كشف الغمّة في معرفة الأئمّة - ج ٢

أبي الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح الاربلي

كشف الغمّة في معرفة الأئمّة - ج ٢

المؤلف:

أبي الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح الاربلي


المحقق: السيد هاشم الرسولي المحلاتي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة بني هاشمي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٦٠
الجزء ١ الجزء ٢

علي بن الحسين وهو ابن ثمان وخمسين سنة وأنا اليوم ابن ثمان وخمسين سنة. وعن عمرو بن خالد قال حدثني زيد بن علي وهو آخذ بشعره عن علي بن الحسين وهو آخذ بشعره عن الحسين بن علي وهو آخذ بشعره قال من آذى شعرة مني فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ومن آذى الله تعالى لعنه الله ملء السماوات والأرض.

" وعن الحكم بن عيينة في قوله تعالى (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ) قال كان والله محمد بن علي منهم.

وعن سلمى مولاة أبي جعفر قالت كان يدخل عليه إخوانه فلا يخرجون من عنده حتى يطعمهم الطعام الطيب ويلبسهم الثياب الحسنة ويهب لهم الدراهم قالت فأقول له في بعض ما يصنع فيقول يا سلمى ما يؤمل في الدنيا بعد المعارف والإخوان.

وعن الأسود بن كثير وقد تقدمت وفيه فإذا نفذت فأعلمني.

وعن الحجاج بن أرطاة قال قال أبو جعفر يا حجاج كيف تواسيكم قلت صالح يا با جعفر قال يدخل أحدكم يده في كيس أخيه فيأخذ حاجته إذا احتاج إليه قلت أما هذا فلا فقال أما لو فعلتم ما احتجتم.

عن أبي حمزة الثمالي قال حدثني أبو جعفر محمد بن علي ع قال لا تصحبن خمسة ولا تحادثهم ولا تصاحبهم في طريق وقد سبق ذكره في أخبار أبيه ع.

وعن حسين بن حسن قال كان محمد بن علي يقول سلاح اللئام قبيح الكلام.

وعن جابر الجعفي قال قال لي محمد بن علي يا جابر إني لمحزون وإني لمشتغل القلب قلت وما حزنك وما شغل قلبك قال يا جابر إنه من دخل قلبه صافي خالص دين الله شغله عما سواه يا جابر ما الدنيا وما عسى أن يكون إن هو إلا مركب ركبته أو ثوب لبسته أو امرأة أصبتها يا جابر إن المؤمنين لم يطمئنوا إلى الدنيا لبقاء فيها ولم يأمنوا قدوم الآخرة عليهم ولم يصمهم عن ذكر الله ما

__________________

(١) الحجر : ٧٥.

١٢١

سمعوا بآذانهم من الفتنة ولم يعمهم عن نور الله ما رأوا بأعينهم من الزينة ففازوا بثواب الأبرار وإن أهل التقوى أيسر أهل الدنيا مئونة وأكثرهم لك معونة إن نسيت ذكروك وإن ذكرت أعانوك قوالين بحق الله عزوجل قوامين بأمر الله قطعوا محبتهم لمحبة ربهم ونظروا إلى الله وإلى محبته بقلوبهم وتوحشوا من الدنيا بطاعة مليكهم وعلموا أن ذلك منظور إليه من شأنهم فأنزل الدنيا بمنزل نزلت به وارتحلت عنه أو كمال أصبته في منامك فاستيقظت وليس معك منه شيء احفظ الله ما استرعاك من دينه وحكمته.

قلت قوله ع فأنزل الدنيا هو معنى قول النبي ص : ما لي وللدنيا إنما مثلي ومثل الدنيا كراكب قال (١) تحت شجرة ساعة ثم فارقها ومضى ومنبع الكلامين واحد وهذا الولد من ذلك الوالد.

وروى عن أبي جعفر بسند رفعه إليه قال إذا أردت أن تلقي الحب في الأرض فخذ قبضة من ذلك البذر ثم استقبل القبلة ثم قل (أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ) ثم تقول لا بل الله الزارع لا فلان وتسمي باسم صاحبه ثم قل اللهم صل على محمد وآل محمد واجعله مباركا وارزقه السلامة والسرور والعافية والغبطة ثم ابذر البذر الذي بيدك وسائر البذر.

١٤ ـ وعن أبي جعفر ع عن جابر بن عبد الله قال سمعت النبي ص يقول كان فيما أعطى الله عزوجل موسى ع في الألواح الأول (اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ) أقيك المتألف وأنسئ لك في عمرك وأحيك حياة طيبة وأقلبك إلى خير منها آخر كلامه الذي أوردته.

قال الشيخ المفيد رحمه‌الله في إرشاده باب ذكر الإمام القائم بعد علي بن الحسين ع وتاريخ مولده ودلائل إمامته ومبلغ سنه ومدة خلافته ووقت وفاته وسببها وموضع قبره وعدد أولاده ومختصر من أخباره وكان الباقر محمد بن علي بن الحسين ع من بين إخوته خليفة أبيه علي بن الحسين ع والقائم بالإمامة

__________________

(١) من القيلولة.

١٢٢

من بعده وبرز على جماعتهم بالفضل في العلم والزهد والسؤدد وكان أنبههم ذكرا وأجلهم في العامة والخاصة وأعظمهم قدرا ولم يظهر عن أحد من ولد الحسن والحسين ع من علم الدين والآثار والسنن وعلم القرآن والسيرة وفنون الآداب ما ظهر عن أبي جعفر ع.

وروي عنه معالم الدين دون بقايا الصحابة ووجوه التابعين ورؤساء فقهاء المسلمين وصار بالفضل علما لأهله تضرب به الأمثال وتسير بوصفه الآثار والأشعار وفيه يقول القرطي :

يا باقر العلم لأهل التقى

وخير من لبى على الأجبل

وقال مالك بن أعين الجهني يمدحه ع من قصيدة :

إذا طلب الناس علم القرآن

كانت قريش عليه عيالا

وإن قيل أين ابن بنت النبي

نلت بذاك فروعا طوالا

نجوم تهلل للمدلجين

جبال تورث علما جبالا

وولد ع بالمدينة سنة سبع وخمسين من الهجرة وقبض ع بها سنة أربع عشرة ومائة وسنه يومئذ سبع وخمسون سنة وهو هاشمي من هاشميين علوي من علويين (١) وقبره بالبقيع من مدينة الرسول ص.

وروى ميمون القداح عن جعفر بن محمد عن أبيه ع قال دخلت على جابر بن عبد الله رحمة الله عليه فسلمت عليه فرد علي السلام ثم قال لي من أنت وذلك بعد ما كف بصره فقلت محمد بن علي فقال يا بني ادن مني فدنوت منه فقبل يدي ثم أهوى إلى رجلي ليقبلها فتنحيت عنه فقال لي إن رسول الله ص يقرؤك السلام فقلت وعلى رسول الله السلام ورحمة الله وبركاته وكيف ذلك يا جابر فقال كنت معه ذات يوم فقال لي يا جابر لعلك أن تبقى إلى أن تلقى (٢) رجلا من ولدي يقال له محمد بن علي بن الحسين يهب الله له النور والحكمة

__________________

(١) لانتسابه إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله من جهة الأب والام كما عرفت

(٢) وفي بعض النسخ «حتى تلقى».

١٢٣

فاقرأه مني السلام.

وكان في وصية أمير المؤمنين ع إلى ولده ذكر محمد بن علي والوصاة به وسماه رسول الله ص وعرفه بباقر العلم على ما رواه أصحاب الآثار.

ومما روي عن جابر بن عبد الله في حديث مجرد أنه قال قال لي رسول الله ص يوشك أن تبقى حتى تلقى ولدا من الحسين يقال له محمد يبقر علم الدين بقرا فإذا لقيته فاقرأه مني السلام.

وروت الشيعة في خبر اللوح الذي هبط به جبرئيل على رسول الله ص من الجنة وأعطاه فاطمة ع وفيه أسماء الأئمة من بعده فكان فيه محمد بن علي الإمام بعد أبيه.

وروت فيه أيضا أن الله عزوجل أنزل إلى نبيه كتابا مختوما باثني عشر خاتما وأمره أن يدفعه إلى أمير المؤمنين ع ويأمره أن يفض أول خاتم فيه ويعمل بما تحته ثم يدفعه بعد وفاته إلى ابنه الحسن ع ويأمره بفض الخاتم الثاني والعمل بما تحته ثم يدفعه عند حضور وفاته إلى أخيه الحسين ع ويأمره أن يفض الخاتم الثالث ويعمل بما تحته ثم يدفعه الحسين عند وفاته إلى ابنه علي بن الحسين ع ويأمره بمثل ذلك ويدفعه علي بن الحسين عند وفاته إلى ابنه محمد بن علي الأكبر ويأمره بمثل ذلك ثم يدفعه محمد إلى ولده حتى ينتهي إلى آخر الأئمة عليهم‌السلام أجمعين.

ورووا أيضا نصوصا كثيرة عليه بالإمامة بعد أبيه ع عن النبي ص وعن أمير المؤمنين ع وعن الحسن والحسين وعلي بن الحسين ع. وقد روى الناس من فضائله ومناقبه ما يكثر به الخطاب إن أثبتناه وفيما نذكره منه كفاية فيما نقصده في معناه إن شاء الله.

عن عطاء المكي قال ما رأيت العلماء عند أحد قط أصغر منهم عند أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين ولقد رأيت الحكم بن عيينة مع جلالته في القوم بين يديه كأنه صبي بين يدي معلمه وقد تقدم مع خلاف في العبارة.

١٢٤

وكان جابر بن يزيد الجعفي إذا روى عن محمد بن علي ع شيئا قال حدثني وصي الأوصياء ووارث علم الأنبياء محمد بن علي بن الحسين ع.

وروى مخول بن إبراهيم عن قيس بن الربيع قال سألت أبا إسحاق عن المسح على الخفين قال أدركت الناس يمسحون حتى لقيت رجلا من بني هاشم لم أر مثله قط محمد بن علي بن الحسين فسأله عن المسح فنهاني عنه وقال لم يكن علي أمير المؤمنين ع يمسح وكان يقول سبق الكتاب المسح على الخفين (١) قال أبو إسحاق فما مسحت منذ نهاني عنه قال قيس بن الربيع وما مسحت أنا منذ سمعت أبا إسحاق.

وعن أبي عبد الله ع أن محمد بن المنكدر كان يقول ما كنت أرى أن مثل علي بن الحسين يدع خلفا لفضل علي بن الحسين حتى رأيت ابنه محمد بن علي ع فأردت أن أعظه فوعظني فقال له أصحابه بأي شيء وعظك قال خرجت إلى بعض نواحي المدينة في ساعة حارة فلقيت محمد بن علي وكان رجلا بدينا (٢) وهو متكئ على غلامين له أسودين أو موليين له فقلت في نفسي شيخ من شيوخ قريش في هذه الساعة على هذه الحالة في طلب الدنيا أشهد لأعظنه فدنوت منه فسلمت عليه فسلم علي بنهر (٣) وقد تصبب عرقا فقلت أصلحك الله شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة على هذه الحال في طلب الدنيا لو جاءك الموت وأنت على هذه الحال قال فخلى عن الغلامين من يده ثم تساند وقال لو جاءني والله الموت وأنا في هذه الحال جاءني وأنا في طاعة من طاعات الله أكف بها نفسي عنك وعن الناس وإنما كنت أخاف الموت لو جاءني وأنا على معصية من معاصي الله فقلت يرحمك الله أردت أن أعظك فوعظتني

__________________

(١) يعني ان القرآن صرّح بوجوب المسح على الرجلين ولا خفاء في أن الخف غير الرجل فلا يجوز المسح على الخف وحكم اللّه مقدم على حكم الناس بالجواز.

(٢) البدين : السمين الجسيم.

(٣) النهر : الزجر.

١٢٥

وعن معاوية بن عمار الدهني عن محمد بن علي بن الحسين ع في قوله جل اسمه (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (١) قال نحن أهل الذكر.

وقد روى أبو جعفر ع أخبار المبتدأ وأخبار الأنبياء وكتب الناس عنه المغازي وآثروا عنه السير والسنن واعتمدوا عليه في مناسك الحج التي رواها عن النبي ص وكتبوا عنه تفسير القرآن وروت عنه الخاصة والعامة الأخبار وناظر من كان يرد عليه من أهل الآراء وحفظه عن الناس كثيرا من علم الكلام.

وروى الزهري قال حج هشام بن عبد الملك ـ فدخل المسجد الحرام متكئا على يد سالم مولاه ومحمد بن علي بن الحسين ع في المسجد فقال له سالم يا أمير المؤمنين هذا محمد بن علي بن الحسين قال المفتون به أهل العراق قال نعم قال اذهب إليه فقال له يقول لك أمير المؤمنين ما الذي يأكل الناس ويشربون إلى أن يفصل بينهم يوم القيامة فقال له أبو جعفر ع يحشر الناس على أرض مثل قرص نقي (٢) فيها أنهار متفرقة يأكلون ويشربون حتى يفرغ من الحساب قال فرأى هشام أنه قد ظفر به فقال الله أكبر اذهب إليه فقل له ما أشغلهم عن الأكل والشرب يومئذ فقال له أبو جعفر ع هي في النار أشغل ولم يشتغلوا عن أن قالوا (أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ) (٣) فسكت هشام لا يرجع كلاما.

وروى العلماء أن عمرو بن عبيد (٤) وفد على محمد بن علي بن الحسين ع

__________________

(١) النحل : ٤٣ و ـ الأنبياء : ٧.

(٢) قال الجزريّ وفي الحديث يحشر الناس يوم القيمة على ارض بيضاء عفراء كقرصة النقى يعنى الخبز الحوارى. وهو الذي نخل مرة بعد مرة.

(٣) الأعراف : ٥٠.

(٤) عمرو بن عبيد بن باب البصري المتوفّى سنة ١٤٢ وقيل غير ذلك من علماء العامّة ومتكلمهم وكان تلميذ الحسن البصري ولهشام بن الحكم رضي اللّه عنه معه مناظرة لطيفة في امر الإمامة معروفة.

١٢٦

ليمتحنه بالسؤال فقال له جعلت فداك ما معنى قوله تعالى (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما) (١)ما هذا الرتق والفتق فقال له أبو جعفر ع كانت السماء رتقا لا تنزل القطر وكانت الأرض رتقا لا تخرج النبات فانقطع عمرو ولم يجد اعتراضا ومضى.

ثم عاد إليه فقال له أخبرني جعلت فداك عن قوله تعالى (وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى) (٢) ما غضب الله تعالى فقال أبو جعفر ع غضب الله عقابه يا عمرو من ظن أن الله يغيره شيء فقد كفر.

وكان مع ما وصفناه به من الفضل في العلم والسؤدد والرئاسة والإمامة ظاهر الجود في الخاصة والعامة مشهور الكرم في الكافة معروفا بالفضل والإحسان مع كثرة عياله وتوسط حاله.

يروى عن الحسن بن كثير قال شكوت إلى أبي جعفر محمد بن علي ع الحاجة وجفاء الإخوان فقال بئس الأخ أخ يرعاك غنيا ويقطعك فقيرا ثم أمر غلامه فأخرج كيسا فيه سبعمائة درهم وقال استنفق هذه فإذا نفدت فأعلمني.

وعن عمرو بن دينار وعبد الله بن عبيد بن عمير أنهما قالا ما لقينا أبا جعفر محمد بن علي ع إلا وحمل إلينا النفقة والصلة والكسوة ويقول هذه معدة لكم قبل أن تلقوني.

" وعن سليمان بن قرم قال كان أبو جعفر محمد بن علي يجيزنا بالخمسمائة درهم إلى الستمائة درهم إلى الألف درهم وكان لا يمل من صلة إخوانه وقاصديه ومؤمليه وراجيه.

وروي عن آبائه ع أن رسول الله ص كان يقول أشد الأعمال ثلاثة مواساة الإخوان في المال وانصاف الناس من نفسك وذكر الله تعالى على كل حال

__________________

(١) الأنبياء : ٣٠.

(٢) طه : ٨١.

١٢٧

قال الحسن بن صالح سمعت أبا جعفر محمد بن علي يقول ما شيب شيء بشيء أحسن من حلم بعلم.

وروي عنه ع أنه سئل عن الحديث يرسله ولا يسنده فقال إذا حدثتكم بالحديث فلم أسنده فسندي فيه أبي عن جدي عن أبيه عن جده رسول الله ص عن جبرئيل عن الله تعالى.

وكان ع يقول بلية الناس علينا عظيمة إن دعوناهم لم يستجيبوا لنا وإن تركناهم لم يهتدوا بغيرنا.

وكان ع يقول ما ينقم الناس منا أهل بيت الرحمة وشجرة النبوة ومعدن الحكمة وموضع الملائكة ومهبط الوحي.

وتوفي ع وخلف من الولد سبعة أولاد وكان لكل واحد من إخوته فضل وإن لم يبلغ فضله ع لمكانه من الإمامة ورتبته عند الله في الولاية ومحله من النبي ص في الخلافة وكانت مدة إمامته وقيامه مقام أبيه في خلافة الله تعالى على العباد تسع عشرة سنة.

ذكر طرف من أخبارهم ع وكان عبد الله بن علي بن الحسين أخو أبي جعفر ع يلي صدقات رسول الله ص وصدقات أمير المؤمنين ع وكان فاضلا فقيها وروي عن آبائه عن رسول الله ص أخبارا كثيرة وحدث الناس عنه وحملوا عنه الآثار.

فمن ذلك ما هو مرفوع إلى عمارة بن غزيه عن عبد الله بن علي بن الحسين أنه قال : قال رسول الله ص إن البخيل كل البخيل الذي إذا ذكرت عنده لم يصل علي ص.

وعن عبد الله بن سمعان قال لقيت عبد الله بن علي بن الحسين فحدثني عن أبيه عن جده عن أمير المؤمنين ع أنه كان يقطع يد السارق اليمنى في أول سرقته فإن سرق ثانية قطع رجله اليسرى فإن سرق ثالثة خلده السجن.

وكان عمر بن علي بن الحسين فاضلا جليلا وولى صدقات النبي ص وصدقات أمير المؤمنين ع وكان ورعا سخيا.

١٢٨

" روى الحسين بن زيد قال رأيت عمي عمر بن علي بن الحسين يشترط على من ابتاع صدقات علي ع أن يثلم في الحائط كذا وكذا ثلمة ولا يمنع من دخله أن يأكل منه.

" وعن عبيد الله بن حرير القطان قال سمعت عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب يقول المفرط في حبنا كالمفرط في بغضنا لنا حق بقرابتنا من نبينا ع وحق جعله الله لنا فمن تركه ترك عظيما أنزلونا بالمنزل الذي أنزلنا الله به ولا تقولوا فينا ما ليس فينا إن يعذبنا الله فبذنوبنا وإن يرحمنا فبرحمته وفضله.

وكان زيد بن علي بن الحسين عين إخوته بعد أبي جعفر ع وأفضلهم وكان عابدا ورعا فقيها سخيا شجاعا فظهر بالسيف يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويطلب بثارات الحسين ع.

عن أبي الجارود زياد بن المنذر قال قدمت المدينة فجعلت كلما سألت عن زيد بن علي قيل لي ذاك حليف القرآن.

وروى هشام قال سألت خالد بن صفوان عن زيد بن علي وكان يحدثنا عنه فقلت أين لقيته فقال بالرصافة (١) فقلت أي رجل كان فقال كان ما علمت يبكي من خشية الله حتى تختلط دموعه بمخاطه.

واعتقد كثير من الشيعة فيه الإمامة وكان سبب اعتقادهم ذلك فيه خروجه بالسيف يدعو إلى الرضا من آل محمد فظنوه يريد بذلك نفسه ولم يكن يريدها به لمعرفته باستحقاق أخيه الإمامة من قبله ووصيته عند وفاته إلى أبي عبد الله ع ـ وكان سبب خروج أبي الحسين زيد بن علي رضي الله عنه بعد الذي ذكرناه من غرضه في الطلب بدم الحسين ع أنه دخل على هشام بن عبد الملك وقد جمع له هشام أهل الشام وأمر أن يتضايقوا في المجلس حتى لا يتمكن من الوصول إلى قربه فقال له زيد إنه ليس من عباد الله أحد فوق أن يوصى بتقوى الله ولا من عباده أحد دون أن يوصي

__________________

(١) الرصافة ـ بالضم ـ : اسم لمواضع كثيرة بالكوفة والشام وغيرهما.

١٢٩

بتقوى الله وأنا أوصيك بتقوى الله يا أمير المؤمنين فاتقه فقال له هشام أنت المؤهل نفسك للخلافة الراجي لها وما أنت وذاك لا أم لك وإنما أنت ابن أمة فقال له زيد إني لا أعلم أحدا أعظم عند الله منزلة من نبي بعثه الله وهو ابن أمة فلو كان ذلك يقصر عن منتهى غاية لم يبعث وهو إسماعيل بن إبراهيم ع فالنبوة أعظم أم الخلافة يا هشام ـ وبعد فما يقصر برجل أبوه رسول الله ص وهو ابن علي بن أبي طالب أن يكون ابن أمة.

فوثب هشام عن مجلسه ودعا قهرمانه وقال لا يبيتن هذا في عسكري فخرج زيد وهو يقول لم يكره قوم قط حر السيوف إلا ذلوا فلما وصل الكوفة اجتمع إليه أهلها فلم يزالوا به حتى بايعوه على الحرب ثم نقضوا بيعته وأسلموه فقتل رحمة الله عليه. وصلب بينهم أربع سنين لا ينكر أحد منهم ولا يغير بيد ولا لسان ـ ولما قتل بلغ ذلك من أبي عبد الله الصادق ع كل مبلغ وحزن له حزنا عظيما حتى بان عليه وفرق من ماله في عيال من أصيب معه من أصحابه ألف دينار.

روى ذلك أبو خالد الواسطي قال سلم لي أبو عبد الله ع ألف دينار وأمرني أن أقسمها في عيال من أصيب مع زيد فأصاب عيال عبد الله بن الزبير أخي فضيل الريان منها أربعة دنانير وكان مقتله يوم الإثنين لليلتين خلتا من صفر سنة عشرين ومائة وكان سنه يوم قتل اثنتين وأربعين سنة.

وكان الحسين بن علي بن الحسين ورعا فاضلا وروى حديثا كثيرا عن أبيه علي بن الحسين ع وعمته فاطمة بنت الحسين وأخيه أبي جعفر ع ..

" وروى أحمد بن عيسى قال حدثنا أبي قال كنت أرى الحسين بن علي بن الحسين يدعو فكنت أقول لا يضع يده حتى يستجاب له في الخلق جميعا.

" وروى حرب الطحان قال حدثني سعيد صاحب الحسن بن صالح قال لم أر أحدا أخوف من الحسن بن صالح لله تعالى حتى قدمت المدينة فرأيت الحسين بن علي بن الحسين ع فلم أر أحدا أشد خوفا منه كأنما أدخل النار ثم أخرج منها لشدة خوفه.

١٣٠

وعن الحسين بن علي بن الحسين قال كان إبراهيم بن هشام المخزومي واليا على المدينة وكان يجمعنا يوم الجمعة قريبا من المنبر ثم يقع في أمير المؤمنين علي ع ويشتمه قال فحضرت يوما وقد امتلأ ذلك المكان فلصقت بالمنبر فأغفيت فرأيت القبر وقد انفرج وخرج منه رجل عليه ثياب بياض فقال لي يا با عبد الله ألا يحزنك ما يقول هذا قلت بلى والله قال افتح عينيك فانظر ما يصنع الله به فإذا هو قد ذكر عليا ع فرمي من فوق المنبر فمات لعنه الله

باب ذكر ولد أبي جعفر محمد بن علي ع وعددهم وأسمائهم

قد ذكرنا فيما سلف أن ولد أبي جعفر ع سبعة نفر أبو عبد الله جعفر بن محمد ع وكان يكنى به وعبد الله بن محمد أمهما أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر وإبراهيم وعبيد الله درجا أمهما أم حكيم بنت أسد بن المغيرة الثقفية وعلي وزينب لأم ولد وأم سلمة لأم ولد ولم يعتقد في أحد من ولد أبي جعفر الإمامة إلا في أبي عبد الله جعفر بن محمد ع خاصة وكان أخوه عبد الله رضي الله عنه يشار إليه بالفضل والصلاح وروي أنه دخل على بعض بني أمية فأراد قتله فقال له عبد الله رحمة الله عليه لا تقتلني فأكون لله عليك عونا ولكن لك على الله عونا يريد بذلك أنه ممن يشفع إلى الله بذلك فيشفعه فلم يقبل ذلك منه وقال له الأموي لست هناك وسقاه السم فقتله رضي الله عنه آخر قول الشيخ المفيد رحمه‌الله في هذا الباب.

قال الحافظ أبو نعيم في كتاب حلية الأولياء ومنهم الإمام الحاضر الذاكر الخاشع الصابر أبو جعفر محمد بن علي الباقر وكان من سلالة النبوة وجمع حسب الدين والأبوة تكلم ع في العوارض والخطرات وسفح الدموع والعبرات ونهى المراء والخصومات وقيل إن التصوف التعزز بالحضرة والتميز للخطرة.

عن خلف بن حوشب عن أبي جعفر محمد بن علي ع قال الإيمان ثابت في القلب واليقين خطرات فيمر اليقين بالقلب فيصير كأنه زبر الحديد ويخرج منه فيصير كأنه خرقة بالية

١٣١

وعنه ع أنه قال ما دخل قلب أحد شيء من الكبر إلا نقص من عقله مثل ما دخله من ذلك قل ذلك أو كثر.

وعن سفيان الثوري قال سمعت منصورا يقول سمعت محمد بن علي بن الحسين ع يقول الغناء والعز يجولان في قلب المؤمن فإذا وصلا إلى مكان فيه التوكل أوطناه.

وعن زياد بن خثيمة عن أبي جعفر ع قال الصواعق تصيب المؤمن وغير المؤمن ولا تصيب الذاكر.

وعن ثابت عن محمد بن علي بن الحسين ع في قوله تعالى (أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا) قال الغرفة الجنة بما صبروا على الفقر في دار الدنيا.

وعن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر ع في قوله (وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً) قال بما صبروا على الفقر ومصائب الدنيا.

وعن جابر يعني الجعفي قال قال لي محمد بن علي يا جابر إني لمحزون وإني لمشتغل القلب وقد تقدمت قبل.

وعن سعد الإسكاف عن أبي جعفر محمد بن علي ع قال عالم ينتفع بعلمه أفضل من ألف عابد.

وعنه عن أبي جعفر ع قال والله لموت عالم أحب إلى إبليس من موت سبعين عابدا.

وعن يونس بن يعقوب عن أخيه عن أبي جعفر ع قال شيعتنا ثلاثة أصناف صنف يأكلون الناس بنا وصنف كالزجاج يتهشم وصنف كالذهب الأحمر كلما أدخل النار ازداد جوده.

وعن الأصمعي قال قال محمد بن علي لابنه يا بني إياك والكسل والضجر فإنهما مفتاح كل شر إنك إن كسلت لم تؤد حقا وإن ضجرت لم تصبر على حق

__________________

(١) الفرقان : ٧٥.

(٢) الإنسان : ١٢.

١٣٢

وعن حجاج عن أبي جعفر ع قال أشد الأعمال ثلاثة ذكر الله على كل حال وإنصافك من نفسك ومواساة الأخ في المال.

وعن جابر عن أبي جعفر ع قال إن الله عزوجل يلقي في قلوب شيعتنا الرعب فإذا قام قائمنا وظهر مهدينا كان الرجل أجرأ من ليث وأمضى من سنان.

وعن جابر عن أبي جعفر قال شيعتنا من أطاع الله.

وعن جعفر عن أبيه محمد ع قال إياكم والخصومة فإنها تفسد القلب وتورث النفاق

قلت قد صدق ع وبر ومثله من زاد على الناس وأبر وهذه الخصومة يريد بها ع الخصومة في المذاهب والجدل في الاعتقادات فإن المتخاصمين في هذا إما أن يتساووا في القوة فتفسد قلوبهم ويتحاربون دائما وإما أن يضعف قوم عن قوم فيحتاجون إلى النفاق ليكف القوي بما يراه من إظهار الضعف من التودد إليه ولو قيل في كل الخصومات الواقعة بين الناس جاز لاحتمال المعنى لها والله أعلم.

وعن الحكم عن أبي جعفر قال الذين يخوضون في آيات الله هم أصحاب الخصومات.

وقال ع كان نقش خاتم أبي القوة لله جميعا.

وعن أحمد بن بجير قال قال محمد بن علي ع كان لي أخ في عيني عظيم وكان الذي عظمه في عيني صغر الدنيا في عينه.

قلت هذا الكلام طويل وهو منسوب إلى أمير المؤمنين علي ع وهو من محاسن الكلام ومختاره وقد أورده السيد الشريف الرضي الموسوي رضي الله عنه في نهج البلاغة.

وعن ابن المبارك قال قال محمد بن علي بن الحسين ع من أعطي الخلق والرفق فقد أعطي الخير والراحة وحسن حاله في دنياه وآخرته ومن حرم الخلق والرفق كان ذلك سبيلا إلى كل شر وبلية إلا من عصمه الله.

: وأسند أبو جعفر محمد بن علي ع عن جابر بن عبد الله الأنصاري.

١٣٣

وروى عن ابن عباس وأبي هريرة وأبي سعيد الخدري وأنس بن مالك وعن الحسن والحسين ع وأسند عن سعيد بن المسيب وعبد الله بن أبي رافع.

وروى عنه من التابعين عمرو بن دينار وعطاء بن أبي رباح وجابر الجعفي وأبان بن تغلب وروى عنه من الأئمة الأعلام ابن جريج وليث بن أبي سليم وحجاج بن أرطاة في آخرين عن سفيان بن سعيد الثوري.

حدثنا جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله أن النبي ص أمر النفساء أن تحرم وتفيض الماء عليها وعن الثوري أمر أسماء بنت عميس.

وبالإسناد قال كان رسول الله ص يقول في خطبته نحمد الله عزوجل ونثني عليه بما هو له أهل ثم يقول من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل الله فلا هادي له إن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدى محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ثم يقول بعثت أنا والساعة كهاتين وكان إذا ذكر الساعة احمرت وجنتاه وعلا صوته واشتد غضبه كأنه نذير جيش صبحتكم ومستكم ثم قال من ترك مالا فلأهله من ترك ضياعا أو دينا فإلي أو علي أنا ولي المؤمنين صحيح ثابت من حديث محمد بن علي رواه وكيع وغيره عن الثوري.

وبالإسناد قال قال رسول الله ص كيف أنعم وصاحب القرن قد التقمه صاحب الحوت وحنا جبهته وأصغى بسمعه وينتظر متى يؤمر فينفح قالوا يا رسول الله فما تأمرنا قال قولوا (حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) غريب من حديث الثوري عن جعفر تفرد به الرملي عن القرباني ومشهورة ما رواه أبو نعيم وغيره عن الثوري عن الأعمش عن عطية عن أبي سعيد الخدري.

وعن جابر عن جعفر بن محمد قال سمعت رسول الله ص يقول إن ابن آدم لفي غفلة عما خلقه الله له إن الله لا إله غيره إذا أراد خلقه قال للملك اكتب رزقه وأثره وأجله واكتب شقيا أو سعيدا ثم يرتفع ذلك الملك ويبعث إليه ملك

١٣٤

فيحفظه حتى يدرك ثم يبعث إليه ملكين يكتبان حسناته وسيئاته فإذا جاءه الموت ارتفع ذانك الملكان ثم جاءه ملك الموت يقبض روحه فإذا أدخل حفرته رد الروح في جسده ثم يرتفع ملك الموت ثم جاءه ملكا القبر فامتحناه ثم يرتفعان فإذا قامت الساعة انحط عليه ملك الحسنات وملك السيئات وانتشطا كتابا معقودا في عنقه ثم حضرا معه واحد سائق والأخرى شهيد ثم قال الله تعالى (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ). (١)

قال رسول الله ص وقول الله تعالى (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ) (٢)قال حالا بعد حال ثم قال النبي ص إن قدامكم أمرا عظيما فاستعينوا بالله العظيم. وعن أبي جعفر ع عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله ص من كان حسن الصورة في حسب لا يشينه متواضعا كان من خالص الله عزوجل يوم القيامة.

وعن أبي عبد الله عن أبيه أبي جعفر عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين عن أبيه علي بن أبي طالب ع قال قال رسول الله ص من نقله الله عزوجل من ذل المعاصي إلى عز التقوى أغناه بلا مال وأعزه بلا عشيرة وآنسه بلا أنيس ومن خاف الله أخاف الله منه كل شيء ومن لم يخف الله أخافه الله من كل شيء ومن رضي من الله باليسير من الرزق رضي الله منه باليسير من العمل ومن لم يستحي من طلب المعيشة خفت مئونته ورخي باله ونعم عياله ومن زهد في الدنيا ثبت الله الحكمة في قلبه وأنطق بها لسانه وأخرجه من الدنيا سالما إلى دار القرار غريب لم يروه مسندا مرفوعا إلا العترة الطاهرة خلفها عن سلفها. وعن أبي الصلت عبد السلام بن صالح الهروي حدثني علي بن موسى الرضا حدثني أبي موسى بن جعفر حدثني أبي جعفر بن محمد حدثني أبي محمد بن علي حدثني أبي علي بن الحسين حدثني أبي الحسين بن علي حدثني أبي علي بن أبي طالب ع

__________________

(١) سورة ق : ٢٢.

(٢) الانشقاق : ١٩.

١٣٥

قال حدثنا رسول الله ص عن جبرئيل ع قال قال الله عزوجل من قائل إني أنا الله الذي لا إله إلا أنا فاعبدوني من جاءني منكم بشهادة أن لا إله إلا الله بالإخلاص دخل في حصني ومن دخل في حصني أمن من عذابي ثابت مشهور بهذا الإسناد برواية الطاهرين عن آبائهم الطيبين وكان بعض سلفنا من المحدثين إذا روى بهذا الإسناد حديثا قال لو قرئ هذا الإسناد على مجنون لأفاق قال الأنصاري وقال لي أحمد بن رزين ـ سألت الرضا عن الإخلاص فقال طاعة الله.

قلت قد نقلت الحديث المذكور عن الرضا عن آبائه ع من طريق آخر وأنا أذكره إن شاء الله عند بلوغي إلى ذكره ع هذا آخر ما أردت نقله من كتاب حلية الأولياء.

قال الشيخ العالم أبو محمد عبد الله بن أحمد بن أحمد بن أحمد بن الخشاب رحمه‌الله ذكر محمد الباقر بن علي سيد العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب ع.

وبالإسناد الأول عن محمد بن سنان ولد محمد ع قبل مضي الحسين بن علي بثلاث سنين وتوفي وهو ابن سبع وخمسين سنة سنة مائة وأربع عشرة من الهجرة وأقام مع أبيه علي بن الحسين خمسا وثلاثين سنة إلا شهرين وأقام بعد مضي أبيه تسع عشرة سنة وكان عمره سبعا وخمسين سنة وفي رواية أخرى قام أبو جعفر وهو ابن ثمان وثلاثين سنة وكان مولده سنة ست وخمسين وقد أدركه جابر بن عبد الله الأنصاري وهو صغير في الكتاب وأقرأه عن رسول الله ص السلام وقال هكذا أمرني رسول الله ص. رواه أبو الزبير قال كنا عند جابر بن عبد الله فأتاه علي بن الحسين ومعه ابنه محمد بن علي فقال علي لمحمد قبل رأس عمك فدنا محمد من جابر فقبل رأسه فقال جابر من هذا فقال ابني محمد فضمه جابر إليه وقال يا محمد محمد رسول الله ص يقرأ عليك السلام فقيل لجابر وكيف ذاك فقال كنت مع رسول الله والحسين في حجره وهو يلاعبه فقال يا جابر يولد لابني الحسين ابن يقال له علي إذا كان يوم القيامة نادى مناد ليقم سيد العابدين فيقوم

١٣٦

علي بن الحسين ويولد لعلي ابن يقال له محمد يا جابر فإن رأيته فاقرأه مني السلام واعلم أن بقاءك بعد رؤيته يسير فما أتى على جابر أيام يسيرة حتى مات.

قال علي بن عيسى أثابه الله هذه فضيلة من فضائلهم ع ودليل من دلائلهم باق على مر الأيام ومنقبة من مناقبهم المروية على لسان الخاص والعام وعجيبة من عجائبهم التي يشهد بها كل الأقوام.

قال فيه البليغ ما قال ذو العي

فكل بفضله منطيق

وكذاك العدو لم يعد أن

قال جميلا كما يقول الصديق

قال حدثنا بذلك صدقة بن موسى بن تميم بن ربيعة بن ضمرة ثم قال حدثنا أبي عن أبيه عن أبي الزبير عن جابر بذلك.

أم محمد فاطمة أم الحسن بنت الحسن بن علي لقبه باقر العلم والهادي والشاكر ولد له ثلاث بنين وابنة أسماء بنيه ع جعفر الإمام الصادق وعبد الله وإبراهيم وأم سلمة فقط قبره بالبقيع يكنى بأبي جعفر آخر كلامه.

ومن كتاب الدلائل للحميري عن يزيد بن أبي حازم قال كنت عند أبي جعفر فمررنا بدار هشام بن عبد الملك وهي تبنى فقال أما والله لتهدمن أما والله لينقلن ترابها من مهدمتها أما والله لتبدون أحجار الزيت وأنه لموضع النفس الزكية فتعجبت وقلت دار هشام من يهدمها فسمعت أذني هذا من أبي جعفر قال فرأيتها بعد ما مات هشام وقد كتب الوليد في أن تستهدم وينقل ترابها فنقل حتى بدت الأحجار ورأيتها.

وبالإسناد قال كنت مع أبي جعفر فمر بنا زيد بن علي فقال أبو جعفر أما والله ليخرجن بالكوفة وليقتلن وليطافن برأسه ثم أتى به فنصب في ذلك الموضع على قصبة فتعجبنا من القصبة وليس في المدينة قصب أتوا بها معهم.

وعن أبي بصير قال قال أبو جعفر كان فيما أوصى أبي إلي أن قال يا بني إذا أنا مت فلا يلي غسلي أحد غيرك فإن الإمام لا يغسله إلا إمام واعلم أن عبد الله أخاك سيدعو

١٣٧

الناس إلى نفسه فدعه فإن عمره قصير فلما مضى أبي وغسلته كما أمرني وادعى عبد الله الإمامة مكانه فكان كما قال أبي وما لبث عبد الله إلا يسيرا حتى مات وكانت هذه من دلالته يبشر بالشيء قبل أن يكون فيكون وبها يعرف الإمام.

وعن فيض بن مطر قال دخلت على أبي جعفر ع وأنا أريد أن أسأله عن صلاة الليل في المحمل قال فابتدأني فقال كان رسول الله ص يصلي على راحلته حيث توجهت به.

عن سعد الإسكاف قال طلبت الإذن على أبي جعفر فقيل لي لا تعجل إن عنده قوما من إخوانكم فما لبثت أن خرج علي اثنا عشر رجلا يشبهون الزط وعليهم أقبية ضيقات وخفاف فسلموا ومروا فدخلت على أبي جعفر فقلت له ما عرفت هؤلاء الذين خرجوا من عندك من هم قال هؤلاء قوم من إخوانكم الجن قال قلت ويظهرون لكم فقال نعم يغدون علينا في حلالهم وحرامهم كما تغدون.

وعن أبي عبد الله قال سمعت أبي يقول ذات يوم إنما بقي من أجلي خمس سنين فحسبت ذلك فما زاد ولا نقص.

وعن محمد بن مسلم قال سرت مع أبي جعفر ما بين مكة والمدينة وهو على بغلة وأنا على حمار له إذ أقبل ذئب يهوي من رأس الجبل حتى دنا من أبي جعفر فحبس البغلة ودنا الذئب حتى وضع يده على قربوس سرجه وتطاول بخطمه إليه (١) وأصغى إليه أبو جعفر بإذنه مليا (٢) ثم قال اذهب فقد فعلت فرجع الذئب وهو يهرول فقال لي تدري ما قال فقلت الله ورسوله وابن رسوله أعلم قال إنه قال لي يا ابن رسول الله إن زوجتي في ذلك الجبل وقد عسر عليها ولادتها فادع الله أن يخلصها ولا يسلط أحدا من نسلي على أحد من شيعتكم قلت قد فعلت

__________________

(١) الخطم من الدابّة : مقدم انفها وفمها.

(٢) أي زمانا طويلا.

١٣٨

وعن عبد الله بن عطاء المكي قال اشتقت إلى أبي جعفر وأنا بمكة فقدمت المدينة ما قدمتها إلا شوقا إليه فأصابني تلك الليلة مطر وبرد شديد فانتهيت إلى بابه نصف الليل فقلت أطرقه الساعة أو أنتظره حتى يصبح فإني لأفكر في ذلك إذ سمعته يقول يا جارية افتحي الباب لابن عطاء فقد أصابه في هذه الليلة بردا وأذى قال فجاءت ففتحت الباب ودخلت.

وعن أبي عبد الله قال كنت عند أبي محمد بن علي في اليوم الذي قبض فيه فأوصاني بأشياء في غسله وكفنه وفي دخوله قبره قال فقلت يا أبة والله ما رأيتك مذ اشتكيت أحسن هيئة منك اليوم ما أرى عليك أثر الموت فقال يا بني أما سمعت علي بن الحسين ينادي من وراء الجدار يا محمد تعال عجل.

وعن حمزة بن محمد الطيار قال أتيت باب أبي جعفر أستأذن عليه فلم يأذن لي وأذن لغيري فرجعت إلى منزلي وأنا مغموم فطرحت نفسي على سرير في الدار فذهب عني النوم فجعلت أفكر وأقول إلى من إلى المرجئة يقول كذا والقدرية تقول كذا (١) والحرورية تقول كذا والزيدية تقول كذا فيفسد عليهم قولهم

__________________

(١) المرجئة فرقة من العامّة يعتقدون انه لا يضر مع الايمان معصية كما أنه لا ينفع مع الكفر طاعة سموا مرجئة لأنهم قالوا إن اللّه أرجأ تعذيبهم على المعاصي اي أخره وقد يطلق على جميع العامّة لتأخيرهم أمير المؤمنين عليه السلام عن درجته إلى الرابع.

والقدرية يطلق على الجبري والتفويضى في الاخبار وكثيرا ما يطلق على الثاني وعن شارح المقاصد (ره) انه لا خلاف في ذمّ القدرية وقد ورد في صحاح الأحاديث لعن اللّه القدرية على لسان سبعين نبيّا والمراد بهم القائلون بنفي كون الخير والشر كله بتقدير اللّه ومشيئته سموا بذلك لمبالغتهم في نفيه وقيل : لاثباتهم للعبد قدرة الايجاد وليس بشيء لان المناسب حينئذ القدري بضم القاف.

وقالت المعتزلة : القدرية هم القائلون بان الخير والشر كله من اللّه وبتقديره ومشيته ولان الشائع نسبة الشخص إلى ما يثبته ويقول كالجبرية والحنفية والشافعية لا إلى ما ينفيه. «ورد» : بأنه صح من النبيّ صلّى اللّه عليه وآله قوله : القدرية مجوس أمتي ، وقوله : إذا قامت القيامة *

١٣٩

فأنا أفكر في هذا حتى نادى المنادي فإذا الباب يدق فقلت من هذا فقال رسول أبي جعفر فخرجت إليه فقال أجب فأخذت ثيابي علي ومضيت فلما دخلت إليه قال يا ابن محمد لا إلى المرجئة ولا القدرية ولا إلى الزيدية ولا إلى الحرورية ولكن إلينا إنما حجبتك لكذا وكذا ففعلت وقلت به.

وعن مالك الجهني قال كنت قاعدا عند أبي جعفر فنظرت إليه وجعلت أفكر في نفسي وأقول لقد عظمك الله وكرمك وجعلك حجة على خلقه فالتفت إلي وقال يا مالك الأمر أعظم مما تذهب إليه.

وعن جابر قال سمعت أبا جعفر يقول لا يخرج على هشام أحد إلا قتله فقلنا لزيد هذه المقالة فقال إني شهدت هشاما ورسول الله ص يسب عنده فلم ينكر ذلك ولم يغيره فو الله لو لم يكن إلا أنا وآخر لخرجت عليه.

وعن أبي الهذيل قال قال لي أبو جعفر يا أبا الهذيل إنه لا تخفى علينا ليلة القدر إن الملائكة يطيفون بنا فيها.

وعن أبي عبد الله قال كان في دار أبي جعفر فاختة فسمعها وهي تصيح فقال تدرون ما تقول هذه الفاختة قالوا لا قال تقول فقدتكم فقدتكم نفقدها قبل أن تفقدنا ثم أمر بذبحها آخر ما أردت إثباته من كتاب الدلائل

__________________

* نادى منادى أهل الجمع : اين خصماء اللّه؟ فتقوم القدرية ، ولا خفاء في أن المجوسي هم الذين ينسبون الخير إلى اللّه والشر إلى الشيطان ويسمونها يزدان وأهرمن ، وان من لا يفوض الأمور كلها إلى اللّه تعالى ويفرز بعضها فينسبه إلى نفسه يكون هو المخاصم للّه تعالى ، وأيضا من يضيف القدر إلى نفسه ويدعى كونه الفاعل والمقدر أولى باسم القدري ممن يضيفه إلى ربّه.

والحرورية : طائفة من الخوارج نسبوا إلى الحروراء موضع قرب الكوفة. وقد ورد في ذمّ هؤلاء الطوائف أخبار كثيرة ففي خبر ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله رأى ليلة المعراج المرجئة والقدرية والحرورية وبنو أمية والنواصب يقذف بهم في نار جهنم وقيل له : هؤلاء الخمسة لا سهم لهم في الإسلام

١٤٠