كشف الغمّة في معرفة الأئمّة - ج ٢

أبي الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح الاربلي

كشف الغمّة في معرفة الأئمّة - ج ٢

المؤلف:

أبي الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح الاربلي


المحقق: السيد هاشم الرسولي المحلاتي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة بني هاشمي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٦٠
الجزء ١ الجزء ٢

ولا عليها معقلة إنما ذلك على الرجل فقلت في نفسي قد كان قيل لي إن ابن أبي العوجاء سأل أبا عبد الله عن هذه المسألة فأجابه بهذا الجواب فأقبل أبو محمد علي فقال نعم هذه مسألة ابن أبي العوجاء والجواب منا واحد إذا كان معنى المسألة واحدا جرى لآخرنا ما جرى لأولنا وأولنا وآخرنا في العلم سواء ولرسول الله ع ولأمير المؤمنين فضلهما.

وعنه قال كتب إليه بعض مواليه يسأله أن يعلمه دعاء فكتب إليه أن ادع بهذا الدعاء ـ يا أسمع السامعين ويا أبصر المبصرين ويا عز الناظرين ويا أسرع الحاسبين ويا ارحم الراحمين ويا أحكم الحاكمين صل على محمد وآل محمد وأوسع لي في رزقي ومد لي في عمري وامنن علي برحمتك واجعلني ممن تنتصر به لدينك ولا تستبدل بي غيري قال أبو هاشم فقلت في نفسي اللهم اجعلني في حزبك وفي زمرتك فأقبل علي أبو محمد فقال أنت في حزبه وفي زمرته إذ كنت بالله مؤمنا ولرسوله مصدقا ولأوليائه عارفا ولهم تابعا فأبشر ثم أبشر.

قال أبو هاشم سمعت أبا محمد يقول إن لكلام الله فضلا على الكلام كفضل الله على خلقه ولكلامنا فضل على كلام الناس كفضلنا عليهم.

وعن محمد بن الحسن بن ميمون قال كتبت إليه أشكو الفقر ثم قلت في نفسي أليس قد قال أبو عبد الله الفقر معنا خير من الغنى مع غيرنا والقتل معنا خير من الحياة مع عدونا فرجع الجواب إن الله عزوجل محص أولياءنا إذا تكاثفت ذنوبهم بالفقر وقد يعفو عن كثير منهم كما حدثتك نفسك الفقر معنا خير من الغنى مع غيرنا والقتل معنا خير من الحياة مع عدونا ونحن كهف لمن التجأ إلينا ونور لمن استبصر بنا وعصمة لمن اعتصم بنا من أحبنا كان معنا في السنام الأعلى ومن انحرف عنا فإلى النار.

وعن أبي هاشم قال دخلت على أبي محمد وأنا أريد أن أسأله ما أصوغ به خاتما أتبرك به فجلست وأنسيت ما جئت له ثم ودعته ونهضت فرمى إلي بخاتم فقال لي

٤٢١

أردت فضة فأعطيناك خاتما ربحت الفص والكراء (١) هناك الله يا أبا هاشم فقلت يا سيدي أشهد أنك ولي الله وإمامي الذي أدين الله بفضله وطاعته فقال يغفر الله لك يا أبا هاشم.

وعن علي بن عمر النوفلي قال كنت مع أبي الحسن في صحن داره فمر علينا جعفر فقلت له جعلت فداك هذا صاحبنا قال لا صاحبكم الحسن.

وعن الحجاج بن سفيان العبدي قال خلفت ابني بالبصرة عليلا وكتبت إلى أبي محمد أسأله الدعاء فكتب رحم الله ابنك إنه كان مؤمنا قال حجاج فورد علي كتاب من البصرة أن ابني مات في اليوم الذي كتب إلي أبو محمد بموته وكان ابني شك في الإمامة للاختلاف الذي جرى بين الشيعة.

وعن محمد بن درياب الرقاشي قال كتبت إلى أبي محمد أسأله عن المشكاة (٢) وأن يدعو الله لامرأتي وكانت حاملا على رأس ولدها أن يرزقني الله ولدا ذكرا وسألته أن يسميه فرجع الجواب المشكاة قلب محمد ع ولم يجبني عن امرأتي بشيء وكتب في آخر الكتاب عظم الله أجرك وأخلف عليك فولدت ولدا ميتا وحملت بعده فولدت غلاما.

قال عمر بن أبي مسلم كان سميع المسمعي يؤذيني كثيرا ويبلغني عنه ما أكره وكان ملاصقا لداري فكتبت إلى أبي محمد أسأله الدعاء بالفرج منه فرجع الجواب أبشر بالفرج سريعا وأنت مالك داره فمات بعد شهر واشتريت داره فوصلتها بداري ببركته.

عن محمد بن عبد العزيز البلخي قال أصبحت يوما فجلست في شارع الغنم فإذا بأبي محمد قد أقبل من منزله يريد دار العامة فقلت في نفسي ترى إن صحت أيها الناس هذا حجة الله عليكم فاعرفوه يقتلوني فلما دنا مني أومأ بإصبعه السبابة علي فيه أن اسكت

__________________

(١) الكرى : اجرة المستأجر

(٢) يعني المشكاة في قوله تعالى :«مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ»الآية (سورة النور : ٣٥).

٤٢٢

ورأيته تلك الليلة يقول إنما هو الكتمان أو القتل فاتق الله على نفسك.

وحدث محمد بن الأقرع قال كتبت إلى أبي محمد أسأله عن الإمام هل يحتلم وقلت في نفسي بعد ما فصل الكتاب الاحتلام شيطنة وقد أعاذ الله أولياءه من ذلك فرد الجواب الأئمة حالهم في المنام حالهم في اليقظة لا يغير النوم منهم شيئا قد أعاذ الله أولياءه من لمة الشيطان (١) كما حدثتك نفسك.

وعن أبي بكر قال عرض علي صديق أن أدخل معه في شراء ثمار من نواحي شتى فكتبت إلى أبي محمد أشاوره فكتب لا تدخل في شيء من ذلك ما أغفلك عن الجراد والحشف فوقع الجراد فأفسده وما بقي منه تحشف (٢) وأعاذني الله من ذلك ببركته.

حدثني الحسن بن ظريف قال كتبت إلى أبي محمد أسأله ما معنى قول رسول الله ص لأمير المؤمنين ع من كنت مولاه فهذا مولاه قال أراد بذلك أن يجعله علما يعرف به حزب الله عند الفرقة.

قال وكتبت إلى أبي محمد وقد تركت التمتع منذ ثلاثين سنة وقد نشطت لذلك وكان في الحي امرأة وصفت لي بالجمال فمال قلبي إليها وكانت عاهرا (٣) لا تمنع يد لامس فكرهتها ثم قلت قد قال تمتع بالفاجرة فإنك تخرجها من حرام إلى حلال فكتبت إلى أبي محمد أشاوره في المتعة وقلت أيجوز بعد هذه السنين أن أتمتع فكتب إنما تحيي سنة وتميت بدعة فلا بأس وإياك وجارتك المعروفة بالعهر وإن حدثتك نفسك أن آبائي قالوا تمتع بالفاجرة فإنك تخرجها من حرام إلى حلال فهذه امرأة معروفة بالهتك وهي جارة وأخاف عليك استفاضة الخبر فيها فتركتها ولم أتمتع بها وتمتع بها شاذان بن سعد رجل من إخواننا وجيراننا فاشتهر بها حتى علا أمره وصار إلى السلطان وأغرم بسببها مالا نفيسا

__________________

(١) اللم بمعنى المس

(٢) الحشف : اليابس الفاسد من التمر

(٣) العهر : الفجور.

٤٢٣

وأعاذني الله من ذلك ببركة سيدي.

وعن سيف بن الليث قال خلفت ابنا لي عليلا بمصر عند خروجي منها وابنا لي آخر شرا منه هو كان وصيي وقيمي على عيالي وفي ضياعي فكتبت إلى أبي محمد وسألته الدعاء لابني العليل فكتب إلي قد عوفي الصغير ومات الكبير الذي هو وصيك وقيمك فاحمد الله ولا تجزع فيحبط أجرك فورد علي الكتاب بالخبر أن ابني الصغير عوفي من علته ومات ابني الكبير يوم ورد علي جواب أبي محمد ع.

وعن محمد بن حمزة السروري قال كتبت على يد أبي هاشم داود بن القاسم الجعفري وكان لي مواخيا إلى أبي محمد أسأله أن يدعو لي بالغنى وكنت قد أملقت (١) فأوصلها وخرج الجواب على يده أبشر فقد أجلك الله تبارك وتعالى بالغنى مات ابن عمك يحيى بن حمزة وخلف مائة ألف درهم وهي واردة عليك فاشكر الله وعليك بالاقتصار وإياك والإسراف فإنه من فعل الشيطنة فورد علي بعد ذلك قادم معه سفاتج من حران وإذا ابن عمي قد مات في اليوم الذي رجع إلي أبو هاشم بجواب مولاي أبي محمد فاستغنيت وزال الفقر عني كما قال سيدي فأديت حق الله في مالي وبردت إخواني وتماسكت بعد ذلك وكنت رجلا مبذرا كما أمرني أبو محمد ع.

وعن محمد بن صالح الخثعمي قال كتبت إلى أبي محمد أسأله عن البطيخ وكنت به مشعوفا فكتب إلي لا تأكله على الريق فإنه يولد الفالج وكنت أريد أن أسأله عن صاحب الزنج الذي خرج بالبصرة (٣) فنسيت حتى نفذ كتابي إليه فوقع

__________________

(١) الاملاق : الفقر.

(٢) السفاتج جمع السفتجة معرب «سفته». وحران : اسم موضع.

(٣) صاحب الزنج هو الذي يؤمى أمير المؤمنين (ع) : إلى خروجه واعماله فيما يخبر به عن الملاحم بالبصرة ، قال (ع) : يا أحنف كانى به وقد سار بالجيش الذي لا يكون له غبار ولا لجب ولا قعقعة لجم ولا حمحمة خيل ، يثيرون الأرض باقدامهم كأنها اقدام النعام ... ا ه ـ

٤٢٤

صاحب الزنج ليس من أهل البيت.

محمد بن الربيع الشيباني قال ناظرت رجلا من الثنوية بالأهواز ثم قدمت سر من رأى وقد علق بقلبي شيء من مقالته فإني لجالس على باب أحمد بن الخضيب إذ أقبل أبو محمد من دار العامة يوم الموكب فنظر إلي وأشار بسبابته أحد أحد فوحده فسقطت مغشيا علي.

وعن علي بن زيد بن علي بن الحسين بن زيد قال دخلت على أبي محمد وإني لجالس عنده إذ ذكرت منديلا كان معي فيه خمسون دينارا فقلقت لها فقال أبو محمد ع لا بأس هي مع أخيك محفوظة إن شاء الله فأتيت منزلي فدفعها إلي أخي

علي بن محمد بن الحسن قال وافت جماعة من الأهواز من أصحابنا وخرج السلطان إلى صاحب البصرة فخرجنا نريد النظر إلى أبي محمد ع فنظرنا إليه ماضيا معه وقد قعدنا بين الحائطين بسر من رأى ننتظر رجوعه فرجع فلما حاذانا وقرب منا وقف ومد يده إلى قلنسوته فأخذها عن رأسه وأمسكها بيده وأمر يده الأخرى على رأسه وضحك في وجه رجل منا فقال الرجل مبادرا أشهد أنك حجة الله وخيرته فقلنا يا هذا ما شأنك قال كنت شاكا فيه فقلت في نفسي إن رجع

__________________

ـ وقد ذكر قصة الرجل واسمه ابن أبي الحديد في شرح النهج (ج ٢ ص ٣١١ ط مصر) قال : انه ظهر في فرات البصرة في سنة خمس وخمسين ومأتين وادعى انه علي بن محمّد بن أحمد بن عيسى بن زيد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام فتبعه الزنج الذين كانوا يكسحون السباخ في البصرة ، ثمّ قال : ان جمهور النسابين اتفقوا على أنه من عبد القيس وانه عليّ بن محمّد بن عبد الرحيم وأمه اسدية من أسد بن خزيمة ، جدها محمّد بن حكيم الأسدي من أهل الكوفة أحد الخارجين مع زيد بن عليّ عليه السلام على هشام بن عبد الملك ، فلما قتل زيد هرب فلحق بالري وجاء إلى القرية التي يقال لها ورزنين ، فأقام بها مدة وبهذه القرية ولد عليّ بن محمّد صاحب الزنج ، ثمّ نقل كلام صاحب مروج الذهب بأن أفعال عليّ بن محمّد صاحب الزنج تدلّ على أنه لم يكن طالبيا من قتل النساء والأطفال والشيخ الفاني والمريض ... ا ه

٤٢٥

وأخذ القلنسوة من رأسه قلت بإمامته.

وعن أبي سهل البلخي قال كتب رجل إلى أبي محمد يسأله الدعاء لوالديه وكانت الأم غالية والأب مؤمنا فوقع رحم الله والدك.

وكتب آخر يسأل الدعاء لوالديه وكانت الأم مؤمنة والأب ثنويا فوقع رحم الله والدتك والتاء منقوطة بنقطتين من فوق.

وعن جعفر بن محمد بن موسى قال كنت قاعدا بالعشي فمر بي وهو راكب وكنت أشتهي الولد شهوة شديدة فقلت في نفسي ترى أرزق ولدا فقال برأسه أي نعم فقلت ذكرا فقال برأسه لا فولدت لي ابنة.

وحدث أبو يوسف الشاعر القصير شاعر المتوكل قال ـ ولد لي غلام وكنت مضيقا فكتبت رقاعا إلى جماعة استرفدهم فرجعت بالخيبة قال قلت أجيء فأطوف حول الدار طوفة وصرت إلى الباب فخرج أبو حمزة ومعه صرة سوداء فيها أربع مائة درهم فقال يقول لك سيدي أنفق هذه على المولود بارك الله لك فيه.

وعن بدل مولاة أبي محمد قال ـ رأيت عند رأس أبي محمد نورا ساطعا إلى السماء وهو نائم.

حدث أبو القاسم كاتب راشد قال خرج رجل من العلويين من سر من رأى في أيام أبي محمد إلى الجبل يطلب الفضل فتلقاه رجل بحلوان فقال من أين أقبلت قال من سر من رأى قال هل تعرف درب كذا وموضع كذا قال نعم فقال عندك من أخبار الحسن بن علي شيء قال لا قال فما أقدمك الجبل قال طلب الفضل قال فلك عندي خمسون دينارا فأقبضها وانصرف معي إلى سر من رأى حتى توصلني إلى الحسن بن علي فقال نعم فأعطاه خمسين دينارا وعاد العلوي معه فوصلا إلى سر من رأى فاستأذنا على أبي محمد فأذن لهما فدخلا وأبو محمد قاعد في صحن الدار فلما نظر إلى الجبلي قال له أنت فلان بن فلان قال نعم قال أوصى إليك أبوك وأوصى لنا بوصية فجئت تؤديها ومعك أربعة آلاف دينار هاتها فقال الرجل نعم فدفع إليه المال ثم نظر إلى العلوي فقال خرجت إلى الجبل تطلب الفضل فأعطاك هذا الرجل خمسين دينارا فرجعت معه ونحن نعطيك خمسين دينارا فأعطاه.

٤٢٦

وولد أبو محمد الحسن بن علي في شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وثلاثين ومائتين وقبض يوم الجمعة لثمان خلون من شهر ربيع الأول سنة ستين ومائتين وهو ابن ثمان وعشرين سنة هذا ما أردت نقله من كتاب الدلائل.

قال قطب الدين الراوندي في كتابه روى أحمد بن محمد عن جعفر بن الشريف الجرجاني قال حججت سنة فدخلت على أبي محمد بسر من رأى وقد كان أصحابنا حملوا معي شيئا من المال فأردت أن أسأله إلى من أدفعه فقال قبل أن قلت ذلك ادفع ما معك إلى المبارك خادمي ففعلت وقلت شيعتك بجرجان يقرءون عليك السلام قال أولست منصرفا بعد فراغك من الحج قلت بلى قال فإنك تصير إلى جرجان من يومك هذا إلى مائة وتسعين يوما وتدخلها يوم الجمعة لثلاث ليال مضين من شهر ربيع الآخر في أول النهار فأعلمهم أني أوافيهم في ذلك اليوم آخر النهار فامض راشدا فإن الله سيسلمك ويسلم ما معك فتقدم على أهلك وولدك ويولد لولدك الشريف ابن فسمه الصلت وسيبلغ ويكون من أوليائنا فقلت يا ابن رسول الله إن إبراهيم بن إسماعيل الجلختي وهو من شيعتك كثير المعروف إلى أوليائك يخرج إليهم في السنة من ماله أكثر من مائة ألف درهم وهو أحد المبتلين في نعم الله بجرجان فقال شكرا لله لأبي إسحاق إبراهيم بن إسماعيل صنيعه إلى شيعتنا وغفر له ذنوبه ورزقه ذكرا سويا قائلا بالحق فقل له يقول لك الحسن بن علي سم ابنك أحمد فانصرفت من عنده وحججت وسلمني الله حتى وافيت جرجان في يوم الجمعة أول النهار لثلاث ليال مضين من شهر ربيع الآخر على ما ذكر ع وجاءني أصحابي يهنئوني فأعلمتهم أن الإمام وعدني أن يوافيكم في آخر هذا اليوم فتأهبوا لما تحتاجون إليه وأعدوا مسائلكم وحوائجكم كلها فلما صلوا الظهر والعصر اجتمعوا كلهم في داري فو الله ما شعرنا إلا وقد وافى أبو محمد ع فدخل ونحن مجتمعون فسلم هو أولا علينا فاستقبلناه وقبلنا يده ثم قال إني كنت وعدت جعفر بن الشريف أن أوافيكم آخر هذا اليوم فصليت الظهر والعصر بسر من رأى وصرت إليكم لأجدد بكم عهدا وها أنا قد جئتكم الآن فاجمعوا مسائلكم و

٤٢٧

حوائجكم كلها فأول من انتدب لمسألته النضر بن جابر فقال يا ابن رسول الله إن ابني جابرا أصيب ببصره فادع الله أن يرد عينيه قال فهاته فجاء به فمسح يده على عينيه فعاد بصره ثم تقدم رجل فرجل يسألونه حوائجهم فأجابهم إلى كل ما سألوه حتى قضى حوائج الجميع ودعا لهم بخير وانصرف من يومه ذلك.

ومنها ما روي عن علي بن زيد بن علي بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين قال صحبت أبا محمد في دار العامة إلى منزله فلما صار إلى داره وأردت الانصراف قال أمهل ودخل فأذن لي فدخلت فأعطاني مائة دينار وقال صيرها في ثمن جارية فإن جاريتك فلانة ماتت وكنت خرجت من المنزل وعهدي بها أنشط ما كانت فمضيت فقال الغلام ماتت جاريتك فلانة الساعة قلت ما حالها قال شربت ماء فشرقت فماتت.

وعن علي بن زيد قال اعتل ابني أحمد فكتبت إلى أبي محمد أسأله الدعاء فخرج توقيعه أما علم علي أن (لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ) فمات الابن.

ومنها ما روي عن المحمودي قال كتبت إلى أبي محمد أسأله الدعاء أن أرزق ولدا فوقع رزقك الله ولدا وأجرا فولد لي ابن ومات.

وعن محمد بن علي بن إبراهيم الهمداني قال كتبت إلى أبي محمد أسأله أن يدعو الله أن أرزق ولدا ذكرا من ابنة عمي فوقع رزقك الله ذكرانا فولد لي أربعة.

ومنها ما روي عن عمر بن محمد بن زياد الصيمري قال دخلت على أبي أحمد عبد الله بن طاهر وبين يديه رقعة أبي محمد ع وفيها إني نازلت الله في هذا الطاغي يعني المستعين وهو آخذه بعد ثلاث فلما كان اليوم الثالث خلع وكان من أمره ما كان.

ومنها ما قال يحيى بن المرزبان التقيت رجلا من أهل السيب سيماه الخير وأخبرني أنه كان له ابن عم ينازعه في الإمامة والقول في أبي محمد وغيره فقلت لا أقول به أو أرى علامة فوردت العسكر في حاجة فأقبل أبو محمد فقلت في نفسي متعنتا إن مد يده إلى رأسه فكشفه ثم نظر إلي ورده قلت به فلما حاذاني مد يده

٤٢٨

إلى رأسه فكشفه ثم برق عينيه في ثم ردها ثم قال يا يحيى ما فعل ابن عمك الذي تنازعه في الإمامة فقلت خلفته صالحا فقال لا تنازعه ومضى.

ومنها ما روي عن أبي الفرات قال كان لي على ابن عم لي عشرة آلاف درهم فطالبته بها مرارا فمنعنيها فكتبت إلى أبي محمد أسأله الدعاء فكتب إلي أنه راد عليك مالك وهو ميت بعد جمعة قال فرد ابن عمي علي مالي فقلت له ما بدا لك في رده وقد منعتنيه قال رأيت أبا محمد في المنام فقال إن أجلك قد دنا فرد على ابن عمك ماله.

ومنها ما روي عن علي بن الحسن بن سابور قال قحط الناس بسر من رأى في زمن الحسن الأخير فأمر المتوكل بالخروج إلى الاستسقاء فخرجوا ثلاثة أيام يستسقون ويدعون فما سقوا فخرج الجاثليق في اليوم الرابع إلى الصحراء ومعه النصارى والرهبان فكان فيهم راهب فلما مد يده هطلت السماء بالمطر وخرجوا اليوم الثاني فهطلت السماء فشك أكثر الناس وتعجبوا وصبوا إلى دين النصرانية (١) فأنفذ المتوكل إلى الحسن وكان محبوسا فأخرجه من حبسه وقال ألحق أمة جدك فقد هلكت فقال إني خارج من الغد ومزيل الشك إن شاء الله فخرج الجاثليق في اليوم الثالث والرهبان معه وخرج الحسن ع في نفر من أصحابه فلما بصر بالراهب وقد مد يده أمر بعض مماليكه أن يقبض على يده اليمنى ويأخذ ما بين إصبعيه ففعل وأخذ منه عظما أسود فأخذه الحسن بيده وقال استسق الآن فاستسقى وكانت السماء مغيمة فتقشعت وطلعت الشمس بيضاء فقال المتوكل ما هذا العظم يا با محمد فقال ع هذا الرجل عبر بقبر نبي من أنبياء الله فوقع في يده هذا العظم وما كشف عن عظم نبي إلا هطلت السماء بالمطر.

ومنها ما روي عن أحمد بن محمد بن مطهر قال كتب بعض أصحابنا من أهل الجبل إلى أبي محمد يسأله عمن وقف على أبي الحسن موسى أتولاهم أم أتبرأ منهم فكتب إليه لا تترحم على عمك لا رحم الله عمك وتبرأ منه أنا إلى الله منه بريء

__________________

(١) صبا : خرج من دين إلى دين آخر.

٤٢٩

فلا تتولهم ولا تعد مرضاهم ولا تشهد جنائزهم (وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً) من جحد إماما من الله أو أزاد إماما ليست إمامته من الله كان كمن قال (إِنَّ اللهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ) إن الجاحد أمر آخرنا جاحد أمر أولنا والزائد فينا كالناقص الجاحد أمرنا وكان السائل لا يعلم أن عمه منهم فأعلمه ذلك آخر ما نقلته من كتاب الراوندي.

وقال الطبرسي في كتابه إعلام الورى الباب العاشر في ذكر الإمام الزكي أبي محمد الحسن بن علي ع وفيه أربعة فصول.

الفصل الأول في تاريخ مولده ومبلغ سنه ووقت وفاته ع كان مولده بالمدينة يوم الجمعة لثمان ليال خلون من شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وثلاثين ومائتين وقبض بسر من رأى لثمان خلون من شهر ربيع الأول سنة ستين ومائتين وله يومئذ ثمان وعشرون سنة وأمه أم ولد يقال لها حديث وكانت مدة خلافته ست سنين ولقبه الهادي والسراج والعسكري وكان هو ع وأبوه وجده يعرف كل منهم في زمانه بابن الرضا وكانت في سني إمامته بقية ملك المعتز أشهر ثم ملك المهتدي أحد عشر شهرا وثمانية وعشرين يوما ثم ملك أحمد المعتمد على الله ابن جعفر المتوكل عشرين سنة وأحد عشر شهرا وبعد مضي خمس سنين من ملكه قبض الله أبا محمد ع ودفن في داره بسر من رأى في البيت الذي دفن فيه أبوه ع وذهب كثير من أصحابنا إلى أنه ع مضى مسموما وكذلك أبوه وجده وجميع الأئمة ع خرجوا من الدنيا بالشهادة واستدلوا على ذلك. بما روي عن الصادق ع والله ما منا إلا مقتول أو شهيد والله أعلم بحقيقة ذلك.

قلت قد تقدم قبل هذا أنه ع كتب أني نازلت الله في هذا الطاغي يعني المستعين والطبرسي لم يعد المستعين من الخلفاء الذين كانوا في زمانه ع وكان هذا وأمثاله من غلط الرواة والنساخ فإن المستعين بويع له في أوائل ربيع الآخر سنة ثمان وأربعين ومائتين وكانت مدة ملكه ثلاث سنين وتسعة أشهر وقيل ثمانية أشهر فلا يكون ملكه في أيام إمامة أبي محمد ع فكيف ينازل الله فيه فإما أن يكون غير المستعين أو يكون المنازل أبو الحسن أبوه ع وللتحقيق حكم.

٤٣٠

الفصل الثاني في ذكر النصوص الدالة على إمامته ع يدل على إمامته بعد طريقي الاعتبار والتواتر اللذين ذكرناهما في إمامة من تقدمه من آبائه ع وذكر النصوص التي تقدم ذكرها من تعيين أبيه عليه ع.

الفصل الثالث في ذكر طرف من آياته ومعجزاته ع.

قلت أذكر من هذا الفصل ما لم أكن ذكرته فيما تقدم. : فمن ذلك ما قال أبو هاشم الجعفري كنت عند أبي محمد ع فاستؤذن لرجل من أهل اليمن فدخل رجل جميل طويل جسيم فسلم عليه بالولاية فرد عليه بالقبول وأمره بالجلوس فجلس إلى جنبي فقلت في نفسي ليت شعري من هذا فقال أبو محمد هذا من ولد الأعرابية صاحبة الحصاة التي طبع آبائي فيها ثم قال هاتها فأخرج حصاة في جانب منها موضع أملس فأخذها وأخرج خاتمه وطبعها فانطبع وكأني أقرأ الخاتم الساعة الحسن بن علي فقلت لليماني ما رأيته قط قبل هذا فقال لا والله وإني منذ دهر حريص على رؤيته حتى كان الساعة أتاني شاب لست أراه فقال قم فادخل فدخلت ثم نهض وهو يقول (رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ) أشهد أن حقك لواجب كوجوب حق أمير المؤمنين والأئمة من بعده صلوات الله عليهم أجمعين وإليك انتهت الحكمة والإمامة وأنك والله لا عذر لأحد في الجهل به فسألت عن اسمه فقال اسمي مهجع بن الصلت بن عقبة بن سمعان بن غانم ابن أم غانم الأعرابية اليمانية صاحبة الحصاة التي ختم بها أمير المؤمنين.

وقال أبو هاشم الجعفري في ذلك

بدرب الحصى مولى لنا يختم الحصى

له الله أصفى بالدليل وأخلصا

وأعطاه آيات الإمامة كلها

كموسى وفلق البحر واليد والعصا

وما قمص الله النبيين حجة

ومعجزة إلا الوصيين قمصا

فمن كان مرتابا بذاك فقصره

من الأمر أن يتلو الدليل ويفحصا

قال أبو عبد الله بن عياش هذه أم غانم صاحبة الحصاة غير تلك صاحبة الحصاة وهي أم الندى حبابة بنت جعفر الوالبية الأسدية والثالثة التي طبع فيها رسول الله

٤٣١

ص وأمير المؤمنين ع فهي أم سليم وكانت وارثة الكتب ولكل واحدة منهم خبر قد رويته ولم أطل الكتاب بذكره.

قلت وإنما ذكرت هذه لأنه أتم مما تقدم.

وحدث أبو هاشم داود بن القاسم الجعفري قال كنت في الحبس المعروف بحبس حسيس (١) في الجوسق الأحمر أنا والحسن بن محمد العقيقي ومحمد بن إبراهيم العمري وفلان وفلان إذ دخل علينا أبو محمد الحسن وأخوه جعفر فخففنا له (٢) وكان المتولي لحبسه صالح بن وصيف وكان معنا في الحبس رجل جمحي يقول إنه علوي قال فالتفت أبو محمد فقال لو لا أن فيكم من ليس منكم لأعلمتكم متى يفرج عنكم وأومأ إلى الجمحي أن يخرج فخرج فقال أبو محمد هذا ليس منكم فاحذروه فإن في ثيابه قصة قد كتبها إلى السلطان يخبره فيها بما تقولون فيه فقام بعضهم ففتش ثيابه فوجد القصة يذكرنا فيها بكل عظيمة وكان الحسن ع يصوم فإذا أفطر أكلنا معه من طعام كان يحمله غلامه إليه في جونة مختومة (٣) وكنت أصوم معه فلما كان ذات يوم ضعفت فأفطرت في بيت آخر على كعكة (٤) وما شعر والله به أحد ثم جئت فجلست معه فقال لغلامه أطعم أبا هاشم شيئا فإنه مفطر فتبسمت فقال ما يضحك يا أبا هاشم إذا أردت القوة فكل اللحم فإن الكعك لا قوة فيه فقلت صدق الله ورسوله وأنتم فقال لي أفطر ثلاثا فإن المنة لا ترجع (٥) إذا نهكها الصوم في أقل من ثلاث فلما كان في اليوم الذي أراد الله أن يفرج عنه

__________________

(١) وفي بعض النسخ «حبيس» ونسخة المصدر خلت من اللفظة رأسا.

(٢) أي أسرعنا إلى خدمته ، وفي بعض النسخ «فحففنا به» بالحاء المهملة من قولهم حف له اي أطاف به.

(٣) الجونة : الخابية المطلية بالغار.

(٤) الكعكة واحدة الكعك : خبز يعمل مستديرا من الدقيق والحليب والسكر أو غير ذلك معرب «كاك».

(٥) المنة بالضم ـ : القوّة.

٤٣٢

جاءه الغلام فقال يا سيدي أحمل فطورك فقال احمل وما أحسب أنا نأكل منه فحمل الغلام الطعام للظهر وأطلق عنه عند العصر وهو صائم وقال كلوا هنأكم الله.

قال وكان مرضه الذي توفي فيه في أول شهر ربيع الأول سنة ستين ومائتين وتوفي ع يوم الجمعة لثمان خلون من هذا الشهر وخلف ولده الحجة القائم المنتظر لدولة الحق وكان قد أخفى مولده لشدة طلب السلطان له واجتهاده في البحث عنه وعن أمره فلم يره إلا الخواص من شيعته على ما نذكره بعد وتولى أخوه جعفر أخذ تركته وسعى إلى السلطان بمخلفيه كما تقدم فيما أورده الشيخ المفيد رحمه‌الله تعالى.

قلت مناقب سيدنا أبي محمد الحسن بن علي العسكري دالة على أنه السري بن السري فلا يشك في إمامته أحد ولا تمتري واعلم أنه متى بيعت مكرمة أو اشتريت فسواه بايعها وهو المشتري يضرب في السورة والفخار بالقداح الفائزة وإذا أجيز كريم للشرف والمجد فاز بالجائزة واحد زمانه غير مدافع ونسيج وحده غير منازع وسيد أهل عصره وإمام أهل دهره فالسعيد من وقف عند نهيه وأمره فله العلاء الذي علا على النجوم الزاهرة والمحتد الذي قرع العظماء عند المنافرة والمفاخرة والمنصب الذي ملك به معادتي الدنيا والآخرة فمن الذي يرجو اللحاق بهذه الخلال الفاخرة والمزايا الظاهرة والأخلاق الشريفة الطاهرة أقواله سديدة وأفعاله رشيدة وسيرته حميدة وعهوده في ذات الله وكيدة فالخيرات منه قريبة والشرور عنه بعيدة إذا كان أفاضل زمنه قصيدة كان ع بيت القصيدة وإن انتظموا عقدا كان مكان الواسعة والفريدة وهذه عادة قد سلكها الأوائل وجرى على منهاجها الأفاضل وإلا كيف تقاس النجوم بالجنادل وأين فصاحة قس من فهاهة باقل فارس العلوم الذي لا يجارى ومبين غامضها فلا يجادل ولا يماري كاشف الحقائق بنظره الصائب مطهر الدقائق بفكره الثاقب المطلع بتوقيف الله على أسرار الكائنات المخبر بتوفيق الله عن الغائبات المحدث في سره

٤٣٣

بما مضى وبما هو آت الملهم في خاطره بالأمور الخفيات الكريم الأصل والنفس والذات صاحب الدلائل والآيات والمعجزات مالك أزمة الكشف والنظر مفسر الآيات مقرر الخبر وارث السادة الخير ابن الأئمة أبو المنتظر فانظر إلى الفرع والأصل وجدد النظر واقطع بأنهما ع أضوأ من الشمس وأبهى من القمر وإذا تبين زكاء الأغصان تبين طيب الثمر فأخبارهم ونعوتهم ع عيون التواريخ وعنوان السير.

شرف تتابع كابر عن كابر

كالرمح أنبوبا على أنبوب

ووالله أقسم قسما برا أن من عد محمدا جدا وعليا أبا وفاطمة أما والأئمة آباء والمهدي ولدا لجدير أن يطول السماء علاء وشرفا والأملاك سلفا وذاتا وخلفا والذي ذكرته من صفاته دون مقداره فكيف لي باستقصاء نعوته وأخباره ولساني قصير وطرف بلاغتي حسير فلهذا يرجع عن شأو صفاته كليلا ويتضاءل لعجزه وقصوره وما كان عاجزا ولا ضئيلا وذنبه أنه وجد مكان القول ذا سعة فما كان قئولا ورأى سبيل الشرف واضحا وما وجد إلى حقيقة مدحه سبيلا فقهقر وكان من شأنه الإقدام وأحجم مقرا بالقصور وما عرف منه الإحجام ولكن قوي الإنسان لها مقادير تنتهي إليها وحدود تقف عندها وغايات لا تتعداها يفنى الزمان ولا يحيط بوصفهم أيحيط ما يفنى بما لا ينفد وقد نظمت على العادة شعرا في مدحه غرضي فيه ما قدمته في مدح آبائه ع ولأخلد لي ذكرا مع ذكرهم على بقايا الأيام وهو

يا راكبا يسري على جسرة

قد غبرت في أوجه الضمر

عرج بسامراء والثم ثرى

أرض الإمام الحسن العسكري

عرج على من جده صاعد

ومجده عال على المشتري

على الإمام الطاهر المجتبى

على الكريم الطيب العنصر

على ولي الله في عصره

وابن خيار الله في الأعصر

على كريم صوب معروفه

يربى على صوب الحيا الممطر

على إمام عدل أحكامه

يسلط العرف على المنكر

٤٣٤

وبلغا عن عبد آلاءه

تحية أزكى من العنبر

وقل سلام الله وقف على

ذاك الجناب الممرع الأخضر

دار بحمد الله قد أسست

على التقى والشرف الأظهر

من جنة الخلد ثرى أرضها

وماؤها من نهر الكوثر

حل بها شخصان من دوحة

أغصانها طيبة المكسر

العسكريان هما ما هما

فطول التقريض أو قصر

غصنا علاء قمرا سدقة

شمسا نهار فارسا منبر

من معشر فاقوا جميع الورى

جلاله ناهيك من معشر

هم الأولى شادوا بناء العلى

بالأبيض الباتر والأسمر

هم الأولى لولاهم في الورى

لم يعرف الحق ولم ينكر

هم الأولى لولاهم في الورى

لم يؤمن العبد ولم يكفر

هم الأولى سنوا لنا منهجا

بواضح من سعيهم نير

هم الأولى دلوا على مذهب

مثل الصباح الواضح المسفر

فاتضح الحق لوراده

ولاح قصد الطالب المبصر

أخلاقهم أنى أتى سائل

مثل الربيع اليانع المزهر

يا سادتي إن ولائي لكم

من خير ما قدمت للمحشر

أرجو بكم نيل الأماني غدا

في مبعثي والأمن في مقبري

فأنتم قصدي وحبي لكم

تجارتي والربح في متجري

والحمد لله على أنه

وفقني للفرض الأكبر

٤٣٥

ذكر الإمام الثاني عشر

وهو مولانا الإمام المنتظر الخلف الحجة صاحب الزمان محمد

بن الحسن الخالص بن علي المتوكل بن محمد القانع بن علي

الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن

علي سيد العابدين بن الحسين الشهيد بن علي بن أبي طالب

صلوات الله عليهم أجمعين

إذا ما وصل الجمع إلى أخبار مولانا

فما أجدرنا بالشكر لله وأولانا

إمام نتولاه فطوبى لو تولانا

رآنا الله في عطل وبالمهدي خلانا

وأولانا به لطفا وتأييدا وإحسانا

ونرجو أننا نلقاه في الدنيا ويلقانا

عسى يروى به قلب به ما زال ظمآنا

قال الشيخ كمال الدين بن طلحة رحمه‌الله الباب الثاني عشر في أبي القاسم محمد الحجة بن الحسن الخالص بن علي المتوكل بن محمد القانع بن علي الرضا عليهم‌السلام والتحية

فهذا الخلف الحجة قد أيده الله

هداه منهج الحق وآتاه سجاياه

وأعلى في ذرى العليا بالتأييد مرقاه

وآتاه حلي فضل عظيم فتحلاه

وقد قال رسول الله قولا قد رويناه

وذوا العلم بما قال إذا أدرك معناه

ترى الأخبار في المهدي جاءت بمسماه

وقد أبداه بالنسبة والوصف وسماه

ويكفي قوله مني لإشراق محياه

ومن بضعته الزهراء مجراه ومرساه

ولن يبلغ ما أوتيه أمثال وأشباه

فإن قالوا هو المهدي ما ماتوا بما فاهوا

٤٣٦

قد وقع من النبوة في أكناف عناصرها ووضع من الرسالة أخلاف أواصرها ونزع من القرابة بسجال معاصرها وبرع في صفات الشرف فعقدت عليه بخناصرها واقتنى من الأنساب شرف نصابها واعتلى عند الانتساب على شرف أحسابها واجتنى جنى الهداية من معادنها وأسبابها فهو من ولد الطهر البتول المجزوم بكونها بضعة من الرسول فالرسالة أصله وأنها لأشرف العناصر والأصول.

فأما مولده بسر من رأى في ثالث عشرين من رمضان سنة ثمان وخمسين ومائتين للهجرة

. وأما نسبه أبا وأما فأبوه أبو محمد الحسن الخالص بن علي المتوكل بن محمد القانع بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين الزكي بن علي المرتضى أمير المؤمنين وقد تقدم ذكر ذلك مفصلا.

وأمه أم ولد تسمى صقيل(٢) وقيل حكيمة وقيل غير ذلك.

وأما اسمه فمحمد وكنيته أبو القاسم ولقبه الحجة والخلف الصالح وقيل المنتظر.

وأما ما ورد عن النبي ص في المهدي من الأحاديث الصحيحة فمنها ما نقله الإمامان أبو داود والترمذي رضي الله عنهما كل واحد منهما بسنده في صحيحه يرفعه إلى أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال سمعت رسول الله ص يقول المهدي مني أجلى الجبهة أقنى الأنف يملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما ويملك سبع سنين.

ومنها ما أخرجه أبو داود بسنده في صحيحه يرفعه إلى علي بن أبي طالب ع قال قال رسول الله ص لو لم يبق من الدهر إلا يوم لبعث الله رجلا من أهل بيتي

__________________

(١) وفي بعض النسخ «صيقل» بتقديم الياء.

٤٣٧

يملأها عدلا كما ملئت جورا.

ومنها ما رواه أيضا أبو داود رحمه‌الله يرفعه بسنده في صحيحه إلى أم سلمة زوج النبي ص ورضي عنها قالت سمعت رسول الله ص يقول المهدي من عترتي من ولد فاطمة.

ومنها ما رواه القاضي أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي رضي الله عنه في كتابه المسمى بشرح السنة وأخرجه الإمامان البخاري ومسلم رضي الله عنهما كل واحد منهما بسنده في صحيحه يرفعه إلى أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله ص كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم.

ومنها ما أخرجه أبو داود والترمذي رضي الله عنهما بسندهما في صحيحيهما يرفعه كل واحد منهما بسنده إلى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال قال رسول الله ص لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث الله رجلا مني أو من أهل بيتي يواطي اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا.

وفي رواية أخرى أن النبي ص قال يلي رجل من أهل بيتي يواطي اسمه اسمي.

هذه الروايات عن أبي داود والترمذي رضي الله عنهما.

ومنها ما نقله الإمام أحمد بن إسحاق بن محمد الثعلبي رضي الله عنه في تفسيره يرفعه بسنده إلى أنس بن مالك قال قال رسول الله ص نحن ولد عبد المطلب سادة الجنة أنا وحمزة وجعفر وعلي والحسن والحسين والمهدي.

فإن قال معترض هذه الأحاديث النبوية الكثيرة بتعدادها المصرحة بجملتها وأفرادها متفق على صحة أسنادها ومجمع على نقلها عن رسول الله ص وإيرادها وهي صحيحة صريحة في كون المهدي ع من ولد فاطمة ع وأنه من رسول الله ص ومن عترته وأهل بيته وأن اسمه يواطي اسمه وأنه يملأ الأرض قسطا وعدلا وأنه من ولد عبد المطلب وأنه من سادات الجنة وذلك مما لا نزاع فيه غير

٤٣٨

أن ذلك لا يدل على أن المهدي الموصوف بما ذكره ص من الصفات والعلامات هو هذا أبو القاسم محمد بن الحسن الحجة الخلف الصالح ع فإن ولد فاطمة ع كثيرون وكل من يولد من ذريتها إلى يوم القيامة يصدق عليه أنه من ولد فاطمة وأنه من العترة الطاهرة وأنه من أهل البيت ع فتحتاجون مع هذه الأحاديث المذكورة إلى زيادة دليل يدل على أن المهدي المراد هو الحجة المذكور ليتم مرامكم.

فجوابه أن رسول الله ص لما وصف المهدي ع بصفات متعددة من ذكر نسبه واسمه ومرجعه إلى فاطمة ع وإلى عبد المطلب وأنه أجلى الجبهة أقنى الأنف وعدد الأوصاف الكثيرة التي جمعتها الأحاديث الصحيحة المذكورة آنفا وجعلها علامة ودلالة على أن الشخص الذي يسمى بالمهدي ويثبت له الأحكام المذكورة هو الشخص الذي اجتمعت تلك الصفات فيه ثم وجدنا تلك الصفات المجعولة علامة ودلالة مجتمعة في أبي القاسم محمد الخلف الصالح دون غيره فيلزم القول بثبوت تلك الأحكام له وأنه صاحبها وإلا فلو جاز وجود ما هو علامة ودليل ولا يثبت ما هو مدلوله قدح ذلك في نصبها علامة ودلالة من رسول الله ص وذلك ممتنع.

فإن قال المعترض لا يتم العمل بالدلالة والعلامة إلا بعد العلم باختصاص من وجدت فيه بها دون غيره وتعيينه لها فأما إذا لم يعلم تخصصه وانفراده بها فلا يحكم له بالدلالة ونحن نسلم أنه من زمن رسول الله ص إلى ولادة الخلف الصالح الحجة ع ما وجد من ولد فاطمة ع شخص جمع تلك الصفات التي هي الدلالة والعلامة لكن وقت بعثة المهدي وظهوره وولادته هو في آخر أوقات الدنيا عند ظهور الدجال ونزول عيسى ابن مريم ص وذلك سيأتي بعد مدة مديدة ومن الآن إلى ذلك الوقت المتراخي الممتد أزمان متجددة وفي العترة الطاهرة من سلالة فاطمة ع كثيرة يتعاقبون ويتوالدون إلى ذلك الإبان فيجوز أن يولد من السلالة الطاهرة والعترة النبوية من يجمع تلك الصفات فيكون هو

٤٣٩

المهدي المشار إليه في الأحاديث المذكورة ومع هذا الاحتمال والإمكان كيف يبقى دليلكم مختصا بالحجة المذكور ع.

فالجواب أنكم إذا اعترفتم أنه إلى وقت ولادة الخلف الصالح وإلى زماننا هذا لم يوجد من جمع تلك الصفات والعلامات بأسرها سواه فيكفي ذلك في ثبوت تلك الأحكام له عملا بالدلالة الموجودة في حقه وما ذكرتموه من احتمال أن يتجدد مستقبلا في العترة الطاهرة من يكون بتلك الصفات لا يكون قادحا في أعمال الدلالة ولا مانعا من ترتب حكمها عليها فإن دلالة الدليل راجحة لظهورها واحتمال تجدد ما يعارضها مرجوح ولا يجوز ترك الراجح بالمرجوح فإنه لو جوزنا ذلك لامتنع العمل بأكثر الأدلة المثبتة للأحكام إذ ما من دليل إلا واحتمال تجدد ما يعارضه متطرق إليه ولم يمنع ذلك من العمل به وفاقا.

والذي يوضح ذلك ويؤكده أن رسول الله ص فيما أورده الإمام مسلم بن الحجاج رضي الله عنه في صحيحه يرفعه بسنده قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه يأتي عليك من أمداد أهل اليمن أويس بن عامر بن مراد ثم من قرن كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم له والدة هو بها بر لو أقسم على الله لأبر قسمه فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل فالنبي ص ذكر اسمه ونسبه وصفته وجعل ذلك علامة ودلالة على أن المسمى بذلك الاسم المتصف بتلك الصفات لو أقسم على الله لأبر قسمه وأنه أهل لطلب الاستغفار منه وهذه منزلة عالية ومقام عند الله تعالى عظيم ولم يزل عمر رضي الله عنه بعد وفاة النبي ص وبعد وفاة أبي بكر رضي الله عنه يسأل أمداد أهل اليمن عن الموصوف بذلك حتى قدم وفد من اليمن فسألهم فأخبر بشخص متصف بذلك فلم يتوقف عمر رضي الله عنه في العمل بتلك العلامة والدلالة التي ذكرها رسول الله ص بل بادر إلى العمل بها واجتمع به وسأله الاستغفار وجزم بأنه المشار إليه بالحديث النبوي لما علم تلك الصفات فيه مع وجود احتمال أن يتجدد في وفود اليمن مستقبلا من يكون بتلك الصفات فإن قبيلة مراد كثيرة والتولد فيها كثير وعين ما ذكرتموه من الاحتمال موجود.

٤٤٠