كشف الغمّة في معرفة الأئمّة - ج ٢

أبي الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح الاربلي

كشف الغمّة في معرفة الأئمّة - ج ٢

المؤلف:

أبي الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح الاربلي


المحقق: السيد هاشم الرسولي المحلاتي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة بني هاشمي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٦٠
الجزء ١ الجزء ٢

لتلك الأحلام الطائشة التي عذلت لإنكارها الحق بعد معرفة فسبق السيف العدل وغطى على بصائرها حب الدنيا الدنية فمالت إلى العاجل ففاتها الأجل والعاجل ما حصل وكيف لا تصدر عنهم هذه الأفعال وكبيرهم المدعو بأمير مؤمنيهم استشهد بشعر ابن الزبعري فكأنما بده به وارتجل

ليت أشياخي ببدر شهدوا

وقعة الخزرج من وقع الأسل

لأهلوا واستهلوا فرحا

واستحر القتل في عبد الأشل

لعبت هاشم بالملك فلا

خبر جاء ولا وحي نزل

والناس على دين ملوكهم كما ورد في الحديث والمثل.

فلقد ركبوا مركبا وعرا وأتوا أمرا أمرا وفعلوا فعلا نكرا وقالوا قولا هجرا واستحلوا مزاقا مرا وبلغوا الغاية في العصيان ووصلوا إلى النهاية في إرضاء الشيطان وأقدموا على أمر عظيم من إسخاط الرحمن وكم ذكرهم الحسين ع أيام الله فما ذكروا وزجرهم عن تقحم نار الجحيم فما انزجروا وعرفهم ما كانوا يدعون معرفته فما عرفوا ولا فهموا منذ أنكروا وأمرهم بالفكر في هذا الأمر الصعب فما ائتمروا في كل ذلك ليقيم عليهم الحجة ويعذر إلى الله في تعريفهم المحجة ف (أَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً) ومما خطاياهم فأدخلوا نار جهنم (فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْصاراً) ونادى لسان حال الحسين ع (رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً) فاستجاب الله دعاءه ع وخصه بمزيد العناية والإكرام ونقله إلى جواره مع آبائه الكرام ووقع الفناء بعده في أولئك الطغام ودارت عليهم دوائر الانتقام والاصطلام فقتلوا في كل أرض بكل حسام وانتقلوا إلى جوار مالك في نار جهنم وأصحاب الحسين ع إلى جوار رضوان في دار السلام فصارت ألوف هؤلاء الأغنام آحادا وجموعهم أفرادا وألبسوا العار آباء وأولادا فأحياؤهم عار على الغابر والأولون مسبة للآخر واستولى عليهم الذل والصغار وخسروا تلك الدار وهذه الدار وكان عاقبة أمرهم إلى النار (وَبِئْسَ الْقَرارُ) وكثر الله ذرية الحسين ع وأنماها وملأ بها

٢١

الدنيا ورفعها وأعلاها وإذا عرفت أن كل حسيني في الدنيا من ولد علي بن الحسين زين العابدين ع ظهر لك كيف بارك الله في ذريته الطاهرة وزكاها وإذ فكرت في جموع أعدائهم وانقراضهم تبينت أن العناية الإلهية تولت هذه العترة الشريفة وأبادت من عاداها وسعدت في الدنيا والآخرة وسعد من والاها وقد تظاهرت الأخبار أن الله تعالى اختارها واصطفاها واختار شيعتها واجتباها.

ولما رأى الحسين ع إصرارهم على باطلهم وظهور علائم الشقاء على أخلاقهم وفعائلهم وأن إبليس وجنوده قادوا في أشطانهم (١) وحبائلهم علم بسعادة من قتلوه وشقاوة قاتلهم وتحقق أنه قد (طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ) فلا ينجع فيهم نصح ناصحهم ولا عذل عاذلهم فجد في حربهم على بصيرة واجتهد وصبر صبر الكرام على تلك العدة وذلك العدد وتفصيل ذلك يأتي في باب مصرعه ع.

ويعز علي أن يجري بذكره لساني أو يسمح بسطره بناني أو أتمثله في خاطري وجناني فإني أجد لذكره ألما وأبكي لمصابه دمعا ودما وأستشعر لما بلغ منه هما وندما ولكن لا حيلة فيما جرى به القضاء والقدر وإن ذممنا الورد فإنا نحمد الصدر والله يجازي كلا على فعله ولا يبعد الله إلا من كفر

السابع في كرمه وجوده ع

قال كمال الدين رحمه‌الله تعالى قد تقدم في الفصل المعقود لذكر كرم أخيه الحسن ع قصة المرأة التي ذبحت الشاة وما وصلها به لما جاءته بعد أخيه الحسن ع وأنه أعطاها ألف دينار واشترى لها ألف شاة وقد اشتهر النقل عنه ع أنه كان يكرم الضيف ويمنح الطالب ويصل الرحم وينيل الفقير ويسعف السائل ويكسو العاري ويشبع الجائع ويعطي الغارم ويشد من الضعيف ويشفق على اليتيم ويعين ذا الحاجة وقل أن وصله مال إلا فرقه.

وروى أن معاوية لما قدم مكة وصله بمال كثير وثياب وافرة وكسوات

__________________

(١) الاشطان جمع الشطن : الحبل الطويل.

٢٢

وافية فرد الجميع عليه ولم يقبل منه وهذه سجية الجواد وشنشنة الكريم (١) وسمة ذي السماحة وصفة من قد حوى مكارم الأخلاق فأفعاله المتلوة شاهدة له بصفة الكرم ناطقة بأنه متصف بمحاسن الشيم وقد كان في العبادة مقتديا بمن تقدم حتى نقل عنه ع أنه حج خمسا وعشرين حجة إلى الحرم وجنائبه تقاد معه وهو ماش على القدم آخر كلامه ره.

قال الفقير إلى الله تعالى علي بن عيسى عفى الله عنه اعلم أيدك الله بتوفيقه وهداك إلى سبيله وطريقه أن الكرم كلمة جامعة لأخلاق محمودة تقول كريم الأصل كريم النفس كريم البيت كريم المنصب إلى غير ذلك من صفات الشرف ويقابله اللؤم فإنه جامع لمساوئ الأخلاق تقول لئيم الأصل والنفس والبيت وغيرها.

فإذا عرفت هذا فاعلم أن الكرم الذي الجود من أنواعه كامل في هؤلاء القوم ثابت لهم محقق فيهم متعين لهم ولا يعدوهم ولا يفارق أفعالهم وأقوالهم بل هو لهم على الحقيقة وفي غيرهم كالمجاز ولهذا لم ينسب الشح إلى أحد من بني هاشم ولا نقل عنهم لأنهم يجارون الغيوث سماحة ويبارون الليوث حماسة ويعدلون الجبال حلما ورجاحة فهم البحور الزاخرة والسحب الهامية الهامرة.

فما كان من خير أتوه فإنما

توارثه آباء آبائهم قبل

وهل ينبت الخطي إلا وشيجه

وتغرس إلا في منابتها النخل (٢)

ولهذا قال علي ع وقد سئل عن بني هاشم وبني أمية فقال نحن أمجد وأنجد وأجود وهم أغدر وأمكر وأنكر ولقد صدق ص فإن الذي ظهر من القبيلتين في طول الوقت دال على ما قاله ع.

ولا ريب أن الأخلاق تظهر على طول الأيام وهذه الأخلاق الكريمة اتخذوها شريعة وجعلوها إلى بلوغ غايات الشرف ذريعة لشرف فروعهم

__________________

(١) الشنشنة : الطبيعة والعادة.

(٢) الخطى : الرماح المنسوبة إلى خطّ وهو مرفأ السفن ببحرين. والوشيج : شجر الرماح وقيل هو ما نبت من القنا والقصب معترضا.

٢٣

وأصولهم وثبات عقولهم لأنهم لا يشينون مجدهم بما يصمه ولا يشوهون وجوه سيادتهم بما يخلقها ولأنهم مقتدى الأمة ورءوس هذه الملة وسروات الناس وسادات العرب وخلاصة بني آدم وملوك الدنيا والهداة إلى الآخرة وحجة الله على عباده وأمناؤه على بلاده فلا بد أن تكون علامات الخير فيهم ظاهرة وسمات الجلال بادية باهرة وأمثال الكرم العام سايرة وأن كل متصف بالجود من بعدهم بهم اقتدى وعلى منوالهم نسج وبهم اهتدى.

وكيف لا يجود بالمال من يجود بنفسه النفيسة في مواطن النزال وكيف لا يسمح بالعاجل من همه في الآجل ولا ريب عند العقلاء أن من جاد بنفسه في القتال فهو بالمال أجود ومن زهد في الحياة المحبوبة فهو في الحطام الفاني أزهد وقد عرفت زهدهم فاعرف به وفدهم فإن الزاهد من زهد في حطامها وخاف من آثامها ورغب عن حلالها وحرامها ولعلك سمعت بما أتى في هل أتى من إيثارهم على أنفسهم أليسوا الذين أطعموا (الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ) ورغب كل واحد منهم في الطوى لإرضاء ربه وعرضوا تلك الأنفس الكريمة لمرارة الجوع وأسهروا تلك العيون الشريفة من الخوى فلم تذق حلاوة الهجوع (١) وجعلوها لما وجدوه من الرقة على المسكين واليتيم والأسير غرقى من الدموع وتكرر عليهم ألم فقد الغذاء غدوا وبكورا وأضرم السغب (٢) في قلوب أهل الجنة سعيرا وآمنوا حين قالوا (إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً فَوَقاهُمُ اللهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً) وشكرهم من أنعموا عليه فقالوا (إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً).

والحسين ع وإن كان فرعا للنبي ص وعلي وفاطمة ع فهو أصل لولده من بعده وكلهم أجواد كرام.

كرموا وجاد قبيلهم من قبلهم

وبنوهم من بعدهم كرماء

 __________________

(١) الخوى : خلو الجوف من الطعام. والهجوع : النوم.

(٢) السغب : الجوع.

٢٤

فالناس أرض في السماحة والندى

وهم إذا عد الكرام سماء

لو أنصفوا كانوا لآدم وحدهم

وتفردت بولادهم حواء

وقال النبي ص وقد جاءته أم هانئ يوم الفتح تشكو أخاها عليا ع لله در أبي طالب لو ولد الناس كلهم كانوا شجعانا. وكان علي ع يقول في بعض حروبه أملكوا عني هذين الغلامين فإني أنفس بهما عن القتل لئلا ينقطع نسل رسول الله ص.

وقيل لمحمد بن الحنفية رحمة الله عليه أبوك يسمح بك في الحرب ويشح بالحسن والحسين ع فقال هما عيناه وأنا يده والإنسان يقي عينيه بيده.

وقال مرة أخرى وقد قيل له ذلك أنا ولده وهما ولدا رسول الله ص.

والحماسة والسماحة رضيعتا لبان وقد تلازما في الجود فهما توأمان فالجواد شجاع والشجاع جواد وهذه قاعدة كلية لا تنخرم ولو خرج منها بعض الآحاد ومن خاف الوصمة في شرفه جاد بالطريف والتلاد وقد قال أبو تمام في الجمع بينهما فأجاد

وإذا رأيت أبا يزيد في ندى

ووغى ومبدي غارة ومعيدا

أيقنت أن من السماح شجاعة

تدنى وأن من الشجاعة جودا

وقال أبو الطيب

قالوا ألم تكفه سماحته حتى

بنى بيته على الطرق

فقلت إن الفتى شجاعته

تريه في الشح صورة الفرق

كن لجة أيها السماح فقد

آمنه سيفه من الغرق

ولهذا قال القائل

يجود بالنفس إن ضن الجواد بها

والجود بالنفس أقصى غاية الجود

وقيل الكريم شجاع القلب والبخيل شجاع الوجه

ولما وصفهم معاوية وصف بني هاشم بالسخاء وآل الزبير بالشجاعة وبني مخزوم بالتيه وبني أمية بالحلم فبلغ ذلك الحسن بن علي ع فقال. قاتله الله أراد أن يجود بنو هاشم

٢٥

بما في أيديهم فيحتاجون إليه وأن يشجع آل الزبير فيقتلون وأن يتيه المخزوميون فيمقتوا وأن تحلم بنو أمية فيحبهم الناس.

وقد تقدم هذا الكلام آنفا بألفاظ وهي المروية ولعمري لقد صدق في بعض مقاله وإن كان الصدق بعيدا من أمثاله ولكن الكذوب قد يصدق فإن السماحة في بني هاشم كما قال والشجاعة والحلم فيهم في كل الأحوال والناس في ذلك تبع لهم فهم عليهم كالعيال فقد حازوا قصبات السبق لما جمعوه من شرف الخلال فإذا تفرقت في الناس خصال الخير اجتمعت فيهم تلك الخصال وهذا القول هو الحق وما (بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ).

فإذا عرفت حقيقة هذا التقرير فاحكم لهم بالصفات المحمودة على كل تقدير فإن أضدادها من الصفات المذمومة رجس وقد طهرهم الله من الرجس تطهيرا واختارهم من تربته واصطفاهم من عباده (وَكانَ اللهُ سَمِيعاً بَصِيراً)

الثامن في ذكر شيء من كلامه ع

قال كمال الدين رحمه‌الله تعالى كانت الفصاحة لديه خاضعة والبلاغة لأمره متبعة سامعة طائعة وقد تقدم آنفا من نثره في الفصل السادس في ذلك المقام الذي لا تفوه فيه الأفواه من الفرق ولا تنطق الألسنة من الوجل والقلق ما فيه حجة بالغة على أنه في ذلك الوقت أفصح من نطق وأما نظمه فيعد من الكلام جوهر عقد منظوم ومشهر برد مرقوم.

فمنه قطعة نقلها صاحب كتاب الفتوح وأنه ع لما أحاط به جموع ابن زياد وقتلوا من قتلوا من أصحابه ومنعوهم الماء كان له ع ولد صغير فجائه سهم منهم فقتله فزمله الحسين ع (١) وحفر له بسيفه وصلى عليه ودفنه وقال

غدر القوم وقدما رغبوا

عن ثواب الله رب الثقلين

 __________________

(١) زمل الشيء ـ بالتخفيف ـ : حمله. وزمله بثوبه وغيره ـ بتشديد الميم ـ : لفه.

٢٦

قتلوا قدما عليا وابنه

حسن الخير كريم الطرفين (١)

حسدا منهم وقالوا أجمعوا

نقبل الآن جميعا بالحسين

يا لقوم لأناس رذل

جمعوا الجمع لأهل الحرمين

ثم ساروا وتواصوا كلهم

لاجتياحي للرضا بالملحدين (٢)

لم يخافوا الله في سفك دمي

لعبيد الله نسل الفاجرين

وابن سعد قد رماني عنوة

بجنود كوكوف الهاطلين (٣)

لا لشيء كان مني قبل ذا

غير فخري بضياء الفرقدين

بعلي خير من بعد النبي

والنبي القرشي الوالدين

خيرة الله من الخلق أبي

ثم أمي فأنا بن الخيرتين

فضة قد صفيت من ذهب (٤)

وأنا الفضة وابن الذهبين

من له جد كجدي في الورى

أو كشيخي فأنا بن القمرين

فاطم الزهراء أمي وأبي

قاصم الكفر ببدر وحنين

وله في يوم أحد وقعة

شفت الغل بفض العسكرين (٥)

ثم بالأحزاب والفتح معا

كان فيها حتف أهل القبلتين

في سبيل الله ما ذا صنعت

أمة السوء معا في العترتين

عترة البر النبي المصطفى

وعلي الورد بين الجحفلين (٦)

وقال وقد التقاه وهو متوجه إلى الكوفة الفرزدق بن غالب الشاعر وقال

__________________

(١) وفي نسخة «كريم الأبوين».

(٢) الاجتياح : الاهلاك والاستئصال.

(٣) العنوة : القهر. والوكوف : السيلان. وهطل المطر : مطر متتابعا متفرقا عظيم القطر.

(٤) وفي بعض النسخ «قد خلصت» مكان «قد صفيت».

(٥) الغل : الحقد وفضل القوم : فرقهم.

(٦) الورد : الأسد والجحفل : الجيش الكثير.

٢٧

له يا ابن رسول الله كيف تركن إلى أهل الكوفة وهم الذين قتلوا ابن عمك مسلم بن عقيل وشيعته (١) فترحم على مسلم وقال صار إلى روح الله ورضوانه أما أنه قضى ما عليه وبقي ما علينا وأنشده

وإن تكن الدنيا تعد نفيسة

فدار ثواب الله أعلى وأنبل

وإن تكن الأبدان للموت أنشئت

فقتل امرئ والله بالسيف أفضل

وإن تكن الأرزاق قسما مقدرا

فقلة حرص المرء في الكسب أجمل

وإن تكن الأموال للترك جمعها

فما بال متروك به المرء يبخل

هذا آخر كلام كمال الدين بن طلحة رحمه‌الله في هذا الفصل.

أقول إنهم ع رجال الفصاحة وفرسانها وحماة البلاغة وشجعانها عليهم تهدلت أغصانها ومنهم تشعبت أفنانها ولهم انقادت معانيها وهم معانها ولرياضتهم أطاع عاصيها وأصحب جرانها إذا قالوا بذوا الفصحاء وإذا ارتجلوا سبقوا البلغاء وإذا نطقوا أذعن كل قائل وأقر لهم كل حاف وناعل

تركت والحسن تأخذه

تنتقي منه وتنتحب

فاصطفت منه محاسنه

واستزادت فضل ما تهب

بألفاظ تجاري الهواء رقة والصخر متانة وحلم يوازي السماء ارتفاعا والجبال رزانة أذعنت لهم الحكم وأجابت ندائهم الكلم وأطاعهم السيف والقلم وصابوا وأصابوا فما صوب الديم (٢) ورثوا البيان كابرا عن كابر وتسنموا قلل الفضائل تسمنهم متون المنابر وتساووا في مضمار المعارف فالآخر يأخذ عن الأول والأول يملي عن الآخر.

شرف تتابع كابرا عن كابر

كالرمح أنبوبا على أنبوب (٣)

 __________________

(١) والذي يظهر من رواية المفيد (ره) وغيره من أرباب السيران التقائه عليه السلام الفرزدق انما هو قبل مجىء نعى مسلم بن عقيل بل وقبل قتله في الكوفة ، لان الالتقاء وقع قبل العرفة خارج المكّة بعد ما دخل الفرزدق في الحرم وقد قتل مسلم بن عقيل يوم الأربعاء لتسع خلون من ذي الحجة يوم عرفة وأتاه عليه السلام خبر قتله بالثعلبية بعد ما قضى الناس حجهم بأيام.

(٢) الديم : مطر يدوم في سكون بلا رعد ولا برق.

(٣) الأنبوب : ما بين الكعبين من القصب والرمح.

٢٨

يفوح أرج النبوة من كلامهم ويعبق نشر الرسالة من نثرهم ونظامهم وتعجز الأوائل والأواخر عن مقالهم في كل موطن ومقامهم فهم سادات الناس وقادتهم في جاهليتهم وإسلامهم فما ساجلهم في منقبة إلا مغلب وما شابهم ماجد إلا قيل أطمع من أشعب (١) شنشنة معروفة في السلف والخلف وعادة شريفة ينكرها من أنكر ويعرفها من عرف ..

ومن كلامه ع لما عزم على الخروج إلى العراق قام خطيبا فقال الحمد لله وما شاء الله ولا حول ولا قوة إلا بالله صلى الله على رسوله وسلم خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف وخير لي مصرع أنا لاقيه كأني بأوصال يتقطعها عسلان الفلوات (٢) بين النواويس وكربلاء فيملأن مني أكراشا جوفا وأجربة سغبا (٣) لا محيص عن يوم خط بالقلم رضى الله رضانا أهل البيت نصبر على بلائه ويوفينا أجور الصابرين لن يشذ عن رسول الله ص لحمته وهي مجموعة له في حظيرة القدس تقر بهم عينه ويتنجز لهم وعده من كان فينا باذلا مهجته وموطنا على لقائنا نفسه فليرحل فإني راحل مصبحا إن شاء الله.

وخطب ع فقال يا أيها الناس نافسوا في المكارم (٤) وسارعوا في المغانم ولا تحتسبوا بمعروف لم تعجلوا وكسبوا الحمد بالنجح ولا تكتسبوا بالمطل ذما فمهما يكن لأحد عند أحد صنيعة له رأى أنه لا يقوم بشكرها فالله له بمكافاته فإنه أجزل عطاء وأعظم أجرا واعلموا أن حوائج الناس إليكم من نعم

__________________

(١) اشعب اسم رجل من أهل المدينة كان مولى لعثمان بن عفان وكان شديد الطمع يضرب به المثل

(٢) الأوصال : المفاصل وقيل مجتمع العظام. والعسلان : عدو الذئب بسرعة واضطراب وأراد عليه السلام بالعسلان الذئاب.

(٣) الاكراش جمع الكرش وهو لذي الخف والظلف بمنزلة المعدة للإنسان. وجوف جمع الاجوف. والسغب : الجوع.

(٤) نافس في الشيء : بالغ فيه ورغب على وجه المباراة في الكرم.

٢٩

الله عليكم فلا تملوا النعم فتحور نقما (١)

واعلموا أن المعروف مكسب حمدا ومعقب أجرا فلو رأيتم المعروف رجلا رأيتموه حسنا جميلا يسر الناظرين ولو رأيتم اللؤم رأيتموه سمجا (٢) مشوها تنفر منه القلوب وتغض دونه الأبصار.

أيها الناس من جاد ساد ومن بخل رذل وإن أجود الناس من أعطى من لا يرجو وإن أعفى الناس من عفى عن قدرة وإن أوصل الناس من وصل من قطعه والأصول على مغارسها بفروعها تسموا فمن تعجل لأخيه خيرا وجده إذا قدم عليه غدا ومن أراد الله تبارك وتعالى بالصنيعة إلى أخيه كافأه بها في وقت حاجته وصرف عنه من بلاء الدنيا ما هو أكثر منه ومن نفس كربة مؤمن فرج الله عنه كرب الدنيا والآخرة ومن أحسن أحسن الله إليه (وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ).

قلت هذا الفصل من كلامه ع وإن كان دالا على فصاحته ومبينا عن بلاغته فإنه دال على كرمه وسماحته وجوده وهبته مخبر عن شرف أخلاقه وسيرته وحسن نيته وسريرته شاهد بعفوه وحلمه وطريقته فإن هذا الفصل قد جمع مكارم أخلاق لكل صفة من صفات الخير فيها نصيب واشتمل على مناقب عجيبة وما اجتماعها في مثله بعجيب.

وخطب ع فقال إن الحلم زينة والوفاء مروءة والصلة نعمة والاستكبار صلف والعجلة سفه والسفه ضعف والغلو ورطة ومجالسة أهل الدناءة شر ومجالسة أهل الفسق ريبة.

ولما قتل معاوية حجر بن عدي رحمه‌الله وأصحابه لقي في ذلك العام الحسين ع فقال يا أبا عبد الله هل بلغك ما صنعت بحجر وأصحابه من شيعة أبيك قال لا قال إنا قتلناهم وكفناهم وصلينا عليهم فضحك الحسين ع ثم قال خصمك

__________________

(١) حار حورا : رجع.

(٢) السمج : القبيح.

(٣) الصلف : مجاوزة القدر : في الظرف ، والبراعة والادعاء فوق ذلك تكبرا.

٣٠

القوم يوم القيامة يا معاوية أما والله لو ولينا مثلها من شيعتك ما كفناهم ولا صلينا عليهم (١) وقد بلغني وقوعك بأبي حسن وقيامك به واعتراضك بني هاشم بالعيوب وايم الله لقد أوترت غير قوسك ورميت غير غرضك وتناولتها بالعداوة من مكان قريب ولقد أطعت امرأ ما قدم إيمانه ولا حدث نفاقه وما نظر لك فانظر لنفسك أو دع يريد عمرو بن العاص.

قال أنس كنت عند الحسين ع فدخلت عليه جارية فحيته بطاقة ريحان فقال لها أنت حرة لوجه الله فقلت تحييك بطاقة ريحان لا خطر لها فتعتقها قال كذا أدبنا الله قال الله تعالى (وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها) وكان أحسن منها عتقها.

: وقال يوما لأخيه الحسن ع يا حسن وددت أن لسانك لي وقلبي لك وكتب إليه الحسن ع يلومه على إعطاء الشعراء فكتب إليه أنت أعلم مني بأن خير المال ما وقى العرض فانظر أيدك الله إلى حسن أدبه في قوله أنت أعلم مني فإن له حظا من اللطف تاما ونصيبا من الإحسان وافرا والله أعلم حيث يجعل رسالاته ..

ومن دعائه ع اللهم لا تستدرجني بالإحسان ولا تؤدبني بالبلاء.

وهذا دعاء شريف المقاصد عذب الموارد قد جمع بين المعنى الجليل واللفظ الجزل القليل وهم مالك الفصاحة حقا وغيرهم عابر سبيل.

ودعاه عبد الله بن الزبير وأصحابه فأكلوا ولم يأكل الحسين ع فقيل له ألا تأكل قال إني صائم ولكن تحفة الصائم قيل وما هي قال الدهن والمجمر.

وجنى له غلام جناية توجب العقاب عليه فأمر به أن يضرب فقال يا مولاي (وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ) قال أخلوا عنه فقال يا مولاي (وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ) قال

__________________

(١) كأن مراده عليه السلام انك بفعالك هذا فقد أقررت بأنهم مسلمون مؤمنون قتلتهم جورا وظلما ، ولكن شيعتك خارج عن زمرة المسلمين والمؤمنين عندنا فان المسلم يجب تغسيله وتكفينه والصلاة عليه إذا مات ولو كان مرتكبا للكبائر.

٣١

قد عفوت عنك قال يا مولاي (وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) قال أنت حر لوجه الله ولك ضعف ما كنت أعطيك ..

وقال الفرزدق لقيني الحسين ع في منصرفي من الكوفة فقال ما وراك يا أبا فراس قلت أصدقك قال ع الصدق أريد قلت أما القلوب فمعك وأما السيوف فمع بني أمية والنصر من عند الله قال ما أراك إلا صدقت الناس عبيد المال والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درت به معايشهم فإذا محصوا بالبلاء قل الديانون.

وقال ع من أتانا لم يعدم خصلة من أربع آية محكمة وقضية عادلة وأخا مستفادا ومجالسة العلماء.

وكان ع يرتجز يوم قتل ع ويقول :

الموت خير من ركوب العار

والعار خير من دخول النار

والله من هذا وهذا جاري

وقال ع صاحب الحاجة لم يكرم وجهه عن سؤالك فأكرم وجهك عن رده.

وكان يقول حوائج الناس إليكم من نعم الله عليكم فلا تملوا النعم فتحور نقما

وقد ذكرناه آنفا.

ولما نزل به عمر بن سعد لعنه الله وأيقن أنهم قاتلوه قام في أصحابه خطيبا وأثنى عليه وقال إنه قد نزل من الأمر ما ترون وأن الدنيا قد تغيرت وتنكرت وأدبر معروفها واستمرت حذاء حتى لم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء خسيس عيش كالكلاء الوبيل (١) ألا ترون أن الحق لا يعمل به والباطل لا يتناهى عنه ليرغب المؤمن في لقاء ربه فإني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما (٢) هذا الكلام ذكره الحافظ أبو نعيم في كتاب حلية الأولياء ..

وقيل كان بينه وبين الحسن ع كلام فقيل للحسين ع ادخل

__________________

(١) الصبابة : بقية الماء في الاناء. الوبيل : المرعى الوخيم. وطعام وبيل : يخاف على وباله. واي سوء عاقبة

(٢) البرم ـ بالفتح ـ : الضجر والملالة.

٣٢

على أخيك فهو أكبر منك فقال إني سمعت جدي ص يقول أيما اثنين جرى بينهما كلام فطلب أحدهما رضى الآخر كان سابقه إلى الجنة وأنا أكره أن أسبق أخي الأكبر فبلغ قوله الحسن ع فأتاه عاجلا.

وأنت أيدك الله متى أردت أن تعرف مناقب هؤلاء القوم ومزاياهم وخلالهم الشريفة وسجاياهم وتقف على حقيقة فضلهم الجزيل وتطلع من أحوالهم على الجملة والتفصيل وتعلم ما لهم من المكانة بالبرهان والدليل فتدبر كلامهم في مواعظهم وخطبهم وأنحائهم ومقاصدهم وكتبهم تجده مشتملا على المفاخر التي جمعوها وغوارب الشرف التي افترعوها وغرائب المحاسن التي سنوها وشرعوها فإن أفعالهم تناسب أقوالهم وكلها تشبه أحوالهم فالإناء ينضح بما فيه والولد بضعة من أبيه وليس من يضله الله كمن يهديه ولا من أذهب عنه الرجس وطهره كمن حار في ليل الباطل فهو أبدا فيه والكريم يحذو حذو الكريم والشرف الحادث دليل على الشرف القديم والأصول لا تخيب والنجيب ابن النجيب وما أشد الفرق بين البعيد والقريب والأجنبي والنسيب.

فالواحد منهم ع يجمع خلال الجميع ويدل على أهل بيته دلالة الزهر على الربيع ولو اقتصرت على ذكر مناقب أحدهم ع لم أك في حق الباقين مقصرا ولناداني لسان الحال اكتف بما ذكرت فدليل على الذي لا تراه الذي ترى نفعني الله بحبهم وقد فعل وألحقني بتربة أوليائهم ومحبيهم الأول وأوزعني أن أشكر فضله وإن عظم عن الشكر وجل.

فأما شعره ع فقد ذكر الرواة له شعرا ووقع إلي شعره ع بخط الشيخ عبد الله أحمد بن أحمد بن أحمد بن الخشاب النحوي رحمة الله عليه وفيه قال أبو مخنف لوط بن يحيى أكثر ما يرويه الناس من شعر سيدنا أبي عبد الله الحسين بن علي ع إنما هو ما تمثل به وقد أخذت شعره من مواضعه واستخرجته من مظانه وأماكنه ورويته عن ثقات الرجال منهم عبد الرحمن بن نخبة الخزاعي وكان عارفا بأمر أهل البيت ع ومنهم المسيب بن رافع المخزومي وغيره

٣٣

رجال كثير ولقد أنشدني يوما رجل من ساكني سلع (١) هذه الأبيات فقلت له أكتبنيها فقال لي ما أحسن ردائك هذا وكنت قد اشتريته يومي ذاك بعشرة دنانير فطرحته عليه فأكتبنيها وهي.

قال أبو عبد الله الحسين بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي ع

ذهب الذين أحبهم

وبقيت فيمن لا أحبه

فيمن أراه يسبني

ظهر المغيب ولا أسبه

يبغي فسادي ما استطاع

وأمره مما أدبه

حنقا يدب إلى الضراء

وذاك مما لا أدبه

ويرى ذباب الشر من

حولي يطن ولا يذبه (٢)

وإذا جنا وغر الصدور

فلا يزال به يشبه (٣)

أفلا يعيج بعقله

أفلا يتوب إليه لبه (٤)

أفلا يرى أن فعله

مما يسور إليه غبه (٥)

حسبي بربي كافيا

ما أختشي والبغي حسبه

ولقل من يبغى عليه

فما كفا الله ربه (٦)

وقال ع :

إذا ما عضك الدهر فلا تجنح إلى خلق

ولا تسأل سوى الله تعالى قاسم الرزق

فلو عشت وطوفت من الغرب إلى الشرق

لما صادفت من يقدر أن يسعد أو يشقي

 __________________

(١) سلع ـ بفتح السين وسكون اللام ـ : موضع بقرب المدينة وحصن بوادي موسى عليه السلام بقرب بيت المقدس

(٢) طن الذباب : صوت.

(٣) وغر الصدور : حرها. وجنا : سكن. ويشبه : يشعله ويوقده ه. م.

(٤) يعيج : يقيم ويرجع. ويثوب : يرجع. ولبه. عقله. ه. م.

(٥) سار إليه سورا : وثب وثار. وغب الامر : عاقبته وآخره.

(٦) ويروى : «الا كفاه البغى ربّه». ه. م.

٣٤

وقال ع

الله يعلم أن ما يبدي يزيد لغيره

وبأنه لم يكتسبه بغيره وبميره (١)

لو أنصف النفس الخئون لقصرت من سيره

ولكان ذلك منه أدنى شره من خيره

كذا بخط ابن الخشاب شره بالإضافة وأظنه وهما منه لأنه لا معنى له على الإضافة والمعنى أنه لو أنصف نفسه أدنى الإنصاف شره على المفعولية من خيره أي صار ذا خير.

وقال ع

إذا استنصر المرء امرأ لا يدا له

فناصره والخاذلون سواء

أنا بن الذي قد تعلمون مكانه

وليس على الحق المبين طخاء (٢)

أليس رسول الله جدي ووالدي

أنا البدر إن خلا النجوم خفاء

ألم ينزل القرآن خلف بيوتنا

صباحا ومن بعد الصباح مساء

ينازعني والله بيني وبينه

يزيد وليس الأمر حيث يشاء

فيا نصحاء الله أنتم ولاته

وأنتم على أديانه أمناء

بأي كتاب أم بأية سنة

تناولها عن أهلها البعداء

وهي طويلة ـ

قال أبو مخنف كان مولانا الحسين بن علي ص يظهر الكراهية لما كان من أمر أخيه الحسن ع مع معاوية ويقول لو حز أنفي بموسى لكان أحب إلي مما فعله أخي. وقال ع

فما ساءني شيء كما ساءني أخي

ولم أرض لله الذي كان صانعا

ولكن إذا ما الله أمضى قضائه

فلا بد يوما أن ترى الأمر واقعا

 __________________

(١) قال أبو مخنف يقال غار الرجل وغار لهم ومار بهم ومار لهم وهي الغيرة والميرة ه. م

(٢) الطخاء : السحاب المرتفع ، وما في السماء طخية بالضم : أي شيء من السحاب ، والطخياء ممدودا : الليلة المظلمة وظلام طاخ. ه. م.

٣٥

ولو أنني شوورت فيه لما رأوا

قريبهم إلا عن الأمر شاسعا

ولم أك أرضي بالذي قد رضوا به

ولو جمعت كل إلى المجامعا

ولو حز أنفي قبل ذلك حزه

بموسى لما ألقيت للصلح تابعا

قلت إن صح أن هذه الأبيات من شعره ع فكل منهما يرى المصلحة بحسب حاله ومقتضى زمانه وكلاهما ع مصيبان فيما اعتمدا وهما إمامان سيدان قاما أو قعدا فلا يتطرق عليهما مقال وهما أعرف بالأحوال في كل حال (١) ..

وقال وإن تكن الدنيا تعد نفيسة وقد تقدم ذكرها ..

وقال الموت خير من ركوب العار وقد سبقت ..

وقال ع :

أنا الحسين بن علي بن أبي

طالب البدر بأرض العرب

ألم تروا وتعلموا أن أبي

قاتل عمرو ومبير مرحب

ولم يزل قبل كشوف الكرب

مجليا ذلك عن وجه النبي

أليس من أعجب عجب العجب

أن يطلب الأبعد ميراث النبي

والله قد أوصى بحفظ الأقرب

وقال ع :

ما يحفظ الله يصن

ما يصنع الله يهن

من يسعد الله يلن

له الزمان إن خشن

أخي اعتبر لا تغترر

كيف ترى صرف الزمن

يجزي بما أوتي من

فعل قبيح أو حسن

أفلح عبد كشف

الغطاء عنه ففطن

وقر عينا من رأى

أن البلاء في اللسن

 __________________

(١) والظاهران هذه الأبيات متقولة عليه صلوات اللّه عليه لأنّها بظاهرها مخالفة لما ذهبت إليه الإمامية ولم يوجد منها اثر في مؤلّفات أصحابنا وأبو مخنف هذا فقد قيل إنه عامي لا يعبأ بما تفرد بنقله.

٣٦

فماز من ألفاظه

في كل وقت ووزن (١)

وخاف من لسانه

عزبا حديدا فحزن

ومن يك معتصما

بالله ذي العرش فلن

يضره شيء ومن

يعدي على الله ومن

من يأمن الله يخف

وخائف الله أمن

وما لما يثمره الخوف

من الله ثمن

يا عالم السر كما

يعلم حقا ما علن

صل على جدي أبي القاسم

ذي النور المبن

أكرم من حي ومن

لفف ميتا في الكفن

وامنن علينا بالرضا

فأنت أهل للمنن

وأعفنا في ديننا

من كل خسر وغبن

ما خاب من خاب كمن

يوما إلى الدنيا ركن

طوبى لعبد كشفت

عنه غيابات الوسن

والموعد الله وما

يقض به الله مكن

وهي طويلة.

وقال ع :

أبي علي وجدي خاتم الرسل

والمرتضون لدين الله من قبلي

والله يعلم والقرآن ينطقه

أن الذي بيدي من ليس يملك لي

ما يرتجى بامرئ لا قائل عذلا (٢)

ولا يزيغ إلى قول ولا عمل

ولا يرى خائفا في سره وجلا

ولا يحاذر من هفو ولا زلل

يا ويح نفسي ممن ليس يرحمها

أما له في كتاب الله من مثل

أما له في حديث الناس معتبر

من العمالقة العادية الأول

 __________________

(١) ماز الشيء : عزله.

(٢) العذل : الملامة.

٣٧

يا أيها الرجل المغبون شيمته

إني ورثت رسول الله عن رسل

أأنت أولى به من آله فبما

ترى اعتللت وما في الدين من علل

وفيها أبيات أخر.

وقال ع :

يا نكبات الدهر دولي دولي

واقصري إن شئت أو أطيلي (١)

منها

رميتني رمية لا مقيل

بكل خطب فادح جليل

وكل غبء أيد ثقيل

أول ما رزئت بالرسول

وبعد بالطاهرة البتول

والوالد البر بنا الوصول

وبالشقيق الحسن الجليل

والبيت ذي التأويل والتنزيل

وزورنا المعروف من جبريل

فما له في الزرء من عديل

ما لك عني اليوم من عدول

وحسبي الرحمن من منيل

قال تم شعر مولانا الشهيد أبي عبد الله الحسين بن علي بن أبي طالب ع وهو عزيز الوجود.

قلت والأبيات النونية التي أولها.

غدر القوم وقدما رغبوا

عن ثواب الله رب الثقلين

لم يذكرها أبو مخنف في هذا الديوان الذي جمعه وهي مشهورة والله أعلم

التاسع في أولاده ع

قال كمال الدين كان له من الأولاد ذكور وإناث عشرة ستة ذكور وأربع إناث فالذكور علي الأكبر وعلي الأوسط وهو زين العابدين وسيأتي ذكره في بابه إن شاء الله وعلي الأصغر ومحمد وعبد الله وجعفر.

فأما علي الأكبر فإنه قاتل بين يدي أبيه حتى قتل شهيدا.

وأما علي الأصغر فجاءه سهم وهو طفل فقتله وقيل إن عبد الله قتل أيضا مع أبيه شهيدا.

وأما البنات فزينب وسكينة وفاطمة هذا قول مشهور.

__________________

(١) دال الأيام : دارت. ودال الزمان : انقلب من حال إلى حال.

٣٨

وقيل كان له أربع بنين وبنتان والأول أشهر.

وكان الذكر المخلد والبناء المنضد مخصوصا من بين بنيه بعلي الأوسط زين العابدين دون بقية الأولاد آخر كلامه.

قلت عدد أولاده ع وذكر بعضا وترك بعضا قال ابن الخشاب ولد له ستة بنين وثلاث بنات ـ علي الأكبر الشهيد مع أبيه وعلي الإمام سيد العابدين وعلي الأصغر ومحمد وعبد الله الشهيد مع أبيه وجعفر وزينب وسكينة وفاطمة.

وقال الحافظ عبد العزيز بن الأخضر الجنابذي ولد الحسين بن علي بن أبي طالب ع ستة أربعة ذكور وابنتان ـ علي الأكبر قتل مع أبيه وعلي الأصغر وجعفر وعبد الله وسكينة وفاطمة قال ونسل الحسين من علي الأصغر وأمه أم ولد وكان أفضل أهل زمانه وقال الزهري ما رأيت هاشميا أفضل منه.

قلت قد أخل الحافظ بذكر علي زين العابدين حيث قال علي الأكبر وعلي الأصغر وأثبته حيث قال ونسل الحسين من علي الأصغر فسقط في هذه الرواية علي الأصغر والصحيح أن العليين من أولاده ثلاثة كما ذكر كمال الدين وزين العابدين ع هو الأوسط والتفاوت بين ما ذكره كمال الدين والحافظ أربعة.

قال الشيخ المفيد باب ذكره ولد الحسين ع كان للحسين ع ستة أولاد علي بن الحسين الأصغر وكنيته أبو محمد وأمه شاه زنان بنت كسرى يزدجرد بن شهريار ملك الفرس وعلي بن الحسين الأكبر قتل مع أبيه بالطف وأمه ليلى بنت أبي مرة بن عروة بن مسعود الثقفية وجعفر بن الحسين لا بقية له وأمه قضاعية وكانت وفاته في حياة الحسين ع وعبد الله بن الحسين قتل مع أبيه صغيرا جاءه سهم وهو في حجر أبيه فذبحه وسكينة بنت الحسين وأمها الرباب بنت إمرئ القيس بن عدي كلبية وهي أم عبد الله بن الحسين وفاطمة بنت الحسين وأمها أم إسحاق بنت طلحة بن عبد الله تيمية.

٣٩

قلت المفيد رحمه‌الله قد وافق الحافظ عبد العزيز على العدة والتفصيل وعلى قولهما فالعليان اثنان والمشهور ثلاثة والله أعلم وعقبه كله من الإمام زين العابدين وسيأتي ذكره إن شاء الله

العاشر في عمره ع

قال كمال الدين رحمه‌الله قد تقدم القول في ولادته ع أنها كانت في سنة أربع من الهجرة وكان انتقاله إلى الدار الآخرة على ما سيأتي تفصيله وبيانه في سنة إحدى وستين من الهجرة فتكون مدة عمره ستا وخمسين سنة وأشهرا كان منها مع جده رسول الله ص ست سنين وشهورا وكان مع أبيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع ثلاثين سنة بعد وفاة النبي ص وكان مع أخيه الحسن بعد وفاة أبيه ع عشر سنين وبقي بعد وفاة أخيه الحسن ع إلى وقت مقتله عشر سنين ..

قال ابن الخشاب حدثنا حرب بإسناده عن أبي عبد الله الصادق ع قال مضى أبو عبد الله الحسين بن علي أمه فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وعليهم أجمعين وهو ابن سبع وخمسين سنة في عام الستين من الهجرة في يوم عاشوراء كان مقامه مع جده رسول الله ص سبع سنين إلا ما كان بينه وبين أبي محمد وهو سبعة أشهر وعشرة أيام وأقام مع أبيه ع ثلاثين سنة وأقام مع أبي محمد عشر سنين وأقام بعد مضي أخيه الحسن ع عشر سنين فكان عمره سبعا وخمسين سنة إلا ما كان بينه وبين أخيه من الحمل وقبض في يوم عاشوراء في يوم الجمعة في سنة إحدى وستين من الهجرة ويقال في يوم عاشوراء في يوم الإثنين وكان بقائه بعد أخيه الحسن ع إحدى عشرة سنة.

وقال الحافظ عبد العزيز الحسين بن علي بن أبي طالب وأمه فاطمة بنت رسول الله ص ولد في ليال خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة وقتل بالطف يوم عاشوراء سنة إحدى وستين وهو ابن خمس وخمسين سنة وستة أشهر.

قلت قد اتفقوا في التاريخ واختلفوا في الحساب والحق منهما يظهر

٤٠