كشف الغمّة في معرفة الأئمّة - ج ٢

أبي الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح الاربلي

كشف الغمّة في معرفة الأئمّة - ج ٢

المؤلف:

أبي الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح الاربلي


المحقق: السيد هاشم الرسولي المحلاتي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة بني هاشمي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٦٠
الجزء ١ الجزء ٢

لمن اعتبره (١).

قال الشيخ المفيد في إرشاده ومضى الحسين ع في يوم السبت العاشر من المحرم سنة إحدى وستين من الهجرة بعد صلاة الظهر منه قتيلا مظلوما ظمآن صابرا محتسبا وسنه يومئذ ثمان وخمسون سنة أقام منها مع جده رسول الله ص سبع سنين ومع أبيه أمير المؤمنين ع ثلاثين سنة ومع أخيه الحسن ع عشر سنين وكانت مدة خلافته بعد أخيه إحدى عشرة سنة وكان ع يخضب بالحناء والكتم (٢) وقتل ع وقد نصل الخضاب من عارضيه (٣).

وقد جاء روايات كثيرة في فضل زيارته بل في وجوبها.

فروي عن الصادق جعفر بن محمد ع أنه قال زيارة الحسين بن علي ع واجبة على كل من يقر للحسين ع بالإمامة من الله عزوجل. وقال ع زيارة الحسين تعدل مائة حجة مبرورة ومائة عمرة متقبلة. وقال رسول الله ص من زار الحسين ع بعد موته فله الجنة والأخبار في هذا الباب كثيرة وقد أوردنا منها جملة كافية في كتابنا المعروف بمناسك المزار انتهى كلامه.

قلت من أعجب ما يحكى أنهم اتفقوا أنه ولد ع في سنة أربع من الهجرة وقتل في عاشر المحرم من سنة إحدى وستين واختلفوا بعد في مدة حياته ما هذا إلا عجيب (٤) وأنت إذا عرفت مولده وموته عرفت مدة عمره من طريق قريب

__________________

(١) سيأتي بعض الكلام فيه.

(٢) الكتم ـ محركة ـ : نبات يخضب به.

(٣) نصل اللحية : خرجت من الخضاب.

(٤) لكنك قد عرفت الاختلاف في رواية ابن الخشاب عن الصادق عليه السلام ففي صدرها انه عليه السلام مضى في عام الستين وفي الذيل انه عليه السلام قبض في يوم عاشوراء في سنة احدى وستين من الهجرة فلعل بعض الاختلاف نشأ من هذا الوجه.

٤١

الحادي عشر في مخرجه إلى العراق

قال كمال الدين بن طلحة رحمه‌الله هذا فصل للقلم في أرجائه مجال واسع ومقال جامع وسمع كل مؤمن وقلبه إليه وله مصيخ وسامع لكن الرغبة في الاختصار تطوي أطراف بساطه والرهبة من الإكثار تصدف عن تطويله وإفراطه وحين وقف على أصله وزائده خص الأصل بإثباته والزائد بإسقاطه.

وذلك أن معاوية لما استخلف ولده يزيد ثم مات كتب يزيد كتابا إلى الوليد بن عتبة بن أبي سفيان وهو يومئذ والي المدينة يحثه فيه على أخذ البيعة من الحسين ع فرأى الحسين أمورا اقتضت أنه خرج من المدينة قاصدا إلى مكة وأقام بها ووصل الخبر إلى الكوفة بموت معاوية وولاية يزيد مكانه فاتفق منهم جمع جم وكتبوا كتابا إلى الحسين يدعونه إليهم ويبذلون له فيه القيام بين يديه بأنفسهم وأموالهم وبالغوا في ذلك وتتابعت إليه الكتب نحوا من مائة وخمسين كتابا من كل طائفة وجماعة كتاب يحثونه فيها على القدوم وآخر ما ورد عليه كتاب من جماعتهم على يد قاصدين من ثقاتهم وصورته:

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) للحسين بن علي أمير المؤمنين من شيعته وشيعة أبيه علي أمير المؤمنين سلام الله عليك أما بعد فإن الناس منتظروك ولا رأي لهم غيرك فالعجل العجل يا ابن رسول الله والسلام عليك ورحمه‌الله.

فكتب ع جوابهم وسير إليهم ابن عمه مسلم بن عقيل فوصل إليهم وجرت له قضايا ووقائع لا حاجة إلى ذكرها وآل الأمر إلى أن الحسين توجه بنفسه وأهله وأولاده إلى الكوفة (لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً) وكان عند وصول مسلم بن عقيل إلى الكوفة واجتماع الشيعة إليه وأخذه البيعة للحسين بن علي ع كتب والي الكوفة وهو النعمان بن بشير إلى يزيد بذلك فجهز عبيد الله بن زياد إلى الكوفة فلما قرب منها تنكر ودخلها ليلا وأوهم أنه الحسين ودخلها من جهة البادية في زي أهل الحجاز فصار يجتاز بجماعة جماعة فيسلم عليهم ولا

٤٢

يشكون في أنه هو الحسين ع فيمشون بين يديه ويقولون مرحبا يا ابن رسول الله قدمت خير مقدم فرأى عبيد الله من تباشرهم بالحسين ما ساءه وكشف أحوالهم وهو ساكت لعنه الله.

فلما دخل قصر الإمارة وأصبح جمع الناس وقال وأرعد وأبرق وقتل وفتك وسفك وانتهك وعمله وما اعتمده مشهور في تحيله حتى ظفر بمسلم بن عقيل وقتله.

وبلغ الحسين ع قتل مسلم وما اعتمده عبيد الله بن زياد وهو متجهز للخروج إلى الكوفة فاجتمع به ذوو النصح له والتجربة للأمور وأهل الديانة والمعرفة كعبد الله بن عباس وعمر بن عبد الرحمن بن الحرث المخزومي وغيرهما ووردت عليه كتب أهل المدينة من عبد الله بن جعفر وسعيد بن العاص وجماعة كثيرين كلهم يشيرون عليه أن لا يتوجه إلى العراق وأن يقيم بمكة هذا كله والقضاء غالب على أمره والقدر آخذ بزمامه فلم يكترث بما قيل له ولا بما كتب إليه وتجهز وخرج من مكة يوم الثلاثاء وهو يوم التروية الثامن من ذي الحجة ومعه اثنان وثمانون رجلا من أهله وشيعته ومواليه فسار فلما وصل إلى الشقوق وإذا هو بالفرزدق الشاعر وقد وافاه هنالك فسلم عليه ثم دنا منه وقبل يده فقال له الحسين ع من أين أقبلت يا أبا فراس فقال من الكوفة فقال له كيف تركت أهل الكوفة فقال خلفت قلوب الناس معك وسيوفهم مع بني أمية عليك وقد قل الديانون والقضاء ينزل من السماء و (اللهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ) وجرى بينهما كلام قد تقدم ذكره في آخر الفصل الثامن.

ثم ودعه الفرزدق في نفر من أصحابه ومضى يريد مكة فقال له ابن عم له من بني مجاشع يا أبا فراس هذا الحسين بن علي قال له الفرزدق نعم هذا الحسين بن علي وابن فاطمة الزهراء بنت محمد المصطفى ص هذا والله ابن خيرة الله وأفضل من مشى على وجه الأرض الآن وقد كنت قلت فيه قبل اليوم أبياتا غير متعرض لمعروفه بل أردت بذلك وجه الله والدار الآخرة فلا عليك أن تسمعها فقال ابن

٤٣

عمه إن رأيت أن تسمعنيها أبا فراس فقال قلت فيه وفي أمه وأبيه وجده ع :

هذا الذي تعرف البطحاء وطأته

والبيت يعرفه والحل والحرم

هذا ابن خير عباد الله كلهم

هذا التقي النقي الطاهر العلم

هذا حسين رسول الله والده

أمست بنور هداه تهتدي الأمم

هذا ابن فاطمة الزهراء عترتها

في جنة الخلد مجريا به القلم

إذا رأته قريش قال قائلها

إلى مكارم هذا ينتهي الكرم

يكاد يمسكه عرفاق راحته

ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم

بكفه خيزران ريحه عبق

بكف أروع في عرنينه شمم

يغضي حياء ويغضى من مهابته

فما يكلم إلا حين يبتسم

ينشق نور الدجى عن نور غرته

كالشمس تنشق عن إشراقها الظلم

مشتقة من رسول الله نبعته

طابت أرومته والخيم والشيم

من معشر حبهم دين وبغضهم

كفر وقربهم منجى ومعتصم

يستدفع الضر والبلوى بحبهم

ويستقيم به الإحسان والنعم

إن عد أهل الندى كانوا أئمتهم

أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم

لا يستطيع مجار بعد غايتهم

ولا يدانيهم قوم وإن كرموا

بيوتهم في قريش يستضاء بها

في النائبات وعند الحكم إن حكموا

فجده من قريش في أرومتها

محمد وعلي بعده علم

بدر له شاهد والشعب من أحد

والخندقان ويوم الفتح قد علموا

وخيبر وحنين يشهدان له

وفي قريظة يوم صيلم قتم

مواطن قد علت أقدارها ونمت

آثارها لم تنلها العرب والعجم

آخر كلامه.

__________________

(١) وسيأتي شرح غرائب الأبيات في ذكر فضائل مولانا عليّ بن الحسين زين العابدين (ع) إنشاء اللّه.

٤٤

قلت وأظنه نقل هذا الكلام والقصيدة من كتاب الفتوح لابن أعثم فإني طالعته في زمان الحداثة ونسب هذه القصيدة إلى الفرزدق في الحسين ع والذي عليه الرواة مع اختلاف كثير في شيء من أبياتها وأنها للحر بن الليثي قالها في قثم بن العباس رضي الله عنه وأن الفرزدق أنشدها لعلي بن الحسين ولها قصة تأتي في أخباره إن شاء الله تعالى ولو كان هذا وأمثاله من موضوع هذا الكتاب لذكرت القصيدة ونسبت كل بيت منها إلى قائله ولكنه وضع لغير هذا.

وفي مسير الحسين ع من المدينة إلى مكة ومنها إلى العراق أحوال وأمور اختصرها الشيخ كمال الدين وهي مشهورة معلومة منقولة لا يكاد يخلو مصنف في هذا الشأن منها والله تعالى يعلم أني لا أحب الخوض في ذكر مصرعه ع وما جرى عليه وعلى أهل بيته وتبعه فإن ذلك يفتت الأكباد ويفت في الأعضاد ويضرم في القلب نارا وارية الزناد ف (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ونحن نتبع الشيخ كمال الدين رحمه‌الله تعالى في اختصاره واقتفاء آثاره قال :

الثاني عشر في مصرعه ومقتله ع

قال كمال الدين بن طلحة رحمه‌الله وهو فضل يسكب مضمونه المدامع من الأجفان وتجلب الفجائع لإثارة الأحزان ويلهب نيران الموجدة في أكباد ذوي الإيمان بما أجرته الأقدار للفجرة من اجترائها وفتكها واعتدائها على الذرية النبوية لسفح دمائها وسفكها واستبائها مصونات نسائها وهتكها حتى تركوا لمم رجالها بنجيعها مخضوبة وأشلاء جثثها على الثرى مسلوبة ومخدرات حرائر سبايا منهوبة فكم كبيرة من جريمة ارتكبوها واجترموها وكم من نفس معصومة أرهقوها واخترموها وكم من دماء محرمة أراقوها وما احترموها وكم من كبد حرى منعوها ورود الماء وحرموها ثم احتزوا رأس سبط رسول الله وحبه الحسين

__________________

(١) الحب ـ بالكسر ـ : المحبوب.

٤٥

بشبا الحداد ورفعوه كما ترفع رءوس ذوي الإلحاد على رءوس الصعاد واخترقوا به أرجاء البلاد بين العباد واستاقوا حرمه وأطفاله أذلاء من الاضطهاد وأركبوهم على أخشاب الأقتاب بغير وطاء ولا مهاد هذا مع علمهم بأنهم الذرية النبوية المسئول لها المودة بصريح القرآن وصحيح الإسناد فلو نطقت السماء والأرض لرثت لها ورثتها ولو اطلعت عليها مردة الكفار لبكتها وندبتها ولو حضرت مصرعها عتاة الجاهلية لأنبتها ونعتها ولو شهدت وقعتها بغاة الجبابرة لإعانتها ونصرتها فيا لها مصيبة أنزلت الرزية بقلوب الموحدين وأورثتها وبلية أحلت الكآبة بنفوس المؤمنين سلفا وخلفا فأحزنتها فوا لهفاه لذرية نبوية ظل دمها وعترة محمدية قل مخذمها وعصبة علوية خذلت فقتل مقدمها وزمرة هاشمية استبيح حرمها واستحل محرمها وأنا الآن أفصل هذا الإجمال وأوضحه وأبين تفصيله وأشرحه.

وهو أن الحسين ع سار حتى صار على مرحلتين من الكوفة فوافاه إنسان يقال له الحر بن يزيد الرياحي ومعه ألف فارس من أصحاب ابن زياد شاكين في السلاح فقال للحسين ع إن الأمير عبيد الله بن زياد قد أمرني أن لا أفارقك أو أقدم بك عليه وأنا والله كاره أن يبتليني الله بشيء من أمرك غير أني قد أخذت بيعة القوم فقال الحسين ع إني لم أقدم هذا البلد حتى أتتني كتب أهله وقدمت على رسلهم يطلبوننى وأنتم من أهل الكوفة فإن دمتم على بيعتكم وقولكم في كتبكم دخلت مصركم وإلا انصرفت من حيث أتيت فقال له الحر والله ما أعلم هذه الكتب ولا الرسل وأنا فما يمكنني الرجوع إلى الكوفة في وقتي هذا فخذ طريقا غير هذه وارجع فيه حيث شئت لأكتب إلى ابن زياد أن الحسين خالفني الطريق فلم أقدر عليه وأنشدك الله في نفسك.

فسلك الحسين طريقا آخر غير الجادة راجعا إلى الحجاز وسار هو وأصحابه طول ليلتهم فلما أصبح الحسين ع وإذا قد ظهر الحر وجيشه فقال الحسين ما وراك يا ابن يزيد فقال وافاني كتاب ابن زياد يؤنبني في أمرك وقد سير من

٤٦

هو معي وهو عين علي ولا سبيل إلى مفارقتك أو أقدم بك عليه وطال الكلام بينهما ورحل الحسين ع وأهله وأصحابه فنزلوا كربلاء يوم الأربعاء أو الخميس على ما قيل الثاني من المحرم ..

فقال ع هذه كربلاء موضع كرب وبلاء هذا مناخ ركابنا ومحط رحالنا ومقتل رجالنا فنزل القوم وحطوا الأثقال ونزل الحر بنفسه وجيشه قبالة الحسين ع ثم كتب إلى عبيد الله بن زياد وأعلمه بنزول الحسين ع بأرض كربلاء.

فكتب عبيد الله كتابا إلى الحسين ع يقول فيه أما بعد فقد بلغني يا حسين نزولك بكربلاء وقد كتب إلي يزيد بن معاوية أن لا أتوسد الوثير ولا أشبع من الخمير أو ألحقك باللطيف الخبير أو ترجع إلى حكمي وحكم يزيد بن معاوية والسلام.

فلما ورد الكتاب إلى الحسين ع وقرأه ألقاه من يده وقال للرسول ما له عندي جواب فرجع الرسول إلى ابن زياد فاشتد غضبه وجمع الناس وجهز العساكر وسير مقدمها عمر بن سعد وكان قد ولاه الري وأعمالها وكتب له بها فاستعفى من خروجه إلى قتال الحسين فقال له ابن زياد إما أن تخرج وإما أن تعيد علينا كتابنا بتوليتك الري وأعمالها وتقعد في بيتك فاختار ولاية الري وطلع إلى قتال الحسين بالعساكر.

فما زال عبيد الله بن زياد يجهز مقدما ومعه طائفة من الناس إلى أن اجتمع عند عمر بن سعد اثنان وعشرون ألفا ما بين فارس وراجل وأول من خرج إلى عمر بن سعد الشمر بن ذي الجوشن السكوني في أربعة آلاف فارس ثم زحفت خيل عمر بن سعد حتى نزلوا شاطئ الفرات وحالوا بين الماء وبين الحسين وأصحابه.

ثم كتب عبيد الله كتابا إلى عمر بن سعد يحثه على مناجزة الحسين ع فعندها ضيق الأمر عليهم فاشتد عليهم الأمر والعطش فقال إنسان من أصحاب الحسين ع يقال له يزيد بن حصين الهمداني وكان زاهدا ائذن لي يا ابن رسول الله لآتي هذا ابن سعد فأكلمه في أمر الماء فعساه يرتدع فقال له ذلك إليك فجاء الهمداني إلى

٤٧

عمر بن سعد فدخل عليه فلم يسلم عليه قال يا أخا همدان ما منعك من السلام علي ألست مسلما أعرف الله ورسوله فقال له الهمداني لو كنت مسلما كما تقول لما خرجت إلى عترة رسول الله ص تريد قتلهم وبعد هذا ماء الفرات تشرب منه كلاب السواد وخنازيرها وهذا الحسين بن علي وإخوته ونساؤه وأهل بيته يموتون عطشا قد حلت بينهم وبين ماء الفرات أن يشربوه وأنت تزعم أنك تعرف الله ورسوله فأطرق عمر بن سعد ثم قال والله يا أخا همدان إني لأعلم حرمة أذاهم ولكن :

دعاني عبيد الله من دون قومه

إلى خطة فيها خرجت لحيني

فو الله لا أدري وأني لواقف

على خطر لا أرتضيه ومين

أأترك ملك الري والري رغبة

أم أرجع مأثوما بدم حسين

وفي قتله النار التي ليس دونها

حجاب وملك الري قرة عين

يا أخا همدان ما أجد نفسي تجيبني إلى ترك الري لغيري فرجع يزيد بن حصين فقال للحسين ع يا ابن رسول الله قد رضي أن يقتلك بولاية الري.

قلت التوفيق عزيز المنال ومن حقت عليه كلمة العذاب لم ينجع فيه لوم اللوام وعذل العذال ومن غلبته نفسه تورط من شهواتها في أعظم من القيود والأغلال وكما أن الجنة لها رجال فالنار لها رجال وكما أعد الله لقوم الفوز والرضوان أعد للآخرين العقاب والنكال وهذا النحس ابن سعد أبعده الله عرف سوء فعله ف (أَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ) وهو أقبح أنواع الضلال وطبع الله على قلبه وختم على لبه (وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً) فبئست الأحوال وزهد في الآجلة وهي إلى بقاء ورغب في العاجلة وهي إلى زوال وطمع في المال فخسر في المآل فأصلى (ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ) ولم يغن عنه رأيه في الري ولا نفعته الإمارة فخرج في طالع نحس وباع آخرته بثمن بخس وأصبح من سوء اختياره في أضيق من حبس فإنه عصى الله سبحانه طاعة للفجار واتخذ ابن زياد ربا فأورده النار (وَبِئْسَ الْقَرارُ) وباء في الدنيا بالعار وحشر في الآخرة مع مردة الكفار.

صلى لها حيا وكان وقودها

ميتا ويدخلها مع الفجار

٤٨

وكذاك أهل النار في دنياهم

يوم القيامة جل أهل النار

ويصدق هذا المدعى: أن النبي ص سمع وجبة أو هدة فقال أصحابه ما هذا يا رسول الله فقال حجر ألقي في النار منذ سبعين خريفا فالآن حين استقر في قعرها وقد كان مات في تلك الساعة يهودي عمره سبعون سنة فكنى عنه بالحجر لعدم انتفاعه بما بلغه من الدعوة وكنى عن مدة حياته بهويه في النار لأن سعيه مدة حياته سعي أهل النار فكأنه فيها هاو وكنى عن موته باستقراره فيها وكذا حال هذا الشقي كان يسعى دائما سعي من هذا خاتمته وعاقبته وإلى العذاب الدائم مصيره والنار غايته فتبا له محلا عن موارد الأبرار وبعدا له وسحقا في هذا الدار وتلك الدار فلقد أوغل في تمرده وبالغ في وخامة كسب يده وترك الحق وراء ظهره ودبر أذنه إذ لم ينظر في يومه لغده وعرف الصراط المستقيم فنكب طوعا عن سننه وجدده وصدع قلب الرسول بما صنعه بولده وأبكى الأرض والسماء بجنايته وأحزن الملائكة الكرام والأنبياء ع ببشاعة فعلته وقبح ملكته وجاء بها شوهاء عقراء جذعاء تشهد بسوء ظفره وتنطق بردي أثره ولؤم مخبره وفساد اختياره ونظره كافلة له بالعذاب الأليم ضامنة له الخلود في نار الجحيم مقيما فيها أبدا إن شاء الله مع الشيطان الرجيم طعامه فيها الزقوم والغسلين وشرابه الحميم مخصوصا بمقت الله رب العالمين قريبا للعتاة المتمردين والطغاة الكافرين مصاحبا من شايعه وتابعه ورضى بفعله من الجنة والناس أجمعين هذا وهو مع فعله الذي أوبقه وشرهه الذي قيده بالخزي وأوثقه وصنيعه الذي أراق ماء وجهه وأخلقه يدعي أنه من أهل الإسلام ومن تابعي النبي ص وممن يرجو السلامة في دار السلام مع سفكه الدم الحرام في الشهر الحرام وإسخاطه الله والنبي والإمام وإقدامه على ما يحمد في مثله الإحجام.

دم حرام للأخ المسلم في

شهر حرام يا لنعم كيف حل

نعوذ بالله من سوء الخاتمة.

__________________

(١) الخريف : السنة والعام.

٤٩

ومن العجب أن السيد والعاقب ومن كان معهم لما دعاهم النبي ص إلى المباهلة وندبهم إلى المساجلة وجاء ص بعلي وفاطمة والحسن والحسين ضرع النجرانيون إلى الاستسلام وخاموا بعد الإقدام وأعطوا الجزية عن يد لما شاهدوا أولئك النفر الكرام وأذعنوا حين رأوا وجوها تجلوا جنح الظلام وقالوا لو دعي الله بهذه الوجوه لأزال الجبال وقال ص لو باهلوني لتأجج الوادي عليهم نارا.

وكما قال وهؤلاء المسلمون على ظنهم عرفوا هذا الخبر فبالغوا في طمس ذلك الأثر وما دلهم كما دل السيد والعاقب النظر وأقدموا مع العلم إقدام ذوي الغرر فوقعوا في هوة الخطر وما أصدق قولهم إذا نزل القضاء عمي البصر.

قال كمال الدين ـ فلما تيقن الحسين ع أن القوم مقاتلوه أمر أصحابه فاحتفروا حفيرة شبيهة بالخندق وجعلوا لها جهة واحدة يكون القتال منها وركب عسكر ابن سعد وأحدقوا بالحسين ع وزحفوا وقتلوا ولم يزل يقتل من أهل الحسين وأصحابه واحدا بعد واحد إلى أن قتل من أهله وأصحابه ما ينيف على خمسين رجلا.

فعند ذلك ضرب الحسين بيده على لحيته وصاح أما مغيث يغيثنا لوجه الله أما ذاب يذب عن حرم رسول الله وإذا بالحر بن يزيد الرياحي الذي تقدم ذكره قد أقبل بفرسه إليه وقال يا ابن رسول الله إني كنت أول من خرج عليك وأنا الآن في حزبك فمرني أن أكون أول مقتول في نصرتك لعلي أنال شفاعة جدك غدا ثم كر على عسكر عمر بن سعد فلم يزل يقاتلهم حتى قتل والتحم القتال حتى قتل أصحاب الحسين ع بأسرهم وولده وإخوته وبنو عمه وبقي وحده وبارز بنفسه إلى أن أثخنته الجراحات والسهام تأخذه من كل جانب والشمر لعنه الله في قبيلة عظيمة يقاتله ثم حال بينه ع وبين رحله وحرمه. : فصاح الحسين ع ويحكم يا شيعة الشيطان إن لم يكن لكم دين ولا تخافون المعاد فكونوا أحرارا وارجعوا إلى أنسابكم إن كنتم أعرابا كما تزعمون أنا الذي أقاتلكم فكفوا سفهائكم وجهالكم

٥٠

عن التعرض لحرمي فإن النساء لم يقاتلنكم فقال الشمر لأصحابه كفوا عن النساء وحرم الرجل واقصدوه في نفسه.

ثم صاح الشمر لعنه الله بأصحابه وقال ويلكم ما تنتظرون بالرجل وقد أثخنته الجراح وتوالت عليه السهام والرماح فسقط على الأرض فوقف عليه عمر بن سعد وقال لأصحابه انزلوا فجزوا رأسه فنزل إليه نضر بن خرشنة الصبابي ثم جعل يضرب بسيفه مذبح الحسين ع فغضب عمر بن سعد وقال لرجل عن يمينه ويلك انزل إلى الحسين فأرحه فنزل إليه خولي بن يزيد لعنه الله فاجتز رأسه وسلبوه ودخلوا على حرمه واستلبوا بزتهن.

ثم إن عمر بن سعد أرسل بالرأس إلى ابن زياد مع بشر بن مالك فلما وضع الرأس بين يدي عبيد الله بن زياد قال :

املأ ركابي فضة وذهبا

أنا قتلت الملك المحجبا

ومن يصلي القبلتين في الصبا

وخيرهم إذ يذكرون النسبا

قتلت خير الناس أما وأبا

فغضب عبيد الله من قوله ثم قال له إذا علمت أنه كذلك فلم قتلته والله لا نلت مني خيرا ولألحقنك به ثم قدمه وضرب عنقه.

قلت صدق الله (وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) وعلى هذا مضى من شايع على الحسين ع إما بيد أعداء الله أو بيد أوليائه فما منهم من فاز بحمد الله بمراد ولا أمل ولا انتفع بقول ولا عمل بل مزقوا كل ممزق وفرقوا كل مفرق واستولى عليهم الحمام وعوجلوا بالعقاب والانتقام وأبيدوا بالاستئصال والاصطلام وباءوا بعاجل عذاب الدنيا وعلى الله التمام.

قال ثم إن القوم استاقوا الحرم كما تساق الأسارى حتى أتوا الكوفة فخرج الناس فجعلوا ينظرون ويبكون وينوحون وكان علي بن الحسين زين العابدين قد نهكه المرض (١) فجعل يقول ألا إن هؤلاء يبكون وينوحون من

__________________

(١) نهكت الحمى فلانا : هزلته وجهدته.

٥١

أجلنا فمن قتلنا وكان اليوم الذي قتل فيه ع قيل الجمعة وهو يوم عاشوراء من المحرم سنة إحدى وستين من الهجرة ودفن بالطف من كربلاء من العراق ومشهده ع معروف يزار من الجهات والآفاق.

وهذه الوقائع أوردها صاحب كتاب الفتوح فهي مضافة إليه وعهدتها لمن أراد تتبعها عند مطالعتها عليه فهذا تلخيص ما نقلته الأذهان والعقول مما أهداه إليها المروي والمنقول وقد ألبس القلوب ثوب جداد ما لصبغته نصول وعلى الجملة فأقول

ألا أيها العادون إن أمامكم

مقام سؤال والرسول سئول

وموقف حكم والخصوم محمد

وفاطمة الزهراء وهي ثكول

وإن عليا في الخصام مؤيد

له الحق فيما يدعي ويقول

فما ذا تردون الجواب عليهم

وليس إلى ترك الجواب سبيل

وقد سؤتموهم في بنيهم بقتلهم

ووزر الذي أحدثتموه ثقيل

ولا يرتجى في ذلك اليوم شافع

سوى خصمكم والشرح فيه يطول

ومن كان في الحشر الرسول خصيمه

فإن له نار الجحيم مقيل

وكان عليكم واجبا في اعتمادكم

رعايتهم أن تحسنوا وتنيل

فإنهم آل النبي وأهله

ونهج هداهم بالنجاة كفيل

مناقبهم بين الورى مستنيرة

لها غرر مجلوة وحجول

مناقب جلت أن يحاط بحصرها

نمتها فروع قد زكت وأصول

مناقب وحي الله أثبتها لهم

بما قام منهم شاهد ودليل

مناقب من خلق النبي وخلقه

ظهرن فما يغتالهن أفول

ولما وصل القلم في ميدان البيان إلى هذا المقام أبدت الأيام من إلمام الآلام ما منع من إتمام المرام على أتم الأقسام ولم ير حزم نظام الكلام دون موقف الاختتام فاختصر مضمون الأبواب واقتصر منه على اللباب وقصر من إطناب الأطناب وقصر أسباب الإسهاب فجاء محصول فصوله ملخصا في معانيه ومدلول أصوله مخلصا من تطويل

٥٢

مبانيه اقتصارا يستغنى بمحصله عن النهاية فيه وإرشادا يكتفى بمختصره عن بسيطه وحاويه انتهى كلامه رحمه‌الله وقد كنى في هذا الفصل الأخير عن أسماء كتب وحيل بها.

قلت فأما تفاصيل ما جرى للحسين ع وصورة ما جرى بينه وبين أعداء الله ورسوله ومحاربتهم إياه وقتلهم من قتلوه من أولاده وإخوته وبني أخيه وبني عمه وأصحابه وصورة موقفه ع وما ظهر من نجدته وشجاعته وبأسه وبسالته وانقياده إلى أمر الله وشدته على أعداء الله وصبره على ما دفع إليه من فقد الأهل والولد وقلة الناصر والعدد وإزهاق نفسه الشريفة فلها موضع غير هذا الكتاب فإنه موضوع لذكر مآثرهم وعد مفاخرهم وإن كان قتله ع مما اكتسب به فخرا مضافا إلى فخره وحوى به قدرا زائدا على شريف قدره فإنه نال بذلك مرتبة الشهادة واختص بما بلغ به غاية الطلب ومنتهى الإرادة وحصل له بذلك ما لا يحصل بدوام الذكر وطول العبادة وكان في الحياة سعيدا وكملت له في الممات السعادة وأوجب الله له بسابق وعده الحسنى وزيادة واذكر الآن شيئا مما يتعلق بأخباره وأنت أيدك الله لا تسأم من إعادة الشيء وتكراره فأني أكرر مرة لاختلاف الناقل ومرة لاختلاف الرواة وفي كثرة طرق الأخبار ما يؤنس بتصديقها ويقطع بتحقيقها لا سيما وقد التزمت بالنقل من كتب الجمهور ومرة لأنه يعرض لي سهو واكتب الشيء وأنا أظن أني لم أكتبه وربما عرفت فذكرت أنه مكرر وربما لم أعرف ولأن هذه هي نسخة الأصل وما عاودتها ولا راجعتها ووقتي يضيق عن مناقشتها لأني منيت في زمان جمع هذا الكتاب بأمور تشيب الوليد وتذيب الحديد وتعجز الجليد ونهبت لي كتب كنت قد أعددتها لأنقل منها في هذا الكتاب والوقت يضيق عن الشكوى والرجوع إلى عالم السر والنجوى والحمد لله على ما ساء وسر والشكر له سبحانه على ما نفع وضر فأنعمه تعالى لا تعد وعوارفه لا تحصى ولا تحد.

له أياد علي سابقة

أعد منها ولا أعددها

قال الحافظ عبد العزيز الجنابذي في كتاب معالم العترة الطاهرة الحسين

٥٣

بن علي بن أبي طالب وأمه فاطمة بنت رسول الله ص ولد في ليال خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة وقتل بالطف يوم عاشوراء سنة إحدى وستين وهو ابن خمس وخمسين سنة وستة أشهر وحمل رأسه إلى يزيد بن معاوية وكان قبره بكربلاء من سواد الكوفة وقتله سنان بن أنس قال الشاعر :

وأي رزية عدلت حسينا

غداة تبيره كفا سنان

ويقال قتله شمر بن ذي الجوشن الضبابي والذي اجتز رأسه ابن جوان اليمامي وكان أمير الجيش الذين ساروا إلى الحسين عمر بن سعد أمره عليهم عبيد الله بن زياد.

وقال يرفعه إلى أشياخ قالوا غزونا أرض الروم فإذا كتاب في كنيسة من كنائسهم بالعربية :

أترجو أمة قتلت حسينا

شفاعة جده يوم المعاد

فقلنا للروم من كتب هذا قالوا لا ندري.

قال ابن سعد قال الواقدي قتل الحسين بن علي في صفر سنة إحدى وستين وهو ابن خمس وخمسين سنة.

وقال محمد بن عمر عن أبي معشر قتل الحسين بن علي لعشر خلون من المحرم سنة إحدى وستين قال الواقدي وهذا أثبت.

وعن الأصبغ بن نباتة عن علي ع قال أتينا معه موضع قبر الحسين فقال علي ع هاهنا مناخ ركابهم وموضع رحالهم هاهنا مهراق دمائهم فتية من آل محمد ص يقتلون بهذه العرصة تبكي عليهم السماء والأرض.

وعن عبد الله بن مسعود قال بينا نحن جلوس عند رسول الله ص إذ دخل فتية من قريش فتغير لونه فقلنا يا رسول الله لا نزال نرى في وجهك الشيء نكرهه فقال إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا وإن أهل بيتي

٥٤

سيلقون بعدي تطريدا وتشريدا (١).

وعن العوام بن حوشب قال بلغني أن النبي ص نظر إلى شباب من قريش كأن وجوههم سيوف مصقولة ثم رئي في وجهه كآبة حتى عرفوا ذلك فقالوا يا رسول الله ما شأنك قال إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا وإني ذكرت ما يلقى أهل بيتي من بعدي من أمتي من قتل وتطريد وتشريد. " وعن عاصم عن زر قال أول رأس حمل على رمح في الإسلام رأس الحسين بن علي ع فلم أر باكيا وباكية أكثر من ذلك اليوم.

وعن يحيى بن أبي بكر عن بعض مشيخته قال قال الحسين بن علي ع حين أتاه الناس قام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد أيها الناس أنسبوني فانظروا من أنا ثم ارجعوا إلى أنفسكم فعاتبوها فانظروا هل يحل لكم سفك دمي وانتهاك حرمتي ألست ابن بنت نبيكم ص وابن ابن عمه وابن أولى المؤمنين بالله أوليس حمزة سيد الشهداء عمي أولم يبلغكم قول رسول الله ص مستفيضا فيكم لي ولأخي إنا سيدا شباب أهل الجنة أفما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي وانتهاك حرمتي قالوا ما نعرف شيئا مما تقول فقال إن فيكم من لو سألتموه لأخبركم أنه سمع ذلك من رسول الله ص في وفي أخي سلوا زيد بن ثابت والبراء بن عازب وأنس بن مالك يحدثكم أنه سمع هذا القول من رسول الله ص في وفي أخي فإن كنتم تشكون في ذلك أتشكون في أني

__________________

(١) الطرد : الابعاد والتشريد بمعنى الطرد. وذكر في اللسان في قولهم طريد شريد اما الطريد فمعناه المطرود والشريد فيه قولان أحدهما الهارب من قولهم شرد البعير وغيره إذا هرب ، وقال الأصمعي : الشريد : المطرد.

(٢) زر بن حبيش بن حباشة بن أوس الأسدي توفّي سنة ٨٣ وهو ابن ١٢٠ سنة وكان ممن أدرك الجاهلية. وفي بعض النسخ «ذر» بالذال وهو ذر بن عبد اللّه بن درارة المرهبى الهمدانيّ وقد وثقه العسقلاني وغيره من العامّة مات سنة ٨٠ وقيل غير ذلك.

(٣) وفي بعض النسخ «فان كنتم تشكون في هذا فتشكون ا ه».

٥٥

ابن بنت نبيكم ص فو الله ما تعمدت الكذب منه منذ عرفت أن الله يمقت على الكذب أهله ويضربه من اختلقه فو الله ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبي غيري منكم ولا من غيركم ثم إني أنا ابن بنت نبيكم ص خاصة دون غيري خبروني هل تطلبونني بقتيل منكم قتلته أو بمال استهلكته أو بقصاص من جراحة فسكتوا.

قلت قد تقدم أن هذا الكلام منه وتكراره إياه إنما هو لإقامة الحجة عليهم وإزالة الشبهة عنهم في قتاله وتعريفهم ما يقدمون عليه من عذاب الله ونكاله. وعن منذر قال كنا إذا ذكرنا عند محمد بن علي قتل الحسين ع قال لقد قتلوا سبعة عشر إنسانا كلهم ارتكض في ولادة فاطمة ع.

" وعن ابن عباس قال رأيت رسول الله ص في النوم أشعث أغبر معه قارورتان فيهما دم فقلت يا رسول الله ما هذا فقال دم الحسين وأصحابه لم أزل ألتقطه منذ اليوم قال فحسب ذلك اليوم وإذا هو يوم قتل الحسين ع وقال غيره فما لبثوا إلا أربعة وعشرين يوما حتى جاءهم الخبر بالمدينة أنه قتل ذلك اليوم وتلك الساعة.

وعن الزهري قال قال لي عبد الملك بن مروان أي واحد أنت إن أخبرتني أي علامة كانت يوم قتل الحسين بن علي قال قلت لم ترفع حصاة ببيت المقدس إلا وجد تحتها دم عبيط فقال عبد الملك إني وإياك في هذا الحديث لقريبان.

وعن عيسى بن الحارث الكندي قال لما قتل الحسين بن علي ع مكثنا سبعة أيام إذا صلينا العصر نظرنا إلى الشمس على الحيطان كأنها ملاحف معصفرة من شدة حمرتها وضربت الكواكب بعضها بعضا.

قال وسمعت زكريا بن يحيى بن عمر الطائني قال سمعت غير واحد من مشيخة طي يقول وجد شمر بن ذي الجوشن في ثقل الحسين ذهبا فدفع بعضه إلى ابنته ودفعته إلى صائغ يصوغ لها منه حليا فلما أدخله النار صار هباء قال وسمعت غير زكريا يقول صار نحاسا فأخبرت شمرا بذلك فدعا بالصائغ فدفع إليه باقي الذهب

٥٦

وقال أدخله النار بحضرتي ففعل الصائغ فعاد الذهب هباء وقال غيره عاد نحاسا.

وعن أبي خباب قال لقيت رجلا من طي فقلت له بلغني أنكم تسمعون نوح الجن على الحسين فقال نعم ما تشاء أن تلقى محرزا ولا غيره ألا أخبرك بذلك فقال أنا أحب أن تخبرني أنت بما سمعت من ذلك قال أما الذي سمعت فإني سمعتهم يقولون :

مسح الرسول جبينه فله بريق في الحدود

أبواه من عليا قريش وجده خير الجدود

وعن أبي حصين عن شيخ من قومه من بني أسد قال رأيت رسول الله ص في المنام والناس يعرضون عليه وبين يديه طست فيه دم والناس يعرضون عليه فيلطخهم حتى انتهيت إليه فقلت بأبي والله وأمي ما رميت بسهم ولا طعنت برمح ولا كثرت فقال لي كذبت قد هويت قتل الحسين قال فأومأ إلي بإصبعه فأصبحت أعمى فما يسرني أن لي بعماي حمر النعم.

وعن عامر بن سعيد البجلي قال لما قتل الحسين بن علي ع رأيت النبي ص في المنام فقال لي ائت البراء بن عازب فاقرأه السلام وأخبره أن قتلة الحسين ع في النار وإن كاد والله أن يسحت أهل الأرض بعذاب أليم فأتيت البراء فأخبرته فقال صدق الله وصدق رسوله قال رسول الله ص من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتصور في صورتي.

وعن زينب بنت جحش قالت كان رسول الله ص نائما فجاء الحسين فجعلت أعلله لئلا يوقظه ثم غفلت عنه فدخل فتبعته فوجدته على صدر رسول الله ص قد وضع ذبه في سرته فاستيقظ رسول الله ص وهو يبول فقال دعي بني حتى يفرغ من بوله ثم دعا بماء فصبه عليه ثم قال يجرى على بول الغلام ويغسل بول الجارية ثم توضأ وقام يصلي فلما قام احتضنه (١) فإذا ركع وضعه ثم جلس فبسط ثوبه وجعل يقول أرني فقلت يا رسول الله إنك تصنع شيئا ما رأيتك تصنعه قط

__________________

(١) احتضن الصبى : ضمه إلى صدره.

٥٧

قال حدثني جبرئيل أن ابني تقتله أمتي وأراني تربة حمراء.

وعن يحيى بن عبد الرحمن بن أبي لبينة عن جده محمد بن عبد الرحمن قال بينا رسول الله ص في بيت عائشة رضي الله عنها رقدة القائلة (١) إذ استيقظ وهو يبكي فقالت عائشة ما يبكيك يا رسول بأبي أنت وأمي قال يبكيني أن جبرئيل أتاني فقال ابسط يدك يا محمد فإن هذه تربة من تلال يقتل بها ابنك الحسين يقتله رجل من أمتك قالت عائشة ورسول الله ص يحدثني وأنه ليبكي ويقول من ذا من أمتي من ذا من أمتي من ذا من أمتي من يقتل حسينا من بعدي.

وعن عبد الله يحيى عن أبيه وكان على مطهرة علي قال خرجنا مع علي (٢) إلى صفين فلما حاذانا نينوى نادى صبرا أبا عبد الله بشاطئ الفرات فقلت يا أمير المؤمنين ما قولك صبرا أبا عبد الله قال دخلت على رسول الله ص وعيناه تفيضان فقلت بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما لعينيك تفيضان دموعا أغضبك أحد قال بل قام من عندي جبرئيل فأخبرني أن الحسين يقتل بشاطئ الفرات فقال هل لك أن أشمك من تربته قلت نعم فمد يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها فلم تملك عيناي أن فاضتا.

وعن شهر قال سمعت أم سلمة حين جاء نعي الحسين لعنت أهل العراق وقالت قتلوه قتلهم الله غروه وذلوه لعنهم الله إني رأيت رسول الله ص جاءته فاطمة غدية ببرمة فيها عصيدة (٣) تحملها على طبق حتى وضعتها بين يديه فقال أين ابن عمك قالت هو في البيت قال فاذهبي فادعيه وائتيني ببنيه فجاءت تقود ابنيها كل واحد بيد وعلي يمشي على آثارهم حتى دخلوا على رسول الله ص فأجلسهما في حجره وأجلس عليا عن يمينه وفاطمة عن يساره قالت أم سلمة

__________________

(١) الرقدة : النومة. والقائلة : الظهيرة.

(٢) المطهرة : اناء يتطهر به.

(٣) الغدية : تصغير الغداة. والبرمة : القدر من الحجر. والعصيدة : دقيق يلت بالسمن ويطبخ.

٥٨

فاجتذب من تحتي كساء خيبريا كان يبسط على المنامة فلفهم رسول الله ص جميعا وأخذ بيده اليسرى طرف الكساء وألوى بيده اليمنى إلى ربه تبارك وتعالى وقال اللهم هؤلاء أهلي أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا قالها ثلاثا قلت يا رسول الله ألست من أهلك قال بلى فادخلي تحت الكساء بعد قضاء دعائه لابن عمه وبنيه وابنته فاطمة ع.

وقال عبد الله حدثنا محمد بن عمرو الشيباني قال قال الفضل بن عباس بن عقبة بن أبي لهب يرثي من قتل مع الحسين بن علي ع يعني من أهله وكان قبل الحسين والعباس وعمر ومحمد وعبد الله وجعفر بنو علي بن أبي طالب وأبو بكر والقاسم وعبد الله بنو الحسن بن علي وعلي وعبد الله ابنا الحسن بن علي ومحمد وعون ابنا عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ومسلم بن عقيل بن أبي طالب وعبد الله وعبد الرحمن وجعفر بنو عقيل بن أبي طالب رضي الله عنهم

أعيني ألا تبكيا لمصيبتي

وكل عيون الناس عني أصبر

أعيني جودي من دموع غزيرة

فقد حق إشفاقي وما كنت أحذر

أعيني هذا الأكرمين تتابعوا

وصلوا المنايا دارعون وحسر (١)

من الأكرمين البيض من آل هاشم

لهم سلف من واضع المجد يذكر

مصابيح أمثال الأهلة إذ هم

لدى الجود أو دفع الكريهة أبصر

بهم فجعتنا والفواجع كاسمها

تميم وبكر والسكون وحمير

وهمدان قد جاشت علينا وأجلبت

هوازن في أفناء قيس وأعصر

وفي كل حي نضحة من دمائنا

بني هاشم يعلو سناها ويشهر

فلله محيانا وكان مماتنا

ولله قتلانا تدان وتنشر

لكل دم مولى ومولى دمائنا

بمرتقب يعلو عليكم ويظهر

فسوف يرى أعداؤنا حين نلتقي

لأي الفريقين النبي المطهر

 __________________

(١) الدارع : من عليه الدرع. والحسر ـ بضم الحاء وفتح السين المشددة ـ الرجالة في الحرب يكونون بلا درع ولا بيض.

٥٩

عن يزيد بن أبي زياد قال خرج رسول الله ص من بيت عائشة رضي الله عنها فمر على بيت فاطمة ع فسمع حسينا يبكي فقال ألم تعلمي أن بكاءه يؤذيني.

وقال البغوي يرفعه إلى أم سلمة قال كان جبرئيل عند النبي ص والحسين معي فتركته فذهب إلى النبي ص فقال جبرئيل أتحبه يا محمد قال نعم قال أما إن أمتك ستقتله وإن شئت أريتك تربة الأرض التي يقتل بها فبسط جناحه إلى الأرض فأراه أرضا يقال لها كربلاء.

وقال البغوي يرفعه إلى يعلى قال جاء الحسن والحسين يسعيان إلى رسول الله ص فأخذ أحدهما فضمه إلى إبطه وأخذ الآخر فضمه إلى إبطه الأخرى فقال هذان ريحانتان من الدنيا من أحبني فليحبهما ثم قال إن الولد مبخلة مجبنة مجهلة (١). عن البراء بن عازب قال رأيت رسول الله ص حامل الحسين بن علي على عاتقه وهو يقول اللهم إني أحبه فأحبه.

وعن أسماء بنت عميس عن فاطمة بنت محمد أن رسول الله ص أتاها يوما فقال أين ابناي يعني حسنا وحسينا قالت قلت أصبحنا وليس في بيتنا شيء يذوقه ذائق فقال علي اذهب بهما فإني أتخوف أن يبكيا عليك وليس عندك شيء فذهبا بهما إلى فلان اليهودي فوجه إليه رسول الله ص فوجدهما يلعبان في مشربة (٢) بين أيديهما فضل من تمر فقال يا علي ألا تقلب ابني قبل أن يشتد الحر عليهما قال فقال علي أصبحنا وليس في بيتنا شيء فلو جلست يا رسول الله ص حتى أجمع لفاطمة تمرات فجلس رسول الله ص وعلي ينزع لليهودي كل دلو بتمرة حتى اجتمع له شيء من تمر فجعله في حجرته ثم أقبل فحمل رسول الله ص أحدهما وحمل علي الآخر حتى أقبلهما

__________________

(١) قال الجزريّ في الحديث ان الولد مبخلة مجبنة هو مفعلة من البخل ومظنة له اي يحمل أبويه على البخل ويدعوهما إليه فيبخلان بالمال لأجله.

(٢) المشربة : ارض لينة دائمة النبات.

٦٠