كشف الغمّة في معرفة الأئمّة - ج ٢

أبي الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح الاربلي

كشف الغمّة في معرفة الأئمّة - ج ٢

المؤلف:

أبي الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح الاربلي


المحقق: السيد هاشم الرسولي المحلاتي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة بني هاشمي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٦٠
الجزء ١ الجزء ٢

قال وكان علي بن الحسين ع خارجا من المسجد فلقيه رجل فسبه فثارت إليه العبيد والموالي فقال علي بن الحسين مهلا عن الرجل ثم أقبل عليه فقال ما ستر عنك من أمرنا أكثر ألك حاجة نعينك عليها فاستحيا الرجل ورجع إلى نفسه فألقى عليه خميصة (١) كانت عليه وأمر له بألف درهم قال فكان الرجل يقول بعد ذلك أشهد أنك من أولاد الرسل.

وعن عبد الله بن عطاء قال أذنب غلام لعلي بن الحسين ذنبا استحق به العقوبة فأخذ له السوط ليضربه وقال (قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ) فقال الغلام وما أنا كذلك إني لأرجو رحمة الله وأخاف عذابه فألقى السوط وقال أنت عتيق.

واستطال رجل على علي بن الحسين ع فتغافل عنه فقال له الرجل إياك أعني فقال له علي بن الحسين ع وعنك أغضي.

وقال أهل المدينة ما فقدنا صدقة السر حتى فقدنا علي بن الحسين.

وقال ع إنما التوبة العمل والرجوع عن الأمر وليست التوبة بالكلام.

وعنه ع قال من قال سبحان الله العظيم وبحمده من غير تعجب كتب الله تعالى له مائة ألف حسنة ومحا عنه ثلاثة آلاف سيئة ورفع له ثلاثة آلاف درجة.

وروي عن علي بن الحسين عن أبيه عن علي بن أبي طالب ع قال قال رسول الله ص انتظار الفرج عبادة ومن رضي بالقليل من الرزق رضي الله منه بالقليل من العمل.

وعن الزهري قال حدثت علي بن الحسين بحديث فلما فرغت قال أحسنت بارك الله فيك هكذا سمعناه قال فقلت لا أراني حدثت حديثا أنت أعلم به مني قال لا تفعل ذلك فليس من العلم ما لم يعرف إنما معنى العلم ما عرف.

قال وعلي بن الحسين أمه يقال لها سلامة ويكنى أبا محمد.

وقال أبو نعيم أصيب سنة اثنتين وتسعين وقال بعض أهله سنة أربع وتسعين.

__________________

(١) الخميصة : كساء أسود مربع له علمان.

١٠١

وقال إبراهيم بن إسحاق الحربي أمه غزالة أم ولد وقيل علي يكنى أبا الحسن كناه محمد بن إسحاق بن الحرث وكان علي بن المدائني ينكر أن يكون علي بن الحسين أفلت يوم كربلاء صغيرا وقال قد روي عن جابر وابن الحنفية وبإسناده عن رجل من أهل الكوفة وكان صدوقا قال كان علي بن الحسين يقول في دعائه اللهم من أنا حتى تغضب علي فو عزتك ما يزين ملكك إحساني ولا يقبحه إساءتي ولا ينقص من خزانتك غنائي ولا يزيد فيها فقري آخر كلامه وقد أسقطت من إيراده بعض ما تكرر من أخباره ع.

قال الحافظ أبو نعيم في كتاب الحلية وكان الجماعة منه نقلوا وعلى ما أورده عولوا وأنا أذكر منه ما أظنهم أهملوه فأما ما ذكروه فلا فائدة في إعادته قال ذكر طبقة من تابعي المدينة فمن هذه الطبقة علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ع زين العابدين ومنار القانتين وكان عابدا وفيا وجوادا حفيا وقيل إن التصوف حفظ الوفاء.

قال كان علي بن الحسين لا يضرب بعيره من المدينة إلى مكة.

وقال ع من ضحك ضحكة مج من عقله مجة علم.

وقال إن الجسد إذا لم يمرض أشر (١) ولا خير في جسد يأشر.

وقال ع فقد الأحبة غربة.

وقال ع من قنع بما قسم الله له فهو من أغنى الناس.

وكان إذ ناول السائل الصدقة قبله ثم ناوله.

وعن جعفر بن محمد ع قال سئل علي بن الحسين عن كثرة بكائه قال لا تلوموني فإن يعقوب فقد سبطا من ولده فبكى حتى (ابْيَضَّتْ عَيْناهُ) ولم يعلم أنه مات وقد نظرت إلى أربعة عشر رجلا من أهل بيتي في غداة واحدة قتلي فترون حزنهم يذهب من قلبي.

وسمع واعية في بيته وعنده جماعة فنهض إلى منزله ثم رجع فقيل له أمن

__________________

(١) أشر : بطر.

١٠٢

حدث كانت الواعية قال نعم فعزوه وتعجبوا من صبره فقال إنا أهل بيت نطيع الله فيما يحب ونحمده فيما نكره

وعن أبي حمزة الثمالي عن علي بن الحسين ع قال إذا كان يوم القيامة نادى مناد ليقم أهل الفضل فيقوم ناس من الناس فيقال انطلقوا إلى الجنة فتلقاهم الملائكة فيقولون إلى أين فيقولون إلى الجنة قالوا قبل الحساب قالوا نعم قالوا ومن أنتم قالوا أهل الفضل قالوا وما كان فضلكم قالوا كنا إذا جهل علينا حلمنا وإذا ظلمنا صبرنا وإذا أسيء إلينا غفرنا قالوا ادخلوا الجنة (فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ) ثم يقول مناد ينادي ليقم أهل الصبر فيقوم ناس من الناس فيقال لهم ادخلوا الجنة فتلقاهم الملائكة فيقال لهم مثل ذلك فيقولون أهل الصبر قالوا وما كان صبركم قالوا صبرنا أنفسنا على طاعة الله وصبرناها عن معصية الله قالوا ادخلوا الجنة (فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ) ثم ينادي مناد ليقم جيران الله في داره فيقوم ناس من الناس وهم قليل فيقال لهم انطلقوا إلى الجنة فتلقاهم الملائكة فيقال لهم مثل ذلك قالوا وبما جاورتم الله في داره قالوا كنا نتزاور في الله ونتجالس في الله ونتباذل في الله قالوا ادخلوا الجنة (فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ).

وعن علي بن الحسين قال التارك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كنابذ كتاب الله وراء ظهره إلا أن يتقي تقاة قلت وما تقاته قال يخاف جبارا عنيدا أن يفرط عليه أو أن يطغى.

وقال ع من كتم علما أحدا أو أخذ عليه صفدا فلا نفعه أبدا.

وعن الزهري قال دخلت على علي بن الحسين ع فقال يا زهري فيم كنتم قال تذاكرنا الصوم فأجمع رأيي ورأي أصحابي على أنه ليس من الصوم شيء واجب إلا صوم شهر رمضان فقال يا زهري ليس كما قلتم الصوم على أربعين وجها منها عشرة واجبة كوجوب شهر رمضان وعشر خصال منها حرام وأربع عشرة خصلة صاحبها بالخيار إن شاء صام وإن شاء أفطر فصوم النذر واجب وصوم الاعتكاف

__________________

(١) الصفد ـ محركة ـ : العطاء.

١٠٣

واجب قال قلت فسرهن لي يا ابن رسول الله قال ع أما الواجب فصوم شهر رمضان وصيام شهرين متتابعين في قتل الخطإ لمن لم يجد العتق قال الله تعالى (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً) الآية (١) وصيام ثلاثة أيام في كفارة اليمين لمن لم يجد الإطعام قال الله تعالى (ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ) الآية (٢) وصيام حلق الرأس قال الله تعالى (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ) الآية (٣) وصاحبه بالخيار إن شاء صام ثلاثا وصوم دم المتعة لمن لم يجد الهدي قال الله تعالى (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِ) الآية (٤) وصوم جزاء الصيد قال الله تعالى (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً) الآية (٥) وإنما يقوم الصيد قيمة ثم يفض ذلك الثمن على الحنطة

وأما الذي صاحبه بالخيار فصوم الإثنين والخميس وستة أيام عن شوال بعد رمضان ويوم عرفه ويوم عاشوراء كل ذلك صاحبه بالخيار إن شاء صام وإن شاء أفطر وأما صوم الإذن فالمرأة لا تصوم تطوعا إلا بإذن زوجها وكذلك العبد والأمة وأما صوم الحرام فصوم الفطر.

ويوم الأضحى وأيام التشريق ويوم الشك نهينا أن نصومه لرمضان وصوم الصمت حرام وصوم نذر المعصية حرام وصوم الدهر حرام والضيف لا يصوم تطوعا إلا بإذن صاحبه قال رسول الله ص من نزل على قوم فلا يصومن تطوعا إلا بإذنهم ويؤمر الصبي بالصوم إذا لم يراهق تأديبا ليس بفرض وكذلك من أفطر لعلة من أول النهار ثم وجد قوة في بدنه أمر بالإمساك وذلك تأديب الله ليس بفرض وكذلك المسافر إذا أكل من أول النهار ثم قدم أمر بالإمساك

__________________

(١) النساء : ٩٢.

(٢) المائدة : ٨٩.

(٣)البقرة : ١٩٦.

(٥) النساء : ٩٣.

١٠٤

وأما صوم الإباحة فمن أكل أو شرب ناسيا بغير تعمد فقد أبيح له ذلك وأجزأه عن صومه

وأما صوم المريض وصوم المسافر فإن العامة اختلف فيه فقال قوم يصوم وقال قوم لا يصوم وقال قوم إن شاء صام وإن شاء أفطر وأما نحن فنقول يفطر في الحالين جميعا فإن صام في السفر والمرض فعليه القضاء قال الله تعالى (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) (١) آخر كلامه.

وقال في كتاب مواليد أهل البيت رواية ابن الخشاب النحوي ذكر علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ص سيد العابدين.

وبالإسناد الذي قبله عن أبي عبد الله الصادق ع قال ولد علي بن الحسين في سنة ثمان وثلاثين من الهجرة قبل وفاة علي بن أبي طالب بسنتين وأقام مع أمير المؤمنين سنتين ومع أبي محمد الحسن عشر سنين وأقام مع أبي عبد الله الحسين عشر سنين وكان عمره سبعا وخمسين سنة وفي رواية أخرى أنه ولد سنة سبع وثلاثين وقبض وهو ابن سبع وخمسين سنة في سنة أربع وتسعين وكان بقاؤه بعد أبي عبد الله ثلاثا وثلاثين سنة ويقال في سنة خمس وتسعين أمه خولة بنت يزدجرد ملك فارس وهي التي سماها أمير المؤمنين شاه زنان ويقال بل كان اسمها برة بنت النوشجان ويقال كان اسمها شهربانو بنت يزدجرد كنيته أبو بكر وأبو محمد وأبو الحسن قبره بالمدينة بالبقيع لقبه الزكي وزين العابدين وذو الثفنات والأمين ولد له ثمان بنين ولم يكن له أنثى أسماء ولده محمد الباقر وزيد الشهيد بالكوفة وعبد الله وعبيد الله والحسن والحسين وعلي وعمر آخر كلامه.

وقال أبو عمرو الزاهد في كتاب اليواقيت في اللغة قال قالت الشيعة إنما سمي علي بن الحسين سيد العابدين لأن الزهري رأى في منامه كأن يده مخضوبة غمسة قال فعبرها فقيل له إنك تبتلى بدم خطإ قال وكان عاملا لبني أمية فعاقب

__________________

(١) البقرة : ١٨٤.

١٠٥

رجلا فمات في العقوبة فخرج هاربا وتوحش ودخل إلى غار وطال شعره قال وحج علي بن الحسين ع فقيل له هل لك في الزهري قال إن لي فيه قال أبو العباس هكذا كلام العرب إن لي فيه لا يقال غيره قال فدخل عليه فقال له إني أخاف عليك من قنوطك ما لا أخاف عليك من ذنبك فابعث بدية مسلمة إلى أهله واخرج إلى أهلك ومعالم دينك قال فقال له فرجت عني يا سيدي والله أعلم حيث يجعل رسالاته.

وكان الزهري (١) بعد ذلك يقول ينادي مناد في القيامة ليقم سيد العابدين في زمانه فيقوم علي بن الحسين صلى الله عليهما.

وقال أبو سيعد منصور بن الحسن الآبي في كتاب نثر الدرر علي بن الحسين زين العابدين ع نظر إلى سائل يبكي فقال لو إن الدنيا كانت في كف هذا ثم سقطت منه ما كان ينبغي له أن يبكي.

وسئل ع لم أوتم النبي من أبويه فقال لئلا يوجب عليه حق لمخلوق.

وقال لابنه يا بني إياك ومعاداة الرجال فإنه لم يعدمك مكر حليم أو مفاجاة لئيم.

وسقط له ابن في بئر فتفزع أهل المدينة لذلك حتى أخرجوه وكان قائما

__________________

(١) وهو محمّد بن مسلم بن عبيد اللّه بن شهاب الزهري وكان من المنحرفين عن علي وأبنائه (ع) على ما يظهر من كتب الرجال ، نقل في تنقيح المقال عن شرح النهج لابن أبي الحديد عن محمّد بن شيبة قال شهدت الزهري وعروة بن الزبير في مسجد النبيّ صلّى اللّه عليه وآله جالسان يذكران عليّا عليه السلام ونالا منه فبلغ ذلك عليّ بن الحسين (ع) فجاء حتّى وقف عليهما فقال : اما أنت يا عروة فان أبى حاكم أباك إلى اللّه فحكم لأبي على أبيك ، وأمّا أنت يا زهرى فلو كنت بمكّة لا ريتك كرامتك «هذا» وقد قالوا إنه كان عاملا لبني أميّة منذ خمسين سنة ويتقلب في دنياهم إلى إلى أن جعله هشام بن عبد الملك معلم أولاده وأمره أن يملى على أولاده أحاديث فأملى عليهم أربعمائة حديث وقد صار إلى ما أعد اللّه له في سنة ١٢٣. وهو ابن ٧٢ سنة.

١٠٦

يصلي فما زال عن محرابه فقيل له في ذلك فقال ما شعرت إني كنت أناجي ربا عظيما.

وكان له ابن عم يأتيه بالليل متنكرا فيناوله شيئا من الدنانير فيقول لكن علي بن الحسين لا يواصلني لا جزاه الله عني خيرا فيسمع ذلك ويتحمله ويصبر عليه ولا يعرفه بنفسه فلما مات علي بن الحسين ع فقدها فحينئذ علم أنه هو كان فجاء إلى قبره وبكى عليه.

وكان يقال له ابن الخيرتين لقول رسول الله ص إن لله من عباده خيرتين فخيرته من العرب قريش ومن العجم فارس وكانت أمه بنت كسرى وبلغه ع قول نافع بن جبير في معاوية حيث قال كان يسكته الحلم وينطقه العلم فقال كذب بل كان يسكته الحصر وينطقه البتر (١).

وقيل له من أعظم الناس خطرا (٢) قال من لم ير الدنيا خطرا لنفسه.

قال وروى لنا الصاحب رحمه‌الله عن أبي محمد الجعفري عن أبيه عن عمه عن جعفر عن أبيه ع قال قال رجل لعلي بن الحسين ما أشد بغض قريش لأبيك قال لأنه أورد أولهم النار وألزم آخرهم العار قال ثم جرى ذكر المعاصي فقال عجبت لمن يحتمي من الطعام لمضرته ولا يحتمي من الذنب لمعرته (٣).

وقيل له يوما كيف أصبحت قال أصبحنا خائفين برسول الله وأصبح جميع أهل الإسلام آمنين به.

وقال ابن الأعرابي لما وجه يزيد بن معاوية عسكره لاستباحة أهل المدينة ضم علي بن الحسين ع إلى نفسه أربعمائة منافية يعولهن إلى أن تفرق جيش مسرف بن عقبة وقد حكي عنه مثل ذلك عند إخراج ابن الزبير بني أمية من الحجاز.

__________________

(١) البطر : الطغيان والتجبر.

(٢) الخطر ـ محركة ـ : الشرف وارتفاع القدر.

(٣) المعرة : المساءة والاثم والأذى.

١٠٧

وقال ع وقد قيل له ما بالك إذا سافرت كتمت نسبك أهل الرفقة فقال أكره أن آخذ برسول الله ص ما لا أعطي مثله

وقال رجل لرجل من آل الزبير كلاما أقذع فيه (١) فأعرض الزبيري عنه ثم دار الكلام فسب الزبيري علي بن الحسين فأعرض عنه ولم يجبه فقال له الزبيري ما يمنعك من جوابي قال ع ما يمنعك من جواب الرجل.

ومات له ابن فلم ير منه جزع فسئل عن ذلك فقال أمر كنا نتوقعه فلما وقع لم ننكره.

قال طاوس رأيت رجلا يصلي في المسجد الحرام تحت الميزاب يدعو ويبكي في دعائه فجئته حين فرغ من الصلاة فإذا هو علي بن الحسين ع فقلت له يا ابن رسول الله رأيتك على حالة كذا ولك ثلاثة أرجو أن تؤمنك الخوف أحدها أنك ابن رسول الله ص والثاني شفاعة جدك والثالث رحمة الله فقال يا طاوس أما أني ابن رسول الله ص فلا يؤمنني وقد سمعت الله تعالى يقول (فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ) وأما شفاعة جدي فلا تؤمنني لأن الله تعالى يقول (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى) وأما رحمة الله فإن الله تعالى يقول إنها قريبة من المحسنين ولا أعلم أني محسن.

وسمع ع رجلا كان يغشاه يذكر رجلا بسوء فقال إياك والغيبة فإنها إدام كلاب النار.

ومما أورده محمد بن الحسن بن حمدون في كتاب التذكرة من كلامه ع قال لا يهلك مؤمن بين ثلاث خصال شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وشفاعة رسول الله ص وسعة رحمة الله عزوجل خف الله عزوجل لقدرته عليك واستح منه لقربه منك وإذا صليت فصل صلاة مودع وإياك وما تعتذر منه وخف الله خوفا ليس بالتعذر.

وقال ع إياك والابتهاج بالذنب (٢) فإن الابتهاج به أعظم من ركوبه

__________________

(١) أقذعه : شتمه ورماه بالفحش وسوء القول.

(٢) ابتهج بالشيء : فرح به وسر.

١٠٨

ووقع إلي كتاب دلائل رسول الله ص تأليف أبي العباس عبد الله بن جعفر الحميري فنقلت منه قال دلائل أبي محمد علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ع كان علي بن الحسين في سفر وكان يتغذى وعنده رجل فأقبل غزال في ناحية يتقمم (١) وكانوا يأكلون على سفرة في ذلك الموضع فقال له علي بن الحسين ادن فكل فأنت آمن فدنى الغزال فأقبل يتقمم من السفرة فقام الرجل الذي كان يأكل معه بحصاة فقذف بها ظهره فنفر الغزال ومضى فقال له علي بن الحسين أخفرت ذمتي لا كلمتك كلمة أبدا.

وعن أبي جعفر قال إن أبي خرج إلى ماله ومعنا ناس من مواليه وغيرهم فوضعت المائدة لنتغذى وجاء ظبي وكان منه قريبا فقال له يا ظبي أنا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب وأمي فاطمة بنت رسول الله ص هلم إلى هذا الغذاء فجاء الظبي حتى أكل معهم ما شاء الله أن يأكل ثم تنحى الظبي فقال له بعض غلمانه رد علينا فقال لهم لا تخفروا ذمتي قالوا لا فقال له يا ظبي أنا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب وأمي فاطمة بنت رسول الله هلم إلى هذا الغذاء وأنت آمن في ذمتي فجاء الظبي في الحال حتى قام على المائدة يأكل معهم فوضع رجل من جلسائه يده على ظهره فنفر الظبي فقال علي بن الحسين أخفرت ذمتي لا كلمتك كلمة أبدا.

وتلكأت عليه ناقته (٢) بين جبال رضوى فأناخها ثم أراها السوط والقضيب ثم قال لتنطلقن أو لأفعلن فانطلقت وما تلكأت بعدها.

وبإسناده قال بينا علي بن الحسين جالسا مع أصحابه إذ أقبلت ظبية من الصحراء حتى قامت بحذاه وضربت بذنبها وحمحمت فقال بعض القوم يا ابن رسول الله ما تقول هذه الظبية قال تزعم أن فلان بن فلان القرشي أخذ خشفها بالأمس (٣) وأنها لم ترضعه منذ أمس شيئا فوقع في قلب رجل من القوم شيء فأرسل علي بن الحسين

__________________

(١) تقمم الكناسات : تبعها.

(٢) تلكأ عليه : اعتل. وتلكأ عن الامر : أبطأ.

(٣) الخشف : ولد الظبي.

١٠٩

إلى القرشي فأتاه فقال له ما لهذه الظبية تشكوك قال وما تقول قال تقول إنك أخذت خشفها بالأمس في وقت كذا وكذا وأنها لم ترضعه شيئا منذ أخذته وسألتني أن أبعث إليك فأسألك أن تبعث به إليها لترضعه وترده إليك فقال الرجل والذي بعث محمدا بالحق لقد صدقت علي قال له فأرسل إلى الخشف فجيء به قال فلما جاء به أرسله إليها فلما رأته حمحمت وضربت بذنبها ثم رضع منها فقال علي بن الحسين للرجل بحقي عليك إلا وهبته لي فوهبه له ووهبه علي بن الحسين لها وكلمها بكلامها فحمحمت وضربت بذنبها وانطلقت وانطلق الخشف معها فقالوا يا ابن رسول الله ما الذي قالت قال دعت لكم وجزتكم خيرا.

وعن أبي عبد الله قال لما كان في الليلة التي وعد فيها علي بن الحسين قال لمحمد يا بني ابغني وضوءا قال فقمت فجئته بماء قال لا تبغ هذا فإن فيه شيئا ميتا قال فخرجت وجئت بالمصباح فإذا فيه فأرة ميتة فجئته بوضوء غيره فقال يا بني هذه الليلة التي وعدتها فأوصى بناقته أن يحط عليها خطاما وأن يقام لها علف فجعلت فيه فلم تلبث أن خرجت حتى أتت القبر فضربت بجرانها (١) ورغت وهملت عيناها فأتي محمد بن علي فقيل له إن الناقة قد خرجت فجاءها فقال قومي بارك الله فيك فلم تفعل فقال دعوها فإنها مودعة فلم تمكث إلا ثلاثا حتى نفقت (٢) قال وكان يخرج عليها إلى مكة فيعلق السوط بالرحل فما يفرعها حتى يدخل المدينة.

وعن أبي جعفر قال لما قتل الحسين بن علي جاء محمد بن الحنفية إلى علي بن الحسين فقال له يا ابن أخي أنا عمك وصنو أبيك وأنا أسن منك فأنا أحق بالإمامة والوصية فادفع إلي سلاح رسول الله ص فقال علي بن الحسين يا عم اتق الله ولا تدع ما ليس لك فإني أخاف عليك نقص العمر وشتات الأمر فقال له محمد بن الحنفية أنا أحق بهذا الأمر منك فقال له علي بن الحسين يا عم فهل لك إلى حاكم نحتكم إليه فقال

__________________

(١) الجران ـ بالكسر ـ من البعير : مقدم عنقه من مذبحه إلى منحره.

(٢) أي ماتت.

١١٠

من هو قال الحجر الأسود قال فتحاكما إليه فلما وقفا عنده قال له يا عم تكلم فأنت المطالب قال فتكلم محمد بن الحنفية فلم يجبه قال فتقدم علي بن الحسين فوضع يده عليه وقال اللهم إني أسألك باسمك المكتوب في سرادق البهاء وأسألك باسمك المكتوب في سرادق العظمة وأسألك باسمك المكتوب في سرادق القوة وأسألك باسمك المكتوب في سرادق الجلال وأسألك باسمك المكتوب في سرادق السلطان وأسألك باسمك المكتوب في سرادق السرائر وأسألك باسمك المكتوب في سرادق المجد وأسألك باسمك الفائق الخبير البصير رب الملائكة الثمانية ورب جبرئيل وميكائيل وإسرافيل ورب محمد خاتم النبيين لما أنطقت هذا الحجر بلسان عربي فصيح يخبر لمن الإمامة والوصية بعد الحسين بن علي قال ثم أقبل علي بن الحسين على الحجر فقال أسألك بالذي جعل فيك مواثيق العباد والشهادة لمن وافاك إلا أخبرت لمن الإمامة والوصية بعد الحسين بن علي قال فتزعزع الحجر حتى كاد أن يزول من موضعه وتكلم بلسان عربي مبين فصيح يقول يا محمد سلم سلم إن الإمامة والوصية بعد الحسين بن علي لعلي بن الحسين قال أبو جعفر فرجع محمد بن الحنفية وهو يقول بأبي علي.

وروي عن أبي عبد الله أنه التزقت يد رجل وامرأة على الحجر في الطواف فجهد كل واحد منهما أن ينزع يده فلم يقدرا عليه وقال الناس اقطعوهما قال فبينا هما كذلك إذ دخل علي بن الحسين فأفرجوا له فلما عرف أمرهما تقدم فوضع يده عليهما فانحلا وتفرقا (١)

__________________

(١) وروى الشيخ المحقق طوسيّ (قده) في كتاب تهذيب الأحكام (ج ٥ ص ٤٧٠ ط نجف) نظير ذلك في حقّ أبيه أبي عبد اللّه الحسين (ع) ولا بأس بذكره وهذا نصه :

محمّد بن الحسين عن الحكم بن مسكين عن أيوب بن أعين عن أبي عبد اللّه عليه السلام : ان امرأة كانت تطوف وخلفها رجل فأخرجت ذراعها فمال بيده حتّى وضعها على ذراعها ، فأثبت اللّه يده في ذراعها حتّى قطع الطواف وارسل إلى الأمير ، واجتمع الناس وارسل إلى الفقهاء فجعلوا يقولون : اقطع يده فهو الذي جنا الجناية ، فقال : هاهنا *

١١١

وعن أبي عبد الله قال لما ولى عبد الملك بن مروان الخلافة كتب إلى الحجاج بن يوسف (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) من عبد الملك بن مروان أمير المؤمنين إلى الحجاج بن يوسف أما بعد فانظر دماء بني عبد المطلب فاحتقنها واجتنبها فإني رأيت آل أبي سفيان لما ولغوا فيها لم يلبثوا إلا قليلا والسلام قال وبعث بالكتاب سرا وورد الخبر على علي بن الحسين ساعة كتب الكتاب وبعث به إلى الحجاج فقيل له إن عبد الملك قد كتب إلى الحجاج كذا وكذا وإن الله قد شكر له ذلك وثبت ملكه وزاده برهة قال فكتب علي بن الحسين (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) إلى عبد الملك بن مروان أمير المؤمنين من علي بن الحسين أما بعد فإنك كتبت يوم كذا وكذا من ساعة كذا وكذا من شهر كذا وكذا بكذا وكذا وأن رسول الله ص أنبأني وخبرني وأن الله قد شكر لك ذلك وثبت ملكك وزادك فيه برهة وطوى الكتاب وختمه وأرسل به مع غلام له على بعيره وأمره أن يوصله إلى عبد الملك ساعة يقدم عليه فلما قدم الغلام أوصل الكتاب إلى عبد الملك فلما نظر في تاريخ الكتاب وجده موافقا لتلك الساعة التي كتب فيها إلى الحجاج فلم يشك في صدق علي بن الحسين وفرح فرحا شديدا وبعث إلى علي بن الحسين بوقر راحلته دراهم ثوابا لما سره من الكتاب.

وعن المنهال بن عمرو قال حججت فدخلت على علي بن الحسين فقال لي يا منهال ما فعل حرملة بن كاهل الأسدي قلت تركته حيا بالكوفة قال فرفع يديه ثم قال اللهم أذقه حر الحديد اللهم أذقه حر النار قال فانصرفت إلى الكوفة وقد خرج بها المختار بن أبي عبيدة وكان لي صديقا فركبت لأسلم عليه فوجدته قد دعا بدابته فركبها وركبت معه حتى أتى الكناسة (١) فوقف وقوف منتظر لشيء

__________________

* أحد من ولد محمّد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله؟ فقالوا : نعم الحسين بن علي عليهما السلام قدم الليلة ، فأرسل إليه فدعاه فقال : انظر ما لقيا ذان ، فاستقبل القبلة ورفع يديه فمكث طويلا يدعو ثمّ جاء اليهما حتّى خلص يده من يدها ، فقال الأمير. الا نعاقبه بما صنع؟ قال : لا.

__________________

(١) محلة بالكوفة صلب فيها زيد بن عليّ بن الحسين عليه السلام.

١١٢

وكان قد وجه في طلب حرملة بن كاهل فأحضر فقال الحمد لله الذي مكنني منك ثم دعا بالجزار فقال اقطعوا يديه فقطعتا ثم قال اقطعوا رجليه فقطعتا ثم قال النار النار فأتي بطن قصب (١) ثم جعل فيها ثم ألهب فيه النار حتى احترق فقلت سبحان الله سبحان الله فالتفت إلي المختار فقال مم سبحت فقلت له دخلت على علي بن الحسين فسألني عن حرملة فأخبرته أني تركته بالكوفة حيا فرفع يديه وقال اللهم أذقه حر الحديد اللهم أذقه حر النار فقال المختار الله الله أسمعت علي بن الحسين يقول هذا قلت الله الله لقد سمعته يقول هذا فنزل مختار فصلى ركعتين ثم أطال ثم سجد وأطال ثم رفع رأسه وذهب ومضيت معه حتى انتهى إلى باب داري فقلت له إن رأيت أن تكرمني بأن تنزل وتتغذى عندي فقال يا منهال تخبرني أن علي بن الحسين دعا الله بثلاث دعوات فأجابه الله فيها على يدي ثم تسألني الأكل عندك هذا يوم صوم شكرا لله على ما وفقني له.

وسئل علي بن الحسين ع بأي حكم تحكمون قال بحكم آل داود فإن عيينا عن شيء تلقانا به روح القدس.

وقال ع هلك من ليس له حكيم يرشده وذل من ليس له سفيه يعضده.

قال أفقر عباد الله إلى رحمته وشفاعة نبيه وأئمته ـ علي بن عيسى أغاثه الله في الدنيا والآخرة وجعل تجارته رابحة يوم يكون بعض التجارات خاسرة مناقب الإمام علي بن الحسين تكثر النجوم عددا ويجري واصفها إلى حيث لا مدى وتلوح في سماء المناقب كالنجوم لمن اهتدى وكيف لا وهو يفوق العالمين إذا عد عليا وفاطمة والحسن والحسين ومحمدا وهذا تقديم لسجع في الطبع فلا تكن مترددا ومتى أعطيت الفكر حقه وجدت ما شئت فخارا وسؤددا فإنه ع الإمام الرباني والهيكل النوراني بدل الأبدال وزاهد الزهاد وقطب الأقطاب وعابد العباد ونور مشكاة الرسالة ونقطة دائرة الإمامة

__________________

(١) الطن : الحزمة من القصب والحطب وغيره وهي ما شد منه بالحبل وغيره.

١١٣

وابن الخيرتين والكريم الطرفين قرار القلب وقرة العين علي بن الحسين وما أدراك ما علي بن الحسين الأواه الأواب العامل بالسنة والكتاب الناطق بالصواب ملازم المحراب المؤثر على نفسه المرتفع في درجات المعارف فيومه يفوق على أمسه المتفرد بمعارفه الذي فضل الخلائق بتليده وطارفه وحكم في الشرف فتسنم ذروته وخطر في مطارفه وأعجز بما حواه من طيب المولد وكرم المحتد وزكاء الأرومة وطهارة الجرثومة عجز عنه لسان واصفه وتفرد في خلواته بمناجاته فتعجب الملائكة من مواقفه وأجرى مدامعه خوف ربه فأربى على هامي الصوب وواكفه فانظر أيدك الله في أخباره والمح بعين الاعتبار عجائب آثاره وفكر في زهده وتعبده وخشوعه وتهجده ودءوبه في صلاته وأدعيته في أوقات مناجاته واستمراره على ملازمة عباداته وإيثاره وصدقاته وعطاياه وصلاته وتوسلاته التي تدل مع فصاحته وبلاغته على خشوعه لربه وضراعته ووقوفه موقف العصاة مع شدة طاعته واعترافه بالذنوب على براءة ساحته وبكائه ونحيبه وخفوق قلبه من خشية الله ووجيبه وانتصابه وقد أرخى الليل سدوله وجر على الأرض ذيوله مناجيا ربه تقدست أسماؤه مخاطبا له تعالى ملازما بابه عزوجل مصورا نفسه بين يديه معرضا عن كل شيء مقبلا عليه قد انسلخ من الدنيا الدنية وتعرى من الجثة البشرية فجسمه ساجد في الثرى وروحه متعلقة بالملإ الأعلى يتملل إذا مرت به آية من آيات الوعيد حتى كأنه المقصود بها وهو عنها بعيد تجد أمورا عجيبة وأحوالا غريبة ونفسا من الله سبحانه وتعالى قريبة وتعلم يقينا لا شك فيه ولا ارتياب وتعرف معرفة من قد كشف له الحجاب وفتحت له الأبواب أن هذه الثمرة من تلك الشجرة كما أن الواحد جزء العشرة وأن هذه النطفة العذبة من ذلك المعين الكريم وأن هذا الحديث من ذلك القديم وأن هذه الدرة من ذلك البحر الزاخر وأن هذا النجم من ذلك القمر الباهر وأن هذا الفرع النابت من ذلك الأصل الثابت وأن هذه النتيجة من هذه المقدمة وأنه ع خليفة محمد وعلي والحسن والحسين وفاطمة المكرمة المعظمة هذا أصله الطاهر.

١١٤

وأما فرعه فما أشبه الأول بالآخر فهم ع مشكاة الأنوار وسادة الأخيار والأمناء الأبرار والأتقياء الأطهار كل واحد منهم في زمانه علم يهتدي به من وفقه الله وسدده وأمده بعنايته وعضده وهداه إلى سبيله وأرشده وأنجده بلطفه وأيده وعلي بن الحسين ع دوحتهم التي منها تتشعب أغصانهم وإرم بني الحسين فمنه بسقت أفنانهم ولساني يقصر في هذا المقام عن عد مفاخره ووصف فضله وعبارتي تعجز عن النهوض بما يكون كفاء لشرفه ونبله وكيف لمثلي أن يقوم بواجب نعت مثله وأين الثريا والثرى وإنما يقدر على وصفه من كان يرى ما يرى لكني أقول على قدر علمي لا على قدره ونيتي أبلغ من قولي عند ذكره وقد قلت أبياتا في مدحه ولا لائمة على من قال بعد إيضاح عذره.

مديح علي بن الحسين فريضة

علي لأني من أقل عبيده

إمام هدى فاق البرية كلها

بأبنائه خير الورى وجدوده

فطارفه في فضله وعلائه

وسؤدده من مجده كتليده (١)

له شرف فوق النجوم محله

أقر به حتى لسان حسوده

ونعمى يد لو قيس بالغيث بعضها

تبينت بخلا في السحاب وجوده

وأصل كريم طاب فرعا فأصبحت

تحار العقول من نضارة عوده

ونفس برأها الله من نور قدسه

فأدركت المكنون قبل وجوده

جرى فونى عن جريه كل سابق

وقصر عن هادي الفعال رشيده (٢)

وأحرز أشتات العلى بمآثر

بدا مجدها في وعده ووعيده

من القوم لو جاراهم الغيث لانثنى

حسيرا فلم تسمع زئير رعوده (٣)

هم النفر العز الكرام الذي بهم

ورى زند دين الله بعد صلوده (٤)

 __________________

(١) الطارف : المال الحديث أو المستحدث ويقابله التليد.

(٢) ونى : فتر وضعف وكل وأعيا.

(٣) جاراه : جرى معه. والزئير : صوت الأسد. واستعاره للهزيم اي صوت الرعد.

(٤) ورى الزند : خرجت ناره ضد صلا. والزند ـ : كفلس ـ : العود الأعلى الذي يقتدح به النار.

١١٥

أقاموا عمود الحق فاتضح الهدى

ولولاهم أعشى قيام عموده

بهم وضحت سبل المعالي فسل بهم

تجد كل بان للعلاء مشيده

سمت بهم حال إلى مرتقى علا

تقاصرت الشهب العلى عن صعوده

بهم تدفع اللأواء عند حلولها

وينهل صوب الغيث بعد جموده (١)

أمولاي زين العابدين إصاخة

إلى ذي ولاء أنت بيت قصيده (٢)

مقيم على دين الولاء محافظ

يناديك من نأى المحل بعيده

يحبك حبا صادقا فهو لا يني

إليك مع الأيام لافت جيده

يود بأن يسعى إليك مبادرا

إلى جوب أغوار الفلا ونجوده (٣)

يقبل إجلالا مكانا حللته

ويكحل عينيه بترب صعيده

 __________________

(١) اللأواء : الشدة والمحنة. وانهل المطر : سال بشدة والصوب : المطر.

(٢) أصاخ إليه : اصغى واستمع وبيت القصيدة : أبياتها نفسها أو البيت المتضمن غرض الشاعر.

(٣) جاب البلاد جوبا : قطعها. والغور : الكهف والفلا جمع الفلاة : الصحراء الواسعة. والنجود جمع النجد ما اشرف من الأرض وارتفع.

١١٦

ذكر الإمام الخامس أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين

بن علي بن أبي طالب ع

قال كمال الدين هو باقر العلم وجامعه وشاهر علمه ورافعه ومتفوق دره وراضعه ومنمق دره وواضعه صفا قلبه وزكا عمله وطهرت نفسه وشرفت أخلاقه وعمرت بطاعة الله أوقاته ورسخت في مقام التقوى قدمه وظهرت عليه سمات الازدلاف وطهارة الاجتباء فالمناقب تسبق إليه والصفات تشرف به.

فأما ولادته ع فبالمدينة في ثالث صفر سنة سبع وخمسين للهجرة قبل قتل جده الحسين بثلاث سنين وقيل غير ذلك فأما نسبه أبا وأما فأبوه زين العابدين علي بن الحسين ع وأمه فاطمة بنت الحسن بن علي بن أبي طالب وتدعى أم الحسن وقيل أم عبد الله. وأما اسمه فمحمد وكنيته أبو جعفر وله ثلاث ألقاب باقر العلم والشاكر والهادي وأشهرها الباقر وسمي بذلك لتبقره في العلم وهو توسعه فيه.

وأما مناقبه الحميدة وصفاته الجميلة فكثيرة منها قال أفلح مولى أبي جعفر قال خرجت مع محمد بن علي حاجا فلما دخل المسجد نظر إلى البيت فبكى حتى علا صوته فقلت بأبي أنت وأمي إن الناس ينظرون إليك فلو رفقت بصوتك قليلا فقال لي ويحك يا أفلح ولم لا أبكي لعل الله تعالى أن ينظر إلي منه برحمة فأفوز بها عنده غدا قال ثم طاف بالبيت ثم جاء حتى ركع عند المقام فرفع رأسه من سجوده فإذا موضع سجوده مبتل من كثرة دموع عينيه وكان إذا ضحك قال اللهم لا تمقتني.

" وقال عبد الله بن عطاء ما رأيت العلماء عند أحد أصغر علما منهم عند أبي

١١٧

جعفر ولقد رأيت الحكم (١) عنده كأنه متعلم.

وروى عنه ولده جعفر ع قال كان أبي يقول في جوف الليل في تضرعه أمرتني فلم آتمر ونهيتني فلم أنزجر فها أنا عبدك بين يديك ولا أعتذر.

وقال جعفر فقد أبي بغلة له فقال لئن ردها الله تعالى لأحمدنه بمحامد يرضاها فما لبث أن أتي بها بسرجها ولجامها فلما استوى عليها وضم إليه ثيابه رفع رأسه إلى السماء فقال الحمد لله فلم يزد ثم قال ما تركت ولا بقيت شيئا جعلت كل أنواع المحامد لله عزوجل فما من حمد إلا وهو داخل فيما قلت.

أقول صدق وبر ع فإن الألف واللام في قوله الحمد لله يستغرق الجنس وتفرده تعالى بالحمد.

ونقل عنه ع أنه قال ما من عبادة أفضل من عفة بطن وفرج وما من شيء أحب إلى الله من أن يسأل ولا يدفع القضاء إلا الدعاء وأن أسرع الخير ثوابا البر وأسرع الشر عقوبة البغي وكفى بالمرء عيبا أن يبصر من الناس ما يعمى عنه من نفسه وأن يأمر الناس بما لا يفعله وأن ينهى الناس عما لا يستطيع التحول عنه وأن يؤذي جليسه بما لا يعنيه.

وقال عبد الله بن الوليد قال لنا أبو جعفر يوما أيدخل أحدكم يده كم صاحبه فيأخذ ما يريد قلنا لا قال فلستم إخوانا كما تزعمون.

وقالت سلمى مولاة أبي جعفر كان يدخل عليه إخوانه فلا يخرجون من عنده حتى يطعمهم الطعام الطيب ويكسوهم الثياب الحسنة ويهب لهم الدراهم فأقول له في ذلك ليقل منه فيقول يا سلمى ما حسنة الدنيا إلا صلة الإخوان والمعارف

__________________

(١) الظاهر أنّه حكم بن عتيبة الكندي المتوفّى سنة ١١٣ الآتي ذكره فإنه الذي مدحوه بكثرة العلم والفقاهة قال ابن حجر وقال مجاهد رأيت الحكم في مسجد الخيف وعلماء الناس عيال عليه ، وقال جرير عن مغيرة كان الحكم إذا قدم المدينة خلوا له سارية النبيّ صلّى اللّه عليه وآله يصلى إليها ، وقال ابن عيينة : ما كان بالكوفة بعد إبراهيم والشعبي مثل الحكم وحماد إلى غير ذلك ممّا قالوا في حقه.

١١٨

وكان ع يجيز بخمسمائة والستمائة إلى الألف وكان لا يمل من مجالسة إخوانه.

وقال الأسود بن كثير شكوت إلى أبي جعفر الحاجة وجفاء الإخوان فقال بئس الأخ أخ يرعاك غنيا ويقطعك فقيرا ثم أمر غلامه فأخرج كيسا فيه سبعمائة درهم فقال استنفق هذه فإذا فرغت فأعلمني.

وقال أعرف المودة لك في قلب أخيك بما له في قلبك.

ونقل عن ابن الزبير محمد بن مسلم المكي أنه قال كنا عند جابر بن عبد الله فأتاه علي بن الحسين ومعه ابنه محمد وهو صبي فقال علي لابنه قبل رأس عمك فدنا محمد بن علي من جابر فقبل رأسه فقال جابر من هذا وكان قد كف بصره فقال له علي هذا ابني محمد فضمه جابر إليه وقال يا محمد محمد رسول الله يقرأ عليك السلام فقالوا لجابر كيف ذلك يا با عبد الله فقال كنت مع رسول الله ص والحسين في حجره وهو يلاعبه فقال يا جابر يولد لابني الحسين ابن يقال له علي إذا كان يوم القيامة نادى مناد ليقم سيد العابدين فيقوم علي بن الحسين ويولد لعلي ابن يقال له محمد يا جابر إن رأيته فاقرأه مني السلام واعلم أن بقاءك بعد رؤيته يسير فلم يعش جابر بعد ذلك إلا قليلا ومات وهذه وإن كانت منقبة واحدة فهي عظيمة تعادل جملا من المناقب.

وأما أولاده فكان له ثلاثة من الذكور وبنت واحدة وأسماء أولاده جعفر وهو الصادق وعبد الله وإبراهيم وأم سلمة وقيل كان أولاده أكثر من ذلك.

ونقل الثعلبي في تفسيره وأن الباقر ع كان قد نقش على خاتمه هذه ظني بالله حسن وبالنبي المؤتمن وبالوصي ذي المنن وبالحسين والحسن رواها في تفسيره بسنده متصلا إلى ابنه الصادق ع

وأما عمره فإنه مات في سنة سبع عشرة ومائة وقيل غير ذلك وقد نيف على الستين وقيل غير ذلك أقام مع أبيه زين العابدين ع بضعا وثلاثين سنة من عمره وقبره بالمدينة بالبقيع بالقبر الذي فيه أبوه وعم أبيه الحسن

١١٩

بالقبة التي فيها العباس رضي الله عنه وقد تقدم ذكر ذلك آخر كلام كمال الدين رحمه‌الله.

وقال الحافظ عبد العزيز الجنابذي أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم الباقر وأمه أم عبد الله بنت حسن بن علي بن أبي طالب وأمها (١) أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه وكان كثير العلم.

وعن جعفر بن محمد قال سمعت محمد بن علي يذاكر فاطمة بنت الحسين شيئا من صدقة النبي ص فقال هذه توفي لي ثمان وخمسين سنة ومات فيها.

وقال محمد بن عمرو أما في روايتنا فإنه مات سنة سبع عشرة ومائة وهو ابن ثمان وسبعين سنة وقال غيره توفي سنة ثمان عشرة ومائة.

وقال أبو نعيم الفضل بن دكين توفي بالمدينة سنة أربع عشرة ومائة.

وقال محمد بن سعيد عن ليث عن أبي جعفر قال لا تجالسوا أصحاب الخصومات فإنهم الذين يخوضون في آيات الله.

وعن أبي جعفر ع قال سمعت جابر بن عبد الله يقول أنت ابن خير البرية وجدك سيد شباب أهل الجنة وجدتك سيدة نساء العالمين.

وعن أبي جعفر محمد بن علي ع قال دخل علي جابر وأنا في الكتاب فقال لي اكشف عن بطنك فكشفت له فألصق بطنه ببطني وقال أمرني رسول الله ص أن أقرأك السلام.

وعن سفيان بن عيينة عن جعفر بن محمد عن أبيه قال قتل علي ع وهو ابن ثمان وخمسين سنة وقتل الحسين وهو ابن ثمان وخمسين سنة ومات

__________________

(١) كذا في النسخ وتوافقها نسخة البحار أيضا. والظاهر وقوع سقط في الكلام وكأنّ الصحيح كما في الإرشاد وإعلام الورى [وأولاده أبو عبد اللّه جعفر بن محمّد وعبد اللّه بن محمّد وأمهما أمّ فروة بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر] ا ه فان أمّ فروة زوجته أم جعفر بن محمّد عليه السلام. ويأتي أيضا في الكتاب.

١٢٠