كشف الغمّة في معرفة الأئمّة - ج ٢

أبي الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح الاربلي

كشف الغمّة في معرفة الأئمّة - ج ٢

المؤلف:

أبي الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح الاربلي


المحقق: السيد هاشم الرسولي المحلاتي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة بني هاشمي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٦٠
الجزء ١ الجزء ٢

كان كل من ورد إليها من جهة السلطان يحاربه أهلها فسلم إلي جيش وخرجت نحوها فلما خرجت إلى ناحية طر وخرجت إلى الصيد ففاتني طريدة فاتبعتها وأوغلت في أثرها حتى بلغت إلى نهر فسرت فيه فكلما سرت يتسع النهر فبينا أنا كذلك إذ طلع علي فارس تحته شهباء وهو متعمم بعمامة خز خضراء لا أرى منه سواد عينيه وفي رجليه خفان أحمران فقال لي يا حسين وما أمرني ولا كناني فقلت ما ذا تريد فقال لم تزري على الناحية ولم تمنع أصحابي خمس مالك وكنت رجلا وقودا لا أخاف شيئا فأرعدت وتهيبته وقلت له أفعل يا سيدي ما تأمر به فقال إذا أتيت إلى الموضع الذي أنت متوجه إليه فدخلته عفوا وكسبت ما كسبته فيه تحمل خمسه إلى مستحقه فقلت السمع والطاعة فقال امض راشدا ولوى عنان دابته وانصرف فلم أدر أي طريق سلك فطلبته يمينا وشمالا فخفي علي أمره فازددت رعبا وانكفأت راجعا إلى عسكري وتناسيت الحديث فلما بلغت قم وعندي أنني أريد محاربة القوم خرج إلي أهلها وقالوا كنا نحارب من يجيئنا لخلافهم لنا وأما إذا وافيت أنت فلا خلاف بيننا وبينك ادخل البلدة فدبرها كما ترى فأقمت فيها زمانا وكسبت أموالا زائدة على ما كنت أقدر ثم وشي القواد بي إلى السلطان وحسدت على طول مقامي وكثرة ما اكتسبت فعزلت ورجعت إلى بغداد فابتدأت بدار السلطان فسلمت وأقبلت إلى منزلي وجاءني فيمن جاءني محمد بن عثمان العمري فتخطى رقاب الناس حتى اتكأ على تكأتي فاغتظت من ذلك ولم يزل قاعدا لا يبرح والناس يدخلون ويخرجون وأنا أزداد غيظا فلما تصرم المجلس (١) دنا إلي وقال بيني وبينك سر فاسمعه فقلت قل فقال صاحب الشهباء والنهر يقول قد وفينا بما وعدنا فذكرت الحديث وارتعدت من ذلك وقلت السمع والطاعة فقمت وأخذت بيده وفتحت الخزائن فلم يزل يخمسها إلى أن خمس شيئا كنت قد أنسيته مما كنت قد جمعته وانصرف ولم أشك بعد ذلك وتحققت الأمر فأنا منذ سمعت هذا من عمي أبي عبد الله زال ما كان اعترضني من شك.

__________________

(١) أي انقضى وقته وتفرق الناس

٥٠١

ومنها ما روي عن أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه قال لما وصلت بغداد في سنة سبع وثلاثين للحج وهي السنة التي رد القرامطة فيها الحجر إلى مكانه من البيت كان أكبر همي بمن ينصب الحجر لأنه مضى في أثناء الكتب قصة أخذه وأنه ينصبه في مكانه الحجة في الزمان كما في زمن الحجاج وضعه زين العابدين ع في مكانه فاستقر فاعتللت علة صعبة خفت فيها على نفسي ولم يتهيأ لي ما قصدت له فاستنبت المعروف بابن هشام وأعطيته رقعة مختومة أسأل فيها عن مدة عمري وهل تكون المنية في هذه العلة أم لا وقلت همي إيصال هذه الرقعة إلى واضع الحجر في مكانه وأخذ جوابه وإنما أندبك لهذا فقال المعروف بابن هشام لما حصلت بمكة وعزم على إعادة الحجر بذلت لسدنة البيت جملة تمكنت معها من الكون بحيث أرى واضع الحجر في مكانه أقمت معي منهم من يمنع عني ازدحام الناس فكلما عمد إنسان لوضعه اضطرب ولم يستقم فأقبل غلام أسمر اللون حسن الوجه فتناوله ووضعه في مكانه فاستقام كأنه لم يزل عنه وعلت لذلك الأصوات فانصرف خارجا من الباب فنهضت من مكاني أتبعه وأدفع الناس عني يمينا وشمالا حتى ظن بي اختلاط في العقل والناس يفرجون لي وعيني لا تفارقه حتى انقطع عني الناس وكنت أسرع الشدة خلفه وهو يمشي على تؤدة (١) ولا أدركه فلما حصل بحيث لا يراه أحد غيري وقف والتفت إلي فقال هات ما معك فناولته الرقعة فقال من غير أن ينظر فيها قل له لا خوف عليك في هذه العلة ويكون ما لا بد منه بعد ثلاثين سنة قال فوقع علي الزمع (٢) حتى لم أطق حراكا وتركني وانصرف قال أبو القاسم فأعلمني بهذه الجملة فلما كانت سنة سبع وستين اعتل أبو القاسم فأخذ ينظر في أمره وتحصيل جهازه إلى قبره وكتب وصيته واستعمل الجد في ذلك فقيل له ما هذا الخوف وترجو أن يتفضل الله بالسلامة فما عليك مخوفة فقال هذه السنة التي وعدت وخوفت

__________________

(١) أي على التأنى والتمهل.

(٢) الزمع : الدهش والخوف.

٥٠٢

منها فمات في علته.

ومنها ما روي عن علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن عيسى بن شج قال دخل الحسن بن علي العسكري علينا الحبس وكنت به عارفا فقال لي لك خمس وستون سنة وشهر ويومان وكان معي كتاب دعاء عليه تاريخ مولدي وأني نظرت فيه فكان كما قال وقال هل رزقت ولدا فقلت لا قال اللهم ارزقه ولدا يكون له عضدا فنعم العضد الولد ثم تمثل ع.

من كان ذا عضد يدرك ظلامته

إن الذليل الذي ليست له عضد

قلت يا مولاي ألك ولد قال إي والله سيكون لي ولد يملأ الأرض قسطا فأما الآن فلا ثم تمثل عليه السلام

لعلك يوما أن تراني كأنما

نبي حوالي الأسود اللوائد

فإن تميما قبل أن تلد الحصا

أقام زمانا وهو في الناس واحد

آخر ما نقلته من كتاب الخرائج للراوندي رحمه‌الله.

وقال الطبرسي في كتابه الركن الرابع من الكتاب في ذكر الأئمة الاثني عشر والإمام الثاني عشر ع المطلب الأهم والغرض الأتم من هذا الكتاب في تصحيح إمامة صاحب الزمان بن الحسن القائم الحجة مهدي الأمة وكاشف الغمة على الجملة والتفصيل بثابت البرهان وواضح الدليل.

ثم إن ذلك يدور على قسمين أحدهما ذكر البراهين والبينات من جهة النصوص الدالة على إمامة الاثني عشر الذي هو خاتمهم وقائمهم عليه وعليهم أجمعين أفضل الصلاة والسلام وقد رواها الخاصة والعامة وأطبق على نقلها الفرقتان المتباينتان والطائفتان المختلفتان عن النبي ص وما يؤيد ذلك من الأدلة التي تجملهم وتعمهم وتشملهم والآخر ذكر الدلالات الواضحة في إمامته ع خاصة على التعيين والتفصيل والإفراد له بالدليل بعد إشراكه ع في دلالة الاعتبار مع ذكر طرف من الأخبار في ذكر مولده وغيبته وعلامات وقت قيامه ومدة دولته وبيان سيرته.

ذكر القسم الأول من الركن الرابع وهو القول في الدلالة على الإمامة للاثني عشر

٥٠٣

من آل محمد ع ويشتمل على ثلاثة فصول.

الفصل الأول في ذكر بعض الأخبار التي جاءت في النص على عدد الأئمة الاثني عشر من الأئمة من طريق العامة على طريق الإجمال.

اعلم أن الخبر إذا رواه المعترف بصحته الدائن بصدقه ووافقه على ذلك المنكر لمضمونه الدافع لما اشتمل عليه فقد أسفر فيه الحق عن وجه الدلالة لاتفاق المتضادين في المقالة إذ لو كان باطلا لما توفرت دواعي المنكر له على نقله وهو حجة عليه بل كانت منه الدواعي متوفرة في دفعه على مجرى العرف والعادة لا سيما وقد سلم من بعض معارضة فسقط الحجة به أو دعوى تكافيه في الظاهر فتمنع من العمل عليه والاعتقاد به وإذا كانت الأخبار الواردة في أعداد الأئمة ع بهذه الصفة فقد وجب القطع على صحتها.

فمما جاء من الأخبار التي نقلها أصحاب الحديث غير الإمامية في ذلك وصححوها ما روى مرفوعا إلى جابر بن سمرة قال سمعت من رسول الله ص يوم جمعة عشية رجم الأسلمي يقول لا يزال الدين قائما حتى تقوم الساعة ويكون عليهم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش وسمعته يقول أنا الفرط على الحوض رواه مسلم في الصحيح عن أبي بكر بن أبي شيبة وقتيبة بن سعد.

قال أفقر عباد الله تعالى إلى رحمته علي بن عيسى عفا الله عنه هذا الحديث ذكرته في صدر هذا الكتاب من عدة طرق وهو في صحيح مسلم وذكرت أيضا نقلا من مسند أحمد بن حنبل رحمه‌الله أن عبد الله بن مسعود سئل هل أخبركم نبيكم بعدة الخلفاء من بعده في كلام هذا معناه فقال نعم قال كعدة نقباء بني إسرائيل.

قال الطبرسي ومما ذكره الشيخ المفيد أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان في كتابه قال ومن ذلك ما روي عن ابن مسعود في كتابه وذكر الحديث وأنا نقلته من مسند أحمد بن حنبل.

ومما ذكره الشيخ أبو عبد الله جعفر بن محمد بن أحمد الدوريستي رحمه‌الله في

٥٠٤

الرد على الزيدية مرفوعا إلى ابن عباس قال سألت رسول الله ص حين حضرته الوفاة فقلت إذا كان ما نعوذ بالله منه فإلى من فأشار بيده إلى علي ع فقال إلى هذا فإنه مع الحق والحق معه ثم يكون من بعده أحد عشر إماما مفترضة طاعتهم كطاعته.

وعن المفيد مرفوعا إلى عائشة رضي الله عنها أنها سئلت كم خليفة يكون لرسول الله ص فقالت أخبرني رسول الله ص أنه يكون بعده اثنا عشر خليفة قال فقلت لها من هم فقالت أسماؤهم عندي مكتوبة بإملاء رسول الله ص فقلت لها فاعرضيه فأبت.

وبإسناده عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه أن النبي ص قال له يا عم يملك من ولدي اثنا عشر خليفة ثم تكون أمور كريهة وشدائد عظيمة ثم يخرج المهدي من ولدي يصلح الله أمره في ليلة فيملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا ويمكث في الأرض ما شاء الله ثم يخرج الدجال.

هذا بعض ما جاء من الأخبار من طريق المخالفين ورواياتهم في النص على عدد الأئمة الاثني عشر ع وإذا كانت الفرقة المخالفة قد نقلت ذلك كما نقلته الشيعة الإمامية ولم تنكر ما تضمنه الخبر فهو أدل دليل على أن الله تعالى هو سخرهم لروايته إقامة لحجته وإعلاء لكلمته وما هذا الأمر إلا كالخارق للعادة والخارج من الأمور المعتادة ولا يقدر عليه إلا الله سبحانه وتعالى الذي يذلل الصعب ويقلب القلب ويسهل العسير (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).

الفصل الثاني في ذكر بعض الأخبار التي جاءت من طرق الشيعة الإمامية في النص على إمامة الاثني عشر من آل محمد ع هذه الأخبار على ضربين أحدهما يتضمن النص على عدد الاثني عشر من آل محمد ع على الجملة والثاني يتضمن النص على أعيان الأئمة الاثني عشر على التفصيل.

فأما الضرب الأول منهما فنحو" ما رواه محمد بن يعقوب الكليني مرفوعا إلى جابر بن عبد الله الأنصاري قال دخلت على فاطمة ع وبين يديها لوح

٥٠٥

مكتوب فيه أسماء الأوصياء من ولدها فعددت اثني عشر آخرهم القائم ثلاثة منهم محمد وأربعة منهم علي.

وبإسناده يرفعه إلى أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر ع قال إن الله عزوجل أرسل محمدا ص إلى الجن والإنس وجعل من بعده اثني عشر وصيا منهم من سبق ومنهم من بقي وكل وصي جرت به سنة والأوصياء الذين من بعد محمد ص على سنة أوصياء عيسى وكانوا اثني عشر وكان أمير المؤمنين ع على سنة المسيح.

وبإسناده يرفعه إلى أبي سعيد الخدري قال كنت حاضرا لما مات أبو بكر رضي الله عنه واستخلف عمر رضي الله عنه وشهدت إذ أقبل يهودي من عظماء يهود يثرب تزعم يهود المدينة أنه أعلم زمانه حتى رفع إلى عمر فقال له يا عمر إني جئتك أريد الإسلام فإن أخبرتني عما أسألك عنه فأنت أعلم أصحاب محمد بالكتاب والسنة وجميع ما أريد أن أسأل عنه فقال له عمر إني لست هناك ولكني أرشدك إلى من هو أعلم أمتنا بالكتاب والسنة وجميع ما تسأل عنه وهو ذاك وأومأ بيده إلى علي ع وساق الحديث إلى أن قال قال له أمير المؤمنين ع سل عما بدا لك فقال أخبرني عن ثلاث وثلاث وواحدة فقال له علي لم لم تقل سبعة فقال له اليهودي إنك إن أخبرتني بالثلاث سألتك عن البقية وإلا كففت ثم قال أخبرني عن أول حجر وضع على وجه الأرض وأول شجرة غرست في الأرض وأول عين نبعت على وجه الأرض فأخبره أمير المؤمنين ع ثم قال له اليهودي أخبرني عن هذه الأمة كم يكون لها من إمام هدى وأخبرني عن نبيكم محمد أين منزله في الجنة ومن يسكن معه في منزله فقال له ع إن لهذه الأمة اثني عشر إماما من ذرية نبيها وهم مني وأما منزلة نبينا في الجنة فهي أفضلها وأشرفها جنة عدن وأما من يسكن معه في منزله فهؤلاء الاثنا عشر من ذريته وأمهم وجدتهم أم أمهم وذراريهم لا يشركهم فيها أحد الخبر بتمامه (١) وأعاد هذا الخبر ثانية بألفاظ أتم

__________________

(١) والخبر مذكور بتمامه في الكافي ج ١ ص ٥٣١ أيضا فراجع.

٥٠٦

من هذه والموضع المطلوب سؤال اليهودي عن عدة الأئمة ع فإن أمير المؤمنين ع عينها كما تقدم وأسلم اليهودي.

وعن أبي حمزة قال سمعت الإمام علي بن الحسين ع يقول إن الله تعالى خلق محمدا واثني عشر من أهل بيته من نور عظمته وأقامهم أشباها في ضياء نوره يعبدونه ويسبحونه ويقدسونه وهم الأئمة من بعد محمد ص.

وعن زرارة قال سمعت أبا جعفر ع يقول من آل محمد اثنا عشر إماما كلهم محدث ورسول الله ص وعلي هما الوالدان.

وعن علي بن أبي طالب ع قال قال رسول الله ص اثنا عشر من أهل بيتي أعطاهم الله فهمي وعلمي وحلمي وخلقهم من طينتي فويل للمتكبرين عليهم بعدي القاطعين فيهم صلتي ما لهم لا أنالهم الله شفاعتي.

وعن سيد العابدين علي بن الحسين ع عن أبيه عن جده ع قال قال رسول الله ص الأئمة من بعدي اثنا عشر أولهم أنت يا علي وآخرهم القائم الذي يفتح الله على يديه مشارق الأرض ومغاربها.

وعن الصادق عن أبيه عن جده ع قال قال رسول الله ص الأئمة من بعدي اثنا عشر أولهم علي بن أبي طالب وآخرهم القائم هم خلفائي وأوصيائي وأوليائي وحجج الله على أمتي المقر بهم مؤمن والمنكر لهم كافر.

وعن ابن عباس قال قال رسول الله ص إن خلفائي وأوصيائي وحجج الله على الخلق بعدي الاثني عشر أولهم أخي وآخرهم ولدي قيل يا رسول الله من أخوك قال علي بن أبي طالب قيل فمن ولدك قال المهدي الذي يملأها قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما والذي بعثني بالحق بشيرا لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج فيه ولدي المهدي وينزل روح الله عيسى ابن مريم فيصلي خلفه وتشرق (الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها) وبلغ سلطانه المشرق والمغرب والأخبار في هذا الفن كثيرة فلنقتصر على ما أوردناه ففيه كفاية ومقنع فيما نحوناه.

٥٠٧

وأما الضرب الثاني ذكر في هذا الضرب حديث اللوح الذي كان عند فاطمة ع فيه أسماء الأئمة واحدا بعد واحد على التعيين وهو من طرق أصحابنا والذي أراه أن هذه الأحاديث لا فائدة في ذكرها طائلة لأنه إن كان المراد بها إثبات أسمائهم وحصرهم في هذه العدة عند الشيعة فذلك أمر مفروق منه ثابت لا يحتاج إلى دليل ولا يفتقر إلى برهان ويكفى فيه عندهم النقل الذي تداولوا وإن كان المراد به ثبوته عند المخالفين فهذه الأحاديث عندهم لا تنصر دعوى ولا تثبت حجة وقد أوردت أنا في تضاعيف هذا الكتاب من طرقهم ما فيه بلاء ولا يسع العقلاء إنكاره إلا من أراد الجدال وكان في طبعه عناد أو نشأ على أمر ويضعف طبعه عن مفارقته والعدول عنه إلى ضده وفي ذلك صعوبة على الأنفس الضعيفة وقد أجاد أبو الطيب في قوله

يراد من القلب نسيانكم

وتأبى الطباع على الناقل

وروي عن سليم بن قيس الهلالي قال سمعت عبد الله بن جعفر الطيار يقول كنا عند معاوية أنا والحسن والحسين وعبد الله بن عباس وعمر بن أبي سلمة وأسامة بن زيد فذكرنا حديثا جرى بينه وبين معاوية وأنه قال لمعاوية سمعت رسول الله ص يقول أنا (أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) ثم أخي علي ع (أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) فإذا استشهد فابني الحسن (أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) ثم ابني الحسين (أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) فإذا استشهد فابنه علي بن الحسين (أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) وستدركه يا علي ثم ابني محمد بن علي (أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) وستدركه يا حسين ثم تكمله اثنا عشر إماما تسعة من ولد الحسين قال عبد الله ثم استشهدت الحسن والحسين وعبد الله بن عباس وعمر بن أبي سلمة وأسامة بن زيد فشهدوا لي عند معاوية.

قال سليم بن قيس الهلالي وقد كنت سمعت من سلمان وأبي ذر والمقداد وأسامة بن زيد أنهم سمعوا ذلك من رسول الله ص.

وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال دخلت على النبي ص فإذا

٥٠٨

الحسين على فخذيه وهو يقبل عينيه ويلثم فاه وهو يقول أنت سيد بن سيد أبو سادة أنت إمام بن إمام أبو أئمة أنت حجة بن حجة أبو حجج تسعة من صلبك تاسعهم قائمهم.

وعن الصادق عن أبيه عن جده علي بن الحسين عن أبيه ع قال سئل أمير المؤمنين ع عن معنى قول رسول الله ص إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي فقيل له من العترة فقال أنا والحسن والحسين والأئمة التسعة من ولد الحسين تاسعهم مهديهم وقائمهم لا يفارقون كتاب الله ولا يفارقهم حتى يردوا على رسول الله ص حوضه.

وعن عبد الله بن عباس قال سمعت رسول الله ص يقول أنا وعلي والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين مطهرون معصومون.

وعنه قال قال رسول الله ص أنا سيد النبيين وعلي بن أبي طالب سيد الوصيين وأن أوصيائي بعدي اثنا عشر أولهم علي بن أبي طالب ع وآخرهم القائم.

وعن جابر بن يزيد الجعفي قال سمعت جابر بن عبد الله الأنصاري يقول لما أنزل الله تعالى على نبيه ص (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (١) قلت يا رسول الله عرفنا الله ورسوله فمن أولي الأمر الذين قرن الله طاعتهم بطاعتك فقال ع هم خلفائي من بعدي يا جابر وأئمة الهدى بعدي أولهم علي بن أبي طالب ثم الحسن ثم الحسين ثم علي بن الحسين ثم محمد بن علي المعروف في التوراة بالباقر وستدركه يا جابر فإذا لقيته فأقرئه مني السلام ثم الصادق جعفر بن محمد ثم موسى بن جعفر ثم علي بن موسى ثم محمد بن علي ثم علي بن محمد ثم الحسن بن علي ثم سميي وكنيي حجة الله في أرضه وبقيته في عباده محمد بن الحسن بن علي ذلك الذي يفتح الله عزوجل على يديه مشارق الأرض ومغاربها وذلك الذي يغيب عن شيعته وأوليائه غيبة لا يثبت فيها على القول بإمامته

__________________

(١) النساء : ٥٩.

٥٠٩

إلا من امتحن الله قلبه للإيمان قال جابر فقلت يا رسول الله فهل يقع لشيعته الانتفاع به في غيبته فقال ع إي والذي بعثني بالحق إنهم ليستضيئون بنوره وينتفعون بولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن علاها سحاب يا جابر هذا من مكنون سر الله ومخزون علم الله فاكتمه إلا عن أهله إلى آخر الخبر.

وعن ابن عباس قال قال رسول الله ص إن الله تبارك وتعالى اطلع إلى الأرض اطلاعة ثم اختارني منها فجعلني نبيا ثم اطلع الثانية فاختار منها عليا وجعله إماما ثم أمرني أن أتخذه أخا ووصيا وخليفة ووزيرا ـ فعلي مني وأنا من علي وهو زوج ابنتي وأبو سبطي الحسن والحسين ألا وإن الله تبارك وتعالى جعلني وإياهم حججا على عباده وجعل من صلب الحسين أئمة يقومون بأمري ويحفظون وصيتي التاسع منهم قائم أهل بيتي ومهدي أمتي أشبه الناس بي في شمائله وأقواله وأفعاله يظهر بعد غيبة طويلة وحيرة مضلة فيعلن أمر الله ويظهر دين الله ويؤيد بنصر الله وينصر بملائكة الله فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما.

وعن أبي حمزة الثمالي عن الصادق عن آبائه ع قال قال رسول الله ص حدثني جبرئيل عن رب العزة جل جلاله أنه قال من علم أن لا إله إلا أنا وحدي وأن محمدا عبدي ونبيي وأن علي بن أبي طالب خليفتي وأن الأئمة من ولده حججي أدخلته الجنة برحمتي ونجيته من النار بعفوي وأبحت له جواري وأوجبت له كرامتي وأتممت عليه نعمتي وجعلته خاصتي وخالصتي إن ناداني لبيته وإن دعاني أجبته وإن سألني أعطيته وإن سكت ابتدأته وإن أساء رحمته وإن فر مني دعوته وإن شهد بذلك ولم يشهد أن علي بن أبي طالب خليفتي أو شهد بذلك ولم يشهد أن الأئمة من ولده حججي فقد جحد نعمتي وصغر عظمتي وكفر بآياتي وكتبي إن قصدني حجبته وإن سألني حرمته وإن ناداني لم أسمع نداءه وإن دعاني لم أجب دعاءه وإن رجاني خيبته وذلك جزاؤه مني (وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) فقام جابر بن عبد الله الأنصاري فقال يا رسول الله ومن الأئمة من ولد علي بن أبي طالب فقال الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة

٥١٠

ثم سيد العابدين في زمانه علي بن الحسين ثم الباقر محمد بن علي وستدركه يا جابر فإذا أدركته فأقرئه مني السلام ثم الصادق جعفر بن محمد ثم الكاظم موسى بن جعفر ثم الرضا علي بن موسى ثم التقي محمد بن علي ثم النقي علي بن محمد ثم الزكي الحسن بن علي ثم ابنه القائم مهدي أمتي الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما هؤلاء يا جابر خلفائي وأوصيائي وأولادي وعترتي من أطاعهم فقد أطاعني ومن عصاهم فقد عصاني ومن أنكرهم أو أنكر واحدا منهم فقد أنكرني بهم (يُمْسِكُ) الله (السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ) وبهم يحفظ الله الأرض أن تميد بأهلها.

وعن أبي حمزة الثمالي عن الباقر عن آبائه ع عن الحسين بن علي قال دخلت أنا وأخي على جدي رسول الله ص فأجلسني على فخذه وأجلس أخي الحسن على فخذه الأخرى ثم قال لنا بأبي أنتما من إمامين صالحين اختاركما الله مني ومن أبيكما وأمكما واختار من صلبك يا حسين تسعة أئمة تاسعهم قائمهم كلهم في الفضل والمنزلة سواء.

قال محمد بن عمران سمعت أبا عبد الله ع يقول نحن اثني عشر محدثا فقال له أبو بصير تالله لقد سمعت ذلك من أبي عبد الله ع فحلف مرة أو مرتين أنه سمعه منه فقال أبو بصير لكني سمعته من أبي جعفر ع.

قال وأمثال هذه الأخبار كثيرة لا يحتمل هذا الكتاب أكثر مما ذكرناه وقد ذكر كثيرا منها الشيخ أبو جعفر بن بابويه في كتاب كمال الدين وتمام النعمة في إثبات الغيبة وكشف الحيرة فمن أراد الزيادة فليطلب من هناك وقد صنف الشيخ المفيد أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان في ذلك كتابا مفردا ذكر فيه الأخبار الواردة في هذا المعنى بأسانيدها.

الفصل الثالث من القسم الأول في ذكر جمل من الدلائل على إمامة أئمتنا ع سوى ما ذكرناه فيما تقدم من الكتاب أحد الدلائل على إمامتهم ع ما ظهر عنهم من العلوم التي تفرقت في فرق العالم فحصل في كل فرقة منهم فن

٥١١

واجتمعت فنونها وسائر أنواعها في آل محمد ع ألا ترى إلى ما روي عن أمير المؤمنين ع في أبواب التوحيد والكلام الباهر المفيد من الخطب وعلوم الدين وأحكام الشريعة وتفسير القرآن وغير ذلك ما زاد على جميع كلام الخطباء والعلماء والفصحاء والحكماء والبلغاء حتى أخذ منه المتكلمون والفقهاء والمفسرون ونقل عنه أهل العربية أصول الإعراب ومعاني اللغات وقال في الطب ما استفاد منه الأطباء وفي الحكم والوصايا والآداب ما أربى على جميع كلام الحكماء وفي النجوم وعلم الآثار ما استفاده من جهته جميع أهل الملل والآراء ثم قد نقلت الطوائف عمن ذكرناه من عترته وأبنائه ع مثل ذلك من العلوم في جميع الأنحاء ولم يختلف في فضلهم وعلو درجتهم في ذلك من أهل العلم اثنان فقد ظهر عن الباقر والصادق ع من الفتاوي في الحلال والحرام والمسائل والأحكام وروى الناس عنهما من علوم الكلام وتفسير القرآن وقصص الأنبياء والمغازي والسير وأخبار العرب وملوك الأمم ما سمي أبو جعفر ع لأجله باقر العلم.

وروي عن الصادق ع من مشهوري أهل العلم أربعة آلاف إنسان وصنف من جواباته في المسائل أربعمائة كتاب هي معروفة بكتب الأصول رواها أصحابه وأصحاب أبيه وأصحاب ابنه موسى ع ولم يبق فن من فنون العلم إلا روي عنه ع فيه أبواب وكذلك كانت حالة ابنه موسى من بعده في إظهار العلوم حتى حبسه الرشيد ومنعه من ذلك وقد انتشر للرضا ع وابنه أبي جعفر من ذلك ما شهرة جملته تغني عن تفصيله وكذلك كانت سبيل أبي الحسن وأبي محمد العسكريين ع وإنما كانت الرواية عنهما أقل لأنهما كانا محبوسين في عسكر السلطان ممنوعين من الانبساط في الفتيا وأن يلقاهما كل أحد من الناس.

وإذا ثبت بما ذكرناه بينونة أئمتنا ع بما وصفناه عن جميع الأنام ولم يمكن أحدا أن يدعي أنهم أخذوا العلم عن رجال العامة أو تلقنوه من رواتهم وفقهائهم لأنهم لم يروا قط مختلفين إلى أحد من العلماء في تعلم شيء من العلوم ولأن ما نقل عنهم من العلوم فإن أكثره لا يعرف إلا منهم ولم يظهر إلا عنهم فعلمنا

٥١٢

أن هذه العلوم بأسرها قد انتشرت عنهم مع غناهم عن سائر الناس وتيقنا زيادتهم في ذلك على كافتهم ونقصان جميع العلماء عن رتبتهم.

فثبت أنهم أخذوها عن النبي ص خاصة وأنه أفردهم بها ليدل على إمامتهم وافتقار الناس إليهم فيما يحتاجون إليه وغناهم عنهم ليكونوا مفزعا لأمته في الدين وملجئا لهم في الأحكام وجروا في هذا التخصيص مجري النبي ص في تخصيص الله سبحانه له بإعلامه أحوال الأمم السالفة وإفهامه ما في الكتب المتقدمة من غير أن يقرأ كتابا أو يلقى أحدا من أهله.

هذا وقد ثبت في العقول أن الأعلم الأفضل أولى بالإمامة من المفضول وقد بين الله ذلك في كتابه بقوله (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى) (١) وقوله (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) (٢) ودل بقوله سبحانه في قصة طالوت (وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ) (٣) وأن التقدم في العلم والشجاعة موجب للتقدم في الرئاسة وإذا كانت أئمتنا ع أعلم الأمة بما ذكرناه فقد ثبت أنهم أئمة الإسلام الذين استحقوا الرئاسة على الأنام بما قلناه.

دلالة أخرى ومما يدل على إمامتهم ع إجماع الأمة على طهارتهم وظاهر عدالتهم وعدم التعلق عليهم أو على أحد منهم بشيء يشينه في ديانته مع اجتهاد أعدائهم وملوك أزمنتهم في الغض منهم (٤) والوضع من أقدارهم والتطلب لعثراتهم حتى أنهم كانوا يقربون من يظهر عداوتهم وينفون ويقتلون من يتحقق بولايتهم وهذا أمر ظاهر عند من سمع بأخبار الناس فلو لا أنهم ع كانوا على صفات الكمال من العصمة والتأييد من الله تعالى وأنه سبحانه منع بلطفه كل أحد من أن

__________________

(١) يونس : ٣٥.

(٢) الزمر : ٩.

(٣) البقرة : ٢٤٩.

(٤) غض من فلان : وضع من قدره.

٥١٣

يتحرس عليهم باطلا أو يقول فيهم لما سلموا ع من ذلك على الوجه الذي شرحناه لا سيما وقد ثبت أنهم لم يكونوا ممن لا يؤبه بهم ولا ممن لا يدعو الداعي إلى البحث عن أخبارهم وانقطاع آثارهم بل كانوا على مرتبة من تعظيم الخلق إياهم وفي الرتبة العالية والدرجة الرفيعة التي يحسدهم عليها الملوك ويتمنونها لأنفسهم لأن شيعتهم مع كثرتها في الخلق وغلبتها في أكثر البلاد اعتقدت فيهم الإمامة التي تشارك النبوة وظهرت عليهم الآيات والمعجزات والعصمة عن الزلازل حتى أن الغلاة قد اعتقدت فيهم النبوة والإلهية وكان أحد أسباب اعتقادهم ذلك فيهم حسن آثارهم وعلو أحوالهم وكمالهم في صفاتهم وقد جرت العادة فيمن حصل له جزء من هذه النباهة أن لا يسلم من ألسنة أعدائه ونسبتهم إياه إلى بعض العيوب القادحة في الديانة والأخلاق فإذا ثبت أن أئمتنا ع نزههم الله عن ذلك ثبت أنه سبحانه هو المتولي لجميع الخلائق على ذلك بلطفه وجميل صنعه ليدل على أنهم حججه على عباده والسفراء بينه وبين خلقه والأركان لدينه والحفظة لشرعه وهذا واضح لمن تأمله.

دلالة أخرى ومما يدل أيضا على إمامتهم ع ما حصل من الاتفاق على برهم وعدالتهم وعلو قدرهم وطهارتهم وقد ثبت معرفتهم ع بكثير ممن يعتقد إمامتهم ويدين الله تعالى بعصمتهم والنص عليهم ويشهد بالمعجز لهم ووضح أيضا اختصاص هؤلاء بهم وملازمتهم إياهم ونقلهم الأحكام والعلوم عنهم وحملهم الزكوات والأخماس إليهم من أنكر هذا أو دفع كان مكابرا دافعا للعيان بعيدا عن معرفة أخبارهم وقد علم كل محصل بطرق الأخبار أن هشام بن الحكم وأبا بصير وزرارة بن أعين وحمران وبكر ابني أعين ومحمد بن النعمان الذي يلقبه العامة شيطان الطاق وبريد بن معاوية العجلي وأبان بن تغلب ومحمد بن مسلم الثقفي ومعاوية بن عمار الدهني وغير هؤلاء ممن قد بلغوا الجمع الكثير والجم الغفير من أهل العراق والحجاز وخراسان وفارس كانوا في وقت جعفر بن محمد ع رؤساء الشيعة في الفقه ورواية

٥١٤

الحديث والكلام وقد صنفوا الكتب وجمعوا المسائل والروايات وأضافوا أكثر ما اعتمدوه من الرواية إليه وإلى أبيه محمد الباقر ع لكل إنسان منهم أتباع وتلامذة في المعنى الذي يتفردوا به وأنهم كانوا يدخلون من العراق إلى الحجاز في كل عام إذا كثروا أو قلوا ثم يرجعون ويحكون عنه الأقوال ويسندون إليه الدلالات وكانت حالهم في وقت الكاظم والرضا على هذه الصفة وكذلك إلى وقت وفاة أبي محمد العسكري ع وحصل العلم باختصاص هؤلاء بأئمتنا ع كما يعلم اختصاص أبي يوسف ومحمد بن الحسن بأبي حنيفة وكما يعلم اختصاص المزني والربيع بالشافعي واختصاص النظام بأبي الهذيل والجاحظ والأسواري بالنظام :

ولا فرق بين من دفع الإمامة عما ذكرناه وبين من دفع من سميناه عمن وصفناه في الجهل بالأخبار والعناد والإنكار وإذا كان الأمر على ما ذكرناه لم تخل الإمامية في شهاداتها من أن تكون كاذبة أو صادقة فإن كانت محقة صادقة في نقل النص عنهم من خلفائهم ع مصيبة فيما اعتقدته فيهم من العصمة والكمال فقد ثبت إمامتهم على ما قلناه وإن كانت كاذبة في شهاداتها مبطلة في عقيدتها فلن يكون كذلك إلا ومن سميناهم من أئمة الهدى ع ضالون برضاهم بذلك فاسقون بترك النكير عليهم مستحقون للبراءة منهم من حيث تولوا الكذابين مضلون لتقريبهم إياهم واختصاصهم بهم من بين الفرق كلها ظالمون في أخذ الزكوات والأخماس عنهم وهذا ما لا يطلقه مسلم فيمن يقول بإمامته وإذا كان الإجماع المقدم ذكره حاصلا على طهارتهم وعدالتهم ووجوب إمامتهم ثبتت إمامتهم بتصديقهم لمن أثبت عندهم ذلك وبمن ذكرناه من اختصاصهم بهم وهذا واضح والمنة لله.

(دلالة أخرى) ومما يدل أيضا على إمامتهم ع وأنهم أفضل الخلق بعد النبي ص ذكر في هذا الفصل كلاما طويلا أنا ألخصه وأذكر معناه قال ما معناه إن الله غرس لهم في القلوب من الإجلال والتعظيم ما كان يعظمهم لأجله

٥١٥

الولي والعدو مع اختلاف الأهواء وتباين الآراء فلا يجحد عدوهم شرفهم وعلو مكانهم وعظيم مقدارهم هذا معاوية مع مبارزته لأمير المؤمنين ع ونصبه له العداوة وما جرى بينهم من الوقائع لم يمكنه يوما أن يدفع شرفه ولا يضع منزلته ولا يقدح في حال من أحواله وأمر من أموره وقد كان يسمع من أصحابه ع ومن ابن عباس رضي الله عنه ومن الوافدين عليه والوافدات ما يقذي عينه ويصم سمعه من تفضيل علي ع عليه وعد مناقبه ووصف خلاله وذكر مأثره فما نقل أنه أنكر ذلك ولا أمكنه رده ولا النكير على قائله مع محاربته له ومنازعته إياه الخلافة وسبه إياه على المنابر فكان كما قيل فأخرجه إلى السفه العياء.

وقد أجاد مهيار في قوله.

ما لقريش ما ذقتك عهدها

ودا محبتك ودها على دخل

وطالبتك بقديم حقدها

بعد أخيك بالتراب والذحل

وكيف ضموا أمرهم واجتمعوا

واستوردوا الرأي وأنت منعزل

وليس منهم قادح بريبه

فيك ولا فاض عليك بوهل

وكذا كانت الحال مع ناكثي بيعته فإنهم لم يتمكنوا من إنكار فضله ومجد شرفه وكذا كانت أحوال الحسن والحسين ع بعده من تعظيم الناس لهم واعترافهم لهم بعلو المنزلة حتى أن يزيد بن معاوية لقاه الله غب أفعاله الوخيمة وجزاه بما يستحقه على أعماله الذميمة فلم يسعه أن يقول في الحسين ع ما يغض من شرفه أو يطعن في ثغرة مجده ولم يحفظ عنه ذمة ولا استزادته وكان همه الدنيا وطلب الولاية فلها ترك الصواب وعليها دخل النار من كل الأبواب وكان يظهر الحزن عليه والندم على قتله وإنكار أنه أمر بذلك أو رضي به وما زال يعظم زين العابدين ع ولما أنفذ مسلم بن عقبة وجرت وقعة الحرة أوصاه باحترامه ع وإكرامه وصيانة جانبه معهم ومعرفتهم بحقه وقدره.

٥١٦

والصادق ع كان مكرما معظما عند بني مروان وبمثل ذلك عامله السفاح والمنصور.

وموسى بن جعفر ع كان مراعى الحال معروف القدر والمكانة رفيع المنزلة والمحل الذي جرى في حقه من الرشيد كان ينكره ويعتذر منه وما زال في حال حياته في زمن الهادي والرشيد على أتم ما ينبغي إلى أن جرى له ع ما جرى وأحضر الرشيد الشهود يشهدون أنه مات موتا ولم يقتل كل ذلك تفصيا من قتله وإنكار أن يكون أمر به.

وحال المأمون مع الرضا ع مشهورة فيما كان يعامله به من الإعزاز التام به والإكرام البالغ حتى زوجه بابنته وأوصى له بولاية عهده وأسخط لأجله أهل بيته وأولاده وبني أبيه وبني عمه وبذلك عامل ابنه أبا جعفر ع مع صغر سنه حتى زوجه بابنته أم الفضل وعرف محله وكان يشيد بذكر أبيه وذكره ويعلي ما أعلى الله من قدر أبيه وقدره ويرفعه في مجلسه على أهله وبني عمه وأولاده وقضاته.

وكان المتوكل يعظم علي بن محمد ع مع عداوته لعلي أمير المؤمنين ومقته له وطعنه على آل أبي طالب.

وكذلك كان المعتمد مع أبي محمد ع في إكرامه والمبالغة فيه هذا والأئمة الذين عددناهم في قبضة من عددنا من الملوك على الظاهر وتحت طاعتهم وقد اجتهدوا كل الاجتهاد في أن يعثروا لهم على عيب يتعلقون به في الحط من منازلهم وأمعنوا في البحث عن أسرارهم وأحوالهم في خلواتهم فعجزوا ولم يظفروا بشيء أصلا.

فعلمنا أن تعظيمهم إياهم مع ظاهر عداوتهم لهم وشدة محبتهم للغض منهم وإجماعهم على ضد مرادهم من إكرامهم وتبجيلهم منحة من الله سبحانه لهم ليدل بذلك على اختصاصهم منه جلت قدرته بالمعنى الذي يوجب طاعتهم على جميع الأنام وما هذا إلا كالأمور الغير المألوفة والأشياء الخارقة للعادة.

ويؤيد ما ذكرناه تسخير الله سبحانه الخلق لتعظيم من ذكرناه من الطوائف

٥١٧

المختلفة والفرق المتباينة في المذاهب والآراء وأجمعوا على تعظيم قبورهم وقصد مشاهدهم حتى أنهم يقصدونها من البلاد الشاسعة ويلمون بها ويتقربون إلى الله بزيارتها ويستنزلون عندها من الله الأرزاق ويستفتحون الأغلاق ويطلبون ببركتها الحاجات ويستدفعون الملمات وهذا هو المعجز الخارق للعادة وإلا فما الحامل للفرقة المنحازة عن هذه الجبهة المخالفة لها على ذلك ولم يفعلوا بعض ذلك بمن ذكرناه ممن يعتقدون إمامته وفرض طاعته وهو موافق لهم مساعد غير مخالف.

ألا ترى أن ملوك بني أمية وخلفاء بني العباس مع كثرة شيعتهم وكونهم أضعاف أضعاف شيعة أئمتنا ع وكون أكثر الدنيا في أيديهم ما حصل لهم من تعظيم الجمهور في حياتهم والسلطنة على العالمين والخطبة على المنابر في شرق الأرض وغربها لهم بإمرة المؤمنين لم يلم أحد من شيعتهم وأوليائهم فضلا عن أعدائهم بقبورهم بعد وفاتهم ولا قصد أحد تربة لهم متقربا بذلك إلى ربه ولا نشط لزيارتهم وهذا لطف من الله سبحانه بخلقه في الإيضاح عن حقوق أئمتنا ع ودلالة على علو منزلتهم منه جل اسمه لا سيما ودواعي الدنيا ورغباتها معدومة عند هذه الطائفة وموجودة عند أولئك فمن المحال أن يكونوا فعلوا ذلك لداع من دواعي الدنيا ولا يقال إنهم فعلوه للتقية لأن التقية ليست مذهبا لهم ولا يخافونهم فيتقونهم فلم يبق إلا دواعي الدين.

وهذا هو الأمر العجيب الذي لا ينفذ فيه إلا قدرة القادر القاهر الذي يذلل الصعاب ويسبب الأسباب ليوقظ به الغافلين ويقطع عنه عذر المتجاهلين وأيضا فقد شارك أئمتنا ع من غيرهم أولاد النبي ع في نسبهم وحسبهم وقرابتهم وكان لكثير منهم عبادات ظاهرة وزهد وعلم ولم يحصل من الإجماع على تعظيمهم وزيارة قبورهم ما وجدناه قد حصل لهم ع فإن من عداهم من صلحاء العترة يميل إليهم فريق من الأمة ويعرض عنهم فريق ولا يبلغ بهم من التعظيم الغاية التي تعامل بها أئمتنا ع وهذا يدل على أن الله سبحانه خرق في أئمتنا ع العادات وقلب الحالات للإبانة عن علو درجتهم و

٥١٨

التنبيه على شرف مرتبتهم والدلالة على إمامتهم.

قال الفقير إلى الله تعالى علي بن عيسى أثابه الله تعالى حكى لي بعض الأصحاب أن الخليفة المستنصر رحمه‌الله تعالى مشى مرة إلى سر من رأى وزار العسكريين ع وخرج فزار التربة التي دفن فيها الخلفاء من آبائه وأهل بيته وهم في قبة خربة يصيبها المطر وعليها زرق الطيور وأنا رأيتها على هذه الحال فقيل له أنتم خلفاء الأرض وملوك الدنيا ولكم الأمر في العالم وهذه قبور آبائكم بهذه الحال لا يزورها زائر ولا يخطر بها خاطر وليس فيها أحد يميط عنها الأذى وقبور هؤلاء العلويين كما ترونها بالستور والقناديل والفرش والزلالي والفراشين والشمع والبخور وغير ذلك فقال هذا أمر سماوي لا يحصل باجتهادنا ولو حملنا الناس على ذلك ما قبلوه ولا فعلوا وصدق رحمه‌الله فإن الاعتقادات لا تحصل بالقهر ولا يتمكن أحد من الإكراه عليها.

وقال ذكر القسم الثاني من الركن الرابع وهو الكلام في إمامة صاحب الزمان الثاني عشر من الأئمة ـ أبي القاسم بن الحسن بن علي بن محمد بن الرضا ع وتاريخ مولده ودلائل إمامته وذكر طرف من أخباره وغيبته وعلامات وقت قيامه ومدة دولته ووصف سيرته ويشتمل على خمسة أبواب.

الباب الأول في ذكر اسمه وكنيته ولقبه ومولده ع واسم أمه ومن شاهده وفيه ثلاثة فصول.

الأول في ذكر اسمه وكنيته ولقبه ع هو المسمى باسم رسول الله ص المكنى بكنيته وقد جاء في الأخبار أنه لا يحل لأحد أن يسميه باسمه ولا أن يكنيه بكنيته إلى أن يزين الله الأرض بظهور دولته ويلقب ع بالحجة والقائم والمهدي والخلف الصالح وصاحب الزمان والصاحب وكانت الشيعة في غيبته الأولى تعبر عنه وعن جنبته بالناحية المقدسة وكان ذلك رمزا بين الشيعة يعرفونه به وكانوا أيضا يقولون على سبيل الرمز والتقية الغريم يعنونه ع.

قال أفقر عباد الله تعالى علي بن عيسى أثابه الله تعالى من العجب أن الشيخ

٥١٩

الطبرسي والشيخ المفيد رحمهما‌الله تعالى قالا إنه لا يجوز ذكر اسمه ولا كنيته ثم يقولان اسمه اسم النبي ص وكنيته كنيته ع وهما يظنان أنهما لم يذكرا اسمه ولا كنيته وهذا عجيب والذي أراه أن المنع من ذلك إنما كان للتقية في وقت الخوف عليه والطلب له والسؤال عنه فأما الآن فلا والله أعلم.

الفصل الثاني في ذكر مولده واسم أمه ع ولد ع بسر من رأى ليلة النصف من الشعبان سنة خمس وخمسين ومائتين من الهجرة وذكر الأحاديث التي أوردها المفيد رحمه‌الله في مولده ع عن حكيمة عمة أبي محمد ع.

الفصل الثالث لم نذكره

الباب الثاني من الركن الرابع في ذكر النصوص الدالة على إمامته ع مما تقدم ذكره في جملة الاثني عشر وفيه ثلاثة فصول :

الفصل الأول في ذكر إثبات النص على إمامته ع من طريق الاعتبار إذا ثبت بالدليل وجوب الإمامة واستحالة أن يخلي الحكيم سبحانه عباده المكلفين وقتا من الأوقات من وجود المعصوم من القبائح ويكون كاملا غنيا عن رعاياه في العلوم ليكونوا بوجوده أقرب إلى الصلاح وأبعد من الفساد وثبت وجود النص على من نص عليه من إمام معصوم أو ظهر المعجز الدال عليه المميز له عمن سواه وعدم هذه الصفات من كل أحد بعد وفاة أبي محمد الحسن بن علي العسكري ع ممن ادعيت له الإمامة في تلك الحال سوى من أثبت إمامته أصحابه ع وهو ابنه القائم مقامه وثبتت إمامته ع وإلا أدى إلى خروج الحق عن أقوال الأمة وهذا أصل لا يحتاج معه في الإمامة إلى رواية النصوص وتعداد ما جاء فيها من الروايات والأخبار لقيامه بنفسه في قضية العقل وثبوته بصحيح الاعتبار على أنه قد سبق النص عليه من النبي ص ثم من أمير المؤمنين ع ثم من الأئمة ع واحدا بعد واحد إلى أبيه ع وإخبارهم بغيبه قبل وجوده وبدولته والفصل بعد غيبته ونحن نذكر ذلك الفصل الذي يلي هذا الفصل ثم نذكر بعد ذلك الأخبار الواردة في أنه نص عليه أبوه ع عند خواصه وثقته وشيعته وأشار إليه بالإمامة استظهارا

٥٢٠