كشف الغمّة في معرفة الأئمّة - ج ٢

أبي الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح الاربلي

كشف الغمّة في معرفة الأئمّة - ج ٢

المؤلف:

أبي الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح الاربلي


المحقق: السيد هاشم الرسولي المحلاتي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة بني هاشمي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٦٠
الجزء ١ الجزء ٢

عمرها الله تعالى وقد أورد هذا الحديث جماعة من الأعيان وذكره الشيخ الحافظ أبو الفرج بن الجوزي رحمه‌الله في كتابه صفوة الصفوة وكلهم يرويه عن الليث وكان ثقة معتبرا.

وقال كمال الدين وأما أولاده فكانوا سبعة ستة ذكور وبنت واحدة وقيل أكثر من ذلك وأسماء أولاده موسى وهو الكاظم وإسماعيل ومحمد وعلي وعبد الله وإسحاق وأم فروة ـ.

وأما عمره فإنه مات في سنة ثمان وأربعين ومائة في خلافة أبي جعفر المنصور وقد تقدم ذكر ولادته في سنة ثمانين فيكون عمره ثمان وستين سنة هذا هو الأظهر وقيل غير ذلك.

وقبره بالمدينة بالبقيع وهو القبر الذي فيه أبوه الباقر وجده زين العابدين وعمه الحسن بن علي ع فلله دره من قبر ما أكرمه وأشرفه وأعلى قدره عند الله تعالى انتهى كلامه.

وقال الحافظ عبد العزيز بن الأخضر الجنابذي رحمه‌الله ـ أبو عبد الله جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ع الصادق وأمه أم فروة واسمها قريبة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأمها أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق ولذلك قال جعفر ع ولقد ولدني أبو بكر مرتين ولد عام الجحاف (١) سنة ثمانين ومات سنة ثمان وأربعين ومائة.

ولد جعفر بن محمد ع إسماعيل الأعرج وعبد الله وأم فروة وأمهم فاطمة بنت الحسين الأثرم بن الحسن بن علي بن أبي طالب ع وموسى بن جعفر الإمام وأمه حميدة أم ولد وإسحاق ومحمد وفاطمة تزوجها محمد بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس فماتت عنده وأمهم أم ولد ويحيى والعباس وأسماء

__________________

(١) ذكر الطبريّ في أحداث سنة ثمانين انه جاء في هذه السنة سيل بمكّة ذهب بالحجاج فغرقت بيوت مكّة فسمى ذلك العام عام الجحاف لان ذلك السيل جحف كل شيء مر به «انتهى».

قلت : وأجحف السيل بالشيء : اي ذهب به.

١٦١

وفاطمة الصغرى وهم لأمهات أولاد شتى.

وقال محمد بن سعيد لما خرج محمد بن عبد الله بن حسن هرب جعفر إلى ماله بالفرع فلم (١) يزل هناك مقيما حتى قتل محمد فلما قتل محمد واطمأن الناس وأمنوا رجع إلى المدينة فلم يزل بها حتى مات سنة ثمان وأربعين ومائة في خلافة أبي جعفر وهو يومئذ ابن إحدى وسبعين سنة.

وقال غيره ولد جعفر عام الجحاف سنة ثمانين ومات سنة ثمان وأربعين ومائة.

" وعن أبي عمرو بن المقدام قال كنت إذا نظرت إلى جعفر بن محمد علمت أنه من سلالة النبوة.

وقال البرذون بن سيف [شبيب] النهدي واسمه جعفر قال سمعت جعفر بن محمد يقول احفظوا فينا ما حفظ العبد الصالح في اليتيمين قال (وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً).

وقال إبراهيم بن مسعود قال كان رجل من التجار يختلف إلى جعفر بن محمد يخالطه ويعرفه بحسن حال فتغيرت حاله فجعل يشكو إلى جعفر ع فقال له

فلا تجزع وإن أعسرت يوما

فقد أيسرت في زمن طويل

فلا تيأس فإن اليأس كفر

لعل الله يغني عن قليل

ولا تظنن بربك ظن سوء

فإن الله أولى بالجميل

وروي عن جعفر بن محمد الصادق ع أنه قال لمولاه نافذ إذا كتبت رقعة أو كتابا في حاجة فأردت أن تنجح حاجتك التي تريد فاكتب رأس الرقعة بقلم غير مديد (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) إن الله وعد الصابرين المخرج مما يكرهون والرزق من حيث لا يحتسبون جعلنا الله وإياكم من الذين لا (خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) قال نافذ فكنت أفعل ذلك فتنجح حوائجي.

وعن صالح بن الأسود قال سمعت جعفر بن محمد يقول سلوني قبل أن تفقدوني

__________________

(١) الفرع : قرية من نواحي المدينة على طريق مكّة.

(٢) الكهف : ٨٢.

١٦٢

فإنه لا يحدثكم أحد بعدي بمثل حديثي.

وعنه ع (اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) قال محمد وعلي.

وعن عبد الله بن أبي يعفور عن جعفر بن محمد قال بني الإنسان على خصال فمهما بني عليه فإنه لا يبنى على الخيانة والكذب.

وروى معاوية بن عمار عن جعفر بن محمد قال من صلى على محمد وأهل بيته مائة مرة قضى الله تعالى له مائة حاجة.

١٤ ـ وعن جعفر بن محمد عن عكرمة عن ابن عباس قال قال رسول الله ص من قال جزى الله عنا محمدا ما هو أهله أتعب سبعين كاتبا ألف صباح.

وروى محمد بن محبب عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده ع ورفعه قال ما من مؤمن أدخل على قوم سرورا إلا خلق الله من ذلك السرور ملكا يعبد الله ويوحده ويمجده فإذا صار المؤمن في قبره أتاه السرور الذي أدخله عليه فيقول أما تعرفني فيقول ومن أنت فيقول أنا السرور الذي أدخلتني على فلان أنا اليوم الذي أونس وحشتك وألقنك حجتك وأثبتك بالقول الثابت وأشهد بك مشاهد القيامة وأشفع لك إلى ربك وأريك منزلتك من الجنة.

وعن سليمان بن بلال قال حدثني جعفر بن محمد عن أبيه قال سمعت جابر بن عبد الله يقول كانت خطبة رسول الله ص يوم الجمعة يحمد الله ويثنى عليه ثم يقول على أثر ذلك وقد علا صوته واشتد غضبه واحمرت وجنتاه كأنه منذر جيش صبحكم أو مساكم ثم يقول بعثت والساعة كهاتين وأشار بالسبابة والوسطى التي تلي الإبهام ثم يقول إن أفضل الحديث كتاب الله عزوجل وخير الهدي هدي محمد ص وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة فمن ترك مالا فلأهله ومن ترك دينا أو ضياعا (١) فالي.

ووقع بين جعفر بن محمد وعبد الله بن حسن كلام في صدر يوم فأغلظ له في القول عبد الله بن حسن ثم افترقا وراحا إلى المسجد فالتقيا على باب المسجد فقال أبو عبد الله جعفر بن محمد لعبد الله بن حسن كيف أمسيت يا أبا محمد قال بخير كما يقول المغضب فقال يا با محمد أما علمت أن صلة الرحم يخفف الحساب فقال

__________________

(١) وفي بعض النسخ «أو عيالا».

١٦٣

لا تزال تجيء بالشيء لا نعرفه فقال إني أتلو عليك به قرآنا قال وذلك أيضا قال نعم قال فهاته قال قول الله عزوجل (وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ) (١) قال فلا تراني بعدها قاطعا رحما.

وعن جميل بن دراج قال كنت عند أبي عبد الله فدخل عليه بكير بن أعين وهو أرمد فقال له أبو عبد الله الظريف يرمد فقال وكيف يصنع قال إذا غسل يده من الغمر (٢) مسحها على عينيه قال ففعلت ذلك فلم أرمد.

١٤ ـ وعن سعيد بن سليمان عن جعفر بن محمد عن أبيه عن عبد الله بن جعفر أن النبي ص كان يقول إن الله عزوجل مع المديون حتى يقضي دينه ما لم يكن في معصية أو فيما يكره الله عزوجل.

١٤ ـ وعنه عن أبيه عن جابر قال قال رسول الله ص للمهاجرين والأنصار عليكم بالقرآن فاتخذوه إماما فإنه كلام رب العالمين الذي منه بدأ وإليه يعود.

وعن مالك بن أنس عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده علي بن أبي طالب ع قال قال رسول الله ص من قال في كل يوم مائة مرة لا إله إلا الله الملك الحق المبين كان له أمان من الفقر وأمن من وحشة القبر واستجلب الغنى وفتحت له أبواب الجنة.

وعن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده أن النبي ص نهى عن جذاذ الليل وحصاده (٣) قال جعفر بن محمد إنما كره ذلك لأنه لا يحضره الفقراء والمساكين. وبالإسناد قال قال رسول الله ص إذا رأيتم الحريق فكبروا فإن الله تعالى يطفئه.

وعنه ع قال من لم يكن لأخيه كما يكن لنفسه لم يعط الأخوة حقها ألا ترى كيف حكى الله تعالى في كتابه أنه يفر المرء من أبيه والأخ من أخيه ثم ذكر في ذلك الموقف شفقة الأصدقاء يقول (فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ)

__________________

(١) الرعد : ٢١.

(٢) الغمر ـ بالتحريك ـ : الدسم والزهومة من اللحم.

(٣) الجذاذ : صرام النخل اي أوان ادراكه.

١٦٤

وعنه ع قال لما دفعت إلى أبي جعفر المنصور انتهرني وكلمني بكلام غليظ ثم قال لي يا جعفر قد علمت بفعل محمد بن عبد الله الذي تسمونه النفس الزكية وما نزل به وإنما أنتظر الآن أن يتحرك منكم أحد فألحق الكبير بالصغير قال فقلت يا أمير المؤمنين حدثني محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن الحسين بن علي عن علي بن أبي طالب ع أن النبي ص قال إن الرجل ليصل رحمه وقد بقي من عمره ثلاث سنين فيمدها الله إلى ثلاث وثلاثين سنة وإن الرجل ليقطع رحمه وقد بقي من عمره ثلاث وثلاثون سنة فيبترها الله تعالى إلى ثلاث سنين قال فقال لي والله لقد سمعت هذا من أبيك قلت نعم حتى رددها علي ثلاثا ثم قال انصرف.

وعن جابر بن عون قال قال رجل لجعفر بن محمد إنه وقع بيني وبين قوم منازعة في أمر وإني أريد أن أتركه فيقال لي إن تركك له ذل فقال له جعفر بن محمد إن الذليل هو الظالم

ذكر من روى من أولاده ع

موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد عن جده محمد بن علي عن أبيه عن جده علي بن أبي طالب قال أخذ النبي ص بيد حسن وحسين فقال من أحبني وأحب هذين وأباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة.

" محمد بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن جابر أن النبي ص لبى بحجة وعمرة معا.

إسماعيل بن جعفر بن محمد عن أبيه جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن أبيه علي بن أبي طالب ع قال قال رسول الله ص من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه.

إسحاق بن جعفر بن محمد عن أبيه جعفر بن محمد حدث أبو الحسين يحيى بن الحسن بن جعفر بن عبد الله بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ص قال كتب إلي عباد بن يعقوب يخبرني عن محمد بن إسحاق بن جعفر بن محمد عن أبيه قال دخل جعفر بن محمد على أبي جعفر المنصور فتكلم فلما خرج من عنده أرسل إلى جعفر بن محمد فرده فلما رجع حرك شفتيه بشيء فقيل له ما قلت قال قلت

١٦٥

اللهم إنك تكفي من كل شيء ولا يكفى منك شيء فاكفنيه فقال له ما يقرك عندي فقال له أبو عبد الله قد بلغت أشياء لم يبلغها أحد من آبائي في الإسلام وما أراني أصحبك إلا قليلا ما أرى هذه السنة تتم لي قال فإن بقيت قال ما أراني أبقي قال فقال أبو جعفر احسبوا له فحسبوا فمات في شوال آخر كلامه.

وقال الشيخ المفيد رحمه‌الله باب ذكر الإمام القائم بعد أبي جعفر محمد بن علي ع من ولده وتاريخ مولده ودلائل إمامته ومبلغ سنه ومدة خلافته ووقت وفاته وموضع قبره وعدد أولاده ومختصر من أخباره.

وكان الصادق جعفر بن محمد بن علي بن الحسين ع من بين إخوته خليفة أبيه ووصيه والقائم بالإمامة من بعده وبرز على جماعتهم بالفضل وكان أنبههم ذكرا وأعظمهم قدرا وأجلهم في العامة والخاصة ونقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان وانتشر ذكره في البلدان ولم ينقل العلماء عن أحد من أهل بيته ما نقل عنه ولا لقي أحد منهم من أهل الآثار ونقلة الأخبار ولا نقلوا عنهم ما نقلوا عن أبي عبد الله ع فإن أصحاب الحديث قد جمعوا أسماء الرواة عنه من الثقات على اختلافهم في الآراء والمقالات فكانوا أربعة آلاف رجل وكان له ع من الدلائل الواضحة في إمامته ما بهرت العقول وأخرست المخالف عن الطعن فيها بالشبهات.

وكان مولده بالمدينة سنة ثلاث وثمانين ومضى ع في شوال من سنة ثمان وأربعين ومائة وله خمس وستون سنة ودفن في البقيع مع أبيه وجده وعمه الحسن ع وأمه أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر وكانت إمامته ع أربعا وثلاثين سنة ووصى إليه أبو جعفر ع وصية ظاهرة ونص عليه بالإمامة نصا جليا.

فروى محمد بن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله جعفر بن محمد ع قال لما حضرت أبي الوفاة قال يا جعفر أوصيك بأصحابي خيرا قلت جعلت فداك والله لأدعنهم والرجل منهم يكون في المصر فلا يسأل أحدا.

١٦٦

وروى أبان بن عثمان عن أبي الصباح الكناني قال نظر أبو جعفر إلى ابنه أبي عبد الله ع وقال أترى هذا من الذين قال الله تعالى (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ).

وروى هشام بن سالم عن جابر بن يزيد الجعفي قال سئل أبو جعفر الباقر ع عن القائم بعده فضرب يده على أبي عبد الله ع فقال هذا والله بعدي قائم آل محمد.

وروى علي بن الحكم عن طاهر صاحب أبي جعفر قال كنت عنده فأقبل جعفر ع فقال أبو جعفر هذا خير البرية.

وعن أبي عبد الله ع قال إن أبي ع استودعني ما هناك فلما حضرته الوفاة قال ادع لي شهودا فدعوت له أربعة من قريش منهم نافع مولى عبد الله بن عمر فقال اكتب هذا ما أوصى به يعقوب بنيه (يا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) وأوصى محمد بن علي إلى أبي عبد الله جعفر بن محمد وأمره أن يكفنه في برده الذي كان يصلي فيه الجمعة وأن يعممه بعمامة وأن يربع قبره ويرفعه أربع أصابع وأن يحل أطماره (١) عنه عند دفنه ثم قال للشهود انصرفوا رحمكم الله قلت له يا أبة ما كان في هذا بأن يشهد عليه فقال يا بني كرهت أن تغلب وأن يقال لم يوص إليه فأردت أن تكون لك الحجة وأشباه هذا الحديث في معناه كثير.

وقد جاءت الرواية التي قدمنا ذكرها في خبر اللوح بالنص عليه من الله تعالى بالإمامة ثم الذي قدمناه من دلائل العقول أن الإمام لا يكون إلا الأفضل يدل على إمامته ع لظهور فضله في العلم والزهد والعمل على إخوته وبني عمه وسائر الناس من أهل عصره ثم الذي يدل على فساد إمامة من ليس بمعصوم كعصمة الأنبياء ع وليس بكامل في العلم وتعري من سواه ممن ادعى له الإمامة في وقته

__________________

(١) الاطمار جمع الطمر : الكساء والثوب.

١٦٧

عن العصمة وقصورهم عن الكمال في علم الدين يدل على إمامته ع إذ لا بد من إمامة معصوم في كل زمان حسب ما قدمناه ووصفناه.

وقد روى الناس من آيات الله جل اسمه الظاهرة على يده ع ما يدل على إمامته وحقه وبطلان مقال من ادعى الإمامة لغيره.

فمن ذلك ما رواه نقلة الآثار من خبره ع مع المنصور لما أمر الربيع بإحضاره فأحضره. فلما بصر به المنصور قال قتلني الله إن لم أقتلك أتلحد في سلطاني وتبغيني الغوائل فقال له أبو عبد الله ع والله ما فعلت ولا أردت فإن كان بلغك فمن كاذب وإن كنت فعلت فقد ظلم يوسف فغفر وابتلي أيوب فصبر وأعطي سليمان فشكر فهؤلاء أنبياء الله وإليهم يرجع نسبك فقال له المنصور أجل ارتفع هاهنا فارتفع فقال إن فلان بن فلان أخبرني عنك بما ذكرت فقال أحضروه يا أمير المؤمنين ليوافقني على ذلك فأحضر الرجل المذكور فقال له المنصور أنت سمعت ما حكيت عن جعفر فقال نعم فقال له أبو عبد الله ع فاستحلفه على ذلك فقال له المنصور أتحلف قال نعم وابتدأ باليمين فقال له أبو عبد الله ع دعني يا أمير المؤمنين أحلفه أنا فقال له افعل فقال أبو عبد الله للساعي قل برئت من حول الله وقوته والتجأت إلى حولي وقوتي لقد فعل كذا وكذا جعفر وقال كذا وكذا جعفر فامتنع هنيهة ثم حلف بها فما برح حتى ضرب برجله فقال أبو جعفر جروه برجله وأخرجوه لعنه الله قال الربيع وكنت رأيت جعفر بن محمد ع حين دخل على المنصور يحرك شفتيه وكلما حركهما سكن غضب المنصور حتى أدناه منه ورضي عنه فلما خرج أبو عبد الله ع من عند أبي جعفر اتبعته فقلت إن هذا الرجل كان من أشد الناس غضبا عليك فلما دخلت عليه كنت تحرك شفتيك وكلما حركتهما سكن غضبه فبأي شيء كنت تحركهما قال بدعاء جدي الحسين بن علي ع قلت جعلت فداك وما هذا الدعاء قال يا عدتي عند شدتي ويا غوثي عند كربتي احرسني بعينك التي لا تنام واكنفني بركنك الذي لا يرام قال الربيع فحفظت هذا الدعاء فما نزلت بي شدة قط إلا دعوت

١٦٨

به ففرج عني.

قال وقلت لأبي عبد الله جعفر بن محمد ع لم منعت الساعي أن يحلف بالله قال كرهت أن يراه الله يوحده ويمجده فيحلم عنه ويؤخر عقوبته فاستحلفته بما سمعت فأخذه الله تعالى (أَخْذَةً رابِيَةً).

وروي أن داود بن علي بن عبد الله بن العباس (١) قتل المعلى بن خنيس مولى جعفر بن محمد ع وأخذ ماله فدخل عليه جعفر وهو يجر ردائه فقال له قتلت مولاي وأخذت ماله أما علمت أن الرجل ينام على الثكل ولا ينام على الحرب (٢) أما والله لأدعون الله عليك فقال له داود بن علي أتهددنا بدعائك كالمستهزئ بقوله فرجع أبو عبد الله ع إلى داره فلم يزل ليله كله قائما وقاعدا حتى إذا كان السحر سمع وهو يقول في مناجاته يا ذا القوة القوية ويا ذا المحال الشديد ويا ذا العزة التي كل خلقك لها ذليل اكفني هذه الطاغية وانتقم لي منه فما كانت إلا ساعة حتى ارتفعت الأصوات بالصياح وقيل مات داود بن علي.

وروى أبو بصير قال دخلت المدينة وكانت معي جويرية لي فأصبت منها ثم خرجت إلى الحمام فلقيت أصحابنا الشيعة وهم متوجهون إلى أبي عبد الله جعفر ع فخشيت أن يسبقوني ويفوتني الدخول إليه فمشيت معهم حتى دخلت الدار فلما مثلت بين يدي أبي عبد الله نظر إلي ثم قال يا أبا بصير أما علمت أن بيوت الأنبياء وأولاد الأنبياء لا يدخلها الجنب فاستحييت وقلت يا ابن رسول الله إني لقيت أصحابنا فخشيت أن يفوتني الدخول معهم ولن أعود مثلها وخرجت وجاءت الرواية مستفيضة بمثل ما ذكرناه من الآيات والأخبار بالغيوب مما يطول تعداده.

وكان يقول ع علمنا غابر ومزبور ونكت في القلوب ونقر في الأسماع

__________________

(١) يظهر من الاخبار والتواريخ ان داود بن علي كان واليا على المدينة من قبل بنى عبّاس.

(٢) الثكل : فقد الولد. والحرب ـ بالتحريك ـ : نهب المال الذي يعيش فيه.

١٦٩

وإن عندنا الجفر الأحمر والجفر الأبيض ومصحف فاطمة ع وإن عندنا الجامعة فيها جميع ما يحتاج الناس إليه فسئل عن تفسير هذا الكلام فقال أما الغابر فالعلم بما يكون وأما المزبور فالعلم بما كان وأما النكت في القلوب فهو الإلهام وأما النقر في الأسماع فهو حديث الملائكة ع نسمع كلامهم ولا نرى أشخاصهم وأما الجفر الأحمر فوعاء فيه سلاح رسول الله ص ولن يخرج حتى يقوم قائمنا أهل البيت وأما الجفر الأبيض فوعاء فيه توراة موسى وإنجيل عيسى وزبور داود وكتب الله الأولى وأما مصحف فاطمة ع ففيه ما يكون من حادث وأسماء كل من يملك إلى أن تقوم الساعة وأما الجامعة فهو كتاب طوله سبعون ذراعا إملاء رسول الله ص من فلق فيه (١) وخط علي بن أبي طالب ص بيده فيه والله جميع ما يحتاج الناس إليه إلى يوم القيامة حتى أن فيه أرش الخدش والجلدة ونصف الجلدة.

وكان ع يقول حديثي حديث أبي وحديث أبي حديث جدي وحديث جدي حديث علي بن أبي طالب أمير المؤمنين وحديث علي حديث رسول الله ص وحديث رسول الله قول الله عزوجل.

وروى أبو حمزة الثمالي عن أبي عبد الله جعفر بن محمد ع قال سمعته يقول ألواح موسى ع عندنا وعصى موسى عندنا ونحن ورثة النبيين.

وروى معاوية بن وهب عن سعيد السمان قال كنت عند أبي عبد الله جعفر بن محمد ع إذ دخل عليه رجلان من الزيدية فقالا أفيكم إمام مفترض الطاعة قال فقال لا قال فقالا قد أخبرنا عنك الثقات أنك تقول به وسموا قوما وقالوا هم أصحاب ورع وتشمير وهم ممن لا يكذب فغضب أبو عبد الله وقال ما أمرتهم بهذا فلما رأى الغضب في وجهه خرجا فقال لي أتعرف هذين قلت نعم وهما من أهل سوقنا وهما من الزيدية وهما يزعمان أن سيف رسول الله ص عند عبد الله بن الحسن فقال كذبا لعنهما الله والله ما رآه عبد الله بن الحسن بعينيه ولا بواحدة من عينيه ولا رآه أبوه اللهم إلا أن يكون رآه عند علي بن الحسين

__________________

(١) أي من شق فمه.

١٧٠

ع فإن كانا صادقين فما علامة في مقبضه وما أثر في موضع مضربه فإن عندي لسيف رسول الله ص وإن عندي لراية رسول الله ص ودرعه ولامته (١) ومغفره فإن كانا صادقين فما علامة في درع رسول الله ص وإن عندي لراية رسول الله ص المغلبة وإن عندي ألواح موسى وعصاه وإن عندي لخاتم سليمان وإن عندي الطست التي كان يقرب موسى فيها القربان وإن عندي الاسم الذي كان رسول الله ص إذا وضعه بين المسلمين والمشركين لم يصل من المشركين إلى المسلمين نشابة (٢) وإن عندي لمثل الذي جاءت به الملائكة ومثل السلاح فينا كمثل التابوت في بني إسرائيل كان أي بيت وجد فيه التابوت على بابهم أوتوا النبوة ومن صار السلاح إليه منا أوتي الإمامة ولقد لبس أبي درع رسول الله ص فخطت عليه الأرض خطيطا ولبستها أنا فكانت وكانت وقائمنا إذا لبسها ملأها إن شاء الله تعالى.

وروى عمرو بن أبان قال سألت أبا عبد الله ع عما يتحدث الناس أنه دفع إلى أم سلمة رحمة الله عليها صحيفة مختومة فقال إن رسول الله ص لما قبض ورث أمير المؤمنين علي ع علمه وسلاحه وما هناك ثم صار إلى الحسن ثم صار إلى الحسين ع قال فقلت ثم صار إلى علي بن الحسين ثم إلى ابنه ثم انتهى إليك قال نعم والأخبار في هذا المعنى كثيرة وفيما أثبتناه منها كفاية في الغرض الذي نؤمه إن شاء الله.

وقال الشيخ المفيد رحمه‌الله تعالى باب ذكر طرف من أخبار أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق ع وكلامه قيل إن جماعة من بني هاشم اجتمعوا بالأبواء وفيهم إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس وأبو جعفر المنصور وصالح بن علي وعبد الله بن الحسن وابناه محمد وإبراهيم ومحمد بن عبد الله بن عمرو بن

__________________

(١) اللأمة بمعنى الدرع أيضا.

(٢) النشابة : السهم.

(٣) الأبواء : قرية في ناحية المدينة وقد تقدم.

١٧١

عثمان فقال صالح بن علي قد علمتم أنكم الذين يمد الناس إليهم أعينهم وقد جمعكم الله في هذا الموضع فاعقدوا لرجل منكم بيعة تعطونه إياها من أنفسكم وتواثقوا على ذلك حتى يفتح الله وهو خير الفاتحين فحمد الله عبد الله بن الحسن وأثنى عليه ثم قال قد علمتم أن ابني هذا هو المهدي فهلم فلنبايعه وقال أبو جعفر لأي شيء يخدعون أنفسكم والله لقد علمتم ما الناس إلى أحد أصور أعناقا ولا أسرع إجابة منهم إلى هذا الفتى يريد محمد بن عبد الله قالوا قد والله صدقت إن هذا الذي نعلم فبايعوا محمدا جميعا ومسحوا على يده.

قال عيسى بن عبد الله بن محمد وجاء رسول عبد الله بن حسن إلى أبي أن ائتنا فإنا مجتمعون لأمر وأرسل بذلك إلى جعفر بن محمد ع وقال غير عيسى إن عبد الله بن الحسن قال لمن حضر لا تريدوا جعفرا فإنا نخاف أن يفسد عليكم أمركم قال عيسى بن عبد الله بن محمد فأرسلني أبي أنظر ما اجتمعوا له فجئتهم ومحمد بن عبد الله يصلي على طنفسة رحل مثنية (١) فقلت لهم أرسلني أبي إليكم أسألكم لأي شيء اجتمعتم فقال عبد الله اجتمعنا لنبايع المهدي محمد بن عبد الله قال وجاء جعفر بن محمد فأوسع له عبد الله بن حسن إلى جنبه فتكلم بمثل كلامه فقال جعفر بن محمد لا تفعلوا فإن هذا الأمر لم يأت بعد إن كنت ترى أن ابنك هذا هو المهدي فليس به ولا هذا أوانه وإن كنت إنما تريد أن تخرجه غضبا لله تعالى وليأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فإنا والله لا ندعك وأنت شيخنا ونبايع ابنك في هذا الأمر فغضب عبد الله وقال لقد علمت خلاف ما تقول وو الله ما أطلعك الله على غيبه ولكنك يحملك على هذا الحسد لابني فقال والله ما ذلك يحملني ولكن هذا وإخوته وأبناءهم دونكم وضرب بيده على ظهر أبي العباس ثم ضرب بيده على كتف عبد الله بن حسن وقال إيها والله ما هي إليك ولا إلى ابنك ولكنها لهم وإن ابنيك لمقتولان ثم نهض وتوكأ على يد عبد العزيز بن عمران الزهري وقال أرأيت صاحب الرداء الأصفر يعني أبا جعفر فقال له نعم فقال

__________________

(١) أي على بساط رحل ملفوف.

١٧٢

إنا والله نجده يقتله فقال له عبد العزيز أيقتل محمدا قال نعم قال فقلت في نفسي حسده ورب الكعبة قال ثم والله ما خرجت من الدنيا حتى رأيته قتلهما قال فلما قال جعفر ذلك ونهض القوم وافترقوا تبعه عبد الصمد وأبو جعفر فقالا يا أبا عبد الله تقول هذا قال نعم أقوله والله وأعلمه.

وعن بجاد العابد (١) قال كان جعفر بن محمد ع إذا رأى محمد بن عبد الله بن حسن تغرغرت عيناه (٢) ثم يقول بنفسي هو إن الناس ليقولون فيه وإنه لمقتول ليس هو في كتاب علي من خلفاء هذه الأمة

فصل وهذا حديث مشهور كالذي قبله لا يختلف العلماء بالأخبار في صحتهما وهما مما يدلان على إمامة أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق ع وأن المعجزات كانت تظهر على يده لإخباره بالغائبات والكائنات قبل كونها كما كان يخبر الأنبياء ع فيكون ذلك من آياتهم وعلامات نبوتهم وصدقهم على ربهم عزوجل.

وعن يونس بن يعقوب قال كنت عند أبي عبد الله ع فورد عليه رجل من أهل الشام فقال له إني رجل صاحب كلام وفقه وفرائض وقد جئت لمناظرة أصحابك فقال له أبو عبد الله كلامك هذا من كلام رسول الله ص أو من عندك فقال من كلام رسول الله ص بعضه ومن عندي بعضه فقال له أبو عبد الله ع فأنت إذا شريك رسول الله ص قال لا قال فسمعت الوحي عن الله قال لا قال فتجب طاعتك كما تجب طاعة رسول الله ص قال لا فالتفت أبو عبد الله ع إلي وقال يا يونس بن يعقوب هذا رجل قد خصم نفسه قبل أن يتكلم ثم قال يا يونس لو كنت تحسن الكلام كلمته قال يونس فيا لها من حسرة فقلت جعلت فداك سمعتك تنهى عن الكلام وتقول ويل لأصحاب الكلام يقولون هذا ينقاد وهذا

__________________

(١) كذا في النسخ لكن الصحيح كما في المصدر «عنبسة بن بجاد العابد» ولعله سقط لفظة «ابن» قبل بجاد.

(٢) تغرغرت عينه بالدمع : اي تردد فيها الدمع.

١٧٣

لا ينقاد وهذا ينساق وهذا لا ينساق وهذا نعقله وهذا لا نعقله فقال أبو عبد الله ع إنما قلت ويل لقوم تركوا قولي وذهبوا إلى ما يريدون ثم قال اخرج إلى الباب فانظر من ترى من المتكلمين فأدخله قال فخرجت فوجدت حمران بن أعين وكان يحسن الكلام ومحمد بن النعمان الأحول وكان متكلما وهشام بن سالم وقيس الماصر وكانوا متكلمين فأدخلتهم عليه فلما استقر بنا المجلس وكنا في خيمة لأبي عبد الله ع على طرف جبل بالحرم وذلك قبل أيام الحج بأيام أخرج أبو عبد الله رأسه من الخيمة فإذا هو ببعير يخب (١) فقال هشام ورب الكعبة قال فظننا أن هشاما رجل من ولد عقيل كان شديد المحبة لأبي عبد الله ع فإذا هشام بن الحكم قد ورد وهو أول ما اختطت لحيته (٢) وليس فينا إلا من هو أكبر سنا منه قال فوسع له أبو عبد الله ع وقال ناصرنا بقلبه ولسانه ويده ثم قال لحمران كلم الرجل يعني الشامي فكلمه حمران فظهر عليه ثم قال يا طاقي كلمه فكلمه فظهر عليه محمد بن النعمان ثم قال يا هشام بن سالم كلمه فتعارفا ثم قال لقيس الماصر كلمه فكلمه وأقبل أبو عبد الله ع يتبسم من كلامهما وقد استخذل الشامي في يده ثم قال للشامي كلم هذا الغلام يعني هشام بن الحكم فقال له نعم ثم قال الشامي لهشام يا غلام سلني في إمامة هذا يعني أبا عبد الله ع فغضب هشام حتى أرعد ثم قال يا هذا ربك أنظر لخلقه أم هم لأنفسهم فقال الشامي بل ربي أنظر لخلقه قال ففعل لهم بنظره في دينهم ما ذا قال كلفهم وأقام لهم حجة ودليلا على ما كلفهم وأزاح في ذلك عللهم فقال له هشام فما هذا الدليل الذي نصبه لهم قال الشامي هو رسول الله ص قال له هشام فبعد رسول الله ص من قال الكتاب والسنة فقال له هشام فهل نفعنا اليوم الكتاب والسنة فيما اختلفنا فيه حتى رفعا عنا الاختلاف ومكننا من الاتفاق قال الشامي نعم قال له هشام فلم اختلفنا نحن وأنت وجئتنا من الشام تخالفنا وتزعم أن الرأي

__________________

(١) الخبب : ضرب من العدو.

(٢) اختط الغلام : نبت عذاره.

١٧٤

طريق الدين وأنت مقر بأن الرأي لا يجمع على القول الواحد المختلفين فسكت الشامي كالمفكر.

فقال له أبو عبد الله ما لك لا تتكلم قال إن قلت إنا ما اختلفنا كابرت وإن قلت إن الكتاب والسنة ترفعان بيننا الاختلاف أبطلت لأنهما يحتملان الوجوه ولكن لي عليه مثل ذلك فقال له أبو عبد الله ع سله تجده مليا فقال الشامي لهشام من أنظر للخلق ربهم أم أنفسهم قال هشام بل ربهم أنظر لهم فقال الشامي فهل أقام لهم من يجمع كلمتهم ويرفع اختلافهم ويبين لهم حقهم من باطلهم قال هشام نعم قال من هو قال هشام أما في ابتداء الشريعة فرسول الله ص وأما بعد النبي ص فغيره قال الشامي ومن هو غير النبي ص القائم مقامه في حجته قال هشام في وقتنا هذا أم قبله قال الشامي بل في وقتنا هذا قال هشام هذا الجالس يعني أبا عبد الله ع الذي تشد إليه الرحال ويخبرنا بأخبار السماء وراثه عن أب عن جد قال الشامي وكيف لي بعلم ذلك قال له هشام سله عما بدا لك قال الشامي قطعت عذري فعلي السؤال فقال له أبو عبد الله ع أنا أكفيك المسألة يا شامي أخبرك عن مسيرك وسفرك خرجت يوم كذا وكان مسيرك على طريقك كذا ومر بك كذا ومررت على كذا فأقبل الشامي وكلما وصف له شيئا من أمره يقول له صدقت والله ثم قال أسلمت لله الساعة فقال له أبو عبد الله ع بل آمنت بالله الساعة لأن الإسلام قبل الإيمان وعليه يتوارثون ويتناكحون والإيمان عليه يثابون قال الشامي صدقت فأنا الساعة أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأنك وصي الأوصياء

وهذا الخبر مع ما فيه من إثبات حجة النظر ودلالة الإمامة يتضمن من المعجز لأبي عبد الله ع بالخبر عن الغائب مثل الذي يتضمنه الخبران المتقدمان ويوافقهما في معنى البرهان.

وروى أنه اجتمع نفر من الزنادقة فيهم ابن أبي العوجاء وابن طالوت وابن الأعمى وابن المقفع وأصحابهم كانوا مجتمعين في الموسم بالمسجد الحرام وأبو

١٧٥

عبد الله جعفر بن محمد الصادق ع فيه إذ ذاك يفتي الناس ويفسر لهم القرآن ويجيب عن المسائل بالحجج والبينات فقال القوم لابن أبي العوجاء هل لك في تغليط هذا الجالس وسؤاله عما يفضحه عند هؤلاء المحيطين به فقد ترى فتنة الناس به وهو علامة زمانه فقال لهم ابن أبي العوجاء نعم ثم تقدم ففرق الناس وقال يا أبا عبد الله إن المجالس أمانات ولا بد لكل من كان به سعال أن يسعل أفتأذن في السؤال فقال له أبو عبد الله ع سل إن شئت فقال له ابن أبي العوجاء إلى كم تدوسون هذا البيدر وتلوذون بهذا الحجر وتعبدون هذا البيت المرفوع بالطين والمدر وتهرولون حوله هرولة البعير إذا نفر من فكر في هذا وقدر علم أنه فعل غير حكيم ولا ذي نظر فقل إنك رأس هذا الأمر وسنامه وأبوك أسه ونظامه فقال له الصادق ع إن من أضله الله وأعمى قلبه استوخم الحق فلم يستعذبه وصار الشيطان وليه وربه يورده مناهل الهلكة وهذا بيت استعبد الله به خلقه ليختبر طاعتهم في إتيانه فحثهم على تعظيمه وزيارته وجعله قبلة للمصلين له فهو شعبة من رضوانه وطريق يؤدي إلى غفرانه منصوب على استواء الكمال ومجمع العظمة والجلال خلقه الله قبل دحو الأرض بألفي عام فأحق من أطيع كما أمر وانتهى عما زجر الله المنشئ للأرواح والصور فقال ابن أبي العوجاء ذكرت أبا عبد الله فأحلت على غائب فقال الصادق ع كيف يكون يا ويلك غائبا من هو مع خلقه شاهد وشهيد وإليهم أقرب (مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) يسمع كلامهم ويعلم أسرارهم ولا يخلو منه مكان ولا يشتغل به مكان ولا يكون من مكان أقرب من مكان تشهد له بذلك آثاره وتدل عليه أفعاله والذي بعثه بالآيات المحكمة والبراهين الواضحة محمد ص جاءنا بهذه العبادة فإن شككت في شيء من أمره فاسأل عنه أوضحه لك قال فأبلس ابن أبي العوجاء (١) ولم يدر ما يقول فانصرف من بين يديه فقال لأصحابه سألتكم أن تلتمسوا لي خمرة فألقيتموني على جمرة فقالوا له اسكت فو الله لقد فضحتنا بحيرتك وانقطاعك وما رأينا أحقر منك اليوم في

__________________

(١) ابلس الرجل : سكت واقما.

١٧٦

مجلسه فقال ألي تقولون هذا إنه ابن من حلق رءوس من ترون وأومأ بيده إلى أهل الموسم.

وروي أن أبا شاكر الديصاني وقف ذات يوم على مجلس أبي عبد الله ع فقال له إنك لأحد النجوم الزواهر وكان آباؤك بدورا بواهر وأمهاتك عقيلات عباهر (١) وعنصرك من أكرم العناصر وإذا ذكر العلماء فعليك تثني الخناصر فخبرنا أيها البحر الزاخر ما الدليل على حدوث العالم فقال له أبو عبد الله ع إن أقرب الدليل على ذلك ما أذكره لك ثم دعا ببيضة فوضعها في راحته وقال هذا حصن ملموم (٢) داخله غرقئ رقيق (٣) يطيف به كالفضة السائلة والذهبة المائعة أتشك في ذلك قال أبو شاكر لا شك فيه قال أبو عبد الله ع ثم إنه ينفلق عن صورة كالطاوس أدخله شيء غير ما عرفت قال لا قال فهذا الدليل على حدث العالم فقال أبو شاكر دللت أبا عبد الله فأوضحت وقلت فأحسنت وذكرت فأوجزت وقد علمت إنا لا نقبل إلا ما أدركناه بأبصارنا وسمعناه بآذاننا أو ذقناه بأفواهنا أو شممناه بأنوفنا أو لمسناه ببشرنا فقال أبو عبد الله ع ذكرت الحواس الخمس وهي لا تنفع في الاستنباط إلا بدليل كما لا تقطع الظلمة بغير مصباح يريد ع أن الحواس بغير عقل لا توصل إلى معرفة الغائبات وأن الذي أراه من حدوث الصورة معقول بني العلم به على محسوس.

ومما حفظ عنه ع في وجوب المعرفة بالله عزوجل وبدينه. قوله وجدت علم الناس كلهم في أربع أولها أن تعرف ربك والثاني أن تعرف ما صنع بك والثالث أن تعرف ما أراد منك والرابع أن تعرف ما يخرجك عن دينك وهذه أقسام تحيط بالمفروض من المعارف لأنه أول ما يجب على العبد معرفة ربه جل جلاله فإذا علم أن له إلها وجب أن يعرف صنعه إليه فإذا عرف صنعه عرف به نعمته

__________________

(١) عقيلة كل شيء : أكرمه والعباهر جمع العبهر : الجامعة للحسن في الجسم والخلق.

(٢) أي مضموم بعضه إلى بعض.

(٣) غرقئ ـ كزبرج ـ : القشرة الملزقة ببياض البيض.

١٧٧

فإذا عرف نعمته وجب عليه شكره فإذا أراد تأدية شكره وجب عليه معرفة مراده ليطيعه بفعله فإذا وجبت طاعته وجب عليه معرفة ما يخرجه من دينه ليجتنبه فتخلص لربه طاعته وشكر إنعامه.

ومما حفظ عنه ع في التوحيد ونفي التشبيه. قوله لهشام بن الحكم إن الله لا يشبه شيئا ولا يشبهه شيء وكل ما وقع في الوهم فهو بخلافه.

ومما حفظ عنه ع من موجز القول في العدل. قوله لزرارة بن أعين يا زرارة أعطيك جملة في القضاء والقدر قال نعم جعلت فداك قال إنه إذا كان يوم القيامة وجمع الله الخلائق سألهم عما عهد إليهم ولم يسألهم عما قضى عليهم. ومما حفظ عنه ع في الحكمة والموعظة. قوله ما كل من نوى شيئا قدر عليه ولا كل من قدر على شيء وفق له ولا كل من وفق أصاب له موضعا فإذا اجتمعت النية والقدرة والتوفيق والإصابة فهنالك تمت السعادة.

ومما حفظ ع في الحث على النظر في دين الله عزوجل والمعرفة لأولياء الله عزوجل. قوله ع أحسنوا النظر فيما لا يسعكم جهله وانصحوا لأنفسكم وجاهدوها في طلب معرفة ما لا عذر لكم في جهله فإن لدين الله أركانا لا ينفع من جهلها شدة اجتهاده في طلب ظاهر عبادته ولا يضر من عرفها فدان بها حسن اقتصاده ولا سبيل لأحد إلى ذلك إلا بعون من الله تعالى.

ومما حفظ عنه ع في الحث على التوبة قوله ع تأخير التوبة اغترار وطول التسويف حيرة والاعتلال على الله هلكة والإصرار على الدنيا أمن لمكر الله ولا يأمن (مَكْرَ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ).

والأخبار فيما حفظ عنه ع من العلم والحكمة والبيان والحجة والزهد والموعظة وفنون العلم كله أكثر من أن يحصى بالخطاب أو يحوى بالكتاب وفيما أثبتناه منه كفاية في الغرض الذي قصدناه والله الموفق للصواب.

وفيه ع يقول السيد ابن محمد الحميري رضي الله عنه وقد رجع عن قوله بمذهب الكيسانية لما بلغه إنكار أبي عبد الله مقاله ودعاؤه له إلى القول

١٧٨

بنظام الإمامة.

أيا راكبا نحو المدينة جسرة

عذافرة تطوي له كل سبسب (١)

إذا ما هداك الله عاينت جعفرا

فقل لولي الله وابن المهذب

ألا يا ولي الله وابن وليه

أتوب إلى الرحمن ثم تأوبي

إليك من الذنب الذي كنت مطنبا

أجاهد فيه دائبا كل معرب

وما كان قولي في ابن خولة دائبا

معاندة مني لنسل المطيب

ولكن روينا عن وصي محمد

ولم يك فيما قال بالمتكذب

بأن ولي الله يفقد لا يرى

سنين كفعل الخائف المترقب

فتقسم أموال الفقيد كأنما

تغيبه بين الصفيح المنصب (٢)

فإذ قلت لا فالحق قولك والذي

تقول فحتم غير ما متعصب

بأن ولي الله والقائم الذي

تطلع نفسي نحوه وتطربي

له غيبة لا بد أن سيغيبها

فصلى عليه الله من متغيب

وفي هذا الشعر دليل على رجوع السيد رحمه‌الله عن مذهب الكيسانية وقوله بإمامة الصادق جعفر بن محمد ع ووجود الدعوة ظاهر من الشيعة في أيام أبي عبد الله ع إلى إمامته والقول بإمامة صاحب الزمان وغيبته ع وأنها إحدى علاماته وهو صريح قول الإمامية الاثني عشرية.

قلت رجوع السيد عن كيسانيته بقول الصادق ع أمر مشهور وبالسنة الرواة ونقلة الآثار مذكور في ديوان شعره مثبت مسطور وفي صحائف الدهر مرقوم مزبور وكفى قوله شاهدا على صحة هذه الدعوى تجعفرت باسم الله والله أكبر وهي مشهور منقولة.

__________________

(١) ناقة جسرة : ماضية وقيل طويلة ضخمة وقد تقدم. والعذافرة ـ بضم العين ـ : الناقة الشديدة الأمينة الوثيقة الظهيرة وقيل : الناقة الصلبة القوية. والسبسب : المفازة أو الأرض المستوية البعيدة.

(٢) الصفيح : السماء. والمنصب : المرتفع.

١٧٩

وقال المفيد رحمه‌الله باب ذكر أولاد أبي عبد الله ع وعددهم وأسمائهم وطرف من أخبارهم وكان لأبي عبد الله ع عشرة أولاد إسماعيل وعبد الله وأم فروة وأمهم فاطمة بنت الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ع وموسى ع وإسحاق ومحمد لأم ولد والعباس وعلي وأسماء وفاطمة لأمهات أولاد شتى.

وكان إسماعيل أكبر إخوته وكان أبوه ع شديد المحبة له والبر به والإشفاق عليه وكان قوم من الشيعة يظنون أنه القائم بعد أبيه والخليفة له من بعد إذ كان أكبر إخوته سنا ولميل أبيه إليه وإكرامه له فمات في حياة أبيه ع بالعريض (١) وحمل على رقاب الرجال إلى أبيه بالمدينة حتى دفن بالبقيع وروي أن أبا عبد الله ع جزع عليه جزعا شديدا وحزن عليه حزنا عظيما وتقدم سريره بغير حذاء ولا رداء وأمر بوضع سريره على الأرض قبل دفنه مرارا كثيرة وكان يكشف عن وجهه وينظر إليه يريد بذلك تحقيق أمر وفاته عند الظانين خلافته له من بعده وإزالة الشبهة عنهم في حياته.

ولما مات إسماعيل رحمه‌الله انصرف عن القول بإمامته بعد أبيه من كان يظن ذلك فيعتقده من أصحاب أبيه ع وقام على حياته شرذمة لم تكن من خاصة أبيه ولا من الرواة عنه وكانوا من الأباعد والأطراف.

فلما مات الصادق ع انتقل فريق منهم إلى القول بإمامة موسى ع بعد أبيه وافترق الباقون فرقتين فريق منهم رجعوا عن حياة إسماعيل وقالوا بإمامة ابنه محمد بن إسماعيل لظنهم أن الإمامة كانت في أبيه وأن الابن أحق بمقام الإمامة من الأخ وفريق ثبتوا على حياة إسماعيل وهم اليوم شذاذ لا يعرف اليوم منهم أحد يومأ إليه وهذان الفريقان يسميان الإسماعيلية والمعروف منهم الآن يقولون إن الإمامة في إسماعيل ومن بعده في ولده وولد ولده إلى آخر الزمان.

وكان عبد الله بن جعفر أكبر إخوته بعد إسماعيل ولم تكن منزلته عند أبيه منزلة غيره من ولده في الإكرام وكان متهما بالخلاف على أبيه في الاعتقاد

__________________

(١) اسم ناحية من نواحي المدينة.

١٨٠