كشف الغمّة في معرفة الأئمّة - ج ٢

أبي الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح الاربلي

كشف الغمّة في معرفة الأئمّة - ج ٢

المؤلف:

أبي الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح الاربلي


المحقق: السيد هاشم الرسولي المحلاتي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة بني هاشمي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٦٠
الجزء ١ الجزء ٢

في الحجة وتثبيتا على المحجة

الفصل الثاني ذكر فيه الأخبار التي تقدم ذكره عن آبائه ع سوى ما ذكره فيما تقدم من الكتاب قال حذفنا أسانيدها تحريا للاختصار فمن أراد فيطلبها من كتاب كمال الدين لأبي جعفر.

ثم ذكر بعد ذلك. ما رواه جابر الجعفي عن جابر الأنصاري قال قال رسول الله ص المهدي من ولدي اسمه اسمي وكنيته كنيتي أشبه الناس بي خلقا وخلقا تكون له غيبة وحيرة تضل فيها الأمم ثم يقبل كالشهاب الثاقب فيملأها عدلا كما ملئت جورا وأمثال هذه الأخبار قد تقدمت وأذكر فيها ما أظن أني لم أذكره.

وعن ابن عباس قال قال رسول الله ص إن علي بن أبي طالب إمام أمتي وخليفتي عليها بعدي ومن ولده القائم المنتظر الذي يملأ الله به الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما والذي بعثني بالحق بشيرا إن الثابتين على القول بإمامته في زمان غيبته لأعز من الكبريت الأحمر فقام إليه جابر بن عبد الله الأنصاري فقال يا رسول الله وللقائم من ولدك غيبة قال إي وربي (وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ) يا جابر إن هذا أمر من أمر الله وسر من سر الله علته مطوية عن عباد الله فإياك والشك فإن الشك في الله كفر.

وعن الرضا ع عن آبائه عن علي ع أنه قال للحسين ع التاسع من ولدك يا حسين هو القائم بالحق والمظهر للدين والباسط للعدل قال الحسين ع فقلت له وإن ذلك لكائن فقال إي والذي بعث محمدا بالنبوة واصطفاه على جميع البرية ولكن بعد غيبة وحيرة لا يثبت فيها على دينه إلا المخلصون المباشرون لروح اليقين الذين أخذ الله ميثاقهم بولايتنا و (كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ).

ومما جاء فيه عن الحسن بن علي بن أبي طالب ع لما صالح الحسن بن علي ع معاوية دخل الناس عليه ولامه بعض الشيعة على بيعته فقال ع ويحكم ما تدرون ما عملت والله الذي عملت خير

٥٢١

لشيعتي مما طلعت عليه الشمس أو غربت ألا تعلمون أني إمامكم ومفترض الطاعة عليكم وأحد سيدي شباب أهل الجنة بنص من رسول الله ص علي قالوا بلى قال أما علمتم أن الخضر لما خرق السفينة وقتل الغلام وأقام الجدار كان ذلك سخطا لموسى ع إذ خفي عليه وجه الحكمة في ذلك وكان عند الله حكمة وصوابا أما علمتم أنه ما منا أحد إلا ويقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه إلا القائم الذي يصلي روح الله عيسى ابن مريم ع خلفه فإن الله عزوجل يخفي ولادته ويغيب شخصه لئلا يكون في عنقه بيعة إذا خرج ذلك التاسع من ولد أخي الحسين ابن سيدة الإماء يطيل الله عمره في غيبته ثم يظهره بقدرته في صورة شاب دون أربعين سنة ذلك ليعلم (أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).

ومما جاء فيه عن الحسين بن علي بن أبي طالب ع ما رواه الصادق عن آبائه عن الحسين ع قال في التاسع من ولدي سنة من يوسف وسنة من موسى بن عمران ع وهو قائمنا أهل البيت يصلح الله أمره في ليلة واحدة.

وعن الحسين ع قال في القائم منا سنن من الأنبياء سنة من نوح وسنة من إبراهيم وسنة من موسى وسنة من عيسى وسنة من أيوب وسنة من محمد ص فأما من نوح فطول العمر وأما من إبراهيم فخفاء الولادة واعتزال الناس وأما من موسى فالخوف والغيبة وأما من عيسى فاختلاف الناس فيه وأما من أيوب فالفرج بعد البلوى وأما من محمد ص فالخروج بالسيف.

قال وسمعته يقول القائم منا يخفى عن الناس ولادته حتى يقولوا لم يولد بعد ليخرج حين يخرج وليس لأحد في عنقه بيعة.

وقال علي بن الحسين زين العابدين ع من ثبتت على موالاتنا في غيبة قائمنا أعطاه الله أجر ألف شهيد مثل شهداء بدر وأحد.

وروى عبد الله بن عطاء قال قلت لأبي جعفر ع إن شيعتك بالعراق

٥٢٢

كثيرة وو الله ما في أهلك مثلك فقال لي يا عبد الله قد أمكنت الحشو من أذنيك (١) والله ما أنا بصاحبكم قلت فمن صاحبنا قال أنظر من يخفى على الناس ولادته فهو صاحبكم.

وعن محمد بن مسلم قال دخلت على أبي جعفر ع وأنا أريد أن أسأله عن القائم من آل محمد فقال مبتدئا يا محمد بن مسلم إن في القائم من آل محمد شبها من خمسة من الرسل يونس بن متى ويوسف بن يعقوب وموسى وعيسى ومحمد صلوات الله عليهم أجمعين فأما شبهه من يونس فرجوعه من غيبته وهو شاب بعد كبر السن وأما شبهه من يوسف فالغيبة من خاصته وعامته واختفاؤه عن إخوته وإشكال أمره على أبيه يعقوب النبي ع مع قرب المسافة بينهما وأما شبهه من موسى ع فهو دوام خوفه وطول غيبته وخفاء مولده على عدوه وحيرة شيعته من بعده مما لقوا من الأذى والهوان إلى أن يأذن الله في ظهوره وأيده على عدوه وأما شبهه من عيسى ع فاختلاف من اختلف فيه حتى قالت طائفة ما ولد وطائفة قالت مات وطائفة قالت صلب وأما شبهه من جده محمد ص فتجريده السيف وقتله أعداء الله وأعداء رسوله والجبارين والطواغيت وأنه ينصر بالسيف والرعب وأنه لا ترد له راية وأن من علامات خروجه خروج السفياني من الشام وخروج اليماني وصيحة من السماء في شهر رمضان ومناد ينادي باسمه واسم أبيه.

وعن الصادق ع قال من أقر بجميع الأئمة وجحد المهدي كان كمن أقر بجميع الأنبياء وجحد نبوة محمد ع فقيل له يا ابن رسول الله فمن المهدي من ولدك قال الخامس من ولد السابع يغيب عنكم شخصه ولا يحل لكم تسميته.

وعن يونس بن عبد الرحمن قال دخلت على موسى بن جعفر ع فقلت له يا ابن رسول الله أنت القائم بأمر الله فقال أنا القائم بالحق ولكن القائم الذي

__________________

(١) وفي المصدر «قد أمكنت الحشوة» وفي الصحاح فلان حشوة بنى فلان اي رذالهم والمراد انك سمعت كلام ارذال الشيعة واغتررت بقولهم ... : فليس هذا وقت الخروج الذي أخبر به آبائي وما أنا المهدى الموعود.

٥٢٣

يطهر الأرض من أعداء الله ويملأها عدلا كما ملئت جورا وهو الخامس من ولدي له غيبة يطول أمدها خوفا على نفسه ويرتد فيها قوم ويثبت فيها آخرون.

وقال ع طوبى لشيعتنا المتمسكين بحبلنا في غيبة قائمنا الثابتين على موالاتنا والبراءة من أعدائنا أولئك منا ونحن منهم قد رضوا بنا أئمة ورضينا بهم شيعة فطوبى لهم ثم طوبى لهم وهم والله معنا في درجتنا يوم القيامة.

وعن أيوب بن نوح قال قلت للرضا إنا نرجو أن تكون صاحب هذا الأمر وأن يسلمه الله إليك من غير سيف فقد بويع لك وضربت الدراهم باسمك فقال ما منا أحد اختلفت إليه الكتب وسئل عن المسائل وأشارت إليه الأصابع وحملت إليه الأموال إلا اغتيل أو مات على فراشه حتى يبعث الله عزوجل لهذا الأمر رجلا خفي المولد والمنشأ غير خفي في نسبه.

وعن ريان بن الصلت قال قلت للرضا ع أنت صاحب هذا الأمر فقال أنا صاحب هذا الأمر ولكني لست بالذي أملأها عدلا كما ملئت جورا وكيف أكون ذلك على ما ترى من ضعف بدني فإن القائم هو الذي إذا خرج خرج في سن الشيوخ ومنظر الشباب يكون قويا في بدنه حتى لو مد يده إلى أعظم شجرة على وجه الأرض لقلعها ولو صاح بين الجبال لتدكدكت صخورها ويكون معه عصا موسى وخاتم سليمان ذاك الرابع من ولدي يغيبه الله في ستره ما شاء ثم يظهره فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما كأني بهم آيس ما كانوا إذ نودوا نداء يسمع من بعد كما يسمع من قرب يكون رحمة للمؤمنين وعذابا للكافرين.

وعن الحسين بن خالد قال قال الرضا ع لا دين لمن لا ورع له ولا إيمان لمن لا تقية له و (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) فقيل له يا ابن رسول الله إلى متى قال (إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ) وهو يوم خروج قائمنا فمن ترك التقية قبل خروج قائمنا فليس منا فقيل له يا ابن رسول الله من القائم منكم أهل البيت قال الرابع من ولدي ابن سيدة الإماء يطهر الله به الأرض من كل جور ويقدسها من كل ظلم وهو الذي يشك الناس في ولادته وهو صاحب الغيبة قبل خروجه و

٥٢٤

إذا خرج أشرقت الأرض بنوره ووضع ميزان العدل بين الناس فلا يظلم أحد أحدا وهو الذي تطوى له الأرض ولا يكون له ظل وهو الذي ينادي مناد من السماء يسمعه جميع أهل الأرض بالدعاء إليه يقول ألا إن حجة الله قد ظهر عند بيت الله فاتبعوه فإن الحق معه وفيه وهو قول الله عزوجل (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ). (١)

ومثله ما رواه عبد العظيم بن عبد الله الحسني قال دخلت على سيدي علي بن محمد ع فلما بصر بي قال لي مرحبا بك يا أبا القاسم أنت ولينا حقا فقلت له يا ابن رسول الله إني أريد أن أعرض عليك ديني فإن كان مرضيا ثبت عليه إلى أن ألقى الله عزوجل فقال هات يا أبا القاسم فقلت إني أقول إن الله تبارك وتعالى واحد (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) خارج عن الحدين حد الإبطال وحد التشبيه وأنه ليس بجسم ولا صورة ولا عرض ولا جوهر بل هو مجسم الأجسام ومصور الصور وخالق الأعراض والجواهر ورب كل شيء ومالكه وجاعله ومحدثه ـ وأن محمدا خاتم النبيين ولا نبي بعده إلى يوم القيامة وأن شريعته خاتمة الشرائع فلا شريعة بعدها إلى يوم القيامة وأقول إن الإمام والخليفة وولي الأمر بعده أمير المؤمنين ع ثم الحسن ثم الحسين ثم علي بن الحسين ثم محمد بن علي ثم جعفر بن محمد ثم موسى بن جعفر ثم علي بن موسى ثم محمد بن علي ثم أنت يا مولاي فقال ع ومن بعدي الحسن ابني فكيف يكون للناس بالخلف من بعده قال فقلت وكيف ذلك يا مولاي قال لأنه لا يرى شخصه ولا يحل ذكره باسمه حتى يخرج فيملأها عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا قال فقلت أقررت وأقول إن وليهم ولي الله وإن عدوهم عدو الله وطاعتهم طاعة الله ومعصيتهم معصية الله وأقول المعراج حق والمساءلة في القبر حق وإن الجنة حق وإن النار حق وإن الصراط حق وإن الميزان حق (وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ) وأقول إن الفرائض الواجبة بعد الولاية الصلاة والزكاة و

__________________

(١) الشعراء : ٤.

٥٢٥

الصوم والحج والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقال علي بن محمد ع يا أبا القاسم هذا والله دين الله الذي ارتضاه لعباده فاثبت عليه ثبتك الله (بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) والآخرة.

الفصل الثالث في ذكر النص عليه من جهة أبيه الحسن ع عن أحمد بن إسحاق وسعد الأشعري قال دخلت على أبي محمد الحسن بن علي العسكري ع وأنا أريد أن أسأله عن الخلف بعده فقال لي مبتدئا يا أحمد بن إسحاق إن الله تبارك وتعالى لم يخل الأرض منذ خلق آدم ولا يخليها إلى أن تقوم الساعة من حجة الله على خلقه به يدفع البلاء عن أهل الأرض وبه ينزل الغيث وبه تخرج بركات الأرض قال فقلت يا ابن رسول الله فمن الخليفة والإمام بعدك فنهض ع مسرعا فدخل البيت ثم خرج وعلى عاتقه غلام كأن وجهه القمر ليلة البدر من أبناء ثلاث سنين وقال يا أحمد بن إسحاق لو لا كرامتك على الله وعلى حججه ما عرضت عليك ابني هذا إنه سمي رسول الله وكنيه الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما يا أحمد بن إسحاق مثله في هذه الأمة مثل الخضر ع ومثله مثل ذي القرنين والله ليغيبن غيبة لا ينجو من الهلكة فيها إلا من ثبته الله تعالى على القول بإمامته ووفقه للدعاء بتعجيل فرجه.

قال أحمد بن إسحاق فقلت يا مولاي فهل من علامة تطمئن بها قلبي فنطق الغلام بلسان عربي فصيح فقال أنا بقية الله في أرضه والمنتقم من أعداء الله فلا تطلب أثرا بعد عين يا أحمد بن إسحاق قال أحمد فخرجت فرحا مسرورا فلما كان من الغد عدت إليه فقلت يا ابن رسول الله لقد عظم سروري بما مننت به علي فما السنة الجارية فيه من الخضر وذي القرنين قال طول الغيبة يا أحمد بن إسحاق فقلت له يا ابن رسول الله إن غيبته لتطول قال إي وربي حتى يرجع عن هذا الأمر أكثر القائلين به فلا يبقى إلا من أخذ الله عهده بولايتنا وكتب في قلبه الإيمان وأيده (بِرُوحٍ مِنْهُ) يا أحمد بن إسحاق هذا أمر من أمر الله وسر من سر الله وغيب من غيب الله (فَخُذْ ما آتَيْتُكَ) واكتمه (وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ) تكن معنا غدا في عليين.

٥٢٦

وعن جابر بن يزيد الجعفي عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال سمعت رسول الله ص يقول إن ذا القرنين كان عبدا صالحا من عباد الله جعله الله حجة على عباده فدعا قومه إلى الله عزوجل وأمرهم بتقوى الله فضربوه على قرنه فغاب عنهم زمانا حتى قيل مات أو هلك وبأي واد سلك ثم ظهر ورجع إلى قومه فضربوه على قرنه الآخر وفيكم من هو على سنته وأن الله عزوجل مكن لذي القرنين في الأرض وجعل له (مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً) وبلغ المشرق والمغرب وأن الله تعالى سيجري سنته في القائم من ولدي ويبلغه شرق الأرض وغربها حتى لا يبقى منهل ولا موضع من سهل أو جبل وطئه ذو القرنين إلا وطئه ويظهر الله له كنوز الأرض ومعادنها وينصره بالرعب ويملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما.

وعن يقعوب بن منقوش قال دخلت على أبي محمد ع وهو جالس في الدار وعن يمينه بيت عليه ستر مسبل فقلت له يا سيدي من صاحب هذا الأمر فقال ارفع الستر فرفعته فخرج علينا غلام خماسي له عشر أو ثمان أو نحو ذلك واضح الجبين أبيض الوجه دري المقلتين في خده الأيمن خال وله ذؤابة فجلس على فخذ أبي محمد ع فقال لي هذا صاحبكم ثم وثب وقال له يا بني ادخل إلى الوقت المعلوم فدخل إلى البيت وأنا أنظر إليه ثم قال لي يا يعقوب انظر من في هذا البيت فدخلت فلم أر أحدا.

وعن أبي هاشم الجعفري قال قلت لأبي محمد جلالتك تمنعني من مسألتك أفتأذن لي أن أسألك قال سل فقلت يا سيدي هل لك ولد قال نعم قلت فإن حدث أمر فأين أسأله عنه قال بالمدينة.

وعن محمد بن عثمان العمري قال كنا جماعة عند أبي محمد ع وكنا أربعين رجلا فعرض علينا ولده وقال هذا إمامكم من بعدي وخليفتي عليكم فأطيعوه ولا تتفرقوا بعدي فتهلكوا في أديانكم أما إنكم لا ترونه بعد يومكم هذا قال فخرجنا من عنده فما مضت إلا أيام قلائل حتى مضى أبو محمد ع.

وعن موسى بن جعفر بن وهب البغدادي قال سمعت أبا محمد الحسن بن علي ع

٥٢٧

يقول كأني بكم وقد أخلفتم بعدي في الخلف مني أما إن المقر بالأئمة بعد رسول الله ص المنكر لولدي كمن أقر بجميع أولياء الله ورسله ثم أنكر رسول الله ص لأن طاعة آخرنا كطاعة أولنا والمنكر لآخرنا كالمنكر لأولنا أما إن لولدي غيبة يرتاب فيها الناس إلا من عصمه الله.

وعن محمد بن عثمان العمري قال سمعت أبي يقول سئل أبو محمد الحسن بن علي وأنا عنده عن الخبر الذي روي عن آبائه ع أن الأرض لا تخلو من حجة الله على جميع خلقه إلى يوم القيامة وأن من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية فقال إن هذا حق كما أن النهار حق فقيل له يا ابن رسول الله فمن الحجة والإمام بعدك فقال ابني محمد هو الإمام والحجة بعدي فمن مات ولم يعرفه مات ميتة جاهلية أما إن له غيبة يحار فيها الجاهلون ويهلك فيها المبطلون ويكذب فيها الوقاتون ثم يخرج فكأني أنظر إلى الأعلام البيض تخفق فوق رأسه بنجف الكوفة.

الباب الثالث في بيان وجه الاستدلال بهذه الأخبار الواردة في النصوص على إمامته وذكر أحوال غيبته وما شوهد من دلالاته وبيناته وبعض ما خرج من توقيعاته أربعة فصول :

الفصل الأول في ذكر الدلالة على إثبات غيبته ع وصحة إمامته من جهة الأخبار.

يدل على إمامته ع ما أثبتناه من أخبار النصوص وهي ثلاثة أوجه أحدها النص على عدد الأئمة الاثني عشر وقد جاءت تسميته ع في بعض تلك الأخبار ودل البعض على إمامته بما فيه من ذكر العدد من قبل أنه لا قائل بهذا العدد في الأمة إلا من دان بإمامته وكلما طابق الحق فهو الحق الوجه الثاني النص عليه من جهة أبيه ع خاصة.

الوجه الثالث النص عليه بذكر غيبته وصفتها التي تحصرها ووقوعها على الحد المذكور من غير اختلاف حتى لا تحرم منه شيئا وليس يجوز في العادات أن

٥٢٨

يولد جماعة كذبا فيكون خبرا غير كائن فيتفق في ذلك حسب ما وصفوه فإذا كانت أخبار الغيبة قد سبقت زمان الحجة ع بل زمان أبيه وجده حتى تعلقت الكيسانية بها في إمامة ابن الحنفية والناووسية والممطورة في أبي عبد الله وأبي الحسن موسى ع وخلدها المحدثون من الشيعة في أصولهم المؤلفة في أيام السيدين الباقر والصادق ع وآثروها عن النبي ص والأئمة ع واحدا بعد واحد صح بذلك القول في إمامة صاحب الزمان ع بوجود هذه الصفة له والغيبة المذكورة في دلائله وإعلام إمامته وليس يمكن أحدا دفع ذلك.

ومن جملة ثقات المحدثين والمصنفين من الشيعة الحسن بن محبوب الزراد وقد صنف المشيخة الذي هو في أصول الشيعة أشهر من كتاب المزني وأمثاله قبل زمان الغيبة بأكثر من مائة سنة فذكر فيه بعض ما أوردناه من أخبار الغيبة فوافق الخبر المخبر وحصل كلما تضمنه الخبر بلا اختلاف.

ومن جملة ما رواه عن إبراهيم بن الحارثي وعن أبي بصير عن أبي عبد الله ع قال قلت كان أبو جعفر ع يقول ـ لقائم آل محمد غيبتان واحدة طويلة والأخرى قصيرة قال فقال لي نعم يا أبا بصير إحداهما أطول من الأخرى ثم لا يكون ذلك يعني ظهوره حتى يختلف ولد فلان وتضيق الخليفة ويظهر السفياني ويشتد البلاء ويشمل الناس موت وقتل ويلجئون منه إلى حرم الله تعالى وحرم رسوله ص.

فانظر كيف حصلت الغيبتان لصاحب الأمر ع على حسب ما تضمنته الأخبار الواردة السابقة لوجوده عن آبائه وجدوده ع أما غيبته القصرى منهما فهي التي كانت فيها سفراؤه ع موجودين وأبوابه معروفين لا تختلف الإمامية القائلون بإمامة الحسن بن علي ع فيهم منهم أبو هاشم داود بن القاسم الجعفري ومحمد بن علي بن بلال وأبو عمرو عثمان بن سعيد السمان وابنه أبو جعفر محمد بن عثمان رضي الله عنهما وعمر الأهوازي وأحمد بن إسحاق وأبو محمد الوجناني وإبراهيم بن مهزيار ومحمد بن إبراهيم في جماعة أخرى ومن

٥٢٩

يأتي ذكرهم عند الحاجة إليهم في الرواية عنهم.

وكانت مدة الغيبة أربعا وسبعين سنة وكان أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري قدس الله روحه بابا لأبيه وجده ع من قبل وثقة لهما ثم تولى من قبله وظهرت المعجزات على يده ولما مضى لسبيله قام ابنه أبو جعفر محمد مقامه بنصه عليه ومضى على منهاج أبيه رضي الله عنه في آخر جمادى الآخرة من سنة أربع أو خمس وثلاثمائة وقام مقامه أبو القاسم الحسين بن روح من بني نوبخت بنص من أبي جعفر محمد بن عثمان عليه فأقامه مقام نفسه ومات رضي الله عنه في شعبان سنة ست وعشرين وثلاثمائة وقام مقامه أبو الحسن علي بن محمد السمري بنص من أبي القاسم عليه وتوفي في النصف من شعبان سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة.

وروي عن أبي محمد الحسن بن أحمد المكتب أنه قال كنت بمدينة السلام في السنة التي مات فيها علي بن محمد السمري فحضرته قبل وفاته بيوم وأخرج إلى الناس توقيعا نسخته.

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) يا علي بن محمد أعظم الله أجر إخوانك فيك فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام فاجمع أمرك ولا توص إلى أحد يقوم مقامك بعد وفاتك فقد وقعت الغيبة التامة فلا ظهور إلا بعد إذن الله تعالى وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلب وامتلاء الأرض جورا وسيأتي من شيعتي من يدعي المشاهدة ألا فمن يدعي المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذاب مفتر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

قال فاستنسخنا هذا التوقيع وخرجنا من عنده فلما كان في اليوم السادس عدنا إليه وهو يجود بنفسه فقيل له من وصيك فقال لله أمر هو بالغه وقضى. فهذا آخر الكلام الذي سمع منه ثم حصلت الغيبة الطولى التي نحن في أزمانها والفرج يكون في آخرها بمشية الله تعالى.

الفصل الثاني في ذكر بعض ما روي من دلائله ع وبيناته.

وذكر في هذا الفصل أخبارا قد تقدم ذكرها من أمور أخبر عنها ع مثل

٥٣٠

الدراهم التي حملت إليه ورد منها أربع مائة درهم وقال أخرج منها فإنها حق ابنك ففعل ذلك وأمثالها وقد تقدمت.

الفصل الثالث في ذكر بعض التوقيعات الواردة منه ع.

. قال محمد بن عثمان العمري خرج توقيع بخط أعرفه من سماني في مجمع من الناس باسمي فعليه لعنة الله. قال أبو علي محمد بن همام وكتبت أسأله عن ظهور الفرج متى يكون فخرج التوقيع كذب الوقاتون.

إسحاق بن يعقوب قال سألت محمد بن عثمان العمري رضي الله عنه أن يوصل لي كتابا سألت فيه عن مسائل أشكلت علي فورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان ع أما ما سألت عنه أرشدك الله وثبتك من أمر المنكرين لي من أهل بيتنا وبني عمنا فاعلم أنه ليس بين الله وبين أحد قرابة ومن أنكرني فليس مني وسبيله سبيل ابن نوح ع.

وأما سبيل عمي جعفر وولده فسبيل إخوة يوسف ع

وأما الفقاع فشربه حرام ولا بأس بالشلماب (١)

وأما أموالكم فما نقبلها إلا لتطهر فمن شاء فليصل ومن شاء فليقطع فما آتانا الله (خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ).

وأما ظهور الفرج فإنه إلى الله تعالى ذكره وكذب الوقاتون.

وأما قول من زعم أن الحسين ع لم يقتل فكفر وتكذيب وضلال

وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله عليهم.

__________________

(١) هذا هو الظاهر الموافق للمصدر ولرواية الشيخ (ره) في كتاب الغيبة والشلماب على ما حكى عن بعض الأطباء : شربة تتخذ من مطبوخ الشلجم. وفي رواية الصدوق في الاكمال «شلمك» وفي بعض نسخه «سلمك» بالسين وهو على ما قيل :

نبت فيه مادة مسكرة وفي بعض نسخ الكتاب كنسخة الوسائل «سلمان» وفي آخر «سلمانى» ولم أقف فيه ـ على اختلاف النسخ ـ على معنى يناسب المقام.

٥٣١

وأما محمد بن عثمان العمري رضي الله عنه وعن أبيه من قبل فإنه ثقتي وكتابه كتابي وأما محمد بن علي بن مهزيار الأهوازي فيصلح الله قلبه ويزيل عنه شكه.

وأما وصلتنا به فلا قبول عندنا إلا لما طاب وطهر وثمن المغنية حرام.

وأما محمد بن شاذان بن نعيم فهو رجل من شيعتنا أهل البيت.

وأما أبو الخطاب محمد بن أبي ربيب الأجذع فهو ملعون وأصحابه ملعونون فلا تكلموا أهل مقالته فإني منهم بريء وآبائي ع منهم براء وأما المتلبسون بأموالنا فمن استحل منها شيئا فأكله فإنما يأكل النيران.

وأما الخمس فقد أبيح لشيعتنا وجعلوا منه في حل إلى وقت ظهور أمرنا لتطيب ولادتهم ولا تخبث.

وأما ندامة قوم شكوا في دين الله على ما وصلونا به فقد أقلنا من استقال ولا حاجة لنا في صلة الشاكين.

وأما علة ما وقع من الغيبة فإن الله عزوجل يقول (لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ) إنه لم يكن أحد من آبائي إلا وقد وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه وإني أخرج حين أخرج ولا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي.

وأما وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس إذا غيبتها السحاب عن الأبصار وإني لأمان أهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء فاغلقوا باب السؤال عما لا يعنيكم ولا تكلفوا علم ما قد كفيتم وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج فإن ذلك فرجكم والسلام عليك يا إسحاق بن يعقوب و (عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى) الفصل الرابع في ذكر أسماء الذين شاهدوا الإمام ع ورأوا دلائله وخرج إليهم توقيعاته وبعضهم وكلاؤه.

الشيخ أبو جعفر قدس الله روحه عن محمد بن أبي عبد الله الكوفي أنه ذكر عدد من انتهى إليه ممن وقف على معجزات صاحب الزمان ع ورآه من الوكلاء ببغداد العمري وابنه وحاجز والبلالي والعطار ومن الكوفة العاصمي ومن

٥٣٢

أهل الأهواز محمد بن إبراهيم بن مهزيار ومن أهل قم محمد بن إسحاق ومن أهل همدان محمد بن صالح ومن أهل الري البسامي والأسدي يعني نفسه ومن أهل آذربيجان القاسم بن العلاء ومن نيسابور محمد بن شاذان ومن غير الوكلاء من أهل بغداد أبو القاسم بن أبي حابس (١) وأبو عبد الله الكندي وأبو عبد الله الجنيدي وهارون القزاز والنيلي وأبو القاسم بن رئيس وأبو عبد الله بن فروخ ومسرور الطباخ مولى أبي الحسن ع وأحمد ومحمد ابنا الحسن وإسحاق الكاتب من بني نوبخت وصاحب الفراء وصاحب الصرة المختومة ومن همدان محمد بن كشمرد وجعفر بن حمدان ومن الدينور حسن بن هارون وأحمد أخوه وأبو الحسن ومن أصفهان ابن باذشالة ومن الصيمرة زيدان ومن قم الحسن بن نصر ومحمد بن محمد وعلي بن محمد بن إسحاق وأبوه والحسن بن يعقوب ومن أهل الري القاسم بن موسى وابنه وابن محمد بن هارون وصاحب الحصاة وعلي بن محمد ومحمد بن محمد الكليني وأبو جعفر الرقا ومن قزوين مرداس وعلي بن أحمد ومن فارس (٢) رجلان ومن شهر زور ابن الحال [ابن الجمال] ومن قدس (٣) المجروح ومن مرو صاحب الألف دينار وصاحب المال والرقعة البيضاء وأبو ثابت ومن نيسابور محمد بن شعيب بن صالح ومن اليمن الفضل بن يزيد والحسن ابنه والجعفري وابن الأعجمي والشمشاطي ومن مصر صاحب المولودين وصاحب المال بمكة وأبو رجاء ومن نصيبين أبو محمد بن الوجناء ومن أهل الأهواز الحصيني.

الباب الرابع في ذكر علامات قيام القائم ع ومدة أيام ظهوره وطريقه وأحكامه وسيرته عند قيامه وصفته وحليته وهو أربع فصول :

أول في ذكر علامات خروجه ع ذكر رحمه‌الله في هذا الفصل بعض ما تقدم ذكره من العلامات التي أوردوها متقدمة على ظهوره.

__________________

(١) وفي بعض النسخ «أبى جليس» مكان «أبى حالس».

(٢) وفي المصدر «قابس» بدل «فارس».

(٣) وفي المصدر «فارس» بدل «قدس».

٥٣٣

الفصل الثاني في ذكر السنة التي يقوم فيها الإمام القائم ع.

عن أبي عبد الله ع قال لا يخرج القائم إلا في وتر من السنين سنة إحدى أو ثلاث أو خمس أو سبع أو تسع.

وقال أبو عبد الله ع ينادى باسم القائم في ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان ويقوم يوم عاشوراء وهو اليوم الذي قتل فيه الحسين ع كأني به يوم السبت العاشر من المحرم قائم بين الركن والمقام ـ جبرئيل ع بين يديه ينادي بالبيعة ليمضين إليه شيعته من أطراف الأرض تطوى لهم طيا حتى يبايعوه فيملأ الله به الأرض عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا.

الفصل الثالث في ذكر نبذ من سيرته عند قيامه وطريقة أحكامه ووصف زمانه ومدة أيامه ع.

ذكر رحمه‌الله في هذا الفصل ما تقدم ذكره من خروجه ووصف وصوله النجف والملائكة معه وإنفاذه الجنود إلى الأمصار ودخوله الكوفة وبها الرايات واضطرابها وأنها تصفوا له ع ويأتي المنبر فلا يدرى ما يقول من البكاء ويحيط مسجدا على الغري فيصلي بالناس الجمعة وقد تقدم ذكر ذلك مفصلا.

وعن أبي جعفر ع قال القائم منا منصور بالرعب مؤيد بالنصر تطوى له الأرض وتظهر له الكنوز ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب ويظهر الله دينه (عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) فلا يبقى على وجه الأرض خراب إلا عمر وينزل روح الله عيسى ابن مريم فيصلي خلفه قال الراوي فقلت له يا ابن رسول الله ومتى يخرج قائمكم قال إذا تشبه الرجال بالنساء والنساء بالرجال واكتفى الرجال بالرجال والنساء بالنساء وركب ذوات الفروج السروج وقبلت شهادات الزور وردت شهادات العدول واستخف الناس بالرياء وارتكاب الزناء وأكل الربا واتقي الأشرار مخالفة ألسنتهم وخرج السفياني من الشام واليماني من اليمن خسف بالبيداء وقتل غلام من آل محمد بين الركن والمقام اسمه محمد بن الحسن النفس الزكية وجاءت صيحة من السماء بأن الحق معه ومع شيعته

٥٣٤

فعند ذلك خروج قائمنا فإذا خرج أسند ظهره إلى الكعبة واجتمع إليه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا فأول ما ينطق به هذه الآية (بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) ثم يقول أنا بقية الله وخليفته وحجته عليكم فلا يسلم عليه مسلم إلا قال السلام عليك يا بقية الله في الأرض فإذا اجتمع له العقد عشرة آلاف رجل فلا يبقى في الأرض معبود من دون الله من صنم إلا وقعت فيه نار فاحترق وذلك بعد غيبة طويلة ليعلم الله من يطيعه بالغيب ويؤمن به وقد تقدم هذا وأمثاله

الفصل الرابع في ذكر صفة القائم وحليته ع روى في ذلك ما أوردناه آنفا كسؤال عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن اسمه وصفته.

الباب الخامس في ذكر مسائل يسأل عنها أهل الخلاف في غيبة صاحب الزمان وحل الشبهات فيها بواضح الدليل ولائح البرهان وهي سبع مسائل

مسألة قالوا ما الوجه في غيبته ع عن الاستمرار والدوام حتى صار ذلك سببا لإنكار وجوده ونفي ولادته وكيف يجوز أن يكون إماما للخلق وهو لم يظهر قط لأحد منهم وآباؤه ع وإن لم يظهروا الدعاء إلى نفوسهم فيما يتعلق بالإمامة فقد كانوا ظاهرين يفتون في الأحكام لا يمكن أحد نفي وجودهم وإن نفى إمامتهم.

الجواب قد ذكر الأجل المرتضى قدس الله روحه في ذلك طريقا ولم يسبقه إليها أحد من أصحابنا فقال إن العقل إذا دل على وجوب الإمامة فإن كل زمان كلف فيه المكلفون الذين يقع منهم القبيح والحسن وتجوز عليهم الطاعة والمعصية لا يخلو من إمام لأن خلوه من الإمام إخلال بتمكينهم وقادح في حسن تكليفهم ثم دل العقل على أن ذلك الإمام لا بد أن يكون معصوما من الخطإ مأمونا من كل قبيح وثبت أن هذه الصفة التي دل العقل على وجوبها لا توجد إلا فيمن تدعي الإمامية إمامته ويعرى منها كل من تدعى له الإمامة سواء.

فالكلام في علة غيبته وسببها واضح بعد أن تقررت إمامته لأنا إذا علمنا أنه الإمام دون غيره ورأيناه غائبا عن الأبصار علمنا أنه لم يغب مع عصمته وتعين فرض

٥٣٥

الإمامة فيه وعليه إلا لسبب اقتضى ذلك ومصلحة استدعته وضرورة حملت عليه وإن لم يعلم وجهه على التفصيل لأن ذلك مما لا يلزم علمه وجرى الكلام في الغيبة ووجهها مجرى العلم بمراد الله تعالى من الآيات المتشابهات في القرآن التي ظاهرها الجبر والتشبيه فإنا نقول إذا علمنا حكم الله سبحانه وأنه لا يجوز أن يخبر بخلاف ما هو عليه من الصفات علمنا على الجملة أن لهذه الآيات وجوها صحيحة بخلاف ظاهرها وتطابق مدلول أدلة العقل وإن غاب عنا العلم بذلك مفصلا فإن تكلفنا الجواب عن ذلك وتبرعنا بذكره فهو فضل منا غير واجب علينا وكذلك الجواب لمن سأل عن الوجه في إيلام الأطفال وجهة المصلحة في رمي الجمار والطواف وما أشبه ذلك من العبادات على التفصيل والتعيين فإنا إذا عولنا على حكمة القديم سبحانه وأنه لا يجوز أن يفعل قبيحا فلا بد من وجه حسن في جميع ذلك وإن جهلناه بعينه فليس يجب علينا بيان ذلك الوجه وفي هذا سد الباب على مخالفينا في سؤالاتهم وقطع التطويلات عليهم والإسهابات إلا إنا نتبرع بإيراد.

الوجه في غيبته ع على سبيل الاستظهار وبيان الاقتدار وإن كان ذلك غير واجب علينا في حكم النظر والاعتبار فنقول الوجه في غيبته هو خوفه على نفسه ومن خاف على نفسه احتاج إلى الاستتار فأما لو كان خوفه على ماله أو على الأذى في نفسه لوجب عليه أن يحمل ذلك كله ليروح عليه المكلفون في تكليفهم وهذا كما نقوله في النبي ص في أنه يجب عليه أن يحمل كل أذى في نفسه حتى يصح منه الأداء إلى الخلق ما هو لطف لهم وإنما يجب عليه الظهور وإن أدى إلى قتله كما ظهر كثير من الأنبياء وإن قتلوا لأن هناك كان في المعلوم أن غير ذلك النبي يقوم مقامه في تحمل أعباء النبوة وليس كذلك حال إمام الزمان ع فإن الله تعالى علم أنه ليس بعده من يقوم مقامه في باب الإمامة والشريعة على ما كانت عليه واللطف بمكانه لم يتغير فلا يجوز ظهوره إذا أدى إلى القتل وإنما كان آباؤه ع ظاهرين بين الناس بعيونهم يعاشرونهم ولم يظهر هو لأن خوفه ع أكثر لأن الأئمة الماضين من آبائه ع أسندوا إلى شيعتهم أن صاحب السيف هو الثاني عشر منهم وأنه الذي يملأ

٥٣٦

الأرض عدلا وشاع ذلك في مذهبهم حتى ظهر ذلك القول بين أعدائهم فكان السلاطين الظلمة يتوقفون عن إتلاف آبائه لعلمهم بأنهم لا يخرجون ويتشوقون إلى حصول الثاني عشر ليقتلوه ويبيدوه.

ألا ترى أن السلطان في الوقت الذي توفي فيه الحسن بن علي العسكري ع وكل بداره وجواره من يتفقد حملهن لكي يظفر بولده وبقيته كما أن فرعون موسى لما علم أن ذهاب ملكه على يد موسى ع منع الرجال من أزواجهم ووكل بذوات الأحمال منهن ليظفر به وكذلك نمرود لما علم أن ملكه يزول على يد إبراهيم ع وكل بالحبالى من نساء قومه وفرق بين الرجال وأزواجهم فستر الله ولادة إبراهيم وموسى ع كما ستر ولادة القائم ع لما علم في ذلك من التدبير وأما كون غيبته سببا لنفي ولادته فإن ذلك لضعف البصيرة والتقصير عن النظر وعلى الحق فيه دليل واضح لمن أراده ظاهر لمن قصده.

قال الفقير إلى الله تعالى علي بن عيسى أثابه الله تعالى ومما يؤيد ما ذكره الشيخ عن السيد رحمهما‌الله تعالى أن النبي ص احتمل الأذى في نفسه الكريمة وكذب فيما ادعاه وبالغ كفار قريش واليهود في ذمه والوقيعة فيه بأنواع من الأذى حتى قال ما أوذي نبي مثل ما أوذيت وكان يحتمل ذلك ويصبر عليه فلما أرادوا قتله وإعدامه أمره الله بالهجرة ففر إلى الغار ونام علي ع على فراشه وإنما لم يصبر ولو قتل كما صبر غيره من الأنبياء وقتلوا لأنه كان ع خاتم الأنبياء ولم يكن له بعده من يقوم مقامه في تأدية الرسالة والتبليغ فلهذا غاب عنهم وهذه أشبه الأحوال بحال الإمام ع في غيبته والعجب إخلال السيد رحمه‌الله به مع دلالته على ما أصله.

مسألة ثانية قالوا إذا كان الإمام غائبا بحيث لا يصل إليه أحد من الخلق ولا ينتفع به فما الفرق بين وجوده وعدمه وألا جاز أن يميته الله أو يعدمه حتى إذا علم أن الرعية تمكنه وتسلم له أوجده وأحياه كما جاز أن يبيحه الاستتار حتى يعلم منهم التمكين له فيظهره.

٥٣٧

الجواب أول ما نقوله إنا لا نقطع على أن الإمام لا يصل إليه أحد فهذا أمر غير معلوم ولا سبيل إلى القطع به ثم إن الفرق بين وجوده غائبا عن أعدائه للتقية وهو في أثناء تلك الغيبة منتظر أن يمكنوه فيظهر ويتصرف وبين عدمه واضح وهو أن الحجة لازمة لله تعالى وهاهنا الحجة لازمة للبشر لأنه إذا أخيف فغيب شخصه عنهم كان ما يفوتهم من المصلحة عقيب فعل كانوا هم السبب فيه منسوبا إليهم فيلزمهم في ذلك الذم وهم المؤاخذون به الملومون عليه وإذا أعدمه الله تعالى كان ما يفوت من مصالحهم ويحرمونه من لطفهم وانتفاعهم به منسوبا إلى الله تعالى ولا حجة فيه على العباد ولا لوم يلزمهم لأنه لا يجوز أن يكون إخافتهم إياه لا يجوز فعلا لله تعالى. قال الفقير إلى الله تعالى ـ علي بن عيسى أثابه الله وعفا عنه إن قال قائل كيف يقول الطبرسي رحمه‌الله تعالى إنا لا نقطع على أن الإمام لا يصل إليه أحد إلى آخره ويلزمه القطع بذلك لأنه قال قبل هذا بقليل فيما حكاه عن توقيعاته ع فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذاب مفتر والذي أراه أنه إن كان يراه أحد فقد علم منهم أنهم لا يدعون رؤيته ومشاهدته وأن الذي يدعيها كذاب فلا مناقضة إذا والله أعلم. (١)

مسألة ثالثة قالوا فالحدود التي تجب على الجناة في حال الغيبة ما حكمها فإن قلتم تسقط عن أهلها فقد صرحتم بنسخ الشريعة وإن كانت ثابتة فمن الذي يقيمها والإمام مستتر غائب.

الجواب الحدود المستحقة ثابتة في حياته فإن ظهر الإمام ومستحقوها

__________________

(١) ويمكن أن يكون المراد من قوله (ع) «فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذاب» ادعاء المشاهدة على طريق السفارة والوكالة كمحمّد بن عثمان العمرى وغيره لا المشاهدة ولو لغير هذه الجهة ككثير من الاعلاء والمرضى وغيرهم ممن التجأ وا إليه صلوات اللّه عليه في حاجتهم ورأوه بالعيان وقد ذكر بعض قصتهم المؤلّف (ره) قبل ذلك أيضا والشاهد على ذلك ان هذا التوقيع انما ورد منه (ع) عند انقضاء السفارة والنيابة الخاصّة وسيأتي كلام الشريف المرتضى قدّس سرّه في ذلك.

٥٣٨

باقون أقامها عليهم بالبينة والإقرار فإن فات ذلك بموتهم كان الإثم في تفويت إقامتها على المخيفين للإمام المحوجين له إلى الغيبة وليس هذا بنسخ للشريعة لأن الحد إنما يمكن إقامته مع التمكن وزوال الموانع وسقوط فرض إقامته مع الموانع وزوال التمكن لا يكون نسخا للشرع المقرر لأن الشرط في الوجوب لم يحصل وإنما يكون نسخا لو سقط فرض إقامتها من الإمام مع تمكنه على أن هذا يلزم مخالفينا إذا قيل لهم كيف الحكم في الحدود في الأحوال التي لا يتمكن فيها أهل الحل والعقد من اختيار الإمام ونصبه وهل يبطل أو يثبت تعذر إقامتها وهل يقتضي هذا القدر نسخ الشريعة فكلما أجابوا به عن ذلك فهو جوابنا بعينه. قال الفقير إلى الله تعالى ـ علي بن عيسى أثابه الله تعالى لا معنى لإيرادهم الحدود وإقامتها في زمانه ع دون أزمنة آبائه ع فإنهم كانوا حاضرين مشاهدين وأيديهم مكفوفة عن الأمور ولم يكن كف أيديهم قدحا فيهم ولا قال قائل إن سكوتهم عن إقامتها نسخ الشريعة فكيف يقال عنه وهو أشد خوفا من آبائه ع وعلي ع في أيام خلافته وأمره لم يتمكن من كثير من إرادته فليسع المهدي ع من العذر ما وسعهم فإنه لا ينسب إلى الساكت قول وهذا واضح.

مسألة رابعة فإن قالوا فالحق مع غيبته كيف يدرك فإن قلتم لا يدرك ولا يوصل إليه فقد جعلتم الناس في حيرة وضلالة مع الغيبة وإن قلتم لا يدرك الحق إلا من جهة الأدلة المنصوص بها عليه فقد صرحتم بالاستغناء عن الإمام بهذه الأدلة وهذا يخالف مذهبكم.

الجواب أن الحق على ضربين عقلي وسمعي فالعقلي يدرك بالعقل ولا يؤثر فيه وجود الإمام ولا فقده والسمعي عليه أدلة منصوبة من أقوال النبي ص ونصوصه وأقوال الأئمة الصادقين ع وقد بينوا ذلك وأوضحوه غير أن ذلك وإن كان على ما قلناه فالحاجة إلى الإمام مع ذلك ثابتة لأن وجه الحاجة إليه المستمرة في كل عصر وعلى كل حال هو كونه لطفا لنا في فعل الواجب العقلي من

٥٣٩

الإنصاف والعدل واجتناب الظلم والبغي وهذا مما لا يقوم غيره مقامه فيه فأما الحاجة إليه من جهة الشرع فهي أيضا ظاهرة لأن النقل الوارد عن النبي والأئمة ع يجوز أن يغفل الناقلون عن ذلك إما بتعمد أو اشتباه فينقطع النقل أو يبقى فيمن ليس نقله حجة ولا دليلا فيحتاج حينئذ إلى الإمام ليكشف ذلك ويبينه وإنما يثق المكلفون بما نقل إليهم وأنه جميع الشرع لعلمهم بأن وراء هذا النقل إماما متى اختل سد خلله وبين المشتبه فيه فالحاجة إلى الإمام ثابتة مع إدراك الحق في أحوال الغيبة من الأدلة الشرعية على أنا إذا علمنا بالإجماع أن التكليف لازم لنا إلى يوم القيامة ولا يسقط بحال علمنا أن النقل الشرعية لا ينقطع في حال تكون تقية الإمام فيها مستمرة وخوفه من الأعداء باقيا ولو اتفق ذلك لما كان إلا في حال يتمكن فيها الإمام من البروز والظهور والإعلام والإنذار.

مسألة خامسة قالوا إذا كانت العلة في غيبته خوفه من الظالمين واتقاؤه من المخالفين فهذه العلة منفية عن أوليائه فيجب أن يكون ظاهرا لهم أو يجب أن يسقط عنهم التكليف الذي إمامته لطف فيه.

الجواب أنه قد أجاب أصحابنا عن هذا السؤال بأجوبة.

أحدها أن الإمام ليس في تقية عن أوليائه وغاب عنهم كغيبته عن أعدائه لخوفه من إيقاعهم الضرر به وعلمه أنه لو ظهر لهم لسفكوا دمه وغيبته عن أوليائه لغير هذه العلة والاحتجاج بوجوده فيؤدي ذلك إلى علم أعدائه بمكانه فيعقب علمهم بذلك ما ذكرناه من وقوع الضرر به.

وثانيها أن غيبته عن أعدائه للتقية منهم وغيبته عن أوليائه للتقية عليهم والإشفاق من إيقاع الضرر بهم إذ لو ظهر للقائلين بإمامته وشاهده بعض أعدائه وأذاع خبره وطولب أولياؤه به فإذا فات الطالب بالاستتار أعقب ذلك عظيم الضرر بأوليائه وهذا معروف في العادات.

وثالثها أنه لا بد أن يكون في المعلوم أن في القائلين بإمامته من لا يرجع عن الحق من اعتقاد إمامته والقول بصحتها على حال من الأحوال فأمره الله تعالى

٥٤٠