كشف الغمّة في معرفة الأئمّة - ج ٢

أبي الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح الاربلي

كشف الغمّة في معرفة الأئمّة - ج ٢

المؤلف:

أبي الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح الاربلي


المحقق: السيد هاشم الرسولي المحلاتي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة بني هاشمي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٦٠
الجزء ١ الجزء ٢

وسبطي رسول الله وابني وصيه

ووارث علم الله والحسنات

منازل وحي الله ينزل بينها

على أحمد المذكور في السورات

منازل قوم يهتدى بهداهم

وتؤمن منهم زلة العثرات

منازل كانت للصلاة وللتقى

وللصوم والتطهير والحسنات

منازل لا تيم يحل بربعها

ولا ابن صهاك فاتك الحرمات (١)

ديار عفاها جور كل منابذ

ولم تعف للأيام والسنوات

قفا نسأل الدار التي خف أهلها

متى عهدها بالصوم والصلوات (٢)

وأين الأولى شطت بهم غربة النوى

أفانين في الأطراف مفترقات (٣)

هم أهل ميراث النبي إذا اعتروا

وهم خير سادات وخير حمات

إذا لم نناج الله في صلواتنا

بأسمائهم لم يقبل الصلوات

مطاعيم في الأقطار في كل مشهد

لقد شرفوا بالفضل والبركات (٤)

وما الناس إلا غاصب ومكذب

ومضطغن ذو إحنة وترات (٥)

 __________________

(١) تيم : قبيلة أبى بكر. والفاتك : الشجاع الجرىء في الأمور وفي بعض النسخ «هانك» وهو الأظهر.

(٢) قال في البحار : قوله «قفا» قد شاع في الاشعار هذا النوع من الخطاب فقيل إن العرب قد يخاطب الواحد مخاطبة الاثنين ، وقيل هو للتأكيد من قبيل لبيك ، اى قف قف وقيل خطاب إلى أقل ما يكون معه من جمل وعبد ، وقيل انما فعلت العرب ذلك لان الرجل يكون أدنى أعوانه اثنين راعى إبله وغنمه وكذلك الرفقة أدنى ما يكون ثلاثة فجرى خطاب الاثنين على الواحد لمرور ألسنتهم عليه ، وقيل أراد «قفن» على جهة التأكيد فقلبت النون ألفا في حال الوصل لأن هذه النون تقلب ألفا في حال الوقف فحمل الوصل على الوقف.

(٣) قد مر معنى الشعر قبل ذلك

(٤) مطاعيم جمع المطعام اي كثير الإطعام

(٥) اضطغنوا : انطووا على الأحقاد وقابلوا الحقد بمثله. والاحنة : الحقد ، وترات جمع ترة كعدة عدات وأصله من الوتر. الانتقام

٣٢١

إذا ذكروا قتلى ببدر وخيبر

ويوم حنين أسبلوا العبرات (١)

فكيف يحبون النبي ورهطه

وهم تركوا أحشاءنا وغرات (٢)

لقد لا ينوه في المقال وأضمروا

قلوبا على الأحقاد منطويات

فإن لم تكن إلا بقربي محمد

فهاشم أولى من هن وهنات

سقى الله قبرا بالمدينة غيثه

فقد حل فيه الأمن بالبركات

نبي الهدى صلى عليه ملكيه

وبلغ عنا روحه التحفات

وصلى عليه الله ما ذر شارق

ولاحت نجوم الليل مستدرات (٣)

أفاطم لو خلت الحسين مجدلا

وقد مات عطشانا بشط فرات

إذا للطمت الخد فاطم عنده

وأجريت دمع العين في الوجنات

أفاطم قومي يا ابنة الخير فاندبي

نجوم سماوات بأرض فلاة

قبور بكوفان وأخرى بطيبة

وأخرى بفخ نالها صلوات (٤)

 __________________

(١) اسبل الدمع : أرسله.

(٢) الوغرة : شدة توقد الحر.

(٣) ذر الشمس : طلعت. والشارق : الشمس.

(٤) الفخ : واد بمكّة وأشار بقوله «وأخرى بفخ» إلى القتلى بفخ وهو أبو عبد اللّه الحسين بن عليّ بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب (ع) فإنه خرج في سنة ١٦٩ ودعى الناس إلى نفسه وبايعه جماعة من العلويين بالخلافة بالمدينة ، وخرج إلى مكّة فلما وصل إلى فخ لقيته جيوش بني العباس وعليهم العباس بن محمّد بن عليّ بن عبد اللّه بن عبّاس وغيره فالتقوا يوم التروية سنة ١٦٩ فبذلوا الأمان له ، فقال : الأمان أريد ، فقتلوه وحملوا رأسه إلى الهادي العباسيّ وقتلوا جماعة من عسكره وأهل بيته فبقى قتلاهم ثلاثة أيّام حتى اكلتهم السباع ولهذا يقال : لم تكن مصيبة بعد كربلا أشدّ وافجع من فخ ورثى أصحاب فخ جماعة من الشعراء ذكر بعضها ياقوت في المعجم.

٣٢٢

وأخرى بأرض الجوزجان محلها

وقبر بباخمرى لدى الغربات (١)

وقبر ببغداد لنفس زكية

تضمنها الرحمن في الغرفات (٢)

وقبر بطوس يا لها من مصيبة

ألحت على الأحشاء بالزفرات

إلى الحشر حتى يبعث الله قائما

يفرج عنا الغم والكربات

علي بن موسى أرشد الله أمره

وصلى عليه أفضل الصلوات

فأما الممضات التي لست بالغا

مبالغها مني بكنه صفات (٣)

قبور ببطن النهر من جنب كربلاء

معرسهم منها بشط فرات (٤)

__________________

(١) الجوزجان : اسم كورة واسعة من كور بلخ بخراسان وهي بين مرو الرود وبلخ وقوله «وأخرى بأرض الجوزجان» إشارة إلى قتل يحيى بن زيد بن عليّ بن الحسين (ع) وكان ذلك في سنة ١٢٥ في خلافة وليد بن يزيد بن عبد الملك وذكر قصة خروجه وقتله الطبريّ في تاريخه ج ٥ : ٥٣٧ فراجع. وباخمرا : موضع بين الكوفة وواسط وقيل بين باخمرا وكوفة سبعة عشر فرسخا. وقوله «وقبر بباخمراء» عنى به قبر إبراهيم بن عبد اللّه بن حسن بن عليّ بن أبي طالب (ع) قتل في سنة ١٤٥ في خلافة المنصور في وقعة كانت بينه وبين أصحاب المنصور بباخمرا فقتل إبراهيم ودفن هناك وقبره الآن معروف به يزار.

(٢) وفي هامش بعض النسخ بعد هذا البيت هكذا : «لما وصل إلى قوله : وقبر ببغداد لنفس زكية ، قال له (ع) : أفلا ألحق لك بهذا الموضع بيتين بها تمام قصيدتك؟ فقلت :

بلى يا بن رسول اللّه ، فقال : وقبر بطوس والذي يليه ...» والظاهر أنّه سقط عن آخر الأبيات قبل قوله فيما يأتي «فقال دعبل : لمن هذا القبر بطوس؟ ... الخ» كما في إعلام الورى.

(٣) الممضات من قولهم : أمضه الجرح اي أوجعه والمضض : وجع المصيبة.

(٤) التعريس : النزول آخر الليل قال في البحار وموضع معرس هنا يحتمل المصدر والحاصل ان قبورهم قريبة من الفرات بحيث إذا لم ينزل المسافر بقربها يذهب اليوم إلى الفرات فهو نصف منزل ، والغرض تعظيم جورهم وشناعته بأنهم ماتوا عطشا مع كونهم بجنب النهر الصغير وبقرب النهر الكبير.

٣٢٣

توفوا عطاشا بالفرات فليتني

توفيت فيهم قبل حين وفاتي

إلى الله أشكو لوعة عند ذكرهم

سقتني بكأس الذل والقصعات

أخاف بأن أزدادهم فتشوقني

مصارعهم بالجزع والنخلات (١)

تقسمهم ريب المنون فما ترى

لهم عقرة مغشية الحجرات (٢)

خلا أن منهم بالمدينة عصبة

مدينين أنضاء من اللزبات (٣)

قليلة زوار سوى أن زورا

من الضبع والعقبان والرخمات (٤)

لهم كل يوم تربة بمضاجع

ثوت في نواحي الأرض مفترقات

تنكب لأواء السنين جوارهم

ولا تصطليهم جمرة الجمرات (٥)

وقد كان منهم بالحجاز وأرضها

مغاوير نحارون في الأزمات (٦)

حمى لم تزره المذبنات وأوجه

تضيء لدى الأستار والظلمات (٧)

 __________________

(١) الجزع بالكسر ـ : منعطف الوادي ووسطه اي أخاف من زيارتهم ان يهيج حزنى عند رؤية مصارعهم الواقعة بين الوادي وأشجار النخل وفي بعض النسخ «النحلات» بالحاء المهملة اي فتشدنى رؤية مصارعهم إلى الجزع والنحول وهو بعيد (بحار الأنوار).

(٢) العقر بالضم والفتح ـ : محلة القوم ووسط الدار أي ليس لهم دار وساحة يأتي الناس حجراتها

(٣) أنضاء جمع النضوء : المهزول. واللزبة : الشدة.

(٤) العقبان جمع العقاب والرخمان جمع الرخم : طائر ابقع يشبه النسر في الخلقة.

(٥) التنكيب : العدول. واللأواء : الشدة.

(٦) رجل مغوار : مقاتل كثير الغارات والجمع : مغاوير. والأزمة الشدة.

(٧) الحمى : ما حمى من شيء.

٣٢٤

إذا وردوا خيلا بسمر من القنا

مساعير حرب أقحموا الغمرات (١)

فإن فخروا يوما أتوا بمحمد

وجبريل والفرقان والسورات

وعدوا عليا ذا المناقب والعلى

وفاطمة الزهراء خير بنات

وحمزة والعباس ذا الهدى والتقى

وجعفرها الطيار في الحجبات

أولئك لا منتوج هند وحزبها

سمية من نوكى ومن قذرات (٢)

ستسأل تيم عنهم وعديها

وبيعتهم من أفجر الفجرات

هم منعوا الآباء عن أخذ حقهم

وهم تركوا الأبناء رهن شتات

وهم عدلوها عن وصي محمد

فبيعتهم جاءت على الغدرات

وليهم صنو النبي محمد

أبو الحسن الفراج للغمرات

ملامك في آل النبي فإنهم

أحباي ما داموا وأهل ثقاتي

تحيزتهم رشدا لنفسي وإنهم

على كل حال خيرة الخيرات

نبذت إليهم بالمودة صادقا

وسلمت نفسي طائعا لولاتي

فيا رب زدني في هواي بصيرة

وزد حبهم يا رب في حسناتي

سأبكيهم ما حج لله راكب

وما ناح قمري على الشجرات

وإني لمولاهم وقال عدوهم

وإني لمحزون بطول حياتي

بنفسي أنتم من كهول وفتية

لفك عناة أو لحمل ديات

وللخيل لما قيد الموت خطوها

فأطلقتهم منهن بالذربات (٣)

أحب قصي الرحم من أجل حبكم

وأهجر فيكم زوجتي وبناتي (٤)

وأكتم حبيكم مخافة كاشح

عنيد لأهل الحق غير موات (٥)

 __________________

(١) السمرة : بين البياض والسواد. والقنا جمع القناة : الرمح. ورجل مسعر حرب ـ بكسر الميم ـ : اي تحمى به الحرب وأقحموا اي أدخلوا أنفسهم. والغمرة : الشدة.

(٢) نوكى جمع الأنوك : الأحمق.

(٣) الذربات : اي السيوف المحددات.

(٤) القصى : البعيد.

(٥) الكاشح : العدو.

٣٢٥

فيا عين بكيهم وجودي بعبرة

فقد آن للتسكاب والهملات (١)

لقد خفت في الدنيا وأيام سعيها

وإني لأرجو الأمن عند وفاتي (٢)

ألم تر أني مذ ثلاثون حجة

أروح وأغدوا دائم الحسرات

أرى فيئهم في غيرهم متقسما

وأيديهم من فيئهم صفرات (٣)

وكيف أداوي من جوى بي والجوى

أمية أهل الكفر واللعنات (٤)

وآل زياد في الحرير مصونة

وآل رسول الله منهتكات

سأبكيهم ما ذر في الأفق شارقا

ونادى منادي الخير بالصلوات

وما طلعت شمس وحان غروبها

وبالليل أبكيهم وبالغدوات

ديار رسول الله أصبحن بلقعا

وآل زياد تسكن الحجرات (٥)

وآل رسول الله تدمى نحورهم

وآل زياد ربة الحجلات (٦)

وآل رسول الله تسبى حريمهم

وآل زياد آمنوا السربات (٧)

وآل زياد في القصور مصونة

وآل رسول الله في الفلوات

إذا وتروا مدوا إلى واتريهم

أكفا عن الأوتار منقبضات (٨)

 __________________

(١) التسكاب : الانصباب.

(٢) في إعلام الورى وهامش بعض النسخ هكذا «فلما بلغ إلى قوله : لقد خفت في الدنيا ... ا ه قال الرضا عليه السلام : آمنك اللّه يوم الفزع الأكبر».

(٣) وفيه وفي الهامش أيضا «فلما بلغ إلى قوله : أرى فيئهم ... ا ه بكى أبو الحسن الرضا عليه السلام وقال : صدقت يا خزاعي».

(٤) الجوى : الحرقة وشدة الوجد من وجد أو حزن.

(٥) البلقع : الأرض القفر.

(٦) الربة : صاحبة الشيء يقال : هند ربة المال. والحجلات : جمع الحجلة.

(٧) فلان آمن في سربه اي في نفسه وحرمه وعياله.

(٨) أي إذا قتل منهم أحد لم يقدروا على القصاص واخذ الدية بل احتاج السؤال منهم ولم يقدروا على اظهار الجناية وفي إعلام الورى وهامش بعض النسخ : «فلما بلغ إلى قوله : إذا وتروا ... ا ه جعل الرضا عليه السلام يقلب كفيه ويقول : أجل واللّه منقبضات».

٣٢٦

فلو لا الذي أرجوه في اليوم أو غد

تقطع نفسي أثرهم حسرات

خروج إمام لا محالة خارج

يقوم على اسم الله والبركات

يميز فينا كل حق وباطل

ويجزي على النعماء والنقمات (١)

فيا نفس طيبي ثم يا نفس فأبشري

فغير بعيد كلما هو آت

ولا تجزعي من مدة الجور إنني

أرى قوتي قد آذنت بثبات

فإن قرب الرحمن من تلك مدتي

وأخر من عمري ووقت وفاتي

شفيت ولم أترك لنفسي غصة

ورويت منهم منصلي وقناتي (٢)

فأني من الرحمن أرجو بحبهم

حياة لدى الفردوس غير تبات

عسى الله أن يرتاح للخلق إنه

إلى كل قوم دائم اللحظات

فإن قلت عرفا أنكروه بمنكر

وغطوا على التحقيق بالشبهات

تقاصر نفسي دائما عن جدالهم

كفاني ما ألقى من العبرات

أحاول نقل الصم عن مستقرها

وأسماء أحجار من الصلدات

فحسبي منهم أن أبوء بغصة

تردد في صدري وفي لهواتي

فمن عارف لم ينتفع ومعاند

تميل به الأهواء للشهوات

كأنك بالأضلاع قد ضاق ذرعها

لما حملت من شدة الزفرات

فقال دعبل يا ابن رسول الله لمن هذا القبر بطوس فقال ع قبري ولا تنقضي الأيام والسنون حتى تصير طوس مختلف شيعتي فمن زارني في غربتي كان معي في درجتي يوم القيامة مغفورا له ونهض الرضا ع وقال لا تبرح وأنفذ إليه صرة فيها مائة دينار فردها وقال ما لهذا جئت وطلب شيئا من ثيابه فأعطاه جبة من خز والصرة وقال للخادم قل له خذها فإنك ستحتاج إليها ولا تعاودني فأخذها وسار من مرو في قافلة فوقع عليهم اللصوص

__________________

(١) سيأتي كلام الإمام عليه السلام لدعبل حين بلغ إلى هذين البيتين.

(٢) المنصل : السيف.

٣٢٧

وأخذوهم وجعلوا يقسمون ما أخذوا من أموالهم فتمثل رجل منهم بقوله أرى فيئهم في غيرهم متقسما البيت فقال دعبل لمن هذا البيت فقال لرجل من خزاعة يقال له دعبل فقال فأنا دعبل قائل هذه القصيدة فحلوا كتافه (١) وكتاف جميع من في القافلة وردوا إليهم جميع ما أخذ منهم وسار دعبل حتى وصل إلى قم فأنشدهم القصيدة فوصلوه بمال كثير وسألوه أن يبيع الجبة منهم بألف دينار فأبى وسار عن قم فلحقه قوم من أحداثهم وأخذوا الجبة منه فرجع وسألهم ردها فقالوا لا سبيل إلى ذلك فخذ ثمنها ألف دينار فقال على أن تدفعوا إلي شيئا منها فأعطوه بعضها وألف دينار وعاد إلى وطنه فوجد اللصوص قد أخذوا جميع ما في منزله فباع المائة دينار التي وصله بها الرضا ع من الشيعة كل دينار بمائة درهم وتذكر قول الرضا ع إنك ستحتاج إليها.

وعن أبي الصلت الهروي قال سمعت دعبلا قال لما أنشدت مولانا الرضا ع القصيدة وانتهيت إلى قولي :

خروج إمام لا محالة خارج

يقوم على اسم الله بالبركات

يميز فينا كل حق وباطل

ويجزي على النعماء والنقمات

بكى الرضا ع بكاء شديدا ثم رفع رأسه إلي وقال يا خزاعي نطق روح القدس على لسانك بهذين البيتين فهل تدري من هذا الإمام ومتى يقوم قلت لا إلا أني سمعت يا مولاي بخروج إمام منكم يملأ الأرض عدلا فقال يا دعبل الإمام بعدي محمد ابني ومن بعد محمد ابنه علي وبعد علي ابنه الحسن وبعد الحسن ابنه الحجة القائم المنتظر في غيبته المطاع في ظهوره ولو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج فيملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا.

وعن إبراهيم بن العباس قال كان الرضا ع ينشد كثيرا

__________________

(١) الكتاف : حبل يشدّ به.

٣٢٨

إذا كنت في خير فلا تغرر به

ولكن قل اللهم سلم وتمم

وعن الريان بن الصلت قال أنشدني الرضا ع لعبد المطلب :

يعيب الناس كلهم الزمانا

وما لزماننا عيب سوانا

نعيب زماننا والعيب فينا

ولو نطق الزمان بنا هجانا

وليس الذئب يأكل لحم ذئب

ويأكل بعضنا بعضا عيانا

وشكا رجل في مجلسه رجلا فأنشأ ع يقول :

أعذر أخاك على ذنوبه

واستر وغط على عيوبه

واصبر على بهت السفيه

وللزمان على خطوبه

ودع الجواب تفضلا

وكل الظلوم إلى حسيبه

وقد سبق ذكرها.

وعن أبي الصلت الهروي قال كان الرضا ع يكلم الناس بلغاتهم وكان والله أفصح الناس وأعلمهم بكل لسان ولغة فقلت له يوما يا ابن رسول الله إني لأعجب من معرفتك بهذه اللغات على اختلافها فقال يا أبا الصلت أنا حجة الله على خلقه وما كان الله ليتخذ حجة على قوم وهو لا يعرف لغاتهم أوما بلغك قول أمير المؤمنين ع أوتينا فصل الخطاب وهل فصل الخطاب إلا معرفة اللغات.

وعن الرضا ع أنه قال له رجل من خراسان يا ابن رسول الله رأيت رسول الله ص في المنام كأنه يقول لي كيف أنتم إذا دفن في أرضكم بعضي واستحفظتم وديعتي وغيب في ثراكم نجمي (١) فقال له الرضا أنا المدفون في أرضكم وأنا بضعة من نبيكم وأنا الوديعة والنجم (٢) ألا فمن زارني وهو يعرف ما أوجب الله تعالى من حقي وطاعتي فأنا وآبائي شفعائه يوم القيامة ومن كنا شفعاءه نجا ولو كان عليه مثل وزر الثقلين الجن والإنس ولقد حدثني

__________________

(١) وفي بعض النسخ «لحمي» بدل «نجمي».

(٢) وفي بعض النسخ «اللحم» بدل «النجم».

٣٢٩

أبي عن جدي عن أبيه أن رسول الله ص قال من رآني في منامه فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي ولا في صورة أحد من أوصيائي ولا في صوره أحد من شيعتهم وإن الرؤيا الصادقة جزء من سبعين جزءا من النبوة

وأما ما روي عنه ع من فنون العلم وأنواع الحكم والأخبار المجموعة والمنثورة والمجالس مع أهل الملل والمناظرات المشهورة فأكثر من أن تحصى.

وقال الفصل الخامس في ذكر نبذ من أخباره ع مع المأمون ثم ذكر ما قدمناه من أمر العقد له بولاية العهد على ما أوردناه وحديث خروجه ع إلى صلاة العيد وما جرى فيه وعوده إلى داره دون إتمامها وقد سبق ذكر حديث كتاب الحسن إلى أخيه الفضل والتحويل ودخول الحمام وقتل الفضل.

الفصل السادس في ذكر وفاته ع أورد في هذا الفصل ما قدمناه من الأسباب التي كان المأمون يأخذها عليه كما أورده الشيخ المفيد رحمه‌الله حذو النعل بالنعل وقال إن الرضا ع لما دخل إلى داره حين خرج من عند المأمون مغطى الرأس فلم أكلمه وكان قد أوصاني قبل ذلك أن يحفروا له في الموضع الذي عينه وأن يشق له ضريح فإن أبوا إلا اللحد فأمرهم أن يجعلوه ذراعين وشبرا فإن الله سيوسعه ما شاء وسترى نداوة فتكلم بما أعلمك به فإن الماء ينبع حتى يملأ اللحد وترى فيه حيتانا صغارا ففت لها الخبز الذي أعطيك فإنها تلتقطه فإذا لم يبق منه شيء خرجت حوتة كبيرة فالتقطت تلك الحيتان الصغار حتى لا يبقى منها شيء فإذا غابت فضع يدك على فيك وتكلم بالكلام الذي علمتك فإنه ينضب الماء فلا يبقى منه شيء ولا تفعل ذلك إلا بحضرة المأمون.

ثم قال غدا أدخل إليه فإن خرجت مكشوف الرأس فتكلم وإن خرجت مغطى الرأس فلا تكلمني فلم أتكلم حتى دخل الدار وأمر أن يغلق الباب ثم نام على فراشه فبينا أنا كذلك إذ دخل شاب حسن الوجه قطط الشعر أشبه الناس بالرضا فبادرت إليه وقلت من أين دخلت والباب مغلق فقال الذي جاء بي من المدينة هذا الوقت هو الذي أدخلني الدار والباب مغلق

٣٣٠

فقلت ومن أنت قال أنا حجة الله عليك يا أبا الصلت أنا محمد بن علي ثم مضى نحو أبيه ع فدخل وأمرني بالدخول معه فلما نظر إليه الرضا ع وثب إليه وعانقه وضمه إلى صدره وقبل ما بين عينيه ثم سحبه سحبا في فراشه وأكب عليه محمد يقبله ويساره بشيء لم أفهمه فرأيت على شفتي الرضا ع زبدا أشد بياضا من الثلج فرأيت أبا جعفر يلحسه بلسانه ثم أدخل يده بين ثوبيه وصدره فاستخرج منه شيئا شبيها بالعصفور فابتلعه أبو جعفر ومضى الرضا ع.

فقال أبو جعفر قم يا أبا الصلت وائتني بالغسل والماء من الخزانة فقلت ما في الخزانة مغسل ولا ماء فقال انته إلى ما أمرتك فدخلت إلى الخزانة فوجدت ذلك فأخرجته وشمرت ثيابي لأغسله معه فقال يا أبا الصلت إن معي من يعينني غيرك فغسله ثم قال لي أخرج من الخزانة السفط الذي فيه كفنه وحنوطه فدخلت فإذا أنا بسفط لم أره في تلك الخزانة قط فحملته إليه وكفنه وصلى عليه.

ثم قال ائتني بالتابوت فقلت له أمضي إلى النجار حتى يصلح تابوتا قال قم فإن في الخزانة تابوتا فدخلت فوجدته فأتيته به فأخذه ع فوضعه في التابوت بعد ما صلى عليه وصف قدميه وصلى ركعتين لم يفرغ منهما حتى ارتفع التابوت فانشق السقف فخرج منه ومضى فقلت يا ابن رسول الله الساعة يجيئنا المأمون ويطالبنا بالرضا فما نصنع فقال لي اسكت فإنه سيعود يا أبا الصلت ما من نبي يموت في المشرق ويموت وصيه في المغرب إلا جمع الله بين أرواحهما وأجسادهما فما أتم الحديث حتى انشق السقف ونزل التابوت فقام ع واستخرج الرضا ع من التابوت ووضعه على فراشه كأنه لم يغسل ولم يكفن.

ثم قال قم يا أبا الصلت فافتح الباب للمأمون ففتحت الباب فإذا المأمون والغلمان بالباب فدخل باكيا حزينا قد شق جيبه ولطم رأسه وهو يقول يا سيداه فجعت بك يا سيدي ثم دخل وجلس عند رأسه وقال خذوا في تجهيزه فأمر أن يحفر له في القبلة فقلت أمرني أن أحفر له سبع مراقي وأن أشق له ضريحه فقال انتهوا إلى ما يأمر به أبو الصلت سوى الضريح ولكن يحفر له ويلحد فلما رأى ما

٣٣١

ظهر من النداوة والحيتان وغير ذلك قال لم يزل الرضا يرينا العجائب في حياته حتى أراناها بعد وفاته فقال له قرين كان معه أتدري ما أخبرك به الرضا ع قال لا قال أخبركم أن ملككم بني العباس مع كثرتكم وطول مدتكم مثل هذه الحيتان حتى إذا فنيت آجالكم وانقطعت آثاركم وذهبت دولتكم سلط الله تعالى عليكم رجلا منا فأفناكم عن آخركم قال له صدقت قلت ما أعجب هذا التأويل ولو جعل ذلك دليلا على ما جرى من زوال ملكهم كان أغرب.

ثم قال يا أبا الصلت علمني الكلام الذي تكلمت به قلت والله لقد أنسيته من ساعتي وقد كنت صدقت فأمر بحبسي وضاق علي الحبس وسألت الله أن يفرج عني بحق محمد وآله فلم أستتم الدعاء حتى دخل علي محمد بن علي ع وقال لي ضاق صدرك يا أبا الصلت فقلت إي والله قال فقم واخرج ثم ضرب بيده إلى القيود التي كانت علي ففكها وأخذ بيدي وأخرجني من الدار والحرسة والغلمة يرونني فلم يستطيعوا أن يكلموني وخرجت من باب الدار ثم قال امض في ودائع الله فإنك لن تصل إليه ولا يصل إليك أبدا قال أبو الصلت فلم ألتق المأمون حتى هذا الوقت ..

" وروى عن إبراهيم بن العباس قال كانت البيعة للرضا ع لخمس خلون من شهر رمضان سنة إحدى ومائتين وزوجه ابنته أم حبيب في أول سنة اثنتين ومائتين وتوفي سنة ثلاث ومائتين والمأمون متوجه إلى العراق.

وفي رواية هرثمة بن أعين عن الرضا ع في حديث طويل أنه قال يا هرثمة هذا أوان رحيلي إلى الله عزوجل ولحوقي بجدي وآبائي ع وقد بلغ الكتاب أجله فقد عزم هذا الطاغي على سمي في عنب ورمان مفتوت مفروك فأما (١) العنب فإنه يغمس السلك في السم ويجذبه بالخيط في العنب وأما الرمان فيطرح السم في كف بعض غلمانه ويفرك الرمان به ليطلخ الحب بذلك السم وأنه سيدعوني في اليوم المقبل ويقرب إلي الرمان والعنب ويسألني أن آكلهما فآكلهما ثم ينفذ الحكم ثم ساق الحديث بطوله قريبا من حديث أبي

__________________

(١) الفرك : دلك الشيء حتّى ينقلع قشره عن لبه كالجوز

٣٣٢

الصلت الهروي في معناه ويزيد عليه بأشياء.

وكان للرضا ع من الولد ابنه أبو جعفر محمد بن علي الجواد ع لا غير ولما توفي الرضا ع أنفذ المأمون إلى محمد بن جعفر الصادق ع وجماعة آل أبي طالب الذين كانوا عنده فلما حضروه نعاه إليهم وأظهر حزنا شديدا وتوجعا وأراهم إياه صحيح الجسد وقال يا أخي يعز علي بأن أراك بهذه الحال وقد كنت آمل أن أقدم قبلك ولكن أبى الله إلا ما أراد

آخر ما أورده الطبرسي وقد تقدم مثل هذا.

قال الفقير إلى الله تعالى عبد الله علي بن عيسى أثابه الله وفي سنة سبعين وستمائة وصل من مشهده الشريف ع أحد قوامه ومعه العهد الذي كتبه المأمون بخط يده وبين سطوره وفي ظهره بخط الإمام ع ما هو مسطور فقبلت مواقع أقلامه وسرحت طرفي في رياض كلامه وعددت الوقوف عليه من منن الله وإنعامه ونقلته حرفا فحرفا.

وما هو بخط المأمون

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

هذا كتاب كتبه عبد الله بن هارون الرشيد أمير المؤمنين لعلي بن موسى بن جعفر ولي عهده أما بعد فإن الله عزوجل اصطفى الإسلام دينا واصطفى له من عباده رسلا دالين عليه وهادين إليه يبشر أولهم بآخرهم ويصدق تاليهم ماضيهم حتى انتهت نبوة الله إلى محمد ص (عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ) ودروس من العلم وانقطاع من الوحي واقتراب من الساعة فختم الله به النبيين وجعله شاهدا لهم ومهيمنا عليهم وأنزل عليه كتابه العزيز الذي (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) بما أحل وحرم ووعد وأوعد وحذر وأنذر وأمر به ونهى عنه لتكون له الحجة البالغة على خلقه (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ) وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ فبلغ عن الله رسالته ودعا إلى سبيله بما أمره به من الحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة (بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) ثم بالجهاد والغلظة حتى قبضه الله إليه واختار له ما عنده ص

٣٣٣

فلما انقضت النبوة وختم الله بمحمد ص الوحي والرسالة جعل قوام الدين ونظام أمر المسلمين بالخلافة وإتمامها وعزها والقيام بحق الله فيها بالطاعة التي بها يقام فرائض الله وحدوده وشرائع الإسلام وسننه ويجاهد بها عدوه فعلى خلفاء الله طاعته فيما استحفظهم واسترعاهم من دينه وعباده وعلى المسلمين طاعة خلفائهم ومعاونتهم على إقامة حق الله وعدله وأمن السبيل وحقن الدماء وصلاح ذات البين وجمع الألفة وفي خلاف ذلك اضطراب حبل المسلمين واختلالهم واختلاف ملتهم وقهر دينهم واستعلاء عدوهم وتفرق الكلمة وخسران الدنيا والآخرة.

فحق على من استخلفه الله في أرضه وائتمنه على خلقه أن يجهد لله نفسه ويؤثر ما فيه رضا الله وطاعته ويعتد لما الله مواقفه عليه ومسائله عنه ويحكم بالحق ويعمل بالعدل فيما حمله الله وقلده فإن الله عزوجل يقول لنبيه داود ع (يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ) وقال الله عزوجل (فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ) وبلغنا أن عمر بن الخطاب قال لو ضاعت سخلة بشاطئ الفرات لتخوفت أن يسألني الله عنها وايم الله أن المسئول عن خاصة نفسه الموقوف على عمله فيما بينه وبين الله ليتعرض على أمر كبير وعلى خطر عظيم فكيف بالمسئول عن رعاية الأمة وبالله الثقة وإليه المفزع والرغبة في التوفيق والعصمة والتشديد والهداية إلى ما فيه ثبوت الحجة والفوز من الله بالرضوان والرحمة :

وأنظر الأمة لنفسه وأنصحهم لله في دينه وعباده من خلائقه في أرضه من عمل بطاعة الله وكتابه وسنة نبيه ع في مدة أيامه وبعدها وأجهد رأيه ونظره فيمن يوليه عهده ويختاره لإمامه المسلمين ورعايتهم بعده وينصبه علما لهم ومفزعا في جميع ألفتهم ولم شعثهم وحقن دمائهم والأمن بإذن الله من فرقتهم وفساد ذات بينهم واختلافهم ورفع نزع الشيطان وكيده عنهم فإن الله عزوجل جعل العهد بعد الخلافة من تمام أمر الإسلام وكماله وعزه وصلاح أهله وألهم خلفائه من

٣٣٤

توكيده لمن يختارونه له من بعدهم ما عظمت به النعمة وشملت فيه العافية ونقض الله بذلك مكر أهل الشقاق والعداوة والسعي في الفرقة والتربص للفتنة.

ولم يزل أمير المؤمنين منذ أفضت إليه الخلافة فاختبر بشاعة مذاقها وثقل محملها وشدة مؤنتها ويجب على من تقلدها من ارتباط طاعة الله ومراقبته فيما حمله منها فأنصب بدنه وأشهر عينه وأطال فكره فيما فيه عز الدين وقمع المشركين وصلاح الأمة ونشر العدل وإقامة الكتاب والسنة ومنعه ذلك من الخفض والدعة ومهنإ العيش علما بما الله سائله عنه ومحبة أن يلقى الله مناصحا له في دينه وعباده ومختارا لولاية عهده ورعاية الأمة من بعده أفضل من يقدر عليه في ورعه ودينه وعلمه وأرجاهم للقيام في أمر الله وحقه مناجيا لله تعالى بالاستخارة في ذلك ومسألته إلهامه ما فيه رضاه وطاعته في آناء ليله ونهاره معملا في طلبه والتماسه في أهل بيته من ولد عبد الله بن العباس وعلي بن أبي طالب فكره ونظره مقتصرا لمن علم حاله ومذهبه منهم على علمه وبالغا في المسألة عمن خفي عليه أمره جهده وطاقته.

حتى استقصى أمورهم معرفة وابتلى أخبارهم مشاهدة واستبرأ أحوالهم معاينة وكشف ما عندهم مساءلة فكانت خيرته بعد استخارته لله وإجهاده نفسه في قضاء حقه في عباده وبلاده في البيتين جميعا علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب لما رأى من فضله البارع وعلمه الناصع وورعه الظاهر وزهده الخالص وتخليه من الدنيا وتسلمه من الناس وقد استبان له ما لم تزل الأخبار عليه متواطية والألسن عليه متفقة والكلمة فيه جامعة ولما لم يزل يعرفه به من الفضل نافعا وناشئا وحدثا ومكتهلا فعقد له بالعهد والخلافة من بعده (١) واثقا بخيرة الله في ذلك إذ علم الله أنه فعله إيثارا له وللدين

__________________

(١) وفي هامش نسخة هكذا «كتب تحت قوله : الخلافة من بعده» بقلمه الشريف : بل جعلت فداك».

٣٣٥

ونظرا للإسلام والمسلمين وطلبا للسلامة وثبات الحق (١) والنجاة في اليوم الذي (يَقُومُ النَّاسُ) فيه (لِرَبِّ الْعالَمِينَ).

ودعا أمير المؤمنين ولده وأهل بيته وخاصته وقواده وخدمه فبايعوا مسرعين مسرورين عالمين بإيثار أمير المؤمنين طاعة الله على الهوى في ولده وغيرهم ممن هو أشبك منه رحما وأقرب قرابة وسماه الرضا إذ كان رضا عند أمير المؤمنين فبايعوا معشر أهل بيت أمير المؤمنين ومن بالمدينة المحروسة من قواده وجنده وعامة المسلمين لأمير المؤمنين وللرضا من بعده كتب بقلمه الشريف بعد قوله وللرضا من بعده بل آل من بعده (٢) علي بن موسى على اسم الله وبركته وحسن قضائه لدينه وعباده بيعة مبسوطة إليها أيديكم منشرحة لها صدوركم عالمين بما أراد أمير المؤمنين بها وآثر طاعة الله والنظر لنفسه ولكم فيها شاكرين لله على ما ألهم أمير المؤمنين من قضاء حقه في رعايتكم وحرصه على رشدكم وصلاحكم راجين عائدة ذلك في جمع ألفتكم وحقن دمائكم ولم شعثكم وسد ثغوركم وقوة دينكم ورغم عدوكم واستقامة أموركم وسارعوا إلى طاعة الله وطاعة أمير المؤمنين فإنه الأمن إن سارعتم إليه وحمدتم الله عليه عرفتم الحظ فيه إن شاء الله و

__________________

(١) وفي بعض النسخ «وثبات الحجة».

(٢) ما بين المعقفتين ليس في بعض النسخ وفي هامش نسخة هكذا : «كتب عند تسميته بالرضا : رضى اللّه عنك وأرضاك وأحسن في الدارين جزاك». وفي أخرى هكذا : «كتب تحت ذكر اسمه عليه السلام بقلمه الشريف وصلتك رحم وجزيت خيرا». وفي ثالثة كتب بقلمه الشريف تحت الثناء عليه : أثنى اللّه عليك فأجمل واجزل لديك الثواب فأكمل

(٣) من التدبر في هذا الكلام وبعض ما مضى في العهد ويأتي في كتاب الإمام عليه السلام يظهر صحة ما عليه المحققون من نقلة الآثار من أن اقدام المأمون على هذا العمل انما هو لدفع سادات العلوي وأبى السرايا الذين أضاقوا عليه الأرض بما رحبت واطفاء نائرة الفتن الحادثة وكان بناء امره على الحيلة والخديعة ، ولما استقر امره أقدم على قتل الامام وقتله بالسم كما مر.

٣٣٦

كتب بيده يوم الإثنين بسبع خلون من شهر رمضان سنة إحدى ومائتين.

صورة ما كان على ظهر العهد بخط الإمام علي بن موسى الرضا ع.

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) الحمد لله الفعال لما يشاء (لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ) ولا راد لقضائه (يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ) وصلاته على نبيه محمد خاتم النبيين وآله الطيبين الطاهرين أقول وأنا علي بن موسى الرضا بن جعفر إن أمير المؤمنين عضده الله بالسداد ووفقه للرشاد عرف من حقنا ما جهله غيره فوصل أرحاما قطعت وأمن نفوسا فزعت بل أحياها وقد تلفت وأغناها إذ افتقرت مبتغيا رضا رب العالمين لا يريد جزاء من غيره (وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ) و (لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) وإنه جعل إلي عهده والإمرة الكبرى إن بقيت بعده فمن حل عقدة أمر الله بشدها وفصم عروة أحب الله إيثاقها فقد أباح حريمه وأحل محرمه إذ كان بذلك زاريا على الإمام منهتكا حرمة الإسلام بذلك جرى السالف فصبر عنه على الفلتات ولم يعترض بعدها على الغرمات خوفا من شتات الدين واضطراب حبل المسلمين ولقرب أمر الجاهلية ورصد فرصة تنتهز وبائقة تبتدر وقد جعلت الله على نفسي إن استرعاني أمر المسلمين وقلدني خلافته العمل فيهم عامة وفي بني العباس بن عبد المطلب خاصة بطاعته وطاعة رسوله ص وأن لا أسفك دما حراما ولا أبيح فرجا ولا مالا إلا ما سفكته حدود الله وأباحته فرائضه وأن أتخير الكفاة جهدي وطاقتي وجعلت بذلك على نفسي عهدا مؤكدا يسألني الله عنه فإنه عزوجل يقول (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً) وإن أحدثت أو غيرت أو بدلت كنت للغير مستحقا وللنكال متعرضا وأعوذ بالله من سخطه وإليه أرغب في التوفيق لطاعته والحول بيني وبين معصيته في عافية لي وللمسلمين.

والجامعة والجفر يدلان على ضد ذلك (وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنِ الْحُكْمُ

٣٣٧

إِلَّا لِلَّهِ) يقضي بالحق (وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ) لكني امتثلت أمر أمير المؤمنين وآثرت رضاه والله يعصمني وإياه وأشهدت الله على نفسي بذلك (وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) وكتبت بخطي بحضرة أمير المؤمنين أطال الله بقاءه والفضل بن سهل وسهل بن الفضل ويحيى بن أكثم وعبد الله بن طاهر وثمامة بن أشرس وبشر بن المعتمر وحماد بن النعمان في شهر رمضان سنة إحدى ومائتين.

الشهود على جانب الأيمن

شهد يحيى بن أكثم على مضمون هذا المكتوب ظهره وبطنه وهو يسأل الله أن يعرف أمير المؤمنين وكافة المسلمين ببركة هذا العهد والميثاق وكتب بخطه في تاريخ المبين فيه عبد الله بن طاهر بن الحسين أثبت شهادته فيه بتاريخه شهد حماد بن النعمان بمضمونه ظهره وبطنه وكتب بيده في تاريخه بشر بن المعتمر يشهد بمثل ذلك.

الشهود على الجانب الأيسر

رسم أمير المؤمنين أطال الله بقاءه قراءة هذه الصحيفة التي هي صحيفة الميثاق نرجو أن يجوز بها الصراط ظهرها وبطنها بحرم سيدنا رسول الله ص بين الروضة والمنبر على رءوس الأشهاد بمرأى ومسمع من وجوه بني هاشم وسائر الأولياء والأجناد بعد استيفاء شروط البيعة عليهم بما أوجب أمير المؤمنين الحجة به على جميع المسلمين ولتبطل الشبهة التي كانت اعترضت آراء الجاهلين و (ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ) وكتب الفضل بن سهل بأمر أمير المؤمنين بالتاريخ فيه (١).

__________________

(١) وفي هامش نسخة مصحّحة هكذا : «قال العبد الفقير إلى اللّه تعالى : الفضل بن يحيى الطيبي عفى اللّه عنه : قابلت المكتوب الذي كتبه الإمام عليّ بن موسى الرضا صلوات اللّه عليه وعلى آبائه الطاهرين بأصله الذي كتبه الامام المذكور (ع) بيده الشريفة حرفا فحرفا وألحقت ما فات منه وذكرت انه من خطه (ع) وذلك في يوم الثلاثاء مستهل المحرم من سنة تسع وتسعين وستمائة الهلالية بواسط والحمد للّه على ذلك وله المنة ـ تمت ـ

٣٣٨

قال الفقير إلى الله تعالى علي بن عيسى أثابه الله ورأيت خطه ع في واسط سنة سبع وسبعين وستمائة جوابا عما كتبه إليه المأمون

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) وصل كتاب أمير المؤمنين أطال الله بقاءه يذكر ما ثبت من الروايات ورسم أن أكتب له ما صح عندي من حال هذه الشعرة الواحدة والخشبة التي لرحا المد ـ لفاطمة بنت محمد رسول الله صلى الله عليها وعلى أبيها وزوجها وبنيها فهذه الشعرة الواحدة شعرة من شعر رسول الله ص لا شبهة ولا شك وهذه الخشبة المد المذكورة لفاطمة ع لا ريب ولا شبهة وأنا قد تفحصت وتحدبت وكتبت إليك فاقبل قولي فقد أعظم الله لك في هذا الفحص أجرا عظيما وبالله التوفيق وكتب علي بن موسى بن جعفر عليهما‌السلام وعلي سنة إحدى ومائتين من هجره صاحب التنزيل جدي ص.

قال الفقير إلى الله تعالى عبد الله علي بن عيسى أثابه الله مناقب الإمام علي بن موسى الرضا ع رضا في المناقب وأمداد فضله متوالية توالي المقانب وموالاته محمودة المبادئ مباركة العواقب وعجائب أوصافه من غرائب العجائب وشرفه ونبله قد حلا من الشرف في الذروة والغارب وصيت سؤدده قد شاع وذاع في المشارق والمغارب فلمواليه السعد الطالع ولشانيه النحس الغارب أما شرف الآباء فأشهر من الصباح المنير وأضوأ من عارض الشمس المستدير وأما أخلاقه وسماته وسيرته وصفاته ودلائله وعلاماته ونفسه الشريفة وذاته فناهيك من فخار وحسبك من علو منار وقدرك من سمو مقدار يجاري الهواء كرم أخلاق ويجاوز السماء طهارة أعراق لو ولج السماء شريف ولجها بشرفه أو طال الملائكة الكرام لطالهم بنفسه الزاكية وسلفه وفضلهم بولده وخلفه نور مشرق من أنوار

__________________

ـ مقابلة مكتوب الإمام عليّ بن موسى الرضا (ع) بخطه الشريف حرفا فحرفا بواسط في غرة المحرم سنة تسع وتسعين وستمائة هجرية والحمد للّه ربّ العالمين وصلاته على سيدنا محمّد وآله الطيبين الطاهرين» وقد نقله المجلسيّ (ره) عن بعض نسخ كشف الغمّة في البحار فراجع.

٣٣٩

وسلالة طاهرة من أطهار وغصن فخر من سرحة فخار وثمرة جنية من الدوحة الكريمة العليا ونبعة ناضرة قويمة من الشجرة التي (أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ) أخباره ع كلها عيون وسيرته السرية كاللؤلؤ الموضون ومقالاته ومقاماته قيد القلوب وجلاء الأسماع ونزهة العيون ومعارفه الإلهية واحدة في العلم بما كان وما يكون محدث في خاطره الشريف بالسر المكتوم والعلم المكنون ملهم بمعرفة الظاهر المشهور والباطن المخزون مطلع على خفايا لا تتخيلها الأفكار ولا تخيلها الظنون جار من فضائله وفواضله على طريقة ورثها عن الآباء وورثها عنه البنون فهم جميعا في كرم الأرومة وزكاء الجرثومة كأسنان المشط متعادلون فشرفا لهذا البيت العظيم الرتبة العلي المحلة السامي المكانة لقد طال السماء علاء ونبلا وسما على الثوابت منزلة ومحلا واستوفى صفات الكمال فما يستثني في شيء منه بغير ولا إلا انتظم هؤلاء الأئمة ع انتظام اللئالي وتناسبوا في الشرف فاستوى المقدم والتالي ونالوا مرتبة مجد هلك دونها المقصر والعالي وحين اقتسمت شمل مراتب السيادة كان لغيرهم السافل ولهم العالي كم اجتهد الأعداء في خفض منارهم والله يرفعه وكم ركبوا الصعب والذلول في تشتيت شمل عزهم والله يجمعه وكم ضيعوا من حقوقهم ما لا يهمله الله ولا يضيعه ومع كثرة عداتهم وتظاهر الناس عليهم وغلبة شناتهم ومدهم أيدي القهر إليهم لم يزدادوا على الاختبار إلا صبرا واحتسابا وعلى القتل والتشريد إلا إغراقا في الحمد وإطنابا وتحصيلا للأجر واكتسابا واعتزاء إلى أعلى منازل الطاعة وانتسابا حتى خلصوا خلوص الذهب من النار وسلموا في أعراضهم وأديانهم من العاب والعار فالولي والعدو يشهدان لهم بعلو المنصب وسمو المقدار

قال فيه البليغ ما قال ذو

العي فكل بفضله منطيق

وكذلك العدو لم يعد أن

قال جميلا كما يقول الصديق

وهذا الإمام الرضا هو لله سبحانه رضا وقد قضى من شرفه ومجده بما قضى ونصبه دليلا لمن يأتي وعلى من مضى فظهر من فضائله وأخباره واشتهر من

٣٤٠