كشف الغمّة في معرفة الأئمّة - ج ٢

أبي الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح الاربلي

كشف الغمّة في معرفة الأئمّة - ج ٢

المؤلف:

أبي الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح الاربلي


المحقق: السيد هاشم الرسولي المحلاتي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة بني هاشمي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٦٠
الجزء ١ الجزء ٢

في أمته ولا يسوغ لعيسى ع أن يتقدم على الرسول فكذلك على نائبة.

ومما يزيد هذا القول ما رواه الحافظ أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجة القزويني في حديث طويل في نزول عيسى ع فمن ذلك ما قالت أم شريك بنت أبي العكر يا رسول الله فأين العرب يومئذ قال هم يومئذ قليل وجلهم ببيت المقدس وإمامهم قد تقدم يصلي بهم الصبح إذا نزل بهم عيسى ابن مريم ص فرجع ذلك الإمام ينكص يمشي القهقري ليتقدم عيسى ع يصلي بالناس فيضع عيسى ع يده بين كتفيه ثم يقول له تقدم. قال هذا حديث حسن صحيح ثابت أخرجه ابن ماجة في كتابه عن أبي أمامة الباهلي قال خطبنا رسول الله ص وهذا مختصره

الباب الثامن في تحلية النبي ص المهدي ع

. عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله ص المهدي مني أجلى الجبهة أقنى الأنف يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما يملك سبع سنين قال هذا حديث ثابت حسن صحيح أخرجه الحافظ أبو داود السجستاني في صحيحه ورواه غيره من الحفاظ كالطبراني وغيره.

وذكر ابن شيرويه الديلمي في كتاب الفردوس في باب الألف واللام بإسناده عن ابن عباس قال قال رسول الله ص المهدي طاوس أهل الجنة.

وبإسناده أيضا عن حذيفة بن اليمان عن النبي ص أنه قال المهدي من ولدي وجهه كالقمر الدري اللون لون عربي والجسم جسم إسرائيلي يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا يرضى بخلافته أهل السماوات وأهل الأرض والطير في الجو يملك عشرين سنة.

الباب التاسع في تصريح النبي ص بأن المهدي من ولد الحسين ع

عن أبي هارون العبدي قال أتيت أبا سعيد الخدري فقلت له هل شهدت بدرا قال نعم فقلت له ألا تحدثني بشيء مما سمعته من رسول الله ص في علي وفضله فقال بلى أخبرك أن رسول الله ص مرض مرضة نقه منها فدخلت

__________________

(١) نقه من مرضه : صح وهو في عقب علته.

٤٨١

عليه فاطمة ع تعوده وأنا جالس عن يمين رسول الله ص فلما رأت ما برسول الله من الضعف خنقتها العبرة حتى بدت دموعها على خدها فقال لها رسول الله ص ما يبكيك يا فاطمة قالت أخشى الضيعة يا رسول الله فقال يا فاطمة أما علمت أن الله اطلع إلى الأرض اطلاعة فاختار منهم أباك فبعثه نبيا ثم اطلع ثانية فاختار منهم بعلك فأوحى إلي فأنكحته واتخذته وصيا أما علمت أنك بكرامة الله إياك زوجك أغزرهم علما وأكثرهم حلما وأقدمهم سلما فاستبشرت فأراد رسول الله ص أن يزيدها مزيد الخير كله الذي قسمه الله لمحمد وآل محمد فقال لها يا فاطمة ولعلي ثمانية أضراس يعني مناقب إيمان بالله ورسوله وحكمته وزوجته وسبطاه (١) الحسن والحسين وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر يا فاطمة إنا أهل بيت أعطنا ست خصال لم يعطها أحد من الأولين ولا يدركها أحد من الآخرين غيرنا نبينا خير الأنبياء وهو أبوك ووصينا خير الأوصياء وهو بعلك وشهيدنا خيرنا الشهداء وهو حمزة عم أبيك ومنا سبطا هذه الأمة وهما ابناك ومنا مهدي الأمة الذي يصلي عيسى خلفه ثم ضرب على منكب الحسين فقال من هذا مهدي الأمة قال هكذا أخرجه الدارقطني صاحب الجرح والتعديل.

الباب العاشر في ذكر كرم المهدي ع

وبإسناده عن أبي نضرة قال كنا عند جابر بن عبد الله فقال يوشك أهل العراق أن لا يجيء إليهم قفيز ولا درهم قلنا من أين ذلك قال من قبل العجم يمنعون ذلك ثم قال يوشك أهل الشام أن لا يجيء إليهم دينار ولا مد قلنا من أين ذاك قال من قبل الروم ثم سكت هنيئة ثم قال قال رسول الله ص يكون في آخر أمتي خليفة يحثي المال حثيا (٢) لا يعده عدا قال قلت لأبي نضرة وأبي العلا أتريان أنه عمر بن عبد العزيز قالا لا قال هذا حديث حسن صحيح أخرجه مسلم في صحيحه

__________________

(١) وفي بعض النسخ «وولداه».

(٢) حثى عليه التراب وحثا التراب نفسه : رماه.

٤٨٢

وبإسناده عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال قال رسول الله ص من خلفائكم خليفة يحثو المال حثيا لا يعده عدا قال هذا حديث ثابت صحيح أخرجه الحافظ مسلم في صحيحه.

وعن أبي سعيد وجابر بن عبد الله قالا قال رسول الله ص يكون في آخر الزمان خليفة يقسم المال ولا يعده ـ قال هذا لفظ مسلم في صحيحه.

وعن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله ص أبشركم بالمهدي يبعث في أمتي على اختلاف من الناس وزلازل يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض يقسم المال صحاحا فقال رجل ما صحاحا قال بالسوية بين الناس ويملأ الله قلوب أمة محمد غنى ويسعهم عدله حتى يأمر مناديا ينادي يقول من له في المال حاجة فما يقوم من الناس إلا رجل واحد فيقول أنا فيقول ائت السدان يعني الخازن فقل له إن المهدي يأمرك أن تعطيني مالا فيقول له أحث حتى إذا جعله في حجره وأبرزه ندم فيقول كنت أجشع أمة محمد نفسا (١) أعجز عما وسعهم فيرده ولا يقبل منه فيقال له إنا لا نأخذ شيئا أعطيناه فيكون كذلك سبع سنين أو ثمان سنين ثم لا خير في العيش بعده أو قال ثم لا خير في الحياة بعده قال هذا حديث حسن ثابت أخرجه شيخ أهل الحديث في مسنده وفي هذا الحديث دلالة على أن المجمل في صحيح مسلم هو هذا المبين في مسند ابن حنبل وفقا بين الروايات.

وبإسناده عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله ص يكون عند انقطاع من الزمان وظهور من الفتن رجل يقال له المهدي عطاؤه هنيئا قال هذا حديث حسن أخرجه أبو نعيم الحافظ.

الباب الحادي عشر في الرد على من زعم أن المهدي هو المسيح عيسى ابن مريم.

وبإسناده عن علي بن أبي طالب ع قال قلت يا رسول الله أمنا آل محمد المهدي أم من غيرنا فقال رسول الله ص لا بل منا يختم الله به الدين كما

__________________

(١) أي أحرصهم.

٤٨٣

فتح بنا وبنا ينقذون من الفتنة كما أنقذوا من الشرك وبنا يؤلف الله بين قلوبهم بعد عداوة الفتنة كما ألف بين قلوبهم بعد عداوة الشرك وبنا يصبحون بعد عداوة الفتنة إخوانا كما أصبحوا بعد عداوة الشرك إخوانا في دينهم قال هذا حديث حسن عال رواه الحفاظ في كتبهم فأما الطبراني فقد ذكره في المعجم الأوسط وأما أبو نعيم فرواه في حلية الأولياء وأما عبد الرحمن بن حماد فقد ساقه في عواليه.

وعن جابر قال قال رسول الله ص ينزل عيسى ابن مريم ص فيقول أميرهم المهدي تعال صل بنا فيقول ألا إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة من الله تعالى لهذه الأمة قال هذا حديث حسن رواه الحرث بن أبي أسامة في مسنده ورواه الحافظ أبو نعيم في عواليه وفي هذه النصوص دلالة على أن المهدي غير عيسى ومدار الحديث لا مهدي إلا عيسى ابن مريم ـ علي بن محمد بن خالد الجندي مؤذن الجند قال الشافعي المطلبي كان فيه تساهل في الحديث.

قال قد تواترت الأخبار واستفاضت بكثرة رواتها عن المصطفى ص في المهدي وأنه يملك سبع سنين ويملأ الأرض عدلا وأنه يخرج مع عيسى ابن مريم ويساعده في قتل الدجال بباب لد بأرض فلسطين وأنه يؤم هذه الأمة وعيسى يصلي خلفه في طول من قصته وأمره وقد ذكر الشافعي في كتاب الرسالة ولنا به أصل ونرويه ولكن يطول ذكر سنده قال وقد اتفقوا على أن الخبر لا يقبل إذا كان الراوي معروفا بالتساهل في روايته.

الباب الثاني عشر في قوله ص لن تهلك أمة أنا في أولها وعيسى في آخرها والمهدي في وسطها.

وبإسناده عن ابن عباس قال قال رسول الله ص لن تهلك أمة الحديث قال هذا حديث حسن رواه الحافظ أبو نعيم في عواليه ـ وأحمد بن حنبل في مسنده ومعنى قوله وعيسى في آخرها لم يرد به ص أن عيسى يبقى بعد المهدي

٤٨٤

ع لأن ذلك لا يجوز لوجوه.

منها أنه قال ص ثم لا خير في الحياة بعده وفي رواية ثم لا خير في العيش بعده كما تقدم.

ومنها أن المهدي ع إذا كان إمام آخر الزمان ولا إمام بعده مذكورا في رواية أحد من الأمة وهذا غير ممكن أن الخلق يبقى بغير الإمام.

فإن قيل إن عيسى يبقى بعد إمام الأمة.

قلت لا يجوز هذا القول وذلك أنه ص صرح أنه لا خير بعده وإذا كان عيسى في قوم لا يجوز أن يقال لا خير فيهم وأيضا لا يجوز أن يقال إنه نائبه لأنه جل منصبه عن ذلك ولا يجوز أن يقال إنه يستقل بالأمة لأن ذلك يوهم العوام انتقال الملة المحمدية إلى الملة العيسوية فهذا كفر فوجب حمله على الصواب وهو أنه ص أول داع إلى ملة الإسلام والمهدي أوسط داع والمسيح آخر داع فهذا معنى الخبر عندي ويحتمل أن يكون معناه المهدي أوسط هذه الأمة يعني خيرها إذ هو إمامها وبعدها ينزل عيسى مصدقا للإمام وعونا له ومساعدا ومبينا للامة صحة ما يدعيه الإمام فعلى هذا يكون المسيح آخر المصدقين على وفق النص.

قال الفقير إلى الله تعالى علي بن عيسى أثابه الله بمنه وكرمه قوله المهدي أوسط الأمة يعني خيرها يوهم أن المهدي ع خير من علي ع وهذا لا قائل به والذي أراه أنه ص أول داع والمهدي ع لما كان تابعا له ومن أهل ملته جعل وسطا لقربه ممن هو تابعه وعلى شريعته وعيسى ع لما كان صاحب ملة أخرى ودعا في آخر زمانه إلى شريعة غير شريعته حسن أن يكون آخرا والله أعلم.

الباب الثالث عشر في ذكر كنيته وأنه يشبه النبي ص في خلقه.

وبإسناده عن حذيفة قال قال رسول الله ص لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لبعث الله رجلا اسمه اسمي وخلقه خلقي يكنى أبا عبد الله قال هذا حديث حسن رزقناه عاليا بحمد الله ومعنى قوله ص خلقه خلقي من أحسن الكنايات عن انتقام المهدي ع من الكفار لدين الله تعالى كما كان النبي ص وقد قال

٤٨٥

تعالى (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ).

قال الفقير إلى الله تعالى ـ علي بن عيسى عفى الله عنه العجب من قوله من أحسن الكنايات إلى آخر الكلام ومن أين يحجر على الخلق فجعله مقصورا على الانتقام فقط وهو عام في جميع أخلاق النبي ص من كرمه وشرفه وعلمه وحلمه وشجاعته وغير ذلك من أخلاقه التي عددتها صدر هذا الكتاب وأعجب من قوله ذكره الآية دليلا على ما قرره.

الباب الرابع عشر في ذكر اسم القرية التي منها يكون خروج المهدي ع.

وبإسناده عن عبد الله بن عمر قال قال رسول الله ص يخرج المهدي من قرية يقال لها كرعة

قال هذا حديث حسن رزقناه عاليا أخرجه أبو الشيخ الأصفهاني في عواليه كما سقناه.

الباب الخامس عشر في ذكر الغمامة التي تظل المهدي ع عند خروجه.

وبإسناده عن عبد الله بن عمر قال قال رسول الله ص يخرج المهدي وعلى رأسه غمامة فيها مناد ينادي هذا المهدي خليفة الله قال هذا حديث حسن ما رويناه عاليا إلا من هذا الوجه.

الباب السادس عشر في ذكر الملك الذي يخرج مع المهدي ع.

عن عبد الله بن عمر أنه قال قال رسول الله ص يخرج المهدي وعلى رأسه ملك ينادي إن هذا المهدي فاتبعوه قال هذا حديث حسن روته الحفاظ والأئمة من أهل الحديث ـ كأبي نعيم والطبراني وغيرهما.

الباب السابع عشر في ذكر صفة المهدي ولونه وجسمه وقد تقدم مرسلا وبإسناده عن حذيفة أنه قال قال رسول الله ص المهدي رجل من ولدي لونه لون عربي وجسمه جسم إسرائيلي على خده الأيمن خال كأنه كوكب دري يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا يرضى بخلافته أهل الأرض وأهل السماء والطير في الجو قال هذا حديث حسن رزقناه عاليا بحمد الله عن جم غفير من أصحاب الثقفي

٤٨٦

وسنده معروف عندنا

الباب الثامن عشر في ذكر خاله على خده الأيمن وثيابه وفتحه مدائن الشرك

وبإسناده عن أبي أمامة الباهلي قال قال رسول الله ص بينكم وبين الروم أربع هدن في يوم الرابعة على يدي رجل من آل هرقل يدوم سبع سنين فقال له رجل من عبد القيس يقال له المستورد بن غيلان يا رسول الله من إمام الناس يومئذ قال المهدي من ولدي ابن أربعين سنة كأن وجهه كوكب دري في خده الأيمن خال أسود عليه عباءتان قطوانيتان كأنه من رجال بني إسرائيل يستخرج الكنوز ويفتح مدائن الشرك قال هذا سياق الطبراني في معجمه الأكبر

الباب التاسع عشر في ذكر كيفية أسنان المهدي ع عن عبد الرحمن بن عوف قال قال رسول الله ص ليبعثن الله من عترتي رجلا أفرق الثنايا أجلى الجبهة يملأ الأرض عدلا ويفيض المال فيضا قال هكذا أخرجه الحافظ أبو نعيم في عواليه

الباب العشرون في ذكر فتح المهدي ع القسطنطنية وجبل الديلم.

عن أبي هريرة عن النبي ص قال لا تقوم الساعة حتى يملك رجل من أهل بيتي يفتح القسطنطنية وجبل الديلم ولو لم يبق إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يفتحها قال هذا سياق الحافظ أبي نعيم وقال هذا هو المهدي بلا شك وفقا بين الروايات.

الباب الحادي والعشرون في ذكر خروج المهدي ع بعد ملك الجبابرة وبإسناده عن جابر بن عبد الله أن رسول الله ص قال سيكون بعدي خلفاء ومن بعد الخلفاء أمراء ومن بعد الأمراء ملوك جبابرة ثم يخرج المهدي من أهل بيتي يملأها عدلا كما ملئت جورا قال هكذا رواه الحافظ أبو نعيم في فوائده والطبراني في معجمه الأكبر.

الباب الثاني والعشرون في قوله ص المهدي إمام صالح.

وبإسناده عن أبي أمامة قال خطبنا رسول الله ص وذكر الدجال وقال فيه إن المدينة لتنقي خبثها كما ينقي الكير خبث الحديد ويدعى

٤٨٧

ذلك اليوم يوم الخلاص فقالت أم شريك فأين العرب يومئذ يا رسول الله قال هم يومئذ قليل وجلهم ببيت المقدس وإمامهم مهدي رجل صالح قال هذا حديث حسن هكذا رواه الحافظ أبو نعيم الأصفهاني.

الباب الثالث والعشرون في ذكر تنعم الأمة في زمن المهدي ع.

وبإسناده عن أبي سعيد الخدري عن النبي ص قال تتنعم أمتي في زمن المهدي نعمة لم يتنعموا مثلها قط يرسل السماء عليهم مدرارا ولا تدع الأرض شيئا من نباتها إلا أخرجته قال هذا حديث حسن المتن رواه الحافظ أبو القاسم الطبراني في معجمه الأكبر.

الباب الرابع والعشرون في إخبار رسول الله ص بأن المهدي خليفة الله تعالى وبإسناده عن ثوبان قال قال رسول الله ص يقتتل عند كنزكم ثلاثة كلهم ابن خليفة ثم لا يصير إلى واحد منهم ثم تجيء الرايات السود فيقتلونهم قتلا لم يقتله قوم ثم يجيء خليفة الله المهدي فإذا سمعتم به فأتوه فبايعوه فإنه خليفة الله المهدي قال هذا حديث حسن المتن وقع إلينا عاليا من هذا الوجه بحمد الله وحسن توفيقه وفيه دليل على شرف المهدي بكونه خليفة الله في الأرض على لسان أصدق ولد آدم وقد قال الله تعالى (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) الآية.

الباب الخامس والعشرون في الدلالة على كون المهدي حيا باقيا مذ غيبته إلى الآن ولا امتناع في بقائه بدليل بقاء عيسى والخضر وإلياس من أولياء الله تعالى وبقاء الدجال وإبليس اللعين من أعداء الله تعالى وهؤلاء قد ثبت بقاؤهم بالكتاب والسنة وقد اتفقوا ثم أنكروا جواز بقاء المهدي وها أنا أبين بقاء كل واحد منهم فلا يسمع بعد هذا العاقل إنكار جواز بقاء المهدي لأنهم إنما أنكروا بقاءه من وجهين أحدهما طول الزمان والثاني أنه في سرداب من غير أن يقوم أحد بطعامه وشرابه وهذا ممتنع عادة.

قال مؤلف الكتاب محمد بن يوسف بن محمد الكنجي الشافعي بعون الله نبتدئ

٤٨٨

أما عيسى ع فالدليل على بقائه قوله تعالى (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ) ولم يؤمن به مذ نزول هذه الآية إلى يومنا هذا ولا بد أن يكون ذلك في آخر الزمان.

وأما السنة فما رواه مسلم في صحيحه عن النواس بن سمعان في حديث طويل في قصة الدجال قال فينزل عيسى ابن مريم عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين واضعا كفه على أجنحة ملكين وأيضا ما تقدم من قوله ص كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم.

وأما الخضر وإلياس فقد قال ابن جريرالطبري والخضر وإلياس باقيان يسيران في الأرض. وأيضا فما رواه مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري قال حدثنا رسول الله ص حديثا طويلا عن الدجال فكان فيما حدثنا قال يأتي وهو محرم عليه أن يدخل نقاب المدينة فينتهي إلى بعض السباخ التي تلي المدينة فيخرج إليه يومئذ رجل هو خير الناس أو من خير الناس فيقوله له أشهد أنك الدجال الذي حدثنا رسول الله ص حديثه فيقول الدجال أرأيتم إن قتلت هذا ثم أحييته أتشكون في الأمر فيقولون لا قال فيقتله ثم يحييه فيقول حين يحييه والله ما كنت فيك قط أشد بصيرة مني الآن قال فيريد الدجال أن يقتله ثانيا فلا يسلط عليه. قال أبو إسحاق إبراهيم بن سعيد يقال إن هذا الرجل هو الخضر ع.

قال هذا لفظ مسلم في صحيحه كما سقناه سواء وأما الدليل على بقاء الدجال فإنه أورد حديث تميم الداري والجساسة الدابة التي تكلمهم وهو حديث صحيح ذكره مسلم في صحيحه وقال هذا صريح في بقاء الدجال.

قال وأما الدليل على بقاء إبليس اللعين فآي الكتاب العزيز نحو قوله

__________________

(١) أي شقتين أو حلتين ، وقيل : الثوب المهرود الذي يصبغ بالورس ثمّ بالزعفران قاله في النهاية ، يعنى حالكون عيسى (ع) بينهما بمعنى لابس حلتين مصبوغتين بورس أو زعفران.

٤٨٩

تعالى (قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ).

وأما بقاء المهدي ع فقد جاء في الكتاب والسنة أما الكتاب فقد قال سعيد بن جبير في تفسير قوله عزوجل (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) قال هو المهدي من عترة فاطمة وأما من قال إنه عيسى ع فلا تنافي بين القولين إذ هو مساعد للإمام على ما تقدم وقد قال مقاتل بن سليمان ومن شايعه من المفسرين في تفسير قوله عزوجل (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ) قال هو المهدي يكون في آخر الزمان وبعد خروجه يكون قيام الساعة وأماراتها.

وأما السنة فما تقدم في كتابنا هذا من الأحاديث الصحيحة الصريحة وأما الجواب عن طول الزمان فمن حيث النص والمعنى أما النص فما تقدم من الأخبار على أنه لا بد من وجود الثلاثة في آخر الزمان وأنهم ليس فيهم متبوع غير المهدي بدليل أنه إمام الأمة في آخر الزمان وأن عيسى ع يصلي خلفه كما ورد في الصحاح ويصدقه في دعواه والثالث هو الدجال اللعين وقد ثبت أنه حي موجود.

وأما المعنى في بقائهم فلا يخلو من أحد قسمين إما أن يكون بقاؤهم في مقدور الله تعالى أو لا يكون ومستحيل أن يخرج من مقدور الله تعالى لأن من بدء الخلق من غير شيء وأفناه ثم يعيده بعد الفناء لا بد أن يكون البقاء في مقدوره تعالى فلا يخلو من قسمين إما أن يكون راجعا إلى اختيار الله تعالى أو إلى اختيار الأمة ولا يجوز أن يكون راجعا إلى اختيار الأمة لأنه لو صح ذلك منهم لجاز لأحدنا أن يختار البقاء لنفسه ولولده وذلك غير حاصل لنا غير داخل تحت مقدورنا ولا بد أن يكون راجعا إلى اختيار الله سبحانه ثم لا يخلو بقاء هؤلاء الثلاثة من قسمين أيضا إما أن يكون لسبب أو لا يكون لسبب فإن كان لغير سبب كان خارجا عن وجه الحكمة وما يخرج عن وجه الحكمة لا يدخل في أفعال الله تعالى فلا بد من أن يكون لسبب تقتضيه حكمة الله تعالى.

قال وسنذكر سبب بقاء كل واحد منهم على حدته أما بقاء عيسى ع لسبب وهو قوله تعالى (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ) ولم يؤمن به مذ

٤٩٠

نزل هذه الآية إلى يومنا هذا أحد فلا بد من أن يكون هذا في آخر الزمان.

وأما الدجال اللعين لم يحدث حدثا مذ عهد إلينا رسول الله ص أنه خارج فيكم الأعور الدجال وإن معه جبالا من خبز تسير معه إلى غير ذلك من آياته فلا بد من أن يكون ذلك في آخر الزمان لا محالة وأما الإمام المهدي ع مذ غيبته عن الأبصار إلى يومنا هذا لم يملأ الأرض قسطا وعدلا كما تقدمت الأخبار في ذلك مشروطا بآخر الزمان فقد صارت هذه الأسباب لاستيفاء الأجل المعلوم فعلى هذا اتفقت أسباب بقاء الثلاثة فلا بد أن يكون ذلك لصحة أمر معلوم في وقت معلوم وهما صالحان نبي وإمام وطالح عدو الله وهو الدجال وقد تقدمت الأخبار من الصحاح بما ذكرناه في صحة بقاء الدجال مع صحة بقاء عيسى ع فما المانع من بقاء المهدي ع مع كون بقائه باختيار الله وداخلا تحت مقدوره سبحانه وهو آية الرسول ص فعلى هذا هو أولى بالبقاء من الإثنين الآخرين لأنه إذا بقي المهدي ع كان إمام آخر الزمان يملأ الأرض قسطا وعدلا كما تقدمت الأخبار فيكون بقاؤه مصلحة للمكلفين ولطفا بهم في بقائه من عند رب العالمين والدجال إذا بقي فبقائه مفسدة للعالمين لما ذكر من ادعائه الربوبية وفتكه بالأمة ولكن في بقائه ابتلاء من الله تعالى ليعلم المطيع منهم من العاصي والمحسن من المسيء والمصلح من المفسد وهذا هو الحكمة في بقاء الدجال وأما بقاء عيسى فهو سبب إيمان أهل الكتاب به للآية والتصديق بنبوة سيد الأنبياء محمد خاتم النبيين ورسول رب العالمين ص ويكون تبيانا لدعوى الإمام عند أهل الإيمان ومصدقا لما دعا إليه عند أهل الطغيان بدليل صلاته خلفه ونصرته إياه ودعائه إلى الملة المحمدية التي هو إمام فيها فصار بقاء المهدي ع أصلا وبقاء الاثنين فرعا على بقائه فكيف يصح بقاء الفرعين مع عدم بقاء الأصل لهما ولو صح ذلك لصح وجود المسبب من دون وجود السبب وذلك مستحيل في العقول.

وإنما قلنا إن بقاء المهدي ع أصل لبقاء الاثنين لأنه لا يصح وجود عيسى

٤٩١

ع بانفراده غير ناصر لملة الإسلام وغير مصدق للإمام لأنه لو صح ذلك لكان منفردا بدولة ودعوة وذلك يبطل دعوة الإسلام من حيث أراد أن يكون تبعا فصار متبوعا وأراد أن يكون فرعا فصار أصلا. والنبي ص قال لا نبي بعدي. وقال ص الحلال ما أحل الله على لساني إلى يوم القيامة والحرام ما حرم الله على لساني إلى يوم القيامة فلا بد من أن يكون له عونا وناصرا ومصدقا وإذا لم يجد من يكون له عونا ومصدقا لم يكن لوجوده تأثير فثبت أن وجود المهدي ع أصل لوجوده.

وكذلك الدجال اللعين لا يصح وجوده في آخر الزمان ولا يكون للأمة إمام يرجعون إليه ووزير يعولون عليه لأنه لو كان كذلك لم يزل الإسلام مقهورا ودعوته باطلة فصار وجود الإمام أصلا لوجوده على ما قلناه.

وأما الجواب عن إنكارهم بقاءه في السرداب من غير أحد يقوم بطعامه وشرابه فعنه جوابان أحدهما بقاء عيسى ع في السماء من غير أحد يقوم بطعامه وشرابه وهو بشر مثل المهدي ع فكما جاز بقاؤه في السماء والحالة هذه فكذلك المهدي في السرداب.

فإن قلت إن عيسى ع يغذيه رب العالمين من خزانة غيبه.

قلت لا تفنى خزائنه بانضمام المهدي إليه في إغذائه.

فإن قلت إن عيسى خرج عن طبيعة البشرية؟

قلت هذه دعوى باطلة لأنه قال تعالى لأشرف الأنبياء (قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ).

فإن قلت اكتسب ذلك من العالم العلوي قلت هذا يحتاج إلى توقيف ولا سبيل إليه.

والثاني بقاء الدجال في الدير على ما تقدم بأشد الوثاق مجموعة يداه إلى عنقه ما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد وفي رواية في بئر موثوق وإذا كان بقاء الدجال ممكنا على الوجه المذكور من غير أحد يقوم به فما المانع من بقاء المهدي

٤٩٢

ع مكرما من غير الوثاق إذ الكل في مقدور الله تعالى فثبت أنه غير ممتنع شرعا ولا عادة.

ثم ذكر بعد هذه الأبحاث خبر سطيح وأنا أذكر منه موضع الحاجة إليه ومقتضاه أنه يذكر الذي جدن الملك وقائع وحوادث تجري وزلازل من فتن ثم إنه ذكر خروج المهدي ع وأنه يملأ الأرض عدلا وتطيب الدنيا وأهلها في أيام دولته ع.

وروى عن الحافظ محمد بن النجار أنه قال هذا حديث من طوالات المشاهير الذي ذكره الحفاظ في كتبهم ولم يخرج في الصحيح آخر البيان في حديث صاحب الزمان.

قال الفقير إلى الله تعالى علي بن عيسى أثابه الله تعالى برحمته هذه الأبحاث لا تثبت لنا حجة ولا تقطع الخصم ولا تضره لما يرد عليها من الإيرادات وتطويله في إثبات بقاء المسيح ع وإبليس والدجال فهي مثل الضروريات عند المسلمين فلا حاجة إلى التكلف لتقريرها والجواب المختصر ما ذكرته آنفا وهو أن النقل قد ورد به من طرق المؤالف والمخالف والعقل لا يحيله فوجب القطع به فأما قوله إن المهدي ع في سرداب وكيف يمكن بقاؤه من غير أحد يقوم بطعامه وشرابه فهذا قول عجيب وتصور غريب فإن الذين أنكروا وجوده ع لا يوردون هذا والذين يقولون بوجوده لا يقولون إنه في سرداب بل يقولون إنه حي موجودة يحل ويرتحل ويطوف في الأرض ببيوت وخيم وخدم وحشم وإبل وخيل وغير ذلك وينقلون قصصا في ذلك وأحاديث يطول شرحها.

وأنا أذكر من ذلك قصتين قرب عهدهما من زماني وحدثني بهما جماعة من ثقات إخواني كان في البلاد الحلية شخص يقال له إسماعيل بن الحسن الهرقلي من قرية يقال لها هرقل مات في زماني وما رأيته حكى لي ولده شمس الدين قال حكى لي والدي أنه خرج فيه وهو شباب على فخذه الأيسر توثة (١) مقدار قبضة الإنسان وكانت في كل ربيع تشقق ويخرج منها دم وقيح ويقطعه ألمها عن

__________________

(١) التوثة : بثرة متقرحة.

٤٩٣

كثير من أشغاله وكان مقيما بهرقل فحضر الحلة يوما ودخل إلى مجلس السعيد رضي الدين علي بن طاوس رحمه‌الله وشكا إليه ما يجده منها وقال أريد أن أداويها فأحضر له أطباء الحلة وأراهم الموضع فقالوا هذه التوثة فوق العرق الأكحل وعلاجها خطر ومتى قطعت خيف أن ينقطع العرق فيموت فقال له السعيد رضي الدين قدس روحه أنا متوجه إلى بغداد وربما كان أطباؤها أعرف وأحذق من هؤلاء فاصحبني فأصعد معه وأحضر الأطباء فقالوا كما قال أولئك فضاق صدره فقال له السعيد إن الشرع قد فسح لك في الصلاة في هذه الثياب وعليك الاجتهاد في الاحتراس ولا تغرر بنفسك فالله تعالى قد نهى عن ذلك ورسوله فقال له والدي إذا كان الأمر على ذلك وقد وصلت إلى بغداد فأتوجه إلى زيارة المشهد الشريف بسر من رأى على مشرفه السلام ثم أنحدر إلى أهلي فحسن له ذلك فترك ثيابه ونفقته عند السعيد رضي الدين وتوجه قال فلما دخلت المشهد وزرت الأئمة ع ونزلت السرداب واستغثت بالله تعالى وبالإمام ع وقضيت بعض الليل في السرداب وبت في المشهد إلى الخميس ثم مضيت إلى دجلة واغتسلت ولبست ثوبا نظيفا وملأت إبريقا كان معي وصعدت أريد المشهد.

فرأيت أربعة فرسان خارجين من بات السور وكان حول المشهد قوم من الشرفاء يرعون أغنامهم فحسبتهم منهم فالتقينا فرأيت شابين أحدهما عبد مخطوط وكل واحد منهم متقلل بسيف وشيخا منقبا بيده رمح والآخر متقلد بسيف وعليه فرجية (١) ملونة فوق السيف وهو متحنك بعذبته فوقف الشيخ صاحب الرمح يمين الطريق ووضع كعب في الأرض ووقف الشابان عن يسار الطريق وبقي صاحب الفرجية على الطريق مقابل والدي ثم سلموا عليه فرد عليهم‌السلام فقال له صاحب الفرجية أنت غدا تروح إلى أهلك فقال نعم فقال له تقدم حتى أبصر ما يوجعك قال فكرهت ملامستهم وقلت في نفسي أهل البادية ما يكادون يحترزون من النجاسة وأنا قد خرجت من الماء وقميصي مبلول ثم إني بعد ذلك تقدمت إليه فلزمني بيده و

__________________

(١) نوع من الثياب

٤٩٤

مدني إليه وجعل يلمس جانبي من كتفي إلى أن أصابت يده التوثة فعصرها بيده فأوجعني ثم استوى في سرجه كما كان فقال لي الشيخ أفلحت يا إسماعيل فعجبت من معرفته باسمي فقلت أفلحنا وأفلحتم إن شاء الله قال فقال لي الشيخ هذا هو الإمام قال فتقدمت إليه فاحتضنته وقبلت فخذه.

ثم إنه ساق وأنا أمشي معه محتضنه فقال ارجع فقلت لا أفارقك أبدا فقال المصلحة رجوعك فأعدت عليه مثل القول الأول فقال الشيخ يا إسماعيل ما تستحيي يقول لك الإمام مرتين ارجع وتخالفه فجبهني (١) بهذا القول فوقفت فتقدم خطوات والتفت إلي وقال إذا وصلت بغداد فلا بد أن يطلبك أبو جعفر يعني الخليفة المستنصر رحمه‌الله فإذا حضرت عنده وأعطاك شيئا فلا تأخذه وقل لولدنا الرضي ليكتب لك إلى علي بن عوض فإنني أوصيه يعطيك الذي تريد ثم سار وأصحابه معه فلم أزل قائما أبصرهم إلى أن غابوا عني وحصل عندي أسف لمفارقته فقعدت إلى الأرض ساعة ثم مشيت إلى المشهد فاجتمع القوام حولي وقالوا نرى وجهك متغيرا أأوجعك شيء قلت لا قالوا أخاصمك أحد قلت لا ليس عندي مما تقولون خبر لكن أسألكم هل عرفتم الفرسان الذين كانوا عندكم فقالوا هم من الشرفاء أرباب الغنم فقلت لا بل هو الإمام ع فقالوا الإمام هو الشيخ أو صاحب الفرجية فقلت هو صاحب الفرجية فقالوا أريته المرض الذي فيك فقلت هو قبضه بيده وأوجعني ثم كشفت رجلي فلم أر لذلك المرض أثرا فتداخلني الشك من الدهش فأخرجت رجلي الأخرى فلم أر شيئا فانطبق الناس علي ومزقوا قميصي فأدخلني القوام خزانة ومنعوا الناس عني وكان ناظرا بين النهرين بالمشهد فسمع الضجة وسأل عن الخبر فعرفوه فجاء إلى الخزانة وسألني عن اسمي وسألني منذ كم خرجت من بغداد فعرفته أني خرجت في أول الأسبوع فمشى عني وبت في المشهد وصليت الصبح وخرجت وخرج الناس معي إلى أن بعدت عن المشهد ورجعوا عني ووصلت إلى

__________________

(١) جبهه : نكس رأسه.

٤٩٥

أوانا (١) فبت بها وبكرت منها أريد بغداد فرأيت الناس مزدحمين على القنطرة العتيقة يسألون من ورد عليهم عن اسمه ونسبه وأين كان فسألوني عن اسمي ومن أين جئت فعرفتهم فاجتمعوا علي ومزقوا ثيابي ولم يبق لي في روحي حكم وكان ناظر بين النهرين كتب إلى بغداد وعرفهم الحال ثم حملوني إلى بغداد وازدحم الناس علي وكادوا يقتلونني من كثرة الزحام وكان الوزير القمي رحمه‌الله تعالى قد طلب السعيد رضي الدين رحمه‌الله وتقدم أن يعرفه صحة هذا الخبر.

قال فخرج رضي الدين ومعه جماعة فوافينا باب النوبى فرد أصحابه الناس عني فلما رآني قال أعنك يقولون قلت نعم فنزل عن دابته وكشف عن فخذي فلم ير شيئا فغشي عليه ساعة وأخذ بيدي وأدخلني على الوزير وهو يبكي ويقول يا مولانا هذا أخي وأقرب الناس إلى قلبي فسألني الوزير عن القصة فحكيت له فأحضر الأطباء الذين أشرفوا عليها وأمرهم بمداواتها فقالوا ما دواؤها إلا القطع بالحديد ومتى قطعها مات فقال لهم الوزير فبتقدير أن تقطع ولا يموت في كم تبرأ فقالوا في شهرين وتبقى في مكانها حفيرة بيضاء لا ينبت فيها شعر فسألهم الوزير متى رأيتموه قالوا منذ عشرة أيام فكشف الوزير عن الفخذ الذي كان فيه الألم وهي مثل أختها ليس فيها أثر أصلا فصاح أحد الحكماء هذا عمل المسيح فقال الوزير حيث لم يكن عملكم فنحن نعرف من عملها.

ثم إنه أحضر عند الخليفة المستنصر رحمه‌الله تعالى فسأله عن القصة فعرفه بها كما جرى فتقدم له بألف دينار فلما حضرت قال خذ هذه فأنفقها فقال ما أجسر آخذ منه حبة واحدة فقال الخليفة ممن تخاف فقال من الذي فعل معي هذا قال لا تأخذ من أبي جعفر شيئا فبكى الخليفة وتكدر وخرج من عنده ولم يأخذ شيئا.

قال أفقر عباد الله تعالى إلى رحمته ـ علي بن عيسى عفا الله عنه كنت في بعض الأيام أحكي هذه القصة لجماعة عندي وكان هذا شمس الدين محمد ولده عندي و

__________________

(١) أو انا : بلدة كثيرة البساتين. نزهة من نواحي دجيل بغداد بينها وبين بغداد عشرة فراسخ.

٤٩٦

أنا لا أعرفه فلما انقضت الحكاية قال أنا ولده لصلبه فعجبت من هذا الاتفاق وقلت هل رأيت فخذه وهي مريضة فقال لا لأني أصبو عن ذلك ولكني رأيتها بعد ما صلحت ولا أثر فيها وقد نبت في موضعها شعر وسألت السيد صفي الدين محمد بن محمد بن بشر العلوي الموسوي ونجم الدين حيدر بن الأيسر رحمهما‌الله تعالى وكانا من أعيان الناس وسراتهم وذوي الهيئات منهم وكانا صديقين لي وعزيزين عندي فأخبراني بصحة هذه القصة وأنهما رأياها في حال مرضها وحال صحتها وحكى لي ولده هذا أنه كان بعد ذلك شديد الحزن لفراقه ع حتى أنه جاء إلى بغداد وأقام بها في فصل الشتاء وكان كل أيام يزور سامراء ويعود إلى بغداد فزارها في تلك السنة أربعين مرة طمعا أن يعود له الوقت الذي مضى أو يقضى له الحظ بما قضى ومن الذي أعطاه دهره الرضا أو ساعده بمطالبه صرف القضاء فمات رحمه‌الله بحسرته وانتقل إلى الآخرة بغصته والله يتولاه وإيانا برحمته بمنه وكرامته.

وحكى لي السيد باقي بن عطوة العلوي الحسيني أن أباه عطوة كان به أدرة وكان زيدي المذهب وكان ينكر على بنيه الميل إلى مذهب الإمامية ويقول لا أصدقكم ولا أقول بمذهبكم حتى يجيء صاحبكم يعني المهدي فيبرئني من هذا المرض وتكرر هذا القول منه فبينا نحن مجتمعون عند وقت عشاء الآخرة إذا أبونا يصيح ويستغيث بنا فأتيناه سراعا فقال ألحقوا صاحبكم فالساعة خرج من عندي فخرجنا فلم نر أحدا فعدنا إليه وسألناه فقال إنه دخل إلي شخص وقال يا عطوة فقلت من أنت فقال أنا صاحب بنيك قد جئت لأبرئك مما بك ثم مد يده فعصر قروتي ومشى ومددت يدي فلم أر لها أثرا قال لي ولده وبقي مثل الغزال ليس به قلبه واشتهرت هذه القصة وسألت عنها غير ابنه فأخبر عنها فأقر بها والأخبار عنه ع في هذا الباب كثيرة وأنه رآه جماعة قد انقطعوا في طرق الحجاز وغيرها فخلصهم وأوصلهم إلى حيث أرادوا ولو لا التطويل لذكرت منها جملة ولكن هذا القدر الذي قرب عهده من زماني كاف.

قال قطب الدين الراوندي في كتاب الخرائج والجرائح الباب الثاني عشر

٤٩٧

في معجزات صاحب الزمان ع.

عن حكيمة قالت دخلت يوما على أبي محمد قال بيتي عندنا الليلة فإن الله سيظهر الخلف فيها قلت وممن فلست أرى بنرجس حملا قال يا عمة إن مثلها كمثل أم موسى لم يظهر حملها به إلا وقت ولادتها فبت أنا وهي فلما انتصف الليل صليت أنا وهي صلاة الليل فقلت في نفسي قد قرب الفجر ولم يظهر ما قال أبو محمد فناداني أبو محمد لا تعجلي فرجعت إلى البيت خجلة فاستقبلتني نرجس ترتعد فضممتها إلى صدري وقرأت عليها (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) و (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) وآية الكرسي فأجابني الخلف من بطنها يقرأ كقراءتي قالت وأشرق نور في البيت فنظرت وإذا الخلف تحتها ساجدا إلى القبلة فأخذته فناداني أبو محمد من الحجرة هلمي بابني إلي يا عمة قالت فأتيته به فوضع لسانه في فيه وأجلسه على فخذه فقال له انطق يا بني بإذن الله فقال أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ) صلى الله على محمد المصطفى وعلي المرتضى وفاطمة الزهراء والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي أبي.

قالت وغمرتنا طيور خضر فنظر أبو محمد إلى طائر منها فدعاه فقال خذه فاحفظه حتى يأذن الله فيه ف (إِنَّ اللهَ بالِغُ أَمْرِهِ) قالت حكيمة قلت لأبي محمد ما هذا الطائر وما هذه الطيور قال هذا جبرئيل وهذا ملائكة الرحمة ثم قال يا عمة رديه (إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) فرددته إلى أمه قالت ولما ولد كان نظيفا مفروغا منه وعلى ذراعه الأيمن مكتوب (جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً).

ومنها ما روى السياري قال حدثتني نسيم ومارية قالتا لما خرج صاحب الزمان من بطن أمه سقط جاثيا على ركبتيه رافعا بسبابتيه نحو السماء

٤٩٨

فعطس فقال (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) وصلى الله على محمد وآله عبدا داخرا غير مستنكف ولا مستكبر ثم قال زعمت الظلمة إن حجة الله داحضة ولو أذن الله لنا في الكلام لزال الشك.

ومنها ما روي عن طريف أبي نصر الخادم قال دخلت على صاحب الزمان وهو في المهد فقال لي علي بالصندل الأحمر فأتيته به فقال أتعرفني قلت نعم أنت سيدي وابن سيدي فقال ليس عن هذا سألتك فقلت فسر لي فقال أنا خاتم الأوصياء وبي يرفع الله البلاء من أهلي وشيعتي.

ومنها ما روي عن أبي نعيم محمد بن أحمد الأنصاري قال وجه قوم من المفوضة كامل بن إبراهيم المدني إلى أبي محمد قال فقلت في نفسي لما دخلت عليه أسأله عن الحديث المروي عنه ع لا يدخل الجنة إلا من عرف الله معرفتي وكنت جلست إلى باب عليه ستر مسبل فجاءت الريح فكشفت طرفه وإذا أنا بفتى كأنه فلقة قمر من أبناء أربع سنين أو مثلها فقال لي يا كامل بن إبراهيم فاقشعررت من ذلك وألهمت أن قلت لبيك يا سيدي قال جئت إلى ولي الله تسأله لا يدخل الجنة إلا من عرف معرفتك وقال بمقالتك قلت إي والله قال إذا والله يقل داخلها والله إنه ليدخلنها قوم يقال لهم الحقية قلت ومن هم قال هم قوم من حبهم لعلي يحلفون بحقه ولا يدرون ما حقه وفضله أي قوم يعرفون ما تجب عليهم معرفته جملة لا تفصيلا من معرفة الله ورسوله والأئمة ونحوها ثم قال وجئت تسأل عن مقالة المفوضة كذبوا بل قلوبنا أوعية لمشية الله فإذا شاء الله تعالى شئنا والله يقول (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) (١) فقال لي أبو محمد ما جلوسك فقد أنبأك بحاجتك.

ومنها ما روي عن رشيق حاجب المادراني قال بعث إلينا المعتضد وأمرنا أن نركب ونحن ثلاثة نفر ونخرج محفين على السروج ونجنب أخرى وقال ألحقوا بسامراء واكبسوا دار الحسن بن علي فإنه توفي ومن رأيتم في داره فأتوني

__________________

(١) الإنسان : ٣٠.

٤٩٩

برأسه فكبسنا الدار كما أمرنا فوجدناها دارا سرية كأن الأيدي رفعت عنها في ذلك الوقت فرفعنا الستر وإذا سرداب في الدار الأخرى فدخلناها وكأن بحرا فيها وفي أقصاه حصير وقد علمنا أنه على الماء وفوقه رجل من أحسن الناس هيئة قائم يصلي فلم يلتفت إلينا ولا إلى شيء من أسبابنا فسبق أحمد بن عبد الله ليتخطى فغرق في الماء وما زال يضطرب حتى مددت يدي إليه فخلصته وأخرجته فغشي عليه وبقي ساعة وعاد صاحبي الثاني إلى فعل ذلك فناله مثل ذلك فبقيت مبهوتا فقلت لصاحب البيت المعذرة إلى الله وإليك فو الله ما علمت كيف الخبر وإلى من نجيء وأنا تائب إلى الله فما التفت إلي بشيء مما قلت فانصرفنا إلى المعتضد فقال اكتموه وإلا ضربت رقابكم.

ومنها أن علي بن زياد الصيمري كتب يلتمس كفنا فكتب إليه أنك تحتاج إليه في سنة ثمانين فمات في سنة ثمانين وبعث إليه بالكفن قبل موته.

ومنها ما روى عن نسيم خادم أبي محمد ع قال دخلت على صاحب الزمان ع بعد مولده بعشرة أيام فعطست عنده فقال يرحمك الله قال ففرحت بذلك فقال لي ألا أبشرك في العطاس هو أمان من الموت ثلاثة أيام.

ومنها ما روي عن حكيمة قالت دخلت على أبي محمد بعد أربعين يوما من ولادة نرجس فإذا مولانا الصاحب يمشي في الدار فلم أر لغة أفصح من لغته فتبسم أبو محمد وقال إنا معاشر الأئمة ننشأ في كل يوم كما ينشأ غيرنا في الشهر وننشأ في الشهر كما ينشأ غيرنا في السنة قالت ثم كنت بعد ذلك أسأل أبا محمد عنه فقال استودعناه الذي استودعت أم موسى ولدها.

ومنها ما روي عن أبي الحسن المسترق الضرير قال كنت يوما في مجلس الحسن بن عبد الله بن حمدان ناصر الدولة فتذاكرنا أمر الناحية قال كنت أزري عليها (١) إلى أن حضرت مجلس عمي الحسين يوما فأخذت أتكلم في ذلك فقال يا بني قد كنت أقول بمقالتك هذه إلى أن ندبت (٢) إلى ولاية قم حين استصعبت على السلطان و

__________________

(١) رزى عليه عمله : عابه.

(٢) ندبه إلى الامر : دعاه ورشحه للقيام به وحثه عليه.

٥٠٠