التيسير في التفسير للقرآن - ج ٤

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٤

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٥٦

في وصيك» (١).

وقصّة آدم عليه‌السلام ، قد تقدّمت الروايات فيها في سورة البقرة والأعراف (٢).

* س ٣٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(فَأَكَلا مِنْها فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى (١٢١) ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى) (١٢٢) [سورة طه : ١٢٢ ـ ١٢١]؟!

الجواب / وردت روايات عديدة عن طريق أهل البيت عليهم‌السلام في هاتين الآيتين نذكر منها :

١ ـ قال أبو الصّلت الهروي : لما جمع المأمون لعلي بن موسى الرضا عليه‌السلام أهل المقالات من أهل الإسلام ومن الديانات : من اليهود والنصارى والمجوس والصابئين وسائر أهل المقالات ، فلم يقم أحد إلا وقد ألزمه حجّته كأنه ألقم حجرا ، قام إليه علي بن محمد بن الجهم ، فقال : يا بن رسول الله ، أتقول بعصمة الأنبياء؟

قال : «نعم».

قال : فما تقول في قول الله تعالى : (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى)؟

فقال الرضا عليه‌السلام : «ويحك ـ يا عليّ ـ اتق الله ، ولا تنسب إلى أنبياء الله الفواحش ، ولا تتأوّل كتاب الله برأيك ، فإن الله عزوجل قد قال : (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ)(٣)». وقال عليه‌السلام : «أمّا قوله عزوجل في

__________________

(١) الكافي : ج ١ ، ص ٣٥٣ ، ح ٧٣.

(٢) تقدمت في تفسير الآيات (٣٠ ـ ٣٦) من سورة البقرة ، والآيات (١٩ ـ ٢١) من سورة الأعراف.

(٣) آل عمران : ٧.

٣٨١

آدم : (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى) فإن الله عزوجل خلق آدم عليه‌السلام حجّة في أرضه وخليفة في بلاده ، لم يخلقه للجنّة ، وكانت المعصية من آدم عليه‌السلام في الجنّة لا في الأرض [وعصمته يجب أن تكون في الأرض] لتتمّ مقادير أمر الله عزوجل ، فلمّا أهبط إلى الأرض وجعله حجّة وخليفة ، عصمه بقوله عزوجل : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ)(١)». الحديث بطوله (٢).

٢ ـ قال علي بن محمد بن الجهم : حضرت مجلس المأمون وعنده الرضا علي بن موسى عليهما‌السلام ، فقال له المأمون : يا بن رسول الله ، أليس من قولك أنّ الأنبياء معصومون؟ قال : «بلى».

قال : فما تقول في قول الله عزوجل : (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى)؟

قال عليه‌السلام : «إنّ الله تعالى قال لآدم عليه‌السلام : (اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ)(٣) وأشار لهما إلى شجرة الحنطة (فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ)(٤) ، ولم يقل لهما لا تأكلا من هذه الشجرة ولا ممّا كان من جنسها ، فلم يقربا تلك الشجرة ، ولم يأكلا منها ، وإنما أكلا من غيرها لمّا أن وسوس الشيطان إليهما ، وقال : (ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ)(٥) ، وإنما نهاكما عن أن تقربا غيرها ، ولم ينهكما عن الأكل منها (إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ)(٦) ، ولم يكن آدم وحواء شاهدا قبل ذلك من يحلف بالله كاذبا (فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ)(٧) ، فأكلا منها ثقة بيمينه بالله وكان ذلك من آدم عليه‌السلام قبل النبوة ، ولم يكن ذلك بذنب

__________________

(١) آل عمران : ٣٣.

(٢) عيون أخبار الرضا : ج ١ ، ص ١٩١ ، ح ١.

(٣) البقرة : ٣٥.

(٤) البقرة : ٣٥.

(٥) الأعراف : ٢٠.

(٦) الأعراف : ٢٠ و ٢١.

(٧) الأعراف : ٢٢.

٣٨٢

كبير يستحق به دخول النار ، وإنما كان من الصّغائر الموهوبة التي تجوز على الأنبياء قبل نزول الوحي عليهم ، فلما اجتباه الله تعالى وجعله نبيّا كان معصوما لا يذنب صغيرة ولا كبيرة ، قال الله عزوجل : (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى) وقال عزوجل : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ)(١)» (٢).

* س ٣٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى (١٢٣) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى (١٢٤) قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً (١٢٥) قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى (١٢٦) وَكَذلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقى) (١٢٧) [سورة طه : ١٢٧ ـ ١٢٣]؟!

الجواب / قال علي بن عبد الله : سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى).

قال : «من قال بالأئمة واتّبع أمرهم ولم يجز طاعتهم» (٣).

[وقال الإمام علي عليه‌السلام : «واعلموا أن المعيشة الضّنك التي قالها تعالى : (فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً) هي عذاب القبر» (٤).

وقال معاوية بن عمّار : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام قوله : (فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً)؟

__________________

(١) آل عمران : ٣٣.

(٢) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ج ١ ، ص ١٩٥ ، ح ١.

(٣) الكافي : ج ١ ، ص ٣٤٢ ، ح ١٠.

(٤) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج ٦ ، ص ٩٦.

٣٨٣

قال : «هي ـ والله ـ للنصّاب» قال : جعلت فداك ، قد رأيناهم دهرهم الأطول في كفاية ، حتى ماتوا ، قال : «ذلك ـ والله ـ في الرّجعة ، يأكلون العذرة» (١)].

قلت : (وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى)؟ قال : «يعني أعمى البصر في القيامة ، أعمى القلب في الدنيا عن ولاية أمير المؤمنين عليه‌السلام ـ قال ـ وهو متحيّر في القيامة ، يقول : (قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا) ، قال : الآيات الأئمّة عليهم‌السلام ، (فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى) يعني تركتها ، وكذلك اليوم تترك في النار كما تركت الأئمة عليهم‌السلام ، فلم تطع أمرهم ، ولم تسمع قولهم».

قلت : (وَكَذلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقى)؟ قال : «يعني من أشرك بولاية أمير المؤمنين عليه‌السلام غيره ، ولم يؤمن بآيات ربه ، وترك الأئمّة معاندة فلم يتّبع آثارهم ولم يتولّهم» (٢).

* س ٣٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى (١٢٨) وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزاماً وَأَجَلٌ مُسَمًّى (١٢٩) فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرافَ النَّهارِ لَعَلَّكَ تَرْضى (١٣٠) وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى) (١٣١) [سورة طه : ١٣١ ـ ١٢٨]؟!

الجواب / قال أبو جعفر عليه‌السلام في قوله : (أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ) : «يبيّن لهم» (٣).

__________________

(١) الرجعة للميرزا محمد مؤمن الاسترآبادي : ٦ «مخطوط».

(٢) الكافي : ج ١ ، ص ٣٦١ ، ح ٩٢.

(٣) تفسير القميّ : ج ٢ ، ص ٦٧.

٣٨٤

وقال أبو الحسن موسى بن جعفر عليهما‌السلام : «قال الله عزوجل : (أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى) وهم الأئمة من آل محمد عليهم‌السلام ، وما كان في القرآن مثلها ، ويقول الله عزوجل : (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزاماً).

قال أبو جعفر عليه‌السلام : «اللّزام الهلاك» (١) ... وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «كان ينزل بهم العذاب ، ولكن قد أخّرهم إلى أجل مسمّى» (٢).

(وَأَجَلٌ مُسَمًّى فَاصْبِرْ) ، يا محمد ، نفسك وذريّتك (عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها).

ومعنى قوله : «وما كان في القرآن مثلها» أي مثل (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى) ، وكل ما يجيء في القرآن من ذكر أولي النهى فهم الأئمة عليهم‌السلام (٣).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : وقوله : (وَأَطْرافَ النَّهارِ) قال : «الغداة والعشيّ». وقال أبو جعفر عليه‌السلام : «يعني تطوّع بالنهار» (٤).

وقوله تعالى (وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى) قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «لمّا نزلت هذه الآية ، استوى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جالسا ، ثمّ قال : من لم يتعزّ بعزاء الله تقطّعت نفسه على الدنيا حسرات ، ومن اتبع بصره ما في أيدي الناس طال همّه ولم يشف غيظه ، ومن لم يعرف أن لله عليه نعمة إلا في مطعم أو مشرب قصر أجله ودنا عذابه» (٥).

__________________

(١) تفسير القميّ : ج ٢ ، ص ٦٧.

(٢) نفس المصدر : ج ٢ ، ص ٦٦.

(٣) تأويل الآيات : ج ١ ، ص ٣٢٠ ، ح ١٩.

(٤) الكافي : ج ٣ ، ص ٤٤٤ ، ح ١١.

(٥) تفسير القميّ : ج ٢ ، ص ٦٦.

٣٨٥

وقال إسماعيل بن الفضل ، سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها).

فقال : «فريضة على كل مسلم أن يقول قبل طلوع الشمس عشر مرّات وقبل غروبها عشر مرات : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، يحيي ويميت ، وهو حي لا يموت ، وهو على كلّ شيء قدير».

قال : فقلت : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، يحيي ويميت ، ويميت ويحيي؟ فقال : «يا هذا لا شك في أنّ الله يحيي ويميت ، ويميت ويحيي ، ولكن قل كما أقول» (١).

* س ٣٨ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى (١٣٢) وَقالُوا لَوْ لا يَأْتِينا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى (١٣٣) وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقالُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزى (١٣٤) قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدى) (١٣٥) [سورة طه : ١٣٥ ـ ١٣٢]؟!

الجواب / قال الريان بن الصلت : حضر الرضا عليه‌السلام مجلس المأمون بمرو ، وقد اجتمع في مجلسه جماعة من علماء أهل العراق وخراسان ـ وساق الحديث إلى أن قال ـ فقال المأمون : هل فضّل الله العترة على سائر الناس؟ فقال أبو الحسن عليه‌السلام : إنّ الله تعالى فضّل العترة على سائر الناس في محكم كتابه».

__________________

(١) الخصال : ص ٤٥٢ ، ح ٥٨.

٣٨٦

فقال له المأمون : وأين ذلك من كتاب الله؟

فقال الرضا عليه‌السلام : «في قوله تعالى (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)(١) ، وقال عزوجل في موضع آخر : (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً)(٢) ثمّ ردّ المخاطبة في أثر هذا إلى سائر المؤمنين ، فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ)(٣) يعني الذين يرثهم الكتاب والحكمة وحسدوا عليها ، فقوله تعالى : (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً) يعني الطاعة للمصطفين الطاهرين ، فالملك ها هنا هو الطاعة لهم».

قالت العلماء : فأخبرنا : هل فسّر الله تعالى الاصطفاء في الكتاب؟

فقال الرضا عليه‌السلام : «فسّر الاصطفاء في الظاهر سوى الباطن في اثني عشر موطنا وموضعا ـ وساق الحديث بذكر المواضع إلى أن قال ـ وأمّا الثانية عشر ، فقوله عزوجل : (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها) فخصصنا الله تعالى بهذه الخصوصية ، إذ أمرنا مع الأمّة بإقامة الصلاة ثمّ خصصنا من دون الأمّة ، فكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يجيء إلى باب عليّ وفاطمة (صلوات الله عليهما) ، بعد نزول هذه الآية تسعة أشهر ، كل يوم عند حضور كلّ صلاة ، خمس مرات ، فيقول : الصلاة رحمكم الله ، وما أكرم الله أحدا من ذراري الأنبياء عليهم‌السلام بمثل هذه الكرامة بها وخصصنا من دون جميع أهل بيتهم».

فقال المأمون والعلماء : جزاكم الله ـ أهل بيت نبيّكم ـ عن هذه الأمّة

__________________

(١) آل عمران : ٣٣ و ٣٤.

(٢) النساء : ٥٤.

(٣) النساء : ٥٩.

٣٨٧

خيرا ، فما نجد الشرح والبيان فيما اشتبه علينا إلّا عندكم (١).

وقال علي بن إبراهيم أيضا : قوله تعالى : (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ) أي أمّتك (وَاصْطَبِرْ عَلَيْها لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى) قال : المتقين ، فوضع الفعل مكان المفعول.

قال : وأمّا قوله : (قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا) أي انتظروا أمرا (٢).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «نحن ـ والله ـ سبيبل الله الذي أمر الله باتّباعه ، ونحن ـ والله ـ الصراط المستقيم ، ونحن ـ والله ـ الذين أمر الله العباد بطاعتهم ، فمن شاء فليأخذ من هنا ، ومن شاء فليأخذ من هناك ، ولا تجدون والله عنّا محيصا» (٣).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام في قوله تعالى : (فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدى).

قال : «عليّ عليه‌السلام صاحب الصراط السويّ (وَمَنِ اهْتَدى) أي إلى ولايتنا أهل البيت» (٤).

وقال زرّ بن حبيش : سمعت أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) يقول : «إذا دخل الرجل حفرته أتاه ملكان ، اسمهما : منكر ونكير ، فأوّل ما يسألانه عن ربّه ، ثم عن نبيّه ، ثم عن وليّه ، فإن أجاب نجا ، وإن تحيّر عذّباه».

فقال رجل : فما حال من عرف ربّه ونبيّه ، ولم يعرف وليّه؟ قال «مذبذب لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً)(٥) ،

__________________

(١) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ج ١ ، ص ٢٢٨ ، ح ١.

(٢) تفسير القميّ : ج ٢ ، ص ٦٦.

(٣) تفسير القميّ : ج ٢ ، ص ٦٦.

(٤) تأويل الآيات : ج ١ ، ص ٣٢٣ ، ح ٢٥.

(٥) النساء : ٨٨ و ١٤٣.

٣٨٨

فذلك لا سبيل له.

وقد قيل للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من ولي الله يا نبي الله؟

فقال : وليّكم في هذا الزمان علي عليه‌السلام ومن بعده وصيّه ولكل زمان عالم يحتجّ الله به ، لئلا يكون كما قال الضّلال قبلهم حين فارقتهم أنبياؤهم : (رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزى) ، بما كان من ضلالتهم وهي جهالتهم بالآيات وهم الأوصياء ، فأجابهم الله عزوجل : (قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدى).

وإنّما كان تربصهم أن قالوا : نحن في سعة من معرفة الأوصياء حتى نعرف إماما ، فعيّرهم الله بذلك ، فالأوصياء هم أصحاب الصّراط ، وقوفا عليه لا يدخل الجنة إلا من عرفهم وعرفوه ، ولا يدخل النار إلا من أنكرهم وأنكروه ، لأنّهم عرفاء الله عزوجل ، عرّفهم عليهم عند أخذه المواثيق عليهم ، ووصفهم في كتابه ، فقال عزوجل : (الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ)(١) ، وهم الشهداء على أوليائهم والنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الشهيد عليهم ، أخذ لهم مواثيق العباد بالطاعة ، وأخذ النبيّ عليهم الميثاق بالطاعة ، فجرت نبوّته عليهم ، وذلك قول الله عزوجل : (فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً)(٢)» (٣).

__________________

(١) الأعراف : ٤٦.

(٢) النساء : ٤١ و ٤٢.

(٣) مختصر بصائر الدرجات : ص ٥٣.

٣٨٩
٣٩٠

تفسير

سورة الأنبياء

رقم السورة ـ ٢١ ـ

٣٩١
٣٩٢

سورة الأنبياء

* س ١ : ما هو فضل سورة الأنبياء؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «من قرأ سورة الأنبياء حبّا لها كان كمن رافق النبيّين أجمعين في جنات النعيم ، وكان مهيبا في أعين الناس حياة الدنيا» (١).

ومن خواصّ القرآن : روي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنّه قال : «من قرأ هذه السورة حاسبه الله حسابا يسيرا ، وصافحه وسلّم عليه كلّ نبي ذكر فيها ، ومن كتبها في رقّ ظبي وجعلها في وسطه ونام ، لم يستيقظ من رقاده إلا وقد رأى عجائب ممّا يسرّ بها قلبه بإذن الله تعالى» (٢).

وعن الصادق عليه‌السلام : «من كتبها في رقّ ظبي وجعلها في وسطه ونام ، لم يستيقظ حتى يرفع الكتاب عن وسطه ، وهذا يصلح للمرضى ، ومن طال سهره من فكر ، أو خوف ، أو مرض ، فإنه يبرأ بإذن الله تعالى» (٣).

* س ٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (١) ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ) (٢) [سورة الأنبياء : ٢ ـ ١]؟!

الجواب / قال عليّ بن إبراهيم ، في قوله تعالى : (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ

__________________

(١) ثواب الأعمال : ص ١٠٨.

(٢) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٦١ «قطعة منه».

(٣) خواص القرآن : ص ٤٥ «مخطوط».

٣٩٣

وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ) قال : قربت القيامة والساعة والحساب ، ثم كنّى عن قريش ، فقال : (ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ) قال : من التلهّي (١).

* س ٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هذا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (٣) قالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٤) بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ (٥) ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ) (٦) [سورة الأنبياء : ٦ ـ ٣]؟!

الجواب / قال أبو جعفر عليه‌السلام : «ما ألقوه في صدورهم من العداوة لأهل بيتك والظلم بعدك ، وهو قول الله عزوجل : (وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ)(٢).

وقال علي بن إبراهيم : قوله تعالى : (أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ) : أي تأتون محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو ساحر ، ثم قال : قل لهم ، يا محمّد (رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ) أي ما يقال في السماء والأرض ، ثمّ حكى الله قول قريش ، فقال (بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَراهُ) أي هذا الذي يخبرنا به محمد يراه في النوم ، وقال بعضهم : بل افتراه. أي يكذب ، وقال بعضهم : (بَلْ هُوَ شاعِرٌ فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ) ، فردّ الله عليهم ، فقال : (ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ) قال : كيف يؤمنون ولم يؤمن من كان قبلهم بالآيات حتى هلكوا (٣)!

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٦٧.

(٢) الكافي : ج ٨ ، ص ٣٧٩ ، ح ٥٧٤.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٦٧.

٣٩٤

* س ٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (٧) [سورة الأنبياء : ٧]؟!

الجواب / ١ ـ قال الشيخ الطبرسي (رحمه‌الله تعالى) : (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ) يا محمد (إِلَّا رِجالاً) هذا جواب لقولهم : (هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) والمعنى : لم نرسل قبلك يا محمد إلا رجالا من بني آدم (نُوحِي إِلَيْهِمْ) لا ملائكة ، لأن الشكل إلى الشكل أميل ، وبه أنس ، وعنه أفهم ، ومن الأنفة منه أبعد (١).

٢ ـ قال زرارة : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام ، في قوله : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) من المعنون بذلك؟ فقال : «نحن والله». فقلت : فأنتم المسؤولون؟

قال : «نعم».

قلت : ونحن السائلون؟

قال : «نعم».

قلت : فعلينا أن نسألكم؟

قال : «نعم».

قلت : وعليكم أن تجيبونا؟

قال : «لا ، ذاك إلينا ، إن شئنا فعلنا ، وإن شئنا تركنا ـ ثم قال ـ (هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ)(٢)» (٣).

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٧٣.

(٢) سورة ص : ٣٩.

(٣) تفسير القميّ : ج ٢ ، ص ٦٨.

٣٩٥

وقال محمد بن مسلم ، قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : إن من عندنا يزعمون أن قول الله عزوجل : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) ، أنّهم اليهود والنصارى؟

قال : «إذن يدعونكم إلى دينهم». ثمّ قال : ثمّ أومأ بيده إلى صدره ، وقال : «نحن أهل الذكر ، ونحن المسؤولون».

وللذكر معنيان : النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقد سمي ذكرا ، لقوله تعالى : (ذِكْراً رَسُولاً)(١). والقرآن ، لقوله تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ)(٢) وهم (صلوات الله عليهم) أهل القرآن وأهل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣).

* س ٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَما كانُوا خالِدِينَ (٨) ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْناهُمْ وَمَنْ نَشاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ) (٩) [سورة الأنبياء : ٩ ـ ٨]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي (رحمه‌الله تعالى) : (وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَما كانُوا خالِدِينَ) أي : باقين لا يموتون. هذا رد لقولهم : (ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ) ومعناه : ما جعلنا الأنبياء قبلك أجسادا لا يأكلون الطعام ، ولا يموتون ، حتى يكون أكلك الطعام ، وشربك ، وموتك ، علة في ترك الإيمان بك ، فإنا لم نخرجهم عن حد البشرية بالوحي. قال الكلبي : الجسد المسجد الذي فيه الروح ، ويأكل ويشرب. فعلى هذا يكون ما يأكل ويشرب جسما. وقال مجاهد : الجسد ما لا يأكل ولا يشرب. فعلى هذا يكون ما يأكل ويشرب نفسا (٤).

__________________

(١) الطلاق : ١٠ و ١١.

(٢) الحجر : ٩.

(٣) تأويل الآيات : ج ١ ، ص ٣٢٤ ، ح ٣.

(٤) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٧٤.

٣٩٦

* س ٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ) (١٠) [سورة الأنبياء : ١٠]؟!

الجواب / قال أبو الحسن موسى بن جعفر عليهما‌السلام في قول الله عزوجل : (لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ) : «الطاعة للإمام بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم».

قال بعض العلماء : معنى ذلك أن الذي ذكركم وشرفكم وعزّكم هو طاعة الإمام الحق بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١).

* س ٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً وَأَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ (١١) فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ (١٢) لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ (١٣) قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (١٤) فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ) (١٥) [سورة الأنبياء : ١٥ ـ ١١]؟!

الجواب / قال بدر بن خليل الأسدي : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول في قول الله عزوجل : (فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ).

قال : «إذا قام القائم عليه‌السلام وبعث إلى بني أميّة بالشام ، هربوا إلى الروم ، فيقول لهم الروم : لا ندخلنّكم حتى تنتصّروا ، فيعلّقون في أعناقهم الصّلبان فيدخلونهم ، فإذا نزل بحضرتهم أصحاب القائم عليه‌السلام ، طلبوا الأمان والصلح ، فيقول أصحاب القائم عليه‌السلام : «لا نفعل حتى تدفعوا إلينا من قبلكم منا ـ قال ـ فيدفعونهم إليهم ، فذلك قوله : (لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ

__________________

(١) تأويل الآيات : ج ١ ، ص ٣٢٥ ، ح ٥.

٣٩٧

فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ) ، قال : يسألونهم الكنوز ، ولهم علم بها ـ قال ـ فيقولون : (يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ) بالسيف (١)» (٢).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام في قوله (خامِدِينَ) : لا تبقى منهم عين تطرف» (٣).

وقال سعيد بن المسيب : كان علي بن الحسين عليهما‌السلام يعظ الناس ، ويزهّدهم في الدنيا ، ويرغّبهم في أعمال الآخرة بهذا الكلام في كلّ جمعة في مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وحفظ عنه وكتب ـ وذكر الحديث إلى أن قال عليه‌السلام : «ولقد أسمعكم الله في كتابه ما قد فعل بالقوم الظالمين من أهل القرى قبلكم ، حيث قال : (وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً) ، وإنما عنى بالقرية أهلها ، حيث يقول (وَأَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ) فقال الله عزوجل : (فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ) يعني يهربون ، قال : (لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ) ، فلمّا أتاهم العذاب (قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ) وأيم الله إن هذه موعظة لكم وتخويف إن اتّعظتم وخفتم.

ثمّ رجع القول من الله في الكتاب على أهل المعاصي والذنوب ، فقال الله عزوجل : (وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ)(٤). فإن قلتم ـ أيها الناس ـ إن الله عزوجل إنما عنى بهذا أهل الشرك ، فكيف ذلك وهو يقول : (وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ

__________________

(١) زاد في النسخ : وهو سعيد بن عبد الملك الأموي ، صاحب سعيد بالرحبة.

(٢) الكافي : ج ٨ ، ص ٥١ / ١٥.

(٣) تأويل الآيات : ج ١ ، ص ٣٢٦ ، ح ٧.

(٤) الأنبياء : ٤٦.

٣٩٨

نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ)(١)؟

اعلموا ـ عباد الله ـ أن أهل الشرك لا تنصب لهم الموازين ، ولا تنشر لهم الدواوين ، وإنما يحشرون إلى جهنم زمرا ، وإنما نصب الموازين ونشر الدواوين لأهل الإسلام ، فاتقوا الله ، عباد الله» (٢).

* س ٨ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ (١٦) لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ (١٧) بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ) (١٨) [سورة الأنبياء : ١٨ ـ ١٦]؟!

الجواب / ١ ـ قال عبد الأعلى : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الغناء ، وقلت : إنهم يزعمون أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رخّص في أن يقال : جيناكم جيناكم ، حيّونا حيّونا نحيّيكم؟

فقال : «كذبوا ، إن الله عزوجل يقول : (وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ) ، ثمّ قال : «ويل لفلان مما يصف» ـ رجل لم يحضر المجلس ـ (٣).

٢ ـ قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «ليس من باطل يقوم بإزاء الحقّ إلا غلب الحق الباطل ، وذلك قوله تعالى : (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ)(٤).

__________________

(١) الأنبياء : ٤٧.

(٢) الكافي : ج ٨ ، ص ٧٢ / ٢٩.

(٣) الكافي : ج ٦ ، ص ٤٣٣ / ١٢.

(٤) المحاسن : ص ٢٢٦ ، ح ١٥٢.

٣٩٩

وقال أيوب بن الحرّ بيّاع الهرويّ (١) : قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : «يا أيوب ، ما من أحد إلا وقد برز عليه الحقّ حتى يصدع قلبه ، قبله أم تركه ، وذلك قول الله عزوجل في كتابه : (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ)(٢).

* س ٩ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ (١٩) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ) (٢٠) [سورة الأنبياء : ٢٠ ـ ١٩]؟!

الجواب / قال الصادق عليه‌السلام : في قوله تعالى (وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ) ، قال : يعني الملائكة (٣).

وقال علي بن إبراهيم في قوله (لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ) : أي لا يضعفون (٤).

وقال داود بن فرقد العطّار : قال لي بعض أصحابنا : أخبرني عن الملائكة ، أينامون؟ فقلت : لا أدري. فقال : يقول الله عزوجل : (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ). ثمّ قال : ألا أطرفك عن أبي عبد الله عليه‌السلام فيه بشيء؟ قال : قلت : بلى.

فقال : سئل عن ذلك ، فقال : «ما من حي إلا وينام ما خلا الله وحده عزوجل ، والملائكة ينامون». فقلت : يقول الله عزوجل : (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ

__________________

(١) الهرويّ : نوع من الثياب منسوب إلى هراة ، بلد من خراسان سابقا ، وهي الآن من مدن أفغانستان. «أقرب الموارد : ج ٢ ، ص ١٣٨٧».

(٢) المحاسن : ص ٢٧٦ ، ح ٣٩١.

(٣) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ج ١ ، ص ٢٦٦ ، ح ١.

(٤) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٦٨.

٤٠٠