كشف الغمّة في معرفة الأئمّة - ج ١

أبي الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح الاربلي

كشف الغمّة في معرفة الأئمّة - ج ١

المؤلف:

أبي الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح الاربلي


المحقق: السيد هاشم الرسولي المحلاتي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مكتبة بني هاشمي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٩٤
الجزء ١ الجزء ٢

١

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله الذي ألزمنا كَلِمَةَ التَّقْوى ووفقنا للتمسك بالسبب الأقوى وشيد لنا ربوع الإيمان فما تعفو ولا تقوى وأيدنا بعصمته فهي أبدا تشتد وتقوى أحمده حمد معترف بإحسانه مغترف من بحار امتنانه شاكر لما أولاه بحسب الإمكان مقر بالتقصير عما يجب من شكر نعمه التي لا تنفد أو تنفد مدة الزمان وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة يعتقدها الجنان وتشهد بها الجوارح والأركان ويرويها عن القلب واللسان ويجر بدائع ألفاظها البيان ويثبتها في صحائف الخلود البنان وأشهد أن محمدا صلی الله علیه وسلم عبده ورسوله ابتعثه وزند الباطل وار وأسد الكفر ضار والنفاق قد هدرت شقاشقه ونعق ناعقة واستعلت رواعده واشتعلت بوارقه فلم يزل صلی الله علیه وسلم حتى أخمد نيرانه وزلزل بنيانه وهد بسيف عليه أركانه وأردى بذي فقاره حماته وشجعانه واستقر الدين وألقى جرانه وعبدوا طوعا وكرها رحمانه ونبذ الجاهلي أصنامه وحل اليهودي سبته وكسر النصراني صلبانه صلی الله علیه وسلم الذين اقتفوا آثاره وأعلوا شعاره وكانوا في حياته وبعده أعوانه على الحق وأنصاره وعيبة علمه التي أودعها أسراره صلى‌الله‌عليه‌وآله وعليهم ما لاح نهار مشرق وأينع غصن مورق ورعد راعد وأبرق مبرق وشرف وكرم وعظم.

٢

وبعد فإن الله سبحانه وله الحمد لما هداني إلى الصراط المستقيم وسلك بي سبيل المنهج القويم وجعل هواي في آل نبيه لما اختلفت الأهواء ورأيي فيهم حيث اضطربت الآراء وولائي لهم إذ تشعب الولاء ودعائي بهم إذ تفرق الدعاء تلقيت نعمته تعالى بشكر دائم الإمداد وحمد متصل اتصال الآباد واتخذت هديهم شريعة ومنهاجا ومذهبهم سلما إلى نيل المطالب ومعراجا وحبهم علاجا لداء هفواتي (١) إذا اختار كل قوم علاجا وصرحت بموالاتهم إذا ورى غيري أوداجي (٢) فهم صلی الله علیه وسلم عدتي وعتادي وذخيرتي الباقية في معادي وأنسي إذا أسلمني طبيبي وانقضى تردد عوادي وهداتي إذا جار الدليل وحار الهادي أحد السببين اللذين من اعتلق بهما فازت قداحه وثاني الثقلين اللذين من تمسك بهما أسفر عن حمد السرى صباحه محبتهم عصمة في الأولى والعقبى ومودتهم واجبة بدليل (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) من أطاعهم فَقَدْ أَطاعَ اللهَ وراقبه ومن عصاهم فقد جاهره بالعناد وحاربه ونصب نفسه درأة لعقابه وعذابه حين ناصبه جبال العلوم الراسخة وقلل الفخار الشامخة وغرر الشرف البادية إذا انتسبوا عدوا المصطفى والمرتضى وإذا فخروا على الأملاك انقادت وأعطت الرضا وإن جادوا بخلوا السحاب الماطر وأخجلوا العباب الزاخر (٣) وإن شجعوا أرضوا الأسمر الذابل (٤) والأبيض الناضر وإن قالوا نطقوا بالصواب وأتوا بالحكمة وفصل الخطاب وعرفوا كيف تؤتى البيوت من الأبواب وطبقوا المفصل في الابتداء والجواب وما عسى أن تبلغ المدائح وإلى أين تنتهي الأفكار والقرائح وكيف تنال الصفات قدر قوم أثنى عليهم القرآن ومدحهم الرحمن فهم خيرته من العباد وصفوته من الحاضر والباد بهم تقبل الأعمال وتصلح الأحوال وتحصل السعادة والكمال

________________

(١) الهفوات جمع الهفوة : السقطة والزلة.

(٢) ورى الشيء ـ بتشديد الراء ـ أخفاء. وداجاه مداجاة ك ساتره.

(٣) العباب ـ بالضم ـ : معظم السيل.

(٤) عام اسر اذا كان جدباً لا مطر فيه. وذبل النبات : قل ماؤه وذهبت نضارته.

٣

شعر

هم القوم من أصفاهم الود مخلصا

تمسك في أخراه بالسبب الأقوى

هم القوم فاقوا العالمين مآثرا

محاسنها تجلى وآياتها تروى

بهم عرف الناس الهدى فهديهم

يضل الذي يقلى ويهدي الذي يهوى

موالاتهم فرض وحبهم هدى

وطاعتهم قربى وودهم تقوى

وقد كانت نفسي تنازعني دائما أن أجمع مختصرا أذكر فيه لمعا من أخبارهم وجملة من صفاتهم وآثارهم وكانت العوائق تمنع من المراد وعوادي الأيام تضرب دون بلوغ الغرض بالإسداد والدهر يماطل كما يماطل الغريم وحوادث الأقدار لا تنام ولا تنيم إلى أن بلغ الكتاب أجله وأراد الله تقديمه وكان أجله وأظهره في الوقت الذي قدره له وألهمني إخراجه من القوة إلى الفعل فأثبت مجمله ومفصله فأعملت فيه فكري وجمعت على ضم شوارده أمري وسألت الله أن يشد أزري ويحط بكرمه وزري ويشرح لإتمامه صدري.

فاستجاب الدعاء وتقبله وخفف عني ثقل الاهتمام وسهله فنهضت عزيمتي القاعدة وهبت همتي الراكدة وقلت لنفسي هذا أوان الشد فاشتدي وحين الاعتداد لما ينفع فاعتدي وزمان وفاء الغريم المماطل وإبان (١) إبراز الحق من حيز الباطل ووقت الاهتمام والشروع وملازمة النهج المشروع وإثبات المسند والمرفوع وذكر الأصول والفروع وضم أطراف المنقول والمسموع وتحلية الأسماع بجواهر المناقب الفائقة وإبراز الحق في صورته المعجبة الرائقة واعتمدت في الغالب النقل من كتب الجمهور ليكون أدعى إلى تلقيه بالقبول ووفق رأي الجميع متى وجهوا إلى الأصول ولأن الحجة متى قام الخصم بتشييدها والفضيلة متى نهض المخالف بإثباتها وتقييدها كانت أقوى يدا وأحسن مرادا وأصفى موردا وأورى زنادا وأثبت قواعدا وأركانا وأحكم أساسا وبنيانا وأقل شانئا وأعلى شأنا والتزم بتصديقها وإن أرمضته وحكم بتحقيقها وإن أمرضته وأعطى القيادة وإن كان حرونا (٢) وجرى في سبل الوفاق وإن كان حزونا ووافق بوده لو قدر على الخلاف وأعطى النصف من

________________

(١) ابان الشيء بكسر الهمزة وتشديد الباء : اوله. حينه.

(٢) الحرون : الذي لا ينقاد من الخيل.

٤

نفسه وهو بمعزل عن الإنصاف ولأن نشر الفضيلة حسن لا سيما إذا نبه عليها الحسود وقيام الحجة بشهادة الخصم أوكد وإن تعددت الشهود.

شعر

ومليحة شهدت لها ضراتها (١)

والفضل ما شهدت به الأعداء

ونقلت من كتب أصحابنا ما لم يتعرض الجمهور لذكره فإن النبي صلی الله علیه وسلم مسألة إجماع وإنما ذكرت شيئا من أحواله وصفاته تيمنا به صلی الله علیه وسلم وتطريزا لديباجة هذا الكتاب باسمه وتزيينا له به ص.

وأما أمير المؤمنين والحسن والحسين علیهما السلام فإنه يوجد من مناقبهم ومزاياهم في كتبهم ما لعله كاف شاف.

وأما باقي الأئمة علیهما السلام فلا يكاد جماعة من أعيانهم وعلمائهم يعرفون أسماءهم ولو عرفوها ما عدوها متسقة متوالية فضلا عن غير ذلك هذا مع حرصهم على معرفة نقلة الأخبار والأشعار وتدوين الكتب الطويلة في ذلك بل معرفة أجلاف العرب ممن قال بيتا أو أرسل مثلا بل معرفة المغنين والمغنيات ومعرفة الأبعاد ونسبة الأصوات بل معرفة المخانيث والمجانين والقصاص والمعلمين وغير ذلك مما لو عدد لطال مما لا يوجب أجرا ولا يخلد ذكرا ويرغبون عن قوم جدهم النبي صلی الله علیه وسلم وأبوهم الوصي وأمهم فاطمة وجدتهم خديجة وأخوالهم الطيب والطاهر والقاسم وعمهم جعفر ذو الجناحين وقد شهد القرآن بطهارتهم وحث الرسول صلی الله علیه وسلم على حبهم ومودتهم وقد رأيت أنا في زماني من قضاتهم ومدرسيهم من لا يرى زيارة موسى بن جعفر علیهما السلام وكانوا إذا زرناه قعدوا ظاهر السور ينتظروننا ويعودوا معنا هذا مع زيارتهم قبور الفقراء والصوفية وميلهم إلى البله والمختلين الذين لا يهتدوا إلى قول ولا يصلون ولا يتجنبون النجاسات لكونهم على عقائدهم ومن المعدودين منهم ومتى نسب أحدهم إلى محبة أهل البيت علیهما السلام أنكر واعتذر وإذا رأى كتابا

________________

(١) ضرة المرأة : امرأة زوجها.

٥

يتضمن أخبارهم وفضائلهم عده من الهذر ومزقه شذر مذر (١) نعوذ بالله من الأهواء الفاسدة والعقائد المدخولة وتجنبت فيما أثبته الإكثار واعتمدت الإيجاز والاختصار ولو أردت الإطالة وجدت السبيل إليها لاحبا وانثالت علي مفاخرهم فقمت بها خاطبا فإنها أغزر من قطر المطر وأكثر من عدد النجم والشجر ومن أين يقدر المتصدي لجمعها على الإحاطة بأقطارها والخوض كما يجب في غمارها وهل ذلك إلا طلب متعذر ومحاولة مستحيل.

شعر

وليس يصح في الأفهام شيء

إذا احتاج النهار إلى دليل

ولكني اكتفيت بقليل من كثير ويسير من غزير وقطرة من سحاب ونقطة من عباب وحق لكل قائل أن يسمي نفسه مختصرا وإن أطال ومقرا بالعي وإن بسط القول وقال وحذفت الأسانيد واكتفيت بذكر من يرويها من الأعيان تفاديا من طول الكتاب بحدثنا فلان عن فلان فإن وردت كلمة لغوية أو معنى يحتاج إلى بيان بينته بأخصر ما يمكن فإن هذا ليس بكتاب جدل فأذكر فيه الخلاف والوفاق وأحمل كل معنى من الشرح والإيضاح ما أطاق ولكني أشير إلى ذلك إشارة تليق بغرض هذا الكتاب وقصدت به التقرب إلى الله سبحانه وتعالى وإلى رسوله صلی الله علیه وسلم الطاهر وابتغاء للأجر والثواب ولأقدمه ذخيرة ليوم العرض والحساب ولأجعله مؤنسا إذا أفردت من الأحباب والأتراب (٢) وخلوت بعملي وأنا رهن الثرى والتراب فقد تصديت لإثبات مناقبهم ومفاخرهم على مقدار جهدي لا على قدرهم العالي ونظمت مزاياهم ما هو أحسن من انتظام اللئالي وأوضحت من شأنهم ما يردع القالي (٣) ويرد الغالي وأنا أرجو ببركتهم علیهما السلام أن يهدي به الله من أعنقه

________________

(١) الهذر محركة : الهذيان. ويقال : تفرقوا شذر مذر ك اي ذهبوا في كل وجه.

(٢) اتراب جمع ترب ـ بكسر التاء ـ من ولد معك.

(٣) الغالي : المبغض.

٦

الضلالة ويرشد به من خبط في عشواء الجهالة (١) وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم وقائدا لنهجه القويم وصراطه المستقيم فبه تعالى وتقدس اهتدينا إلى حبهم وصرنا من حزبهم وإليه تقدست أسماؤه تقربنا بودهم وتمسكنا بعهدهم واقتفينا منهاج رشدهم وإني لأرجو أن تهب عليه نسمات القبول ويسري في الآفاق سري الصبا والقبول ويشتهر اشتهار الصباح ويطير صيته في الأقطار وليس بذي جناح وأن ينفعه به ويحسن ثوابي عليه ويجزل حظي من إنعامه وإحسانه ويوفر نصيبي من فضله وامتنانه وسميته كتاب كشف الغمة في معرفة الأئمة.

أبتدئ بعون الله وتوفيقه بذكر النبي صلی الله علیه وسلم وأسمائه وسنه ونسبه ومبعثه وشيء من معجزاته ووقت وفاته وأذكر بعده عليا علیهما السلام وفاطمة صلی الله علیه وسلم والأئمة من ولدهما علیهما السلام على النسق والترتيب (وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ)

هذا محمد رسول الله

ذكر أسمائه

أشهرها محمد وقد نطق به القرآن المجيد واشتقاقه من الحمد يقال حمدته أحمده إذا أثبت عليه بجليل خصاله وأحمدته إذا صادفته محمودا وبناء اسمه يعطي المبالغة في بلوغه غاية المحمدة.

ومن أسمائه أحمد وقد نطق به القرآن أيضا واشتقاقه من الحمد كأحمر من الحمرة ويجوز أن يكون لغة في الحمد قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ اسْمُهُ فِي التَّوْرَاةِ أَحْمَدُ الضَّحُوكُ الْقَتَّالُ يَرْكَبُ الْبَعِيرَ وَيَلْبَسُ الشَّمْلَةَ وَيَجْتَزِي بِالْكِسْرَةِ (٢) سَيْفُهُ عَلَى عَاتِقِهِ.

ومن أسمائه صلی الله علیه وسلم الماحي عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم إِنَّ لِي أَسْمَاءً أَنَا مُحَمَّدٌ وَأَنَا أَحْمَدُ وَأَنَا الْمَاحِي يُمْحَى بِي الْكُفْرُ وَقِيلَ يُمْحَى بِهِ سَيِّئَاتُ

________________

(١) العشواء : الناقة التى لا بتصرامها. يقال «هو بخبط خبط عشواء» اي يتصرف في الامور من غير بصيرة و «انهم لفى عشواه من امرهم» اي في حيرة وقلة هداية.

(٢) الكسرة بكسر الكاف : القطعة من الشيء المكسور.

٧

مَنِ اتَّبَعَهُ وَيَجُوزُ أَنْ يُمْحَى بِهِ الْكُفْرُ وَسَيِّئَاتُ تَابِعِيهِ وَأَنَا الْحَاشِرُ يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمَيَّ وَأَنَا الْعَاقِبُ وَهُوَ الَّذِي لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ وَكُلُّ شَيْءٍ خَلَّفَ شَيْئاً فَهُوَ عَاقِبٌ وَالْمُقَفِّي وهو بمعنى العاقب لأنه تبع الأنبياء يقال فلان يقفو أثر فلان أي يتبعه.

ومن أسمائه علیهما السلام الشاهد لأنه يشهد في القيامة للأنبياء علیهما السلام بالتبليغ على الأمم بأنهم بلغوا قال الله تعالى

(فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً) (١) أي شاهدا وقال الله تعالى (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) (٢) والبشير من البشارة لأنه يبشر أهل الإيمان بالجنة ـ والنذير لأهل النار بالخزي نعوذ بالله العظيم والداعي إلى الله لدعائه إلى الله وتوحيده وتمجيده والسراج المنير لإضاءة الدنيا به ومحو الكفر بأنوار رسالته كما قَالَ الْعَبَّاسُ عَمُّهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَمْدَحُهُ

وَأَنْتَ لَمَّا وُلِدْتَ أَشْرَقَتِ الْأَرْضُ

وَضَاءَتْ بِنُورِكَ الْأُفُقُ

فَنَحْنُ فِي ذَلِكَ الضِّيَاءِ وَفِي

النُّورِ وَسُبُلِ الرَّشَادِ نَخْتَرِقُ (٣)

ومن أسمائه صلی الله علیه وسلم نبي الرحمة قال الله تعالى عزوجل (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) (٤)

وَقَالَ صلی الله علیه وسلم إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ والرحمة في كلام العرب العطف والرأفة والإشفاق وكان بالمؤمنين رحيما كما وصفه الله تعالى وَقَالَ عَمُّهُ أَبُو طَالِبٍ رَحِمَهُ اللهُ يَمْدَحُهُ

وَأَبْيَضُ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ

ثِمَالُ الْيَتَامَى عِصْمَةٌ لِلْأَرَامِلِ

وَمِنْ أَسْمَائِهِ صلی الله علیه وسلم نَبِيُّ الْمَلْحَمَةِ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ وَالْمَلْحَمَةُ الْحَرْبُ وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ بُعِثَ بِالذَّبْحِ وَرُوِيَ أَنَّهُ سَجَدَ يَوْماً فَأَتَى بَعْضُ الْكُفَّارِ بِسَلَى نَاقَةٍ فَأَلْقَاهُ عَلَى ظَهْرِهِ وَالسَّلَى بِالْقَصْرِ الْجَلْدَةُ الرَّقِيقَةُ الَّتِي يَكُونُ فِيهَا الْوَلَدُ مِنَ الْمَوَاشِي

________________

(١) النساء : ٤١.

(٢) البقرة : ١٤٣.

(٣) اخترق الارض : مرفيها.

(٤) الانبياء : ١٠٧.

٨

فَقَالَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ أَيُّ جِوَارٍ هَذَا وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِالذَّبْحِ فَقَامَ إِلَيْهِ أَبُو جَهْلٍ وَلَاذَ بِهِ مِنْ بَيْنِهِمْ وَقَالَ يَا مُحَمَّدُ مَا كُنْتَ جَهُولاً وَسُمِّيَ نَبِيَّ الْمَلْحَمَةِ بِذَلِكَ.

ومن أسمائه صلی الله علیه وسلم الضحوك كما تقدم أنه ورد في التوراة وَإِنَّمَا سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ طِيبَ النَّفْسِ ـ : وَقَدْ وَرَدَ أَنَّهُ كَانَ فِيهِ دُعَابَةٌ (١) : وَقَالَ إِنِّي لَأَمْزَحُ وَلَا أَقُولُ إِلَّا حَقّاً وَقَالَ لِعَجُوزٍ الْجَنَّةُ لَا تَدْخُلُهَا الْعُجُزُ فَبَكَتْ فَقَالَ إِنَّهُنَّ يَعُدْنَ أَبْكَاراً وروي عنه مثل هذا كثيرا ـ

وَكَانَ يَضْحَكُ حَتَّى يَبْدُو نَاجِذُهُ (٢) وقد ذكر الله سبحانه لينه ورفقه فقال (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) (٣) وكذلك كانت صفته صلی الله علیه وسلم على كثرة من ينتابه (٤) من جفاة العرب وأجلاف البادية لا يراه أحد ذا ضجر ولا ذا جفاء ولكن لطيفا في المنطق رفيقا في المعاملات لينا عند الجوار كان وجهه إذا عبست الوجوه دارة القمر عند امتلاء نوره ص.

ومن أسمائه صلی الله علیه وسلم القتال سيفه على عاتقه سمي بذلك لحرصه على الجهاد ومسارعته إلى القراع ودأبه في ذات الله وعدم إحجامه ولذلك قَالَ عَلِيٌّ علیهما السلام كُنَّا إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ اتَّقَيْنَاهُ بِرَسُولِ اللهِ لَمْ يَكُنْ مِنَّا أَحَدٌ أَقْرَبَ إِلَى الْعَدُوِّ مِنْهُ وذلك مشهور من فعله صلی الله علیه وسلم يوم أحد إذ ذهب القوم في سمع الأرض وبصرها ويوم حنين إذ ولوا مدبرين وغير ذلك من أيامه صلی الله علیه وسلم حتى أذل بإذن الله صناديدهم وقتل طواغيتهم ودوخهم (٥) واصطلم جماهيرهم وكلفه الله القتال بنفسه فقال (لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ) (٦) فسمي القتال

________________

(١) الدعا بضم الدال : اللعب والمزاح.

(٢) الناجذ ـ واحد النواجذ ـ اقصى الاضراس وهى اربعة وهي اضراس الحلم لانها تنبت بعد البلوغ وكمال العقل.

(٣) آل عمران : ١٥٩.

(٤) انتابه : قصده.

(٥) دوخ الرجل : ذلله وقهره.

(٦) النساء : ٨٤.

٩

ومن أسمائه صلی الله علیه وسلم المتوكل وهو الذي يكل أموره إلى الله فإذا أمره الله بشيء نهض به غير هيوب ولا ضرع (١) واشتقاقه من قولنا رجل وكل أي ضعيف ـ وَكَانَ صلی الله علیه وسلم إِذَا دَهِمَهُ أَمْرٌ عَظِيمٌ أَوْ نَزَلَتْ بِهِ مُلِمَّةٌ رَاجِعاً إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ غَيْرَ مُتَوَكِّلٍ عَلَى حَوْلِ نَفْسِهِ وَقُوتِهَا صَابِراً عَلَى الضَّنْكِ وَالشِّدَّةِ غَيْرَ مُسْتَرِيحٍ إِلَى الدُّنْيَا وَلَذَّاتِهَا لَا يَسْحَبُ إِلَيْهَا ذَيْلاً وَهُوَ الْقَائِلُ مَا لِي وَلِلدُّنْيَا إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلِ الدُّنْيَا كَرَاكِبٍ أَدْرَكَهُ الْمَقِيلُ فِي أَصْلِ شَجَرَةٍ فَقَالَ (٢) فِي ظِلِّهَا سَاعَةً وَمَضَى وَقَالَ علیهما السلام إِذَا أَصْبَحْتَ آمِناً فِي سَرْبِكَ مُعَافًى فِي بَدَنِكَ (٣) عِنْدَكَ قُوتُ يَوْمِكَ فَعَلَى الدُّنْيَا الْعَفَاءُ وَقَالَ لِبَعْضِ نِسَائِهِ أَلَمْ أَنْهَكِ أَنْ تَحْبِسِي شَيْئاً لِغَدٍ فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِرِزْقِ كُلِّ غَدٍ

ومن أسمائه علیهما السلام القثم وله معنيان أحدهما من القثم (٤) وهو الإعطاء لأنه كان أجود بالخير من الريح الهابة يعطي فلا يبخل ويمنح فلا يمنع وَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ الَّذِي سَأَلَهُ أَنَّ مُحَمَّداً يُعْطِي عَطَاءَ مَنْ لَا يَخَافُ الْفَقْرَ ـ وَرُوِيَ أَنَّهُ أَعْطَى فِي يَوْمِ هَوَازِنَ مِنَ الْعَطَايَا مَا قُوِّمَ خَمْسُمِائَةِ أَلْفِ أَلْفٍ وغير ذلك مما لا يحصى والوجه الآخر أنه من القثم وهو الجمع يقال للرجل الجموع للخير قثوم وقثم كذا حدث به الخليل فإن كان هذا الاسم من هذا فلم تبق منقبة رفيعة ولا خلة جليلة ولا فضيلة نبيلة إلا وكان لها جامعا قال ابن فارس والأول أصح وأقرب.

ومن أسمائه صلی الله علیه وسلم الفاتح لفتحه أبواب الإيمان المنسدة وإنارته الظلم المسودة قال الله تعالى في قصة من قال

________________

(١) الهيوب : الخائف. والضرع ككتف : الضعيف.

(٢) اي نام في منتصف النهار.

(٣) قال الجزري : في الحديث من اصبح آمنا في سربه معافى بدنه ، يقال فلان آمن في سربه بالكسر اي في نفسه وفلان وأسع السرب اي في نفسه واسع السرب اي رخي البال ويسروي بالفتح وهو المسلك والطريق

(٤) بضم القاف وفتح الثاه المثلثة

١٠

(رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِ) (١) أي احكم فسمي صلی الله علیه وسلم فاتحا لأن الله سبحانه حكمه في خلقه يحملهم على المحجة البيضاء ويجوز أن يكون من فتحه ما استغلق من العلم وكذا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ صلی الله علیه وسلم أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي صِفَتِهِ الْفَاتِحُ لِمَا اسْتُغْلِقَ والوجهان متقاربان.

ومن أسمائه الأمين وهو مأخوذ من الأمانة وأدائها وصدق الوعد وكانت العرب تسميه بذلك قبل مبعثه لما شاهدوه من أمانته وكل من أمنت منه الخلف والكذب فهو أمين ولهذا وصف به جبرئيل علیهما السلام فقال (مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ)

ومن أسمائه علیهما السلام الخاتم قال الله تعالى :

(خاتَمَ النَّبِيِّينَ) (٢) من قولك ختمت الشيء أي تممته وبلغت آخره وهي خاتمة الشيء وختامه ومنه ختم القرآن و (خِتامُهُ مِسْكٌ) أي آخر ما يستطعمونه عند فراغهم من شربه ريح المسك فسمي به لأنه آخر النبيين بعثة وإن كان في الفضل أولا قَالَ صلی الله علیه وسلم نَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا وَأُوتِينَاهُ مِنْ بَعْدِهِمْ.

فأما المصطفى فقد شاركه فيه الأنبياء صلى الله عليه وعليهم أجمعين ومعنى الاصطفاء الاختيار وكذلك الصفوة والخيرة إلا أن اسم المصطفى على الإطلاق ليس إلا له صلی الله علیه وسلم لأنا نقول آدم مصطفى نوح مصطفى إبراهيم مصطفى فإذا قلنا المصطفى تعين صلی الله علیه وسلم وذلك من أرفع مناقبه وأعلى مراتبه.

ومن أسمائه صلی الله علیه وسلم الرسول والنبي الأمي والرسول والنبي قد شاركه فيهما الأنبياء علیهما السلام والرسول من الرسالة والإرسال والنبي يجوز أن يكون من الإنباء وهو الإخبار ويحتمل أن يكون من نبأ إذا ارتفع سمي بذلك لعلو مكانه ولأنه خيرة الله من خلقه.

________________

(١) الاعراف : ٨٩.

(٢) الاحزاب : ٤٠.

١١

وأما الأمي فقال قوم إنه منسوب إلى مكة وهي أم القرى كما قال تعالى :

(بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً) (١) وقال آخرون أراد الذي لا يكتب قال ابن فارس وهذا هو الوجه لأنه أدل على معجزه فإن الله علمه علم الأولين والآخرين ومن علم الكائنات ما لا يعلمه إلا الله تعالى وهو أمي والدليل عليه قوله تعالى (وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ) (٢) وَرُوِيَ عَنْهُ نَحْنُ أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَقْرَأُ وَلَا نَكْتُبُ وقد روي غير ذلك.

ومن أسمائه (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ) ومعناهما واحد يقال زمله في ثوبه أي لفه وتزمل بثيابه أي تدثر.

والكريم في قوله تعالى (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) (٣) وسماه نورا في قوله تعالى (قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ) (٤)

ومن أسمائه نعمة في قوله (يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها) (٥) وعبدا في قوله تعالى (نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ) (٦) وَقَالَ صلی الله علیه وسلم لَا تَدْعُنِي إِلَّا بِيَا عَبْدَهُ لِأَنَّهُ أَشْرَفَ أَسْمَائِي ورءوفا ورحيما في قوله تعالى (بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) (٧) وسماه عبد الله في قوله تعالى (وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللهِ يَدْعُوهُ) (٨) وسماه (طه) و (يس) ومنذرا في قوله تعالى (إِنَّما أَنْتَ

________________

(١) الجمعة : ٢.

(٢) العنكبوت : ٤٨.

(٣) الحاقة : ٤٠. التكوير : ١٩.

(٤) المائدة : ١٥.

(٥) النحل : ٨٣.

(٦) القرقان : ١.

(٧) التوبة : ١٢٨.

(٨) الجن : ١٩.

١٢

مُنْذِرٌ) (١) ومذكر في قوله (إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ) (٢)

ونبي التوبة وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ بِإِسْنَادِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم إِنَّ اللهَ خَلَقَ الْخَلْقَ [الْخَلَائِقَ] قِسْمَيْنِ فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِهِمَا قِسْماً وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى (وَأَصْحابُ الْيَمِينِ وَأَصْحابُ الشِّمالِ) فَأَنَا مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ وَأَنَا مِنْ خَيْرِ أَصْحَابِ الْيَمِينِ ثُمَّ جَعَلَ الْقِسْمَيْنِ أَثْلَاثاً فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِهَا ثُلُثاً فَذَلِكَ قَوْلُهُ (فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ) فَأَنَا مِنَ السَّابِقِينَ وَأَنَا خَيْرُ السَّابِقِينَ ثُمَّ جَعَلَ الْأَثْلَاثَ قَبَائِلَ فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِهَا قَبِيلَةً وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى (وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا) (٣) فَأَنَا أَتْقَى وُلْدِ آدَمَ وَأَكْرَمُهُمْ عَلَى اللهِ وَلَا فَخْرَ ثُمَّ جَعَلَ القَبَائِلَ بُيُوتاً فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِهَا بَيْتاً وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (٤) فَأَنَا وَأَهْلُ بَيْتِي مُطَهَّرُونَ مِنَ الذُّنُوبِ وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ الْأَخْضَرِ الْجَنَابِذِيُّ وَذَكَرَهُ فِي كِتَابِهِ مَعَالِمِ الْعِتْرَةِ النَّبَوِيَّةِ، وَقَالَ عَمُّهُ أَبُو طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ :

شِعْرٌ

وَشُقَّ لَهُ مِنِ اسْمِهِ كَيْ يُجِلَّهَ

فَذُو الْعَرْشِ مَحْمُودٌ وَهَذَا مُحَمَّدٌ

وقيل إنه لحسان من قصيدة أولها :

ألم تر أن الله أرسل عبده

وبرهانه والله أعلى وأمجد

ومن صفاته صلی الله علیه وسلم التي وردت في الحديث راكب الجمل ومحرم الميتة وخاتم النبوة وحامل الهراوة وهي العصا الضخمة والجمع الهراوى بفتح الواو مثال المطايا ورسول الرحمة وقيل إن اسمه في التوراة بمادماد وصاحب الملحمة وكنيته أبو الأرامل واسمه في الإنجيل الفارقليط وَقَالَ صلی الله علیه وسلم أَنَا الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ الأول لأنه أول في النبوة وآخر في البعثة وكنيته أبو القاسم وَرَوَى أَنَسٌ أَنَّهُ لَمَّا وُلِدَ

________________

(١) الرعد : ٧.

(٢) الغاشية : ٦١.

(٣) الحجرات : ١٣.

(٤) الأحزاب : ٣٣.

١٣

لَهُ إِبْرَاهِيمُ مِنْ مَارِيَةَ الْقِبْطِيَّةِ أَتَاهُ جَبْرَئِيلُ علیهما السلام فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَبَا إِبْرَاهِيمَ أَوْ يَا أَبَا إِبْرَاهِيمَ صلی الله علیه وسلم

ذكر مولده صلی الله علیه وسلم

نَقَلْتُ مِنْ كِتَابِ تَارِيخِ الْمَوَالِيدِ وَوَفَاةِ أَهْلِ الْبَيْتِ علیهما السلام رِوَايَةَ الشَّيْخِ الْأَدِيبِ أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الْخَشَّابِ (١) عَنْ شُيُوخِهِ وَالنُّسْخَةُ الَّتِي نَقَلْتُ مِنْهَا بِخَطِّ الشَّيْخِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ وَضَّاحٍ الشَّهْرَابَانِيِّ رَحِمَهُ اللهُ وَكَانَ مِنْ أَعْيَانِ الْحَنَابِلَةِ فِي زَمَانِي رَأَيْتُهُ وَأَجَازَ لِي وَتُوُفِّيَ فِي ثَانِي صَفَرِ سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ وَسِتَّمِائَةٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ علیهما السلام قَالَ قُبِضَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ سَنَةً فِي سَنَةِ عَشْرٍ مِنَ الْهِجْرَةِ فَكَانَ مُقَامُهُ بِمَكَّةَ أَرْبَعِينَ سَنَةً ثُمَّ نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ فِي تَمَامِ الْأَرْبَعِينَ وَكَانَ بِمَكَّةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً ثُمَّ هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً فَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ وَقُبِضَ صلی الله علیه وسلم فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ لِلَيْلَتَيْنِ خَلَتَا مِنْهُ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَضْلُ بْنُ الْحَسَنِ الطَّبْرِسِيُّ رَحِمَهُ اللهُ وُلِدَ صلی الله علیه وسلم بِمَكَّةَ شَرَّفَهَا اللهُ تَعَالَى يَوْمَ الْجُمُعَةِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ السَّابِعَ عَشَرَ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ عَامَ الْفِيلِ وَفِي رِوَايَةِ الْعَامَّةِ وُلِدَ علیهما السلام يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَمِنْ قَائِلٍ لِلَيْلَتَيْنِ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ وَمِنْ قَائِلٍ لِعَشْرٍ خَلَوْنَ مِنْهُ وَقِيلَ لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً وَذَلِكَ لِأَرْبَعٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً وَثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ مَضَتْ مِنْ مُلْكِ كِسْرَى أَنُو شِيرَوَانَ بْنِ قُبَادَ قَاتِلِ مَزْدَكَ وَالزَّنَادِقَةِ وَهُوَ الَّذِي عَنَى رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم فِيمَا يَزْعُمُونَ وُلِدْتُ فِي زَمَنِ الْمَلِكِ الْعَادِلِ أَوِ الصَّالِحِ وَلِثَمَانِيَ سِنِينَ وَثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ مِنْ مُلْكِ عَمْرِو بْنِ هِنْدٍ مَلِكِ الْعَرَبِ وَقِيلَ بَعْدَ قُدُومِ الْفِيلِ بِشَهْرَيْنِ وَسِتَّةِ أَيَّامٍ وَرُوِيَ لِثَمَانِيَ عَشْرَةَ لَيْلَةً مِنْهُ قَالَ وَفِيهِ بُعِثَ وَفِيهِ عُرِجَ بِهِ وَفِيهِ هَاجَرَ وَفِيهِ مَاتَ رَوَاهُ

________________

(١) هو أبو محمد عبد الله أحمد البغدادي اللغوي النحوي الاديب المفسر الشاعر صاحب تاريخ مواليد ووفيات اهل البيت النبي (صلى الله عليه وسلم) كان من تلامذة الجواليقي وابن الشجري وكان خطه في نهاية الحسن توفى الحسن توفي ببغداد سنة : ٥٦٧ ودفن بقرب قبر بشر الحافي.

١٤

جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَنْصَارِيُّ وَرَوَاهُ الْبَغَوِيُّ (١) وَقِيلَ لِعَشْرٍ خَلَوْنَ مِنْهُ وَقِيلَ لِثَمَانٍ بَقِينَ مِنْهُ رَوَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَالْحَافِظُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ وَقِيلَ لِثَمَانٍ خَلَوْنَ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ.

أقول : إن اختلافهم في يوم ولادته سهل إذ لم يكونوا عارفين به وبما يكون منه وكانوا أميين لا يعرفون ضبط مواليد أبنائهم فأما اختلافهم في موته فعجيب ولا عجب من هذا مع اختلافهم في الأذان والإقامة بل اختلافهم في موته أعجب فإن الأذان ربما ادعى كل قوم أنهم رووا فيه رواية فأما يوم موته صلی الله علیه وسلم فيجب أن يكون معينا معلوما

ذكر نسبه صلی الله علیه وسلم

هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب واسمه شيبة الحمد بن هاشم واسمه عمرو بن عبد مناف واسمه المغيرة بن قصي واسمه زيد بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر وهو قريش بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان وَرُوِيَ أَنَّهُ قَالَ إِذَا بَلَغَ نَسَبِي إِلَى عَدْنَانَ فَأَمْسِكُوا

أقول إني أمسك عند عدنان كما أمر صلی الله علیه وسلم واتصال نسبه بآدم أبي البشر علیهما السلام كثير موجود في كتب التواريخ والأنساب والله أعلم.

وأمه صلی الله علیه وسلم ـ آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة وأرضعته حتى شب حليمة بنت عبد الله بن الحارث السعدية من بني سعد بن بكر بن هوازن وأرضعته ثويبة مولاة أبي لهب قبل قدوم حليمة أياما بلبن ابنها مسروح وتوفيت ثويبة مسلمة سنة سبع من الهجرة ومات ابنها قبلها وكانت ثويبة قد أرضعت قبله عمه حمزة رضي الله عنه فلهذا قَالَ صلی الله علیه وسلم وَقَدْ حُودِثَ فِي التَّزْوِيجِ بِابْنَةِ حَمْزَةَ إِنَّهَا ابْنَةُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ وكان حمزة أسن منه بأربع سنين.

________________

(١) هو ابو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز صاحب المعجم ولد ببغداد سنة ٢١٣ ونشابها وكان محدث العراق في عصرة وهو من تلامذة أحمد بن حنبل توفي سنة ٣١٧.

١٥

ذكر مدة حياته علیهما السلام

عَاشَ كَمَا ذَكَرْنَا ثَلَاثاً وَسِتِّينَ سَنَةً مِنْهَا مَعَ أَبِيهِ سَنَتَانِ وَأَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَمَعَ جَدِّهِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ثَمَانِيَ سِنِينَ ثُمَّ كَفَّلَهُ عَمُّهُ أَبُو طَالِبٍ بَعْدَ وَفَاةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَكَانَ يُكْرِمُهُ وَيَحْمِيهِ وَيَنْصُرُهُ بِيَدِهِ وَلِسَانِهِ أَيَّامَ حَيَاتِهِ وَقِيلَ إِنَّ أَبَاهُ مَاتَ وَهُوَ حَمْلٌ وَقِيلَ مَاتَ وَعُمُرُهُ سَبْعَةُ أَشْهُرٍ وَمَاتَتْ أُمُّهُ وَعُمُرُهُ سِتُّ سِنِينَ وَرَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ أَنَّهُ صلی الله علیه وسلم قَالَ اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي فِي زِيَارَةِ قَبْرِ أُمِّي فَأَذِنَ لِي فَزُورُوا الْقُبُورَ تُذَكِّرُكُمُ الْمَوْتَ.

وَتَزَوَّجَ خَدِيجَةَ وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً وَتُوُفِّيَ عَمُّهُ أَبُو طَالِبٍ وَعُمُرُهُ سِتٌّ وَأَرْبَعُونَ سَنَةً وَثَمَانِيَةُ أَشْهُرٍ وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْماً وَتُوُفِّيَتْ خَدِيجَةُ علیهما السلام بَعْدَهُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَسُمِّيَ صلی الله علیه وسلم ذَلِكَ الْعَامُ عَامَ الْحُزْنِ وَرَوَى هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلی الله علیه وسلم مَا زَالَتْ قُرَيْشٌ كَاعَّةً عَنِّي حَتَّى مَاتَ أَبُو طَالِبٍ يقال كع يكع كعوعا وحكى يونس يكع بالضم قال سيبويه والكسر أجود فهو كع وكاع إذا كان جبانا ضعيفا.

وَأَقَامَ بِمَكَّةَ بَعْدَ الْبِعْثَةِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً ثُمَّ هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ بَعْدَ أَنِ اسْتَتَرَ فِي الْغَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَقِيلَ سِتَّةَ أَيَّامٍ وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ الْحَادِيَ عَشَرَ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ وَبَقِيَ بِهَا عَشْرَ سِنِينَ ثُمَّ قُبِضَ لِلَيْلَتَيْنِ بَقِيَتَا مِنْ صَفَرٍ سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ لِلْهِجْرَةِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ علیهما السلام قَالَ لَمَّا حُضِرَ النَّبِيُّ صلی الله علیه وسلم جَعَلَ يُغْمَى عَلَيْهِ فَقَالَتْ فَاطِمَةُ وَا كَرْبَاهْ لِكَرْبِكَ (١) يَا أَبَتَاهْ فَفَتَحَ عَيْنَيْهِ وَقَالَ لَا كَرْبَ عَلَى أَبِيكَ بَعْدَ الْيَوْمِ.

وَقَالَ علیهما السلام وَالْمُسْلِمُونَ مُجْتَمِعُونَ حَوْلَهُ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي وَلَا سُنَّةَ بَعْدَ سُنَّتِي فَمَنِ ادَّعَى ذَلِكَ فَدَعْوَاهُ وَبَاغِيهِ فِي النَّارِ أَيُّهَا النَّاسُ أَحْيُوا الْقِصَاصَ وَأَحْيُوا الْحَقَّ لِصَاحِبِ الْحَقِ (وَلا تَفَرَّقُوا) وَأَسْلِمُوا وَسَلِّمُوا (كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ).

________________

(١) وفي بعض النسخ «واكربتاه لكربتك».

١٦

وَمِنْ كِتَابِ أَبِي إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيِّ قَالَ دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى النَّبِيِّ صلی الله علیه وسلم وَهُوَ قَدْ ثَقُلَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ مَتَى الْأَجَلُ قَالَ قَدْ حَضَرَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ اللهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى ذَلِكَ فَإِلَى مَا الْمُنْقَلَبُ قَالَ إِلَى السِّدْرَةِ الْمُنْتَهَى وَجَنَّةِ الْمَأْوَى وَإِلَى الرَّفِيقِ الْأَعْلَى وَالْكَأْسِ الْأَوْفَى وَالْعَيْشِ الْمُهَنَّا قَالَ أَبُو بَكْرٍ فَمَنْ يَلِي غُسْلَكَ قَالَ رِجَالُ أَهْلِ بَيْتِي الْأَدْنَى فَالْأَدْنَى قَالَ فَفِيمَ نُكَفِّنُكَ قَالَ فِي ثِيَابِي [بِثِيَابِي] هَذِهِ الَّتِي عَلَيَّ أَوْ فِي حُلَّةٍ يَمَانِيَّةٍ خَزٍّ أَوْ فِي بَيَاضِ مِصْرَ قَالَ كَيْفَ الصَّلَاةُ عَلَيْكَ فَارْتَجَّتِ الْأَرْضُ (١) بِالْبُكَاءِ فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ مَهْلاً عَفَا اللهُ عَنْكُمْ إِذَا غُسِّلْتُ وَكُفِّنْتُ فَضَعُونِي عَلَى سَرِيرِي فِي بَيْتِي هَذَا عَلَى شَفِيرِ قَبْرِي ثُمَّ اخْرُجُوا عَنِّي سَاعَةً فَإِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَوَّلُ مَنْ يُصَلِّي عَلَيَّ ثُمَّ يَأْذَنُ لِلْمَلَائِكَةِ (٢) فِي الصَّلَاةِ عَلَيَّ فَأَوَّلُ مَنْ يَنْزِلُ جَبْرَئِيلُ ثُمَّ إِسْرَافِيلُ ثُمَّ مِيكَائِيلُ ثُمَّ مَلَكُ الْمَوْتِ علیهما السلام فِي جُنُودٍ كَثِيرَةٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ بِأَجْمَعِهَا ثُمَّ ادْخُلُوا عَلَيَّ زُمْرَةً زُمْرَةً فَصَلُّوا عَلَيَ (وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) وَلَا تُؤْذُونِي بِتَزْكِيَةٍ وَلَا رَنَّةٍ وَلْيَبْدَأْ بِالصَّلَاةِ عَلَيَّ الْأَدْنَى فَالْأَدْنَى مِنْ أَهْلِ بَيْتِي ثُمَّ النِّسَاءُ ثُمَّ الصِّبْيَانُ زُمَراً قَالَ أَبُو بَكْرٍ فَمَنْ يَدْخُلُ قَبْرَكَ قَالَ الْأَدْنَى فَالْأَدْنَى مِنْ أَهْلِ بَيْتِي مَعَ مَلَائِكَةٍ لَا تَرَوْنَهُمْ قُومُوا فَأَدُّوا عَنِّي (٣) إِلَى مَنْ وَرَائَكُمْ فَقُلْتُ لِلْحَرْثِ بْنِ مُرَّةَ مَنْ حَدَّثَكَ بِهَذَا الْحَدِيثِ قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ.

وَعَنْ عَلِيٍّ علیهما السلام قَالَ كَانَ جَبْرَئِيلُ يَنْزِلُ عَلَى النَّبِيِّ صلی الله علیه وسلم فِي مَرَضِهِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَفِي كُلِّ لَيْلَةٍ فَيَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْكَ إِنَّ رَبَّكَ يُقْرِئُكَ السَّلَامَ وَيَقُولُ كَيْفَ تَجِدُكَ وَهُوَ أَعْلَمُ بِكَ وَلَكِنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَزِيدَكَ كَرَامَةً وَشَرَفاً إِلَى مَا أَعْطَاكَ عَلَى الْخَلْقِ وَأَرَادَ أَنْ تَكُونَ عِيَادَةُ الْمَرِيضِ سُنَّةً فِي أُمَّتِكَ فَيَقُولُ لَهُ النَّبِيُّ صلی الله علیه وسلم إِنْ كَانَ وَجَعاً يَا جَبْرَئِيلُ أَجِدُنِي وَجَعاً فَقَالَ لَهُ جَبْرَئِيلُ علیهما السلام اعْلَمْ يَا مُحَمَّدُ أَنَّ اللهَ لَمْ يُشَدِّدْ عَلَيْكَ وَمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ أَكْرَمُ عَلَيْهِ مِنْكَ وَلَكِنَّهُ أَحَبَّ أَنْ يَسْمَعَ صَوْتَكَ وَدُعَاءَكَ حَتَّى تَلْقَاهُ مُسْتَوْجِباً لِلدَّرَجَةِ وَالثَّوَابِ الَّذِي أَعَدَّ اللهُ لَكَ وَالْكَرَامَةِ وَ

________________

(١) اي اضطربت وتزلزلت.

(٢) وفي بعض النسخ «ثم يأمر الملائكة».

(٣) وفي نسخة «فاودعوني».

١٧

الْفَضِيلَةِ عَلَى الْخَلْقِ وَإِنْ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلی الله علیه وسلم أَجِدُنِي مُرِيحاً فِي عَافِيَةٍ قَالَ لَهُ فَاحْمَدِ اللهَ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُحِبُّ أَنْ تَحْمَدَهُ وَتَشْكُرَهُ لِيَزِيدَكَ إِلَى مَا أَعْطَاكَ خَيْراً فَإِنَّهُ يُحِبُّ أَنْ يُحْمَدَ وَيَزِيدَ مَنْ شَكَرَهُ قَالَ وَإِنَّهُ نَزَلَ عَلَيْهِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي كَانَ يَنْزِلُ فِيهِ فَعَرَفْنَا حِسَّهُ فَقَالَ عَلِيٌّ علیهما السلام فَخَرَجَ مَنْ كَانَ فِي الْبَيْتِ غَيْرِي فَقَالَ لَهُ جَبْرَئِيلُ يَا مُحَمَّدُ إِنَّ رَبَّكَ يُقْرِئُكَ السَّلَامَ وَيَسْأَلُكَ وَهُوَ أَعْلَمُ بِكَ كَيْفَ تَجِدُكَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلی الله علیه وسلم أَجِدُنِي مَيِّتاً قَالَ لَهُ جَبْرَئِيلُ يَا مُحَمَّدُ أَبْشِرْ فَإِنَّ اللهَ إِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يُبْلِغَكَ بِمَا تَجِدُ مَا أَعَدَّ لَكَ مِنَ الْكَرَامَةِ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلی الله علیه وسلم إِنَّ مَلَكَ الْمَوْتِ اسْتَأْذَنَ عَلَيَّ فَأَذِنْتُ لَهُ فَدَخَلَ وَاسْتَنْظَرْتُهُ مَجِيئَكَ فَقَالَ لَهُ جَبْرَئِيلُ يَا مُحَمَّدُ إِنَّ رَبَّكَ إِلَيْكَ مُشْتَاقٌ فَمَا اسْتَأْذَنَ مَلَكُ الْمَوْتِ عَلَى أَحَدٍ قَبْلَكَ وَلَا يَسْتَأْذِنُ عَلَى أَحَدٍ بَعْدَكَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلی الله علیه وسلم لَا تَبْرَحْ يَا جَبْرَئِيلُ حَتَّى يَعُودَ ثُمَّ أَذِنَ لِلنِّسَاءِ فَدَخَلْنَ عَلَيْهِ فَقَالَ لِابْنَتِهِ ادْنِي مِنِّي يَا فَاطِمَةُ فَأَكَبَّتْ عَلَيْهِ فَنَاجَاهَا فَرَفَعَتْ رَأْسَهَا وَعَيْنَاهَا تَهْمُلَانِ دُمُوعاً فَقَالَ لَهَا ادْنِي مِنِّي فَدَنَتْ مِنْهُ فَأَكَبَّتْ عَلَيْهِ (١) فَنَاجَاهَا فَرَفَعَتْ رَأْسَهَا وَهِيَ تَضْحَكُ فَتَعَجَّبْنَا لِمَا رَأَيْنَا فَسَأَلْنَاهَا فَأَخْبَرَتْنَا أَنَّهُ نَعَى إِلَيْهَا نَفْسَهُ فَبَكَتْ فَقَالَ لَهَا يَا بُنَيَّةِ لَا تَجْزَعِي فَإِنِّي سَأَلْتُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَكِ أَوَّلَ أَهْلِ بَيْتِي لَحَاقاً بِي فَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ قَدِ اسْتَجَابَ لِي فَضَحِكْتُ قَالَ ثُمَّ دَعَا النَّبِيُّ صلی الله علیه وسلم الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ علیهما السلام فَقَبَّلَهُمَا وَشَمَّهُمَا وَجَعَلَ يَتَرَشَّفُهُمَا وَعَيْنَاهُ تَهْمُلَانِ (٢).

وَرُوِيَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ علیهما السلام قَالَ أَتَى جَبْرَئِيلُ علیهما السلام إِلَى رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم يَعُودُهُ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ هَذَا آخِرُ يَوْمٍ أَهْبَطَ فِيهِ إِلَى الدُّنْيَا وَعَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلی الله علیه وسلم لَمَّا حُضِرَ أَتَاهُ جَبْرَئِيلُ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ الْآنَ أَصْعِدْ إِلَى السَّمَاءِ وَلَا أَنْزِلُ إِلَى الْأَرْضِ أَبَداً وَعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ علیهما السلام قَالَ لَمَّا حَضَرَتِ النَّبِيَّ صلی الله علیه وسلم الْوَفَاةُ اسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ رَجُلٌ فَخَرَجَ إِلَيْهِ عَلِيٌّ علیهما السلام فَقَالَ مَا حَاجَتُكَ قَالَ أُرِيدُ الدُّخُولَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم فَقَالَ عَلِيٌّ لَسْتَ تَصِلُ إِلَيْهِ فَمَا حَاجَتُكَ فَقَالَ الرَّجُلُ إِنَّهُ لَا بُدَّ

________________

(١) اكب على الشيء : اقبل عليه ولزمه.

(٢) رشغة : مصه بشفتيه. وترشفه اى بالغ في مصه. وهملت عنه : فأضت.

١٨

مِنَ الدُّخُولِ عَلَيْهِ فَدَخَلَ عَلِيٌّ فَاسْتَأْذَنَ النَّبِيُّ علیهما السلام فَأَذِنَ لَهُ فَدَخَلَ فَجَلَسَ عِنْدَ رَأْسِ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم ثُمَّ قَالَ يَا نَبِيَّ اللهِ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكَ قَالَ وَأَيُّ رُسُلِ اللهِ أَنْتَ قَالَ أَنَا مَلَكُ الْمَوْتِ أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ نُخَيِّرُكَ بَيْنَ لِقَائِهِ وَالرُّجُوعِ إِلَى الدُّنْيَا فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلی الله علیه وسلم فَأَمْهِلْنِي حَتَّى يَنْزِلَ جَبْرَئِيلُ فَأَسْتَشِيرُهُ وَنَزَلَ جَبْرَئِيلُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ الْآخِرَةُ (خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى) لِقَاءُ اللهِ خَيْرٌ لَكَ فَقَالَ علیهما السلام لِقَاءُ رَبِّي خَيْرٌ لِي فَامْضِ لِمَا أُمِرْتَ بِهِ فَقَالَ جَبْرَئِيلُ لِمَلَكِ الْمَوْتِ لَا تَعْجَلْ حَتَّى أَعْرُجَ إِلَى السَّمَاءِ [رَبِّي] وَأَهْبِطَ قَالَ مَلَكُ الْمَوْتِ علیهما السلام لَقَدْ صَارَتْ نَفْسُهُ فِي مَوْضِعٍ لَا أَقْدِرُ عَلَى تَأْخِيرِهَا فَعِنْدَ ذَلِكَ قَالَ جَبْرَئِيلُ يَا مُحَمَّدُ هَذَا آخِرُ هُبُوطِي إِلَى الدُّنْيَا إِنَّمَا كُنْتَ أَنْتَ حَاجَتِي فِيهَا.

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ بَيْتِهِ وَأَصْحَابُهُ فِي دَفْنِهِ فَقَالَ عَلِيٌّ علیهما السلام إِنَّ اللهَ لَمْ يَقْبِضْ رُوحَ نَبِيِّهِ إِلَّا فِي أَطْهَرِ الْبِقَاعِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُدْفَنَ حَيْثُ قُبِضَ فَأَخَذُوا بِقَوْلِهِ.

وَرَوَى الْجُمْهُورُ مَوْتَهُ فِي الْإِثْنَيْنِ ثَانِيَ عَشَرَ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ قَالُوا وُلِدَ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ وَبُعِثَ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ وَقُبِضَ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ آنِفاً وَدُفِنَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ وَدَخَلَ إِلَيْهِ الْعَبَّاسُ وَعَلِيٌّ وَالْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ وَقِيلَ وَقُثَمُ أَيْضاً وَقَالَتْ بَنُو زُهْرَةَ نَحْنُ أَخْوَالُهُ فَأَدْخِلُوا مِنَّا وَاحِداً فَأَدْخَلُوا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَيُقَالُ دَخَلَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَقَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ أَنَا أَقْرَبُكُمْ عَهْداً بِهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ أَلْقَى خَاتَمَهُ فِي الْقَبْرِ وَنَزَلَ لِيَسْتَخْرِجَهُ وَلَحَدَهُ أَبُو طَلْحَةَ وَأَلْقَى الْقَطِيفَةَ تَحْتَهُ شُقْرَانُ (١).

قَالَ صَاحِبُ كِتَابِ التَّنْوِيرِ ذُو النَّسَبَيْنِ بَيْنَ دِحْيَةَ وَالْحُسَيْنِ لَا شَكَّ أَنَّهُ تُوُفِّيَ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ السِّيَرِ وَالتَّوَارِيخِ فَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً وَهَذَا بَاطِلٌ بِيَقِينٍ وَأُصُولِ الْعِلْمِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا أَهْلُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مُخَالِفٌ لَهُ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ الْوَقْفَةَ بِعَرَفَاتٍ فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ كَانَتْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَيَكُونُ أَوَّلُ ذِي الْحِجَّةِ الْخَمِيسَ فَيَكُونُ أَوَّلُ الْمُحَرَّمِ الْجُمُعَةَ أَوِ السَّبْتِ فَإِنْ كَانَ الْجُمُعَةَ فَصَفَرٌ إِمَّا السَّبْتُ أَوِ الْأَحَدِ وَإِنْ كَانَ السَّبْتَ فَصَفَرٌ إِمَّا الْأَحَدُ أَوِ الْإِثْنَيْنِ فَإِنْ كَانَ أَوَّلُ صَفَرٍ السَّبْتَ

________________

(١) شقران كعثمان : مولى رسول الله (صلی الله علیه وسلم) واسمه صالح مات في خلافة عثمان

١٩

فَأَوَّلُ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ الْأَحَدَ أَوِ الْإِثْنَيْنِ فَإِنْ كَانَ الْأَحَدَ فَأَوَّلُ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ إِمَّا الْإِثْنَيْنِ أَوِ الثَّلَاثَاءَ فَإِنْ كَانَ الْإِثْنَيْنِ فَأَوَّلُ رَبِيعٍ إِمَّا الثَّلَاثَاءَ أَوِ الْأَرْبِعَاءَ وَكَيْفَ مَا دَارَتِ الْحَالُ عَلَى هَذَا الْحِسَابِ لَا يَكُونُ الْإِثْنَيْنِ ثَانِيَ عَشَرَ وَذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ فِي كِتَابِ الْبُرْهَانِ أَنَّهُ صلی الله علیه وسلم تُوُفِّيَ لِلَيْلَتَيْنِ خَلَتَا مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ وَكَذَا ذَكَرَ الطَّبَرِيُّ عَنِ ابْنِ الْكَلْبِيِّ وَأَبِي مِخْنَفٍ وَهَذَا لَا يَبْعُدُ أَنْ كَانَتِ الْأَشْهُرُ الثَّلَاثَةُ الَّتِي قَبْلَهُ نَوَاقِصَ فَتَدَبَّرْهُ وَذَكَرَ الْخُوَارِزْمِيُّ أَنَّهُ تُوُفِّيَ صلی الله علیه وسلم يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ أَوَّلَ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ وَهَذَا أَقْرَبُ مِمَّا ذَكَرَهُ الطَّبَرِيُّ وَالَّذِي تَلَخَّصَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَوْتُهُ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ أَوْ ثَانِيهِ أَوْ ثَالِثَ عَشْرَةَ أَوْ رَابِعَ عَشْرَةَ أَوْ خَامِسَ عَشْرَةَ لِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ وَقْفَةَ عَرَفَةَ فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ كَانَتْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ انْتَهَى كَلَامُ ذِي النَّسَبَيْنِ

ذكر آياته ومعجزاته الخارقة للعوائد

منها ما ظهر قبل مولده ومنها ما ظهر بعد ذلك فمن ذلك مَا رُوِيَ أَنَّ أُمَّهُ لَمَّا حَمَلَتْ بِهِ سَمِعَتْ قَائِلاً يَقُولُ إِنَّكِ قَدْ حَمَلْتِ بِسَيِّدِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَعَلَامَةُ ذَلِكِ أَنَّكِ تَرَيْنَ عِنْدَ وَضْعِهِ نُوراً تُضِيءُ لَهُ قُصُورُ الشَّامِ وَقِيلَ قُصُورُ بُصْرَى (١) فَإِذَا سَقَطَ إِلَى الْأَرْضِ فَقُولِي أُعِيذُكَ بِالْوَاحِدِ مِنْ شَرِّ كُلِّ حَاسِدٍ وَسَمِّيهِ مُحَمَّداً فَإِنَّ اسْمَهُ فِي التَّوْرَاةِ أَحْمَدُ يُحَمِّدُهُ أَهْلُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاسْمَهُ فِي الْقُرْآنِ مُحَمَّدٌ قَالَ فَسَمَّتْهُ بِذَلِكَ.

وَرَوَى ابْنُ خَالَوَيْهِ فِي كِتَابِ الْآلِ أَنَّ آمِنَةَ بِنْتَ وَهْبٍ أَمَّ النَّبِيِّ صلی الله علیه وسلم رَأَتْ فِي مَنَامِهَا أَنَّهُ يُقَالُ لَهَا إِنَّكِ قَدْ حَمَلْتِ بِخَيْرِ الْبَرِيَّةِ وَسَيِّدِ الْعَالَمِينَ فَإِذَا وَلَدْتِهِ فَسَمِّيهِ مُحَمَّداً فَإِنَّ اسْمَهُ فِي التَّوْرَاةِ حَامِدٌ وَفِي الْإِنْجِيلِ أَحْمَدُ وَعَلِّقِي عَلَيْهِ هَذِهِ التَّمِيمَةَ التَّمِيمَةُ التَّعْوِيذُ قَالَتْ فَانْتَبَهْتُ وَعِنْدَ رَأْسِي صَحِيفَةٌ مِنْ ذَهَبٍ مَكْتُوبٌ فِيهَا أُعِيذُهُ بِالْوَاحِدِ مِنْ شَرِّ كُلِّ حَاسِدٍ وَكُلِّ خَلْقٍ مَارِدٍ مِنْ قَائِمٍ وَقَاعِدٍ عَنِ الْقَبِيلِ [السَّبِيلِ] عَانِدٍ عَلَى الْفَسَادِ جَاهِدٍ يَأْخُذُ بِالْمَرَاصِدِ مِنْ طُرُقِ الْمَوَارِدِ أَنْهَاهُمْ عَنْهُ بِاللهِ

________________

(١) بصرى ـ كحبلى ـ : بلد بالشام.

٢٠