التيسير في التفسير للقرآن - ج ٤

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٤

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٥٦

* س ١٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٤٥) ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ)(٤٦) [سورة الحجر : ٤٦ ـ ٤٥]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسيّ (رحمه‌الله تعالى) : لما ذكر سبحانه عباده المخلصين ، عقبه بذكر حالهم في الآخرة ، فقال : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ) الذين يتقون عقاب الله باجتناب معاصيه (فِي جَنَّاتٍ) أي : في بساتين خلقت لهم (وَعُيُونٍ) من ماء ، وخمر ، وعسل ، يفور من الفوارة ، ثم يجري في مجاريها ، (ادْخُلُوها بِسَلامٍ) أي : يقال لهم ادخلوا الجنات بسلامة من الآفات ، وبراءة من المكاره والمضرات ، (آمِنِينَ) من الإخراج منها ، ساكني النفس إلى انتفاء الضرر فيها (١).

* س ١٨ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ) (٤٧) [سورة الحجر : ٤٧]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «خرجت أنا وأبي ، حتى إذا كنا بين القبر والمنبر ، إذا هو بأناس من الشيعة ، فسلّم عليهم ، ثمّ قال : إني ـ والله ـ لأحبّ أرياحكم وأرواحكم ، فأعينوني على ذلك بورع واجتهاد ، واعلموا أنّ ولايتنا لا تنال إلا بالورع والاجتهاد. ومن ائتمّ منكم بعبد فليعمل بعمله ، أنتم شيعة الله ، وأنتم أنصار الله ، وأنتم السابقون الأوّلون ، والسابقون الآخرون ، والسابقون في الدنيا ، والسابقون في الآخرة إلى الجنّة ، قد ضمنّا لكم الجنّة بضمان الله عزوجل ، وضمان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٦ ، ص ١١٧.

٨١

والله ، ما على درجة الجنّة أكثر أرواحا منكم ، فتنافسوا في فضائل الدرجات ، أنتم الطيّبون ، ونساؤكم الطيّبات ، كل مؤمنة حوراء عيناء ، وكلّ مؤمن صدّيق ، ولقد قال أمير المؤمنين عليه‌السلام لقنبر : يا قنبر ، أبشر وبشّر واستبشر ، فو الله لقد مات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو على أمّته ساخط إلّا الشيعة.

ألا وإنّ لكلّ شيء عزّا ، وعزّ الإسلام الشيعة ، ألا وإنّ لكلّ شيء دعامة ، ودعامة الإسلام الشيعة ، ألا وإنّ لكلّ شيء ذروة ، وذروة الإسلام الشيعة ، ألا وإنّ لكلّ شيء شرفا ، وشرف الإسلام الشيعة ، ألا وإنّ لكلّ شيء سيدا ، وسيدّ المجالس مجلس الشيعة ، ألا وإنّ لكلّ شيء إماما ، وإمام الأرض أرض تسكنها الشيعة. والله ، لو لا ما في الأرض منكم ، ما رأيت بعين عشبا أبدا. والله ، لو لا ما في الأرض منكم ، ما أنعم الله على أهل خلافكم ، ولا أصابوا الطيّبات ، ما لهم في الدنيا ولا لهم في الآخرة من نصيب ، كلّ ناصب وإن تعبّد واجتهد منسوب إلى هذه الآية (عامِلَةٌ ناصِبَةٌ تَصْلى ناراً حامِيَةً)(١) فكلّ ناصب مجتهد فعمله هباء ، شيعتنا ينطقون بنور (٢) الله عزوجل ، ومن يخالفهم ينطقون بتفلّت (٣).

والله ، ما عن عبد من شيعتنا ينام إلّا أصعد الله عزوجل روحه إلى السماء ، فيبارك عليها ، فإن كان قد أتى عليها أجلها ، جعلها في كنوز من رحمته ، وفي رياض جنّته ، وفي ظلّ عرشه ، وإن كان أجلها متأخّرا بعث بها مع أمنته من الملائكة ، فيردّوها الجسد الذي خرجت منه ، لتسكن فيه ـ والله ـ إن حاجّكم وعمّاركم لخاصّة الله عزوجل ، وإنّ فقراءكم لأهل الغنى ، وإنّ أغنياءكم لأهل القناعة ، وإنكم كلّكم لأهل دعوته ، وأهل إجابته» (٤).

__________________

(١) الغاشية : ٣ و ٤.

(٢) في «ط» : بأمر.

(٣) في «ط» : بتغلّب.

(٤) الكافي : ج ٨ ، ص ٢١٢ ، ح ٢٥٩.

٨٢

وقال عليه‌السلام : «ألا وإنّ لكلّ شيء جوهرا ، وجوهر ولد آدم محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ونحن ، وشيعتنا بعدنا. حبّذا شيعتنا ما أقربهم من عرش الله عزوجل وأحسن صنع الله إليهم يوم القيامة.

والله لو لا أن يتعاظم الناس ذلك أو يدخلهم زهو ، لسلّمت عليهم الملائكة قبلا ، والله ما من عبد من شيعتنا يتلو القرآن في صلاته قائما إلّا وله بكلّ حرف مائة حسنة ، ولا قرأ في صلاته جالسا إلّا وله بكلّ حرف خمسون حسنة ، ولا في غير صلاة إلّا وله بكلّ حرف عشر حسنات ، وإنّ للصامت من شيعتنا لأجر من قرأ القرآن ممّن خالفه. أنتم ـ والله ـ على فرشكم نيام ، لكم أجر المجاهدين ، وأنتم ـ والله ـ في صلاتكم لكم أجر الصّافّين في سبيله ، وأنتم ـ والله ـ الذين قال الله عزوجل : (وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ) إنما شيعتنا أصحاب الأربعة أعين عينين في الرأس ، وعينين في القلب ، ألا والخلائق كلّهم كذلك ، إلّا أنّ الله عزوجل فتح أبصاركم ، وأعمى أبصارهم» (١).

* س ١٩ : ما هو معنى قوله تعالى :

(لا يَمَسُّهُمْ فِيها نَصَبٌ وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ (٤٨) نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٤٩) وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ (٥٠) وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ (٥١) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ (٥٢) قالُوا لا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ (٥٣) قالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (٥٤) قالُوا بَشَّرْناكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ (٥٥) قالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ (٥٦) قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (٥٧) قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ

__________________

(١) الكافي : ج ٨ ، ص ٢١٤ ، ح ٢٦٠.

٨٣

مُجْرِمِينَ (٥٨) إِلاَّ آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ (٥٩) إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنا إِنَّها لَمِنَ الْغابِرِينَ (٦٠) فَلَمَّا جاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ (٦١) قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (٦٢) قالُوا بَلْ جِئْناكَ بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ (٦٣) وَأَتَيْناكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصادِقُونَ (٦٤) فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ (٦٥) وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ (٦٦) وَجاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ (٦٧) قالَ إِنَّ هؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ (٦٨) وَاتَّقُوا اللهَ وَلا تُخْزُونِ (٦٩) قالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعالَمِينَ (٧٠) قالَ هؤُلاءِ بَناتِي إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ (٧١) لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ) (٧٢) [سورة الحجر : ٧٢ ـ ٤٨]؟!

الجواب / قال عليّ بن إبراهيم القميّ : العدلوة (١).

وعنى بقوله تعالى : (نَبِّئْ عِبادِي) أي أخبرهم (أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ* وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ* وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ)(٢). أقول : فقد كتبنا خبرهم في سورة هود عليه‌السلام (٣).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إنّ سارة قالت لإبراهيم عليه‌السلام : قد كبرت ، فلو دعوت الله أن يرزقك ولدا فتقرّ أعيننا ، فإنّ الله قد اتّخذك خليلا ، وهو مجيب دعوتك إن شاء الله ، فسأل إبراهيم عليه‌السلام ربّه أن يرزقه غلاما عليما. فأوحى الله إليه : إنّي واهب لك غلاما عليما ، ثمّ أبلوك فيه بالطاعة لي ـ قال أبو عبد الله عليه‌السلام : ـ فمكث إبراهيم بعد البشارة ثلاث سنين ، ثمّ جاءته البشارة من الله بإسماعيل مرّة أخرى بعد ثلاث سنين» (٤).

__________________

(١) تفسير القمي : ج ١ ، ص ٣٧٧.

(٢) تفسير القمي : ج ١ ، ص ٣٧٧.

(٣) تقدم في الحديث من تفسير الآيات (٦٩ ـ ٨٣) من سورة هود.

(٤) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ٢٤٤ ، ح ٢٥.

٨٤

وقال أبو بصير ، قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : أصلحك الله ، أكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتعوّذ من البخل؟ قال : «نعم ـ يا أبا محمّد ـ في كلّ صباح ومساء ، ونحن نعوذ بالله من البخل ، إنّ الله يقول في كتابه : (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(١) وسأنبّئك عن عاقبة البخل ، إنّ قوم لوط كانوا أهل قرية بخلاء أشحّاء على الطعام ، فأعقبهم الله داء لا دواء له في فروجهم».

قلت : وما أعقبهم؟ قال : «إنّ قرية قوم لوط كانت على طريق السيّارة إلى الشام ومصر ، فكانت المارّة تنزل بهم فيضيفونهم ، فلمّا أن كثر ذلك عليهم ، ضاقوا بهم ذرعا وبخلا ولؤما ، فدعاهم البخل إلى أن كان إذا نزل بهم الضّيف فضحوه من غير شهوة بهم إلى ذلك ، وإنّما كانوا يفعلون ذلك بالضّيف حتى تنكل النازلة عنهم ، فشاع أمرهم في القرى ، وحذرتهم المارة ، فأورثهم البخل بلاء لا يدفعونه عن أنفسهم ، من غير شهوة لهم إلى ذلك (٢) ، حتى صاروا يطلبونه من الرجال في البلاد ، ويعطونهم عليه الجعل ، فأي داء أعدى من البخل ، ولا أضرّ عاقبة ولا أفحش عند الله؟!».

قال أبو بصير ، فقلت له : أصلحك الله ، هل كان أهل قرية لوط كلّهم هكذا مبتلين؟ قال : «نعم ، إلّا أهل بيت من المسلمين ، أما تسمع لقوله : (فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ)(٣)».

ثمّ قال أبو جعفر عليه‌السلام : «إنّ لوطا لبث مع قومه ثلاثين سنة ، يدعوهم إلى الله ويحذّرهم عقابه ـ قال ـ وكانوا قوما لا يتنظّفون من الغائط ، ولا يتطهّرون من الجنابة ، وكان لوط وآله يتنظّفون من الغائط ، ويتطهّرون من

__________________

(١) الحشر : ٩ ، التغابن : ١٦.

(٢) في «ط ، س» : في شهوة بهم إليه ، وما أثبتناه من بحار الأنوار ج ١٢ ، ص ١٤٧ ، ح ١ ، علل الشرائع : ص ٥٤٩ ، ح ٤.

(٣) الذاريات : ٣٥ و ٣٦.

٨٥

الجنابة ، وكان لوط ابن خالة إبراهيم ، وإبراهيم ابن خالة لوط عليهما‌السلام ، وكانت امرأة إبراهيم عليه‌السلام سارة أخت لوط عليه‌السلام ، وكان إبراهيم ولوط عليهما‌السلام نبيّين مرسلين منذرين ، وكان لوط عليه‌السلام رجلا سخيّا كريما يقري الضيف إذا نزل به ويحذّره قومه ـ قال ـ فلمّا رأى قوم لوط ذلك ، قالوا : إنّا ننهاك عن العالمين ، لا تقر ضيفا نزل بك ، فإنّك إن فعلت فضحنا ضيفك ، وأخزيناك فيه. وكان لوط عليه‌السلام إذا نزل به الضيف كتم أمره ، مخافة أن يفضحه قومه ، وذلك أنّ لوطا عليه‌السلام كان فيهم لا عشيرة له ـ قال ـ وإنّ لوطا وإبراهيم عليهما‌السلام يتوقّعان نزول العذاب على قوم لوط ، وكانت لإبراهيم ولوط عليهما‌السلام منزلة من الله شريفة ، وإنّ الله تبارك وتعالى كان إذا همّ بعذاب قوم لوط ، أدركته فيهم مودّة إبراهيم عليه‌السلام وخلّته ، ومحبّة لوط عليه‌السلام ، فيراقبهم فيه فيؤخّر عذابهم».

قال أبو جعفر عليه‌السلام : «فلمّا اشتدّ أسف الله تعالى (١) على قوم لوط وقدّر عذابهم وقضاه ، أحب أن يعوّض إبراهيم عليه‌السلام من عذاب قوم لوط بغلام حليم ، فيسلّي به مصابه بهلاك قوم لوط ، فبعث الله رسلا إلى إبراهيم عليه‌السلام يبشّرونه بإسماعيل ، فدخلوا عليه ليلا ، ففزع منهم ، وخاف أن يكونوا سرّاقا ، فلمّا أن رأته الرسل فزعا وجلا (قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ)(٢) ، (قالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ قالُوا لا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ) قال أبو جعفر عليه‌السلام : «والغلام العليم هو إسماعيل من هاجر ، فقال إبراهيم للرّسل : (أَبَشَّرْتُمُونِي عَلى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ قالُوا بَشَّرْناكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ) فقال إبراهيم عليه‌السلام للرسل : (فَما خَطْبُكُمْ)؟ بعد البشارة (قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ) قوم لوط ، إنّهم كانوا قوما فاسقين ، لننذرهم عذاب ربّ العالمين ، قال أبو جعفر عليه‌السلام : «فقال إبراهيم عليه‌السلام للرسل : (إِنَّ فِيها لُوطاً قالُوا

__________________

(١) أي غضبه.

(٢) هود : ٦٩.

٨٦

نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ)(١) قال : (فَلَمَّا جاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ قالُوا بَلْ جِئْناكَ بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ) يقول : من عذاب الله ، لتنذر قومك العذاب (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ) ـ يا لوط ـ إذا مضى من يومك هذا سبعة أيّام بلياليها (بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ) [إذا مضى نصف الليل](٢) (وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُها ما أَصابَهُمْ) (٣).

قال أبو جعفر عليه‌السلام : «فقضوا إلى لوط (ذلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ) ـ قال أبو جعفر عليه‌السلام ـ فلمّا كان اليوم الثامن مع طلوع الفجر ، قدّم الله رسلا إلى إبراهيم عليه‌السلام يبشرونه بإسحاق ، ويعزّونه بهلاك قوم لوط ، وذلك قول الله في سورة هود : (وَلَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ) (٤) يعني ذكيّا مشويّا نضيجا (فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمِ لُوطٍ وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ) (٥) ـ قال أبو جعفر عليه‌السلام ـ إنّما عنى امرأة إبراهيم عليه‌السلام سارة قائمة فبشّروها (بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ قالَتْ يا وَيْلَتى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهذا بَعْلِي شَيْخاً) إلى قوله : (إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ) (٦)».

قال أبو جعفر عليه‌السلام : «فلمّا أن جاءت البشارة بإسحاق ذهب عنه الرّوع ، وأقبل يناجي ربّه في قوم لوط ، ويسأله كشف العذاب عنهم ، قال الله : (يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا إِنَّهُ قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ) (٧)

__________________

(١) العنكبوت : ٣٢.

(٢) أثبتناه من علل الشرايع : ص ٥٤٩ ، ح ٤ ، وبحار الأنوار : ج ١٢ ، ص ١٤٩ ، ح ١.

(٣) هود : ٨١.

(٤) هود : ٦٩.

(٥) هود : ٧٠ و ٧١.

(٦) هود : ٧١ ـ ٧٣.

(٧) هود : ٧٦.

٨٧

بعد طلوع الشمس من يومك هذا ، محتوم غير مردود» (١).

وقال صفوان الجمّال ، صلّيت خلف أبي عبد الله عليه‌السلام فأطرق ، ثمّ قال : «اللهم لا تقنطني من رحمتك ، ثم جهر ، فقال : (وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ)(٢).

وقال علي بن إبراهيم : وقوله تعالى : (وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ) أي أعلمناه (أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ) يعني قوم لوط (مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ) وقوله : (لَعَمْرُكَ) أي وحياتك يا محمّد (إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ) فهذه فضيلة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الأنبياء (٣).

* س ٢٠ : ما هو معنى قوله تعالى :

(فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ (٧٣) فَجَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ) (٧٤) [سورة الحجر : ٧٤ ـ ٧٣]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسيّ (رحمه‌الله تعالى) : ثم أخبر سبحانه عن كيفية عذاب قوم لوط ، فقال : (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ) أي : أخذهم الصوت الهائل في حال شروق الشمس (٤).

(فَجَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ).

قال أبو عبد الله عليه‌السلام : ـ بعد ما ذكر قصة لوط عليه‌السلام وقومه ومجيء الملائكة إليهم بأمر من ربهم ليقلبوا بهم المدينة ـ .... ثمّ اقتلعها ـ يعني المدينة ـ جبرائيل بجناحه من سبع أرضين ، ثمّ رفعها حتى سمع أهل السّماء

__________________

(١) تفسير العياشي : ج ٢ ، ص ٢٤٤ ، ح ٢٦.

(٢) تفسير العياشي : ج ٢ ، ص ٢٤٤ ، ح ٢٧.

(٣) تفسير القمي : ج ١ ، ص ٣٧٧.

(٤) مجمع البيان : ج ٦ ، ص ١٢٦.

٨٨

الدّنيا نباح الكلاب وصراخ الدّيوك ، ثمّ قلبها وأمطر عليها وعلى من حول المدينة حجارة من سجيل» (١).

* س ٢١ : ما هو معنى قوله تعالى :

(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (٧٥) وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ (٧٦) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ) (٧٧) [سورة الحجر : ٧٧ ـ ٧٥]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام لرجل من أهل هيت سأله عن قول الله عزوجل : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ)(٢).

فقال : «نحن المتوسّمون ، والسبيل فينا مقيم».

قال عبد الله بن سليمان ، سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الإمام أفوّض الله إليه كما فوّض إلى سليمان؟ فقال : «نعم ، وذلك أن رجلا سأله عن مسألة فأجابه فيها وسأله آخر عن تلك المسألة فأجابه بغير جواب الأوّل ، ثم سأله آخر عنها فأجابه بغير جواب الأوّلين ، ثم قال : «هذا عطاؤنا فأمسك أو أعط بغير حساب» (٣) ، وهكذا هي في قراءة عليّ عليه‌السلام».

قلت : أصلحك الله ، حين أجابهم بهذا الجواب يعرفهم الإمام؟ فقال : «سبحان الله ، أما تسمع الله يقول في كتابه : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ) وهم الأئمّة (وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ) لا تخرج منهم أبدا ـ ثمّ قال لي ـ نعم ، إنّ الإمام إذا نظر إلى الرجل عرفه وعرف ما هو عليه وعرف لونه ، وإن سمع

__________________

(١) تفسير العياشي : ج ٢ ، ص ١٥٥ ، ح ٥٣. ومن أراد القصة فليراجع الآيات من سورة هود برقم (٦٩ ـ ٨٣).

(٢) الاختصاص : ص ٣٠٣.

(٣) سورة ص : ٣٩ وهي في المصحف الشريف : هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ.

٨٩

كلامه من وراء حائط عرفه وعرف ما هو ، إن الله يقول : (وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ)(١) فهم العلماء ، وليس يسمع شيئا من الألسن تنطق إلّا عرفه ، ناج أو هالك ، فلذلك يجيبهم بالذي يجيبهم به» (٢).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «نحن المتوسّمون والسبيل فينا مقيم» «والسبيل : طريق الجنة» (٣).

وقال الشيخ الطبرسيّ : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً) أي : عبرة دلالة (لِلْمُؤْمِنِينَ) وخص المؤمنين لأنهم هم الذين انتفعوا بها (٤).

* س ٢٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَإِنْ كانَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ لَظالِمِينَ (٧٨) فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ وَإِنَّهُما لَبِإِمامٍ مُبِينٍ (٧٩) وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ (٨٠) وَآتَيْناهُمْ آياتِنا فَكانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ (٨١) وَكانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً آمِنِينَ (٨٢) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ (٨٣) فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ) (٨٤) [سورة الحجر : ٨٤ ـ ٧٨]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : في قوله تعالى : (وَإِنْ كانَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ) يعني أصحاب الغيضة (٥) وهم قوم شعيب (لَظالِمِينَ)(٦).

قال الشيخ الطبرسيّ (رحمه‌الله تعالى) : وأصحاب الأيكة هم أهل

__________________

(١) الروم : ٢٢.

(٢) الاختصاص : ص ٣٠٦.

(٣) تفسير القمي : ج ١ ، ص ٣٧٧.

(٤) مجمع البيان : ج ٦ ، ص ١٢٧.

(٥) الغيضة : الأجمة ، وهي مغيض ماء يجتمع فينبت فيه الشجر.

(٦) تفسير القمي : ج ١ ، ص ٣٧٧.

٩٠

الشجر الذين أرسل إليهم شعيب عليه‌السلام ، وأرسل إلى أهل مدين ، فأهلكوا بالصيحة. وأما أصحاب الأيكة فأهلكوا بالظلة التي احترقوا بنارها ...

ومعنى الآية : أنه كان أصحاب الأيكة لظالمين في تكذيب رسولهم ، وكانوا أصحاب غياض ، فعاقبهم الله تعالى بالحر سبعة أيام ، ثم أنشأ سبحانه سحابة فاستظلوا بها ، يلتمسون الروح فيها ، فلما اجتمعوا تحتها ، أرسل منها صاعقة فأحرقتهم جميعا.

(فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ) أي : من قوم شعيب ، ومن قوم لوط أي : عذبناهم بما انتقمناه منهم. والانتقام : هو المجازاة على جناية سابقة ، وفرق علي بن عيسى بين الانتقام والعقاب بأن الانتقام هو نقيض الإنعام والعقاب هو نقيض الثواب. (وَإِنَّهُما لَبِإِمامٍ مُبِينٍ) معناه : وإن مدينتي قوم لوط وأصحاب الأيكة ، بطريق يؤم ويتبع ويهتدى به ...

وسمي الطريق إماما ، لأن الإنسان يؤمه ، وقيل : معناه وإن حديث مدينتيهما لمكتوب مذكور في اللوح المحفوظ ، أو حديث لوط ، وحديث شعيب ... فيكون نظير قوله : (وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ) والمبين : الظاهر.

ثم أخبر سبحانه عن إهلاك قوم صالح فقال : (وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ) والحجر : اسم البلد الذي كان فيه ثمود ، وإنما سموا أصحاب الحجر ، لأنهم كانوا سكانه ، كما يسمى الأعراب البوادي أصحاب الصحارى ، لأنهم كانوا يسكنونها. وقيل : إن الحجر اسم لواد كان يسكنها هؤلاء ... وإنما قال تعالى : (الْمُرْسَلِينَ) لأن في تكذيب حالهم تكذيب المرسلين ، لأنه كان يدعوهم إلى ما دعا إليه المرسلون ، وإلى الإيمان بالمرسلين ، فكان في تكذيب أحدهم تكذيب الجميع. وقيل : بعث الله إليهم رسلا منهم صالح ...

٩١

(وَآتَيْناهُمْ آياتِنا) : أي أتينا أصحاب الحجر الحجج ، والمعجزات ، والدلالات الدالة على صدق الأنبياء. وقيل : أتينا الرسل الآيات ، (فَكانُوا عَنْها) أي : عن الآيات ، (مُعْرِضِينَ) أعرضوا عن التفكر فيها ، والاستدلال بها ، (وَكانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً آمِنِينَ) أي : وكان قوم صالح في القوة بحيث ينحتون من الجبال بيوتا يسكنونها ، وكانوا آمنين من خرابها وسقوطها عليهم. وقيل : كانوا آمنين من عذاب الله. وقيل : آمنين من الموت لطول أعمارهم. (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ) أي : فأهلكوا بالصيحة في وقت دخولهم في الصباح (فَما أَغْنى عَنْهُمْ) أي : فما دفع عنهم العذاب ، ولم يغنهم (ما كانُوا يَكْسِبُونَ) أي : يجمعون من المال والأولاد ، وأنواع الملاذ (١).

* س ٢٣ : ما هو الصفح الجميل في قوله تعالى :

(وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ) (٨٥) [سورة الحجر : ٨٥]؟!

الجواب / قال الرضا عليه‌السلام في قول الله عزوجل (فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ) قال : «العفو من غير عتاب» (٢).

* س ٢٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ)(٨٦) [سورة الحجر : ٨٦]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسيّ (رحمه‌الله تعالى) : (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ) للأشياء (الْعَلِيمُ) بتدبير خلقه ، فلا يخفى عليه ما يجري بينكم.

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٦ ، ص ١٢٧ ـ ١٢٨ ، وراجع روايات أهل البيت عليهم‌السلام في قصة نبي الله صالح عليه‌السلام في سورة هود : ٦١.

(٢) معاني الأخبار : ص ٣٧٣ ، ح ١.

٩٢

ويجوز أن يريد : إن ربك هو الذي خلقكم ، وعلم ما هو الأصلح لكم ، وقد علم أن الصفح أصلح الآن إلى أن يؤمر بالسيف (١).

* س ٢٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) (٨٧) [سورة الحجر : ٨٧]؟!

الجواب / قال محمد بن مسلم : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن السّبع المثاني والقرآن العظيم ، هي فاتحة الكتاب؟ قال : «نعم» قلت : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) من السّبع؟ قال : «نعم ، هي أفضلهن» (٢).

* س ٢٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ) (٨٨) [سورة الحجر : ٨٨]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «لمّا نزلت هذه الآية (لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ) قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من لم يتعزّ بعزاء الله تقطّعت نفسه على الدنيا حسرات ، ومن رمى ببصره إلى ما في يدي غيره كثر همّه ، ولم يشف غيظه ، ومن لم يعلم أن لله عليه نعمة ، لا في مطعم ولا في مشرب ولا في ملبس (٣) ، فقد قصر عمله ودنا عذابه ، ومن أصبح على الدنيا حزينا أصبح على الله ساخطا ، ومن شكا مصيبة نزلت به فإنّما يشكو ربّه ، ومن دخل النار من هذه الأمّة ممّن قرأ القرآن فهو ممن يتخذ آيات الله هزوا ، ومن أتى ذا ميسرة فتخشّع له طلبا لما في يديه ذهب ثلثا دينه. ثم قال : ولا تعجل ، وليس يكون الرجل ينال من الرجل

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٦ ، ص ١٢٩.

(٢) التهذيب : ج ٢ ، ص ٢٨٩ ، ح ١١٥٧.

(٣) في البحار : ٨٩ ، إلا في مطعم أو ملبس.

٩٣

الرّفق فيبجّله ويوقّره ، فقد يجب ذلك له عليه ، ولكن تراه أنه يريد بتخشّعه ما عند الله ، ويريد أن يحيله عمّا في يديه» (١).

وعن أحدهما عليهما‌السلام ، في قول الله : (لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ).

قال : «إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نزل به ضيقة ، [فاستلف من يهوديّ] فقال اليهودي : والله ما لمحمّد ثاغية ولا راغية (٢) ، فعلام أسلفه؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّي لأمين الله في سمائه وأرضه ، ولو ائتمنني على شيء لأدّيته إليه ـ قال ـ فبعث بدرقة (٣) له ، فرهنها عنده ، فنزلت عليه (وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى)(٤)» (٥).

* س ٢٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ (٨٩) كَما أَنْزَلْنا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ) (٩٠) [سورة الحجر : ٩٠ ـ ٨٩]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسيّ (رحمه‌الله تعالى) : (وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ) ، معناه : وقل إني أنا المعلم بموضع المخافة ليتقي المبين لكم ما تحتاجون إليه ، وما أرسلت به إليكم (كَما أَنْزَلْنا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ) ، قيل : فيه قولان :

__________________

(١) تفسير القمي : ج ١ ، ص ٣٨١.

(٢) الثاغنة : الشاة. «الصحاح ـ ثغا ـ ج ٦ ، ص ٢٢٩٣» ، والراغية : الناقة. «الصحاح ـ رغا ـ ج ٤ ، ص ٢٣٦٠».

(٣) الدرقة : ترس من الجلد. «لسان العرب ـ درق ـ ج ١٠ ، ص ٩٥».

(٤) طه : ١٣١.

(٥) تفسير العياشي : ج ٢ ، ص ٢٥١ ، ح ٤٢.

٩٤

١ ـ إن معناه أنزلنا القرآن عليك كما أنزلنا على المقتسمين ، وهم اليهود والنصارى. (الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ) أي : فرقوه وجعلوه أعضاء كأعضاء الجزور ، فآمنوا ببعضه ، وكفروا ببعضه ، عن قتادة ، قال : آمنوا بما وافق دينهم ، وكفروا بما خالف دينهم.

٢ ـ وقيل : سماهم مقتسمين ، لأنهم اقتسموا كتب الله تعالى فآمنوا ببعضها ، وكفروا ببعضها ، ... والآخر : إن معناه إني أنذركم عذابا كما أنزلنا على المقتسمين الذين اقتسموا طرق مكة ، يصدون عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والإيمان به ، قال مقاتل. وكانوا ستة عشر رجلا بعثهم الوليد بن المغيرة أيام الموسم ، يقولون لمن أتى مكة : لا تغتروا بالخارج منا ، والمدعي النبوة ، فأنزل الله بهم عذابا ، فماتوا شر ميتة ، ثم وصفهم فقال : (الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ) أي جزأوه أجزاء ، فقالوا : سحر ، وقالوا : أساطير الأولين ، وقالوا : مفترى ... (١).

* س ٢٨ : ما هو معنى قوله تعالى :

(الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ (٩١) فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٩٢) عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ) (٩٣) [سورة الحجر : ٩٣ ـ ٩١]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم ، في قوله تعالى : (الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ) قال : قسّموا القرآن ولم يؤلّفوه على ما أنزل الله ، فقال : (لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ)(٢).

وقال أحدهما عليهما‌السلام في (الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ) قال : هم قريش» (٣).

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٦ ، ص ١٣٠ ـ ١٣١.

(٢) تفسير القمي : ج ١ ، ص ٣٧٧.

(٣) تفسير العياشي : ج ٢ ، ص ٢٥١ ، ح ٤٣.

٩٥

* س ٢٩ : ما هو معنى قوله تعالى :

(فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (٩٤) إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (٩٥) الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) (٩٦) [سورة الحجر : ٩٦ ـ ٩٤]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «مكث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمكّة بعد ما جاءه الوحي عن الله تبارك وتعالى ثلاث عشرة سنة ، منها ثلاث سنين مختفيا خائفا لا يظهر حتى أمره الله عزوجل أن يصدع بما أمره به ، فأظهر حينئذ الدّعوة».

وقال الحسين عليه‌السلام : «إنّ يهوديّا من يهود الشام وأحبارهم كان قد قرأ التّوراة والإنجيل والزّبور وصحف الأنبياء عليهم‌السلام وعرف دلائلهم ، أتى إلى المسجد فجلس ، وفيه أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفيهم علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وابن عبّاس ، وأبو معبد الجهني ، فقال : يا أمّة محمد ، ما تركتم لنبيّ درجة ، ولا لمرسل فضيلة إلّا نحلتموها نبيّكم ، فهل تجيبوني عمّا أسألكم عنه؟ فكاع (١) القوم عنه ، فقال عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام : نعم ، ما أعطى الله عزوجل نبيّا درجة ، ولا مرسلا فضيلة إلّا وقد جمعها لمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وزاد محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الأنبياء أضعافا مضاعفة.

فقال له اليهوديّ : فهل أنت مجيبي؟ قال : نعم ، سأذكر لك اليوم من فضائل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما يقرّ الله به أعين المؤمنين ، ويكون فيه إزالة لشكّ الشاكّين في فضائله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إنّه كان إذا ذكر لنفسه فضيلة ، قال : ولا فخر ، وأنا أذكر لك فضائله غير مزر بالأنبياء ، ولا منتقص لهم ، ولكن شكرا لله على ما أعطى محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مثل ما أعطاهم ، وما زاده الله ، وما فضّله عليهم.

فقال اليهوديّ : إني أسألك فأعدّ له جوابا. قال له علي عليه‌السلام : هات ، فذكر له اليهودي ما أعطى الله عزوجل الأنبياء ، فذكر له أمير المؤمنين عليه‌السلام

__________________

(١) كعت عن الشيء أكيع لغة كععت عنه أكعّ إذا هيبته وجبنت عنه. «لسان العرب ـ كوع ـ ج ٨ ، ص ٣١٧».

٩٦

ما أعطى الله عزوجل محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مقابلة ما أعطى الله تعالى الأنبياء ، وزاد محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليهم.

وكان فيما قال له اليهودي : فإنّ هذا موسى بن عمران عليه‌السلام قد أرسله الله إلى فرعون ، وأراه الآية الكبرى. قال له عليّ عليه‌السلام : لقد كان كذلك ، ومحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أرسله إلى فراعنة شتّى مثل : أبي جهل بن هشام ، وعتبة بن ربيعة ، وشيبة ، وأبي البختري ، والنّضر بن الحارث ، وأبيّ بن خلف ، ومنبّه ونبيه ابني الحجّاج ، وإلى الخمسة المستهزئين : الوليد بن المغيرة المخزومي ، والعاص بن وائل السّهمي ، والأسود بن عبد يغوث الزّهري ، والأسود بن المطلب ، والحارث بن الطلاطلة. فأراهم الآيات في الآفاق وفي أنفسهم ، حتى تبين لهم أنّه الحقّ.

قال له اليهوديّ ، لقد انتقم الله عزوجل لموسى عليه‌السلام من فرعون! قال له عليّ عليه‌السلام : لقد كان كذلك ، ولقد انتقم الله جلّ اسمه لمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الفراعنة ، فأمّا المستهزئون ، فقال الله عزوجل : (إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) فقتل الله خمستهم ، كلّ واحد منهم بغير قتلة صاحبه في يوم واحد ، فأمّا الوليد بن المغيرة فمرّ بنبل لرجل من خزاعة قد راشه ووضعه في الطريق ، فأصابته شظيّة منه ، فانقطع أكحله حتى أدماه ، فمات وهو يقول : قتلني ربّ محمّد ، وأمّا العاص بن وائل السّهميّ ، فإنّه خرج في حاجة له إلى موضع فتدهده تحته حجر ، فسقط فتقطّع قطعة قطعة ، فمات وهو يقول : قتلني ربّ محمد ، وأمّا الأسود بن عبد يغوث ، فإنّه خرج يستقبل ابنه زمعة ، فاستظلّ بشجرة ، فأتاه جبرئيل ، فأخذ رأسه فنطح به الشجرة ، فقال لغلامه : امنع هذا عنّي ، فقال : ما أرى أحدا يصنع بك شيئا إلّا نفسك ، فقتله وهو يقول : قتلني ربّ محمّد ، وأمّا الأسود بن المطلب ، فإنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعا عليه أن يعمي الله بصره ، وأن يثكله بولده ، فلمّا كان في ذلك اليوم ، خرج حتّى صار إلى موضع ، أتاه جبرئيل بورقة خضراء ، فضرب بها وجهه فعمي ، وبقي حتّى

٩٧

أثكله الله عزوجل بولده ، وأمّا الحارث بن الطلاطلة ، فإنّه خرج من بيته في السّموم ، فتحول حبشيا ، فرجع إلى أهله ، فقال : أنا الحارث ، فغضبوا عليه وقتلوه ، وهو يقول : قتلني ربّ محمد».

وروي أن الأسود بن الحارث أكل حوتا مالحا ، فأصابه غلبة العطش ، فلم يزل يشرب الماء حتى انشق بطنه فمات وهو يقول : قتلني ربّ محمد.

«كلّ ذلك في ساعة واحدة ، وذلك أنهم كانوا بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالوا له : يا محمّد ، ننتظر بك إلى الظهر ، فإن رجعت عن قولك وإلّا قتلناك. فدخل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأغلق عليه بابه مغتمّا لقولهم ، فأتاه جبرئيل عليه‌السلام عن الله من ساعته ، فقال : «يا محمد ، السّلام يقرأ عليك السّلام ، وهو يقول لك : (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) يعني أظهر أمرك لأهل مكّة ، وادعهم إلى الإيمان. قال : يا جبرئيل ، كيف أصنع بالمستهزئين وما أوعدوني؟ فقال له : (إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) قال : يا جبرئيل ، كانوا الساعة بين يديّ؟ قال : كفيتهم. فأظهر أمره عند ذلك ، وأمّا بقيتهم من الفراعنة ، فقتلوا يوم بدر بالسّيف ، وهزم الله الجمع وولّوا الدّبر» (١).

وقال الطبرسيّ : (الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) أي : اتخذوا معه إلها يعبدونه (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) هذا وعيد لهم ، وتهديد (٢).

* س ٣٠ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ (٩٧) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ) (٩٨) [سورة الحجر : ٩٨ ـ ٩٧]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام لحفص بن غياث : «يا حفص إنّ من

__________________

(١) الاحتجاج : ص ٢١٠.

(٢) مجمع البيان : ج ٦ ، ص ١٣٣.

٩٨

صبر صبر قليلا ، ومن جزع جزع قليلا ، ثمّ قال : عليك بالصّبر في جميع أمورك ، فإن الله عزوجل بعث محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأمره بالصّبر والرّفق ، فقال : (وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ)(١) ، وقال تبارك وتعالى (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ)(٢) فصبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتّى نالوه بالعظائم ورموه بها ، فضاق صدره ، فأنزل الله عزوجل عليه : (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ)(٣).

وقال علي بن إبراهيم ، ثم قال الله : (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ) أي بما يكذبونك ويذكرون الله (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ)(٤).

* س ٣١ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) (٩٩) [سورة الحجر : ٩٩]؟!

الجواب / في كتاب (مصباح الشريعة) : قال الصادق عليه‌السلام : «هلك العاملون إلا العابدون ، وهلك العابدون إلّا العالمون ، وهلك العالمون إلّا الصادقون ، وهلك الصادقون إلّا المخلصون ، وهلك المخلصون إلا المتّقون ، وهلك المتّقون إلا الموقنون ، وإنّ الموقنين لعلى خلق عظيم ، قال الله تعالى : (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ)(٥).

__________________

(١) المزمل : ١٠ و ١١.

(٢) فصلت : ٣٤ و ٣٥.

(٣) الكافي : ج ٢ ، ص ٧١ ، ح ٣.

(٤) تفسير القمي : ج ١ ، ص ٣٨١.

(٥) مصباح الشريعة : ٣٧.

٩٩
١٠٠