الفرج من الله والداعي بلا عمل كالرامي بلا وتر فاحفظ هذه الكلمات يا نعمان استنزلوا الرزق بالصدقة وحصنوا المال بالزكاة وما عال امرؤ اقتصد والتقدير نصف العيش والتودد نصف العقل والهم نصف الهرم وقلة العيال أحد اليسارين ومن أحزن والديه فقد عقهما ومن ضرب يده على فخذه عند المصيبة فقد حبط أجره والصنيعة لا تكون صنيعة إلا عند ذي حسب أو دين والله ينزل الرزق على قدر المئونة وينزل الصبر على قدر المصيبة ومن أيقن بالخلف جاد بالعطية ولو أراد الله بالنملة خيرا لما أنبت لها جناحا.

زاد ابن حمدون في روايته ومن قدر معيشته رزقه الله ومن بذر معيشته حرمه الله ولم يورد ولو أراد الله بالنملة خيرا : وقد تقدم عن الأصمعي نحوا من هذه الألفاظ.

وقيل له ع ما بلغ بك من حبك ابنك موسى قال وددت أن ليس لي ولد غيره حتى لا يشركه في حبي له أحد.

وقال ثلاثة أقسم بالله أنها الحق ما نقص مال من صدقة ولا زكاة ولا ظلم أحد بظلامة فقدر أن يكافئ بها فكظمها إلا أبدله الله مكانها عزا ولا فتح عبد على نفسه

__________________

(١) القيامة : ١٤.

٢٠٧

باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر.

وقال ثلاثة لا يزيد الله بها المرء المسلم إلا عزا الصفح عمن ظلمه والإعطاء لمن حرمه والصلة لمن قطعه.

وقال من اليقين أن لا ترضى الناس بما يسخط الله ولا تذمهم على ما لم يؤتك الله ولا تحمدهم على رزق الله فإن الرزق لا يسوقه حرص حريص ولا يصرفه كره كاره ولو أن أحدكم فر من رزقه كما يفر من الموت لأدركه الرزق كما يدركه الموت.

وقال مروءة الرجل في نفسه نسب لعقبه وقبيلته.

وقال من صدق لسانه زكى عمله ومن حسنت نيته زيد في رزقه ومن حسن بره في أهل بيته زيد في عمره.

وقال خذ من حسن الظن بطرف تروح به قلبك ويرخ به أمرك.

وقال المؤمن إذا غضب لم يخرجه غضبه من حق وإذا رضي لم يدخله رضاه في باطل والذي إذا قدر لم يأخذ أكثر مما له.

ومن تذكرة ابن حمدون قال الصادق ع تأخير التوبة اغترار وطول التسويف حيرة والاعتلال على الله عزوجل هلكة والإصرار أمن ولا يأمن (مَكْرَ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ).

وقال وما كل من أراد شيئا قدر عليه ولا كل من قدر على شيء وفق له ولا كل من وفق له أصاب له موضعا فإذا اجتمع النية والقدرة والتوفيق والإصابة فهناك تجب السعادة.

وقال صلة الرحم تهون الحساب يوم القيامة قال الله تعالى (وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ). (١)

وقال ابن حمدون كتب المنصور إلى جعفر بن محمد لم لا تغشانا كما يغشانا سائر الناس فأجابه ليس لنا ما نخافك من أجله ولا عندك من أمر الآخرة ما نرجوك له ولا أنت في نعمة فنهنيك ولا تراها نقمة فنعزيك بها فما نصنع عندك قال فكتب إليه

__________________

(١) الرعد : ٢١.

٢٠٨

تصحبنا لتنصحنا فأجابه ع من أراد الدنيا لا ينصحك ومن أراد الآخرة لا يصحبك فقال المنصور والله لقد ميز عندي منازل الناس من يريد الدنيا ممن يريد الآخرة وأنه ممن يريد الآخرة لا الدنيا

قال أفقر عباد الله تعالى إلى رحمته عبد الله علي بن عيسى عفا الله عنه :

مناقب الصادق ع فاضلة وصفاته في الشرف كاملة ومننه لأوليائه شاملة وبأغراضهم الأخروية كافلة وغرر شرفه وفضله على جبهات الأيام سائلة والجنة لمواليه ومحبيه حاصلة وأندية المجد والعز بمفاخره ومآثره آهلة صاحب الإمرة والزعامة مركز دائرة الرسالة والإمامة له إلى جهة الآباء محمد المصطفى وإلى جهة الأبناء المهدي وكفى به خلفا فذاك موضح المحجة وهذا الخلف الحجة وحسبك به شرفا فهو الواسطة بين المحمدين العالم بأسرار النشأتين المنعوت بالكريم الطرفين جرى على سنن آبائه الكرام وأخذ بهداهم عليه وعليهم‌السلام ووقف نفسه الشريفة على العبادة وحبسها على الطاعة والزهادة واشتغل بأوراده وتهجده وصلاته وتعبده لو طاوله الفلك لتزحزح عن مكانه وعاقه شيء عن دورانه ولو جاراه البحر لنطقت بقصوره ألسنة حيتانه ولو فاخره الملك لأذعن لعلو شأنه وسمو مكانه ابن سيد ولد آدم وابن سيد العرب الماجد الذي يملأ الدلو إلى عقد الكرب الجواد الذي صابت راحتاه بالنضار والغرب السيد بن السادة الأطهار الإمام أبو الأئمة الأخيار الخليفة وكلهم خلفاء أبرار كشاف أسرار العلوم الهادي إلى معرفة الحي القيوم صاحب المقام والمقال فارس الجلاد والجدال الفارق بين الحلال والحرام المتصدق حتى بقوت العيال السابق في حلبات الفضل والإفضال الجاري على منهاج إله فنعم الجاري ونعم الآل الكاشف لحقائق التنزيل الواقف على دقائق التأويل العارف لله تعالى بالبرهان والدليل الصائم في النهار الشامس القائم في الليل الطويل بحر الحكم ومصباح الظلم الأشهر من نار على علم البالغ الغاية في كرم الأخلاق والشيم الناظر إلى الغيب من وراء ستر المخاطب في باطنه بما كان من سر الملقى في روعة ما تجدد من أمر وارث آبائه الكرام ومورث أبنائه عليهم أفضل السلام سلسلة

٢٠٩

ذهب ولا كرامة للذهب وسبب ونسب متصلان فنعم السبب والنسب إليهم الحوض والشفاعة ولهم منا السمع والطاعة بموالاتهم نرجو النجاة في العقبى وهم أحد السببين وأولو القربى الأجواد الأمجاد الأنجاد الأئمة الأبدال الأوتاد زندهم في الشرف وار وصيتهم في المجد سار وليس لهم في فضائلهم ممار إلا من كان في الآخرة (عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ) فالله بكرمه يبلغهم عنا أفضل الصلاة والتسليم وإياه سبحانه نحمد على أن هدانا من موالاتهم إلى النهج القويم والصراط المستقيم أنه جواد كريم.

وقد مدحت مولانا الصادق ع ومدائحه مذكورة بلسان عدوه ووليه ومربية على قطر السحاب ووسميه ووبليه بشعر يقصر عن مداه ولا ينهض بأدنى ما يجب من وصف علاه فما قدر نظمي ونثري ومبلغ كلامي وشعري عند من تعجز الفصحاء عن عد مفاخره وحد مآثره ولكني أتبع العادة على كل تقدير ولي ثواب النية وعلى عهده التقصير والله (نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ).

مناقب الصادق مشهورة

ينقلها عن صادق صادق

سما إلى نيل العلى وادعا

وكل عن إدراكه اللاحق

جرى إلى المجد كآبائه

كما جرى في الحلبة السابق

وفاق أهل الأرض في عصره

وهو على حالاته فائق

سماؤه بالجود هطالة

وسيبة هامى الحيا دافق (١)

وكل ذي فضل بإفضاله

وفضله معترف ناطق

له مكان في العلى شامخ

وطود مجد صاعد شاهق (٢)

من دوحة العز التي فرعها

سام على أوج السها سامق (٣)

 __________________

(١) هطل المطر : مطر متتابعا متفرقا عظيم القطر. والسيب العطا. وهمى الماء : سال لا يثنيه شيء. والحيا : المطر.

(٢) الطود : الجبل العظيم. والشاهق : المرتفع من الجبال.

(٣) الدوحة : الشجرة العظيمة المتسعة. والسامق : فاعل من سمق سموقا وسمقا : علا وطال.

٢١٠

نائله صوب حيا مسبل

وبشره في صوبه بارق

صواب رأي إن عدا جاهل

وصوب غيث إن عرا طارق

كأنما طلعته ما بدا

لناظريه القمر الشارق

له من الإفضال حاد على

البذل ومن أخلاقه سائق

يروقه بذل الندى واللهى

وهو لهم أجمعهم رائق (١)

خلائق طابت وطالت على

أبدع في إيجادها الخالق

شاد المعالي وسعى للعلى

فهي له وهو لها عاشق

إن أعضل الأمر فلا يهتدى

إليه فهو الفاتق الراتق

يشوقه المجد ولا غرو أن

يشوقه وهو له شائق

مولاي إني فيكم مخلص

إن شاب بالحب لكم ماذق (٢)

لكم موال وإلى بابكم

أنضى المطايا وبكم واثق (٣)

أرجو بكم نيل الأماني إذا

نجا مطيع وهوى مارق

 __________________

(١) اللهى : العطية أو أفضل العطايا وأجزلها.

(٢) ماذق فلانا في الود : لم يخلص له الود.

(٣) أنضى البعير : هزله.

٢١١

ذكر الإمام السابع

أبي الحسن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي

زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب ع

قال كمال الدين أثابه الله هو الإمام الكبير القدر العظيم الشأن الكثير التهجد الجاد في الاجتهاد والمشهود له بالكرامات المشهور بالعبادة المواظب على الطاعات يبيت الليل ساجدا وقائما ويقطع النهار متصدقا وصائما ولفرط حلمه وتجاوزه عن المعتدين عليه دعي كاظما كان يجازي المسيء بإحسانه إليه ويقابل الجاني عليه بعفوه عنه ولكثرة عباداته كان يسمى بالعبد الصالح ويعرف في العراق بباب الحوائج إلى الله لنجح المتوسلين إلى الله تعالى به كراماته تحار منها العقول وتقضي بأن له عند الله قدم صدق ولا يزول.

أما ولادته فبالأبواء سنة ثمان وعشرين ومائة من الهجرة وقيل تسع وعشرين ومائة.

وأما نسبه أبا وأما فأبوه جعفر الصادق بن محمد الباقر وقد تقدم القول فيه وأمه أم ولد يسمى حميدة البربرية وقيل غير ذلك.

وأما اسمه فموسى وكنيته أبو الحسن وقيل أبو إسماعيل وكان له ألقاب متعددة الكاظم وهو أشهرها والصابر والصالح والأمين.

وأما مناقبه فكثيرة ولو لم يكن منها إلا العناية الإلهية لكفاه ذلك منقبة

__________________

(١) الأبواء : قرية بين مكّة والمدينة بينها وبين الجحفة مما يلي المدينة ثلاثة وعشرون ميلا وبه قبر آمنة بنت وهب أم النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وفي وجه تسميته بالابواء خلاف ذكره الحموي في المعجم فراجع.

٢١٢

ولقد نقل عن الفضل بن الربيع أنه أخبر عن أبيه أن المهدي لما حبس موسى بن جعفر ففي بعض الليالي رأى المهدي في منامه علي بن أبي طالب ع وهو يقول له يا محمد (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ) قال الربيع فأرسل إلي ليلا فراعني وخفت من ذلك وجئت إليه وإذا هو يقرأ هذه الآية وكان أحسن الناس صوتا فقال علي الآن بموسى بن جعفر فجئته به فعانقه وأجلسه إلى جانبه وقال يا أبا الحسن رأيت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع في النوم فقرأ علي كذا فتؤمني أن تخرج علي أو على أحد من ولدي فقال والله لا فعلت ذلك ولا هو من شأني قال صدقت يا ربيع أعطه ثلاثة آلاف دينار ورده إلى أهله إلى المدينة قال الربيع فأحكمت أمره ليلا فما أصبح إلا وهو في الطريق خوف العوائق.

ورواه الجنابذي وذكر أنه وصله بعشرة آلاف دينار.

وقال خشنام بن حاتم الأصم قال قال لي أبو حاتم قال قال لي شقيق البلخي رضي الله عنهم خرجت حاجا في سنة تسع وأربعين ومائة فنزلنا القادسية فبينا أنا أنظر إلى الناس في زينتهم وكثرتهم فنظرت إلى فتى حسن الوجه شديد السمرة ضعيف فوق ثيابه ثوب من صوف مشتمل بشملة في رجليه نعلان وقد جلس منفردا فقلت في نفسي هذا الفتى من الصوفية يريد أن يكون كلا على الناس في طريقهم والله لأمضين إليه ولأوبخنه فدنوت منه فلما رآني مقبلا قال يا شقيق (اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) ثم تركني ومضى فقلت في نفسي إن هذا الأمر عظيم قد تكلم بما في نفسي ونطق بإثمي وما هذا إلا عبد صالح لألحقنه ولأسألنه أن يحالني فأسرعت في أثره فلم ألحقه وغاب عن عيني.

فلما نزلنا واقصة وإذا به يصلي وأعضاؤه تضطرب ودموعه تجري فقلت هذا صاحبي أمضي إليه وأستحله فصبرت حتى جلس وأقبلت نحوه فلما رآني مقبلا قال يا شقيق اتل (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى) ثم تركني ومضى فقلت إن هذا الفتى لمن الأبدال لقد تكلم على سري مرتين

٢١٣

فلما نزلنا زبالة إذا بالفتى قائم على البئر وبيده ركوة يريد أن يستقي ماء فسقطت الركوة من يده في البئر وأنا أنظر إليه فرأيته وقد رمق السماء وسمعته يقول :

أنت ريي إذا ظمئت إلى الماء

وقوتي إذا أردت الطعاما

اللهم سيدي ما لي غيرها فلا تعدمنيها قال شقيق فو الله لقد رأيت البئر وقد ارتفع ماءها فمد يده وأخذ الركوة وملأها ماء فتوضأ وصلى أربع ركعات ثم مال إلى كثيب رمل فجعل يقبض بيده ويطرحه في الركوة ويحركه ويشرب فأقبلت إليه وسلمت عليه فرد علي السلام فقلت أطعمني من فضل ما أنعم الله عليك فقال يا شقيق لم تزل نعمة الله علينا ظاهرة وباطنة فأحسن ظنك بربك ثم ناولني الركوة فشربت منها فإذا هو سويق وسكر فو الله ما شربت قط ألذ منه ولا أطيب ريحا فشبعت ورويت وبقيت أياما لا أشتهي طعاما ولا شرابا ثم إني لم أره حتى دخلنا مكة فرأيته ليلة إلى جنب قبة الشراب في نفس الليل قائما يصلي بخشوع وأنين وبكاء فلم يزل كذلك حتى ذهب الليل فلما رأى الفجر جلس في مصلاه يسبح ثم قام فصلى الغداة وطاف بالبيت أسبوعا فخرج فتبعته وإذا له غاشية وموال (١) وهو على خلاف ما رأيته في الطريق ودار به الناس من حوله يسلمون عليه فقلت لبعض من رأيته يقرب منه من هذا الفتى فقال هذا موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ع فقلت قد عجبت أن تكون هذه العجائب إلا لمثل هذا السيد.

ولقد نظم بعض المتقدمين واقعة شقيق معه في أبيات طويلة اقتصرت على ذكر بعضها فقال :

سل شقيق البلخي عنه وما

عاين منه وما الذي كان أبصر

قال لما حججت عاينت شخصا

شاحب اللون ناحل الجسم أسمر (٢)

 __________________

(١) الغاشية : السؤال يأتونك والزوار والأصدقاء ينتابونك.

(٢) شحب لونه : تغير من جوع أو هزال أو سفر. ونحل جسمه : هزل.

٢١٤

سائرا وحده وليس له

زاد فما زلت دائما أتفكر

وتوهمت أنه يسأل الناس

ولم أدر أنه الحج الأكبر

ثم عاينته ونحن نزول

دون فيد على الكثيب الأحمر (١)

يضع الرمل في الإناء ويشربه

فناديته وعقلي محير

اسقني شربة فناولني

منه فعاينته سويقا وسكر

فسألت الحجيج من يك هذا

قيل هذا الإمام موسى بن جعفر

فهذه الكرامات العالية المقدار الخارقة للعوائد هي على التحقيق حلية المناقب وزينة المزايا وغرر الصفات ولا يؤتاها إلا من أفاضت عليه العناية الربانية أنوار التأييد ومرت له أخلاق التوفيق وأزلفته من مقام التقديس والتطهير (وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ).

ولقد قرع سمعي ذكر واقعة عظيمة ذكرها بعض صدور العراق أثبتت لموسى ع أشرف منقبته وشهدت له بعلو مقامه عند الله تعالى وزلفى منزلته لديه وظهرت بها كراماته بعد وفاته ولا شك أن ظهور الكرامة بعد الموت أكثر منها دلالة حال الحياة.

وهي أن من عظماء الخلفاء مجدهم الله تعالى من كان له نائب كبير الشأن في الدنيا من مماليكه الأعيان وكان في ولاية عامة طالت فيها مدته وكان ذا سطوة وجبروت فلما انتقل إلى الله تعالى اقتضت عناية الخليفة له أن تقدم بدفنه في ضريح مجاور لضريح الإمام موسى بن جعفر ع بالمشهد المطهر وكان بالمشهد المطهر نقيب معروف ومشهود له بالصلاح كثير التودد والملازمة للضريح والخدمة له قائم بوظائفها فذكر هذا النقيب أنه بعد دفن هذا المتوفى في ذلك القبر بات بالمشهد الشريف فرأى في منامه أن القبر قد انفتح والنار تشتعل فيه وقد انتشر منه دخان ورائحة قتار (٢) ذلك المدفون فيه إلى أن ملأت المشهد وأن الإمام موسى ع واقف فصاح لهذا النقيب

__________________

(١) فيد : منزل بطريق مكّة سمى بفيد بن حام وهو أول من نزل به والكثيب : التل من الرمل

(٢) القتار ـ بالضم ـ : ريح القدر والشواء والعظم المحرق.

٢١٥

باسمه وقال له تقول للخليفة يا فلان وسماه باسمه لقد آذيتني بمجاورة هذا الظالم وقال كلاما خشنا فاستيقظ ذلك النقيب وهو يرعد فرقا وخوفا ولم يلبث أن كتب ورقة وسيرها منهيا فيها صورة الواقعة بتفصيلها فلما جن الليل جاء الخليفة إلى المشهد المطهر بنفسه واستدعى النقيب ودخلوا إلى الضريح وأمر بكشف ذلك القبر ونقل ذلك المدفون إلى موضع آخر خارج المشهد فلما كشفوه وجدوا فيه رماد الحريق ولم يجدوا للميت أثرا وفي هذه القضية زيادة استغناء عن تعداد بقية مناقبه واكتفاء عن بسط القول فيها.

وأما أولاده فقيل ولد له عشرون ابنا وثمان عشرة بنتا وأسماء بنيه ع علي الرضا زيد إبراهيم عقيل هارون الحسن الحسين عبد الله إسماعيل عبيد الله عمر أحمد جعفر يحيى إسحاق العباس حمزة عبد الرحمن القاسم ـ جعفر الأصغر ويقال موضع عمر محمد.

وأسماء بناته خديجة أم فروة أسماء علية فاطمة فاطمة أم كلثوم أم كلثوم ـ آمنة زينب أم عبد الله زينب الصغرى أم القاسم حكيمة أسماء الصغرى محمودة أمامة ميمونة وقيل غير ذلك.

وأما عمره فإنه مات لخمس بقين من رجب سنة ثلاث وثمانين ومائة للهجرة وقد تقدم ذكر ولادته في سنة ثمان وعشرين وقيل تسع وعشرين فيكون عمره على القول الأول خمسا وخمسين سنة وعلى القول الثاني أربعا وخمسين سنة وقبره بالمشهد المعروف بباب التين من بغداد المحروسة انتهى كلام كمال الدين.

قلت القصة التي أوردها عن شقيق البلخي قد أوردها جماعة من أرباب التأليف والمحدثين ذكرها الشيخ ابن الجوزي رحمه‌الله في كتابيه إثارة العزم الساكن إلى أشرف الأماكن وكتاب صفة الصفوة وذكرها الحافظ عبد العزيز بن الأخضر الجنابذي وحكى إلى بعض الأصحاب أن القاضي بن خلاد الرامهرمزي ذكرها في كتابه كرامات الأولياء.

٢١٦

" وقال الجنابذي أبو الحسن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ع أمه أم ولد ولد له علي الرضا وزيد وعقيل وهارون والحسن والحسين وعبد الله وإسماعيل وعبيد الله وعمر وأحمد وجعفر ويحيى وإسحاق والعباس وحمزة وعبد الرحمن والقاسم وجعفر الأصغر ويقال موضع عمر محمد وأبو بكر.

ومن البنات خديجة وأم فروة وأسماء وعلية وفاطمة وفاطمة وأم كلثوم وأم كلثوم وآمنة وزينب وأم عبد الله وزينب الصغرى وأم القاسم وحكيمة وأسماء الصغرى ومحمودة وأمامة وميمونة عشرون ذكرا وثمان عشرة أنثى. ويقال كنيته أبو إبراهيم واسم أمه حميدة الأندلسية مولده سنة ثمان وعشرين ومائة توفي سنة ثلاث وثمانين ومائة فيكون عمره خمسا وخمسين سنة.

وروى إسحاق بن جعفر قال سألت أخي موسى بن جعفر قلت أصلحك الله أيكون المؤمن بخيلا قال نعم قلت أيكون جبانا قال نعم قلت أفيكون خائنا قال لا ولا يكون كذابا ثم قال حدثني أبي جعفر بن محمد عن آبائه عن أبيه علي بن أبي طالب ع قال سمعت رسول الله ص يقول على كل خلة يطوي المؤمن ليس الخيانة والكذب.

حدث عيسى بن محمد بن مغيث القرطي وبلغ تسعين سنة قال زرعت بطيخا وقثاء وقرعا في موضع بالجوانية على بئر يقال لها أم عظام فلما قرب الخير واستوى الزرع بيتني الجراد وأتى على الزرع كله وكنت عزمت على الزرع ثمن جملين ومائة وعشرين دينارا فبينا أنا جالس إذ طلع موسى بن جعفر بن محمد فسلم علي ثم قال أيش (١) حالك قلت أصبحت كالصريم بيتني الجراد فأكل زرعي قال كم غرمت قلت مائة وعشرين دينارا مع ثمن الجملين قال فقال يا عرفة إن لأبي الغيث مائة وخمسين دينارا فربحك ثلاثون دينارا والجملان فقلت يا مبارك ادع لي فيها بالبركة فدخل ودعا وحدثني عن رسول الله ص أنه قال تمسكوا ببقاء

__________________

(١) كأنّه مخفف أي شيء.

٢١٧

المصائب (١) ثم علقت عليه الجملين وسقيته فجعل الله فيه البركة وزكت فبعت منها بعشرة آلاف.

حدث أحمد بن إسماعيل قال بعث موسى بن جعفر ع إلى الرشيد من الحبس برسالة كانت أنه لن ينقضي عني يوم من البلاء إلا انقضى عنك معه يوم من الرخاء حتى نقضي جميعا إلى يوم ليس له انقضاء يخسر فيه المبطلون

قال وذكر الخطيب قال ولد موسى بن جعفر بالمدينة في سنة ثمان وعشرين وقيل تسع وعشرين ومائة وأقدمه المهدي بغداد ثم رده إلى المدينة فأقام بها إلى أيام الرشيد فقدم الرشيد بالمدينة فحمله معه وحبسه ببغداد إلى أن توفي بها لخمس بقين من رجب سنة ثلاث وثمانين ومائة.

إسماعيل عن أبيه موسى بن جعفر عن أبيه عن جده علي بن الحسين عن أبيه عن علي بن أبي طالب ع قال قال رسول الله ص نظر الولد إلى والديه حبا لهما عبادة.

وروي أن موسى بن جعفر أحضر ولده يوما فقال لهم يا بني إني موصيكم بوصية من حفظها لم يضع معها إن أتاكم آت فأسمعكم في الأذن اليمنى مكروها ثم تحول إلى الأذن اليسرى فاعتذر وقال لم أقل شيئا فاقبلوا عذره.

وعن موسى بن جعفر عن آبائه ع قال الحسين جاء رجل إلى أمير المؤمنين ع يسعى بقوم فأمرني أن دعوت له قنبرا فقال له علي ع اخرج إلى هذا الساعي فقل له قد أسمعتنا ما كره الله تعالى فانصرف في غير حفظ الله تعالى آخر كلام الجنابذي رحمه‌الله تعالى.

وقال الشيخ المفيد رحمه‌الله تعالى باب ذكر الإمام القائم بعد أبي عبد الله الصادق جعفر بن محمد ع من ولده وتاريخ مولده ودلائل إمامته ومبلغ سنه ومدة خلافته ووقت وفاته وسببها وموضع قبره وعدد أولاده ومختصر

__________________

(١) قال المجلسيّ (ره) في البحار في بيان الحديث : لعل المراد عدم الجزع عند المصائب والاعتناء بشأنها فإنها غالبا من علامات السعادة ، أو المراد : تمسكوا باللّه عند بقائها.

٢١٨

من أخباره.

وكان الإمام كما قدمناه بعد أبي عبد الله ع ابنه أبا الحسن موسى بن جعفر العبد الصالح ع لاجتماع خلال الفضل فيه والكمال ولنص أبيه بالإمامة عليه وإشارته بها إليه وكان مولده ع بالأبواء سنة ثمان وعشرين ومائة وقبض ع ببغداد في حبس السندي بن شاهك ـ لست خلون من رجب سنة ثلاث وثمانين ومائة وله يومئذ خمس وخمسون سنة وأمه أم ولد ويقال لها حميدة البربرية وكانت مدة خلافته ومقامه في الإمامة بعد أبيه ع خمسا وثلاثين سنة وكان يكنى أبا إبراهيم وأبا الحسن وأبا علي ويعرف بالعبد الصالح وينعت أيضا بالكاظم.

فصل في النص عليه عن أبيه ع ممن روى صريح النص بالإمامة عن أبي عبد الله الصادق ع على ابنه أبي الحسن موسى ع من شيوخ أصحاب أبي عبد الله ع وخاصته وبطانته وثقاته الفقهاء الصالحين رحمة الله عليهم المفضل بن عمر الجعفي ومعاذ بن كثير وعبد الرحمن بن الحجاج والفيض بن المختار ويعقوب السراج وسليمان بن خالد وصفوان الجمال وغيرهم ممن يطول بذكرهم الكتاب.

وقد روى ذلك من إخوته إسحاق وعلي ابنا جعفر وكانا من الفضل والورع على ما لا يختلف فيه اثنان.

فروى موسى الصيقل عن المفضل بن عمر الجعفي رحمه‌الله قال كنت عند أبي عبد الله ع فدخل أبو إبراهيم موسى ع وهو غلام فقال أبو عبد الله ع استوص به وضع أمره عند من تثق به من أصحابك.

وروى ثبيت (١) عن معاذ بن كثير عن أبي عبد الله ع قال قلت أسأل الله

__________________

(١) هو ثبيت بن محمّد العسكريّ صاحب أبى عيسى الوراق يروى عن معاذ بن كثير وعن أبي عبد اللّه (ع) ويروى عنه أبو أيّوب الخزاز وأبو بصير وقد أثنى عليه النجاشيّ وغيره وفي بعض النسخ «شبيت» وهو مصحف.

٢١٩

الذي رزق أباك منك هذه المنزلة أن يرزقك من عقبك قبل الممات مثلها قال قد فعل الله ذلك فقلت من هو جعلت فداك فأشار إلى العبد الصالح وهو راقد فقال هذا الراقد وهو يومئذ غلام.

وروى أبو علي الأرجاني عن عبد الرحمن بن الحجاج قال دخلت على جعفر بن محمد ع في منزله فإذا هو في بيت كذا من داره في مسجد له وهو يدعو وعلى يمينه موسى بن جعفر ع يؤمن على دعائه فقلت له جعلني الله فداك قد عرفت انقطاعي إليك وخدمتي لك فمن ولي الأمر بعدك قال يا عبد الرحمن إن موسى قد لبس الدرع واستوت عليه فقلت له لا أحتاج بعد هذا إلى شيء.

وروى عبد الأعلى عن الفيض بن المختار قال قلت لأبي عبد الله ع خذ بيدي من النار من لنا بعدك فدخل أبو إبراهيم وهو يومئذ غلام فقال هذا صاحبكم فتمسك به.

وروى ابن أبي نجران عن منصور بن حازم قال قلت لأبي عبد الله ع بأبي أنت وأمي إن الأنفس يغدى عليها ويراح (١) فإذا كان ذلك فمن فقال أبو عبد الله ع إذا كان ذلك فهو صاحبكم وضرب على منكب أبي الحسن الأيمن وهو فيما أعلم يومئذ خماسي وعبد الله بن جعفر جالس معنا.

وروى ابن أبي نجران عن عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب ع عن أبي عبد الله ع قال قلت له إن كان كون ولا أراني الله ذلك فبمن أئتم قال فأومأ إلى ابنه موسى قلت فإن حدث بموسى حدث فبمن أئتم قال بولده قلت فإن حدث بولده حدث وترك أخا كبيرا وابنا صغيرا قال بولده ثم هكذا أبدا.

وروى المفضل عن طاهر بن محمد عن أبي عبد الله ع قال رأيته يلوم عبد الله ابنه ويعظه ويقول له ما منعك أن تكون مثل أخيك فو الله إني لأعرف النور في وجهه فقال عبد الله وكيف أليس أبي وأبوه واحدا وأصلي وأصله واحدا فقال له أبو عبد الله ع إنه من نفسي وأنت ابني

__________________

(١) أي يذهب بها. كناية عن الموت.

٢٢٠