كشف الغمّة في معرفة الأئمّة - ج ٢

أبي الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح الاربلي

كشف الغمّة في معرفة الأئمّة - ج ٢

المؤلف:

أبي الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح الاربلي


المحقق: السيد هاشم الرسولي المحلاتي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة بني هاشمي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٦٠
الجزء ١ الجزء ٢

وروى محمد بن سنان عن يعقوب السراج قال دخلت على أبي عبد الله ع وهو واقف على رأس أبي الحسن موسى وهو في المهد فجعل يساره طويلا فجلست حتى فرغ فقمت إليه فقال ادن إلى مولاك فسلم عليه فسلمت عليه فرد علي السلام بلسان فصيح ثم قال لي اذهب فغير اسم ابنتك التي سميتها أمس فإنه اسم يبغضه الله تعالى وكانت ولدت لي بنت فسميتها (١) فقال أبو عبد الله انته إلى أمره ترشد فغيرت اسمها.

وروى ابن مسكان عن سليمان بن خالد قال دعا أبو عبد الله ع أبا الحسن يوما ونحن عنده فقال لنا عليكم بهذا بعدي فهو والله صاحبكم.

وروى الوشاء عن علي بن الحسين عن صفوان الجمال قال سألت أبا عبد الله ع عن صاحب هذا الأمر فقال إن صاحب هذا الأمر لا يلهو ولا يلعب فأقبل أبو الحسن موسى ع وهو صغير ومعه عناق مكية وهو يقول اسجدي لربك فأخذه أبو عبد الله ع وضمه إليه وقال بأبي وأمي من لا يلهو ويلعب.

وروى يعقوب بن جعفر الجعفري (٢) قال حدثني إسحاق بن جعفر الصادق ع قال كنت عند أبي يوما فسأله علي بن عمر بن علي فقال جعلت فداك إلى من نفزع ويفزع الناس بعدك فقال إلى صاحب هذين الثوبين الأصفرين والعذيرتين وهو الطالع عليك من الباب فما لبثنا أن طلعت علينا كفان آخذتان بالبابين حتى انفتحا ودخل علينا أبو إبراهيم موسى بن جعفر ع وهو صبي وعليه ثوبان أصفران.

وروى محمد بن الوليد قال سمعت علي بن جعفر بن محمد الصادق ع يقول سمعت أبي جعفر بن محمد يقول لجماعة من خاصته وأصحابه استوصوا بابني موسى خيرا فإنه أفضل ولدي ومن أخلف بعدي وهو القائم مقامي والحجة لله عزوجل على

__________________

(١) وفي المصدر ونسخة البحار زاد بعد قوله فسميتها : «بالحميراء».

(٢) وفي بعض النسخ «الجعفي» بدل الجعفري ويحتمل اتّحادهما كما ذكره المامقاني (ره) في رجاله.

٢٢١

كافة خلقه من بعدي.

وكان علي بن جعفر شديد التمسك بأخيه موسى والانقطاع إليه والتوفر على أخذ معالم دينه عنه وله مسائل مشهور عنه وجوابات رواها سماعا منه والأخبار فيما ذكرناه أكثر من أن يحصى على ما بيناه ووصفناه.

باب ذكر طرف من دلائل أبي الحسن موسى ع وآياته ومعجزاته وعلاماته

عن هشام بن سالم قال كنا بالمدينة بعد وفاة أبي عبد الله ع وأنا ومحمد بن النعمان صاحب الطاق والناس ومجتمعون على عبد الله بن جعفر أنه صاحب الأمر بعد أبيه فدخلنا عليه والناس عنده فسألناه عن الزكاة في كم تجب فقال في مائتي درهم خمسة دراهم فقلنا له ففي مائة فقال درهمان ونصف قلنا والله ما تقول المرجئة هذا فقال والله ما أدري ما تقول المرجئة قال فخرجنا ضلالا ما ندري إلى أين نتوجه أنا وأبو جعفر الأحول فقعدنا في بعض أزقة المدينة (١) باكين لا ندري إلى أين نتوجه وإلى من نقصد نقول إلى المرجئة إلى القدرية إلى المعتزلة إلى الزيدية فنحن كذلك إذ رأيت رجلا شيخا لا أعرفه يومئ إلي بيده فخفت أن يكون عينا من عيون أبي جعفر المنصور وذلك أنه كان له بالمدينة جواسيس على من يجتمع بعد جعفر من الناس فيؤخذ فتضرب عنقه فخفت أن يكون منهم فقلت للأحول فإني خائف على نفسي وعليك وإنما يريدني ليس يريدك فتنح عني لا تهلك فتعين على نفسك فتنحى عنه بعيدا وتبعت الشيخ وذلك أني ظننت أني لا أقدر على التخلص منه فما زلت أتبعه وقد عرضت على الموت حتى ورد بي على باب أبي الحسن موسى ع ثم خلاني ومضى.

فإذا خادم بالباب فقال لي ادخل رحمك الله فدخلت فإذا أبو الحسن موسى ع فقال لي ابتداء منه إلي إلي لا إلى المرجئة ولا إلى القدرية ولا إلى المعتزلة ولا إلى الزيدية ولا إلى الخوارج قلت جعلت فداك مضى أبوك قال

__________________

(١) الأزقة جمع الزقاق ـ بالضم ـ : السكة وقيل الطريق الضيق دون السكة نافذا كان أو غير نافذ.

٢٢٢

نعم قلت مضى موتا قال نعم قلت فمن لنا بعده قال إن شاء الله أن يهديك هداك قلت جعلت فداك إن أخاك عبد الله يزعم أنه الإمام من بعد أبيه فقال عبد الله يريد أن لا يعبد الله قال قلت جعلت فداك فمن لنا من بعده فقال إن شاء الله أن يهديك هداك قلت جعلت فداك فأنت هو قال لا أقول ذلك قال فقلت في نفسي إني لم أصب طريق المسألة ثم قلت له جعلت فداك أعليك إمام قال لا.

قال فدخلني شيء لا يعلمه إلا الله تعالى إعظاما له وهيبة ثم قلت له جعلت فداك أسألك عما كنت أسأل أباك قال سل تخبر ولا تذع فإن أذعت فهو الذبح قال فسألته فإذا هو بحر لا ينزف قلت جعلت فداك شيعة أبيك ضلال فألقي إليهم هذا الأمر وادعوهم إليك فقد أخذت علي الكتمان قال من آنست منه رشدا فألق إليه وخذ عليه الكتمان فإن أذاع فهو الذبح وأشار بيده إلى حلقه.

قال فخرجت من عنده فلقيت أبا جعفر الأحول فقال لي ما وراءك قلت الهدى وحدثته بالقصة قال ثم لقينا زرارة وأبا بصير فدخلا عليه وسمعا كلامه وساءلاه وقطعا عليه ثم لقينا الناس أفواجا فكل من دخل عليه قطع بالإمامة إلا طائفة عمار الساباطي وبقي عبد الله لا يدخل عليه من الناس إلا القليل.

وعن الرافعي قال كان لي ابن عم يقال له الحسن بن عبد الله وكان زاهدا وكان من أعبد أهل زمانه وكان السلطان يتقيه لجده في الدين واجتهاده وربما استقبل السلطان في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بما يغضبه فيحتمل ذلك لصلاحه فلم تزل هذه حاله حتى دخل يوما المسجد وفيه أبو الحسن موسى ع فأومأ إليه فأتاه فقال له يا با علي ما أحب إلي ما أنت فيه وأسرني به إلا أنه ليست لك معرفة فاطلب المعرفة فقال له جعلت فداك وما المعرفة قال اذهب تفقه واطلب الحديث قال عن من قال عن فقهاء المدينة ثم أعرض علي الحديث قال فذهب فكتب ثم جاء فقرأه عليه فأسقط كله ثم قال اذهب فاعرف وكان الرجل معينا بدينه فلم يزل يترصد أبا الحسن حتى خرج إلى ضيعة له فلقيه

٢٢٣

في الطريق فقال له جعلت فداك إني أحتج عليك بين يدي الله عزوجل فدلني على ما تجب علي معرفته قال فأخبره أبو الحسن عليه بأمر أمير المؤمنين ع وحقه وما يجب له وأمر الحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد ص ثم سكت فقال له جعلت فداك فمن الإمام اليوم قال إن أخبرتك تقبل قال نعم قال أنا هو قال فشيء أستدل به قال اذهب إلى تلك الشجرة وأشار إلى بعض شجر أم غيلان وقل لها يقول لك موسى بن جعفر أقبلي قال فأتيتها فرأيتها والله تخد الأرض خدا حتى وقفت بين يديه ثم أشار إليها بالرجوع فرجعت قال فأقر به ثم لزم الصمت والعبادة وكان لا يراه أحد يتكلم بعد ذلك.

وروى عن أبي بصير قال قلت لأبي الحسن موسى بن جعفر ع جعلت فداك بم يعرف الإمام قال بخصال أما أولهن فإنه بشيء تقدم من أبيه وأشار به إليه ليكون حجة ويسأل فيجيب وإذا سكت عنه ابتدأ ويخبر بما في غد ويكلم الناس بكل لسان ثم قال يا با محمد أعطيك علامته قبل أن تقوم فلم يلبث أن دخل عليه رجل من خراسان فكلمه الخراساني بالعربية فأجابه أبو الحسن بالفارسية فقال له الخراساني والله ما منعني أن أكلمك بالفارسية إلا أني ظننتك لا تحسنها فقال سبحان الله إذا كنت لا أحسن أن أجيبك فما فضلي عليك فيما أستحق به الإمامة ثم قال يا با محمد إن الإمام لا يخفى عليه كلام أحد من الناس ولا منطق الطير ولا كلام شيء فيه روح.

وروى عبد الله بن إدريس عن ابن سنان قال حمل الرشيد في بعض الأيام إلى علي بن يقطين ثيابا أكرمه بها وكان في جملتها دراعة خز سوداء من لباس الملوك مثقلة بالذهب فأنفذ علي بن يقطين جل تلك الثياب إلى أبي الحسن موسى بن جعفر ع وأنفذ في جملتها تلك الدراعة وأضاف إليها مالا كان أعده على رسم له فيما يحمله إليه من خمس ماله فلما وصل ذلك إلى أبي الحسن ع قبل المال والثياب ورد الدراعة على يد الرسول إلى علي بن يقطين وكتب إليه

٢٢٤

احتفظ بها ولا تخرجها عن يدك فسيكون لك بها شأن تحتاج إليها معه فارتاب علي بن يقطين بردها عليه ولم يدر ما سبب ذلك واحتفظ بالدراعة.

فلما كان بعد ذلك بأيام تغير علي بن يقطين على غلام كان يختص به فصرفه عن خدمته وكان الغلام يعرف ميل علي بن يقطين إلى أبي الحسن ع ويقف على ما يحمله إليه في كل وقت من مال وثياب وألطاف وغير ذلك فسعى به الرشيد وقال إنه يقول بإمامة موسى بن جعفر ويحمل إليه خمس ماله في كل سنة وقد حمل إليه الدراعة التي أكرمه بها أمير المؤمنين في وقت كذا وكذا فاستشاط الرشيد من ذلك (١) وغضب غضبا شديدا وقال لأكشفن عن هذه القضية [الحال] فإن كان الأمر كما تقول أزهقت نفسه وأنفذ في الوقت وطلب علي بن يقطين فلما مثل بين يديه قال له ما فعلت الدراعة التي كسوتك بها قال هي يا أمير المؤمنين عندي في سفط مختوم (٢) فيه طيب وقد احتفظت بها وقل ما أصبحت إلا وفتحت السفط ونظرت إليها تبركا بها وقبلتها ورددتها إلى موضعها وكلما أمسيت صنعت مثل ذلك فقال أحضرها الساعة قال نعم يا أمير المؤمنين فاستدعى بعض خدمه فقال له امض إلى البيت الفلاني من داري فخذ مفتاحه من جاريتي وافتحه وافتح الصندوق الفلاني فجئني بالسفط الذي فيه بختمه فلم يلبث الغلام أن جاء بالسفط مختوما فوضع بين يدي الرشيد فأمر بكسر ختمه وفتحه فلما فتح نظر إلى الدراعة فيه بحالها مطوية مدفونة في الطيب فسكن الرشيد من غضبه ثم قال لعلي بن يقطين ارددها إلى مكانها وانصرف راشدا فلن نصدق عليك بعدها ساعيا وأمر أن يتبع بجائزه سنية وتقدم (٣) بضرب الساعي ألف سوط فضرب نحو خمسمائة سوط فمات في ذلك.

وروى عن محمد بن الفضل قال اختلفت الرواية بين أصحابنا في مسح الرجلين

__________________

(١) أي التهب غضبا.

(٢) السفط : وعاء يعبأ فيه الطيب ونحوه.

(٣) أي امر.

٢٢٥

في الوضوء هو من الأصابع إلى الكعبين أم من الكعبين إلى الأصابع فكتب ابن يقطين إلى أبي الحسن موسى ع جعلت فداك إن أصحابنا قد اختلفوا في مسح الرجلين فإن رأيت أن تكتب بخطك بما يكون عملي عليه فعلت إن شاء الله فكتب إليه أبو الحسن ع فهمت ما ذكرت من الاختلاف في الوضوء والذي آمرك به في ذلك أن تمضمض ثلاثا وتستنشق ثلاثا وتغسل وجهك ثلاثا وتخلل شعر لحيتك وتغسل يديك إلى المرفقين ثلاثا وتمسح رأسك كله وتمسح ظاهر أذنيك وباطنهما وتغسل رجليك إلى الكعبين ثلاثا ولا تخالف ذلك إلى غيره فلما وصل الكتاب إلى علي بن يقطين تعجب مما رسم له فيه مما جميع العصابة على خلافه ثم قال مولاي أعلم بما قال وأنا ممتثل أمره فكان يعمل في وضوئه على هذا الحد ويخالف ما عليه جميع الشيعة امتثالا لأمر أبي الحسن ع.

وسعي بعلي بن يقطين وقيل إنه رافضي مخالف لك فقال الرشيد لبعض خاصته قد كثر عندي القول في علي بن يقطين والقرف له (١) بخلافنا وميله إلى الروافض ولست أرى في خدمته لي تقصيرا وقد امتحنته مرارا فما ظهرت منه على ما يقرب به وأحب أن أستبرئ أمره من حيث لا يشعر بذلك فيحترز مني فقيل له إن الرافضة يا أمير المؤمنين تخالف الجماعة في الوضوء فتخففه ولا ترى غسل الرجلين فاستمحنه من حيث لا يعلم بالوقوف على وضوئه فقال أجل إن هذا الوجه يظهر به أمره ثم تركه مدة وناطه بشيء من الشغل في الدار حتى دخل وقت الصلاة وكان علي بن يقطين يخلو في حجرة في الدار لوضوئه وصلاته فلما دخل وقت الصلاة وقف الرشيد من وراء حائط الحجرة بحيث يرى علي بن يقطين ولا يراه هو فدعا بالماء للوضوء فتوضأ كما تقدم والرشيد ينظر إليه فلما رآه قد فعل ذلك لم يملك نفسه حتى أشرف عليه بحيث يراه ثم ناداه كذب يا علي بن يقطين من زعم أنك من الرافضة وصلحت حاله عنده.

وورد عليه كتاب أبي الحسن ع ابتداء من الآن يا علي بن يقطين توضأ

__________________

(١) القرف ـ محركة ـ : التهمة.

٢٢٦

كما أمر الله تعالى اغسل وجهك مرة فريضة وأخرى إسباغا واغسل يديك من المرفقين كذلك وامسح بمقدم رأسك وظاهر قدميك من فضل نداوة وضوئك فقد زال ما كنا نخاف عليك والسلام.

وروى علي بن أبي حمزة البطائني قال خرج أبو الحسن موسى ع في بعض الأيام من المدينة إلى ضيعة له خارجة عنها فصحبته وكان ع راكبا بغلة وأنا على حمار لي فلما صرنا في بعض الطريق اعترضنا أسد فأحجمت عنه خوفا (١) وأقدم أبو الحسن ع غير مكترث به (٢) فرأيت الأسد يتذلل لأبي الحسن ويهمهم (٣) فوقف له أبو الحسن ع كالمصغى إلى همهمته ووضع الأسد يده على كفل بغلته وقد همتني نفسي من ذلك وخفت خوفا عظيما ثم تنحى الأسد إلى جانب الطريق وحول أبو الحسن موسى ع وجهه إلى القبلة وجعل يدعو ويحرك شفتيه بما لم أفهمه ثم أومأ بيده إلى الأسد أن امض فهمهم الأسد همهمة طويلة وأبو الحسن ع يقول آمين آمين وانصرف الأسد حتى غاب عنا ومضى أبو الحسن ع لوجهه.

فلما بعدنا عن الموضع قلت له جعلت فداك ما شأن هذا الأسد فقد خفته والله عليك وعجبت من شأنه معك فقال لي أبو الحسن ع إنه خرج يشكو إلى عسر الولادة على لبوته (٤) وسألني أن أسأل الله تعالى أن يفرج عنها ففعلت ذلك فألقي في روعي أنها تلد له ذكرا فخبرته بذلك فقال لي امض في حفظ الله فلا سلط الله عليك ولا على ذريتك ولا على أحد من شيعتك شيئا من السباع فقلت آمين.

قال الشيخ المفيد رحمه‌الله تعالى والأخبار في هذا الباب كثيرة وفيما أثبتناه منها كفاية على الرسم الذي تقدم والمنة لله وقال

__________________

(١) أحجم فلان عن الشيء : كف أو نكص هيبة.

(٢) يقال فلان لا يكترث لهذا الامر : اي لا يعبأ له ولا يباليه.

(٣) همهم الأسد : ردد الزئير في صدره.

(٤) اللبوة : أنثى الأسد.

٢٢٧

باب ذكر طرف من فضائله ومناقبه وخلاله التي بان بها في الفضل من غيره ع.

وكان أبو الحسن موسى ع أعبد أهل زمانه وأفقههم وأسخاهم كفا وأكرمهم نفسا وروي أنه كان يصلي نوافل الليل ويصلها بصلاة الصبح ثم يعقب حتى تطلع الشمس ويخر لله ساجدا فلا يرفع رأسه من الدعاء والتحميد حتى يقرب زوال الشمس. وكان يدعو كثيرا فيقول اللهم إني أسألك الراحة عند الموت والعفو عند الحساب ويكرر ذلك وكان من دعائه عظم الذنب من عبدك فليحسن العفو من عندك وكان يبكي من خشية الله حتى تخضل لحيته بالدموع وكان أوصل الناس لأهله ورحمه وكان يتفقد فقراء المدينة في الليل فيحمل إليهم العين (١) والورق والدقيق والتمر فيوصل ذلك إليهم ولا يعلمون من أي جهة هو.

قال محمد بن عبد الله البكري قدمت المدينة أطلب دينا فأعياني فقلت لو ذهبت إلى أبي الحسن موسى ع فشكوت إليه فأتيته بنقمى (٢) في ضيعته فخرج إلي ومعه غلام ومعه نسف فيه قديد مجزع (٣) ليس معه غيره فأكل وأكلت معه وسألني عن حاجتي فذكرت له قصتي فدخل ولم يقم إلا يسيرا حتى خرج إلي فقال لغلامه اذهب ثم مد يده إلي فدفع إلي صرة فيها ثلاثمائة دينار ثم قام فولى فقمت فركبت دابتي فانصرفت.

وروى أن رجلا من ولد عمر بن الخطاب كان بالمدينة يؤذي أبا الحسن موسى ع ويسبه إذا رآه ويشتم عليا ع فقال له أصحابه دعنا نقتل هذا الفاجر فنهاهم عن ذلك وزجرهم أشد الزجر.

وسأل عن العمري فذكر أنه خرج إلى زرع له فخرج إليه ودخل المزرعة بحماره

__________________

(١) العين : صفو المال. خيار الشيء.

(٢) قال الحموي : نقمى : ـ بالتحريك والقصر ـ : موضع من اعراض المدينة كان لآل أبى طالب.

(٣) المنسف : الغربال الكبير.

(٤) المجزع : المقطع

٢٢٨

فصاح به العمري لا توطئ زرعنا فتوطأه أبو الحسن ع بالحمار حتى وصل إليه فنزل وجلس عنده وباسطه وضاحكه وقال كم غرمت على زرعك هذا فقال مائتي دينار قال فكم ترجو أن يحصل منه قال لست أعلم الغيب قال إنما قلت كم ترجو أن يجيئك فيه قال أرتجي فيه مائتي دينار قال فأخرج له أبو الحسن ع صرة فيها ثلاثمائة دينار وقال هذا زرعك على حاله والله يرزقك ما ترجو قال فقام العمري فقبل رأسه وسأله أن يصفح عن فارطه (١) فتبسم إليه أبو الحسن ع وانصرف وراح إلى المسجد فوجد العمري جالسا فلما نظر إليه قال الله أعلم حيث يجعل رسالاته.

قال فوثب إليه أصحابه فقالوا ما قصتك قد كنت تقول غير هذا فقال لهم قد سمعتم ما قلت الآن وجعل يدعو لأبي الحسن ع فخاصموه وخاصمهم فلما رجع أبو الحسن ع إلى داره قال لأصحابه الذين أشاروا بقتل العمري كيف رأيتم أصلحت أمره وكفيت شره.

وذكر جماعة من أهل العلم أن أبا الحسن ع كان يصل بالمائتي دينار إلى الثلاثمائة دينار وكانت صرار (٢) موسى ع مثلا.

وذكر ابن عمار وغيره من الرواة أنه لما خرج الرشيد إلى الحج وقرب من المدينة استقبله الوجوه من أهلها يقدمهم موسى بن جعفر ع على بغلة فقال له الربيع ما هذه الدابة التي تلقيت عليها أمير المؤمنين وأنت إن طلبت عليها لم تدرك وإن طلبت عليها لم تفت فقال إنها تطأطأت عن خيلاء الخيل وارتفعت عن ذلة العير وخير الأمور أوسطها قالوا ولما دخل الرشيد المدينة توجه إلى زيارة النبي ص ومعه الناس فتقدم إلى قبر رسول الله ص فقال السلام عليك يا رسول الله السلام عليك يا ابن عم مفتخرا بذلك على غيره فتقدم موسى ع إلى القبر

__________________

(١) أي يعفو عما تقدم منه من الإساءة وسوء الأدب.

(٢) جمع صرة.

٢٢٩

وقال السلام عليك يا رسول الله السلام عليك يا أبة فتغير وجه الرشيد وتبين الغيظ فيه.

وأخبر عبد الحميد قال سأل محمد بن الحسن أبا الحسن موسى ع بمحضر من الرشيد وهم بمكة فقال أيجوز للمحرم أن يظلل على محمله نفسه (١) فقال له موسى لا يجوز له ذلك مع الاختيار فقال له محمد بن الحسن أفيجوز له أن يمشي تحت الظلال مختارا فقال له نعم فتضاحك له محمد بن الحسن من ذلك فقال له أبو الحسن موسى ع أتعجب من سنة النبي ص وتستهزئ بها أن رسول الله كشف ظلاله في إحرامه ومشى تحت الظلال وهو محرم إن أحكام الله يا محمد لا تقاس فمن قاس بعضها ببعض فقد ضل عن السبيل فسكت محمد بن الحسن لا يرجع جوابا.

وقد روى الناس عن أبي الحسن موسى ع فأكثروا وكان أفقه أهل زمانه كما قدمناه وأحفظهم لكتاب الله عزوجل وأحسنهم صوتا بالقرآن وكان إذا قرأ يحزن ويبكي ويبكي السامعين وكان الناس بالمدينة يسمونه زين المتهجدين وسمي بالكاظم لما كظمه من الغيظ وصبر عليه من فعل الظالمين به حتى مضى قتيلا في حبسهم ووثاقهم ص.

وقال باب ذكر السبب في وفاته وطرف من الخبر في ذلك.

وكان السبب في قبض الرشيد على أبي الحسن ع وحبسه وقتله ما ذكره أحمد بن عبيد الله بن عمار عن علي بن محمد النوفلي عن أبيه وأحمد بن محمد بن سعيد وأبو محمد الحسن بن محمد بن يحيى عن مشايخهم قالوا كان السبب في أخذ موسى بن جعفر ع أن الرشيد جعل ابنه في حجر جعفر بن محمد بن الأشعث فحسده يحيى بن خالد بن برمك على ذلك وقال إن أفضت إليه الخلافة زالت دولتي ودولة ولدي فاحتال على جعفر بن محمد وكان يقول بالإمامة حتى داخله وآنس به وكان يكثر غشيانه في منزله فيقف على أمره ويرفعه إلى الرشيد ويزيد عليه في ذلك بما يقدح في قلبه ثم قال لبعض ثقاته تعرفون لي رجلا من آل أبي طالب ليس بواسع الحال

__________________

(١) وفي بعض النسخ «على نفسه».

٢٣٠

يعرفني ما أحتاج إليه فدل على علي بن إسماعيل بن جعفر بن محمد فحمل إليه يحيى بن خالد مالا وكان موسى ع يأنس بعلي بن إسماعيل ويصله ويبره ثم أنفذ إليه يحيى بن خالد يرغبه في قصد الرشيد ويعده بالإحسان إليه فعمل على ذلك فأحس به موسى ع فدعا به فقال إلى أين يا ابن أخي قال إلى بغداد قال وما تصنع قال علي دين وأنا مملق (١) فقال له موسى ع أنا أقضي دينك وأفعل بك وأصنع فلم يلتفت إلى ذلك وعمل على الخروج فاستدعاه أبو الحسن ع فقال له أنت خارج قال نعم لا بد لي من ذلك فقال له انظر يا ابن أخي واتق الله ولا تؤتم أطفالي وأمر له بثلاثمائة دينار وأربعة آلاف درهم فلما قام من بين يديه قال أبو الحسن ع لمن حضره والله ليسعين في دمي ويؤتمن أولادي فقالوا جعلني الله فداك وأنت تعلم هذا من حاله وتعطيه وتصله قال نعم. حدثني أبي عن آبائه عن رسول الله ص أن الرحم إذا قطعت فوصلت فقطعت قطعها الله وأنني أردت أن أصله بعد قطعه حتى إذا قطعني قطعه الله.

قالوا فخرج علي بن إسماعيل حتى أتى يحيى بن خالد فتعرف منه خبر موسى بن جعفر ع ورفعه إلى الرشيد فسأله عن عمه فسعى به إليه وقال إن الأموال تحمل إليه من المشرق والمغرب وإنه اشترى ضيعة سماه اليسيرية بثلاثين ألف دينار فقال له صاحبها وقد أحضره المال لا آخذ هذا النقد ولا آخذ إلا نقد كذا وكذا فأمر بذلك المال فرد وأعطاه ثلاثين ألف دينار من النقد الذي سأل بعينه.

فسمع ذلك منه الرشيد وأمر له بمائتي ألف درهم تسبب على بعض النواحي فاختار بعض كور المشرق (٢) ومضت رسله لقبض المال وأقام ينتظرهم فدخل في بعض تلك الأيام إلى الخلاء فزحر زحرة (٣) خرجت منها حشوته كلها فسقط و

__________________

(١) الاملاق : الفقر والفاقة.

(٢) الكور : القطيع من الإبل أو الغنم.

(٣) الزحير والزحار : استطلاق البطن.

٢٣١

جهدوا في ردها فلم يقدروا فوقع لما به وجاءه المال وهو ينزع فقال ما أصنع به وأنا في الموت.

وخرج الرشيد في تلك السنة إلى الحج وبدأ بالمدينة فقبض على أبي الحسن ع يقال إنه لما ورد المدينة استقبله موسى ع في جماعة من الأشراف وانصرفوا من استقباله فمضى أبو الحسن ع إلى المسجد على رسمه وأقام الرشيد إلى الليل وصار إلى قبر رسول الله ص فقال يا رسول الله إني أعتذر إليك من أمر أريد أن أفعله أريد أن أحبس موسى بن جعفر فإنه يريد التشتيت بين أمتك وسفك دمائهم ثم أمر به فأخذ من المسجد فأدخل إليه فقيده واستدعى قبتين فجعله في أحدهما على بغل وجعل القبة الأخرى على بغل آخر وخرج البغلان من داره عليهما القبتان مستورتان ومع كل واحدة منهما خيل فافترقت الخيل فمضى بعضها مع إحدى القبتين على طريق البصرة والأخرى على طريق الكوفة وكان أبو الحسن ع في القبة التي مضى بها على طريق البصرة وإنما فعل الرشيد ذلك ليعمي على الناس الأمر في باب أبي الحسن وأمر القوم الذين كانوا مع قبة أبي الحسن أن يسلموه إلى عيسى بن جعفر بن المنصور وكان على البصرة حينئذ فسلم إليه فحبسه عنده سنة وكتب إليه الرشيد في دمه فاستدعى عيسى بن جعفر بعض خاصته وثقاته فاستشارهم فيما كتب إليه الرشيد فأشاروا عليه بالتوقف عن ذلك والاستعفاء منه فكتب عيسى بن جعفر إلى الرشيد يقول له قد طال أمر موسى بن جعفر ومقامه في حبسي وقد اختبرت حاله ووضعت عليه العيون طول هذه المدة فما وجدته يفتر عن العبادة ووضعت من يسمع منه ما يقول في دعائه فما دعا عليك ولا علي وما ذكرنا بسوء وما يدعو إلا بالمغفرة والرحمة لنفسه وإن أنت أنفذت إلى من يتسلمه مني وإلا خليت سبيله فإني متحرج (١) من حبسه ..

وروى أن بعض عيون عيسى بن جعفر رفع إليه أنه سمعه كثيرا يقول في دعائه وهو محبوس عنده اللهم إنك تعلم أني كنت أسألك أن تفرغني لعبادتك

__________________

(١) تحرج من الامر : جانب الحرج اي الاثم.

٢٣٢

اللهم وقد فعلت فلك الحمد

فوجه الرشيد من تسلمه عن عيسى بن جعفر وصير به إلى بغداد فسلم إلى الفضل بن الربيع فبقي عنده مدة طويلة فأراده الرشيد على شيء من أمره فأبى فكتب إليه بتسليمه إلى الفضل بن يحيى فتسلمه منه وجعله في بعض حجر دوره ووضع عليه الرصد وكان ع مشغولا بالعبادة يحيي الليل كله صلاة وقراءة للقرآن ودعاء واجتهادا ويصوم النهار في أكثر الأيام ولا يصرف وجهه عن المحراب فوسع عليه الفضل بن يحيى وأكرمه فاتصل ذلك بالرشيد وهو في الرقة فكتب إليه ينكر عليه توسيعه على موسى ع ويأمره بقتله فتوقف عن ذلك ولم يقدم عليه.

فاغتاظ الرشيد لذلك ودعا مسرور الخادم فقال له اخرج على البريد في هذا الوقت إلى بغداد وادخل من فورك على موسى بن جعفر فإن وجدته في دعة ورفاهية فأوصل هذا الكتاب إلى العباس بن محمد ومره بامتثال ما فيه وسلم إليه كتابا آخر إلى السندي بن شاهك يأمره بطاعة العباس بن محمد فقدم مسرور فنزل دار الفضل بن يحيى لا يدري أحد ما يريد ثم دخل على موسى بن جعفر فوجده على ما بلغ الرشيد فمضى من فوره إلى العباس بن محمد والسندي بن شاهك فأوصل الكتابين إليهما فلم يلبث الناس أن خرج الرسول يركض إلى الفضل بن يحيى فركب معه وخرج مشدوها دهشا حتى دخل على العباس فدعا العباس بسياط وعقابين وأمر بالفضل فجرد وضربه السندي بين يديه مائة سوط وخرج متغير اللون خلاف ما دخل وجعل يسلم على الناس يمينا وشمالا.

وكتب مسرور بالخبر إلى الرشيد فأمر بتسليم موسى ع إلى السندي بن شاهك وجلس الرشيد مجلسا حافلا وقال أيها الناس إن الفضل بن يحيى قد عصاني وخالف طاعتي ورأيت أن ألعنه فالعنوه فلعنه الناس من كل ناحية حتى ارتج البيت والدار بلعنه وبلغ يحيى بن خالد الخبر فركب إلى الرشيد فدخل من غير الباب الذي يدخل الناس منه حتى جاءه من خلفه وهو لا يشعر ثم

٢٣٣

قال التفت يا أمير المؤمنين فأصغى إليه فزعا فقال له إن الفضل حدث وأنا أكفيك ما تريد.

فانطلق وجهه وسر وأقبل على الناس وقال إن الفضل كان قد عصاني في شيء فلعنته وقد تاب وأناب إلى طاعتي فتولوه فقالوا نحن أولياء من واليت وأعداء ما عاديت وقد توليناه ثم خرج يحيى بن خالد على البريد حتى وافى بغداد فهاج الناس وأرجفوا بكل شيء وأظهر أنه ورد لتعديل السواد والنظر في أمور العمال وتشاغل ببعض ذلك أياما ثم دعا السندي فأمره فيه بأمره فامتثله وكان الذي تولى به السندي قتله ع سما جعله في طعامه قدمه إليه ويقال إنه جعله في رطب أكل منه فأحس بالسم ولبث بعده ثلاثا موعوكا منه (١) ثم مات في اليوم الثالث.

ولما مات موسى ع أدخل السندي بن شاهك الفقهاء ووجوه أهل بغداد وفيهم الهيثم بن عدي وغيره فنظروا إليه ولا أثر به من جراح ولا خنق وأشهدهم على أنه مات حتف أنفه فشهدوا على ذلك وأخرج ووضع على الجسر ببغداد ونودي هذا موسى بن جعفر قد مات فانظروا إليه فجعل الناس يتفرسون في وجهه وهو ميت صلوات الله عليه.

وقد كان قوم زعموا في أيام موسى ع أنه هو القائم المنتظر وجعلوا حبسه هو الغيبة المذكورة للقائم فأمر يحيى بن خالد أن ينادى عليه عند موته هذا موسى بن جعفر الذي تزعم الرافضة أنه لا يموت فانظروا إليه فنظر الناس إليه ميتا ثم حمل ودفن في مقابر قريش من باب التين وكانت هذه المقبرة لبني هاشم.

وروى أنه ع لما حضرته الوفاة سأل السندي أن يحضره مولى له مدنيا ينزل عند دار العباس بن محمد في مشرعة القصب ليتولى غسله وتكفينه ففعل ذلك ..

قال السندي بن شاهك وكنت سألته في الإذن لي أن أكفنه وأبى وقال

__________________

(١) الوعك : الحمى.

٢٣٤

إنا أهل بيت مهور نسائنا وحج صرورتنا (١) وأكفان موتانا من طاهر أموالنا وعندي كفن وأريد أن يتولى غسلي وجهازي مولاي فلان فتولى ذلك منه.

قلت بعدا لهذه الأحلام الهافية والأديان الواهية والعقائد المدخولة والنحل المجهولة والأنفس الظالمة والحركات الفاسدة والأهواء الغالبة والهمم القاصرة والسيرة القاسطة والطبائع العادية والعقول الغائبة فلقد أتوها شنعاء شوهاء جذاء تبكي لها الأرض والسماء وأظلم منها النهار تجاوزت حدها الأقدار ولم يأت بمثلها الكفار هل عرفوا أي دم سفكوا وأي حرمة انتهكوا وبمن فتكوا حين فتكوا وكيف أساءوا حين ملكوا فما أبقى ولا تركوا لم يخافوا أن تميد بهم الأرض فتهلكهم بزلزالها وتحل بهم المنايا فتعركهم بثفالها (٢) أو تمطرهم السماء بالعذاب أو تسد عليهم أبواب الخير في الدنيا ولهم في الآخرة سوء الحساب ألم يعلموا أنهم أراقوا دم النبي ص ألم يخرقوا بفعلهم هذا حرمة الإسلام ألم يعيدوها أموية ألم ينصبوا جسد النبي ص كما نصبه أولئك ذرية أما فعل الأواخر بموسى كما فعل الأوائل بالحسين ع أما جهدوا جميعا في تشتيت الكلمة وتفريق ذات البين ما أشبه الفعل الأول بالآخر وما أقرب نسبه الخافي إلى الظاهر ويحهم ثم هلا قنعوا بحبسه ولم يقدموا على إزهاق نفسه وتكوير شمسه هل أنكروا مجده وشرفه أو جهلوا قديمه وسلفه كلا والله بل عرفوه وأنكروه وأساءوا إليه بعد ما اختبروه فأقدموا منه على ما يوجب سخط الله العظيم والعدول عن النهج القويم والصراط المستقيم والخلود في العذاب الأليم أما علموا أن الله ادخر للظالمين جحيما أما قرءوا (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً) أتراهم لم يعرفوا إيمانه ومذهبه ولا تحققوا أصله ونسبه بلى والله ولكن حب

__________________

(١) الصرورة : الذي لم يحج بعد.

(٢) الثفال : جلد يبسط فتوضع فوقه الرحى فيطحن باليد ليسقط عليه الدقيق ومنه قول زهير في معلقته «فتعرككم عرك الرحى بثفالها * وتلقح كشافا ثمّ تنتج فتتئم».

٢٣٥

الفانية أعمى القلوب والأبصار ووطن الأنفس على دخول النار ولقد أذكرتني حاله ع بيتا أنشدنيه الصاحب الشهيد السعيد تاج الدين محمد بن نصر بن الصلايا الحسيني قدس الله روحه حين عد المماليك على الملك المعظم ـ توران شاه بن الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الملك الكامل ناصر الدين محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب فقتلوه بمصر في محرم سنة ثمان وأربعين وستمائة وساعدهم على قتله اثنان من عبيده اسم أحدهما محسن والآخر رشيد وهو :

ومن عجب الدنيا إساءة محسن

وغي رشيد وامتهان معظم

 وقال المفيد رحمه‌الله باب عدد أولاده وطرف من أخبارهم.

وكان لأبي الحسن ع سبعة وثلاثون ولدا ذكرا وأنثى منهم الإمام علي بن موسى الرضا ع وإبراهيم والعباس والقاسم لأمهات أولاد شتى وإسماعيل وجعفر وهارون والحسن لأم ولد وأحمد ومحمد وحمزة لأم ولد وعبد الله وإسحاق وعبيد الله وزيد والحسن والفضل وسليمان لأمهات أولاد وفاطمة الكبرى وفاطمة الصغرى ورقية وحكيمة ـ وأم أبيها ورقية الصغرى وكلثوم وأم جعفر ولبابة وزينب وخديجة وعلية وآمنة وحسنة وبريهة وعائشة وأم سلمة وميمونة وأم كلثوم.

وكان أفضل ولد أبي الحسن موسى ع وأنبههم ذكرا وأعظمهم قدرا وأعلمهم وأجمعهم فضلا أبو الحسن علي بن موسى الرضا ع وكان أحمد بن موسى كريما جليلا ورعا وكان أبو الحسن موسى ع يحبه ويقدمه ووهب له ضيعته المعروفة باليسيرية ويقال إن أحمد بن موسى رضي الله عنه أعتق ألف مملوك.

وروى أن محمد بن موسى صاحب وضوء وصلاة وكان ليله كله يتوضأ ويصلي فيسمع سكب الماء (١) ثم يصلي ليلا ثم يهدأ ساعة (٢) فيرقد ويقوم فيسمع سكب الماء والوضوء ويصلي ليلا ثم يرتد سويعة ثم يقول فيسمع سكب الماء والوضوء فلا يزال

__________________

(١) سكب الماء : صبه.

(٢) هدء : سكن.

٢٣٦

كذلك حتى يصبح.

قال الراوي وما رأيته قط إلا ذكرت قوله تعالى (كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ).

وكان إبراهيم بن موسى شجاعا كريما وتقلد الأمر على اليمن في أيام المأمون من قبل محمد بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ع الذي بايعه أبو السرايا بالكوفة ومضى إليها ففتحها وأقام مدة إلى أن كان من أمر أبي السرايا ما كان وأخذ له الأمان من المأمون.

ولكل واحد من أولاد أبي الحسن موسى ع فضل ومنقبة مشهورة وكان الرضا ع المقدم عليهم في الفضل حسب ما ذكرناه آخر كلامه.

قال ابن الخشاب ذكر الأمين موسى بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي سيد العابدين بن الحسين بن علي صلوات الله عليهم أجمعين وبالإسناد الأول عن محمد بن سنان ولد موسى بن جعفر بالأبواء سنة ثمان وعشرين ومائة وقبض وهو ابن أربع وخمسين سنة في سنة مائة وثلاث وثمانين ويقال خمس وخمسين سنة وفي رواية أخرى بل كان مولده سنة مائة وتسع وعشرين من الهجرة حدثني بذلك صدقة عن أبيه عن الحسن بن محبوب.

وكان مقامه مع أبيه أربع عشرة سنة وأقام بعد أبيه خمسا وثلاثين سنة وفي الرواية الأخرى بل أقام موسى مع أبيه جعفر عشرين سنة حدثني بذلك حرب عن أبيه عن الرضا.

وقبض موسى وهو ابن خمس وخمسين سنة ـ سنة مائة وثلاث وثمانين أمه حميدة البربرية ويقال الأندلسية أم ولد وهي أم إسحاق وفاطمة ولد له عشرون ابنا وثمانية عشر بنتا أسماء بنيه علي الرضا الإمام وزيد وإبراهيم وعقيل وهارون والحسن والحسين وعبد الله وإسماعيل وعبيد الله وعمر وأحمد وجعفر ويحيى وإسحاق والعباس وحمزة وعبد الرحمن والقاسم وجعفر الأصغر ويقال موضع عمر محمد.

٢٣٧

وأسماء البنات خديجة وأم فروة وأسماء وعلية وفاطمة وفاطمة وأم كلثوم وأم كلثوم وآمنة وزينب وأم عبد الله وزينب الصغرى وأم القاسم وحكيمة وأسماء الصغرى ومحمودة وأمامة وميمونة.

لقبه الكاظم والصابر والصالح والأمين يكنى بأبي الحسن وأبي إسماعيل قبره ببغداد بمقابر قريش آخر كلام ابن الخشاب.

ومن كتاب الدلائل قال دلائل أبي إبراهيم موسى بن جعفر ع روى أحمد بن محمد عن أبي قتادة القمي عن أبي خالد الزبالي قال قدم أبو الحسن موسى زبالة (١) ومعه جماعة من أصحاب المهدي بعثهم في إشخاصه القدمة الأولى قال وأمرني بشراء حوائج له فنظر إلي وأنا مغموم فقال لي يا أبا خالد ما لي أراك مغموما قلت هو ذا تصير إلى هذا الطاغية ولا آمنه عليك فقال يا أبا خالد ليس علي منه بأس إذا كان شهر كذا وكذا في يوم كذا وكذا فانتظرني في أول الليل فإني أوافيك إن شاء الله فما كانت لي همة إلا إحصاء الشهور والأيام حتى كان ذلك اليوم فغدوت إلى أول الليل في المصر الذي وعدني فلم أزل أنتظره إلى أن كادت الشمس أن تغيب ووسوس الشيطان في صدري فلم أر أحدا ثم تخوفت أن أشك ووقع في قلبي أمر عظيم فبينا أنا كذلك وإذا سواد قد أقبل من ناحية العراق فانتظرته فوافاني أبو الحسن أمام القطار على بغلة له فقال إيه أبا خالد قلت لبيك يا ابن رسول الله قال لا تشكن ود (٢) الشيطان أنك شككت قلت قد كان ذلك قال فسررت بتخليصه فقلت الحمد لله الذي خلصك من الطاغية فقال يا با خالد إن لهم إلي عودة لا أتخلص منها.

وعن علي بن أبي حمزة قال دخلت على أبي الحسن موسى ع في السنة التي

__________________

(١) زبالة : منزل بطريق مكّة من الكوفة. وهي قرية عامرة بها أسواق بين واقصة والثعلبية كما قاله الحموي.

(٢) كذا في أكثر النسخ وتوافقه رواية الكليني (ره) في الكافي لكن في بعض النسخ وفي اثبات الهداة للمحدث الحرّ العامليّ (ره) : «رد» مكان «ود».

٢٣٨

قبض فيها أبو عبد الله الصادق ع فقلت له كم أتى لك قال تسع عشرة سنة قال فقلت إن أباك أسر إلي سرا وحدثني بحديث فأخبرني به فقال لي قال لك كذا وكذا حتى نسق على جميع ما أخبرني به أبو عبد الله ع.

وعن مولى لأبي عبد الله ع قال كنا مع أبي الحسن ع حين قدم به البصرة فلما أن كان قرب المدائن ركبنا في أمواج كثيرة وخلفنا سفينة فيها امرأة تزف إلى زوجها وكانت لهم جلبة فقال ما هذه الجلبة قلنا عروس فما لبثنا أن سمعنا صيحة فقال ما هذا فقالوا ذهبت العروس لتغترف ماء فوقع منها سوار من ذهب فصاحت فقال احبسوا وقولوا لملاحهم يحبس فجلسنا وحبس ملاحهم فاتكأ على السفينة وهمس (١) قليلا وقال قولوا لملاحهم يتزر بفوطة (٢) وينزل فيتناول السوار فنظرنا فإذا السوار على وجه الأرض وإذا ماء قليل فنزل الملاح فأخذ السوار فقال أعطها وقل لها فلتحمد الله ربها ثم سرنا.

فقال له أخوه إسحاق جعلت فداك الدعاء الذي دعوت به علمنيه قال نعم ولا تعلمه من ليس له بأهل ولا تعلمه إلا من كان من شيعتنا ثم قال اكتب فأملأ علي إنشاء يا سابق كل فوت يا سامعا لكل صوت قوي أو خفي يا محيي النفوس بعد الموت لا تغشاك الظلمات الحندسية ولا تشابه عليك اللغات المختلفة ولا يشغلك شيء عن شيء يا من لا تشغله دعوة داع دعاه من الأرض عن دعوة داع دعاه من السماء يا من له عند كل شيء من خلقه سمع سامع وبصر نافذ يا من لا تغلطه كثرة المسائل ولا يبرمه إلحاح الملحين يا حي حين لا حي في ديمومة ملكه وبقائه يا من سكن العلى واحتجب عن خلقه بنوره

__________________

(١) أي تكلم بكلام خفى.

(٢) الفوطة واحدة الفوط : مآزر مخططة يشتريها الجمالون والاعراب والخدم وسفل الناس فيأتزرون بها.

(٣) الحندس : الليل الشديد الظلمة.

٢٣٩

يا من أشرقت لنوره دجاء الظلم (١) أسألك باسمك الواحد الأحد الفرد الصمد الذي هو من جميع أركانك كلها صل على محمد وأهل بيته ثم سل حاجتك.

وعن الوشاء قال حدثني محمد بن يحيى عن وصي علي بن السري قال قلت لأبي الحسن موسى بن جعفر ع إن علي بن السري توفي وأوصى إلي فقال رحمه‌الله فقلت وإن ابنه جعفرا وقع على أم ولد له وأمرني أن أخرجه من الميراث فقال لي أخرجه وإن كان صادقا فسيصيبه خبل (٢) قال فرجعت فقدمني إلى أبي يوسف القاضي فقال له أصلحك الله أنا جعفر بن علي بن السري وهذا وصي أبي فمره أن يدفع إلي ميراثي من أبي فقال ما تقول قلت نعم هذا جعفر وأنا وصي أبيه قال فادفع إليه ماله فقلت له أريد أن أكلمك فقال ادنه (٣) فدنوت حيث لا يسمع أحد كلامي فقلت هذا وقع على أم ولد لأبيه فأمرني أبوه وأوصاني أن أخرجه من الميراث ولا أورثه شيئا فأتيت موسى بن جعفر ع بالمدينة فأخبرته وسألته فأمرني أن أخرجه من الميراث ولا أورثه شيئا قال فقال الله إن أبا الحسن أمرك بذلك قلت نعم فاستحلفني ثلاثا وقال أنفذ ما أمرك به فالقول قوله قال الوصي وأصابه الخبل بعد ذلك قال الحسن بن علي الوشاء رأيته على ذلك. (٤)

__________________

(١) الدجى : سواد الليل مع غيم لا ترى نجما ولا قمرا.

(٢) الخبل : نقصان العقل والجنون.

(٣) الهاء في «ادنه» للسكت كما في قوله تعالى«ما هِيَهْ»(٤) وكتب في هامش نسخة مخطوطة سطورا برمز «صح» وظاهرها انها من المؤلّف لكن خلت ساير النسخ منها وها هي :

«قلت : هذا الخبر يحتاج إلى فضل تأمل في معرفة راويه ، فإنه لو صح ذلك عن ابن الميت وجب عليه الحدّ ولم يسقط ميراثه ، وبلغني بعد ذلك أنه كان من مذهب أبي يوسف ان المجتهد يقلد من هو أعلم منه ، وروى في كتب أصولهم ان أبا يوسف حكم على إنسان بحكم ما ، فقال له : قد حكمت على بخلاف ما حكم لي موسى بن جعفر ، قال : فما الذي حكم به؟ ـ

٢٤٠