كشف الغمّة في معرفة الأئمّة - ج ٢

أبي الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح الاربلي

كشف الغمّة في معرفة الأئمّة - ج ٢

المؤلف:

أبي الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح الاربلي


المحقق: السيد هاشم الرسولي المحلاتي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة بني هاشمي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٦٠
الجزء ١ الجزء ٢

تمام الوضوء بنفسه وزاد ذلك في غيظه ووجده عليه. (١)

وكان ع يزري على الحسن والفضل ابني سهل عند المأمون إذا ذكرهما ويصف له مساويهما وينهاه عن الإصغاء إلى قولهما وعرفا ذلك منه (٢) فجعلا يخطيان عليه عند المأمون ويذكران له عنه ما يبعده منه ويخوفانه من حمل الناس عليه فلم يزالا كذلك حتى قلبا رأيه فيه وعمل على قتله فاتفق أنه أكل هو والمأمون طعاما فاعتل منه الرضا ع وأظهر المأمون تمارضا.

فذكر محمد بن علي بن حمزة عن منصور بن بشير عن أخيه عبد الله بن بشير قال أمرني المأمون أن أطول أظفاري على العادة ولا أظهر لأحد ذلك ثم استدعاني فأخرج لي شيئا يشبه التمر الهندي وقال لي اعجن هذا بيديك جميعا ففعلت ثم قام وتركني ودخل على الرضا ع فقال ما خبرك قال له أرجو أن أكون صالحا قال له وأنا اليوم بحمد الله صالح فهل جاءك أحد من المترفين في هذا اليوم قال لا فغضب المأمون وصاح على غلمانه قال فخذ ماء الرمان الساعة فإنه مما لا يستغنى عنه ثم دعاني فقال ايتنا برمان فأتيته به فقال لي اعتصره بيديك ففعلت وسقاه المأمون للرضا ع بيده فكان ذلك سبب وفاته ولم يلبث إلا يومين حتى مات ع.

وذكر عن أبي الصلت الهروي قال دخلت على الرضا ع وقد خرج المأمون من عنده فقال لي يا أبا الصلت قد فعلوها وجعل يوحد الله ويمجده.

وروي عن محمد بن الجهم أنه قال ـ كان الرضا ع يعجبه العنب فأخذ له منه

__________________

(١) الوجد بمعنى الغضب.

(٢) قال المجلسيّ (ره) ان الوقيعة في ابني سهل لم يكن للدنيا بل كان ذلك لما وجب عليه من الامر بالمعروف والنهى عن المنكر ورفع الظلم عن المسلمين مهما أمكن وسيأتي تمام كلامه (ره) في باب الاختلاف في موت الرضا (ع) حتف أنفه أو مضيه (ع) شهيدا مسموما.

٢٨١

شيء فجعل في مواضع أقماعه الإبر(١) أياما ثم نزعت منه وجيء به إليه فأكل منه وهو في علته التي ذكرناها فقتله وذكر أن ذلك من ألطف السموم.

ولما توفي الرضا ع كتم المأمون موته يوما وليلة ثم أنفذ إلى محمد بن جعفر الصادق ع وجماعة من آل أبي طالب الذين كانوا عنده فلما حضروه نعاه إليهم وبكى وأظهر حزنا شديدا وتوجعا وأراهم إياه صحيح الجسم وقال يعز علي أن أراك يا أخي في هذه الحال وقد كنت آمل أن أقدم قبلك فأبى الله إلا ما أراد ثم أمر بغسله وتكفينه وتحنيطه وخرج مع جنازته يحملها حتى انتهى إلى الموضع الذي هو مدفون فيه الآن فدفنه والموضع دار حميد بن قحطبة في قرية يقال لها سناباذ على دعوة (٢) من نوقان بأرض طوس وفيها قبر هارون الرشيد وقبر أبي الحسن ع بين يديه في قبلته.

ومضى الرضا ع ولم يترك ولدا نعلمه إلا ابنه الإمام بعده أبا جعفر محمد بن علي ع وكان سنه يوم وفاة أبيه سبع سنين وأشهرا آخر كلام الشيخ المفيد رحمه‌الله تعالى.

قال العبد الفقير إلى الله تعالى عبد الله علي بن عيسى جامع هذا الكتاب أثابه الله تعالى بلغني ممن أثق به أن السيد رضي الدين علي بن الطاوس رحمه‌الله كان لا يوافق على أن المأمون سقى عليا ع ولا يعتقده وكان رحمه‌الله كثير المطالعة والتنقيب والتفتيش على مثل ذلك والذي كان يظهر من المأمون من حنوه عليه وميله إليه واختياره له دون أهله وأولاده مما يؤيد ذلك ويقرره وقد ذكر المفيد رحمه‌الله شيئا ما يقبله نقدى ولعلي واهم وهو أن الإمام ع كان يعيب ابني سهل عند المأمون ويقبح ذكرهما إلى غير ذلك وما كان أشغله بأمور دينه وآخرته

__________________

(١) الاقماع جمع القمع : ما التزق بأسفل التمرة والبسرة ونحوهما حول علاقتهما. والابر جمع الإبرة.

(٢) أي قريب منه يقال هو منى دعوة الرجل اي هو قريب منى بيني وبينه قدر ما بيني وبين الذي أدعوه وهو متل قولهم هو منى رمية السهم.

٢٨٢

واشتغاله بالله عن مثل ذلك وعلى رأي المفيد رحمه‌الله أن الدولة المذكورة من أصلها فاسدة وعلى غير قاعدة مرضية فاهتمامه ع بالوقيعة فيهما حتى أغراهما بتغيير رأي الخليفة عليه فيه ما فيه.

ثم إن نصيحته للمأمون وإشارته عليه بما ينفعه في دينه لا يوجب أن يكون سببا لقتله وموجبا لركوب هذا الأمر العظيم منه وقد كان يكفي في هذا الأمر أن يمنعه عن الدخول عليه أو يكفه عن وعظه.

ثم إنا لا نعرف أن الإبر إذا غرست في العنب صار العنب مسموما ولا يشهد به القياس الطبي والله تعالى أعلم بحال الجميع وإليه المصير وعند الله تجتمع الخصوم. (١)

__________________

(١) قال المجلسيّ (ره) في البحار : أعلم ان أصحابنا والمخالفين اختلفوا ان الرضا (ع) هل مات حتف أنفه أو مضى شهيدا بالسم ، وعلى الأخير هل سمه المأمون لعنه اللّه أو غيره والأشهر بيننا انه (ع) مضى شهيدا بسم المأمون ، وينسب إلى السيّد عليّ بن طاوس انه أنكر ذلك وكذا أنكره الأربلي في كشف الغمّة وردّ ما ذكره المفيد (ره) بوجوه سخيفة ، ثمّ ذكر كلام المؤلّف (ره) ـ ثم قال : ولا يخفى وهنه إذا الوقيعة في ابني سهل لم يكن للدنيا حتى يمنعه الاشتغال بعبادة اللّه تعالى بل كان ذلك لما وجب عليه من الامر بالمعروف والنهى عن المنكر ورفع الظلم عن المسلمين مهما أمكن.

وكون خلافة المأمون فاسدة أيضا لا يمنع منه كما لا يمنع بطلان خلافة الغاصبين ارشاد أمير المؤمنين إياهم لمصالح المسلمين في الغزوات وغيرها.

ثمّ انه ظاهران نصيحة الأشقياء ووعظهم بمحضر الناس لا سيما المدعين للفضل والخلافة ممّا يثير حقدهم وحسدهم وغيظهم مع أنه لعنه اللّه كان أول أمره مبنيا على الحيلة والخديعة لاطفاء نائرة الفتن الحادثة من الاشراف والسادة من العلويين في الأطراف فلما استقر امره أظهر كيده فالحق ما اختاره الصدوق والمفيد وغيرهما من أجلة أصحابنا انه مضى شهيدا بسم المأمون.

٢٨٣

ورأيت في كتاب يعرف بكتاب النديم لم يحضرني عند جمع هذا الكتاب أن جماعة من بني العباس كتبوا إلى المأمون يسفهون رأيه في توليه الرضا ع العهد بعده وإخراجه عنهم إلى بني علي ع ويبالغون في تخطئته وسوء رأيه فكتب إليهم جوابا غليظا سبهم فيه ونال من أعراضهم وقال فيهم القبائح وقال من جملة ما قال وبقي على خاطري أنتم نطف السكارى في أرحام القيان إلى غير ذلك وذكر الرضا ع ونبه على فضله وشرفه وشرف نفسه وبيته وهذا وأمثاله مما ينفي عن المأمون الإقدام على إزهاق تلك النفس الطاهرة والسعي فيما يوجب خسران الدنيا والآخرة والله أعلم.

قال ابن الخشاب رحمه‌الله ذكر أبي الحسن الرضا علي بن موسى الأمين بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم أجمعين.

وبهذا الإسناد عن محمد بن سنان توفي وله تسع وأربعون سنة وأشهر في سنة مائتي سنة وستة من الهجرة وكان مولده سنة مائة وثلاث وخمسين من الهجرة بعد مضي أبي عبد الله بخمس سنين وأقام مع أبيه خمسا وعشرين سنة إلا شهرين فكان عمره تسعا وأربعين سنة وأشهرا وقبره بطوس بمدينة خراسان أمه الخيزران المرسية أم ولد ويقال شقراء النوبية وتسمى أروى أم البنين يكنى بأبي الحسن ولد له خمس بنين وابنة واحدة أسماء بنيه محمد الإمام أبو جعفر الثاني أبو محمد الحسن وجعفر وإبراهيم والحسن وعائشة فقط.

لقبه الرضا والصابر والرضي والوفي.

ونقلت من عيون أخبار الرضا ع تصنيف الشيخ عماد الدين أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي جزاه الله خيرا عن ياسر الخادم قال سمعت أبا الحسن علي بن موسى الرضا ع يقول من شبه الله بخلقه فهو مشرك ومن نسب إليه ما نهى عنه فهو كافر.

وعنه عن آبائه ع قال قال الله تعالى ما آمن بي من فسر كلامي

٢٨٤

برأيه وما عرفني من شبهني بخلقي وما على ديني من استعمل القياس في ديني.

وعن الفضل بن شاذان قال سمعت الرضا ع يقول في دعائه سبحان من خلق الخلق بقدرته وأتقن ما صنع بحكمته ووضع كل شيء منه موضعه بعلمه سبحان من (يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ) و (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ).

وعنه ع وقد سئل عن قوله تعالى (وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ) (١) فقال إن الله تبارك وتعالى لا يوصف في الشرك كما يوصف خلقه ولكنه متى علم أنهم لا يرجعون عن الكفر والضلال منعهم المعاونة واللطف وخلى بينهم وبين اختيارهم. وعنه عن آبائه ع قال من زعم أن الله يجبر عباده على المعاصي أو يكلفهم ما لا يطيقون فلا تأكلوا ذبيحته ولا تقبلوا شهادته ولا تصلوا وراءه ولا تعطوه من الزكاة شيئا.

وعن إبراهيم بن محمود قال قلت للرضا ع يا ابن رسول الله ما تقول في الحديث الذي يرويه الناس عن رسول الله ص أنه قال إن الله تبارك وتعالى ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا فقال ع لعن الله المحرفين للكلم عن مواضعه والله ما قال رسول الله ص كذلك إنما قال ص إن الله تعالى ينزل ملكا إلى السماء الدنيا كل ليلة في الثلث الأخير وليلة الجمعة في أول الليل فيأمره فينادي هل من سائل فأعطيه هل من تائب فأتوب عليه هل مستغفر فأغفر له يا طالب الخير أقبل يا طالب الشر اقصر فلا يزال ينادي بذلك حتى يطلع الفجر فإذا طلع الفجر عاد إلى محله من ملكوت السماء حدثني بذلك أبي عن جدي عن آبائه عن رسول الله ص.

وعنه عن آبائه عن علي ع عن النبي ص أن موسى ابن عمران لما ناجى ربه عزوجل قال يا رب أبعيد أنت مني فأناديك أم قريب فأناجيك فأوحى الله جل جلاله إليه أنا جليس من ذكرني فقال موسى يا رب إني أكون في حال أجلك أن أذكرك فيها فقال يا موسى اذكرني على كل حال.

__________________

(١) البقرة : ١٧.

٢٨٥

وسئل ع عن أدنى المعرفة فقال الإقرار بأنه لا إله غيره ولا شبه له ولا نظير له وأنه قديم مثبت موجود غير فقيد وأنه (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ).

وعن عبد العزيز بن المهتدي قال سألت الرضا ع عن التوحيد قال كل من قرأ (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) وآمن بها فقد عرف التوحيد فقلت كيف يقرأها قال كما يقرأها الناس وزاد فيها كذلك الله ربي كذلك الله ربي. (١)

وعن الحسين بن خالد عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا ع أنه دخل عليه رجل فقال له يا ابن رسول الله ما الدليل على حدث العالم قال أنت لم تكن ثم كنت وقد علمت أنك لم تكون نفسك ولا كونك من هو مثلك.

وعنه عن آبائه ع عن النبي ص قال من لم يؤمن بحوضي فلا أورده الله حوضي ومن لم يؤمن بشفاعتي فلا أناله الله شفاعتي ثم قال إنما شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي فأما المحسنون فما عليهم من سبيل. قال الحسين بن خالد فقلت للرضا يا ابن رسول الله فما معنى قول الله عزوجل (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى) (٢) قال يعني من ارتضى الله دينه.

وعن جماعة عنه عن آبائه ع قال دخل رجل من أهل العراق على أمير المؤمنين ع فقال أخبرنا عن خروجنا إلى أهل الشام أبقضاء من الله وقدره فقال له أمير المؤمنين ع أجل يا شيخ فو الله ما علوتم تلعة (٣) ولا هبطتم بطن واد إلا بقضاء من الله وقدره فقال الشيخ عند الله أحتسب عنائي يا أمير المؤمنين (٤) فقال مهلا يا شيخ لعلك تظن قضاء حتما وقدرا لازما لو كان كذلك

__________________

(١) قول : كذلك اللّه ربى مرتين بعد قراءة سورة التوحيد انما هو من باب السنة في قراءتها كما في ساير الروايات لا انه جزء السورة على قراءة الإمام كما يتوهم ،

(٢) الأنبياء : ٢٨.

(٣) التلعة : ما علا من الأرض.

(٤) الظاهر سقط جملة من هنا وهي كما في رواية الكليني بعد قوله «عند اللّه أحتسب عنائي» هكذا «فقال له مه يا شيخ فو اللّه لقد عظم اللّه الاجر في مسيركم وأنتم سائرون ، وفي مقامكم ـ

٢٨٦

لبطل الثواب والعقاب والأمر والنهي والزجر ولسقط معنى الوعد والوعيد ولم يكن على المسيء لائمة ولا للمحسن محمدة ولكان المحسن أولى باللائمة من المذنب والمذنب أولى بالإحسان من المحسن تلك مقالة عبدة الأوثان وخصماء الرحمن وقدرية هذه الأمة ومجوسها يا شيخ إن الله عزوجل كلف تخييرا ونهى تحذيرا وأعطى على القليل كثيرا ولم يعص مغلوبا ولم يطع مكرها ولم يخلق السماوات والأرض وما بينهما باطلا (١) (ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ)

__________________

ـ وأنتم مقيمون ، وفي منصرفكم وأنتم منصرفون ، ولم تكونوا في شيء من حالاتكم مكرهين ولا إليه مضطرين ، فقال له الشيخ : وكيف لم نكن في شيء ممن حالاتنا مكرهين ولا إليه مضطرين وكان بالقضاء والقدر مسيرنا ومنقلبنا ومنصرفنا؟ فقال له : وتظن انه كان قضاء حتما ا ه». وسيأتي معنى قوله «وعند اللّه احتسب عنائي» في آخر الحديث.

__________________

(١) قال المجلسيّ (ره) في البحار : قوله عند اللّه أحتسب عنائي اي لما لم نكن مستحقين للاجر لكوننا مجبورين فأحتسب اجر مشقتى عند اللّه لعله يثيبنى بلطفه ويحتمل أن يكون استفهاما على سبيل الإنكار ، وقال الجزري : الاحتساب من الحسب كالاعتداد من العد وانما قيل لمن ينوى بعمله وجه اللّه : احتسبه لان له حينئذ أن يعتد عمله ، والاحتساب في الاعمال الصالحات ، وعند المكروهات هو البدار إلى طلب الاجر وتحصيله بالتسليم والصبر ، أو باستعمال أنواع البر والقيام بها على الوجه المرسوم فيها طلبا للثواب المرجو منها. «انتهى»

وقال الأستاذ العلامة الطباطبائي دامت بركاته في تفسيره الميزان ج ١ : ٩٧ بعد ذكر الحديث :

كان القول بالقضاء والقدر في الصدر الأول مساوقا لارتفاع الحسن والقبح والجزاء بالاستحقاق ولذلك لما سمع الشيخ منه عليه السلام كون المسير بقضاء وقدر قال وهو في مقام التأثر واليأس : عند اللّه احتسب عنائي اي ان مسيري وارادتى فاقدة الجدوى من حيث تعلق الإرادة الإلهيّة بها فلم يبق لي الا العناء والتعب من الفعل فأحتسبه عند ربى فهو الذي أتعبنى بذلك ، فأجاب عنه الإمام (ع) : بقوله «لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب. ا ه» وهو أخذ بالأصول العقلائية التي أساس التشريع مبنى عليها ، واستدلّ في ـ

٢٨٧

قال فنهض الشيخ وهو يقول

أنت الإمام الذي نرجو بطاعته

يوم النشور من الرحمن غفرانا

أوضحت من ديننا ما كان ملتبسا

جزاك ربك عنا فيه إحسانا

فليس معذرة في فعل فاحشة

قد كنت راكبها فسقا وعصيانا

لا لا ولا قائلا ناهيه أوقعه

فيها عبدت إذا يا قوم شيطانا

ولا أحب ولا شاء الفسوق ولا

قتل الولي له ظلما وعدوانا

إني محب وقد صحت عزيمته

ذو العرش أعلن ذاك الله إعلانا

وعنه عن آبائه عن علي عن النبي ص يقول قال الله تعالى من لم يرض بقضائي ولم يؤمن بقدري فليلتمس إلها غيري.

وقال رسول الله ص في كل قضاء لله عزوجل خيرة للمؤمنين.

قال إبراهيم بن العباس سمعت الرضا ع وقد سأله رجل أيكلف الله العباد م ا لا يطيقون فقال هو أعدل من ذلك قال أفيقدرون على كل ما أرادوه قال هم أعجز من ذلك.

وعن آبائه عن علي ع قال الأعمال على ثلاثة أحوال فرائض وفضائل ومعاص فأما الفرائض فبأمر الله وبرضى الله وبفضل الله وبقضاء الله وتقديره ومشيته وعلمه وأما الفضائل فليست بأمر الله ولكن برضى الله وبقضاء الله وبقدر الله

__________________

ـ آخر كلامه (ع) بقوله : «ولم يخلق السماوات والأرض وما بينهما باطلا ا ه» وذلك لان صحة الإرادة الجزافية التي هي من لوازم ارتفاع الاختيار يوجب إمكان تحقّق الفعل من غير غاية وغرض وهو يوجب إمكان ارتفاع الغاية عن الخلقة والايجاد وهذا الإمكان يساوق الوجوب فلا غاية على هذا التقدير للخلقة والايجاد ، وذلك خلق السماوات والأرض وما بينهما باطلا ، وفيه بطلان المعاد وفيه كل محذور ، وقوله ولم يعص مغلوبا ولم يطع مكروها. ا ه كأنّ المراد لم يعص والحال ان عاصيه مغلوب بالجبر ولم يطع والحال انه طوعه مكروه للمطيع. وله دامت بركاته بيان آخر في معنى الحديث ذكره في ذيل الحديث في الكافي راجع ج ١ : ١٥٥ ط طهران من ذلك الكتاب.

٢٨٨

وبمشيئة الله وبعلم الله وأما المعاصي فليست بأمر الله ولكن لقدر الله وبعلمه ثم يعاقب عليها.

وعن الحسن بن علي الوشاء عن أبي الحسن الرضا ع قال سألت فقلت الله فوض الأمر إلى عباده قال الله أعز من ذلك قلت فأجبرهم على المعاصي قال الله أعدل وأحكم من ذلك ثم قال قال الله عزوجل يا ابن آدم أنا أولى بحسناتك منك وأنت أولى بسيئاتك مني عملت المعاصي بقوتي التي جعلتها فيك.

وسأله رجل وهو في الطواف أخبرني عن الجواد فقال إن لكلامك وجهين فإن كنت تسأل عن المخلوق فإن الجواد هو الذي يؤدي ما افترض الله عليه وإن تكن تعني الخالق فهو الجواد إن أعطى وهو الجواد إن منع إن أعطى عبدا أعطاه ما ليس له وإن منع منع ما ليس له.

وعن أبي الحسن ع قال من قال بالجبر فلا تعطوه من الزكاة شيئا ولا تقبلوا له شهادة فإن الله تبارك وتعالى لا يكلف (نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) ولا يحملها فوق طاقتها (وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى).

وقال ع وقد ذكر عنده الجبر والتفويض فقال ألا أعطيكم في هذه أصلا لا تختلفون فيه ولا يخاصمكم عليه أحد إلا كسرتموه قلنا إن رأيت ذلك فقال إن الله عزوجل لم يطع بإكراه ولم يعص بغلبة ولم يهمل العباد في ملكه وهو المالك لما ملكهم والقادر على ما أقدرهم عليه فإن ائتمر العباد بالطاعة لم يكن الله عنها صادا ولا منها مانعا وإن ائتمروا بمعصيته فشاء أن يحول بينهم وبين ذلك فعل فإن لم يحل وفعلوه فليس هو الذي أدخلهم فيها ثم قال ع من يضبط حدود هذا الكلام فقد خصم من خالفه (١).

__________________

(١) غير خفى على رواد العلم ان من المباحث الغامضة الكلامية هو البحث عن الجبر والتفويض وقد دون أهل العلم في اثبات الحق من البحث رسائل عديدة قديما وحديثا ومذهب أئمة أهل البيت عليهم السلام انه لا جبر ولا تفويض بل امر بين الامرين ولما كان ذكر أدلة القائلين بالجبر أو القائلين بالتفويض والرد عليهم واثبات مذهب الحق خارجا عن وضع هذه التعليقة فطوينا الكلام عنه ونقتصر على ذكر بعض الكتب والرسائل

٢٨٩

وقال ع للإمام علامات يكون أعلم الناس وأحكم الناس وأتقى الناس وأحلم الناس وأشجع الناس وأسخى الناس وأعبد الناس ويولد مختونا ويكون مطهرا ويرى من خلفه كما يرى من بين يديه ولا يكون له ظل وإذا وقع على الأرض من بطن أمه وقع على راحتيه رافعا صوته بالشهادتين ولا يحتلم وتنام عينه ولا تنام قلبه ويكون محدثا ويستوي عليه درع رسول الله ص ولا يرى له بول ولا غائط لأن الله عزوجل قد وكل الأرض بابتلاع ما يخرج منه ويكون رائحته أطيب من رائحة المسك ويكون أولى بالناس منهم بأنفسهم وأشفق عليهم من آبائهم وأمهاتهم ويكون أشد الناس تواضعا لله تعالى ويكون آخذ الناس بما يأمر به وأكف الناس عما ينهى عنه ويكون دعاؤه مستجابا حتى أنه لو دعا على صخرة لانشقت بنصفين ويكون سلاح رسول الله ص عنده وسيفه ذو الفقار عنده وتكون عنده صحيفة فيها أسماء شيعته إلى يوم القيامة وصحيفة فيها أسماء أعدائه إلى يوم القيامة وتكون عنده الجامعة وهي صحيفة طولها سبعون ذراعا فيها جميع ما يحتاج إليه ولد آدم ويكون عنده الجفر الأكبر والجفر الأصغر إهاب ماعز وإهاب كبش فيهما جميع العلوم حتى عرش الخدش وحتى

__________________

المدونة في التحقيق عن هذا البحث

فمن أراد الوقوف على جميع ما ذكر في الباب من الكلمات وما ورد فيه من الأحاديث والروايات المأثورة عن أئمة أهل البيت (ع) وتفسير هذا الحديث وغيره من أحاديث الكتاب فليراجع البحار ج ٥ : ٢ ـ ١٥٣ من الطبعة الحديثة والكافي ج ١ : ١٥٥ ط طهران (وفي ذيله كلام طويل وتحقيق رشيق من الأستاذ العلامة الطباطبائي في معنى القضاء والقدر والجبر والتفويض وما ورد في ذمّ القدرية والمجبرة والمفوضة إلى غير ذلك من الفوائد) وكتاب مرآة العقول :

وكتاب الوافي ج ١ : ١١٩ وكتاب شرح أصول الكافي لصدر المتألهين الشيرازي في شرح حديث الأول من باب الجبر والقدر والامر بين الامرين من كتاب أصول الكافي ورسالة خلق الاعمال له (ره) أيضا وكتاب الميزان في تفسير القرآن للعلامة الطباطبائي ج ١ : ٩٣ ـ ١١٠ إلى غير ذلك من الرسائل المدونة في ذلك على كثرتها.

٢٩٠

الجلدة ونصف الجلدة وثلث الجلدة ويكون عنده مصحف فاطمة ع.

وفي حديث آخر إن الإمام مؤيد بروح القدس وبينه وبين الله عمود من نور يرى فيه أعمال العباد وكلما احتاج إليه للدلالة اطلع عليه ويبسط له فيعلم ويقبض عنه فلا يعلم والإمام يولد ويلد ويصح ويمرض ويأكل ويشرب ويبول ويتغوط ينكح وينام وينسى ويسهو ويفرح ويحزن ويضحك ويبكي ويحيا ويموت ويقبر ويزار ويحشر ويوقف ويعرض ويسأل ويثاب ويكرم ويشفع ودلالته في خصلتين في العلم واستجابة الدعوة وكلما أخبر به من الحوادث التي تحدث قبل كونها فذلك بعهد معهود إليه من رسول الله ص توارثه عن آبائه ع ويكون ذلك مما عهده إليه جبرئيل عن علام الغيوب عزوجل.

وعنه ع في أوصاف الإمامة في كتاب عيون أخبار الرضا ع أشياء عجيبة ومقاصد غريبة هي لأغراض الصواب مصيبة وكلما اشتمل عليه هذا الكتاب أو أكثره نكت وعيون ومنه جملة من أصول الدين ينحدر بتدبرها لثام الشك عن وجه اليقين ويهتدي بها إلى الحق المبين.

وقال أبو الصلت الهروي حدثني علي بن موسى الرضا ع وكان والله رضا كما سمي عن أبيه موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي عن أبيه علي بن أبي طالب ع قال قال رسول الله ص الإيمان قول وعمل فلما خرجنا قال أحمد بن محمد بن حنبل ما هذا الإسناد فقال له أبي هذا سعوط المجانين إذا سعط به المجنون أفاق.

وعن عياش (١) مولى الرضا ع قال سمعته يقول من قال حين يسمع أذان

__________________

(١) وفي بعض النسخ «عباس» ولم أقف لترجمته بهذا العنوان في كتب الرجال وقد ذكر هذا الاختلاف في تنقيح المقال أيضا نقلا عن الوحيد (ره) عن نسخة كشف الغمّة التي عنده ثمّ قال : وعلى كل حال فالرجل مجهول الحال.

٢٩١

الصبح ـ اللهم إني أسألك بإقبال نهارك وإدبار ليلك وحضور صلاتك وأصوات دعاتك أن تتوب علي اللهم إني أسألك بأنك التواب الرحيم وقال مثل ذلك إذا سمع أذان المغرب ثم مات من يومه أو من ليلته كان تائبا.

وعنه عن آبائه ع عن النبي ص أربعة أنا شفيع لهم يوم القيامة المكرم لذريتي من بعدي والقاضي لهم حوائجهم والساعي لهم في أمورهم عند اضطرارهم إليه والمحب لهم بقلبه ولسانه.

وفي رواية عنه ع والدافع عنهم بيده.

وعنه عن آبائه عن علي ع قال قال رسول الله ص لما أسري بي إلى السماء رأيت رحما متعلقة بالعرش تشكو رحما إلى ربها فقلت لها كم بينك وبينها من أب فقالت نلتقي في أربعين أبا.

وقال ع من صام من شعبان يوما واحدا ابتغاء ثواب الله دخل الجنة ومن استغفر الله في كل يوم من شعبان سبعين مرة حشر يوم القيامة في زمرة رسول الله ص ووجبت له من الله الكرامة ومن تصدق في شعبان بصدقة ولو بشق تمرة حرم الله جسده على النار ومن صام ثلاثة أيام من شعبان ووصلها بصيام شهر رمضان كتب الله له صوم (شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ).

وقال ع لا يكون المؤمن مؤمنا حتى يكون فيه ثلاث خصال سنة من ربه وسنة من نبيه وسنة من وليه فالسنة من ربه كتمان سره قال الله عزوجل (عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ) (١) وأما السنة من نبيه فمداراة الناس فإن الله عزوجل أمر نبيه بمداراة الناس فقال (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) (٢) وأما السنة من وليه فالصبر على البأساء والضراء فإن الله عزوجل يقول (وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ

__________________

(١) الجن : ٢٦

(٢) الأعراف : ١٩٩.

٢٩٢

وَالضَّرَّاءِ). (١)

وعنه عن آبائه عن علي ع قال قال رسول الله ص تعلموا من الغراب خصالا ثلاثا استتاره بالسفاد (٢) وبكوره في طلب الرزق وحذره.

وعن ياسر الخادم قال سمعت أبا الحسن الرضا ع يقول إن أوحش ما يكون هذا الخلق في ثلاثة مواطن يوم يولد ويخرج من بطن أمه فيرى الدنيا ويوم يموت فيعاين الآخرة بأهلها ويوم يبعث فيرى أحكاما لم يرها في دار الدنيا وقد سلم الله عزوجل على يحيى في هذه الثلاثة المواطن وأمن روعته فقال (وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا) (٣) وقد سلم عيسى ابن مريم على نفسه في هذه الثلاثة المواطن فقال (وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا) (٤).

وعنه ع إن الله عزوجل أمر بثلاثة مقرون بها ثلاثة أخرى أمر بالصلاة والزكاة فمن صلى ولم يزك لم تقبل منه صلاته وأمر بالشكر له والوالدين فمن لم يشكر والديه لم يشكر الله وأمر باتقاء الله وصلة الرحم فمن لم يصل رحمه لم يتق الله عزوجل.

وقال ع من علامات الفقه الحلم والعلم والصمت إن الصمت باب من أبواب الحكمة إن الصمت يكسب المحبة إنه دليل على كل خير.

وقال ع صديق كل امرئ عقله وعدوه جهله.

وسئل ع أتكون الأرض ولا إمام فيها فقال إذا لساخت بأهلها.

وعنه عن آبائه عن علي ع قال قال رسول الله ص الشيب في مقدم الرأس يمن وفي العارضين سخاء وفي الذوائب شجاعة وفي القفاء شوم

__________________

(١) البقرة : ١٧٧

(٢) السفاد ـ بالكسر ـ : نزو الذكر على الأنثى

(٣) مريم : ١٥

(٤) مريم : ٣٣.

٢٩٣

وقال ع لا يجتمع المال إلا بخصال خمس ببخل شديد وأمل طويل وحرص غالب وقطيعة الرحم وإيثار الدنيا على الآخرة.

وقال ع إذا نام العبد وهو ساجد قال الله تبارك وتعالى عبدي قبضت روحه وهو في طاعتي.

وعنه عن آبائه ع أنه قال إن الدنيا كلها جهل إلا مواضع العلم والعلم كله حجة إلا ما عمل به والعمل كله رياء إلا ما كان مخلصا والإخلاص على خطر حتى ينظر العبد بما يختم له.

وعنه ع قال خرج أبو حنيفة ذات يوم من عند الصادق فاستقبله موسى ع فقال يا غلام ممن المعصية قال لا تخلو من ثلاث إما أن تكون من الله عزوجل وليست منه فلا ينبغي للكريم أن يعذب عبده بما لا يكتسبه وإما أن تكون من الله عزوجل ومن العبد فلا ينبغي للشريك القوي أن يظلم الشريك الضعيف وإما أن تكون من العبد وهي منه فإن عاقبه الله فبذنبه وإن عفا عنه فبكرمه وجوده.

وعنه ع قال لا ينبغي للرجل أن يدع الطيب في كل يوم فإن لم يقدر عليه فيوم ويوم لا فإن لم يقدر ففي كل جمعة ولا يدع ذلك.

وسئل ع ما بال المتهجدين بالليل من أحسن الناس وجها قال لأنهم خلوا بالله فكساهم الله من نوره.

وعنه ع قال لا يزال العبد يسرق حتى إذا استوفى ثمن يده أظهر الله عليه.

وجاء قوم بخراسان إليه ع فقالوا إن قوما من أهل بيتك يتعاطون أمورا قبيحة فلو نهيتهم عنها قال لا أفعل فقيل ولم قال سمعت أبي ع يقول النصيحة خشنة.

وقال ع من رد متشابه القرآن إلى محكمه (هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) ثم قال ع إن في أخبارنا متشابها كمتشابه القرآن ومحكما كمحكم القرآن فردوا متشابهها إلى محكمها ولا تتبعوا متشابهها دون محكمها فتضلوا.

٢٩٤

وقال ع من صام أول يوم من رجب رغبة في ثواب الله عزوجل وجبت له الجنة ومن صام يوما في وسطه شفع في مثل ربيعة ومضر ومن صام يوما في آخره جعله الله عزوجل من أملاك الجنة وشفعه الله في أبيه وأمه وابنه وابنته وأخيه وأخته وعمه وعمته وخاله وخالته ومعارفه وجيرانه وإن كان فيهم مستوجب للنار.

وعنه عن آبائه عن علي ع قال قال رسول الله ص لبعض أصحابه يا عبد الله أجب في الله وأبغض في الله ووال في الله وعاد في الله فإنه لا تنال ولاية الله إلا بذلك.

وقال علي بن الحسن بن علي بن فضال عن أبيه قال سمعت علي بن موسى الرضا ع يقول من استغفر الله تبارك وتعالى في شعبان سبعين مرة غفر الله له ذنوبه ولو كانت مثل عدد النجوم.

وعنه عن آبائه عن علي ع قال قال رسول الله ص من أحب أن يركب سفينة النجاة ويستمسك (بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى) ويعتصم بحبل الله المتين فليوال عليا بعدي وليعاد عدوه وليأتم بالأئمة الهداة من ولده فإنهم خلفائي وأوصيائي وحجج الله على الخلق بعدي وسادات أمتي وقادة الأنبياء إلى الجنة حزبهم حزبي وحزبي حزب الله وحزب أعدائهم حزب الشيطان.

وعنه عن آبائه عن علي ع قال قال رسول الله ص إن شهر رمضان شهر عظيم يضاعف الله فيه الحسنات ويمحو الله فيه السيئات ويرفع فيه الدرجات من تصدق في هذا الشهر بصدقة غفر الله له ومن أحسن فيه إلى ما ملكت يمينه غفر الله له ومن حسن فيه خلقه غفر الله له ومن كظم فيه غيظه غفر الله له ومن وصل فيه رحمه غفر الله له ثم قال ع شهركم هذا ليس كالشهور إذا أقبل إليكم أقبل بالبركة والرحمة وإذا أدبر عنكم أدبر بغفران الذنوب هذا شهر الحسنات فيه مضاعفة وأعمال الخير فيه مقبولة ومن صلى منكم في هذا الشهر لله عزوجل ركعتين بتطوع فيهما غفر الله له ثم قال ع إن الشقي حق الشقي من

٢٩٥

خرج عنه هذا الشهر ولم تغفر له ذنوبه ويخسر حين يفوز المحسنون بجوائز الرب الكريم.

قلت فوائد هذا الكتاب كثيرة وعيون أخباره غزيرة وحاله يقتضي إثبات كل ما فيه فكله فوائد وكله صلات وعوائد ولكن كتابي هذا لا يحتمل الإكثار وهو مبني على الإيجاز والاختصار لأن مناقبهم ع لا يأتي الحصر عليها ولا تقوم العبارة بتأدية بعضها والإشارة إليها.

وقال ابن بابويه رحمه‌الله تعالى قيل لأبي جعفر محمد بن علي بن موسى ع إن قوما من مخالفيكم يزعمون أن أباك ع إنما سماه المأمون الرضا لما رضيه لولاية العهد فقال ع كذبوا والله وفجروا بل الله تبارك وتعالى سماه الرضا لأنه كان رضى لله عزوجل في سمائه ورضى لرسوله والأئمة من بعده ص في أرضه قال فقلت ألم يكن كل واحد من آبائك الماضين ع رضى لله عزوجل ولرسوله والأئمة من بعده ع فقال بلى قلت فلم سمي أبوك من بينهم الرضا قال لأنه رضي به المخالفون من أعدائه كما رضي به الموافقون من أوليائه ولم يكن ذلك لأحد من آبائه ع فلذلك سمي من بينهم الرضا ع.

وعن سليمان بن جعفر المروزي قال كان موسى بن جعفر ع سمى ولده عليا ع الرضا فكان يقول ادعو لي ولدي الرضا وقلت لولدي الرضا وقال ولدي الرضا وإذا خاطبه قال يا أبا الحسن.

قلت الاعتماد على ما قاله الجواد ع من أن المأمون لم يسمه بذلك ابتداء فأما ما رواه سليمان المروزي فإن الكاظم موسى ع يكون قد عرف أنه يسمى بذلك فسماه بما سوف يسمى به فيما بعد فيكون ذلك من دلائله ع ومن نصوصه فيه ع.

٢٩٦

باب مولد الرضا ع من كتاب عيون أخباره

ولد بالمدينة يوم [ليلة] الخميس لإحدى عشرة ليلة خلت من ربيع الأول سنة ثلاث وخمسين ومائة من الهجرة بعد وفاة أبي عبد الله ع بخمس سنين وتوفي بطوس في قرية يقال لها سناباذ من رستاق نوقان ودفن في دار حميد بن قحطبة الطائي في القبة التي فيها الرشيد إلى جانبه مما يلي القبلة وذلك في شهر رمضان لسبع بقين منه ـ يوم الجمعة سنة ثلاث ومائتين وقد تم عمره تسعا وأربعين سنة وستة أشهر منها مع أبيه موسى ع تسعا وعشرين سنة وشهرين ـ وبعد أبيه بأيام إمامته عشرين سنة وأربعة أشهر وكان في أيام إمامته بقية ملك الرشيد وملك الأمين محمد بن زبيدة وملك المأمون فأخذ البيعة لعلي ع بغير رضاه وذلك بعد أن تهدده بالقتل وألح عليه مرة بعد أخرى في كلها يأبى عليه حتى أشرف من بأسه على الهلاك.

وقال ع اللهم إنك قد نهيتني عن الإلقاء بيدي إلى التهلكة وقد أشرفت من قبل عبد الله المأمون على القتل متى لم أقبل ولاية عهده وقد أكرهت واضطررت كما اضطر يوسف ودانيال ع إذ قبل كل واحد منهما الولاية لطاغية زمانه اللهم لا عهد لي إلا عهدك ولا ولاية لي إلا من قبلك فوفقني لإقامة دينك وإحياء سنة نبيك فإنك أنت المولى والنصير (نِعْمَ الْمَوْلى) أنت (وَنِعْمَ النَّصِيرُ) ثم قبل ولاية العهد من المأمون على أن لا يولي أحدا ولا يعزل أحدا ولا يغير سنة ولا رسما وأن يكون في الأمر مشيرا من بعيد فأخذ له المأمون البيعة على الخاص والعام.

وكان إذا ظهر للمأمون من الرضا ع فضل وعلم وحسن تدبير حسده على ذلك وحقده عليه حتى ضاق صدره منه فغدر به فقتله بالسم ومضى إلى رضوان الله وكرامته.

وعن علي بن ميثم عن أبيه قال سمعت أمي تقول سمعت نجمة أم الرضا ع تقول لما حملت بابني لم أشعر بثقل الحمل وكنت أسمع في منامي تسبيحا وتهليلا وتحميدا من بطني فيفزعني ذلك فإذا انتبهت لم أسمع شيئا فلما وضعته

٢٩٧

وقع إلى الأرض واضعا يده على الأرض رافعا رأسه إلى السماء يحرك شفتيه كأنه يتكلم فدخل إلي أبوه موسى بن جعفر ع فقال هنيئا لك يا نجمة كرامة ربك فناولته إياه في خرقة بيضاء فأذن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى ودعا بماء الفرات وحنكه به ثم رده إلي فقال خذيه فإنه بقية الله في أرضه.

قال الفقير إلى الله تعالى عبد الله علي بن عيسى أثابه الله بكرمه قال أبو جعفر القمي المذكور رحمه‌الله تعالى إن الرضا ع ولد بالمدينة وكذا قال غيره وقال دعا بماء الفرات من ساعته وحنكه به ولعله أراد بماء فرات أو بالماء الفرات أو كان عندهم ماء الفرات لهذا الأمر وأمثاله أو أتي بماء الفرات من ساعته فهو سهل بالنسبة إلى معجزاتهم وكراماتهم ودلائلهم وآياتهم ع.

وقال باب في النص عليه من أبيه موسى بن جعفر ع محمد بن إسماعيل بن الفضل الهاشمي قال دخلت على أبي الحسن موسى بن جعفر ع وقد اشتكى شكاة شديدة فقلت له إن كان ما أسأل الله أن لا يريناه فإلى من قال إلى ابني علي فكتابه كتابي وهو وصيي وخليفتي من بعدي.

وعن علي بن يقطين قال كنت عند أبي الحسن موسى بن جعفر ع وعنده علي ابنه ع فقال يا علي هذا ابني سيد ولدي وقد نحلته كنيتي فضرب هشام بن سالم يده على جبهته وقال (إِنَّا لِلَّهِ) نعى والله إليك نفسه.

وعن علي بن يقطين قال كنت عند العبد الصالح موسى بن جعفر ع فدخل عليه ابنه الرضا ع وقال مثله فقال له هشام ويحك كيف قال فقال سمعت منه كما قلت لك قال هشام أخبرك أن الأمر فيه من بعده.

وعن نعيم بن قابوس قال قال أبو الحسن ع علي ابني أكبر ولدي وأسمعهم لقولي وأطوعهم لأمري ينظر في كتاب الجفر والجامعة ولا ينظر فيهما إلا نبي أو وصي نبي.

وعدد نصوصا كثيرة عن أبيه ع وقد كان يكفيني هذا الكتاب فيما أريده من أخبار الرضا ع ويغنيني عما سواه ولكني اتبعت عادتي في النقل

٢٩٨

من كتب متعددة وعن رواة مختلفة ليكون أدعى إلى قبوله وهذا كتاب عيون أخبار الرضا ع قد اشتمل على فرائد وأوائد أحسن من العقود القلائد في لبات الخرائد فمن أراد أن يسرح طرفه في رياضيه ويروى ظمأه من نمير حياضه ويعجب من غرائبه وفنونه وحدائقه وعيونه فقد دللته عليه وأهديت عقيلته إليه فما عليه مزيد في معناه وقد أجاد ما شاء جامعه رحمه‌الله.

وقال صاحب كتاب الدلائل عن جعفر بن محمد بن يونس قال كتب رجل إلى الرضا ع يسأله مسائل وأراد أن يسأله عن الثوب الملحم يلبسه المحرم وعن سلاح رسول الله ص فنسي ذلك وتلهف عليه فجاء جواب المسائل وفيه لا بأس بالإحرام في الثوب الملحم واعلم أن سلاح رسول الله ص فينا بمنزلة التابوت في بني إسرائيل يدور مع كل عالم حيث دار.

وعن معمر بن خلاد قال قال لي الريان بن الصلت بمرو وقد كان الفضل بن سهل بعثه إلى بعض كور خراسان فقال لي أحب أن أستأذن على أبي الحسن فأسلم عليه وأودعه وأحب أن يكسوني من ثيابه وأن يهب لي من دراهمه التي ضربت باسمه قال معمر فدخلت على أبي الحسن فقال لي مبتدئا الريان يحب أن يدخل علي وأن أكسوه من ثيابي وأعطيه من دراهمي فقلت سبحان الله قد والله سألني ذلك وأن أسألك له فقال يا معمر إن المؤمن موفق (١) قل له فليجئ قال فأمرته فدخل عليه وسلم عليه فدعا له بثوبين من ثيابه فدفعهما إليه فلما قام رأيته قد وضع في يده شيئا فلما خرج قلت له كم أعطاك فإذا في يده ثلاثون درهما.

وعن سليمان بن جعفر الجعفري قال قال لي الرضا ع اشتر لي جارية من صفتها كذا وكذا فأصبت له جارية عند رجل من أهل المدينة كما وصف فاشتريتها ودفعت الثمن إلى مولاها وجئت بها إليه فأعجبته ووقعت منه فمكثت أياما ثم لقيني مولاها وهو يبكي فقال الله الله في لست أتهنأ العيش وليس

__________________

(١) قال المجلسيّ (ره) أي يسر اللّه لريان بأن ألهمني حاجته أو وفقني اللّه لقضاء حاجته بذلك.

٢٩٩

لي قرار ولا نوم فكلم أبا الحسن يرد علي الجارية ويأخذ الثمن فقلت أمجنون أنت أنا أجترئ أن أقول له يردها عليك فدخلت على أبي الحسن فقال لي مبتدئا يا سليمان صاحب الجارية يريد أن أردها عليه قلت إي والله قد سألني أن أسألك قال فردها عليه وخذ الثمن ففعلت ومكثت أياما ثم لقيني مولاها فقال جعلت فداك سل أبا الحسن يقبل الجارية فإني لا أنتفع بها ولا أقدر أدنو منها قلت إني لا أقدر أن أبتدئه بهذا قال فدخلت على أبي الحسن فقال يا سليمان صاحب الجارية يريد أن أقبضها منه وأرد عليه الثمن قلت قد سألني ذلك قال فرد علي الجارية وخذ الثمن.

وعن الحسن بن أبي الحسن [الجيش] قال اشتكى عمي محمد بن جعفر شكاة شديدة حتى خفنا عليه الموت فدخل عليه أبو الحسن الرضا ع ونحن حوله نبكي من بنيه وإخوتي وعمي إسحاق عند رأسه يبكي وهو في حالة شديدة فجاء فجلس في ناحية ينظر إلينا فلما خرج تبعته فقلت له جعلت فداك دخلت على عمك وهو في هذا الحال ونحن نبكي وإسحاق عمك يبكي فلم يكن منك شيء فقال لي أرأيت هذا الذي من مرضه ويقوم ويموت هذا الذي يبكي عليه فقام محمد بن جعفر من وجعه واشتكى إسحاق ومات وبكى عليه محمد.

ولما خرج محمد بن جعفر بمكة ودعا لنفسه ويسمى بأمير المؤمنين وبويع له بالخلافة ودخل عليه أبو الحسن الرضا ع فقال يا عم لا تكذب أباك وأخاك فإن هذا الأمر لا يتم قال الراوي فخرج وخرجت معه إلى المدينة فلم يلبث إلا قليلا حتى قدم الجلودي فلقيه فهزمه واستأمن إليه محمد بن جعفر فلبس السواد وصعد المنبر فخلع نفسه وأكذب مقالته وقال إن هذا الأمر للمأمون وليس لي فيه حق ثم خرج إلى خراسان فمات بمرو (١).

__________________

(١) قصة خروج محمّد بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام بمكّة ودعائه الناس وما آل إليه أمره طويلة ذكرها الطبريّ في تاريخه ج ٧ : ص ١٢٤ وابن الأثير في الكامل ج ٦ ص ١٠٥ ولا بدّ لتوضيح بعض مواضع الحديث الإشارة إليها ـ

٣٠٠