التيسير في التفسير للقرآن - ج ٤

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٤

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٥٦

* س ١٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَكانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ وَكانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا) (٥٥) [سورة مريم : ٥٥]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسي (رحمه‌الله تعالى) : وأنه (كانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ)، قال الحسن : أراد بأهله أمته ، والمفهوم من الأهل في الظاهر أقرب أقاربه. و (وَكانَ) مع هذه الأوصاف (عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا) قد رضي أعماله لأنها كلها طاعات لم يكن فيها قبائح. وإنما أراد بذلك أفعاله الواجبات والمندوبات دون المباحات ، لأن المباحات لا يرضاها الله ولا يسخطها. وأصل «مرضي» مرضو فقلبت الضمة كسرة والواو ياء وأدغمت في الياء (١).

* س ١٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا (٥٦) وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا)(٥٧) [سورة مريم : ٥٧ ـ ٥٦]؟!

الجواب / قال أبو جعفر عليه‌السلام : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخبرني جبرائيل عليه‌السلام ، أنّ ملكا من ملائكة الله كانت له عند الله عزوجل منزلة عظيمة ، فغضب عليه ، فأهبط من السماء إلى الأرض ، فأتى إدريس عليه‌السلام ، فقال : إنّ لك من الله منزلة ، فاشفع لي عند ربّك ، فصلّى ثلاث ليال لا يفتر ، وصام أيّامها لا يفطر ، ثمّ طلب إلى الله عزوجل في السّحر ، في الملك.

فقال الملك : إنّك قد أعطيت سؤلك ، وقد أطلق لي جناحي ، وأنا أحبّ أن أكافئك ، فاطلب إليّ حاجة ، فقال : تريني ملك الموت لعلّي آنس به ، فإنّه

__________________

(١) التبيان : ج ٧ ، ص ١٣٣.

٣٢١

ليس يهنئني مع ذكره شيء ، فبسط جناحه ، ثمّ قال : اركب ، فصعد به يطلب ملك الموت في السماء الدنيا ، فقيل له : اصعد ، فاستقبله بين السماء الرابعة والخامسة ، فقال الملك : يا ملك الموت ، ما لي أراك قاطبا؟ قال : العجب أني تحت ظلّ العرش حيث أمرت أن أقبض روح آدمي بين السماء الرابعة والخامسة ، فسمع إدريس عليه‌السلام فامتعض ، فخرّ من جناح الملك ، فقبض روحه مكانه ، وقال الله عزوجل (وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا)(١).

* س ١٨ : ما هو معنى قوله تعالى :

(أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ وَإِسْرائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنا وَاجْتَبَيْنا إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا (٥٨) فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (٥٩) إِلاَّ مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً (٦٠) جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا (٦١) لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلاَّ سَلاماً وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا (٦٢) تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبادِنا مَنْ كانَ تَقِيًّا) (٦٣) [سورة مريم : ٦٣ ـ ٥٨]؟!

الجواب / قال عيسى بن داود النجار : سألت أبا الحسن موسى بن جعفر عن قول الله عزوجل : (أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ) إلى قوله تعالى (خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا).

قال : «نحن ذريّة إبراهيم ، ونحن المحمولون مع نوح ، ونحن صفوة الله ، وأمّا قوله : (وَمِمَّنْ هَدَيْنا وَاجْتَبَيْنا) فهم ـ والله ـ شيعتنا الذين هداهم الله لمودتنا واجتباهم لديننا ، فحيوا عليه ، وماتوا عليه ، ووصفهم الله بالعبادة ،

__________________

(١) الكافي : ج ٣ ، ص ٢٥٧ ، ح ٢٦.

٣٢٢

والخشوع ، ورقّة القلب ، فقال : (إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا) ، ثم قال عزوجل : (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ) ـ قال علي بن إبراهيم : وهو الرديء ، والدليل على ذلك قوله تعالى : (أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا)(١). (غَيًّا) : وهو جبل من صفر يدور في جهنّم ، ثم قال عزوجل : (إِلَّا مَنْ تابَ) من غشّ آل محمد (وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً) إلى قوله : (كانَ تَقِيًّا)(٢).

وقال علي بن إبراهيم القميّ ، وقوله : (جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا لا يَسْمَعُونَ) ـ يعني في الجنّة ـ (لَغْواً إِلَّا سَلاماً وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا) قال : ذلك في جنّات الدنيا قبل القيامة ، والدليل على ذلك قوله : (بُكْرَةً وَعَشِيًّا) فالبكرة والعشيّ لا تكون في الآخرة في جنّات الخلد ، وإنما يكون الغدوّ والعشيّ في جنات الدنيا التي تنتقل إليها أرواح المؤمنين ، وتطلع فيها الشمس والقمر (٣).

* س ١٩ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَما نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا وَما بَيْنَ ذلِكَ وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا) (٦٤) [سورة مريم : ٦٤]؟!

الجواب / قال أمير المؤمنين عليه‌السلام ـ في حديثه في جواب الشاكّ ـ قال : «وأمّا قوله : (وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا) ، فإنّ ربنا تبارك وتعالى علوا كبيرا ليس بالذي ينسى ، ولا يغفل ، بل هو الحفيظ العليم ، وقد يقول العرب في باب

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٨.

(٢) تأويل الآيات : ج ١ ، ص ٣٠٥ ، ح ١٢.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٥٢.

٣٢٣

النسيان : قد نسينا فلان فلا يذكرنا ، أي إنّه لا يأمر لنا بخير ، ولا يذكرنا به» (١).

* س ٢٠ : ما هو معنى قوله تعالى :

(رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) (٦٥) [سورة مريم : ٦٥]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسي (رحمه‌الله تعالى) : وقوله (رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) معناه إن الله تعالى هو المالك المتصرف في السموات والأرض ، ليس لأحد منعه منه (وَما بَيْنَهُما) يعني وله ما بين السموات والأرض.

ثم قال لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (فَاعْبُدْهُ) وحده لا شريك له (وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ) أي أصبر على تحمل مشقة عبادته ، وقال لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) أي مثلا وشبها ...

وقيل المعنى : أنه لا يستحق أحد أن يسمى إلها إلا هو (٢).

* س ٢١ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَيَقُولُ الْإِنْسانُ أَإِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا (٦٦) أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً) (٦٧) [سورة مريم : ٦٧ ـ ٦٦]؟!

الجواب / ١ ـ قال علي بن إبراهيم القميّ : قوله عزوجل يحكي قول الدّهريّة الذين أنكروا البعث ، فقال (وَيَقُولُ الْإِنْسانُ أَإِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا)(٣).

__________________

(١) التوحيد : ص ٢٦٠.

(٢) التبيان : ج ٧ ، ص ١٣٩.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٥٢.

٣٢٤

٢ ـ قال أبو عبد الله عليه‌السلام في قوله تعالى : (أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً) «لا مقدرا ، ولا مكوّنا» (١).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : «لم يكن شيئا في كتاب ، ولا علم» (٢).

* س ٢٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (٦٨) ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا (٦٩) ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلى بِها صِلِيًّا (٧٠) وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا (٧١) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا) (٧٢) [سورة مريم : ٧٢ ـ ٦٨]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم القميّ : ثمّ أقسم عزوجل بنفسه. فقال : (فَوَ رَبِّكَ) يا محمد (لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا) : على ركبهم.

قال : قوله : (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها) ـ [قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «أما تسمع الرجل يقول : وردنا ماء بني فلان ، فهو الورود ، ولم يدخله» (٣) ـ] ـ (كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا) يعني في البحار إذا تحوّلت نيرانا يوم القيامة ، وفي حديث آخر بأنّها منسوخة بقوله : (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ)(٤)» (٥).

__________________

(١) الكافي : ج ١ ، ص ١١٤ ، ح ٥.

(٢) المحاسن : ص ٥٤٣ ، ح ٢٣٤.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٥٢.

(٤) سورة الأنبياء : ١٠١.

(٥) تفسير القمي : ج ٢٦٦ ، ط حجرية.

٣٢٥

* س ٢٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَأَحْسَنُ نَدِيًّا (٧٣) وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَرِءْياً (٧٤) قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضْعَفُ جُنْداً (٧٥) وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ مَرَدًّا) (٧٦) [سورة مريم : ٧٦ ـ ٧٣]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام لأبي بصير في قوله تعالى : (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَأَحْسَنُ نَدِيًّا) «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعا قريشا إلى ولايتنا ، فنفروا وأنكروا ، (قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) من قريش (لِلَّذِينَ آمَنُوا) ، الذين أقروا لأمير المؤمنين عليه‌السلام ولنا أهل البيت (أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَأَحْسَنُ نَدِيًّا) ، تعييرا منهم ، فقال الله ردّا عليهم : (وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ) من الأمم السالفة (هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَرِءْياً).

قال أبو بصير : قلت : قوله : (قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا)؟

قال : «كلهم كانوا في الضلالة لا يؤمنون بولاية أمير المؤمنين عليه‌السلام ، ولا بولايتنا ، فكانوا ضالّين مضلّين ، فيمدّ لهم في ضلالتهم وطغيانهم حتى يموتوا ، فيصيّرهم شرّا مكانا وأضعف جندا».

قلت : قوله : (حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضْعَفُ جُنْداً)؟

قال : «أما قوله : (حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ) فهو خروج القائم عليه‌السلام ،

٣٢٦

والساعة ، فيعلمون ذلك اليوم ، وما نزل بهم من الله على يدي وليه ، فذلك قوله : (مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً) يعني عند القائم عليه‌السلام (وَأَضْعَفُ جُنْداً).

قلت : قوله : (وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً)؟ قال : «يزيدهم ذلك اليوم هدى على هدى ، باتباعهم القائم عليه‌السلام حيث لا يجحدونه أو لا ينكرونه».

[وقال أبو جعفر عليه‌السلام في رواية أبي الجارود ـ : «الأثاث المّتاع ، وأمّا الرّئيا : فالجمال والمنظر الحسن». قال : وقوله : (وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً) ، ردّ على من زعم أنّ الإيمان لا يزيد ولا ينقص ، وقوله : (وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ مَرَدًّا) قال : الباقيات الصالحات ، وهو قول المؤمن : سبحان الله ، والحمد لله ولا إله إلا الله ، والله أكبر»](١).

قلت : قوله تعالى : (لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً)؟ قال : «إلا من دان الله بولاية أمير المؤمنين عليه‌السلام ، والأئمة من بعده ، فهو العهد عند الله» (٢).

* س ٢٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ لَأُوتَيَنَّ مالاً وَوَلَداً (٧٧) أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً (٧٨) كَلاَّ سَنَكْتُبُ ما يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا (٧٩) وَنَرِثُهُ ما يَقُولُ وَيَأْتِينا فَرْداً (٨٠) وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا (٨١) كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا) (٨٢) [سورة مريم : ٨٢ ـ ٧٧]؟!

الجواب / قال أبو جعفر عليه‌السلام ـ في رواية أبي الجارود ـ في قوله تعالى :

__________________

(١) تفسير القمّي : ج ٢ ، ص ٥٢.

(٢) الكافي : ج ١ ، ص ٣٥٧ ، ح ٩٠.

٣٢٧

(أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ لَأُوتَيَنَّ مالاً وَوَلَداً).

«وذلك أنّ العاص بن وائل القرشي ثمّ السهمي ، وهو أحد المستهزئين ، وكان لخبّاب بن الأرت على العاص بن وائل حقّ ، فأتاه يتقاضاه ، فقال له العاص : ألستم تزعمون أن في الجنة الذهب والفضة والحرير؟ قال : بلى ، قال : فموعد ما بيني وبينك الجنّة ، فو الله لأوتين فيها خيرا مما أوتيت في الدنيا يقول الله : (أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً) إلى قوله تعالى (كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا) ، والضد : القرين الذي يقترن به» (١).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام في قوله تعالى : (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا) : «يوم القيامة ، أي يكون هؤلاء الذين اتّخذوهم آلهة من دون الله عليهم ضدّا يوم القيامة ، ويتبرءون منهم ، ومن عبادتهم إلى يوم القيامة».

ثمّ قال : «ليست العبادة هي الركوع والسجود ، وإنما هي طاعة الرجال ، من أطاع مخلوقا في معصية الخالق فقد عبده» (٢).

* س ٢٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا (٨٣) فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا) (٨٤) [سورة مريم : ٨٤ ـ ٨٣]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم في قوله تعالى : (أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا). «لمّا طغوا فيها وفي فتنتها ، وفي طاعتهم ، مدّ لهم في طغيانهم وضلالهم ، وأرسل عليهم شياطين الإنس والجنّ : (تَؤُزُّهُمْ أَزًّا) أي تحثهم حثّا ، وتحضّهم على طاعتهم فقال الله : (فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٥٤.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٥٥.

٣٢٨

عَدًّا) أي في طغيانهم ، وفتنتهم ، وكفرهم (١).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : نزلت في ما نعي الخمس والزكاة والمعروف ، يبعث الله عليهم سلطانا أو شيطانا ، فينفق ما يجب عليه من الزكاة والخمس في غير طاعة الله ، ويعذّبه الله على ذلك.

وقوله تعالى : (فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا) : قال عبد الأعلى مولى آل سام : فقال لي : «ما هو عندك؟» قلت : عدّ الأيام ، قال : «لا ، إنّ الآباء والأمّهات ليحصون ذلك ، ولكن عدد الأنفاس» (٢).

* س ٢٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً (٨٥) وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً) (٨٦) [سورة مريم : ٨٦ ـ ٨٥]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «سأل علي عليه‌السلام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن تفسير قوله : (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً) قال : يا عليّ إن الوفد لا يكون إلا ركبانا ، أولئك رجال اتّقوا الله فأحبّهم ، واختصّهم ورضي أعمالهم ، فسمّاهم الله المتقين ، ثم قال : يا عليّ ، أما والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة ، إنّهم ليخرجون من قبورهم وبياض وجوههم كبياض الثلج ، عليهم ثياب ، بياضها كبياض اللبن ، عليهم نعال الذهب ، شراكها من لؤلؤ يتلألأ» (٣).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في رواية أخرى : «إنّ الملائكة لتستقبلهم بنوق من نوق الجنّة ، عليها رحائل الذهب مكلّلة بالدرّ والياقوت ، وجلالها الإستبرق والسّندس ، وخطامها جدل الأرجوان ، وأزمّتها من زبرجد ، فتطير بهم إلى المحشر ، مع

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٥٥.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٥٣ ، والكافي : ج ٣ ، ص ٢٥٩ ، ح ٣٣.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٥٣.

٣٢٩

كلّ رجل منهم ألف ملك من قدّامة ، وعن يمينه ، وعن شماله ، يزفّونهم زفّا حتى ينتهوا بهم إلى باب الجنّة الأعظم.

وعلى باب الجنّة شجرة ، الورقة منها يستظلّ تحتها مائة ألف من الناس ، وعن يمين الشجرة عين مطهّرة مزكيّة ، فيسقون منها شربة. فيطهّر الله قلوبهم من الحسد ، ويسقط عن أبشارهم الشعر ، وذلك قوله تعالى : (وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً)(١) من تلك العين المطهّرة ، ثم يرجعون إلى عين أخرى عن يسار الشجرة ، فيغتسلون منها وهي عين الحياة ، فلا يموتون أبدا.

ثم يوقف بهم قدّام العرش ، وقد سلموا من الآفات والأسقام ، والحرّ والبرد أبدا. قال : فيقول الجبّار للملائكة الذين معهم : احشروا أوليائي إلى الجنّة ، ولا توقفوهم مع الخلائق ، فقد سبق رضاي عنهم ، ووجبت رحمتي لهم ، فكيف أريد أن أوقفهم مع أصحاب الحسنات والسيئات؟! فتسوقهم الملائكة إلى الجنة ، فإذا انتهوا إلى باب الجنة الأعظم ضرب الملائكة الحلقة ضربة ، فتصرّ صريرا ، فيبلغ صوت صريرها كلّ حوراء خلقها الله وأعدّها لأوليائه ، فيتباشرن إذا سمعن صرير الحلقة ، ويقول بعضهن لبعض : قد جاءنا أولياء الله ، فيفتح لهم الباب ، فيدخلون الجنّة. ويشرف عليهم أزواجهم من الحور العين والآدميّات ، فيقلن : مرحبا بكم ، فما كان أشدّ شوقنا إليكم! ويقول لهنّ أولياء الله مثل ذلك.

فقال عليّ عليه‌السلام : من هؤلاء ، يا رسول الله؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يا عليّ ، هؤلاء شيعتك والمخلصون في ولايتك ، وأنت إمامهم ، وهو قول الله عزوجل (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً) على الرّحائل (وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً)(٢).

__________________

(١) الإنسان : ٢١.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٥٣.

٣٣٠

* س ٢٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلاَّ مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً) (٨٧) [سورة مريم : ٨٧]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «لا يشفع ولا يشفع لهم ، ولا يشفعون (إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً) إلّا من أذن له بولاية علي أمير المؤمنين والأئمة عليهم‌السلام من بعده ، فهو العهد عند الله» (١).

* س ٢٨ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً (٨٨) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا (٨٩) تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا (٩٠) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً (٩١) وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً (٩٢) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً (٩٣) لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (٩٤) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً) (٩٥) [سورة مريم : ٩٥ ـ ٨٥]؟!

الجواب / قال أبو بصير : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : قوله : (وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً).

قال : «هذا حيث قال قريش : إنّ لله ولدا ، وإنّ الملائكة إناث ، فقال الله تبارك وتعالى ردّا عليهم : (لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا) أي ظلما ـ وفي نسخة «عظيما» ـ (تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ) ، يعني مما قالوا ومما موهوا به (وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا) مما قالوا (أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً) فقال الله تبارك وتعالى : (وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٥٦.

٣٣١

الْقِيامَةِ فَرْداً) واحدا واحدا» (١).

* س ٢٩ : ما هو معنى قوله تعالى :

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا (٩٦) فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا (٩٧) وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً) (٩٨) [سورة مريم : ٩٨ ـ ٩٦]؟!

الجواب / ١ ـ ٢ ـ قال أبو بصير : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : قوله : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا)؟ قال : «ولاية أمير المؤمنين عليه‌السلام هي الودّ الذي قال الله تعالى» (٢).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام لأبي حمزة الثمالي : «آمنوا بأمير المؤمنين عليه‌السلام : وعملوا الصالحات بعد المعرفة» (٣).

٣ ـ قال أبو بصير : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : قوله : (فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا)؟

قال : «إنما يسره الله على لسانه حين أقام أمير المؤمنين عليه‌السلام علما ، فبشّر به المؤمنين ، وأنذر به الكافرين ، وهم الذين ذكرهم الله في كتابه لدّا ، أي كفارا» (٤).

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٥٧.

(٢) الكافي : ج ١ ، ص ٣٥٧ ، ح ٩٠ ، ونفس المضمون في تأويل الآيات : ج ١ ، ص ٣٠٨ ، ح ١٧ ، النور المشتعل : ص ١٢٩ ، ح ٣٤ ، شواهد التنزيل : ج ١ ، ص ٣٦٤ ، ح ٥٠٠ و ٥٠١. ومجمع الزوائد : ج ٩ ، ص ١٢٥ ، الدر المنثور : ج ٥ ، ص ٥٤٤ ، الكشاف : ج ٣ ، ص ٤٧ وغيرها.

(٣) تأويل الآيات : ج ١ ، ص ٣٠٨ ، ح ١٦.

(٤) الكافي : ج ١ ، ص ٣٥٧ ، ح ٩٠.

٣٣٢

وقال الباقر عليه‌السلام في قوله تعالى : (وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا) : «بني أميّة قوما ظلمة» (١).

٣ ـ قال أبو عبد الله عليه‌السلام لأبي بصير ـ في هذه الآية أي [مريم : ٩٨] ـ : «أهلك الله من الأمم ما لا يحصون ، فقال يا محمد (هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً) أي ذكرا» (٢).

__________________

(١) روضة الواعظين : ص ١٠٦.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٥٧.

٣٣٣
٣٣٤

تفسير

سورة طه

رقم السورة ـ ٢٠ ـ

٣٣٥
٣٣٦

سورة طه

* س ١ : ما هو فضل سورة طه؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «لا تدعوا قراءة سورة طه ، فإنّ الله يحبّها ويحبّ من يقرأها ، ومن أدمن قراءتها أعطاه الله يوم القيامة كتابه بيمينه ، ولم يحاسبه بما عمل في الإسلام ، وأعطي في الآخرة من الأجر حتى يرضى» (١).

وقال عليه‌السلام أيضا : «من كتبها وجعلها في خرقة حرير خضراء ، وراح إلى قوم يريد التزويج منهم تمّ له ذلك ووقع ، وإن قصد في إصلاح قوم تمّ له ذلك ، ولم يخالفه أحد منهم ، وإن مشى بين عسكرين افترقا ولم يقاتل بعضهم بعضا ، وإذا شرب ماءها المظلوم من السّلطان ، ودخل على من ظلمه من أيّ السلاطين ، زال عنه ظلمه بقدرة الله تعالى ، وخرج من عنده مسرورا ، وإذا اغتسلت بمائها من لا طالب لعرسها خطبت ، وسهل عرسها بإذن الله تعالى» (٢).

* س ٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(طه (١) ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى (٢) إِلاَّ تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى) (٣) [سورة طه : ٣ ـ ١]؟!

الجواب / قال سفيان بن سعيد الثوري قلت : لجعفر بن محمد عليه‌السلام ، ما

__________________

(١) ثواب الأعمال : ص ١٠٨.

(٢) خواص القرآن : ص ٤ «قطعة منه».

٣٣٧

معنى قول الله عزوجل : (طه)؟

قال : «طه اسم من أسماء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومعناه : يا طالب الحقّ الهادي إليه (ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى) بل لتسعد به» (١).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا صلّى قام على أصابع رجليه حتى تورّمت ، فأنزل الله تبارك وتعالى : (طه) بلغة طيّئ ، يا محمد (ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى)(٢).

وقال الطبرسيّ في (الاحتجاج) : عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وقد سأله بعض اليهود ، قال له اليهودي : فإنّ هذا داود عليه‌السلام ، بكى على خطيئته حتى سارت الجبال معه لخوفه.

قال له عليّ عليه‌السلام : «لقد كان كذلك ، ومحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعطي ما هو أفضل من هذا ، إنه كان إذا قام إلى الصلاة ، سمع لصدره أزير كأزير المرجل على الأثافي (٣) من شدّة البكاء ، وقد آمنه الله عزوجل من عقابه ، فأراد أن يتخشّع لربّه ببكائه ، ويكون إماما لمن اقتدى به ، ولقد قام صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عشر سنين على أطراف أصابعه ، حتى تورّمت قدماه ، واصفرّ وجهه ، يقوم الليل أجمع حتى عوتب في ذلك ، فقال الله عزوجل : (طه ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى) بل لتسعد به ، ولقد كان يبكي حتى يغشى عليه ، فقيل له : يا رسول الله ، أليس الله عزوجل قد غفر لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر؟ قال : بلى ، أفلا أكون عبدا شكورا؟» (٤).

__________________

(١) معاني الأخبار : ص ٢٢ ، ح ١.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٥٧.

(٣) الأثافي : واحدتها أثفية ، وهي الحجر يوضع عليه القدر. «أقرب الموارد ـ ألف ـ ج ١ ، ص ٤».

(٤) الاحتجاج : ص ٢١٩.

٣٣٨

وقال روي أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يرفع إحدى رجليه في الصلاة ليزيد تعبه ، فأنزل الله تعالى : (طه ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى) فوضعها ، قال : وروي ذلك عن أبي عبد الله عليه‌السلام (١).

* س ٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(تَنْزِيلاً مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّماواتِ الْعُلى) (٤) [سورة طه : ٤]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسي (رحمه‌الله تعالى) : وقوله (تَنْزِيلاً مِمَّنْ) معناه نزل تنزيلا. وقيل تقديره «إلا تذكرة ... «تنزيلا ممن خلق الأرض والسموات العلى» أي أبدعهن وأحدثهن و «العلى» جمع عليا ، مثل ظلمة وظلم ، وركبة وركب ، ومثل الدنيا والدنى ، والقصوى والقصى (٢).

* س ٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) (٥) [سورة طه : ٥]؟!

الجواب / قال عبد الرحمن بن الحجّاج : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) فقال : «استوى في كلّ شيء ، فليس شيء أقرب إليه من شيء ، لم يبعد منه بعيد ولم يقرب منه قريب ، استوى في كل شيء» (٣).

وقال أبو بصير : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «من زعم أن الله من شيء ، أو في شيء أو على شيء ، فقد كفر».

قلت فسّر لي. قال : «أعني بالحواية من الشيء له ، أو بإمساك له ، أو

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٤.

(٢) التبيان : ج ٧ ، ص ١٥٩.

(٣) الكافي : ج ١ ، ص ٩٩ ، ح ٨. والتوحيد : ص ٣١٥ ، ح ٢.

٣٣٩

من شيء سبقه».

وفي رواية أخرى : «من زعم أن الله من شيء فقد جعله محدثا ، ومن زعم أنّه في شيء فقد جعله محصورا ، وزعم أنه على شيء فقد جعله محمولا» (١).

وقال حنان بن سدير : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن العرش والكرسي.

فقال : «إنّ للعرش صفات كثيرة مختلفة ، له في كل سبب وضع في القرآن صفة على حدة ، فقوله : (رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) يقول : ربّ الملك العظيم ، وقوله : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) يقول : على الملك احتوى» (٢).

* س ٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَما تَحْتَ الثَّرى) (٦) [سورة طه : ٦]؟!

الجواب / سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن الأرض ، على أي شيء هي؟ قال : «على الحوت» فقيل له : فالحوت ، على أيّ شيء هو؟ قال : «على الماء». فقيل له : فالماء ، على أي شيء هو؟ قال : «على الثّرى» قيل له : فالثّرى ، على أيّ شيء هو؟ قال : «عند ذلك انقضى علم العلماء» (٣).

* س ٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى) (٧) [سورة طه : ٧]؟!

الجواب / قال محمد بن مسلم : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزّ

__________________

(١) الكافي : ج ١ ، ص ٩٩ ، ح ٩ ، والتوحيد : ص ٣١٧ ، ح ٥ و ٦.

(٢) التوحيد : ص ٣٢١ ، ح ١.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٥٨.

٣٤٠