التيسير في التفسير للقرآن - ج ٤

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٤

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٥٦

* س ١٩ : ما هو معنى قوله تعالى :

(أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (٤٥) أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ (٤٦) أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) (٤٧) [سورة النحل : ٤٧ ـ ٤٥]؟!

الجواب / قال ابن سنان ، سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن قول الله تعالى : (أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الْأَرْضَ) ، قال : «هم أعداء الله ، وهم يمسخون ويقذفون ويسيحون في الأرض» (١).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام ـ في حديث طويل لجابر الجعفي ـ : «وإيّاكم وشذّاذا من آل محمّد ، فإنّ لآل محمد وعليّ عليهم‌السلام راية ، ولغيرهم رايات [فالزم الأرض ، ولا تتّبع منهم رجلا أبدا حتى ترى رجلا من ولد الحسين ، معه عهد نبيّ الله ورايته وسلاحه ، فإنّ عهد نبيّ الله صار عند عليّ بن الحسين ، ثمّ صار عند محمد بن عليّ ، ويفعل الله ما يشاء] ، فالزم هؤلاء أبدا ، وإيّاك ومن ذكرت لك.

فإذا خرج رجل منهم معه ثلاث مائة وبضعة عشر رجلا ، ومعه راية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عامدا إلى المدينة حتّى يمرّ بالبيداء ، حتى يقول : هذا مكان القوم الذين خسف بهم ، وهي الآية التي قال الله تعالى : (أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ)(٢).

وقال عليّ بن إبراهيم ، قوله : (أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ) يا محمّد ، وهو استفهام (أَنْ يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا

__________________

(١) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ٢٦١ ، ح ٣٥.

(٢) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ٦٥ ، ح ١١٧.

١٢١

يَشْعُرُونَ أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ) قال : إذا جاءوا وذهبوا في التجارات وفي أعمالهم ، فيأخذهم في تلك الحالة : (أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ) قال : على تيقّظ (فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ)(١).

* س ٢٠ : ما هو معنى قوله تعالى :

(أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ داخِرُونَ (٤٨) وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (٤٩) يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ (٥٠) وَقالَ اللهُ لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) (٥١) [سورة النحل : ٥١ ـ ٤٨]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم القميّ قوله : (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ داخِرُونَ) قال : تحويل كل ظلّ خلقه الله هو سجوده لله ، لأنه ليس شيء إلّا له ظلّ يتحرّك ، فتحريكه وتحويله سجوده.

قال : وقوله : (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ). قال : الملائكة ما قدّر الله لهم ، يأمرون فيه. ثمّ احتجّ الله عزوجل على الثّنويّة ، فقال : (لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ)(٢).

وقال الطّبرسي في (الاحتجاج) : سئل أبو عبد الله عليه‌السلام قيل له : ولم لا يجوز أن يكون صانع العالم أكثر من واحد؟

قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «لا يخلو قولك أنّهما اثنان من أن يكونا قديمين

__________________

(١) تفسير القمّي : ج ١ ، ص ٣٨٥.

(٢) تفسير القمّي : ج ١ ، ص ٣٨٦.

١٢٢

قويّين ، أو يكونا ضعيفين ، أو يكون أحدهما قويّا والآخر ضعيفا ، فإن كانا قويّين ، فلم لا يدفع كلّ واحد منهما صاحبه ويتفرّد بالربوبيّة؟ وإن زعمت أنّ أحدهما قويّ والآخر ضعيف ثبت أنّه واحد كما نقول ، للعجز الظاهر في الثاني ، وإن قلت : إنهما اثنان ، لم يخل من أن يكونا متّفقين من كلّ جهة أو مفترقين من كلّ جهة ، فلمّا رأينا الخلق منتظما ، والفلك جاريا ، واختلاف الليل والنهار والشمس والقمر ، دلّ ذلك على صحّة الأمر والتدبير وائتلاف الأمور ، وأنّ المدبّر واحد» (١).

* س ٢١ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَلَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ واصِباً أَفَغَيْرَ اللهِ تَتَّقُونَ (٥٢) وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ (٥٣) ثُمَّ إِذا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (٥٤) لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (٥٥) وَيَجْعَلُونَ لِما لا يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِمَّا رَزَقْناهُمْ تَاللهِ لَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ (٥٦) وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ (٥٧) وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (٥٨) يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ (٥٩) لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٦٠) وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (٦١) وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ما يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ (٦٢) تَاللهِ لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ)(٦٣) [سورة النحل : ٦٢ ـ ٥٢]؟!

الجواب / قال سماعة ، سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله : (وَلَهُ

__________________

(١) الاحتجاج : ص ٣٣٣.

١٢٣

الدِّينُ واصِباً) قال : «واجبا» (١).

وقال علي بن إبراهيم ، قوله : (وَلَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ واصِباً) أي واجبا. ثمّ ذكر تفصيله فقال : (وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ) أي تفزعون وترجعون. والنّعمة : في الصحّة والسّعة والعافية (ثُمَّ إِذا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ).

قال : وقوله : (وَيَجْعَلُونَ لِما لا يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِمَّا رَزَقْناهُمْ) وهو الذي وصفنا ، مما كان العرب يجعلون للأصنام نصيبا في زرعهم وإبلهم وغنمهم ، فردّ الله عليهم فقال : (تَاللهِ لَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ)(٢).

وعنه ، قال : قالت قريش ، إنّ الملائكة بنات الله ، فنسبوا ما لا يشتهون إلى الله ، فقال الله عزوجل : (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ) يعني من البنين. ثمّ قال (وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ) أي : يستهين به (أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ) ، ثم ردّ الله عليهم فقال : (لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)(٣).

وقال حنان بن سدير : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن العرش والكرسي ـ وذكر الحديث ـ إلى أن قال : (وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى) الذي لا يشبهه شيء ، ولا يوصف ، ولا يتوهّم ، فذلك المثل الأعلى» (٤).

والحديث طويل يأتي بطوله ـ إن شاء الله تعالى ـ في قوله تعالى : (هُوَ

__________________

(١) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ٢٦٢ ، ح ٣٧.

(٢) تفسير القمّي : ج ١ ، ص ٣٨٦.

(٣) تفسير القمّي : ج ١ ، ص ٣٨٦.

(٤) التوحيد : ص ٣٢١ ، ح ١.

١٢٤

رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) من سورة النمل (١).

وقال الباقر عليه‌السلام ، في حديث تفسير قوله تعالى : (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ)(٢) الآية ، وفي آخر الحديث : قلت لجعفر بن محمّد : جعلت فداك ـ يا سيدي ـ إنّهم يقولون : مثل نور الرّب؟ قال : «سبحان الله! ليس لله مثل ، قال الله : (فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ)(٣)» (٤).

وقال عليّ بن إبراهيم ، قوله : (وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ) أي عند معصيتهم وظلمهم (ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ)(٥).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «الأجل الذي سمّي في ليلة القدر ، هو الأجل الذي قال الله : (فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ)(٦).

وقد مضى حديث عن أبي عبد الله عليه‌السلام في معنى الأجل ، في قوله تعالى : (قَضى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ) من سورة الأنعام (٧).

وقال عليّ بن إبراهيم : قوله : (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ما يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ) يقول : ألسنتهم الكاذبة (أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ) أي : معذّبون (٨).

__________________

(١) يأتي في الحديث من تفسير الآية (٢٦) من سورة النمل.

(٢) يأتي في الحديث من تفسير الآية (٣٥) من سورة النور.

(٣) النحل : ٧٤.

(٤) تفسير القمّي : ج ٢ ، ص ١٠٣.

(٥) تفسير القمّي : ج ١ ، ص ٣٨٦.

(٦) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ٢٦٢ ، ح ٣٨.

(٧) تقدم في الحديث من تفسير الآية (٢) من سورة الأنعام.

(٨) تفسير القمّي : ج ١ ، ص ٣٨٦.

١٢٥

وقال الشيخ الطبرسي في مجمع البيان : (تَاللهِ لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ) يا محمد (فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ) أي : كفرهم ، وضلالهم ، وتكذيبهم الرسل (فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ) معناه : إن الشيطان وليهم اليوم في الدنيا ، يتولونه ويتبعون إغوائه ، فأما يوم القيامة فيتبرأ بعضهم من بعض ، وقيل : معناه : فهو وليهم يوم القيامة أي : يكلهم الله تعالى إلى الشيطان ، أياسا لهم من رحمته (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) أي : وللتابع والمتبوع عذاب مؤلم.

* س ٢٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (٦٤) [سورة النحل : ٦٤]؟!

الجواب / قال أنس بن مالك : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لي : «يا أنس ، اسكب لي وضوءا». قال : فعمدت فسكبت للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الوضوء في البيت ، فأعلمته فخرج وتوضّأ ثم عاد إلى البيت إلى مجلسه ، ثم رفع رأسه إليّ ، فقال : «يا أنس ، أول من يدخل علينا أمير المؤمنين ، وسيّد المسلمين ، وقائد الغرّ المحجّلين».

قال أنس : فقلت ـ بيني وبين نفسي ـ : اللهم اجعله رجلا من قومي ، قال : فإذا أنا بباب الدار يقرع ، ففتحت ، فإذا عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، فدخل فتمشّى فرأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين رآه وثب على قدميه مستبشرا ، فلم يزل قائما وعلي عليه‌السلام يمشي حتى دخل عليه البيت فاعتنقه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فرأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يمسح بكفّه وجهه فيمسح به وجه علي عليه‌السلام ، ويمسح عن وجه عليّ عليه‌السلام بكفّه فيمسح به وجهه ، يعني : وجه نفسه. فقال له عليّ عليه‌السلام : «يا رسول الله ، لقد صنعت بي اليوم شيئا ما صنعت بي قط». فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «وما يمنعني وأنت وصيّي ، وخليفتي ، والذي يبيّن لهم ما يختلفون فيه بعدي ، وتؤدّي عنّي ، وتسمعهم نبوّتي» (١).

__________________

(١) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ٢٦٢ ، ح ٣٩.

١٢٦

ومن طريق العامّة : روى الإمام الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد بسنده في (حليته) : عن أنس ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يا أنس ، أسكب لي وضوءا». ثمّ قام فصلّى ركعتين ، ثمّ قال : «يا أنس ، أوّل من يدخل عليك من هذا الباب أمير المؤمنين ، وسيّد المسلمين ، وقائد الغرّ المحجّلين ، خاتم الوصيّين».

قال أنس : قلت : اللهم اجعله رجلا من الأنصار ، وكتمته ، إذ جاء عليّ عليه‌السلام ، فقال : «من هذا ، يا أنس؟» فقلت : عليّ ، فقام مستبشرا فاعتنقه ، ثمّ جعل يمسح عرق وجهه بوجهه ، ويمسح عرق عليّ عليه‌السلام بوجهه. فقال عليّ عليه‌السلام : «يا رسول الله ، لقد رأيتك صنعت شيئا ما صنعت بي من قبل». قال : «وما يمنعني وأنت تؤدّي عنّي ، وتسمعهم صوتي (١) ، وتبيّن لهم ما اختلفوا فيه بعدي» (٢).

وروى هذا الحديث من علماء العامّة أيضا ، موفّق بن أحمد ، في كتاب (فضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام عن أنس بصورة ما في كتاب (الحلية) بغير تغيير (٣).

* س ٢٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَاللهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (٦٥) وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خالِصاً سائِغاً لِلشَّارِبِينَ (٦٦) وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (٦٧) [سورة النحل : ٦٧ ـ ٦٥]؟!

الجواب / قال عليّ بن إبراهيم ، في قوله تعالى : (وَاللهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) :الآية محكمة ، ثمّ قال : قوله : (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا

__________________

(١) في «ط» : نبوّتي.

(٢) حلية الأولياء ؛ ج ١ ، ص ٦٣ ، ترجمة الإمام عليّ عليه‌السلام من تاريخ ابن عساكر : ج ٢ ، ص ٤٨٦ ، ح ١٠١٤.

(٣) المناقب للخوارزمي : ص ٤٢.

١٢٧

فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خالِصاً سائِغاً لِلشَّارِبِينَ) قال : الفرث : ما في الكرش (١).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «ليس أحد يغصّ بشرب اللّبن ، لأن الله عزوجل : يقول : (لَبَناً خالِصاً سائِغاً لِلشَّارِبِينَ)(٢).

وقال علي بن إبراهيم ، قوله : (وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً) قال : الخلّ (وَرِزْقاً حَسَناً) قال : الزبيب (٣).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إنّ الله أمر نوحا عليه‌السلام أن يحمل في السّفينة من كلّ زوجين اثنين. فحمل النخل والعجوة (٤) ، فكانا زوجا ، فلمّا نضب الماء أمر الله نوحا أن يغرس الحبلة وهي الكرم ، فأتاه إبليس فمنعه من غرسها ، وأبى نوح عليه‌السلام إلّا أن يغرسها ، وأبى إبليس أن يدعه يغرسها ، وقال : ليست لك ولا لأصحابك ، إنّما هي لي ولأصحابي فتنازعا ما شاء الله. ثم إنّهما اصطلحا على أن جعل نوح عليه‌السلام لإبليس ثلثيها ولنوح عليه‌السلام ثلثها ، وقد أنزل الله لنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كتابه ما قد قرأتموه : (وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً) فكان المسلمون [يشربون](٥) بذلك ، ثم أنزل الله آية التحريم ، هذه الآية : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ)(٦) يا

__________________

(١) تفسير القمّي : ج ١ ، ص ٣٨٧.

(٢) الكافي : ج ٦ ، ص ٣٣٦ ، ح ٥.

(٣) تفسير القمّي : ج ١ ، ص ٣٨٧.

(٤) العجوة : ضرب من أجود التمر بالمدينة. «لسان العرب ـ عجا ـ ص ١٥ ، ح ٣١».

(٥) من بحار الأنوار : ج ٦٦ ، ص ٤٨٩ ، ح ٤.

(٦) المائدة : ٩٠ ـ ٩١.

١٢٨

سعيد ، فهذه آية التحريم ، وهي نسخت الآية الأخرى» (١).

* س ٢٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (٦٨) ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (٦٩) [سورة النحل : ٦٩ ـ ٦٨]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام في قوله : (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ) إلى (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) : «فالنحل (٢) : الأئمّة ، والجبال : العرب ، والشّجر : الموالي عتاقة ، وممّا يعرشون : يعني الأولاد والعبيد ممّن لم يعتق وهو يتولّى الله ورسوله والأئمّة. والثّمرات المختلف ألوانها : فنون العلم الذي قد يعلّم الأئمّة شيعتهم : (فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ) يقول : في العلم شفاء للناس ، والشيعة هم الناس ، وغيرهم الله أعلم بهم ما هم».

قال : «ولو كان كما يزعم أنّه العسل الذي يأكله الناس ، إذن ما أكل منه ولا شرب ذو عاهة إلّا برئ ، لقول الله : (فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ) ولا خلف لقول الله ، وإنّما الشفاء في علم القرآن ، لقوله : (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ)(٣) فهو شفاء ورحمة لأهله لا شكّ فيه ولا مرية ، وأهله : أئمّة الهدى الذين قال الله : (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا)(٤)» (٥).

__________________

(١) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ٢٦٢ ، ح ٤٠.

(٢) قيل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقوله (أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً) أي : (تزوج من قريش) (تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ٢٦٤ ، ح ٤٤).

(٣) الإسراء : ٨٢.

(٤) فاطر : ٣٢.

(٥) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ٢٦٣ ، ح ٤٣.

١٢٩

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «ما بلغ النحل أن يوحى إليها! بل فينا نزلت ، ونحن النحل ، ونحن المقيمون لله في أرضه بأمره ، والجبال : شيعتنا ، والشجر : النساء المؤمنات» (١).

* س ٢٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَاللهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (٧٠) وَاللهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلى ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَواءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللهِ يَجْحَدُونَ (٧١) وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللهِ هُمْ يَكْفُرُونَ) (٧٢) [سورة النحل : ٧٢ ـ ٧٠]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إذا بلغ العبد مائة سنة فذلك أرذل العمر» (٢).

وقال الطّبرسي : روي عن عليّ عليه‌السلام : «إنّ أرذل العمر خمس وسبعون سنة». وروي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مثل ذلك (٣).

وقال علي بن إبراهيم ، في قوله تعالى : (لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً) قال : إذا كبر لا يعلم ما (٤) علمه قبل ذلك. ثمّ قال : قوله : (وَاللهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلى ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَواءٌ) قال : لا يجوز للرجل أن يختص نفسه بشيء من المأكول دون عياله.

__________________

(١) تأويل الآيات : ج ١ ، ص ٢٥٦ ، ح ١٢ عن الديلمي في تفسيره.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٧٨.

(٣) مجمع البيان : ج ٥ ، ص ٥٧٤.

(٤) في «ط» : ممّا.

١٣٠

قال : قوله : (وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً) يعني حوّاء خلقت من آدم عليه‌السلام (وَحَفَدَةً) قال : الأختان (١).

وقال الطّبرسي : في معنى الحفدة : هم أختان الرجل على بناته. قال : وهو المرويّ عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٢).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام عن قول الله : (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً) ، قال : «هم الحفدة وهم العون منهم» يعني البنين (٣).

* س ٢٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ شَيْئاً وَلا يَسْتَطِيعُونَ (٧٣) فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (٧٤) [سورة النحل : ٧٤ ـ ٧٣]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي (رحمه‌الله تعالى) : (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً) أي : لا يملك أن يرزقهم (مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ شَيْئاً وَلا يَسْتَطِيعُونَ) شيئا مما ذكرناه. وقيل : إن رزق السماء الغيث الذي يأتي من جهتها ، ورزق الأرض النبات ، والثمار ، وغير ذلك من أنواع النعم التي تخرج من الأرض.

(فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ) أي : لا تجعلوا لله الأشباه والأمثال في العبادة ، فإنه لا شبه له ، ولا مثل ، ولا أحد يستحق العبادة سواه ، وإنما قال ذلك في اتخاذهم الأصنام آلهة ...

(إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ) إن من كان إلها ، فإنه منزه عن الشركاء (وَأَنْتُمْ لا

__________________

(١) تفسير القمي : ج ١ ، ص ٣٨٧.

(٢) مجمع البيان : ج ٥ ، ص ٥٧٦.

(٣) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ٢٦٤ ، ح ٤٧.

١٣١

تَعْلَمُونَ) ذلك بل تجهلونه ، ولو تفكرتم لعلمتم. وقيل : معناه والله يعلم ما عليكم من المضرة في عبادة غيره ، وأنتم لا تعلمون ، ولو علمتم لتركتم عبادتها (١).

* س ٢٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٧٥) وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ أَيْنَما يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٧٦) [سورة النحل : ٧٦ ـ ٧٥]؟!

الجواب / قال محمد بن مسلم : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل ينكح أمته من رجل ، أيفرّق بينهما إذا شاء؟

فقال : «إن كان مملوكه ، فليفرق بينهما إذا شاء ، إن الله تعالى يقول : (عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ) فليس للعبد شيء من الأمر ، وإن كان زوجها حرّا فإنّ طلاقها عتقها» (٢).

وقال عليّ بن إبراهيم ، في قوله تعالى : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ) قال : لا يتزوّج ولا يطلّق. قال : ثمّ ضرب الله مثلا في الكفّار ، قوله : (وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ أَيْنَما يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) قال : كيف يستوي هذا ، وهذا الذي يأمر بالعدل أمير المؤمنين والأئمّة عليهم‌السلام؟! (٣) وهو المروي عن أبي جعفر عليه‌السلام (٤).

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٦ ، ص ١٨٠.

(٢) التهذيب : ج ٧ ، ص ٣٤٠ ، ح ١٣٩٢.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٨٧.

(٤) المناقب لابن شهر آشوب : ج ٢ ، ص ١٠٧.

١٣٢

* س ٢٨ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٧٧) [سورة النحل : ٧٧]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسيّ (رحمه‌الله تعالى) : (وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ومعناه أنه المختص بعلم الغيب ، وهو ما غاب عن جميع الخلائق ، مما يصح أن يكون معلوما. وقال الجبائي : ويمكن أن يكون المعنى : ولله ما غاب عنكم مما في السماوات والأرض. ثم قال : (وَما أَمْرُ السَّاعَةِ) في قدرته (إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ) أي : كطرف العين. وقيل : كرد البصر. قال الزجاج : وما أمر إقامة الساعة في قدرته ، إلا كلمح البصر أي : لا يتعذر عليه شيء (أَوْ هُوَ أَقْرَبُ) من ذلك ، وهو مبالغة في ضرب المثل به في السرعة ، ودخول (أَوْ) هنا لأحد أمرين :

١ ـ إما للإبانة على أنه على إحدى هاتين المنزلتين.

٢ ـ وإما لشك المخاطب.

وقيل : معناه بل هو أقرب.

(إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فهو قادر على إقامة الساعة ، وعلى كل شيء يريده ، لأن القدير مبالغة في صفة القادر (١).

* س ٢٩ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٧٨) أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّراتٍ فِي جَوِّ السَّماءِ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ اللهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٧٩) وَاللهُ جَعَلَ

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٦ ، ص ١٨٢.

١٣٣

لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَها يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوافِها وَأَوْبارِها وَأَشْعارِها أَثاثاً وَمَتاعاً إِلى حِينٍ (٨٠) وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً وَجَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ) (٨١) [سورة النحل : ٨١ ـ ٧٨]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم قوله تعالى : (وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ) إلى قوله : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) : إنّه محكم.

ثمّ قال : قوله : (وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً) يعني المساكن (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً) يعني الخيم والمضارب : (تَسْتَخِفُّونَها يَوْمَ ظَعْنِكُمْ) أي يوم سفركم : (وَيَوْمَ إِقامَتِكُمْ) يعني في مقامكم (وَمِنْ أَصْوافِها وَأَوْبارِها وَأَشْعارِها أَثاثاً وَمَتاعاً إِلى حِينٍ)(١).

وقال علي بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود ـ عن أبي جعفر عليه‌السلام ـ في قوله : (أَثاثاً) قال : «المال» ، (وَمَتاعاً) قال : «المنافع» ، (إِلى حِينٍ) : «أي إلى حين بلاغها» (٢).

وقال في قوله : (وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالاً) قال : ما يستظلّ به (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً وَجَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ) يعني القمص ، وإنّما جعل ما يجعل منه (وَسَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ) يعني الدّروع (٣).

وقال سليمان بن خالد : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الحرّ والبرد ، ممّا يكونان؟

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٨٧.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٨٨.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٨٨.

١٣٤

فقال ؛ «يا أبا أيوب ، إنّ المريخ كوكب حارّ ، وزحل كوكب بارد ، فإذا بدأ المرّيخ في الارتفاع انحطّ زحل وذلك في الرّبيع ، فلا يزالان كذلك ، كلّما ارتفع المرّيخ درجة انحطّ زحل درجة ثلاثة أشهر ، حتّى ينتهي المرّيخ في الارتفاع وينتهي زحل في الهبوط فيجلو المرّيخ ، فلذلك يشتدّ الحر ، فإذا كان آخر الصيف وأوّل الخريف بدأ زحل في الارتفاع وبدأ المرّيخ في الهبوط ، فلا يزالان كذلك ، كلّما ارتفع زحل درجة انحطّ المريخ درجة ، حتى ينتهي المريخ في الهبوط وينتهي زحل في الارتفاع فيجلو زحل ، وذلك في أوّل الشتاء وآخر الخريف ولذلك يشتدّ البرد ، وكلما ارتفع هذا هبط هذا ، وكلما هبط هذا ارتفع هذا ، فإذا كان في الصيف يوم بارد فالفعل في ذلك للقمر ، وإذا كان في الشتاء يوم حارّ فالفعل في ذل للشّمس ، وهذا بتقدير العزيز العليم ، وأنا عبد ربّ العالمين» (١).

* س ٣٠ : ما هو معنى قوله تعالى :

(فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ) (٨٢) [سورة النحل : ٨٢]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسيّ (رحمه‌الله تعالى) : (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ) هذا تسلية للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومعناه : فإن أعرضوا عن الإيمان بك يا محمد ، والقبول عنك ، وعن التدبر ، لما عددته في هذه السورة من النعم ، وبينت فيهما من الدلالات ، فلا عتب عليك ، ولا لوم ، فإنما عليك البلاغ الظاهر. وقد بلغت كما أمرت ، والبلاغ اسم ، والتبليغ المصدر ، مثل الكلام والتكليم (٢).

__________________

(١) الكافي : ج ٨ ، ص ٣٠٦ ، ٤٧٤.

(٢) مجمع البيان : ج ٦ ، ص ١٨٧.

١٣٥

* س ٣١ : ما هو معنى قوله تعالى :

(يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ) (٨٣) [سورة النحل : ٨٣]؟!

الجواب / قال جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن جدّه عليهم‌السلام في قوله عزوجل : (يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها).

قال : «لمّا نزلت : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ)(١) اجتمع نفر من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مسجد المدينة ، فقال بعضهم لبعض : ما تقولون في هذه الآية؟ فقال بعضهم : إن كفرنا بهذه الآية نكفر بسائرها ، وإن آمنّا فهذا ذلّ حين يتسلّط علينا ابن أبي طالب. فقالوا : قد علمنا أنّ محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صادق فيما يقول ، ولكن نتولّاه ولا نطيع عليّا فيما أمرنا ، فنزلت هذه الآية : (يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها) يعني ولاية عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام (وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ) بالولاية» (٢).

* س ٣٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (٨٤) وَإِذا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذابَ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (٨٥) وَإِذا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكاءَهُمْ قالُوا رَبَّنا هؤُلاءِ شُرَكاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكاذِبُونَ (٨٦) وَأَلْقَوْا إِلَى اللهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٨٧) الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ بِما كانُوا يُفْسِدُونَ (٨٨) وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً

__________________

(١) المائدة : ٥٥.

(٢) الكافي : ج ١ ، ص ٣٥٤ ، ح ٧٧.

١٣٦

لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ) (٨٩) [سورة النحل : ٨٩ ـ ٨٤]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم ، في قوله تعالى : (وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً) قال : لكلّ زمان [وأمة] إمام ، تبعث كلّ أمة مع إمامها. وقوله : (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ) قال : كفروا بعد النبيّ ، وصدّوا عن أمير المؤمنين عليه‌السلام (زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ بِما كانُوا يُفْسِدُونَ). ثمّ قال : (وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) يعني من الأئمة ثمّ قال لنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (وَجِئْنا بِكَ) يا محمّد (شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ) يعني على الأئمّة ، فرسول الله شهيد على الأئمّة ، والأئمّة شهداء على الناس (١).

وقال الطبرسيّ : عن الصادق عليه‌السلام قال : «لكلّ زمان وأمّة إمام ، تبعث كلّ أمّة مع إمامها» (٢).

وقال عبد الأعلى بن أعين : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «قد ولدني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنا أعلم كتاب الله ، وفيه بدء الخلق وما هو كائن إلى يوم القيامة ، وفيه خبر السّماء وخبر الأرض ، وخبر الجنّة وخبر النار ، وخبر ما كان وخبر ما هو كائن ، أعلم ذلك كما أنظر إلى كفّي ، إنّ الله عزوجل يقول : فيه تبيان كلّ شيء» (٣).

* س ٣٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (٩٠) [سورة النحل : ٩٠]؟!

الجواب / قال إسماعيل الحريريّ : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : قول الله :

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٨٨.

(٢) مجمع البيان : ج ٦ ، ص ٥٨٤.

(٣) الكافي : ج ١ ، ص ٥٠ ، ح ٨.

١٣٧

(إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ)؟ قال : «إقرأ كما أقول لك ـ يا إسماعيل ـ إنّ الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى حقّه».

فقلت : جعلت فداك ، إنّا لا نقرأ هكذا في قراءة زيد. قال : «ولكنّا نقرؤها هكذا في قراءة عليّ عليه‌السلام».

قلت : فما يعني بالعدل؟ قال : «شهادة أن لا إله إلا الله». قلت : والإحسان؟ قال : «شهادة أن محمدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قلت : فما يعني بإيتاء ذي القربى حقّه؟ قال : «أداء إمام إلى إمام بعد إمام» (وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ) قال : «ولاية فلان وفلان» (١).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : «العدل : شهادة أن لا إله إلا الله ، والإحسان : ولاية أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وينهى عن الفحشاء : الأوّل ، والمنكر : الثاني ، والبغي : الثالث» (٢).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : «العدل : شهادة الإخلاص ، وأنّ محمّدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والإحسان : ولاية أمير المؤمنين عليه‌السلام ، والإتيان بطاعتهما (صلوات الله عليهما). وإيتاء ذي القربى : الحسن والحسين والأئمّة من ولده عليهم‌السلام ، (وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ) وهو من ظلمهم وقتلهم ومنع حقوقهم وموالاة أعدائهم ، فهو المنكر الشنيع والأمر الفظيع» (٣).

وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : «العدل : الإنصاف ، والإحسان : التفضّل» (٤).

__________________

(١) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ٢٦٧ ، ح ٦٠.

(٢) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ٢٦٧ ، ح ٦٢.

(٣) تأويل الآيات : ج ١ ، ص ٢٦١ ، ح ٢٠ ، عنه البحار : ج ٢٤ ، ص ١٨٨ ، ح ٧.

(٤) معاني الأخبار : ص ٢٥٧ ، ح ١.

١٣٨

* س ٣٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ (٩١) وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٩٢) وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَلَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٩٣) وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَلَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٩٤) وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً إِنَّما عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٩٥) ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللهِ باقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (٩٦) [سورة النحل : ٩٦ ـ ٩١]؟!

الجواب / قال عليّ بن إبراهيم : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «لمّا نزلت الولاية ، وكان من قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بغدير خمّ : سلّموا على عليّ بإمرة المؤمنين. فقالوا : أمن الله ومن رسوله؟ فقال : اللهمّ نعم ، حقّا من الله ومن رسوله. فقال : إنّه أمير المؤمنين وإمام المتّقين ، وقائد الغرّ المحجّلين ، يقعده الله يوم القيامة على الصّراط ، فيدخل أولياءه الجنّة ، ويدخل أعداءه النار.

وأنزل الله عزوجل (وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ) يعني : قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من الله ورسوله ، ثم ضرب لهم مثلا ، فقال : (وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ)(١).

ثمّ قال علي بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٨٩.

١٣٩

قال : «التي نقضت غزلها : امرأة من بني تيم بن مرّة يقال لها ريطة بنت كعب بن سعد بن تيم بن كعب بن لؤيّ بن غالب ، كانت حمقاء تغزل الشّعر ، فإذا غزلته نقضته ثم عادت فغزلته ، فقال الله : (كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ) ـ قال ـ إنّ الله تبارك وتعالى أمر بالوفاء ونهى عن نقض العهد ، فضرب لهم مثلا» (١).

وقال عليه‌السلام : «التي نقضت غزلها من بعد قوّة أنكاثا عائشة ، هي نكثت أيمانها» (٢).

نرجع إلى رواية علي بن إبراهيم (٣) ، قال : في قوله عليه‌السلام : «أن تكون أئمّة هي أزكى من إئمّتكم». فقيل : يا بن رسول الله ، نحن نقرأها : (هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ). قال : «ويحك ، وما أربى؟! ـ وأومأ بيده فطرحها ـ (إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللهُ بِهِ) يعني بعليّ بن أبي طالب عليه‌السلام يختبركم (وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ وَلَوْ شاءَ) الله (لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً) ـ قال ـ على مذهب واحد وأمر واحد (وَلكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ) ـ قال ـ يعذّب بنقض العهد (وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) ـ قال ـ يثيب (وَلَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ) ـ قال ـ هو مثل لأمير المؤمنين عليه‌السلام : (فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها) يعني بعد مقالة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيه (وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) يعني عن عليّ عليه‌السلام (وَلَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ).

(وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً) معطوف على قوله : (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذا عاهَدْتُمْ).

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٨٩.

(٢) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ٢٦٩ ، ح ٦٥.

(٣) المتقدّمة في الحديث الأول من تفسير هذه الآيات.

١٤٠