كشف الغمّة في معرفة الأئمّة - ج ٢

أبي الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح الاربلي

كشف الغمّة في معرفة الأئمّة - ج ٢

المؤلف:

أبي الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح الاربلي


المحقق: السيد هاشم الرسولي المحلاتي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة بني هاشمي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٦٠
الجزء ١ الجزء ٢

وفي الندى يجري إلى غاية

بنفس مولى العرف معتاد

يعفو عن الجاني ويعطي المنى

في حالتي وعد وإيعاد

كأن ما يحويه من ماله

دراهم في كف نقاد

مبارك الطلعة ميمونها

وماجد من نسل أمجاد

من معشر شادوا بناء العلى

كبيرهم والناشئ الشادي

كأنما جودهم واقف

لمبتغي الجود بمرصاد

عمت عطاياهم وإحسانهم

طلاع أغوار وأنجاد

في السلم أقمار وإن حاربوا

كانت لهم نجدة آساد

ولاؤهم من خير ما نلته

وخير ما قدمت من زاد

إليهم سعيي وفي حبهم

ومدحهم نصي وإسنادي

يا آل طه أنتم عدتي

ووصفكم بين الورى عادي

وشكركم دأبي وذكري لكم

همي وتسبيحي وأورادي

ويعجب الشيعة ما قلته

فيكم ويستحلون إيرادي

بدأتم بالفضل وارتحتم

إلى العلى والفضل للبادي

ولي أمان فيكم جمة

تقضي بإقبالي وإسعادي

وواجب في شرع إحسانكم

أنالني الخير وإمدادي

لا زال قلبي لكم مسكنا

في حالتي قرب وإبعادي

٤٠١

ذكر الإمام الحادي عشر

أبي محمد الحسن الخالص بن علي المتوكل بن محمد القانع بن علي الرضا

بن موسى الكاظم بن الصادق جعفر بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن

الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم أجمعين

قال الشيخ كمال الدين محمد بن طلحة رحمه‌الله تعالى الباب الحادي عشر في أبي محمد الحسن الخالص بن علي المتوكل بن محمد القانع بن علي الرضا ع مولده سنة إحدى وثلاثين ومائتين للهجرة.

وأما نسبه أبا وأما فأبوه أبو الحسن علي المتوكل بن محمد القانع بن علي الرضا وقد تقدم القول في ذلك وأمه أم ولد يقال لها سوسن.

وأما اسمه فالحسن وكنيته أبو محمد ولقبه الخالص.

وأما مناقبه فاعلم أن المنقبة العليا والمزية الكبرى التي خصه الله جل وعلا بها فقلده فريدها ومنحه تقليدها وجعلها صفة دائمة لا يبلى الدهر جديدها ولا تنسى الألسن تلاوتها وترديدها أن المهدي من نسله المخلوق منه وولده المنتسب إليه وبضعته المنفصلة عنه وسيأتي في الباب الذي يتلو هذا الباب شرح مناقبه وتفصيل أحواله إن شاء الله تعالى.

وكفى أبا محمد الحسن تشريفه من ربه أن جعل محمد المهدي من كسبه وأخرجه من صلبه وجعله معدودا من حزبه ولم يكن لأبي محمد ولد ذكر سواه وحسبه ذلك منقبة وكفاه لم تطل من الدنيا أيام مقامه ومثواه ولا امتد أمد حياته فيها ليظهر للناظرين مآثره ومزاياه.

وأما عمره فإنه توفي في الثامن من ربيع الأول من سنة ستين ومائتين للهجرة

٤٠٢

في خلافة المعتمد وقد تقدم ذكر ولادته في سنة إحدى وثلاثين ومائتين فيكون عمره تسعا وعشرين سنة كان مقامه مع أبيه ثلاثا وعشرين سنة وأشهرا وبقي بعد أبيه خمس سنين وشهورا وقبره بسر من رأى آخر كلام كمال الدين.

وأنا أعجب من كونه مع فضله ومكانه من العلم وميله إلى تصنيف هذا الكتاب لم ينقب عن فضائلهم ولم يبالغ في إيضاح أخبارهم ودلائلهم فاقتصر على هذا القدر من ذكره وذكر أبيه من قبله واعتذر بقصر عمره عن عد فضله ولو طلب ذلك واجتهد لحصل ما أراد ووجد وسعى إلى حيث لا أمد فإن مناقبهم ع لا تدخل تحت العدد وهي متزايدة مع الأبد واضحة الجدد.

وقال الحافظ عبد العزيز الجنابذي رحمه‌الله تعالى أبو محمد الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ع يلقب بالعسكري مولده سنة إحدى وثلاثين ومائتين توفي سنة ستين ومائتين فيكون عمره تسعا وعشرين سنة في زمن المعتز وقبره بسامراء وقيل مولده سنة اثنتين وثلاثين ومائتين وقبض بسر من رأى لثمان خلون من شهر ربيع الأول سنة ستين ومائتين وكان سنه يومئذ ثمان وعشرين سنة وأمه أم ولد يقال لها حربية وقبره إلى جانب قبر أبيه بسر من رأى.

وروى عن رجاله قال القاضي أبو عبد الله الحسين بن علي بن هارون الضبي إملاء قال وجدت في كتاب والدي حدثنا جعفر بن محمد بن حمزة العلوي قال كتبت إلى أبي محمد الحسن بن علي بن محمد بن الرضا أسأله لم فرض الله تعالى الصوم فكتب إلي فرض الله تعالى الصوم ليجد الغني مس الجوع ليحنو على الفقير.

وروى عن رجاله عن الحافظ البلاذري حدثنا الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى إمام عصره عند الإمامية بمكة قال حدثني أبي علي بن محمد المفتي قال حدثني أبي محمد بن علي السيد المحجوب قال حدثني أبي علي بن موسى الرضا قال حدثني أبي موسى بن جعفر المرتضى قال حدثني أبي جعفر بن محمد الصادق قال حدثني أبي محمد بن علي الباقر قال حدثني أبي علي بن الحسين السجاد

٤٠٣

زين العابدين قال حدثني أبي الحسين بن علي سيد شباب أهل الجنة قال حدثني أبي علي بن أبي طالب سيد الأوصياء قال حدثني محمد بن عبد الله سيد الأنبياء قال حدثني جبرئيل سيد الملائكة قال قال الله عزوجل سيد السادات إني (أَنَا اللهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا) فمن أقر لي بالتوحيد دخل حصني ومن دخل حصني أمن من عذابي وقال الحاكم ولم نكتبه إلا عن هذا الشيخ تم كتاب معالم العترة والحمد لله.

قال شيخنا المفيد رحمه‌الله تعالى في إرشاده باب ذكر القائم بعد أبي الحسن علي بن محمد ع وتاريخ مولده ودلائل إمامته والنص عليه من أبيه ومبلغ سنه ومدة خلافته وذكر وفاته وموضع قبره وطرف من أخباره.

وكان الإمام بعد أبي الحسن علي بن محمد ابنه أبا محمد الحسن بن علي ع لاجتماع خلال الفضل فيه وتقدمه على كافة أهل عصره فيما يوجب له الإمامة ويقتضي له الرئاسة من العلم والزهد وكمال العقل والعصمة والشجاعة والكرم وكثرة الأعمال المقربة إلى الله جل اسمه ثم لنص أبيه ع عليه وإشارته بالخلافة إليه وكان مولده بالمدينة في شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وثلاثين ومائتين وقبض يوم الجمعة لثمان ليال خلون من شهر ربيع الأول سنة ستين ومائتين وله يومئذ ثمان وعشرون سنة ودفن في داره بسر من رأى في البيت الذي دفن فيه أبوه ع وأمه أم ولد يقال لها حديثة وكانت مدة خلافته ست سنين.

باب ذكر طرف من الخبر الوارد بالنص عليه من أبيه ع والإشارة إليه بالإمامة من بعده.

عن يحيى بن يسار العنبري قال أوصى أبو الحسن علي بن محمد إلى ابنه الحسن ع قبل مضيه بأربعة أشهر وأشار إليه بالأمر من بعده وأشهدني على ذلك وجماعة من الموالي.

وعن علي بن عمرو النوفلي قال كنت مع أبي الحسن ع في صحن داره فمر بنا محمد ابنه فقلت له جعلت فداك هذا صاحبنا بعدك فقال لا صاحبكم

٤٠٤

بعدي الحسن.

وعن عبد الله بن محمد الأصفهاني قال قال أبو الحسن ع صاحبكم بعدي الذي يصلي علي قال ولم نعرف أبا محمد قبل ذلك قال فخرج أبو محمد بعد وفاته فصلى عليه.

وعن علي بن جعفر قال كنت حاضرا أبا الحسن ع لما توفي ابنه محمد فقال للحسن يا بني أحدث لله شكرا فقد أحدث فيك أمرا.

وعن أحمد بن محمد بن عبد الله بن مروان قال كنت حاضرا عند مضي أبي جعفر محمد بن علي فجاء أبو الحسن ع فوضع له كرسي فجلس عليه وحوله أهل بيته وأبو محمد ع قائم في ناحية فلما فرغ من أمر أبي جعفر التفت إلى أبي محمد ع فقال مثله.

وعن علي بن مهزيار قال قلت لأبي الحسن ع إن كان كون وأعوذ بالله فإلى من قال عهدي إلى الأكبر من ولدي يعني الحسن ع.

وعن علي بن عمرو العطار قال دخلت على أبي الحسن ع وابنه أبو جعفر بحياة وأنا أظن أنه الخلف من بعده فقلت له جعلت فداك من أخص من ولدك فقال لا تخصوا أحدا حتى يخرج إليكم أمري قال فكتبت إليه بعد فيمن يكون هذا الأمر قال فكتب إلي في الأكبر من ولدي وكان أبو محمد ع أكبر من أبي جعفر.

وعن جماعة من بني هاشم منهم الحسن بن الحسين الأفطس أنهم حضروا يوم توفي محمد بن علي بن محمد في دار أبي الحسن ع وقد بسط له في صحن داره والناس حوله جلوس فقالوا قدرنا أن يكون حوله من آل أبي طالب وبني العباس وقريش مائة وخمسون رجلا سوى مواليه وسائر الناس إذ نظر إلى الحسن بن علي بعد ساعة من قيامه وقد جاء مشقوق الجيب وقف على يمينه ونحن لا نعرفه فقال له يا بني أحدث لله شكرا فقد أحدث الله فيك أمرا فبكى الحسن ع واسترجع فقال (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) وإياه أسأل تمام نعمه علينا و (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) فسألنا عنه فقيل لنا هذا الحسن بن علي ابنه وقدرنا له في ذلك الوقت عشرين

٤٠٥

سنة ونحوها فيومئذ عرفناه وعلمنا أنه أشار إليه بالإمامة وأقامه مقامه.

وعن محمد بن يحيى قال دخلت على أبي الحسن ع بعد مضي أبي جعفر ابنه فعزيته عنه وأبو محمد جالس فبكى أبو محمد فأقبل عليه أبو الحسن ع فقال إن الله قد جعل فيك خلفا منه فاحمد الله.

وعن أبي هاشم الجعفري قال كنت عند أبي الحسن ع بعد ما مضى ابنه أبو جعفر وأني لأفكر في نفسي أريد أن أقول كأنهما أعني أبا جعفر وأبا محمد في هذا الوقت كأبي الحسن موسى وإسماعيل ابني جعفر بن محمد ع وإن قصتهما كقصتهما فأقبل علي أبو الحسن قبل أن أنطق فقال نعم يا أبا هاشم بدا لله في أبي محمد بعد أبي جعفر ما لم يكن يعرف له كما بدا له في موسى بعد مضي إسماعيل ما كشف به عن حاله وهو كما حدثتك نفسك وإن كره المبطلون أبو محمد ابني الخلف من بعدي عنده علم ما يحتاج إليه ومعه آلة الإمامة.

وعن أبي بكر الفهفكي قال كتب أبو الحسن ع إلي : أبو محمد ابني أصح آل محمد غريزة وأوثقهم حجة وهو الأكبر من ولدي وهو خليفتي وإليه تنتهي عرى الإمامة وأحكامها فما كنت سائلي عنه فاسأله عنه فعنده ما تحتاج إليه.

وعن شاهويه بن عبد الله قال كتب إلي أبو الحسن ع في كتاب أردت أن تسأل عن الخلف بعد أبي جعفر وقلقت لذلك فلا تقلق فإن الله لا يضل (قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ) صاحبك أبو محمد وعنده ما تحتاجون إليه يقدم الله ما يشاء ويؤخر و (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها) وفي هذا بيان وإقناع لذي عقل يقظان.

وعن داود بن القاسم الجعفري قال سمعت أبا الحسن ع يقول الخلف من بعدي الحسن فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف فقلت ولم جعلني الله فداك فقال إنكم لا ترون شخصه ولا يحل لكم ذكره باسمه فقلت فكيف نذكره قال قولوا الحجة من آل محمد ع. والأخبار في هذا الباب كثيرة يطول بها الكتاب

__________________

(١) عرى الامامة : امرها.

٤٠٦

باب ذكر طرف من أخبار أبي محمد ع ومناقبه وآياته ومعجزاته عن الحسن بن محمد الأشعري ومحمد بن يحيى وغيرهما قالوا كان أحمد بن عبيد الله بن خاقان على الضياع والخراج بقم فجرى يوما في مجلسه ذكر العلوية ومذاهبهم وكان شديد النصب والانحراف عن أهل البيت ع فقال ما رأيت ولا عرفت بسر من رأى رجلا من العلوية مثل الحسن بن علي بن محمد بن الرضا في هديه وسكونه وعفافه ونبله وكبرته عند أهل بيته وبني هاشم كافة وتقديمهم إياه على ذوي السن منهم والخطر وكذلك كانت حاله عند القواد والوزراء وعامة الناس فأذكر إني كنت يوما قائما على رأس أبي وهو يوم مجلسه للناس إذ دخل حجابه فقالوا أبو محمد بن الرضا بالباب فقال بصوت عال ائذنوا له فعجبت مما سمعت منهم ومن جسارتهم أن يكنوا رجلا بحضرة أبي ولم يكن يكنى عنده إلا خليفة أو ولي عهد أو من أمر السلطان أن يكنى عنده فدخل رجل أسمر اللون حسن القامة جميل الوجه جيد البدن حديث السن له جلالة وهيبة حسنة.

فلما نظر إليه أبي قام فمشى إليه خطوات ولا أعلمه فعل هذا بأحد من بني هاشم والقواد فلما دنا منه عانقه وقبل وجهه وصدره وأخذ بيده وأجلسه على مصلاه الذي كان عليه وجلس إلى جنبه مقبلا عليه بوجهه يكلمه ويفديه بنفسه وأنا متعجب مما أرى منه إذ دخل الحاجب فقال الموفق قد جاء وكان الموفق إذا دخل على أبي يقدمه حجابه وخاصة قواده فقاموا بين مجلس أبي وبين باب الدار سماطين (١) إلى أن يدخل ويخرج فلم يزل أبي مقبلا على أبي محمد يحدثه حتى نظر إلى غلمانه الخاصة فقال حينئذ إذا شئت جعلني الله فداك ثم قال لحجابه خذوا به من خلف السماطين لا يراه هذا يعني الموفق فقام وقام أبي وعانقه ومضى فقلت لحجاب أبي وغلمانه ويلكم من هذا الذي كنيتموه بحضرة أبي وفعل به هذا الفعل فقال هذا علوي يقال له الحسن بن علي يعرف

__________________

(١) أي صفّين.

٤٠٧

بابن الرضا فازددت تعجبا ولم أزل يومي ذلك قلقا متفكرا في أمره وأمر أبي وما رأيته منه حتى كان الليل وكانت عادته أن يصلي العتمة ثم يجلس فينظر ما يحتاج إليه من المؤامرات وما يرفعه إلى السلطان.

فلما صلى وجلس جئت فجلست بين يديه وليس عنده أحد فقال يا أحمد ألك حاجة قلت نعم يا أبة فإن أذنت سألتك عنها قال قد أذنت قلت يا أبة من الرجل الذي رأيتك الغداة فعلت به ما فعلت من الإجلال والكرامة والتبجيل وفديته بنفسك وأبويك فقال يا بني ذاك إمام الرافضة الحسن بن علي المعروف بابن الرضا ثم سكت ساعة وأنا ساكت ثم قال يا بني لو زالت الإمامة عن خلفاء بني العباس ما استحقها أحد من بني هاشم غيره لفضله وعفافه وهديه وصيانته وزهده وعبادته وجميل أخلاقه وصلاحه ولو رأيت أباه رأيت رجلا جزلا نبيلا فاضلا فازددت قلقا وغيظا وتفكرا على أبي وما سمعت منه فيه ورأيته من فعله فلم تكن لي همة بعد ذلك إلا السؤال عن خبره والبحث عن أمره فما سألت أحدا من بني هاشم والقواد والكتاب والقضاة والفقهاء وسائر الناس إلا وجدته عنده في غاية الإجلال والإعظام والمحل الرفيع والقول الجميل والتقديم له على جميع أهل بيته ومشايخه فعظم قدره عندي إذ لم أر له وليا ولا عدوا إلا وهو يحسن القول فيه والثناء عليه.

فقال له بعض من حضر مجلسه من الأشعريين فما خبر أخيه جعفر وكيف كان في المحل فقال ومن جعفر فيسأل عن خبره أويقرن إلى الحسن جعفر معلن بالفسق فاجر شريب للخمور أقل من رأيته من الرجال وأهتكهم لنفسه خفيف قليل في نفسه ولقد ورد على السلطان وأصحابه في وقت وفاة الحسن بن علي ما تعجبت منه وما ظننت أنه يكون منه وذلك أنه لما اعتل بعث إلى أبي أن ابن الرضا قد اعتل فركب من ساعته إلى دار الخلافة ثم رجع مستعجلا ومعه خمسة من خدم أمير المؤمنين كلهم من ثقاته وخاصته وفيهم نحرير وأمرهم بلزوم دار الحسن وتعرف خبره وحاله وبعث إلى نفر من المتطببين وأمرهم بالاختلاف إليه وتعهده

٤٠٨

صباحا ومساء فلما كان بعد ذلك بيومين أو ثلاثة أخبر أنه قد ضعف فركب حتى بكر إليه ـ فأمر المتطببين بلزوم داره وبعث إلى قاضي القضاة فأحضره مجلسه وأمره أن يختار عشرة ممن يوثق به بدينه وورعه وأمانته فأحضرهم فبعث بهم إلى دار الحسن وأمرهم بلزومه ليلا ونهارا فلم يزالوا هناك حتى توفي ع.

فلما ذاع خبر وفاته صارت سر من رأى ضجة واحدة وعطلت الأسواق وركب بنو هاشم والقواد والكتاب والقضاة والمعدلون وسائر الناس إلى جنازته فكانت سر من رأى يومئذ شبيها بالقيامة فلما فرغوا من تهيئته بعث السلطان إلى أبي عيسى بن المتوكل فأمره بالصلاة عليه فلما وضعت الجنازة للصلاة عليه دنا أبو عيسى منه فكشف عن وجهه فعرضه على بني هاشم من العلوية والعباسية والقواد والكتاب والقضاة والمعدلين وقال هذا الحسن بن علي بن محمد بن الرضا مات حتف أنفه على فراشه وحضره من خدم أمير المؤمنين وثقاته فلان وفلان ومن القضاة فلان وفلان ومن المتطببين فلان وفلان ثم غطى وجهه وصلى عليه وأمر بحمله.

ولما دفن جاء جعفر أخوه إلى أبي فقال له اجعل لي مرتبة أخي وأنا أوصل إليك في كل سنة عشرين ألف دينار فزبره (١) أبي وأسمعه ما كره وقال له يا أحمق السلطان أطال الله بقاءه جرد سيفه في الذين يزعمون أن أباك وأخاك أئمة ليردوهم عن ذلك فما تهيأ له ذلك فإن كنت عند شيعة أبيك وأخيك إماما فلا حاجة بك إلى سلطان يرتبك مراتبهم ولا غير سلطان وإن لم تكن عندهم بهذه المنزلة لا تنالها بنا فاستقله أبي عند ذلك واستضعفه وأمر أن يحجب عنه فلم يأذن له في الدخول عليه حتى مات أبي وخرجنا وهو على تلك الحال والسلطان يطلب أثر ولد الحسن بن علي اليوم وهو لا يجد إلى ذلك سبيلا وشيعته مقيمون على أنه مات وخلف ولدا يقوم مقامه بالإمامة (٢)

__________________

(١) أي زجره ونهره.

(٢) قال الشيخ في الفهرست في ترجمة أحمد بن عبد اللّه بن يحيى بن خاقان : له مجلس يصف فيه أبا محمّد الحسن بن عليّ عليهما السلام. ثم ذكر اسناده في ذلك ورواه الكليني (ره) في الكافي في باب مولد أبى الحسن عليه السلام والصدوق في الاكمال.

٤٠٩

وكتب أبو محمد ع إلى أبي القاسم إسحاق بن جعفر الزبيري قبل موت المعتز بنحو عشرين يوما ألزم بيتك حتى يحدث الحادث فلما قتل تريخة (١) كتب إليه قال حدث الحادث فما تأمرني فكتب إليه ليس هذا الحادث الحادث الآخر فكان من المعتز ما كان قال وكتب إلى رجل آخر يقتل محمد بن داود قبل قتله بعشرة أيام فلما كان في اليوم العاشر قتل.

وعن محمد بن علي بن إبراهيم بن موسى بن جعفر قال ـ ضاق بنا الأمر فقال لي أبي امض بنا حتى نصير إلى هذا الرجل يعني أبا محمد فإنه قد وصف عنه سماحة فقلت تعرفه قال ما أعرفه ولا رأيته قط قال فقصدناه فقال أبي وهو في طريقه ما أحوجنا إلى أن يأمر لنا بخمسمائة درهم مأتي درهم للكسوة ومأتي درهم للدقيق ومائة درهم للنفقة وقلت في نفسي ليته أمر لي بثلاثة مائة درهم مائة أشتري بها حمارا ومائة للنفقة ومائة للكسوة فأخرج إلى الجبل قال فلما وافينا الباب خرج إلينا غلامه فقال يدخل علي بن إبراهيم ومحمد ابنه فلما دخلنا عليه وسلمنا قال لأبي يا علي ما خلفك عنا إلى هذا الوقت قال يا سيدي استحييت أن ألقاك على هذه الحال فلما خرجنا من عنده جاءنا غلامه فناول أبي صرة فيها دراهم وقال هذه خمسمائة درهم مائتان للكسوة ومائتان للدقيق ومائة للنفقة وأعطاني صرة وقال هذه ثلاثمائة درهم اجعل مائة في ثمن حمار ومائة للكسوة ومائة للنفقة ولا تخرج إلى الجبل وصر إلى سوراء (٢) قال فصار إلى سوراء وتزوج امرأة منها فدخله اليوم ألفا دينار ومع هذا يقول بالوقف.

قال محمد بن إبراهيم الكردي فقلت له ويحك أتريد أمرا أبين من هذا قال فقال صدقت ولكنا على أمر جرينا عليه.

قلت هذا هو التقليد الذي ذمه الله عز وعلا في شريف كتابه فقال حكاية

__________________

(١) كذا في النسخ وفي المصدر : «بريحة» وقال الطريحي في المجمع «بريمة» اسم رجل.

(٢) سوراء : موضع يقال هو جنب بغداد وقيل هو بغداد نفسها.

٤١٠

عن الكفار (إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ) ولا شبهة أن عذاب هؤلاء الذين بلغتهم الدعوة ورأوا الأدلة والمعجزات أشد بأضعاف مضاعفة بل لا نسبة لهم إلى من لم تبلغه الدعوة ولا قامت عليه الحجة وهذا العلوي لو لم يرى أمارة ولا سمع دلالة كان أحسن حالا منه بعد ذلك و (يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ).

حدث أحمد بن الحرث القزويني قال ـ كنت مع أبي بسر من رأى وكان أبي يتعاطى البيطرة (١) في مربط أبي محمد ع قال وكان عند المستعين بغل لم ير مثله حسنا وكبرا وكان يمنع ظهره واللجام وكان قد جمع عليه الرواض (٢) فلم تكن لهم حيلة في ركوبه فقال له بعض ندمائه يا أمير المؤمنين ألا تبعث إلى الحسن بن علي ابن الرضا حتى تجيء فإما أن يركبه وإما أن يقتله قال فبعث إلى أبي محمد ومضى أبي معه فلما دخل أبو محمد الدار كنت مع أبي فنظر أبو محمد إلى البغل واقفا في صحن الدار فعدا إليه فوضع يده على كفله قال فنظرت إلى البغل قد عرق حتى سال العرق منه ثم صار إلى المستعين فسلم عليه فرحب به وقربه وقال يا با محمد ألجم هذا البغل فقال أبو محمد لأبي ألجمه يا غلام فقال له المستعين ألجمه أنت فوضع أبو محمد طيلسانه وقام فألجمه ثم رجع إلى مجلسه وجلس قال له يا با محمد أسرجه فقال لأبي يا غلام أسرجه فقال المستعين أسرجه أنت فقام ثانية فأسرجه ورجع إلى مجلسه فقال له ترى أن تركبه فقال أبو محمد نعم فركبه من غير أن يمتنع عليه ثم ركضه في الدار ثم حمله على الهملجة (٣) فمشى أحسن مشى يكون ثم رجع فنزل فقال له المستعين كيف رأيته قال ما رأيت مثله حسنا وفراهة فقال له المستعين فإن أمير المؤمنين قد حملك عليه فقال أبو محمد لأبي يا غلام خذه فأخذه أبي فقاده

__________________

(١) البيطرة : معالجة الدوابّ.

(٢) جمع الرائض : من يذلل الفرس ويطوعه ويعلمه.

(٣) وهي المشي شبيه الهرولة.

٤١١

وعن أبي هاشم الجعفري قال شكوت إلى أبي محمد الحسن بن علي ع الحاجة فحك بسوط الأرض فأخرج منها سبيكة نحو الخمسمائة دينار وقال خذها يا أبا هاشم وأعذرنا.

وعن أبي علي المطهري أنه كتب إليه من القادسية يعلمه بانصراف الناس عن المضي إلى الحج وأنه يخاف العطش إن مضى فكتب ع امضوا فلا خوف عليكم إن شاء الله فمضى من بقي سالمين لم يجدوا عطشا.

وعن علي بن الحسين بن الفضل اليماني قال نزل بالجعفري من آل جعفر خلق كثير لا قبل له بهم فكتب إلى أبي محمد ع يشكو ذلك فكتب إليه تكفونهم إن شاء الله قال فخرج إليهم في نفر يسير والقوم يزيدون على عشرين ألف نفس وهو في أقل من ألف فاستباحهم.

وعن محمد بن إسماعيل العلوي قال حبس أبو محمد ع عند علي بن أوتامش وكان شديد العداوة لآل محمد ع غليظا على آل أبي طالب وقيل له افعل به وافعل فما أقام إلا يوما حتى وضع خديه له وكان لا يرفع بصره إليه إجلالا وإعظاما وخرج من عنده وهو أحسن الناس بصيرة وأحسنهم قولا فيه.

حدث أبو هاشم الجعفري قال شكوت إلى أبي محمد ع ضيق الحبس وكلب القيد (١) فكتب إلي أنت تصلي الظهر اليوم في منزلك فأخرجت وقت الظهر فصليت في منزلي كما قال وكان مضيقا فأردت أن أطلب منه معونة في الكتاب الذي كتبته فاستحييت فلما صرت إلى منزلي وجه إلي مائة دينار وكتب إلي إذا كانت لك حاجة فلا تستحي ولا تحتشم واطلبها فإنك على ما تحب إن شاء الله.

وعن أبي حمزة نصير الخادم قال سمعت أبا محمد ع غير مرة يكلم غلمانه بلغاتهم وفيهم ترك وروم وصقلابية فتعجبت من ذلك وقلت هذا ولد بالمدينة ولم يظهر لأحد حتى مضى أبو الحسن ولا رآه أحد فكيف هذا أحدث نفسي بذلك فأقبل علي وقال إن الله جل اسمه بين حجته من سائر خلقه وأعطاه معرفة كل

__________________

(١) الكلب : الشدة والضيق.

٤١٢

شيء وهو يعرف اللغات والأسباب والحوادث ولو لا ذلك لم يكن بين الحجة والمحجوج فرق.

وقال الحسن بن طريف اختلج في صدري مسألتان أردت الكتاب بهما إلى أبي محمد ع فكتبت إليه أسأله عن القائم إذا قام بم يقضي وأين مجلسه الذي يقضي فيه بين الناس وأردت أن أسأله عن شيء لحمى الربع (١) فأغفلت ذكر الحمى فجاء بالجواب سألت عن القائم فإذا قام قضى بين الناس بعلمه كقضاء داود ع لا يسأل البينة وكنت أردت أن تسأل عن حمى الربع فأنسيت فاكتب في ورقة وعلقه على المحموم (يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ) فكتبت ذلك وعلقته على محموم فبرأ وأفاق.

قال إسماعيل بن محمد بن علي بن إسماعيل بن علي بن عبد الله بن العباس قال قعدت لأبي محمد ع على ظهر الطريق فلما مر بي شكوت إليه الحاجة وحلفت له أنه ليس عندي درهم واحد فما فوقه ولا غداء ولا عشاء قال فقال تحلف بالله كاذبا وقد دفنت مائتي دينار وليس قولي هذا دفعا لك عن العطية أعطه يا غلام ما معك فأعطاني غلامه مائة دينار ثم أقبل علي فقال إنك تحرم الدنانير التي دفنتها أحوج ما تكون إليها وصدق ع وذلك أني أنفقت ما وصلني به واضطررت ضرورة شديدة إلى شيء أنفقه وانغلقت علي أبواب الرزق فنبشت عن الدنانير التي كنت دفنتها فلم أجدها فنظرت فإذا ابن لي قد عرف موضعها فأخذها وهرب فما قدرت منها على شيء.

قال علي بن زيد بن علي بن الحسين كان لي فرس وكنت به معجبا أكثر ذكره في المحافل فدخلت على أبي محمد ع يوما فقال ما فعل فرسك فقلت ها هو على بابك الآن نزلت عنه فقال استبدل به قبل المساء إن قدرت على مشتر لا تؤخر ذلك ودخل علينا داخل فانقطع الكلام فقمت من مكاني مفكرا ومضيت إلى منزلي فأخبرت أخي قال لي ما أدري ما أقول في هذا وشححت به ونفست

__________________

(١) هي أن تأخذ يوما وتدع يومين ثمّ تجيء في اليوم الرابع.

٤١٣

على الناس ببيعه وأمسينا فلما صلينا العتمة جاءني السائس (١) فقال نفق (٢) فرسك الساعة فاغتممت وعلمت أنه عنى هذا بذلك القول ثم دخلت على أبي محمد بعد أيام وأنا أقول في نفسي ليته أخلف علي دابة فلما جلست قال قبل أن أحدث بشيء نعم نخلف عليك يا غلام أعطه برذوني الكميت (٣) ثم قال هذا خير من فرسك وأوطأ وأطول عمرا.

قال أحمد بن محمد كتبت إلى أبي محمد ع حين أخذ المهتدي في قتل الموالي يا سيدي الحمد لله الذي شغله عنك فقد بلغني أنه يتهددك ويقول والله لأخلينهم عن جديد الأرض فوقع أبو محمد ع بخطه ذاك أقصر لعمره وعد من يومك هذا خمسة أيام ويقتل في اليوم السادس بعد هوان واستخفاف بموته فكان كما قال.

قال دخل العباسيون على صالح بن وصيف عند ما حبس أبو محمد ع فقالوا له ضيق عليه ولا توسع فقال صالح ما أصنع به قد وكلت به رجلين شر من قدرت عليه فقد صارا من العبادة والصلاة والصيام إلى أمر عظيم ثم أمر بإحضار الموكلين فقال لهما ويحكما ما شأنكما في أمر هذا الرجل فقالا له ما نقول في رجل يصوم النهار ويقوم الليل كله لا يتكلم ولا يتشاغل بغير العبادة فإذا نظر إلينا أرعدت فرائصنا وأدخلنا ما لا نملكه من أنفسنا فلما سمع العباسيون ذلك انصرفوا خائبين.

وعن علي بن محمد عن جماعة من أصحابنا قالوا سلم أبو محمد ع إلى نحرير وكان يضيق عليه ويؤذيه فقالت له امرأته اتق الله فإنك لا تدري من في بيتك وذكرت له صلاحه وعبادته وقالت إني أخاف عليك منه فقال والله لأرمينه للسباع ثم استأذن في ذلك فأذن له فرمى به إليها ولم يشكوا في أكلها له فنظروا

__________________

(١) ساس الدابّة : راضها وأدبها.

(٢) أي مات.

(٣) الكميت من الخيل : ما بين الأسود والأحمر.

٤١٤

إلى الموضع ليعرفوا الحال فوجدوه ع قائما يصلي وهي حوله فأمر بإخراجه إلى داره والروايات في هذا المعنى كثيرة وفيما أثبتناه منها كفاية فيما نحوناه إن شاء الله.

وقال باب ذكر وفاة أبي محمد الحسن بن علي ع وموضع قبره وذكر ولده.

ومرض أبو محمد ع في أول شهر ربيع الأول سنة ستين ومائتين ومات في يوم الجمعة لثمان خلون من هذا الشهر في السنة المذكورة وله يوم وفاته ثمان وعشرون سنة ودفن في البيت الذي دفن فيه أبوه من دارهما بسر من رأى وخلف ابنه المنتظر لدولة الحق وكان قد أخفى مولده وستر أمره لصعوبة الوقت وشدة طلب سلطان الزمان له واجتهاده في البحث عن أمره ولما شاع من مذهب الشيعة الإمامية فيه وعرف انتظارهم له فلم يظهر ولده ع في حياته ولا عرفه الجمهور بعد وفاته.

وتولى جعفر بن علي أخو أبي محمد أخذ تركته وسعى في حبس جواري أبي محمد ع واعتقال حلائله وشنع على أصحابه بانتظارهم وولده وقطعهم بوجوده والقول بإمامته وأغرى بالقوم حتى أخافهم وشردهم وجرى على مخلفي أبي محمد ع بسبب ذلك كل عظيمة من اعتقال وحبس وتهديد وتصغير واستخفاف وذل ولم يظفر السلطان منهم بطائل وحاز جعفر ظاهر تركة أبي محمد ع واجتهد في القيام عند الشيعة مقامه ولم يقبل أحد منهم ذلك ولا اعتقده فيه فصار إلى سلطان الوقت يلتمس مرتبة أخيه وبذل مالا جليلا وتقرب بكل ما ظن أنه يتقرب به فلم ينتفع بشيء من ذلك.

ولجعفر أخبار كثيرة في هذا المعنى رأيت الإضراب عن ذكرها لأسباب لا يحتمل الكتاب شرحها وهي مشهورة عند الإمامية ومن عرف أخبار الناس من العامة وبالله التوفيق.

قال ابن الخشاب ولد أبو محمد الحسن بن علي المتوكل بن محمد القانع بن علي

٤١٥

الرضا بن موسى الأمين بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي سيد العابدين بن الحسين الشهيد بن علي بن أبي طالب ع في سنة إحدى وثلاثين ومائتين وتوفي في يوم الجمعة وقال بعض الرواة في يوم الأربعاء لثمان ليال خلون من شهر ربيع الأول سنة مائتين وستين فكان عمره تسعا وعشرين سنة منها بعد أبيه خمس سنين وثمانية أشهر وثلاثة عشر يوما قبره بسر من رأى أمه سوسن.

ومن كتاب الدلائل الحسن بن علي العسكري ع عن محمد بن عبد الله قال لما أمر سعيد بحمل أبي محمد إلى الكوفة قد كتب إليه أبو الهيثم جعلت فداك بلغنا خبر قلقنا وبلغ منا فكتب بعد ثلاث يأتيكم الفرج فقتل المعتز يوم الثالث. قال وفقد له غلام صغير فلم يوجد فأخبر بذلك وقال اطلبوه من البركة فطلب فوجد في بركة الدار ميتا.

قال وانتهبت خزانة أبي الحسن بعد ما مضى فأخبر بذلك فأمر بغلق الباب ثم دعا بحرمه وعياله فجعل يقول لواحد واحد رد كذا وكذا ويخبره بما أخذ فردوا حتى ما فقد شيئا.

حدث هارون بن مسلم قال ولد لابني أحمد ابن فكتبت إلى أبي محمد وذلك بالعسكر اليوم الثاني من ولادته أسأله أن يسميه ويكنيه وكان محبتي أن أسميه جعفرا وأكنيه بأبي عبد الله فوافاني رسوله في صبيحة اليوم السابع ومعه كتاب سمه جعفرا وكنه بأبي عبد الله ودعا لي :

وحدثني القاسم الهروي قال خرج توقيع من أبي محمد إلى بعض بني أسباط قال كتبت إليه أخبره عن اختلاف الموالي وأسأله إظهار دليل فكتب إلي وإنما خاطب الله عزوجل العاقل وليس أحد يأتي بآية ويظهر دليلا أكثر مما جاء به خاتم النبيين وسيد المرسلين فقالوا ساحر وكاهن وكذاب وهدى الله من اهتدى وغير أن الأدلة يسكن إليها كثير من الناس وذلك أن الله عزوجل يأذن لنا فنتكلم ويمنع فنصمت ولو أحب أن لا يظهر حقا ما بعث النبيين مبشرين ومنذرين يصدعون بالحق في حال الضعف والقوة وينطقون في أوقات ليقضي الله أمره وينفذ حكمه

٤١٦

الناس في طبقات شتى المستبصر على سبيل نجاة متمسك بالحق متعلق بفرع أصل غير شاك ولا مرتاب لا يجد عنه ملجأ وطبقة لم تأخذ الحق من أهله فهم كراكب البحر يموج عند موجه ويسكن عند سكونه وطبقة (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ) شأنهم الرد على أهل الحق ودفع الحق بالباطل (حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ) فدع من ذهب يذهب يمينا وشمالا فالراعي إذا أراد أن يجمع غنمه جمعها في أهون السعي وذكرت ما اختلف فيه موالي فإذا كانت الرفعة والكبر فلا ريب ومن جلس مجالس الحكم فهو أولى بالحكم أحسن رعاية من استرعيت وإياك والإذاعة وطلب الرئاسة فإنهما يدعوان إلى الهلكة ذكرت شخوصك إلى فارس فاشخص خار الله لك وتدخل مصر إن شاء الله آمنا واقرأ من تثق به من موالي السلام ومرهم بتقوى الله العظيم وأداء الأمانة وأعلمهم أن المذيع علينا حرب لنا قال فلما قرأت وتدخل مصر إن شاء الله آمنا لم أعرف معنى ذلك فقدمت بغداد وعزيمتي الخروج إلى فارس فلم يتهيأ ذلك فخرجت إلى مصر.

وعن علي بن محمد بن زياد أنه خرج إليه توقيع أبي محمد فتنة تخصك فكن حلسا من أحلاس بيتك (١) قال فنابتني نائبة فزعت منها فكتبت إليه أهي هذه فكتب لا أشد من هذه فطلبت بسبب جعفر بن محمد ونودي على من أصابني فله مائة ألف درهم.

حدث محمد بن علي السمري قال دخلت على أبي أحمد عبيد الله بن عبد الله وبين يديه رقعة أبي محمد ع فيها إني نازلت الله في هذا الطاغي يعني الزبيري وهو أخذه بعد ثلاث فلما كان في اليوم الثالث فعل به ما فعل.

وعنه قال كتب إلي أبو محمد فتنة تظلكم فكونوا على أهبة فلما كان بعد ثلاثة أيام وقع بين بني هاشم وكانت لهم هنة لها شأن فكتبت إليه أهي هذه قال لا ولكن غير هذه فاحترسوا فلما كان بعد أيام كان من أمر المعتز ما كان

__________________

(١) قال الجوهريّ : أحلاس البيوت : ما يبسط تحت حر الثياب وفي الحديث : كن حلس بيتك اي لا تبرح.

٤١٧

وعن أبي هاشم الجعفري قال كنت عند أبي محمد إذ دخل عليه شاب حسن الوجه فقلت في نفسي من هذا فقال أبو محمد هذا ابن أم غانم صاحبة الحصاة التي طبع فيها آبائي وقد جاءني أطبع فيها هات حصاتك فأخرج حصاة فإذا فيها موضع أملس فطبع فيها بخاتم معه فانطبع قال واسم اليماني مهجع بن سفيان بن علم ابن أم غانم اليمانية.

قال خرج أبو محمد في جنازة أبي الحسن وقميصه مشقوق فكتب إليه أبو عون قرابة نجاح بن سلمة من رأيت أو بلغك من الأئمة شق ثوبه في مثل هذا فكتب إليه أبو محمد يا أحمق وما يدريك ما هذا قد شق موسى على هارون.

وعن جعفر بن محمد القلانسي قال كتب محمد أخي إلى أبي محمد وامرأته حامل مقرب أن يدعو الله أن يخلصها ويرزقه ذكرا ويسميه فكتب يدعو الله بالصلاح ويقول رزقك الله ذكرا سويا ونعم الاسم محمد وعبد الرحمن فولدت اثنين في بطن أحدهما في رجله زوائد في أصابعه والآخر سوى فسمى واحدا محمدا والآخر صاحب الزوائد عبد الرحمن.

وعن جعفر بن محمد القلانسي قال كتبت إلى أبي محمد مع محمد بن عبد الجبار وكان خادما يسأله عن مسائل كثيرة ويسأله الدعاء لأخ له خرج إلى أرمنية يجلب غنما فورد الجواب بما سأل ولم يذكر أخاه فيه بشيء فورد الخبر بعد ذلك إن أخاه مات يوم كتب أبو محمد جواب المسائل فعلمنا أنه لم يذكر لأنه علم بموته.

وعن أبي هاشم الجعفري قال كنت عند أبي محمد فقال إذا خرج القائم أمر بهدم المنار والمقاصير التي في المساجد فقلت في نفسي لأي معنى هذا فأقبل علي وقال معنى هذا أنها محدثة مبتدعة لم يبنها نبي ولا حجة.

وعن داود بن القاسم الجعفري قال سألت أبا محمد عن قول الله عزوجل (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللهِ) (١) قال كلهم من آل محمد الظالم لنفسه الذي

__________________

(١) الفاطر : ٣٢.

٤١٨

لا يقر بالإمام قال فدمعت عيني وجعلت أفكر في نفسي في عظم ما أعطى الله آل محمد على محمد وآله السلام فنظر إلي أبو محمد فقال الأمر أعظم مما حدثتك نفسك من عظيم شأن آل محمد فاحمد الله فقد جعلت متمسكا بحبلهم تدعى يوم القيامة بهم إذا دعي كل أناس بإمامهم فأبشر يا أبا هاشم فإنك على خير.

وعن أبي هاشم قال سأل محمد بن صالح الأرمني أبا محمد عن قول الله (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) (١) فقال أبو محمد هل يمحو الله إلا ما كان وهل يثبت إلا ما لم يكن فقلت في نفسي هذا خلاف ما يقول هشام بن الحكم لا يعلم الشيء حتى يكون فنظر إلي أبو محمد فقال تعالى الجبار الحاكم العالم بالأشياء قبل كونها الخالق إذ لا مخلوق والرب إذ لا مربوب والقادر قبل المقدور عليه فقلت أشهد أنك ولي الله وحجته والقائم بقسطه وأنك على منهاج أمير المؤمنين وعلمه.

وقال أبو هاشم كنت عند أبي محمد فسأله محمد بن صالح الأرمني عن قول الله (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا) (٢) قال أبو محمد ثبتت المعرفة ونسوا ذلك الموقف وسيذكرونه ولو لا ذلك لم يدر أحد من خالقه ولا من رازقه (٣) قال أبو هاشم

__________________

(١) الرعد : ٣٩.

(٢) الأعراف : ١٧٢

(٣) كأن المراد انه لو لم يعرف اللّه نفسه على عباده فكان معرفته مستحيلا للعباد وذلك لضعفهم ونقصانهم عن معرفة خالقهم ورازقهم ، لضعف الصور الخيالية من الأشياء المتصورة في الذهن عن أن يعرف صاحبه يعنى المصور له في خياله ، مثاله : انك لو صورت في ذهنك صورة من البستان في صورة خاصّة ، فهذا البستان يستحيل له ان يعرفك وليس له ذلك الإدراك فالمخلوق أيضا أنقص وأضعف من أن يعرف خالقه ورازقه ، الا إذا أوجد الخالق هذه المعرفة فيه وعرف نفسه بهم ، ولذلك ورد في الحديث في جواب من سئل ان المعرفة صنع من؟ فقال الإمام عليه السلام : من صنع اللّه ، ليس للعباد فيها صنع وورد في الدعاء أيضا اللّهمّ عرفني نفسك ... ا ه وللبحث مجال واسع موكول إلى محله.

٤١٩

فجعلت أتعجب في نفسي من عظيم ما أعطى الله وليه وجزيل ما حمله فأقبل أبو محمد علي فقال الأمر أعجب مما عجبت منه يا أبا هاشم وأعظم ما ظنك بقوم من عرفهم عرف الله ومن أنكرهم أنكر الله فلا مؤمن إلا وهو بهم مصدق وبمعرفتهم موقن.

وقال أبو هاشم سمعت أبا محمد يقول من الذنوب التي لا تغفر قول الرجل ليتني لم أؤخذ إلا بهذا فقلت في نفسي إن هذا لهو الدقيق وقد ينبغي للرجل أن يتفقد من نفسه كل شيء فأقبل علي فقال صدقت يا أبا هاشم ألزم ما حدثتك نفسك فإن الإشراك في الناس أخفى من دبيب النمل على الصفاء في الليلة الظلماء ومن دبيب الذر على المسح الأسود.

وعن أبي هاشم قال سمعت أبا محمد يقول إن في الجنة لبابا يقال له المعروف لا يدخله إلا أهل المعروف فحمدت الله في نفسي وفرحت بما أتكلفه من حوائج الناس فنظر إلي أبو محمد قال نعم فدم على ما أنت عليه فإن أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة جعلك الله منهم يا أبا هاشم ورحمك.

وعنه قال سمعت أبا محمد يقول (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ـ) أقرب إلى اسم الله الأعظم من سواد العين إلى بياضها.

وعنه قال سأل محمد بن صالح الأرمني أبا محمد عن قول الله (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ) (١) فقال أبو محمد له الأمر من قبل أن يأمر به وله الأمر من بعد أن يأمر بما شاء فقلت في نفسي هذا قول الله (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) (٢) قال فنظر إلي وتبسم ثم قال (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ).

وعن أبي هاشم قال سئل أبو محمد ما بال المرأة المسكينة الضعيفة تأخذ سهما واحدا ويأخذ الرجل سهمين فقال إن المرأة ليست عليها جهاد ولا نفقة

__________________

(١) الروم : ٤.

(٢) الأعراف : ٥٤.

٤٢٠