التيسير في التفسير للقرآن - ج ٤

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٤

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٥٦

ثمّ قال : (ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللهِ باقٍ) أي ما عندكم من الأموال والنعمة يزول ، وما عند الله ممّا تقدّمونه من خير أو شرّ فهو باق (١).

* س ٣٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (٩٧) [سورة النحل : ٩٧]؟!

الجواب / قيل لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنّ أبا الخطّاب يذكر عنك أنك قلت له : إذا عرفت الحقّ فاعمل ما شئت.

فقال : «لعن الله أبا الخطّاب ـ والله ـ ما قلت له هكذا ، ولكني قلت : إذا عرفت الحقّ فاعمل ما شئت من خير يقبل منك ، إنّ الله عزوجل يقول : (وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ)(٢) ويقول تبارك وتعالى : (مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً)(٣).

وقال سيّدنا الصادق عليه‌السلام في قوله : (فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً) قال : «القنوع» (٤).

* س ٣٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (٩٨) إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٩٩) إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ) (١٠٠) [سورة النحل : ١٠٠ ـ ٩٨]؟!

الجواب / قال أبو بصير ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٨٩.

(٢) غافر : ٤٠.

(٣) معاني الأخبار : ص ٣٨٨ ، ح ٢٦.

(٤) الأمالي : ج ١ ، ص ٢٨١.

١٤١

فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)؟ فقال : «يا أبا محمد ، يسلّط ـ والله ـ من المؤمن على بدنه ولا يسلّط على دينه ، قد سلّط على أيوب عليه‌السلام فشوّه خلقه ولم يسلّط على دينه ، وقد يسلّط من المؤمنين على أبدانهم ولا يسلّط على دينهم».

قلت له : قوله عزوجل : (إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ)؟ قال : «الذين هم بالله مشركون ، يسلّط على أبدانهم وعلى أديانهم» (١).

وقال سماعة : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله : (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ) : «كيف أقول؟ قال : «تقول أستعيذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم». وقال : «إن الرجيم أخبث الشياطين».

قال : قلت له : لم سمّي الرجيم؟ قال : «لأنه يرجم». قلت : فانفلت منها بشيء؟ قال : «لا». قلت : فكيف سمّي الرجيم ولم يرجم بعد؟ قال : «يكون في العلم أنّه رجيم» (٢).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «ليس له أن يزيلهم عن الولاية ، فأمّا الذنوب وأشباه ذلك فإنّه ينال منهم كما ينال من غيرهم» (٣).

* س ٣٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (١٠١) قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ) (١٠٢) [سورة النحل : ١٠٢ ـ ١٠١]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم ، في قوله تعالى : (وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ

__________________

(١) الكافي : ج ٨ ، ص ٢٨٨ ، ح ٤٣٣.

(٢) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ٢٧٠ ، ح ٦٧.

(٣) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ٢٧٠ ، ح ٦٩.

١٤٢

آيَةٍ وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ) إلى قوله تعالى : (وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ) قال : إذا نسخت آية قالوا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنت مفتر. فردّ الله عليهم ، فقال : قل لهم يا محمّد (نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِ) يعني جبرائيل عليه‌السلام (لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ)(١).

وعنه ، قال : وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه‌السلام في قوله (رُوحُ الْقُدُسِ). قال : «هو جبرئيل عليه‌السلام ، والقدس : الطاهر (لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا) هم آل محمد عليهم‌السلام (وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ)(٢).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إنّ الله تبارك وتعالى خلق روح القدس ، فلم يخلق خلقا أقرب إلى الله منها ، ليست بأكرم خلقه عليه ، فإذا أراد أمرا ألقاه إليها ، فألقاه إلى النجوم فجرت به» (٣).

* س ٣٨ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ) (١٠٣) [سورة النحل : ١٠٣]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : وهو لسان أبي فكيهة (٤) مولى بني الحضرمي ، كان أعجميّ اللسان ، وكان قد اتّبع نبيّ الله وآمن به ، وكان من أهل الكتاب ، فقالت قريش : هذا ـ والله ـ يعلّم محمّدا ، علّمه بلسانه ، يقول

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٩٠.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٩٠.

(٣) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ٢٧٠ ، ح ٧٠.

(٤) واسمه أفلح وقيل : يسار ، مولى بني عبد الدار ، وقيل : كان مولى لصفوان بن أميّة بن خلف أسلم قديما بمكة ، وكان من المستضعفين ممّن عذّب في الله. عذّبه المشركون ليرجع عن دينه فلم يرجع عن دينه ، وهاجر ومات قبل بدر. «الكامل لابن الأثير ج ٢ ، ص ٦٨ ، أسد الغابة : ج ٥ ، ص ٢٧٣ ، البداية والنهاية : ج ٣ ، ص ١٠٢».

١٤٣

الله : (هذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ)(١).

* س ٣٩ : ما هو معنى قوله تعالى :

(إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللهِ لا يَهْدِيهِمُ اللهُ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٠٤) إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْكاذِبُونَ)(١٠٥) [سورة النحل : ١٠٥ ـ ١٠٤]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسيّ (رحمه‌الله تعالى) : ثم اتبع سبحانه ـ الآية السابقة ـ بذكر الوعيد للكفار على ما قالوه ، فقال : (إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللهِ) أي : بحجج الله التي أظهرها ، والمعجزات التي صدق بها قومك يا محمد (لا يَهْدِيهِمُ اللهُ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) أي : لا يثبتهم الله على الإيمان ، أو لا يهديهم إلى طريق الجنة ، بدلالة أنه إنما نفى هداية من لا يؤمن. فالظاهر أنه أراد بذلك الهدى الذي يكون ثوابا على الإيمان ، لا الهداية التي في قوله (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ) ثم بين سبحانه أن هؤلاء هم المفترون ، فقال : (إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللهِ) أي إنما يخترع الكذب الذين لا يصدقون بدلائل الله تعالى ، دون من آمن بها ، لأن الإيمان يحجز عن الكذب (وَأُولئِكَ هُمُ الْكاذِبُونَ) لا أنت يا محمّد. فحضر فيهم الكذب بمعنى أن الكذب لازم لهم ، وعادة من عاداتهم. وهذا ما تقول : كذبت ، وأنت كاذب. فيكون قولك أنت كاذب ، زيادة في الوصف بالكذب.

وفي الآية زجر عن الكذب حيث أخبر سبحانه أنه إنما يفتري الكذب من لا يؤمن. وقد روي مرفوعا أنه قيل : يا رسول الله؟ المؤمن يزني؟ قال : قد يكون ذلك. قيل : يا رسول الله المؤمن يسرق؟ قال : قد يكون ذلك. قيل : يا رسول الله المؤمن يكذب؟ قال : لا ، ثم قرأ هذه الآية (٢).

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٩٠.

(٢) مجمع البيان : ج ٦ ، ص ٢٠١.

١٤٤

* س ٤٠ : ما هو معنى قوله تعالى :

(مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (١٠٦) ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (١٠٧) أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ (١٠٨) لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخاسِرُونَ (١٠٩) ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) (١١٠) [سورة النحل : ١١٠ ـ ١٠٦]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام ـ في حديث طويل ـ «فأمّا ما فرض على القلب من الإيمان : فالإقرار ، والمعرفة ، والعقد ، والرضا ، والتسليم بأن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلها واحدا لم يتّخذ صاحبة ولا ولدا ، وأنّ محمدا عبده ورسوله (صلوات الله عليه وعلى آله) ، والإقرار بما جاء به من عند الله من نبيّ أو كتاب ، فذلك ما فرض الله على القلب من الإقرار والمعرفة وهو عمله ، وهو قول الله عزوجل : (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً)(١).

قيل لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنّ الناس يروون : أن عليا عليه‌السلام قال على منبر الكوفة : أيّها الناس ، إنكم ستدعون إلى سبّي ، فسبّوني ، ثم تدعون إلى البراءة مني فلا تبرّءوا منّي.

قال : «ما أكثر ما يكذب الناس على عليّ عليه‌السلام!!» ثمّ قال : «إنّما قال :

__________________

(١) الكافي : ج ٢ ، ص ٢٨ ، ح ١.

١٤٥

إنّكم ستدعون إلى سبّي فسبّوني ، ثم تدعون إلى البراءة منّي وإني لعلى دين محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولم يقل : ولا تبرّءوا منّي».

فقال له السائل : أرأيت إن اختار القتل دون البراءة.

فقال : «والله ، ما ذاك عليه ، وما له إلا ما مضى عليه عمّار بن ياسر حيث أكرهه أهل مكّة وقلبه مطمئنّ بالإيمان ، فأنزل الله عزوجل [فيه] : (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ) ، فقال له النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عندها : يا عمّار ، إن عادوا فعد ، فقد أنزل الله عزوجل عذرك ، وأمرك أن تعود إن عادوا» (١).

وقال بكر بن محمّد ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إنّ التقيّة ترس المؤمن ، ولا إيمان لمن لا تقيّة له».

فقلت له : جعلت فداك ، أرأيت قول الله تبارك وتعالى : (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ) قال : «وهل التقيّة إلا هذا» (٢).

وقال عمرو بن مروان ، سمعت ابا عبد الله عليه‌السلام يقول : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : رفعت عن أمتي أربع خصال : ما أخطأوا ، وما نسوا وما أكرهوا عليه ، وما لم يطيقوا ، وذلك في كتاب الله (٣) : (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ) مختصر» (٤).

وقال علي بن إبراهيم ، في قوله تعالى : (مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ) ، قال : هو عمّار بن ياسر ، أخذته قريش

__________________

(١) الكافي : ج ٢ ، ص ١٧٣ ، ح ١٠.

(٢) قرب الإسناد : ص ١٧.

(٣) في طبعة أخرى زيادة : قوله : (رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ) البقرة : ٢٨٦ ، وقول الله.

(٤) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ٢٧٢ ، ح ٧٥.

١٤٦

بمكّة ، فعذّبوه بالنار حتى أعطاهم بلسانه ما أرادوا ، وقلبه مقرّ (١) بالإيمان.

قال : وأمّا قوله : (وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً) فهو عبد الله بن سعد بن أبي سرح بن الحارث (٢) من بني لؤي.

يقول الله : فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة وأن الله لا يهدي القوم الكافرين ذلك بأن الله ختم على سمعهم وأبصارهم وقلوبهم وأولئك هم الغافلون لا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون هذا في قراءة ابن مسعود ، وقوله (أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ) الآية ، هكذا في القراءة المشهورة.

هذا كلّه في عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، كان عاملا لعثمان بن عفّان على مصر ، ونزل فيه أيضا : (وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللهُ وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ)(٣).

وقال إسحاق بن عمّار : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يدعو أصحابه ، فمن أراد به خيرا سمع وعرف ما يدعوه إليه ، ومن أراد به شرّا طبع على قلبه فلا يسمع ولا يعقل ، وهو قوله : (أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ)(٤).

__________________

(١) في طبعة : مطمئنّ.

(٢) هو عبد الله بن سعد بن أبي سرح بن الحارث العامري ، أخو عثمان من الرّضاعة ، أسلم قبل الفتح ، ثمّ ارتدّ مشركا فصار إلى قريش ، فلمّا كان يوم الفتح أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقتله ، ثمّ عفا عنه بعد ما استأمن له عثمان. ثمّ ولاه عثمان بعد ذلك مصر سنة ٢٥ ه‍ ، وبعد مقتل عثمان صار إلى معاوية ، ومات بعسقلان سنة ٣٧ ه‍. «تهذيب ابن عساكر ج ٧ ، ص ٤٣٥ ، أسد الغابة ج ٣ ، ص ١٧٣ ، الكامل لابن الأثير ج ٣ ، ص ٨٨ ، البداية والنهاية ج ٧ ، ص ١٥٧».

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٩٠ ، والآية من سورة الأنعام : ٩٣.

(٤) تفسير العياشيّ : ج ٢ ، ص ٢٧٣ ، ح ٧٧.

١٤٧

وقال علي بن إبراهيم : ثمّ قال أيضا في عمّار : (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ)(١).

* س ٤١ : ما هو معنى قوله تعالى :

(يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (١١١) [سورة النحل : ١١١]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسيّ (رحمه‌الله تعالى) : (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ) أراد به يوم القيامة (تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها) أي تخاصم الملائكة عن نفسها ، وتحتج بما ليس فيه حجة ، وتقول : والله ربنا ما كنا مشركين. ويقول أتباعهم : ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار ويحتمل أن يكون المراد أنها تحتج عن نفسها بما تقدر به إزالة العقاب عنها (وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ) أي : جزاء ما عملت من خير وشر (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) في ذلك (٢).

* س ٤٢ : ما هو سبب نزول قوله تعالى :

(وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذاقَهَا اللهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ) (١١٢) [سورة النحل : ١١٢]؟!

الجواب / قال عمرو بن شمر : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام ، يقول : «إنّي لألحس أصابعي من الأدم حتى أخاف أن يراني جاري (٣) فيرى أنّ ذلك من التجشّع ، وليس ذلك كذلك ، وإنّ قوما أفرغت عليهم النعمة ـ وهم أهل

__________________

(١) تفسير القمي : ج ١ ، ص ٣٩١.

(٢) مجمع البيان : ج ٦ ، ص ٢٠٥ ـ ٢٠٦.

(٣) في طبعة أخرى : خادمي.

١٤٨

الثّرثار ـ فعمدوا إلى مخّ الحنطة فجعلوه خبزا هجاء (١) ، وجعلوا ينجّون به صبيانهم حتّى اجتمع من ذلك جبل عظيم».

قال : «فمرّ بهم رجل صالح ، وإذا امرأة تفعل ذلك بصبيّ لها ، فقال لهم : ويحكم ، اتقوا الله عزوجل ، ولا تغيّروا ما بكم من نعمة. فقالت له : كأنّك تخوّفنا بالجوع ، أما ما دام ثرثارنا يجري فإنّا لا نخاف الجوع.

قال : فأسف الله عزوجل ، فأضعف لهم الثّرثار ، وحبس عنهم قطر السّماء ونبات الأرض ـ قال ـ فاحتاجوا إلى ذلك الجبل ، وإنه كان يقسّم بينهم بالميزان» (٢).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «كان أبي يكره أن يمسح يده بالمنديل وفيه شيء من الطّعام تعظيما له ، إلّا أن يمصّها أو يكون إلى جانبه صبيّ فيمصّها له». قال : «وإنّي أجد اليسير يقع من الخوان فأتفقّده فيضحك الخادم».

ثمّ قال : «إنّ أهل قرية ـ ممّن كان قبلكم ـ كان الله قد أوسع عليهم حتى طغوا ، فقال بعضهم لبعض : لو عمدنا إلى شيء من هذا النقيّ فجعلنا نستنجي به كان ألين علينا من الحجارة ـ قال ـ فلمّا فعلوا ذلك بعث الله على أرضهم دوابّا أصغر من الجراد فلم يدع لهم شيئا خلقه الله يقدر عليه إلّا أكله ، من شجر أو غيره ، فبلغ بهم الجهد إلى أن أقبلوا على الذي كانوا يستنجون به فأكلوه ، وهي القرية التي قال الله : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً) إلى قوله : (بِما كانُوا يَصْنَعُونَ)(٣).

__________________

(١) هجا جوعه : سكن وذهب ، وهجا الطعام : أكله «القاموس المحيط ١ ـ هجا ـ ص ٣٤» ، وقد يكون المراد من قوله : فجعلوه خبزا هجاء ، أي : صالحا للأكل أو صالحا لرفع الجوع ، وقد تكون (هجاء) مصحّفة من (هجانا) أي خيارا صالحا ، أو من (منجا) وهي الآلة التي يستنجى بها ، كما ذكر ذلك الطريحي (رحمه‌الله) في مادة (نجا).

(٢) الكافيّ ج ٦ ، ص ٣٠١ ، ح ١.

(٣) تفسير العياشيّ : ج ٢ ، ص ٢٧٣ ، ح ٧٩.

١٤٩

* س ٤٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَلَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ وَهُمْ ظالِمُونَ (١١٣) فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) (١١٤) [سورة النحل : ١١٤ ـ ١١٣]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسيّ (رحمه‌الله تعالى) : (وَلَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ) يعني أهل مكة ، بعث الله عليهم رسولا من صميمهم ، ليتبعوه ، لا من غيرهم (فَكَذَّبُوهُ) وجحدوا نبوته (فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ وَهُمْ ظالِمُونَ) أي : في حال كونهم ظالمين ، وعذابهم ما حل بهم من الجوع والخوف المذكورين في الآية المتقدمة ، وما نالهم يوم بدر وغيره ، من القتل ، ومن قال : إن المراد بالقرية غير مكة ، قال : هذه صورة القرية المذكورة ، ثم خاطب سبحانه المؤمنين فقال : (فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً) صيغته صيغة الأمر ، والمراد به الإباحة ، أي : كلوا مما أعطاكم الله من الغنائم ، وأحلها لكم (وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ) فيما خلقه لكم ، وأحله لكم (إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) ـ هذه الآية مفسرة في سورة البقرة ـ (١).

* س ٤٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (١١٥) [سورة النحل : ١١٥]؟!

الجواب / ١ ـ قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «الباغي الذي يخرج على الإمام ، والعادي الذي يقطع الطريق ، لا تحلّ لهما الميتة» ويروى أنّ العادي اللصّ ، والباغي الذي يبغي الصّيد ، لا يجوز لهما التقصير في السّفر ، ولا أكل الميتة

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٦ ، ص ٢٠٦.

١٥٠

في حال الاضطرار» (١).

وقال عليه‌السلام : «الباغي الظالم ، والعادي الغاصب» (٢).

* س ٤٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ (١١٦) مَتاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١١٧) وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا ما قَصَصْنا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (١١٨) ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) (١١٩) [سورة النحل : ١١٩ ـ ١١٦]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي (رحمه‌الله تعالى) : لما تقدم ذكر ما أحله الله سبحانه لهم ، وحرمه عليهم ، عقبه سبحانه بالنهي عن مخالفة أوامره ونواهيه في التحليل والتحريم ، فقال : (وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ) وتقديره لوصف ألسنتكم الكذب (هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ) أي : لا تقولوا لما حللتموه بأنفسكم مثل الميتة ، هذا حلال ، ولما حرمتموه مثل السائية ، هذا حرام (لِتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) أي : لتكذبوا على الله في إضافة التحريم إليه (إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ) أي : لا ينجون من عذاب الله ، ولا ينالون خيرا (مَتاعٌ قَلِيلٌ) معناه : الذين هم فيه من الدنيا بشيء قليل ، ينتفعون به أياما قلائل (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) في الآخرة (وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا) يعني اليهود (حَرَّمْنا ما قَصَصْنا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ) يعني بذلك ما ذكره في سورة الأنعام من قوله : (عَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ) ... وقيل : وعنى بقوله من قبل نزول هذه الآية ، لأن ما في سورة

__________________

(١) معاني الأخبار : ص ٢١٣ ، ح ١.

(٢) تفسير العياشيّ : ج ١ ، ص ٧٤ ، ح ١٥١.

١٥١

الأنعام نزل قبل هذه الآية (وَما ظَلَمْناهُمْ) بتحريم ذلك عليهم (وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) بالعصيان والكفر بنعم الله تعالى ، والجحود بأنبيائه.

واستحقوا بذلك تحريم هذه الأشياء عليهم ، لتغيير المصلحة عند كفرهم وعصيانهم. ثم ذكر سبحانه التائبين بعد تقدم الوعد والوعيد ، فقال : (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ) الذي خلقك يا محمد (لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ) أي : المعصية (بِجَهالَةٍ) أي : بداعي الجهل ، فإنه يدعو إلى القبيح ، ما أن داعي العلم يدعو إلى الحسنى.

وقيل : بجهالة السيئات ، أو بجهالتهم للعاقبة. وقيل : بجهالة أنها سوء. وقيل : الجهالة هو أن يعجل بالإقدام عليها ، ويعد نفسه التوبة عنها (ثُمَّ تابُوا) عن تلك المعصية (مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا) نياتهم ، وأفعالهم (إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها) أي : من بعد التوبة ، أو الجهالة ، أو المعصية (لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) وأعاد قوله (إِنَّ رَبَّكَ) للتأكيد وليعود الضمير في قوله من بعده إلى الفعلة (١).

* س ٤٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٢٠) شاكِراً لِأَنْعُمِهِ اجْتَباهُ وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (١٢١) وَآتَيْناهُ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (١٢٢) ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (١٢٣) [سورة النحل : ١٢٣ ـ ١٢٠]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم القميّ : وقوله : (إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً) أي طاهرا (اجْتَباهُ) أي اختاره (وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) قال :

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٦ ، ص ٢٠٧ ـ ٢٠٨.

١٥٢

إلى الطريق الواضح. ثمّ قال لنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً) وهي الحنيفيّة العشر التي جاء بها إبراهيم عليه‌السلام : خمسة في البدن ، وخمسة في الرأس ، فأمّا التي في البدن : فالغسل من الجنابة ، والطّهور بالماء ، وتقليم الأظفار ، وحلق الشّعر من البدن ، والختان ، وأمّا التي في الرأس : فطمّ الشعر (١) ، وأخذ الشارب ، وإعفاء اللّحى والسواك ، والخلال ، فهذه لم تنسخ إلى يوم القيامة (٢).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام في قوله : (إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً).

قال : «وذلك أنه كان على دين لم يكن عليه أحد غيره ، فكان أمة واحدة ، وأمّا (قانِتاً) : فالمطيع ، وأمّا (حَنِيفاً) : فالمسلم» (٣).

* س ٤٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) (١٢٤) [سورة النحل : ١٢٤]؟!

الجواب / قال عليّ بن إبراهيم القميّ : وذلك أنّ موسى أمر قومه أن يتفرّغوا إلى الله في كلّ سبعة أيّام يوما يجعله الله عليهم ، وهو الذي اختلفوا فيه (٤).

* س ٤٨ : ما هو معنى قوله تعالى :

(ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (١٢٥) [سورة النحل : ١٢٥]؟!

الجواب / قال الإمام أبو محمّد العسكري عليه‌السلام : «قال الصادق عليه‌السلام

__________________

(١) طمّ الشعر : جزّه أو قصّه. «مجمع البحرين ـ طمم ـ ج ٦ ، ص ١٠٧».

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٩١.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٩٢.

(٤) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٩٢.

١٥٣

وقد ذكر عنده الجدال في الدين ، وأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّة عليهم‌السلام قد نهوا عنه ، فقال الصادق عليه‌السلام : لم ينه عنه مطلقا ولكنّه نهى عن الجدال بغير التي هي أحسن ، أما تسمعون الله عزوجل يقول : (وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)(١) وقوله تعالى : (ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)؟ فالجدال بالتي هي أحسن قد قرنه العلماء بالدين ، والجدال بغير التي هي أحسن محرّم ، حرّمه الله تعالى على شيعتنا ، وكيف يحرّم الله الجدال جملة وهو يقول : (وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى) وقال الله (تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ)(٢)؟ فجعل الله علم الصّدق والإيمان بالبرهان ، وهل يؤتى بالبرهان إلا في الجدال بالتي هي أحسن؟

قيل : يا بن رسول الله ، فما الجدال بالتي هي أحسن والتي ليست بأحسن؟

قال : أمّا الجدال بغير التي هي أحسن ، بأن تجادلا مبطلا فيورد عليك باطلا فلا تردّه بحجّة قد نصبها الله ، ولكن تجحد قوله ، أو تجحد حقا يريد ذلك لمبطل أن يعين به باطله ، فتجحد ذلك الحق مخافة أن يكون له عليك فيه حجّة ، لأنّك لا تدري كيف المخلص منه ، فذلك حرام على شيعتنا أن يصيروا فتنة على ضعفاء إخوانهم وعلى المبطلين ، أما المبطلون فيجعلون ضعف الضعيف منكم إذا تعاطى مجادلته وضعف [ما] في يده حجّة له على باطله ، وأمّا الضعفاء فتغمّ قلوبهم لما يرون من ضعف المحق في يد المبطل.

وأمّا الجدال بالتي هي أحسن ، فهو ما أمر الله تعالى به نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يجادل به من جحد البعث بعد الموت وإحياء له ، فقال الله تعالى حاكيا عنه : (وَضَرَبَ

__________________

(١) العنكبوت : ٤٦.

(٢) البقرة : ١١١.

١٥٤

لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ)(١) فقال الله في الردّ عليه : (قُلْ) يا محمّد (يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ)(٢) إلى آخر السورة ، فأراد الله من نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يجادل المبطل الذي قال : كيف يجوز أن يبعث الله هذه العظام وهي رميم؟ فقال الله تعالى ؛ (قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ) أفيعجز من ابتدأه لا من شيء أن يعيده بعد أن يبلى؟! بل ابتداؤه أصعب عندكم من إعادته ، ثم قال : (الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً) أي : إذا كان قد أكمن النار الحارّة في الشجر الأخضر الرطب يستخرجها ، فعرّفكم أنه على إعادة ما يبلى أقدر ، ثمّ قال : (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ)(٣) أي إذا كان خلق السماوات والأرض أعظم وأبعد في أوهامكم وقدركم أن تقدروا عليه من إعادة البالي ، فكيف جوّزتم من الله خلق هذا الأعجب عندكم ، والأصعب لديكم ، ولم تجوّزوا ما هو أسهل عندكم من إعادة البالي؟

قال الصادق عليه‌السلام : فهذا الجدال بالتي هي أحسن ، لأنّ فيها انقطاع عرى الكافرين ، وإزالة شبهتهم ، وأمّا الجدال بغير التي هي أحسن فأن تجحد حقّا لا يمكنك أن تفرّق بينه وبين باطل من تجادله ، وإنّما تدفعه عن باطله بأن تجحد الحقّ ، فهذا هو المحرّم لأنّك مثله ، جحد هو حقا ، وجحدت أنت حقّا آخر».

قال : «فقام إليه رجل فقال : يا بن رسول الله ، أفجادل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ فقال الصادق عليه‌السلام : مهما ظننت برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من شيء فلا تظنّ به مخالفة الله ، أو ليس الله تعالى قال : (وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) ، وقال : (قُلْ يُحْيِيهَا

__________________

(١) يس : ٧٨.

(٢) يس : ٧٩ ـ ٨٠.

(٣) يس : ٨١.

١٥٥

الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ)(١) لمن ضرب الله مثلا ، أفتظن أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خالف ما أمره الله ، فلم يجادل بما أمره الله به ، ولم يخبر عن الله بما أمره أن يخبر به؟!» (٢).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام في قوله تعالى : (وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) : «بالقرآن» (٣).

* س ٤٩ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ)(١٢٦) [سورة النحل : ١٢٦]؟!

الجواب / قال الحسين بن حمزة : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «لمّا رأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما صنع بحمزة بن عبد المطّلب ، قال : اللهمّ لك الحمد ، وإليك المشتكى ، وأنت المستعان على ما أرى. ثمّ قال : لئن ظفرت لأمثّلنّ ولأمثّلنّ. قال : فأنزل الله : (وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ) فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أصبر ، أصبر» (٤).

* س ٥٠ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (١٢٧) إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) (١٢٨) [سورة النحل : ١٢٨ ـ ١٢٧]؟!

الجواب / في (فقه الإمام الرضا عليه‌السلام) : «أنّ رجلا سأل العالم عليه‌السلام :

__________________

(١) يس : ٧٩.

(٢) تفسير الإمام العسكري عليه‌السلام : ص ٥٢٧ ، ح ٣٢٢.

(٣) الكافي : ج ٥ ، ص ١٣ ، ح ١.

(٤) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ٢٧٤ ، ح ٨٥.

١٥٦

أكلّف الله العباد ما لا يطيقون؟ فقال : كلّف الله جميع الخلق ما لا يطيقونه ، إن لم يعنهم عليه ، فإن أعانهم عليه أطاقوه ، قال الله جلّ وعزّ لنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللهِ)(١).

وقال الشيخ الطبرسي (رحمه‌الله تعالى) : (وَاصْبِرْ) يا محمد فيما تبلغه من الرسالة ، وفيما تلقاه من الأذى. وقيل : معناه اصبر على ما يجب الصبر عليه ، وعما يجب الصبر عنه (وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللهِ) أي ، وليس صبرك إلا بتوفيق الله ، وإقداره ، وتيسيره ، وترغيبه فيه (وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ) أي : ولا تحزن على المشركين في إعراضهم عنك ، فإنه يكون الظفر والنصرة لك عليهم ، ولا عتب عليك في إعراضهم ، فقد بلغت ما أمرت به وقضيت ما عليك. وقيل : معناه ولا تحزن على قتلى أحد ، فإن الله تعالى قد نقلهم إلى ثوابه ، وكرامته (وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ) أي : ولا يكن صدرك في ضيق من مكرهم بك ، وبأصحابك فإن الله سبحانه يرد كيدهم في نحورهم ، ويحفظكم من شرورهم (إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا) الشرك ، والفواحش ، والكبائر ، بالنصرة ، والحفظ ، والكلاءة (وَ) مع (الَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) قال الحسن : اتقوا ما حرم عليهم ، وأحسنوا فيما فرض عليهم (٢).

__________________

(١) الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا عليه‌السلام : ص ٣٤٩.

(٢) مجمع البيان : ج ٦ ، ص ٢١١ ـ ٢١٢.

١٥٧
١٥٨

تفسير

سورة الإسراء

رقم السورة ـ ١٧ ـ

١٥٩
١٦٠